عبد الامير رويح
تصاعدت وتيرة الانتهاكات الاسرائيلية التي تشهدها الاراضي الفلسطينية بشكل كبير في الفترة الاخيرة، حيث يرى بعض الخبراء ان السلطات الاسرائيلية التي استفادت كثير من دعم وقرارات الرئيس الامريكي دونالد ترامب واتفاقيات التطبيع الاخيرة مع بعض الدول العربية، يضاف الى ذلك انشغال العالم بأزمة فيروس كورونا، عمدت الى الاسراع بتنفيذ مخططاتها وأطماعها التوسعية من اجل السيطرة على غالبية الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكشفت مُذكّرة حقوقية للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان نقلتها بعض المصادر، عن سياسية إسرائيلية مُمنهجة ومتسارعة بهدم وتدمير البنى التحتيّة في الأراضي الفلسطينية المحتلّة. وأوضحت المذكرة أن إسرائيل هدمت أو استولت خلال عام 2019، على 127 مبنىً ممولا من مانحين دوليين (بشكل رئيسي من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه)، في القدس المحتلة والمناطق “ج”. وبيّن المرصد أن هذه الأعداد تشكّل “ضعف ما كان عليه خلال عام 2018”.
كما وثّق المرصد “هدم إسرائيل (خلال عام 2019) لنحو 104 مبانٍ فلسطينية في القدس الشرقية فقط”، لافتا إلى أنها تشكل زيادة عن عدد المباني المدمّرة في الأعوام السابقة، دون مزيد من الإيضاحات. وأوضحت المذكّرة أن إسرائيل “صعّدت من عمليات هدم المباني الفلسطينية، خلال جائحة كورونا”. ورصدت هدم نحو 89 منزلا في القدس المحتلة منذ بداية 2020 (حتّى آب/ أغسطس الماضي)، مقارنة مع تدمير 104 منازل لعام 2019، و72 لعام 2018. وعلى مستوى المشاريع الأوروبية، كشفت المذكّرة أنه خلال 2019، تم تقليص عدد المشاريع الممولة دوليا (خاصة الأوروبية)، إلى 12 مشروع، مقارنة بـ75 مشروع لعام 2015.
ولفتت المذكرة إلى أن إسرائيل “دمّرت مشروعا للكهرباء عام 2014، تم تأسيسه بتمويل بلجيكي، في قرية (خربة الطويل) شرقي نابلس”. وبررت إسرائيل ذلك بعدم حصول المشروع على التصريح، إلا أن المذكّرة أقرّت أن المشروع تمّ بالتنسيق مع السلطات الإسرائيلية”. ونقلت المذكرة، عن عضو الكنيست الإسرائيلي عميت هليفي من حزب الليكود، أنه وصف في تموز/ يوليو 2020، “عمليات البناء في المنطقة ج بأنها فيروس”، فيما وصفها زميله آفي ديختر بأنها “إرهاب إقليمي”. ووفق المذكّرة، فإن القانون الدولي يحظر “على سلطة الاحتلال تدمير الممتلكات، بما فيها المدارس، ما لم تكن ضرورية للغاية للعمليات العسكرية”. كما تحظر “اتفاقية جنيف الرابعة”، و”نظام روما الأساسي” للمحكمة الجنائية الدولية، التدمير غير المشروع والواسع للممتلكات بشكل غير قانوني ويعتبره جرائم حرب.
هدم وتدمير
وفي هذا الشأن هدمت إسرائيل القسم الأكبر من قرية بدوية في الضفة الغربية المحتلة وتركت 73 فلسطينيا بلا مأوى بينهم 41 طفلا، في أكبر عملية إزالة منذ سنوات حسبما قال سكان وذكرت مسؤولة بالأمم المتحدة. وقالت المسؤولة في المنظمة الدولية إن أعمال الإزالة في خربة الحمصة طالت مساكن على هيئة خيام وحظائر ودورات مياه وألواحا للطاقة الشمسية. وأكدت وحدة الاتصال العسكري الإسرائيلية مع الفلسطينيين تنفيذ عملية هدم لما وصفته بهياكل غير قانونية.
وكان السكان قد عادوا بالفعل إلى الموقع بخيام تبرعت بها منظمات إغاثة فلسطينية، وعلى جوانب التلال تتناثر أطلال القرية المهدمة، لم ينج منها سوى منزلين على مبعدة عن البقية. وقال أحد السكان ويدعى حربي أبو كباش “بدهم يطردونا من المنطقة علشان يسكّنوا المستوطنين مكاننا، بس احنا مش راح نطلع من هون” في إشارة إلى حوالي 430 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون مع ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967. وأصدرت (وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق)، وهي هيئة يديرها الجيش الإسرائيلي وتعمل في الضفة الغربية، بيانا قالت فيه إن القوات الإسرائيلية نفذت “إجراء تنفيذيا… استهدف سبع خيام وثماني حظائر أقيمت بشكل غير قانوني في ساحة للرماية بغور الأردن”.
وكثيرا ما تتذرع إسرائيل بعدم وجود تصاريح بناء عند هدم منشآت فلسطينية في الضفة الغربية. وقالت إيفون هيلي، منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية، إن وكالات الإغاثة زارت خربة الحمصة وأحصت 76 منشأة تعرضت للهدم “وهو عدد أكبر مما حدث في أي عملية إزالة أخرى منذ عقد”. وقالت منظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان إن بين المنشآت 18 خيمة وسقيفة.
واتهم رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية إسرائيل بأنها انتهزت فرصة انصراف الاهتمام العالمي إلى الانتخابات الأمريكية لتنفيذ عملية الهدم. وكتب على تويتر “في الوقت الذي يتركز فيه الاهتمام على الانتخابات الأمريكية 2020 اختارت إسرائيل هذا المساء لارتكاب جريمة أخرى والتغطية عليها: هدم 70 بناية فلسطينية، بينها منازل”. ولم يكن لدى متحدث باسم وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق تعليق فوري على تصريحات اشتية. لكن جاء في بيان الوحدة “تم التنفيذ وفقا للسلطات والإجراءات، وحسب الاعتبارات الخاصة بالتنفيذ”. وجرى هدم حوالي 689 مبنى في أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية هذا العام حتى الآن، مما أدى إلى تشريد 869 فلسطينيا، بحسب الأمم المتحدة.
في السياق ذاته أعطت السلطات العسكرية الإسرائيلية الضوء الأخضر لبناء 31 وحدة سكنية للمستوطنين في حي شديد الحساسية في مدينة الخليل، وفق ما أعلنت حركة “السلام الآن” الإسرائيلية، وهي منظمة غير حكومية مناهضة لبناء المستوطنات في الأراضي المحتلة. وتشهد مدينة الخليل في الضفة الغربية حيث يعيش حوالى 800 مستوطن يهودي تحت حراسة أمنية مشددة للجيش الإسرائيلي بين حوالى 200 ألف فلسطيني، باستمرار توترات بين الجانبين وتحركات احتجاجية من الفلسطينيين وأحيانا أعمال عنف ومواجهات.
وتضم مدينة الخليل موقع المسجد الابراهيمي الذي يوقره المسلمون واليهود. وقامت إسرائيل بإنشاء عشرات المستوطنات داخل البلدة القديمة وخارجها، وأكبرها مستوطنة كريات أربع التي أقيمت في الجهة الشرقية للمدينة عام 1968، وهي معقل لليمين المتطرف. وقالت حركة “السلام الآن” إن” السلطات الإسرائيلية أبلغت المحكمة المركزية في القدس “أنها ستصدر التصاريح (لبناء الوحدات ال31) “. لكن الحركة أشارت الى أن المحكمة أبلغت السلطات أنه لا يمكنها المضي بالمشروع حتى يتم الرد عل الطعن القانوني. وهي حددت جلسة استماع في 31 كانون الثاني/يناير2021 لطلبات الطعن.
واتخذت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية “كوغات” خطوات للموافقة على وحدات استيطانية جديدة في وسط الخليل في عام 2017. وتقدمت حركة “السلام الآن” وبلدية الخليل بطعن في هذا المخطط أمام المحكمة. وفي عام 2018، خصصت الحكومة الإسرائيلية أكثر من 21 مليون شاقل (نحو 6,2 مليون دولار) من أجل المخطط، وفقًا لحركة “السلام الآن”.
وجاء في بيان الحركة “سارعت الدولة بإصدار رخص البناء على الرغم من أن المحكمة قضت صراحة بأن العمل يجب ألا يبدأ حتى البت في جلسة الاستماع”. وأضافت “لكن الدولة أوضحت للمحكمة أن قرارها بمنع مباشرة الأعمال لا يمنع إصدار تصاريح البناء”. وربطت حركة “السلام الآن” توقيت الموافقات بانتخابات الرئاسة الأميركية. ولا تعارض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، على عكس موقف سلفه باراك أوباما. وأعلن وزير خارجيته مايك بومبيو في 18 تشرين الثاني/نوفمبر أن “الولايات المتحدة لم تعد تعتبر أن المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية مخالفة للقانون الدولي”، وهو موقف لا يتماشى مع الإجماع الدولي. بحسب فرانس برس.
وقالت “حركة السلام الآن” إن “محاولة الضغط لبناء 31 وحدة استيطانية قبل الانتخابات الأميركية هو عمل لا أخلاقي يهدد مصالح إسرائيل الوطنية وعلاقاتها مع العالم الخارجي”. ويعيش نحو 450 ألف مستوطن يهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بين ما يقرب من 2,7 مليون فلسطيني في الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1967.
دعم امريكي جديد
الى جانب ذلك رفعت الإدارة الأمريكية حظرا مفروضا منذ عشرات السنين يمنع استخدام أموال دافعي الضرائب الأمريكيين في تمويل الأبحاث العلمية الإسرائيلية التي تجرى في المستوطنات اليهودية المقامة بالأراضي المحتلة مما أثار إدانات فلسطينية. وأشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالخطوة التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد. ووقع الاختيار على مستوطنة أرئيل بالضفة الغربية التي تضم جامعة إسرائيلية لتكون مكان الاحتفال بتدشين مسار جديد للتعاون العلمي الأمريكي مع الباحثين الإسرائيليين.
وقال الفلسطينيون، الذين يتطلعون للضفة الغربية لإقامة دولتهم المستقبلية عليها، إن الخطوة تضع الولايات المتحدة في وضع المتواطئ فيما يقولون إنه المشروع الاستيطاني الإسرائيلي غير المشروع. وفي أرئيل راجع نتنياهو وديفيد فريدمان السفير الأمريكي ثلاث اتفاقات أبرمت بين 1972 و1977 تمكن الباحثين في المستوطنات من طلب تمويل أمريكي. كما وقعا اتفاقا جديدا للتعاون العلمي والتكنولوجي.
وقال نتنياهو في الحفل الذي أقيم في أرئيل مستخدما الاسم التوراتي للضفة الغربية “رؤية ترامب تفتح يهودا والسامرة على التعاون الأكاديمي والتجاري والعلمي مع الولايات المتحدة”. وأضاف “هذا نصر مهم على كل من يسعى لنزع الشرعية عن كل ما هو إسرائيلي بعد حدود 1967”. وقال فريدمان إنه جرى استثمار 1.4 مليار دولار في ثلاثة مشروعات تمويل لتعاون بحثي أمريكي إسرائيلي منذ 1972.
وقالت إسرائيل إن الولايات المتحدة بصدد رفع الحظر على التمويل الأمريكي لمشروعات البحث العلمي الإسرائيلية في الضفة الغربية ومرتفعات الجولان، وهما منطقتان احتلتهما إسرائيل في حرب 1967. ونصت الاتفاقات العلمية السابقة مع حكومة الولايات المتحدة على عدم تنفيذ المشاريع البحثية الإسرائيلية التي تتلقى منحا أمريكية في المناطق التي خضعت للإدارة الإسرائيلية في حرب 1967. وفي العام الماضي، دعمت إدارة ترامب بشكل فعال حق إسرائيل في بناء مستوطنات في الضفة الغربية من خلال التخلي عن الموقف الأمريكي الراسخ منذ فترة طويلة بأن هذه المستوطنات “تتعارض مع القانون الدولي”.
الى جانب ذلك أقام عدد من قادة المستوطنين اليهود صلوات من أجل إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة بسبب دعمه لإسرائيل. أقيمت الصلوات عند الحرم الإبراهيمي، بالضفة الغربية المحتلة، والذي ما زال أحد بؤر التوتر في الصراع مع الفلسطينيين. وقال يشاي فليشر المتحدث باسم مستوطني الخليل عند الحرم الإبراهيمي “جئنا من أجل مباركة الرئيس ترامب لما فعله من قبل ولنشكره، وأيضا من أجل المستقبل، كي يكون النجاح حليفه في الانتخابات”. بحسب رويترز.
ويعتقد أن النبي إبراهيم، الذي تبجله الأديان الإسلامية واليهودية والمسيحية، مدفون في هذا الموقع. كانت إدارة ترامب قد أطلقت على عملية التقارب العربي الإسرائيلي التي توسطت فيها مؤخرا (اتفاقات أبراهام) على أمل تشجيع التعايش بين اليهود والفلسطينيين. لكن فلسطينيين رفضوا مساعي ترامب واعتبروها منحازة منذ أن خالف إجماعا دوليا بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. كما خففت إدارته من معارضة الولايات المتحدة لبناء مستوطنات على الأراضي الفلسطينية والتي تعتبرها معظم دول العالم غير قانونية.
ادانات ومواقف
دانت قوى أوروبية قرار إسرائيل الموافقة على بناء الآلاف من الوحدات الاستيطانية الجديدة في الضفة الغربية المحتلة، مشيرة إلى أن الخطوة تؤدي إلى “نتائج عكسية” وتقوّض جهود السلام في المنطقة. وقال بيان مشترك صدر عن وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا أن “توسيع المستوطنات يشكل انتهاكا للقانون الدولي ويهدد بدرجة إضافية قابلية التوصل إلى حل الدولتين بهدف تحقيق سلام عادل ودائم في النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني”.
وأضاف أنه “كما أكدنا مباشرة للحكومة الإسرائيلية، فإن هذه الخطوة تقوّض بدرجة إضافية جهود إعادة بناء الثقة بين الطرفين بهدف استئناف الحوار”. وحضّت الدول الخمس اسرائيل على وقف بناء المستوطنات فورا. وأفاد الوزراء الأوروبيون أن المضي قدما ببناء مزيد من المستوطنات سيكون “خطوة تحمل نتائج عكسية في ضوء التطورات الإيجابية المرتبطة باتفاقيات التطبيع التي تم التوصل إليها بين إسرائيل (من جهة)، والإمارات والبحرين” من جهة أخرى.
من جانب اخر لم تمنح إسرائيل التي أغضبها في شباط/فبراير قرار الأمم المتحدة نشر قائمة بشركات تمارس أنشطة في مستوطنات إسرائيلية غير قانونية، أي تأشيرات لموظفي مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان منذ أشهر، حسبما أعلنت المفوضية. وقال المتحدث باسم المفوضية روبرت كولفيل إن “طلبات التأشيرات لم تُرفض رسميا، لكن السلطات الإسرائيلية امتنعت عن إصدار أو تجديد أي تأشيرة منذ حزيران/يونيو”. وأكد أن إسرائيل لم ترفض رسميا أيا من الطلبات التي تقدمت بها المفوضية، لكنها ببساطة لم تتخذ أي إجراءات بشأن طلبات جديدة أو طلبات تجديد.
وقال “أول موظفة دولية أجبرت على المغادرة في آب/أغسطس بعد انقضاء مدة تأشيرتها” مضيفا أن تسعة موظفين دوليين أجبروا على المغادرة حتى الآن عقب عدم تجديد تأشيراتهم. و”ثلاثة موظفين دوليين تم تعيينهم مؤخرا لم يتمكنوا من الانتشار لأنهم لم يتلقوا تأشيراتهم” بحسب كولفيل. وفقط ثلاثة موظفين دوليين في الوكالة لا يزالون يحملون تأشيرات صالحة للعمل في الدولة.
واعتبر كولفيل أن ذلك يخلق “وضعا غير عادي إلى حد كبير وستكون له تداعيات سلبية على قدرتنا على تنفيذ مهمتنا”. وفي حزيران/يونيو أكدت إسرائيل على قرارها “تجميد العلاقات” مع رئيسة المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه ومكتبها.
رابط المصدر: