في 12 أكتوبر 2022، أصدرت الإدارة الأمريكية برئاسة الرئيس جو بايدن “استراتيجية الأمن القومي” الأمريكي التي ترسم “رؤية لعالم حر ومنفتح وآمن ومزدهر، مع خطة شاملة لتحقيق هذه الرؤية، بحسب بيان أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية في نفس اليوم. حيث يقول بيان الخارجية، “ليست هذه رؤيتنا فحسب، بل هي رؤية نتشارك فيها مع العديد من البلدان الأخرى التي تسعى إلى العيش في عالم يحترم المبادئ الأساسية لتقرير المصير وسلامة الأراضي والاستقلال السياسي؛ عالم تكون الدول فيه حرة في تحديد خيارات سياستها الخارجية؛ عالم يتيح حرية تدفق المعلومات ويحترم حقوق الإنسان العالمية ويعمل الاقتصاد العالمي فيه على أساس تكافؤ الفرص، ويوفر الفرص للجميع”.
ونظراً لأهمية الاستراتيجية في العمل البحثي، فقد قام المعهد المصري للدراسات بترجمة كامل النص وإتاحته للباحثين، على حلقات، تم نشر الحلقة الأولى منها، والتي شملت مقـدمة الرئيس بايدن، وعرض إجمالي للاستراتيجية؛ والحلقة الثانية، والتي شملت الجزء الأول من الاستراتيجية، تحت عنوان: ” المنافسة على ما هو قادم”، وهذه هي الحلقة الثالثة والتي تشمل الجزء الثاني من الاستراتيجية، تحت عنوان: “الاستثمار في قوتنا”، وذلك على النحو التالي:
الجزء الثاني: الاستثمار في قوتنا
الاستثمار في قوتنا الوطنية للحفاظ على الميزة التنافسية
من أجل التغلب على منافسينا والتصدي للتحديات المشتركة، ستحتاج أمريكا إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية وتحسينها من خلال القيام باستثمارات محلية مهمة. ففي ظل عالم مترابط، لا يوجد خط واضح يفصل بين السياسة الخارجية والداخلية. فمستقبل نجاح أمريكا في العالم يعتمد على قوتنا وصمودنا في الداخل – وخاصة قوة طبقتنا الوسطى، وهو أمر بالغ الأهمية لأمننا القومي كمحرك للنمو الاقتصادي ومصدر رئيسي للحيوية الديمقراطية والتماسك. وبالتأكيد فإن العكس صحيح أيضاً. فنجاحنا في الوطن يتطلب انخراط قوي واستراتيجي في العالم بما يتماشى مع اهتماماتنا وقيمنا لجعل الحياة أفضل وأكثر أماناً وإنصافاً للشعب الأمريكي. وهذا هو السبب في أننا يجب أن نقوم باستثمارات بعيدة المدى في مصادر قوتنا الطبيعية وفي نفس الوقت بناء قدرتنا على الصمود.
تنفيذ استراتيجية حديثة للصناعة والابتكار
لطالما كان، ولا يزال، القطاع الخاص والأسواق المفتوحة، مصدراً حيوياً لقوتنا الوطنية ومحركاً رئيسياً للابتكار. ومع ذلك، لا تستطيع الأسواق وحدها الاستجابة للوتيرة السريعة للتغير التكنولوجي، واضطرابات الإمدادات العالمية، والانتهاكات المتناقضة مع قواعد السوق من قبل جمهورية الصين الشعبية والجهات الفاعلة الأخرى، أو تفاقم أزمة المناخ. ويعد الاستثمار العام الاستراتيجي هو العمود الفقري لقاعدة صناعية وابتكارية قوية في الاقتصاد العالمي للقرن الحادي والعشرين.
ولهذا السبب تتبع الولايات المتحدة استراتيجية صناعية وابتكارية حديثة. نحن نحدد المجالات الرئيسية التي لم تستثمر فيها الصناعة الخاصة بقوة، من تلقاء نفسها، ونستثمر فيها من أجل حماية مصالحنا الاقتصادية وأمننا القومي الأساسية، بما في ذلك تعزيز صمودنا الوطني. فنحن نقوم بتأمين بنيتنا التحتية الحيوية، ونعزز الأمن السيبراني الأساسي للقطاعات الحيوية من خطوط الأنابيب إلى المياه، ونعمل مع القطاع الخاص لتحسين الدفاعات الأمنية في المنتجات التكنولوجية. ونحن نقوم أيضاً بتأمين سلاسل التوريد الخاصة بنا، بما في ذلك من خلال أشكال جديدة من التعاون بين القطاعين العام والخاص، واستخدام المشتريات العامة في الأسواق الحساسة كوسيلة لتحفيز الطلب على الابتكار. وفي عام 2021، عززنا قدرتنا التنافسية من خلال تفعيل أكبر استثمار في البنية التحتية المادية منذ ما يقرب من قرن، بما في ذلك الاستثمارات التاريخية في النقل وشبكات التردد واسع النطاق والمياه النظيفة والبنية التحتية للطاقة، مما سيرفع معدلات النمو الاقتصادي لعقود قادمة. ونحن ندرك أهمية سلسلة توريد أشباه الموصّلات من أجل تنافسيتنا وأمننا القومي، ونسعى كذلك إلى تنشيط صناعة أشباه الموصّلات في الولايات المتحدة. يصرح قانون الرقائق والعلوم بمبلغ 280 مليار دولار للاستثمار المدني في البحث والتطوير، لا سيما في القطاعات الحيوية مثل أشباه الموصّلات والحوسبة المتقدمة واتصالات الجيل التالي وتقنيات الطاقة النظيفة والتقنيات الحيوية. ونستثمر، من خلال المبادرة الوطنية للتكنولوجيا الحيوية والتصنيع الحيوي، أكثر من 2 مليار دولار لتسخير الإمكانات الكاملة للتكنولوجيا الحيوية والتصنيع الحيوي، وخلق فرص العمل من المنزل، وتعزيز سلاسل التوريد، وتقليل انبعاثات الكربون.
وفي عام 2022، أصدرنا قانون الحد من التضخم الذي سيستثمر في إنتاج وتصنيع الطاقة المحلية، ويقلل من انبعاثات الكربون بنسبة 40% تقريباً بحلول عام 2030. حيث تُعتبر مكافحة أزمة المناخ، وتعزيز أمن الطاقة لدينا، وتسريع التحول إلى الطاقة النظيفة جزءا لا يتجزأ من استراتيجيتنا الصناعية ونمونا الاقتصادي وأمننا. ونحن نحتضن وننشر تقنيات وحلول جديدة، مما يسمح لنا بقيادة العالم في الوقت الذي نقوم فيه بإنشاء أسواق جديدة ومقاربات قابلة للتطوير. وستضمن هذه الاستثمارات معاً المحافظة على صدارة على الولايات المتحدة، وستزيد من قدرتها الاقتصادية، وستدعم ملايين الوظائف وتريليونات الدولارات في نطاق النشاط الاقتصادي خلال العقد المقبل. ومن خلال هذه الجهود، نقوم بحشد المواهب والعزيمة والابتكار لدى العمال الأمريكيين، الذين يمكنهم منافسة أي شخص آخر. كما نعطي الأولوية كذلك لرأس المال والاستثمار في التنمية الاقتصادية الإقليمية لضمان صنع المستقبل في جميع أنحاء أمريكا، من قبل جميع الأمريكيين.
وفي الوقت الذي نقوم فيه بهذه الجهود، نقوم أيضاً بحماية استثماراتنا وتعزيز صمودها من خلال تتبع الفاعلين في الأنشطة الخبيثة في الفضاء الإلكتروني، وإسنادها (الاستثمارات) والدفاع عنها. ونحن أيضاً نتصدى لسرقة حقوق الملكية الفكرية، والنقل القسري للتكنولوجيا، والمحاولات الأخرى التي تستهدف تقليل المزايا التكنولوجية لدينا، وذلك من خلال تعزيز فرز الاستثمار، وضوابط التصدير، وموارد مكافحة التجسس. وتماماً مثلما نسعى إلى تجميع الخبرة التقنية والقدرة الصناعية التكميلية مع حلفائنا وشركائنا، فإننا نعزز قدرتنا الجماعية على الصمود في وجه محاولات التقليل من مزايا التكنولوجيا المشتركة لدينا، بما في ذلك من خلال فرز الاستثمار وضوابط التصدير، وتطوير أنظمة جديدة للتعامل مع الثغرات المستمرة.
الاستثمار في شعبنا
نحن نركز على تعزيز الاقتصاد من خلال البناء من أسفل إلى أعلى ومن المنتصف باتجاه الخارج. ولتحقيق هذه الغاية، فإننا نعلم أن أكثر الاستثمارات العامة تأثيراً هي تلك التي نقوم بها في شعبنا. فنسعى إلى زيادة فرص الوصول العادل إلى الرعاية الصحية ورعاية الأطفال بتكلفة معقولة؛ والتدريب المهني وبناء المهارات؛ والتعليم والتدريب عالي الجودة، بما في ذلك العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (ستيم)، وخاصة بالنسبة للنساء والفتيات. وستعزز هذه الاستثمارات قدرتنا الاقتصادية من خلال ضمان أن تكون القوى العاملة لدينا أفضل تعليماً وصحة وأكثر إنتاجية. وستعمل هذه القوة العاملة الأقوى أيضاً على بناء مزايا دائمة تعزز قوتنا وصمودنا. كما ندعم العمال من خلال تشجيع التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية وتحسين جودة قيام العمال بوظائفهم.
وفي الوقت الذي نقوم فيه بتهيئة الظروف التي تتيح لشعبنا الازدهار، سنستمر أيضاً في جعل أمريكا الوجهة المفضلة للمواهب حول العالم. فمنذ تأسيس أمتنا، تعززت أمريكا وتجددت من قبل المهاجرين الباحثين عن الفرص والملاذ على شواطئنا – وهي ميزة إستراتيجية فريدة. وسنواصل العمل مع الكونجرس واتخاذ الإجراءات التنفيذية لضمان أن تكون أنظمة الهجرة واللاجئين لدينا عادلة ومنظمة وإنسانية وأسهل في التنقل ومتسقة مع قيمنا والقانون. وسنتخذ المزيد من الإجراءات لضمان بقاء الولايات المتحدة الوجهة الأولى للمواهب في العالم.
تعزيز ديمقراطيتنا
إن ديمقراطيتنا هي جوهر هويتنا، ولطالما كانت التجربة الديمقراطية الأمريكية مصدر إلهام للناس في جميع أنحاء العالم. حيث يكرس نظام حكومتنا سيادة القانون ويسعى جاهداً لحماية مبادئ المساواة والكرامة لجميع الأفراد. كما تدفعنا المداولات والنقاشات المستنيرة إلى تصحيح أخطائنا وتلبية الاحتياجات العامة بشكل أفضل وتوسيع دائرة الفرص. ولكننا لم نرتقِ دائماً لبلوغ مستوى مُثُلنا، ففي السنوات الأخيرة تعرضت ديمقراطيتنا لتحديات من الداخل. لكننا أيضاً لم نبتعد أبداً عن مُثلنا العليا، ففي كل لحظة مليئة بالتحديات، يتقدم المواطنون قُدماً لدعمها. وفي أوقات الأزمات أو فترات الإخفاق في الحكم على الأشياء، نتطلع إلى مزيد من الديمقراطية – وليس أقل – لشق طريقنا إلى الأمام. فديمقراطيتنا هي عمل في طريق التقدم – ومن خلال حساب عيوبنا ومعالجتها، يمكننا إلهام الآخرين في جميع أنحاء العالم لفعل الشيء نفسه.
وكأميركيين، يجب أن نتفق جميعاً على أن حكم الشعب، كما تم التعبير عنه في الانتخابات، يجب احترامه وحمايته. ونعتقد أيضاً أنه لا تزال هناك حاجة إلى إصلاحات حاسمة لتعزيز نظام الحكم لدينا. هذا هو السبب في أننا اتخذنا إجراءات تنفيذية وحثثنا على سن تشريعات أساسية لحماية وتعزيز حقوق التصويت وتوسيع المشاركة الديمقراطية، وهذا هو السبب أيضاً في أننا نبني على عمل أجيال من الناشطين لتعزيز المساواة واستئصال الفوارق المنهجية في قوانيننا وسياساتنا و المؤسسات. وفي الواقع، فإن التعددية والشمول والتنوع تعد مصدر قوتنا الوطنية في عالم سريع التغير. نحن نعيد التأكيد على الحق في حرية التعبير، وحرية الصحافة، والتجمع السلمي، وغيرها من الحريات المدنية الأساسية. وفي الوقت نفسه، نحن نقف في مواجهة التهديدات التي تتعرض لها ديمقراطيتنا، مثل الإرهاب المحلي، من خلال تنفيذ أول استراتيجية وطنية لبلدنا على الإطلاق لمكافحة الإرهاب المحلي، والتصدي بشكل مباشر للقوى العالمية من قبيل الفساد المسلح وعمليات التلاعب بالمعلومات والتدخل السياسي، والتصدي للاعتداءات على سيادة القانون، بما في ذلك في الانتخابات. ولن تتسامح أمريكا مع التدخل الأجنبي في انتخاباتنا. وسنتصرف بشكل حاسم للدفاع عن عملياتنا الديمقراطية وردع أي محاولات لعرقلتها، وسنرد على أي تدخل مستقبلي باستخدام جميع الأدوات المناسبة لقوتنا الوطنية.
استخدام الدبلوماسية لبناء أقوى تحالفات ممكنة
تحمي شبكة حلفاء وشركاء الولايات المتحدة، التي لا مثيل لها، مصالحنا وتعززها في جميع أنحاء العالم – ولذلك فهي موضع حسد خصومنا. واعتماداً على هذه الشبكة، سنجمع أقوى التحالفات الممكنة للتقدم والدفاع عن عالم حر ومنفتح ومزدهر وآمن. وستشمل هذه الائتلافات جميع الدول التي تشترك معنا في هذه الأهداف. حيث توجد في قلب هذا التحالف توجد دول ديمقراطية تشاركنا مصالحنا وقيمنا، مما يضمن أن يكون التحالف تحويلياً قدر الإمكان. لجعل تحالفاتنا جامعة قدر الإمكان، سنعمل أيضاً مع أي دولة تدعم نظامنا القائم على القواعد بينما نواصل الضغط على جميع الشركاء لاحترام وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان.
التعاون التحويلي
ومن أجل حل أصعب المشاكل التي يواجهها العالم، نحتاج إلى تحقيق مستويات أكبر من التعاون بشكل هائل. ومفتاح القيام بذلك هو إدراك أن جوهر تحالفنا الشامل هم هؤلاء الشركاء الذين يشاركوننا مصالحنا بشكل وثيق. حيث تعد التحالفات التعاهدية (التي تشكل المعاهدات الأساس الذي قامت عليه) الأمريكية مع الدول الديمقراطية الأخرى أساساً لاستراتيجيتنا وهي محورية بالنسبة لكل ما نقوم به تقريباً من أجل جعل العالم أكثر سلاماً وازدهاراً. وعلى حلفائنا في الناتو والمعاهدات الثنائية الأخرى ألا يتطرق إليهم أدنى شك في إرادتنا وقدرتنا على الوقوف إلى جانبهم ضد أي عدوان أوترهيب. وبينما نقوم بتحديث جيشنا ونعمل على تعزيز ديمقراطيتنا في الداخل، فسوف ندعو حلفاءنا إلى فعل الشيء نفسه، بما في ذلك من خلال الاستثمار في نوعية القدرات والاضطلاع بالتخطيط اللازم لتعزيز الردع في عالم تزداد فيه مظاهر المواجهة.
لقد كان للتحالفات والشراكات الأمريكية دور حاسم في سياستنا للأمن القومي على مدى ثمانية عقود، ويجب تعميقها وتحديثها للقيام بنفس الدور في المستقبل. وقد استجاب الناتو بشكل موحد وقوي لردع المزيد من العدوان الروسي في أوروبا، حتى عندما تبنى الناتو أيضاً أجندة جديدة واسعة في قمة مدريد 2022 لمعالجة التحديات الممنهجة من الصين وغيرها من المخاطر الأمنية بدءاً من الإنترنت حتى المناخ، وكذلك الموافقة على طلب فنلندا والسويد للانضمام إلى التحالف. ويقوم مجلس التجارة والتكنولوجيا الذي تم إنشاؤه حديثاً بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتنسيق الأساليب لتحديد قواعد الطريق بشأن قضايا التكنولوجيا والاقتصاد والتجارة العالمية على أساس القيم الديمقراطية المشتركة. وتعزز شراكتنا الأمنية (أوكوس) مع أستراليا والمملكة المتحدة الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ مع تعميق التكامل الدفاعي والتكنولوجيا. ونواصل تعميق التعاون مع تحالف “العيون الخمس” (مع أستراليا وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة). وتعالج الرباعية التي أعيد تنشيطها، والتي تضم الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، التحديات الإقليمية، وقد أثبتت قدرتها بالفعل على تحقيق أهداف منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومكافحة كوفيد-19 وتغير المناخ، وتعميق شراكات الأمن السيبراني وتعزيز المعايير العالية للبنية التحتية والأمن الصحي. وتُعد علاقاتنا الاستخباراتية مع حلفائنا بمثابة رصيد إستراتيجي من شأنه أن يساهم بشكل متصاعد في التنافس مع غيرنا من القوى المنافسة لنا، لا سيما في مجال المنافسة التكنولوجية.
وسنستمر في إعطاء الأولوية للبحث عن طرق جديدة لدمج تحالفاتنا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا وتطوير وسائل جديدة أعمق للتعاون. لقد أعدنا تنشيط مجموعة السبع باعتبارها اللجنة التوجيهية للديمقراطيات الصناعية المتقدمة في العالم، ونعتقد أن لها دوراً حاسماً في دعم رؤيتنا المشتركة للنظام الدولي. حيث تكون مجموعة الدول السبع في أقوى حالاتها عندما تشارك بشكل رسمي دولاً أخرى ذات أهداف تتوافق معها، كما حدث في قمة 2022، حيث شاركت أيضاً الأرجنتين والهند وإندونيسيا والسنغال وجنوب إفريقيا وأوكرانيا.
وعندما يقوم حلفاؤنا وشركاؤنا الأوروبيون بدور نشط في منطقة المحيطين الهندي والهادئ تتعزز المصالح الأمريكية على أفضل وجه، بما في ذلك دعم حرية الملاحة والحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان. وبالمثل، نريد أن يشارك حلفاؤنا في المحيطين الهندي والهادئ بشكل تعاوني مع حلفائنا الأوروبيين في تشكيل النظام الذي نتطلع إليه جميعاً، وذلك من خلال الوقوف في وجه روسيا والتعاون مع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في منافستنا مع الصين. وهذا ليس معروفا يُقدّم للولايات المتحدة. حيث يدرك حلفاؤنا أن انهيار النظام الدولي في منطقة ما سيعرضه في نهاية المطاف للخطر في مناطق أخرى.
هؤلاء الحلفاء والشركاء من الدول الديمقراطية لهم دور مهم أيضاً من أجل دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. حيث تُعتبر الإجراءات الرامية إلى تعزيز الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان أمراً بالغ الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة، ليس فقط لأن القيام بذلك يتوافق مع قيمنا، ولكن أيضاً لأن احترام الديمقراطية ودعم حقوق الإنسان يعززان السلام والأمن والازدهار العالمي.
كما تهدد التهديدات العالمية لأنظمة الحُكم التي تخضع للمساءلة والشفافية نظامنا الديمقراطي. وسنعمل باستمرار على تحديث مجموعة أدواتنا من أجل تعزيز الديمقراطية ومكافحة الاستبداد. وتعزز المبادرة الرئاسية للتجديد الديمقراطي نوعياً من قدرتنا على مواجهة التحديات الغارقة خلال عشرينيات القرن الحادي والعشرين، مثل الفساد الكبير والقمع الرقمي والهجمات التي يتم شنها على الانتخابات ووسائل الإعلام المستقلة. وعلى نفس المنوال، فإننا نستجيب للطرق التي يسعى المستبدون من خلالها إلى تقويض النظام العالمي، والتي تتطور باستمرار، ولا سيما من خلال استخدام المعلومات كسلاح لتقويض الديمقراطيات واستقطاب المجتمعات. ونحن نقوم بذلك من خلال العمل مع الحكومات والمجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة والقطاع الخاص لمنع مزاحمة المعلومات الموثوقة، وفضح حملات التضليل، وتعزيز سلامة البيئة الإعلامية – وهي حجر الأساس للديمقراطيات المزدهرة. ونعمل مع حلفائنا وشركائنا، جنباً إلى جنب، أيضاً لتحميل الدول المسؤولية عن انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان، بما في ذلك تلك التي تُمارس ضد الأقليات العرقية والدينية، ونتعامل مع مكافحة الفساد باعتبارها مصلحة أساسية للأمن القومي، وكذل مكافحة القمع العابر للحدود الوطنية، والوقوف إلى جانب الناس حول العالم في الخطوط الأمامية للنضال من أجل الكرامة والمساواة والعدالة. ونعيد تأكيد التزامنا بالعمل مع المجتمع الدولي لتحقيق حلول مستدامة وطويلة الأجل لمواجهة أشد أزمة للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية – بما في ذلك من خلال إعادة التوطين. وقد قمنا برفع سقف قبول اللاجئين السنوي لدينا إلى 125000، ونعمل على إعادة بناء وتحسين برنامج قبول اللاجئين في الولايات المتحدة لتمكيننا من تحقيق هذا الهدف.
عالم يحتوي الجميع
إن الغالبية العظمى من الدول تريد نظاماً مستقراً ومفتوحاً قائماً على القواعد يحترم سيادتها وسلامة أراضيها، ويوفر وسيلة عادلة للتبادل الاقتصادي مع الآخرين ويعزز الرخاء المشترك، ويتيح التعاون بشأن التحديات المشتركة. وهم يرفضون بشدة العدوان والإكراه والتدخل الخارجي. وليس لديهم مصلحة البتة في قلب القواعد والمعايير الراسخة منذ أمد بعيد، حتى لا يصبح العالم مرتعاً للعدوان والقمع.
سنساعد في بناء التحالفات التي تشرك كل هذه البلدان وتستفيد من قوتها الجماعية وسنعمل على الحفاظ عليها. ونحن ندرك أنه قد يكون للبعض تحفظات على القوة الأمريكية وسياستنا الخارجية. وقد لا يكون البعض الآخر ديمقراطياً، ولكنه مع ذلك يعتمد على النظام الدولي القائم على القواعد. ومع ذلك، فإن القواسم المشتركة بيننا، والتطلع لوجود عالم أكثر حرية وانفتاحاً، يجعل مثل هذا التحالف الواسع ضرورياً وجديراً بالاهتمام. وسنستمع وننظر في الأفكار التي يقترحها شركاؤنا حول كيفية القيام بذلك.
ويتطلب بناء هذا التحالف الشامل تعزيز النظام متعدد الأطراف لدعم المبادئ التأسيسية للأمم المتحدة، بما في ذلك احترام القانون الدولي. حيث أعربت 141 دولة عن دعمها في الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرار يدين العدوان الروسي غير المبرر على أوكرانيا. ونواصل إظهار هذا النهج من خلال إشراك جميع المناطق في جميع القضايا، ليس من حيث ما نحن ضده ولكن ما نحن من أجله. هذا العام، عقدنا شراكة مع رابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان” لتعزيز البنية التحتية للطاقة النظيفة والأمن البحري في المنطقة. وقد بدأنا حملة “ازدهار إفريقيا – نبنيه معاً” لإذكاء النمو الاقتصادي في جميع أنحاء القارة وتعزيز التجارة والاستثمار في قطاعات الطاقة النظيفة والصحة والتكنولوجيا الرقمية. ونعمل على تطوير شراكة مع الدول الواقعة على المحيط الأطلسي لإنشاء وتنفيذ نهج مشترك لدفع التنمية المشتركة، والأهداف الاقتصادية والبيئية والعلمية، والحوكمة البحرية. وحفّزنا العمل الإقليمي لمواجهة التحديات الأساسية التي تواجه نصف الكرة الغربي من خلال قيادة شراكة الأمريكتين من أجل الازدهار الاقتصادي لتحفيز ودفع الانتعاش الاقتصادي وحشد المنطقة خلف نهج جريء وغير مسبوق للهجرة من خلال “إعلان لوس أنجلوس بشأن الهجرة والحماية”. وفي منطقة الشرق الأوسط، عملنا على تعزيز الردع تجاه إيران، وتخفيف حدة النزاعات الإقليمية، وتعميق التكامل بين مجموعة متنوعة من الشركاء في المنطقة، وتعزيز استقرار الطاقة.
ويُعدّ إطار العمل الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، والذي أطلقناه جنباً إلى جنب مع عشرات الشركاء الإقليميين الذين يمثلون 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، من الأمثلة البارزة على التحالف الشامل. حيث ستسمح الركائز الأربع لهذا الإطار – التجارة والاقتصاد الرقمي، وسلاسل التوريد والمرونة، والطاقة النظيفة وإزالة الكربون، والضرائب ومكافحة الفساد – لهذه الشراكة بتحديد قواعد الطريق لمنطقة حيوية اقتصادياً، وبالتالي الاقتصاد العالمي.
وقد أطلقت الولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع شركائنا في مجموعة السبعة، الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار لتلبية احتياجات البنية التحتية الهائلة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل. حيث ستعمل الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار على تحفيز التمويل العام والخاص للنهوض بالمناخ وأمن الطاقة والصحة والأمن الصحي والاتصال الرقمي والمساواة بين الجنسين – كل ذلك مع خلق فرص للشركات الأمريكية. وقد حصلنا على التزامات بأكثر من 3 مليار دولار من مجلس التعاون الخليجي لصالح مشاريع تتوافق مع أهداف الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار. وتخذنا نهجاً مشابهاً في عدد من مبادرات التنمية الأخرى، والتي تم بناؤها أيضاً حول تحالفات أصحاب المصلحة المتعددين التي يمكنها حشد مجموعة واسعة من الموارد لإبراز حقيقة أن “الديمقراطية تحقق الكثير” من خلال طرق مختلفة، بما في ذلك خطة الرئيس الطويلة الأمد للإغاثة من الإيدز ( بيبفار) والصندوق العالمي. ونحشد العالم لاتخاذ إجراءات جريئة ورفع طموحنا الجماعي للوصول إلى هدف الصندوق العالمي البالغ 18 مليار دولار لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز والسل والملاريا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وفي هذا السياق طلبنا تخصيص 2 مليار دولار في ميزانيتنا للسنة المالية 2023 للوفاء بتعهد الولايات المتحدة بتقديم 6 مليارات دولار على مدى ثلاث سنوات. وسيعمل هذا الاستثمار على تعزيز النظم الصحية، وتسريع التقدم لتحقيق التغطية الصحية الشاملة، وتوسيع القوة العاملة الصحية العالمية.
وستعمل الولايات المتحدة بشكل عملي مع أي شريك يرغب في الانضمام إلينا في حل المشكلات بشكل بنّاء، وتعزيز وبناء علاقات جديدة على أساس المصالح المشتركة. وهذا ليس على مستوى الدول فحسب، بل يشمل أيضاً مجموعات المجتمع المدني والشركات الخاصة والمؤسسات الخيرية والحكومات دون الوطنية في الداخل وفي جميع أنحاء العالم. ومن خلال مبادرات ثبتت جدواها مثل “جافي”، تحالف اللقاحات؛ والمنصات الجديدة (الفورية) التي تلبي حاجة اللحظة، مثل مبادرة كوفاكس (توفير وتقديم اللقاحات في إطار مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-19)، والجهود التاريخية الجديدة التي تُبذل من أجل تحسين تمويل الأمن الصحي العالمي، بما في ذلك صندوق الوسيط المالي للوقاية من الأوبئة والجهوزية والاستجابة لها، من خلال ذلك سنقوم بتشكيل تحالفات تستهدف تحقيق أغراض محددة وتحالفات بين القطاعين العام والخاص لمواجهة أصعب تحديات العالم.
عالم مزدهر
وسننشئ أيضاً طرقاً جديدة للعمل مع الحلفاء والشركاء على التنمية وتوسيع الكرامة الإنسانية لأننا ندرك أنها جزء لا يتجزأ من أمن وازدهار جميع الأمريكيين. غالباً ما تظهر الأمراض المعدية والإرهاب والتطرف العنيف والهجرة غير النظامية وغيرها من التهديدات أو تتسارع بسبب تحديات التنمية الأكثر عمقاً، والتي بمجرد حدوثها، لا تعترف بالحدود الوطنية. حيث تقوض التهديدات العابرة للأوطان، بدورها، التنمية، وتذكي الفقر والمعاناة الإنسانية، وتدفع للدخول في حلقة مفرغة.
لقد أدت جائحة كوفيد -19 إلى تآكل المكاسب التي حققتها التنمية وتسليط الضوء على أوجه عدم المساواة المستمرة. وتهدد الصراعات طويلة الأمد، والهشاشة المتزايدة، وعودة الاستبداد، والصدمات المناخية المتزايدة، حياة الناس وسبل عيشهم والاستقرار العالمي. وأدت حرب روسيا ضد أوكرانيا إلى تفاقم هذه التهديدات، مما ساهم في ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، والذي أدى بدوره إلى تفاقم الفقر وتآكل الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم.
سنعمل على مواجهة هذه التحديات المشتركة، ونجدد التزامنا بالنهوض بأهداف التنمية المستدامة من خلال السعي إلى إقامة شراكات إنمائية أكثر احتواءً وشمولية، لا سيما من خلال وضع الشركاء المحليين في سدّة القيادة، ونشر مجموعة أكثر اتساعاً من الأدوات، بما في ذلك التمويل التحفيزي والإنساني المتكامل، والتنمية وبناء السلام. ونحن بالفعل نطبق هذا النهج لمساعدة الدول الضعيفة على بناء المرونة في مواجهة الآثار المدمرة لأزمة المناخ من خلال خطة الطوارئ الرئاسية للتكيف والمرونة (بريبير) ودعم التجديد الديمقراطي من خلال الشراكات من أجل التنمية الديمقراطية (بي دي دي). وننفذ أيضاً هذا النهج الإنمائي لتعزيز الأمن الصحي العالمي والأنظمة واتخاذ إجراءات إنسانية مبدئية مع معالجة الأسباب الجذرية للهشاشة والصراع والأزمات، بما في ذلك من خلال قانون الهشاشة العالمية. وسنستخدم أدواتنا الإنسانية والإنمائية وأدوات بناء السلام بشكل أكثر تماسكاً. وسنستثمر في النساء والفتيات، وسنستجيب للأصوات والنداءات ونركز على احتياجات الفئات الأكثر تهميشاً، بما في ذلك مجتمع “إل جي بي تي كيو آي+” (المثليات، والمثليين، ومزدوجي الميل الجنسي، والمتحولين، والشواذ وثنائيي الجنس، وغيرهم)؛ وتعزيز التنمية الشاملة على نطاق واسع.
ومن خلال عملنا التنموي، سنستمر في استخدام أفضل الممارسات التي تميز الولايات المتحدة وشركاءنا عن منافسينا، بما في ذلك: الشفافية والمساءلة؛ ومعايير بيئية واجتماعية وعمالية وإدماج عالية؛ واحترام حقوق الإنسان؛ والشراكات المحلية المدعومة بالمساعدات الخارجية والتمويل السليم والمستدام. وتُعتبر المؤسسات المالية الدولية، بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أيضاً عوامل مضاعِفة لقوة قيمنا ومصالحنا. ومن أجل تحقيق نمو أقوى وأكثر استقراراً في الخارج لابد من وجود اقتصاد أقوى هنا في الداخل. ومع ازدهار الاقتصادات الأخرى، يزداد الطلب على الصادرات الأمريكية من السلع والخدمات، مما يخلق مزيد من الوظائف في الولايات المتحدة. وسنعمل على تعزيز استجابة هذه المؤسسات لأولويات الولايات المتحدة، بما في ذلك كيفية دعم البلدان النامية بشكل أفضل في مواجهة الجائحة وحالياً تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا.
