محمد عبد الجبار الشبوط
لفت انتباهي تعبير جديد استخدمه محرر مقدمة برنامج “الملخص” الذي تم بثه من قناة العراقية الاخبارية، وهي غير قناة العراقية العامة. التعبير تضمن كلمتي “استعادة الدولة”. في السياسة، يكون للتعابير والمصطلحات اهمية بالغة. ويفترض بالكاتب السياسي، وهذا يشمل المحرر الاعلامي، ان يكون على معرفة معمقة ودقيقة بها حتى لا يقع في مطب استخدام التعابير والمصطلحات بشكل غير دقيق ومثير للالتباس. ويذكر محررو شبكة الاعلام اني كنت اذكر لهم ذلك في لقاءاتي المتكررة معهم، حتى لا يستخدموا مصطلحات خاطئة سياسيا او دستوريا، مثل مصطلح الحكومة المركزية، او هيئة رئاسة مجلس النواب، وان يميزوا مثلا بين تعبير مشروع القانون ومقترح القانون وغير ذلك كثير.
وحين استخدم محرر مقدمة برنامج “الملخص” تعبير “استعادة الدولة”، فانه اعطاني الانطباع بانه غير مدرك لمعنى مصطلح “الدولة”، وغير مدرك الفرق بين مصطلحي “الدولة” و”الحكومة”. واغلب ظني انه يقصد الحكومة. ولكن سواء قصد الدولة او الحكومة فانه يثير اشكالية كبيرة ليس من شأن محرر مقدمة برنامج تلفزيوني، ان يثيرها والا صار طرفا في صراع سياسي هو ليس طرفا فيه اصلا.
الاكثر اهمية من ذلك، هو الفرق بين عبارتي “استعادة الدولة” و”اعادة بناء الدولة”؛ فالأول يشير الى “الدولة” وكأنها مسروقة، والتعبير يشير الى استعادتها، والسؤال الذي يترتب على هذا المعنى هو: من يقوم بالاستعادة؟ وممن؟ وكيف؟ وطبعا الوضع في العراق لا تنطبق عليه هذه الاسئلة. فالدولة، بمعنى الوطن والشعب، موجودة، واذا اضفنا الى هذين العنصرين الحكومةَ فهي موجودة ايضا. ومهما نختلف او نتفق معها، فهي حكومة تمارس عملها استنادا الى حصولها الى ثقة مجلس النواب، وهذا هو مصدر شرعيتها بموجب النظام الدستوري البرلماني العراقي. اما اذا كنت غير راضٍ عنها، فيمكنك ان تمارس دور المعارضة السياسية سواء في البرلمان او الشارع او الاعلام. وكل هذه الاعمال مشروعة دستوريا. اما اذا ذهبنا بعيدا وعميقا في تحليل معنى تعبير استعادة الدولة فقد يذهب بنا الخيال السياسي الى القول باستعادة الدولة لما قبل ١٧ سنة مضت، قبل وصول الطبقة السياسية الحالية الى الحكم. وهذا التجاوز والالغاء لهذه الفترة الزمنية يعيدنا الى “الدولة” التي كانت قائمة قبل ٩ نيسان ٢٠٠٣. وهذا تحليل او خيال سياسي قد لا يكون موجودا في ذهن من صاغ هذا التعبير، لكنه مسؤول عن هذه التداعيات التحليلية السياسية. ولهذا يكون تعبير “استعادة الدولة” خارج السياق تماما.
لكنني اقول ان الامر بالنسبة للحالة العراقية اكثر عمقا من هذا. فنحن في حالة “شبح دولة”، بل في حالة “اللادولة”، ولهذا نحتاج الى تعبير اخر هو “اعادة بناء الدولة” الذي يتضمن معنى مختلفا تماما. ففي السطر الاول الذي ينتج من هذا التعبير هو عدم القناعة والقبول بحالة “اللادولة” الراهنة. تحتاج الدولة حتى تقوم وتتأسس، بعد وجود الارض والشعب، الى مقومات منها على وجه الخصوص المؤسسات والقانون، وحينما يضعف هذان المقومان فان الدولة تتراجع وجوديا لصالح حالة اللادولة. هذا اولا.
وحين تعجز الدولة او اللادولة عن القيام بوظائفها، بحيث تدخل في قائمة الدولة الفاشلة او قائمة الدولة الهشة، كما هو حال العراق الان، فسوف نحتاج الى الحديث عن اعادة بناء الدولة. وهذا يتضمن الاقرار او القول بفشل الطبقة السياسية التي تولت الحكم منذ سقوط النظام الدكتاتوري الى اليوم، والحكومة الراهنة محسوبة على هذه الطبقة الحاكمة. لهذا نحن بحاجة الى عملية اعادة بناء الدولة للوصول الى دولة ناجحة ومتماسكة، وقد اطلقت على هذه الدولة اسم او وصف الدولة الحضارية الحديثة بمقوماتها الخمسة وهي: المواطنة والديمقراطية والمؤسسات والقانون والعلم الحديث.
رابط المصدر: