- عيدو ليفي
- كريغ وايتسايد
يقوم باحثان في قضايا الجهاد بتقييم المناهج المتطورة لتنظيم «داعش» في التعامل مع الحروب التقليدية وحروب التمرد، والخيارات الأمريكية لمكافحتها.
“في 16 شباط/فبراير، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع عيدو ليفي وكريغ وايتسايد. وليفي هو زميل مشارك في “برنامج الدراسات العسكرية والأمنية” التابع للمعهد ومؤلف دراسته الأخيرة “جنود نهاية الزمان: تقييم الفعالية العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية“. ووايتسايد هو أستاذ مشارك في قضايا الأمن القومي في “الكلية الحربية البحرية الأمريكية”. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهما”.
عيدو ليفي
لطالما كان تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش»)، بالإضافة إلى عملياته كمنظمة إرهابية، قوةً عسكرية تشن الحروب التقليدية بهدف السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي وحكمها. فمنذ البداية أنشأ التنظيم المؤسسات، وأرسى نظاماً بيروقراطياً، ووضع برامج التدريب الموحدة، وجنّد الاختصاصيين التقنيين، واستفاد من دراية المقاتلين الأجانب. وتمكّن من قتال الجيوش التقليدية بنجاح لأربعة أسباب رئيسية هي: تنظيم وتكتيكات مبتكرة، والتأنّي في تكييف العمليات، وإرادة القتال القوية (التي تعتمد جزئياً على إيديولوجيته الرؤيوية)، والقدرة المثبتة على الاحتفاظ بزمام المبادرة.
في البداية، اعتمد تنظيم «داعش» في قتاله الوسائل الأكثر تقليديةً، تمثلت في حشد أعداد كبيرة من الجنود في ساحة المعركة. فعلى سبيل المثال، خلال المعركة على عين العرب (كوباني)، أرسل التنظيم ما يصل إلى 12 ألف مقاتل، ولكنه غيّر تكتيكه عندما شنّت قوات التحالف حملتها الجوية. كما استغل تنظيم «الدولة الإسلامية» الضوابط القانونية الأمريكية بشأن تنفيذ العمليات العسكرية قرب المدنيين، وكثيراً ما استخدم أشخاصاً من غير المقاتلين كدروع بشرية، واختبأ تحت الأرض، وأنشأ شبكة أنفاق تحت المباني السكنية. وفي إحدى الحالات أثناء تقدم الجيش العراقي نحو الموصل، انسحب مقاتلو «داعش» بشكل جماعي من المدن الواقعة على طول الطريق، وجمعوا أعداداً كبيرة من المدنيين لمرافقتهم أثناء انسحابهم على الملأ. ولم تستطع القوات العراقية وقوات التحالف الرد، خوفاً من إلحاق الأذى بالمدنيين.
وتمكّن التنظيم أيضاً من زيادة فعاليته في ساحة المعركة من خلال ريادته في استخدام الانتحاريين كأحد الأسلحة التقليدية. كما تم استخدام الأجهزة المتفجرة المرتجلة للمركبات الانتحارية على نطاق واسع كأسلحة لإحداث صدمة أو اختراق موقع ما، مما مكن تنظيم «الدولة الإسلامية» من شن المزيد من العمليات المدمرة التي خلّفت تداعيات مماثلة لآثار الضربات الجوية أو المدفعية. وفي الوقت نفسه، حصّنت الطبيعة البيروقراطية والمؤسساتية القوية للتنظيم من عمليات التحالف التي كانت تهدف تعطيله من خلال القضاء على قياداته.
كما أنشأ تنظيم «داعش» شبكة من العلاقات القوية مع أتباعه في دول مختلفة مثل ليبيا والفلبين ونيجيريا. فكان يرسل فِرقاً استكشافية إلى مناطق تعدّ ملائمة لإنشاء فروع جديدة (وعلى الأخص في ليبيا)، ثم يعزز قدراتها الحربية التقليدية من خلال برامج “مشورة ومساعدة”. وتجلّت نتائج هذه الأعمال بالدرجة الكبرى في “الولايات” التي استثمر فيها التنظيم الكمّ الأكبر من الجهود. على سبيل المثال، حظي الفرع الليبي بالقدر الأكبر من الاهتمام، وهناك حقّق مقاتلو تنظيم «الدولة الإسلامية» أكبر النجاحات في ساحة المعركة خارج العراق وسوريا. وفي المقابل، استثمر التنظيم جهوداً أقل في نيجيريا خلال فترة “الخلافة”، مما أدى إلى قدر أقل من التقدم التقليدي.
وفيما يتعلق بالقبائل المحلية في العراق، فقد يقول البعض أن نفوذ حزب “البعث” هو أفضل ما يفسّر نجاح تنظيم «داعش» في مشاركة تلك القبائل [في عمليات التنظيم]. ومع ذلك، إذا كان عامل “البعث” ضرورياً بالفعل، فهذا يعني أنه كان من المفترض أن تكون التجسيدات السابقة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» (على سبيل المثال، تنظيم «القاعدة في العراق»، وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق») أكثر نجاحاً في إشراك القبائل قبل ذلك بسنوات. غير أنه بدلاً من ذلك، انقلبت الجماعات القبلية على الجهاديين خلال فترة زيادة عدد القوات الأمريكية و”الصحوة السنية” في العراق عام 2007؛ ولم يتمكن تنظيم «الدولة الإسلامية» من تحسين علاقاته مع القبائل إلا بعد أن راجع نفسه ودقق في أعماله.
باختصار، أحدث تنظيم «الدولة الإسلامية» ثورةً في أسلوب الحرب الجهادي، وهذا الأسلوب لن يزول عن الوجود – فالجماعات الجهادية ستواصل جهودها طويلة الأمد للاستيلاء على الأراضي وحكمها كضرورة إيديولوجية. لذلك، ومن أجل منع عودة ظهور تنظيم «داعش» أو غيره من التنظيمات بهيئة عسكرية، يجب على الولايات المتحدة التركيز على ثلاث خطوات: الحفاظ على علاقات وثيقة مع القوات الشريكة، والاستمرار بتعزيز قدراتها الابتكارية ودعم تطوّرها وتصميمها، واستخدام التقنية المتطورة والقوة الجوية للحفاظ على ميزة استراتيجية. وإحدى المناطق المهمة بشكل خاص التي يجب مراقبتها هي البادية السورية، وهي منطقة صحراوية مركزية يتمتع فيها التنظيم بحرية حركة كبيرة على الرغم من السيطرة الإسمية لنظام الأسد عليها.
كريغ وايتسايد
تقدّم دراسة ليفي الجديدة نظرة شاملة ومفصلة إلى استراتيجية تنظيم «الدولة الإسلامية» وتكتيكاته وعملياته من خلال عدة دراسات حالة، بما في ذلك “الولايات” البعيدة. وقد اتّصف التنظيم بدرجة عالية من الابتكار، باستخدامه تكتيكات غير عادية لأغراض تقليدية، واستعانته بفرق العمليات الخاصة، واحتفاظه بالقدرة على إدارة الإمكانيات بمهارة، وإنشائه حركة تمرد عالمية.
بالإضافة إلى ذلك، أنشأ تنظيم «داعش» هيكلية تقليدية على مستوى الوحدات من أجل تلقين العقيدة لجنوده الراجلين، مستعيناً بمستشارين دينيين لتعليمهم المهمة الأوسع نطاقاً المتمثلة في تغيير المجتمع إيديولوجياً. وبالفعل، أصبح تنظيم «الدولة الإسلامية» أحد أكبر الجيوش الإيديولوجية التي شهدها العالم منذ مدة طويلة. واتخذت في الواقع نسبة 80 في المائة تقريباً من تدريبات المجندين الجدد شكل تلقين ديني. وكان من شأن هذا التركيز المكثف على أهداف التنظيم الطويلة المدى أن غرَسَ درجة عالية من الولاء الإيديولوجي لدى المناصرين وأبقى حوادث الانشقاق بحدها الأدنى – فالتنظيم لم يواجه أبداً مشاكل كبيرة من ناحية فرار قواته أثناء القتال أو يتعرّض لانقسامات إيديولوجية كبيرة. وبفضل هذا التركيز العميق على الإيديولوجية، ناهيك عن الهيكلية التنظيمية الجيدة، استطاع تنظيم «الدولة الإسلامية» أن يصبح حركة تدفع نفسها بنفسها.
كما سعى تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى استنزاف موارد أعدائه ودوافعهم من خلال حركة تمردية تمّت على مراحل. وربما كان التكتيك الأكثر ابتكاراً الذي لجأ إليه هو استخدام المشورة الاستطلاعية لتقديم الدعم في ساحة العمليات وضمّ الجهاديين المتمرسين إلى صفوفه. فقد بدأ أسلاف «داعش» بتقديم المشورة للخلايا الأجنبية في المراحل الأولى من حرب العراق بعد عام 2003 وصقلوا هذه المهارات على مر السنين.
وفي الوقت نفسه، سمحت القدرات التنظيمية لـ « داعش» بتجميع كمية وافرة من المعرفة ونقلها بسرعة. فقد كانت فرقه الإعلامية تحتفظ بأرشيف كبير من المواد منذ عام 2005 على الأقل. ويتيح له هذا المخزون من المعلومات الحفاظ على الخبرة والمعرفة التنظيمية حتى خلال فترات الاستنزاف الشديد.
وقد تجلّت هذه القدرات مؤخراً من خلال سلسلة عمليات فرار لعناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» من السجون. وفي حين نجحت بعض هذه العمليات، وعلى الرغم من فشل المحاولة الأخيرة في شمال شرق سوريا التي أسفرت عن مقتل المئات من مقاتلي التنظيم، إلا أنها أثارت سؤالاً مهماً على صعيد السياسات: لماذا احتُجز هذا العدد الهائل من الأشخاص الخطرين في منشأة سهلة الاختراق؟ ولا ينبغي تجاهل القيمة الدعائية لهذه العملية أيضاً – فمن المحتمل أن يعتبر بعض مناصري تنظيم «داعش» الهجوم الكبير على السجن والمجتمع المحيط به انتصاراً بحد ذاته. وعلى الرغم من أن التحالف حقق انتصاراً دعائياً خاصاً به في الوقت نفسه تقريباً – وهو استهداف زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» أبو إبراهيم الهاشمي القرشي وقتله – إلا أن المستويات العليا والمتوسطة في التنظيم بعيدة عن الأضواء وهي مكوّنة بطريقة تسهّل استبدالها.
.
رابط المصدر: