استراتيجية دينية جديدة لبناء السلام الفعّال في الشرق الأوسط

يشرح مفكر مسلم بارز كيف يمكن للشخصيات الدينية أن تلعب دوراً فعّالاً حقاً في بناء السلام الإقليمي من خلال التشكيك في الأعراف المتأصلة التي تؤجج العنف بين الطوائف، بما في ذلك في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

“في 17 أيلول/سبتمبر، ألقى فضيلة الشيخ الدكتور يحيى خليل ستاقوف، الأمين العام لـ “جمعية نهضة العلماء” في إندونيسيا، كلمة في حلقة نقاشية نظمها معهد واشنطن. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاته؛ يجب عدم الاستشهاد بها أو اقتباسها كتصريحات مباشرة له”.

 

يظل دوْر الدين أساسياً في العديد من المجتمعات، ولديه القدرة على لعب دور حاسم في تعزيز السلام في الشرق الأوسط. ومع ذلك، غالباً ما يُستخدم الدين لتبرير الصراع والعنف الدائمين، مما يؤدي إلى إثارة أتباع ديانة معينة ضد الديانات الأخرى. إن إنشاء إطار قابل للتطبيق من أجل السلام سوف يتطلب إعادة صياغة المبادئ الدينية القديمة والمثيرة للمشاكل في التشدد الديني، والتي تحرض على العداء والصراع ووضعها في سياقها الصحيح، وتطوير مجموعة جديدة من المعايير الدينية المتجذرة في الأخلاق العالمية والقيم الإنسانية.

بعد وقت قصير من هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، عقدت “جمعية نهضة العلماء” «مؤتمر القمة الدولي للسلطات الدينية» في جاكرتا لدراسة دور الدين في معالجة الصراع في الشرق الأوسط والتهديدات التي يتعرض لها النظام الدولي القائم على القواعد. وفي حين أن المسلمين الإندونيسيين بعيدين عن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في غزة، فمن الطبيعي أن يكون هناك تعاطف بين الإندونيسيين مع إخوانهم المسلمين في فلسطين. وقد أعطت الحرب في غزة زخماً جديداً لسؤال عاجل: هل أتباع الديانات لديهم حقاً مصلحة في إنهاء الصراع، وماذا تقول لهم دياناتهم المختلفة عن كيفية تحقيق سلام عادل ودائم؟

غالباً ما يتم تبرير الكراهية الدينية، والتفوق، والعنف بمبادئ محددة من العقيدة الدينية والمعايير المختلفة التي ارتبطت بها تاريخياً. وعبر معظم تاريخ الإسلام، عاش المسلمون تحت تهديد وجودي فرضه عليهم الصراع مع القوى غير الإسلامية. ونتيجة لذلك، طوّر المسلمون عناصر محددة من الفقه الإسلامي للدفاع عن أنفسهم وضبط مثل هذا الصراع، وقد أدى هذا بدوره إلى نشوء معايير مختلفة، شملت فكرة مفادها أنه يجب على المسلمين أن يشنوا حرباً ضد الجماعات الدينية الأخرى بشكل دائم.

وقد طوّرت ديانات أخرى معايير مماثلة، تُشجع أتباعها على السعي لتحقيق التفوق العسكري والسياسي والديني. وعلى مر التاريخ، وجدت هذه المعايير شرعيتها ضمن أنظمة المعتقدات في مختلف الديانات، على الرغم من حقيقة مفادها أن جوهر الدين متجذر في الفكرة بأن البشرية جمعاء هي أسرة واحدة ينبغي لأعضائها أن يتعايشوا بسلام.

ومن أجل إعادة صياغة المبادئ الإشكالية للتشدد الديني التي تجيز العنف ووضعها في سياقها الصحيح، يجب علينا إنشاء إطار جديد للسلام نستعيد فيه الأولوية لهذا الجوهر الأساسي. وأحد الأمثلة على مثل هذا الجهد هو ما حققته الكنيسة الكاثوليكية الرومانية مع المجمع الفاتيكاني الثاني، وخاصة الوثائق “نوســترا إيتاتي” (Nostra aetate) و”ديغنيتاتيس هيوماني” (Dignitatis humanae) – وهي الإصلاحات الثورية التي شجعت على مزيد من الانفتاح والاحترام تجاه أتباع التقاليد الدينية الأخرى. واستلهاماً من هذا الإرث، نسعى في “جمعية نهضة العلماء” إلى إعادة صياغة تعاليم التشدد الديني في إطار إسلامي محدد.

لدى البشر العاديين في جميع أنحاء العالم مصلحة مشتركة في السلام من أجل بقائنا الجماعي. إن السماح للدين بأن يصبح سلاحاً وتحويله إلى ذريعة للصراع يشكل خطراً واضحاً على البشرية. يجب أن تلعب السلطات الدينية دوراً مركزياً في تطوير معايير اجتماعية وثقافية ودينية جديدة تشجع على السلام، وفي تطوير إطار جيوسياسي يمكن أن تزدهر فيه هذه المعايير. بعبارة أخرى: نحن بحاجة إلى تطوير استراتيجية جديدة، في الشرق الأوسط وخارجه، تسمح للدين أن يلعب دوراً فعّالاً حقاً في بناء السلام.

وعندما يتعلق الأمر بالسؤال المحدد حول إسرائيل، نرى أنه لا توجد عقبة لاهوتية متأصلة تحول دون وجود دولة يهودية في فلسطين، وخاصةً بالنظر إلى سياق التاريخ الذي أعقب الحرب العالمية الثانية.

نحن ندرك أن النظام العالمي الحالي، الذي تأسس في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتم التأكيد عليه في “ميثاق الأمم المتحدة”، يختلف تماماً عن “قانون الغاب” الذي حكم الشؤون الإنسانية لآلاف السنين، عندما تنافست الممالك والإمبراطوريات والاتحادات القبلية على السلطة والنفوذ. إن المبدأين التوجيهيين لنظامنا العالمي الحالي هما فكرة الكرامة المتساوية بين الدول ذات السيادة واحترام الحدود الدولية. وفي عام 2023، أصدرت “جمعية نهضة العلماء” قراراً رسمياً يقضي بأن “ميثاق الأمم المتحدة”، من منظور الشريعة الإسلامية، هو اتفاق شرعي وبالتالي ملزم للمسلمين في جميع أنحاء العالم. كما ندرك أن دولة إسرائيل قد أُقيمت في إطار هذا النظام العالمي وهي جزء منه إلى حد كبير.

وفيما يخص احتمال قيام إندونيسيا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في يوم من الأيام، فمن المهم الملاحظة أن موقف إندونيسيا من الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني لا يستند في المقام الأول إلى وجهات نظر دينية، بل هو متجذر في التطلعات والمبادئ المنصوص عليها في “ميثاق الأمم المتحدة”. وتاريخياً، إن زعماء إندونيسيا – بدءاً من الرئيس سوكارنو و”مؤتمر باندونغ” وإنشاء “حركة عدم الانحياز” – انتقدوا إسرائيل باعتبارها قوة استعمارية تحتل الأراضي الفلسطينية.

وكان الرئيس الإندونيسي السابق ورئيس “جمعية نهضة العلماء” عبد الرحمن وحيد أحد الأصوات القليلة البارزة في تاريخ إندونيسيا التي جادلت لصالح الاعتراف بإسرائيل. وبشكل عام، يعارض الإندونيسيون الاعتراف بإسرائيل. ومع ذلك، فإن الإيماءات الواضحة من جانب إسرائيل والتي توضّح كيف تلتزم سياساتها بشروط النظام الدولي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، كما حددتها تطلعات “ميثاق الأمم المتحدة”، من شأنها أن تقطع شوطاً طويلاً نحو تحسين صورة إسرائيل بين الشعب الإندونيسي.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M