- على الرغم من نجاح الصين في دفع الفصائل الفلسطينية إلى توقيع “إعلان بيجين” لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية، فإن هناك شبه إجماع على صعوبة تحقيقه نظراً لوجود خلافات جوهرية بين فتح وحماس، فضلاً عن التعقيدات السياسية المرتبطة بالحرب في غزة والرفض الإسرائيلي والأمريكي لهذه المصالحة.
- تعد الوساطة الصينية انتصاراً دبلوماسياً رمزياً، وهدف الصين من الوساطة يرتبط بتنافس القوى العظمى، إذ تسعى لتعزيز صورتها كقوة صاعدة مسؤولة تهتم بالسلام في الشرق الأوسط. كما تحاول بيجين التحول إلى لاعب مهم في عملية السلام، وتقديم رؤيتها بوصفها بديلاً لسياسة الولايات المتحدة التي تتهمها بدعم الانقسام الفلسطيني والانحياز إلى إسرائيل.
- السيناريو الأكثر ملاءمة بالنسبة لبيجين هو إزاحة الولايات المتحدة من موقعها التاريخي كوسيط للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لصالح مؤتمر سلام دولي متعدد الأطراف بقيادة الأمم المتحدة، حيث تكون الصين والولايات المتحدة متساويتين في المكانة والتأثير.
- يُتوقَّع أن تعزز الصين جهودها مع الفلسطينيين لدفع المصالحة الفلسطينية وتطبيق “إعلان بيجين”، كما ستواصل حراكها الدبلوماسي لضمان دعم عواصم عربية نافذة للاتفاق، وبخاصة تلك التي لا تُفضِّل رؤية دور محوري لحركة حماس في الحكومة الفلسطينية أو في ترتيبات “اليوم التالي” للحرب في غزة.
في 23 يوليو 2024، وقّعت حركتا فتح وحماس، إلى جانب 12 فصيلاً فلسطينياً آخر، “إعلان بيجين” في الصين حول المصالحة الفلسطينية وتشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة تمهيداً لإنشاء الدولة الفلسطينية. وجاء الإعلان في سياق استمرار الحرب في غزة، وبوساطة وزير الخارجية الصيني وانغ يي الذي استقبل الوفود الفلسطينية خلال ثلاثة أيام من المحادثات.
تحلل هذه الورقة دوافع الصين للوساطة، وموقع هذه الوساطة وتحدياتها في سياق تنافس القوى العظمى.
“إعلان بيجين” للمصالحة الفلسطينية
قالت وزارة الخارجية الصينية إن الاتفاق هو خطوة أولى لتعزيز “وقف إطلاق نار شامل ودائم ومستدام” في قطاع غزة، والذي سيؤدي في النهاية إلى قبول فلسطين في الأمم المتحدة عضواً كامل العضوية وإعلانها دولة مستقلة. وقالت المتحدثة باسم الوزارة ماو نينغ إن “الإعلان يؤكد مجدداً الالتزام بإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس بناءً على قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وضمان سلامة الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الضفة الغربية والقدس وغزة”، وأضافت أن “القضية الفلسطينية هي جوهر قضية الشرق الأوسط. وليس لدى الصين أبداً أي مصالح أنانية بشأن القضية الفلسطينية”.
وشارك في المحادثات الممثلون الدبلوماسيون لدى الصين من مصر والسعودية وقطر والجزائر وتركيا وروسيا، وهي دول سعت في السابق لاستضافة محادثات المصالحة منذ وقوع الانقسام في عام 2007. فقد فشلت محادثات الوحدة في مكة والقاهرة وصنعاء والدوحة والجزائر في تحقيق المصالحة. وفي فبراير الماضي، حاولت روسيا تقريب وجهات النظر بين فتح وحماس، كما استضافت بيجين نفسها حواراً للفصائل الفلسطينية في أبريل الماضي لم يُسفر عن شيء.
واحتوى “إعلان بيجين” على عدة بنود تمثل تكراراً لما جاء في بيانات واتفاقات سابقة، لكن البند الأبرز يكمن في الاتفاق على “تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل الفلسطينية، وبقرار من الرئيس بناءً على القانون الأساسي الفلسطيني المعمول به، ولتمارس الحكومة المشكلة سلطاتها وصلاحياتها على الأراضي الفلسطينية كافة، بما يؤكد وحدة الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة”، على أن “تبدأ الحكومة بتوحيد المؤسسات الفلسطينية كافة في أراضي الدولة الفلسطينية والمباشرة في إعادة إعمار قطاع غزة والتمهيد لإجراء انتخابات عامة بإشراف لجنة الانتخابات الفلسطينية المركزية بأسرع وقت وفقاً لقانون الانتخابات المعتمد”.
وعرض وانغ يي رؤية الصين المكونة من ثلاث خطوات لمستقبل عملية المصالحة والأهداف المرجوة منها، كما يلي:
أولاً، تعزيز وقف شامل ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة في أقرب وقت ممكن وضمان وصول المساعدات الإنسانية والإغاثة.
ثانياً، التمسك بمبدأ “الفلسطينيون يحكمون فلسطين”، والعمل معاً لتعزيز حكم غزة ما بعد الحرب. وينبغي على المجتمع الدولي أن يدعم الفصائل الفلسطينية لتشكيل حكومة مؤقتة تحظى بإجماع وطني لإدارة غزة والضفة الغربية في شكل فعال.
ثالثاً، تشجيع أن تصبح فلسطين عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة والبدء في تنفيذ حل الدولتين، وينبغي دعم عقد مؤتمر سلام دولي أكثر أهمية وأكثر موثوقية وفعالية، وينبغي وضع جدول زمني وخريطة طريق لتحقيق ذلك.
التحديات أمام تحقق المصالحة
رحَّبت دول عربية عدة وجامعة الدول العربية ودول أخرى مثل تركيا باتفاق الفصائل الفلسطينية، لكن بات هناك شبه إجماع على صعوبة تحول “إعلان بيجين” إلى اتفاق وواقع على الأرض نظراً لاستمرار الحرب في غزة وتراجع احتمال انتهائها قريباً، وغياب أي تصور واضح “لليوم التالي” في غزة. فقد تجاهل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحديث عن وقف إطلاق النار أو مستقبل إدارة القطاع في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي في 24 يوليو، باستثناء التركيز على “نزع السلاح والتطرف”، و”تدمير حماس بالكامل”. وسارعت إسرائيل برفض “إعلان بيجين” بمجرد صدوره، وقال وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، على منصة “أكس”: “وقّعت حماس وفتح اتفاقاً في الصين للسيطرة المشتركة على غزة بعد الحرب. وبدلاً من رفض الإرهاب، يحتضن محمود عباس قتلة حماس ومغتصبيها، ويكشف عن وجهه الحقيقي. في الواقع، هذا لن يحدث لأن حكم حماس سيُسحَق، وعباس سيراقب غزة من بعيد. وسيظل أمن إسرائيل في أيدي إسرائيل وحدها”. ورفضت الولايات المتحدة أيضاً الاتفاق على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميللر، الذي قال إن “حماس منظمة إرهابية، وهو الأمر الذي أوضحناه قبل 7 أكتوبر. ولكن عندما يتعلق الأمر بحكم غزة في نهاية الصراع، فلا يمكن أن يكون هناك دور لمنظمة إرهابية”.
إلى جانب ذلك، ثمة خلافات جوهرية تحكم العلاقة بين الفصائل الفلسطينية، خصوصاً فتح وحماس، وتوقيع الحركتين على “إعلان بيجين” يرتبط -فيما يبدو- بأولويات ومصالح سياسية قصيرة المدى، فالرئيس محمود عباس يريد تحقيق ثلاثة أهداف: تهدئة غضب الشارع الفلسطيني الداعم لخطاب المقاومة الذي تتبناه حماس ولقتالها ضد إسرائيل، وتوحيد صفوف حركة فتح مع تزايد الاستياء داخلها من سياسات السلطة في التنسيق الأمني مع إسرائيل والمماطلة في إصلاح نفسها وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وإظهار الوحدة للخارج استباقاً للتوترات المستقبلية مع واشنطن إذا فاز ترامب بالانتخابات. وتكشف اللغة المستخدمة في الإعلان أن تنفيذه أصبح مشروطاً بقرار من عباس، وهو يجعل العملية رهناً لإرادته، وتكمُن المعضلة الأخرى في غياب أي إطار زمني محدد أو آلية تنفيذ لتحويله إلى اتفاق. أما حركة حماس فتسعى لضمان اعتراف القوة العظمى الثانية كمقدمة لإعادة تأهيلها على الساحة الدولية، وضمان دور مستقبلي في “اليوم التالي” للحرب.
اقرأ أيضاً: |
أهداف الصين من الوساطة بين الفلسطينيين
يحدد المقاربة الصينية تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي مبدآن أساسيان: الاعتقاد بأن الوحدة بين الفصائل الفلسطينية (بلا استثناء) شرط أساسي لتوحيد النسيجين السياسي والاجتماعي الفلسطينيَّين ومن ثم تمهيد المجال لقيام الدولة الفلسطينية، وأن انهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على أساس حل الدولتين هو الشرط الأساسي لتحقيق الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، ومن ثم الحفاظ على أمن صادرات الطاقة، وأمن الممرات البحرية الاستراتيجية (في البحر الأحمر وحول المنطقة)، وحماية والاستمرار في توسيع استثمارات “الحزام والطريق”.
وليس هناك أدنى شك بشأن مدى استيعاب القيادة الصينية للتحديات العميقة التي يتطلب تجاوزها أولاً قبل توحيد الداخل الفلسطيني، وهو ما يجعل المخاطرة بفشل الوساطة الصينية مرتفعة، وهو ما تسعى الصين عادة إلى تجنُّبه. ولا تملك بيجين النفوذ أو الخبرة/التماس الكافيين لضمان تحقيق ذلك أو وضع رؤية صينية مغايرة ومستقلة لشكل ومسار المصالحة (فخطوات وانغ الثلاثة مبادئ عامة ولا تقدم رؤية متماسكة أو آلية لتنفيذها)، ولا تملك الصين شبكة العلاقات على الأرض أو الخبرات الدبلوماسية والتراكم اللازمين للعمل في هذا الملف. فضلاً عن ذلك، قد تتعارض جهود الصين مع رؤية بعض شركائها من الدول العربية النافذة التي لا تفضل رؤية دور محوري لحركة حماس في الترتيبات الأمنية أو إدارة غزة في “اليوم التالي” كشرط للمساعدة في إعادة إعمار القطاع. ثم يأتي البُعد الإسرائيلي، فالوساطة الصينية قد تؤثر بالسلب في العلاقات الصينية مع إسرائيل، وقد تزيد الشكوك في الولايات المتحدة حول نوايا بيجين على المدى البعيد في المنطقة.
ولا شك أيضاً في أن هذا الإعلان لن يقدم الصين وسيطاً بديلاً عن الولايات المتحدة، كما تجادل السردية الغربية.فكما كانت ديناميات الاتفاق بين السعودية وإيران في مارس 2023، فإن واشنطن لا تستطيع التأثير في أحد طرفي الاتفاق، وفي هذه الحالة حركتا حماس والجهاد الإسلامي.
وبناءً على المعطيات السابقة، يمكن الجزم بأن “إعلان بيجين” لا يتعدى كونه انتصاراً دبلوماسياً معنوياً/رمزياً للصين، ولا يحمل في طياته أي قيمة مضافة حقيقية في سياق حل الانقسامات الفلسطينية، أقله على المدى القصير. لكن، بالنسبة لبيجين، فإن المكاسب المرجوة من وراء الوساطة تفوق التحديات/الخسائر التي تم التطرق إليها.
فالقلق من الفشل لا يضاهي المكاسب التي قد تحققها بيجين فيما يتعلق بتعزيز الاعتقاد لدى الشعوب العربية بأن الصين تحاول أداء دور محوري في التأسيس للدولة الفلسطينية، ومن ثم حل الدولتين، ويرتبط ذلك أيضاً بالنظرة العالمية إلى الصين بوصفها “قوة صاعدة مسؤولة” مهتمة بتعزيز السلام في الشرق الأوسط. والجمهور المستهدف من هذه الرسالة هي الدول الإسلامية ودول الجنوب العالمي عموماً، التي ليس لها تماس حقيقي بالمعضلات الجوهرية المعيقة لتوحيد الجبهة الفلسطينية. وقد ارتبطت هذه الرسالة بمهاجمة الصين إسرائيل ومحاولة الضغط عليها في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية وعلى المستوى متعدد الأطراف، على سبيل المثال في خلال الاجتماع العاشر لمنتدى التعاون الصيني-العربي.
لكن الهدف الأهم هو محاولة بيجين التحول إلى رقم صعب في عملية السلام تدريجياً في المستقبل. فالصين ترغب في إقناع الفلسطينيين (والعرب عامةً) بوجود تناقض بين نهجها، الساعي إلى الوحدة بين الفلسطينيين، ونهج الولايات المتحدة التي تتهمها بتقديم الدعم الضمني لجهود نتنياهو للحفاظ على الانقسام الفلسطيني وتعميقه قبل “السابع من أكتوبر”، عبر دعمه الإبقاء على حكم حماس في غزة. ومن ثم، فعبر التدخل من طريق الوساطة بين الفلسطينيين، تأمل بيجين في زيادة نفوذها تدريجياً على الفصائل الفلسطينية، وبالتالي على الدولة المستقبلية ومؤسساتها. وبأخذ معطيات العلاقات المعقدة بين بيجين وتل أبيب منذ السابع من أكتوبر، واستبعاد احتمالية صعود تيار إسرائيلي داخلي داعم لاستبدال الولايات المتحدة بوسيط آخر في عملية السلام، فإن الصين تسعى إلى التحول إلى ممثّل للمصالح الفلسطينية على مستوى المجتمع الدولي في أي ترتيبات سلام مستقبلية، باعتبار أنها تنظر إلى واشنطن بصفتها ممثلاً لمصالح إسرائيل والمُدافِع عنها.
وإذا سارت الخطة وفقاً لتصورات القيادة الصينية، فقد تضع نفوذها لتصميم أي تسوية مستقبلية على قدم المساواة مع نفوذ الولايات المتحدة، بل أبعد من ذلك. فإن السيناريو الأكثر ملاءمة بالنسبة لبيجين هو إزاحة الولايات المتحدة من موقعها الفريد كصانع للسلام لصالح مؤتمر سلام دولي متعدد الأطراف بقيادة الأمم المتحدة، حيث تكون الصين والولايات المتحدة متساويتين في المكانة والتأثير. ولا يعد هذا الهدف سراً، فقد أشار له وانغ يي في خلال لقائه بقادة الفصائل، ووصف المؤتمر الدولي المستهدف بـ”الأكثر مصداقية وفاعلية” من الوساطة الأمريكية. وأشار الرئيس شي جينبيغ إلى المؤتمر في خلال حضوره قمة بريكس، في ديسمبر الماضي.
ومن ثم، فإن هدف الصين من الوساطة استراتيجي ومرتبط بشكل أكبر بتنافس القوى العظمى وعلاقات بيجين بالجنوب العالمي (الدولة الداعمة لفلسطين)، وبدرجة أقل بتحقيق مصالحة حقيقية بين الفصائل الفلسطينية.
التوقعات المستقبلية للدور الصيني
ثمة جدل فلسطيني ودولي بشأن فاعلية “إعلان بيجين” وإمكانية تحوله إلى اتفاق مصالحة حقيقي بين الفصائل الفلسطينية. ويستند هذا الجدل إلى اختلافات بين هذا الإعلان واتفاقات سابقة أهمها أنه للمرة الأولى يتم التوصل إلى تصور حول المصالحة خارج المنطقة العربية، وللمرة الأولى برعاية عضو دائم في مجلس الأمن. وينقل هذا التطور ملف رعاية الفلسطينيين إلى مستوى أعلى من التراتبية والتأثير في النظام الدولي، ويحولها من قضية إقليمية إلى قضية دولية، كما يعتقد باحثون صينيون. ويتميز هذا الاتفاق أيضاً بأنه لم يجرِ فقط بين فتح وحماس، بل جمع 14 فصيلاً. وفيما يتعلق بالنقاط الجوهرية، يحتوي هذا الإعلان على بند تشكيل حكومة وفاق وطني وتفعيل الإطار القيادي الموحد ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية. ويقول خبراء فلسطينيون إن أحد الفروق أيضاً “هو الواقع الجديد الذي فرضته الحرب على غزة، إذ سطَّر الصراع واقعاً جديداً على الأرض جعل حماس في حاجة إلى مظلة الشرعية في حين تحتاج السلطة الفلسطينية إلى قوة حماس، وهو ما قد يجعلهما أكثر حرصاً على تنفيذ اتفاق المصالحة”.
ويُتوقع استمرار الصين في استضافة جولات جديدة من المحادثات، وحضور ممثلين صينيين للمباحثات السياسية والتقنية بين الفصائل (على مستوى الأمناء العامين) للبناء على بنود “إعلان بيجين”. ويرجح أن يتم ذلك في إطار الإدراك الصيني العام بالتحديات التي قد تعرقل التوصل إلى اتفاق على المدى القريب المرتبطة بحسابات السلطة الفلسطينية وحماس، وترتيبات “اليوم التالي” وإعادة الإعمار في غزة من وجهة نظر إسرائيل، والتنافس في الرؤى بين بعض الدول العربية القوية التي تمانع أداء حماس دوراً مستقبلياً في إدارة القطاع من جهة، وقطر وتركيا وإيران التي قد تدعم ذلك، ونتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة. ويتوقع أيضاً إجراء دبلوماسيين صينيين زيارات لعواصم عربية استضافت جولات سابقة من الحوار الفلسطيني وتدعم المصالحة. هذه الزيارات المشاورات واللقاءات وجهاً لوجه تعزز موقع بيجين بصفتها لاعباً مركزياً في صراعات الشرق الأوسط في شكل عام، وليس القضية الفلسطينية فقط.
ويرجَّح كذلك توظيف الصين “إعلان بيجين” كإجراء تحوطي ضد غياب اليقين إزاء نتيجة الانتخابات الأمريكية. فإذا فازت كامالا هاريس، يمكن استخدام ملف المصالحة لفرض بيجين نفسها على الترتيبات المستقبلية التي تجري بقيادة الولايات المتحدة عبر تحويل ملف المصالحة إلى ملف تعاوني مع واشنطن، ومن ثم شرعنة الوساطة على المستوى الدولي. وقد ظهرت بوادر حول نوايا الصين بالفعل في هذا الاتجاه عبر إطلاع وانغ يي نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن على مخرجات الوساطة الصينية في خلال لقائهما على هامش اجتماع “آسيان” الوزاري في لاوس، في 27 يوليو. وفي المقابل ناقش بلينكن جهود واشنطن للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة. أما إذا فاز ترامب وعاد الجمهوريون إلى السلطة، فيرجح أن تستخدم الصين ملف المصالحة عاملَ موازنة وورقة ضغط ضد ترتيبات الولايات المتحدة وحكومة نتنياهو المستقبلية للشأن الفلسطيني. وسيتم ذلك عبر ترويج خطاب مضاد لهذه الترتيبات، خصوصاً بين دول الجنوب العالمي، وحشد تأييدها. وفي حالة فشل المصالحة، يُرجح أن تلقي بيجين اللوم على كلٍّ من واشنطن وتل أبيب.
الاستنتاجات
سواء نجح الفلسطينيون في تحقيق المصالحة أم فشلوا، فإن الصين تبدو رابحة. وعلى رغم أن الاستثمار الصيني طويل المدى، فإنه لا يزال منخفض الكلفة في شكل عام. لكن ثمة معضلة قد تواجه عمل الصين في الداخل الفلسطيني، وهي تفضيلات الشركاء العرب المتباينة بشأن موقف حماس الأيديولوجي، والفساد المستشري في السلطة الفلسطينية، وعلاقات حماس والجهاد بإيران، إلى جانب المصالح المباشرة لبعض هذه الدول التي يرتبط أمنها القومي مباشرة بتطورات الأوضاع في فلسطين، وعلى رأسها مصر والأردن.
يعني ذلك أنه سيكون على بيجين التحرك بحذر في المستقبل، وضمان موافقة، أو أقله عدم ممانعة، شركائها الرئيسين للمخرجات النهائية لأي اتفاق مصالحة (إن تمت). ويعني ذلك ضمنياً أن الصين ستستمر في كونها حبيسة التوازنات الإقليمية الأوسع والمصالح المتشابكة التي قد تؤدي في النهاية إلى إجهاض كل فرص الوحدة الفلسطينية.
المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/tahadiyat-alwasata-alsiynia-bayn-alfasayil-alfilastinia