تحديث جيشنا وتقويته
يُعدّ الجيش الأمريكي هو أقوى قوة قتالية عرفها العالم على الإطلاق. ولن تتردد الولايات المتحدة في استخدام القوة عند الضرورة للدفاع عن مصالحنا الوطنية. لكننا سنفعل ذلك كملاذ أخير وفقط عندما تكون الأهداف والرسالة واضحة وقابلة للتحقيق، ومتوافقة مع قيمنا وقوانيننا، إلى جانب الأدوات غير العسكرية، وأن يتم تنفيذ المهمة بموافقة مستنيرة من الشعب الأمريكي.
وقد تم توصيف نهجنا في الدفاع الوطني بالتفصيل في استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2022. ومنطلقنا الأساسي في ذلك هو أن الجيش الأمريكي القوي يساعد في تعزيز وحماية المصالح الوطنية الحيوية للولايات المتحدة من خلال دعم الدبلوماسية، ومواجهة العدوان، وردع الصراع، وإظهار القوة، وحماية الشعب الأمريكي ومصالحه الاقتصادية. وفي ظل المنافسة الشديدة، يتمثل دور الجيش في الحفاظ على مزايا القتال واكتسابها مع الحد من مزايا منافسينا. وسيتصرف الجيش بشكل عاجل للحفاظ على الردع وتعزيزه، مع كون الصين بمثابة التحدي الخطير لنا. وسنتخذ خيارات منضبطة فيما يتعلق بالدفاع الوطني وسنركز اهتمامنا على المسؤوليات العسكرية الأساسية: الدفاع عن الوطن، وردع الهجمات والاعتداءات ضد الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا، مع الجهوزية للقتال والفوز في الحروب التي تخوضها الأمة عندما تفشل الدبلوماسية والردع.
ومن أجل القيام بذلك، سنجمع كل قوتنا لتحقيق أقصى تأثير في ردع الأعمال العدوانية – وهو نهج نشير إليه بالردع المتكامل (انظر مربع النص المرفق أدناه، تحت عنوان: “الردع المتكامل”). سنشغّل جيشنا من خلال استخدام عقلية شن الحملات – تسلسل الأنشطة العسكرية المرتبطة منطقياً لدفع الأولويات المتوافقة مع الاستراتيجية للأمام. وسنقوم ببناء قوة مرنة ونظام دفاعي يضمن قدرتنا على أداء هذه الوظائف لعقود قادمة. وقد أنهينا أطول حرب لأمريكا في أفغانستان، ومعها حقبة من العمليات العسكرية الكبرى لإعادة تشكيل مجتمعات أخرى، حتى مع احتفاظنا بالقدرة على مواجهة التهديدات الإرهابية للشعب الأمريكي حال
الردع المتكاملللولايات المتحدة مصلحة حيوية في ردع عدوان جمهورية الصين الشعبية وروسيا ودول أخرى. إن وجود المنافسين الأكثر قدرة والاستراتيجيات الجديدة لسلوك التهديد دون العتبة التقليدية للصراع وما فوقها، يعني أنه لا يمكننا تحمل الاعتماد فقط على القوات التقليدية والردع النووي. لذا، يجب أن تحافظ استراتيجيتنا الدفاعية على الردع وتعززه، مع كون الصين هي التحدي المتنامي الذي نواجهه.وتعتمد استراتيجيتنا للدفاع الوطني على الردع المتكامل: أي مزيج مرن من القدرات لإقناع الخصوم المحتملين بأن تكاليف أنشطتهم العدائية تفوق المكاسب التي يريدون اقتناصها. ويستلزم (الردع المتكامل) ذلك:- التكامل عبر النطاقات والمجالات المختلفة، مع الاعتراف بأن استراتيجيات منافسينا تعمل عبر النطاقات العسكرية (البرية والجوية والبحرية والإلكترونية والفضائية) وغير العسكرية (الاقتصادية والتكنولوجية والمعلوماتية) – ويجب علينا أن نقوم بذلك أيضاً.- التكامل عبر المناطق، مع إدراك أن منافسينا يجمعون بين الطموحات التوسعية والقدرات المتزايدة لتهديد المصالح الأمريكية في المناطق الرئيسية وعلى أرض الوطن.- التكامل عبر مختلف أطياف الصراع لمنع المنافسين من تغيير الوضع الراهن بطرق تضر بمصالحنا الحيوية بينما نحوم نحن تحت عتبة النزاع المسلح.- التكامل عبر الحكومة الأمريكية للاستفادة من مجموعة كاملة من المزايا الأمريكية، من الدبلوماسية والاستخبارات والأدوات الاقتصادية إلى المساعدة الأمنية وفرض قرارات التموضع.- التكامل مع الحلفاء والشركاء من خلال الاستثمارات في قابلية التشغيل البيني وتنمية القدرات المشتركة، وتخطيط الموقف التعاوني، والمقاربات الدبلوماسية والاقتصادية المنسقة.ويتطلب الردع المتكامل منا التنسيق والتواصل والابتكار بشكل أكثر فاعلية، بحيث يفهم أي منافس يفكر في الضغط من أجل تحقيق ميزة في أحد المجالات أنه يمكننا الرد عليه في نطاق العديد من المجالات الأخرى أيضاً. ويعمل هذا على زيادة الدعم التقليدي للقدرات التقليدية والاستراتيجية ذات المصداقية القتالية، مما يسمح لنا بالقيام، بشكل أفضل، بتشكيل تصورات الخصوم عن المخاطر وتكاليف العمل ضد المصالح الأمريكية الأساسية، في أي وقت وعبر أي مجال. |
ظهورها.
إن الجيش صاحب المصداقية القتالية هو أساس الردع ويجسد قدرة الولايات المتحدة على الانتصار في الصراع. وسنقوم أيضاً بتحديث القوة المشتركة لتكون قاتلة ومرنة ومستدامة وقابلة للبقاء وخفيفة الحركة وسريعة الاستجابة، مع إعطاء الأولوية للمفاهيم العملياتية وقدرات القتال المحدَثة. وتسلط الحرب في أوكرانيا الضوء على أهمية وجود قاعدة صناعية دفاعية نشطة للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها. حيث لا يجب أن تكون، فحسب، قادرة على تصنيع القدرات المثبتة بسرعة اللازمة للدفاع ضد عدوان العدو، بل يجب أن تكون قادرة أيضاً على ابتكار حلول وتصميمها بشكل خلّاق مع تطور ظروف ساحة المعركة. ونظراً لأن التقنيات الناشئة تحوِّل الحرب وتشكل تهديدات جديدة للولايات المتحدة وحلفاءنا وشركاءنا، فإننا نستثمر في مجموعة من التقنيات المتقدمة بما في ذلك التطبيقات في المجالات السيبرانية والفضائية وقدرات هزيمة الصواريخ والذكاء الاصطناعي الموثوق به والأنظمة الكمّية، بينما ننشر قدرات جديدة في ساحة المعركة في الوقت المناسب. ويعد دمج الحلفاء والشركاء في كل مرحلة من مراحل التخطيط الدفاعي أمراً بالغ الأهمية لتحقيق تعاون هادف. ونسعى أيضاً إلى إزالة الحواجز التي قد تعوق تحقيق تعاون أعمق مع الحلفاء والشركاء، لتشمل القضايا المتعلقة بتطوير القدرات المشتركة والإنتاج لحماية تفوقنا العسكري التكنولوجي المشترك.
ويظل الردع النووي أولوية قصوى للأمة وأساساً للردع المتكامل. حيث تدعم القوة النووية الآمنة والفعالة أولوياتنا الدفاعية من خلال ردع الهجمات الاستراتيجية، وطمأنة الحلفاء والشركاء، مع السماح لنا بتحقيق أهدافنا إذا فشل الردع. ويستثمر منافسونا وخصومنا المحتملون بكثافة في حيازة أسلحة نووية جديدة. وبحلول ثلاثينيات القرن الحالي، ستحتاج الولايات المتحدة لأول مرة إلى ردع قوتين نوويتين رئيسيتين، حيث ستعمل كل منهما على نشر قوى نووية عالمية وإقليمية حديثة ومتنوعة. ولضمان استمرار استجابة الردع النووي للتهديدات التي نواجهها، نقوم بتحديث الثالوث النووي (قاذفات قنابل استراتيجية، وصواريخ باليستية عابرة للقارات، وصواريخ بالستية أخرى للغواصات) والقيادة والسيطرة والاتصالات النووية، والبنية التحتية للأسلحة النووية، فضلاً عن تعزيز التزامات الردع الموسعة لحلفائنا. ولكننا سنظل ملتزمين بالقدر نفسه بالحد من مخاطر الحرب النووية. ويشمل ذلك اتخاذ مزيد من الخطوات لتقليص دور الأسلحة النووية في استراتيجيتنا والسعي إلى تحقيق أهداف واقعية للتحكم المتبادل والقابل للتحقق من الأسلحة، مما يسهم في استراتيجية الردع لدينا ويعزز ويعزز نظام عدم الانتشار العالمي.
وتُعدّ أهم الاستثمارات هي تلك التي يتم القيام بها في القوة غير العادية لجميع المتطوعين في الجيش، ومشاة البحرية، والبحرية، والقوات الجوية، والقوات الفضائية، وخفر السواحل – جنباً إلى جنب مع القوى المدنية العاملة في وزارة الدفاع لدينا. ويمثل أفراد خدمتنا العمود الفقري للدفاع القومي الأمريكي ومن جهتنا فنحن ملتزمون برفاههم وعائلاتهم أثناء الخدمة وما بعدها. وسنظل نحافظ على مبدأنا الأساسي المتمثل في السيطرة المدنية على الجيش، مع الاعتراف بأن العلاقات المدنية العسكرية السليمة المتجذرة في الاحترام المتبادل ضرورية للفعالية العسكرية. وسوف نعزز فعالية القوة من خلال تعزيز التنوع والشمول؛ وتكثيف جهودنا لمنع الانتحار؛ والقضاء على آفات الاعتداء الجنسي والتحرش وأشكال العنف الأخرى والإساءة والتمييز؛ واجتثاث التطرف العنيف. وسوف نتمسك أيضاً بالتزام أمتنا المقدس برعاية قدامى المحاربين وعائلاتهم عندما تعود قواتنا إلى أرض الوطن.
*****
تعرض الحلقة القادمة من “استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لعام 2022” الجزء الثالث من الاستراتيجية، والذي جاء تحت عنوان: “أولوياتنا العالمية”
.
رابط المصدر: