على الرغم من كل المحادثات المضنية متعددة الأطراف وفي عواصم إقليمية وعالمية، ومحاولات الوصول إلى حل وسط بين إسرائيل و”حماس” لإنهاء الحرب في غزة، فإن الطرفين كانا يركزان دائما على شيء واحد طيلة الأشهر العشرة الماضية: من يقضي على الآخر أولا، سياسيا أو عسكريا؟
وبينما شنت إسرائيل حربا جوية وبرية مدمرة على غزة في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، استأنفت أيضا سياسة “الاغتيال المستهدف” المثيرة للجدل للقادة الفلسطينيين. وكعادتها في سياستها التي يكتنفها الغموض ويلفها الصمت على مدى عقود، باستثناء حالات معدودة، لم تعلن إسرائيل حتى الآن مسؤوليتها عن اغتيال القائد السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران.
لكن الحركة أكدت في بيان لها أن هنية قُتل في “غارة صهيونية على مقر إقامته في طهران” بعد حضوره مراسم أداء اليمين الدستورية للرئيس الإيراني الجديد.
رويترز
إسماعيل هنية يحضر مراسم أداء الرئيس الإيراني الجديد مسعود بيزشكيان اليمين الدستورية في البرلمان في طهران، إيران، 30 يوليو 2024.
يبدو أن اغتيال إسماعيل هنية سيعطي دفعة سياسية قوية لنتنياهو الذي يبحث عن صورة نصر واحدة على مدى الأشهر العشرة الماضية في غزة دون جدوى
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد أكد منذ بداية الحرب على غزة، وفي أكثر من خطاب وتصريح له أن إسرائيل ستغتال قادة “حماس” أينما كانوا، بل إنه قال صراحة في نوفمبر/تشرين الثاني إنه أعطى تعليمات لجهاز “الموساد” بتتبعهم. والرسالة من وراء اغتيال هنية اليوم ومقتل القيادي البارز في “حزب الله” بالأمس واضحة وضوح الشمس، وهي أن إسرائيل قادرة على الوصول إلى قادة الحركتين في عقر دارهم وفي قلب إيران الداعمة الرئيسة لهم.
وفي نظرة سريعة على رد الفعل الرسمي الإسرائيلي هذا الصباح، لم يستطع وزير المساواة الاجتماعية والشتات عميحاي شيكلي إخفاء فرحته، إذ قال على منصة “إكس/تويتر”: “احذر مما تتمناه”، معقبا على فيديو لهنية قبل اغتياله، بينما كان يجلس في طليعة مقاعد البرلمان الإيراني، ومن ورائه هتف النواب بالفارسية: “الموت لإسرائيل”.
وبعد ذلك بوقت قصير، قال المسؤول البارز في حركة “حماس” موسى أبو مرزوق إن اغتيال هنية في إيران “عمل جبان ولن يمر دون عقاب”.
وبالفعل، وكما يحدث عادة بعد اغتيال قادة فلسطينيين، فقد تم الإبلاغ عن هجوم بالسكين استهدف رجلا إسرائيليا في الخمسينات من عمره في الضفة الغربية المحتلة بعد ساعات قليلة من خبر اغتيال هنية.
وعندما أجريتُ مقابلة في مايو/أيار مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، الذي يُعتبر مهندس سياسة “القتل المستهدف” لقيادات فلسطينية في بيروت وتونس تحديدا، وأكثر الجنرالات الإسرائيليين حيازة للأوسمة العسكرية، قال لي دون تردد إنه “لا يندم مطلقا” على تخطيطه وتنفيذ تلك العمليات بنفسه.
يبدو أن اغتيال هنية سيعطي دفعة سياسية قوية لنتنياهو الذي يبحث عن صورة نصر واحدة على مدى الأشهر العشرة الماضية في غزة دون جدوى
ويقول باراك في محاولة تبريره تلك السياسة إنه “في الصراعات- خاصة بين الدول أو بين دولة وحركة وطنية تلجأ إلى الإرهاب- يجب اتخاذ قرارات صعبة”. وأوضح أن هذه العملية كانت جزءا من الجهود المبذولة لمنع مأساة أخرى مثل عملية ميونيخ للرياضيين الإسرائيليين عام 1972.
وأضاف: “أنت محق في ملاحظتك (أنه قد يكون خطأ استراتيجيا فادحا) من الناحية السياسية، ولكنني لست نادما وأنا لا أنظر إلى الوراء أبدا مسؤوليتنا هي حماية شعبنا والدفاع عنه. لذلك يجب أن يكون الاعتبار الرئيس هو إلى أي مدى يجب أن يكون الهدف بمثابة قنبلة موقوتة، بحيث إذا تركناه إلى نقطة معينة، فإنه سيسبب المزيد من الضرر”.
واستأنفت إسرائيل سياسة الاغتيالات في غزة وبيروت بعد شهرين من هجمات أكتوبر. ففي 2 يناير/كانون الثاني، اغتالت إسرائيل نائب رئيس “حماس” وقائد الحركة في الضفة الغربية صالح العاروري، بعد استهداف طائرة مسيرة لمكتب تابع للحركة ضمن بناية بالضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية، وكان العاروري أحد أهم حلقات الوصل بين “حماس” و”حزب الله” اللبناني وإيران.
أ.ف.ب
وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف ايتمار بن غفير ونتنياهو قبيل جلسة للكنيست في القدس في 23 مايو
وتهدف إسرائيل، من خلال تلك العمليات، أساسا إلى تصفية الكفاءات العسكرية وأصحاب المهارات المختلفة في كوادر “حماس”، كما أشرت في تحليل نشرته “المجلة” في مايو، بحيث يؤدي اغتيالهم إلى فراغ كبير يصعب إيجاد بديل له إلا بعد سنوات عديدة من التدريب والخبرة العملية، وكأنها تستهدف النظام التنفيذي والإداري للحركة.
وتطول قائمة القيادات العسكرية والسياسية الذين اغتالتهم إسرائيل، ومن أبرزهم أحمد ياسين، مؤسس حركة “حماس”، والزعيم الروحي لها.
أما بالنسبة لاغتيال هنية، فيبدو أن العملية- والآن- ستعطي دفعة سياسية قوية لنتنياهو الذي يبحث عن صورة نصر واحدة على مدى الأشهر العشرة الماضية في غزة دون جدوى. وبالتأكيد سيصب ذلك في صالحه عندما يتعلق الأمر بالسياسة الداخلية الإسرائيلية مع الصعود المتنامي لليمين المتطرف.
ويحاول نتنياهو، الذي تطارده تهم الفساد في الداخل، وتهم ارتكاب جرائم حرب في الخارج، فضلا عن الاحتجاجات الجماهيرية في تل أبيب ضد حكم به مظاهر استبداد وديكتاتورية ونظامه الذي يقوده المتطرفون، يحاول بلا كلل أن يستعيد هيبته السياسية وتقمص دور بن غوريون، ولو لفترة قصيرة قبل الانتخابات المقبلة. لكنه لم يستهدف حتى الآن يحيى السنوار، عدوه اللدود والرجل الذي يحرك كل الخيوط اليوم في “حماس”
المصدر : https://www.majalla.com/node/321692/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D8%A5%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D9%84-%D9%87%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%B0%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%88%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86