عبد الامير رويح
قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، والذي جاء بعد 15 عاما على عملية الاغتيال، مايزال محط اهتمام واسع خصوصا وان قرار الحكم قد اثار وبحسب بعض المصادر جدلاً سياسياً كبيراً في هذه البلاد، التي تعاني من مشكلات وازمات كبيرة بسبب الصراعات والخلافات السياسية المستمرة، ويرى بعض المراقبين ان عملية اغتيال الحريري التي جاءت في فترة بالغة الحساسية وفي خضم توتر مع دمشق اهم حليف لحزب الله، ربما نفذتها بعض اطراف والدول خارجية التي تسعى الى اثارة الفتن لزعزعة استقرار لبنان بشكل عام. وأدى اغتيال الحريري إلى ما كان آنذاك أسوأ أزمة في لبنان منذ الحرب الأهلية، مما أدى إلى انسحاب القوات السورية وأعد الساحة لمواجهة بين القوى السياسية المتنافسة على مدى سنوات.
وخلال جلسة النطق بالحكم، أفادت المحكمة بأنه لا يوجد دليل على تورط سوريا أو قيادة حزب الله بصورة مباشرة في اغتيال الحريري، ونفى حزب الله أي دور له في تفجير 14 فبراير شباط 2005. وقالت قاضية إن المتهم الرئيسي في قضية اغتيال الحريري كان عضواً في جماعة حزب الله واستخدم هاتفاً محمولاً يقول ممثلو الادعاء إنه كان محورياً في الهجوم. وأضافت القاضية ميشلين بريدي وهي تقرأ ملخصاً للحكم الصادر في 2600 صفحة أن المحكمة الخاصة بلبنان “مطمئنة بدرجة لا تدع مجالاً لشك منطقي” إلى أن الأدلة تظهر أن سليم عياش استخدم الهاتف. وقالت: “أكدت الأدلة أيضاً أن السيد عياش كان ينتسب لحزب الله”. ويواجه عياش اتهامات بشن هجوم إرهابي وبالقتل واتهامات أخرى.
كما أعلنت المحكمة “عدم كفاية الأدلة” ضد ثلاثة متهمين في قضية اغتيال الحريري. وكانت المحكمة التي تتخذ من لايدشندام قرب لاهاي مقراً، أعلنت إرجاء إصدار حكمها الذي كان مقرراً صدوره في السابع من آب/أغسطس “احتراماً للعدد الكبير من الضحايا” في انفجار بيروت الذي أدى إلى سقوط ما لا يقل عن 177 قتيلاً وأكثر من 6500 جريح. وتستند المحكمة الى القانون الجنائي اللبناني، وهي “الأولى من نوعها في تناول الإرهاب كجريمة قائمة بذاتها”. وكلفت منذ تأسيسها 600 مليون دولار، دفع لبنان الغارق في أزمة اقتصادية، جزءاً منها. لكن أغلب قوى 14 آذار وعلى الرغم من القرار، اعتبرت أنه بمعزل عن عدد المدانين فإن مجرد الحكم على سليم عياش يعتبر إدانة لحزب الله.
المتهم الرئيسي
وفي هذا الشأن أدانت المحكمة الخاصة بلبنان والمدعومة من الأمم المتحدة عضوا بجماعة حزب الله اللبنانية بالتآمر على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري عام 2005 مما أعد الساحة لمواجهات بين القوى السياسية اللبنانية المتنافسة على مدى سنوات. وقضت المحكمة بعدم كفاية الأدلة على ضلوع المتهمين الثلاثة الآخرين في التفجير وبرأتهم. وقال القضاة إن ”لديهم قناعة لا يخالطها شك“ بأن الأدلة أظهرت أن المتهم الرئيسي سالم جميل عياش كان بحوزته ”واحد من ستة هواتف محمولة استخدمت في الهجوم“.
وقالت القاضية ميشلين”الأدلة أثبتت كذلك انتماء عياش لحزب الله“. ومن المعتقد بأن المدعى عليهم الثلاثة الآخرين أعضاء في حزب الله أيضا. لكن القضاة قالوا إنهم لم يجدوا أدلة على تورط قيادة حزب الله أو الحكومة السورية في الهجوم. ويأتي الحكم في الوقت الذي لا يزال اللبنانيون يعانون فيه من تبعات انفجار بيروت. وكان للحريري، الملياردير السني، علاقات وثيقة بالولايات المتحدة وحلفاء غربيين ودول الخليج العربية وكان يُنظر إليه على أنه يمثل تهديدا للنفوذ الإيراني والسوري في لبنان. وقاد الحريري مساعي إعادة بناء بيروت بعد الحرب الأهلية التي دارت رحاها من عام 1975 إلى 1990.
وقال القاضي ديفيد ري في وقت سابق ”ترى المحكمة أن سوريا وحزب الله ربما كانت لهما دوافع للقضاء على السيد الحريري وحلفائه السياسيين، لكن ليس هناك دليل على أن قيادة حزب الله كان لها أي دور في اغتيال السيد الحريري وليس هناك دليل مباشر على ضلوع سوريا في الأمر“. وحتى قبل أن يبدأ القضاة النطق بالحكم الصادر في 2600 صفحة، حملت صحيفة النهار اليومية عنوان ”العدالة الدولية تهزم الترهيب“ مصحوبا برسم كاريكاتوري لوجه الحريري وهو ينظر إلى سحابة الفطر العملاقة فوق بيروت المدمرة ويقول لها ”عقبالك“ في إشارة إلى تحقيق قد يكشف سبب الانفجار.
وقد يزيد الحكم الذي صدر في لاهاي إلى زيادة الاستقطاب في بلد مقسم وتعقيد الوضع المضطرب بالفعل بعد انفجار الرابع من أغسطس آب واستقالة الحكومة المدعومة من حزب الله وحلفائه. وكان من المتوقع في بادئ الأمر صدور الحكم في وقت سابق من هذا الشهر لكنه تأجل بعد انفجار مرفأ بيروت. واستغرقت عملية التحقيق والمحاكمة الغيابية 15 عاما وبلغت كلفتها نحو مليار دولار. وسيُنفذ الحكم لاحقا غير أن عياش قد يواجه حكما يصل إلى السجن مدى الحياة أو البراءة. بحسب رويترز.
وتظهر أدلة الحمض النووي أن منفذ الهجوم انتحاري لم يتم التعرف عليه. واستخدم ممثلو الادعاء تسجيلات للهواتف المحمولة لإثبات أن المتهمين، وهم سليم جميل عياش وحسن حبيب مرعي وأسد حسن صبرا وحسين حسن عنيسي، راقبوا بدقة تحركات الحريري في الأشهر التي سبقت الهجوم لتحديد توقيته. لكنهم لم يربطوا بشكل كاف بين المتهمين وإعلان مسؤولية كاذب جاء بعد الهجوم مباشرة من أشخاص لا بد وأنهم كانوا يعرفون أن الحريري سيُقتل. لكن محامين عينتهم المحكمة نفوا وجود دليل مادي يربط المتهمين بالجريمة وطالبوا بتبرئتهم. ويقول بعض اللبنانيين الآن إنهم أكثر انشغالا بمعرفة الحقيقة وراء انفجار مرفأ بيروت.
قرار وتحديات
من جانب اخر تعهد رئيس وزراء لبنان السابق سعد الحريري بألا ”يستكين“ لحين إنزال العقاب بقتلة والده، رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وذلك بعد أن قرار المحكمة الخاصة بلبنان المدعومة من الأمم المتحدة. وفي وسط بيروت، وقف أفراد أسرة الحريري وأنصاره أمام قبره في انتظار سعد ليتحدث عن حكم المحكمة التي انعقدت في لاهاي بهولندا. وقال الحريري ”للمرة الأولى بتاريخ الاغتيالات السياسية العديدة التي شهدها لبنان، عرف اللبنانيون الحقيقة“. وأضاف ”وأهمية هذه اللحظة التاريخية هي رسالة لمن ارتكب هذه الجريمة الإرهابية وللمخططين الذين وراءهم بأن زمن استخدام الجريمة في السياسية من دون عقاب ومن دون ثمن انتهى“.
وأبدى بعض اللبنانيين، ومن بينهم ضحايا ينتظرون العدالة منذ 15 عاما، عدم تصديقهم أن الحكم برأ ثلاثة آخرين من أعضاء حزب الله. وقضى الحكم أيضا بأن قيادة الجماعة والحكومة السورية غير ضالعتين في الهجوم. وعبرت سناء الشيخ، التي أصيبت في الانفجار الذي وقع يوم 14 فبراير شباط عام 2005 وأدى إلى مقتل الحريري، عن صدمتها إزاء الحكم بالقول ”بدل من أن تكبر الشبكة صار واحد هو السوبرمان الذي فعل كل هذا الشيء، سوبرمان الذي يشتري المتفجرات لوحده ويشتري الشاحنة لوحده ويخطط لوحده وينفذ لوحده“. وأضافت أنها لم تكن تتوقع أبدا نتيجة كهذه.
وقال محمود الذي تحدث من منطقة سنية موالية للحريري في بيروت ”يجب أن يردوا لنا المال الذي حصلوا عليه“ مشيرا إلى تكاليف المحاكمة التي بلغت مليار دولار. وسيصدر لاحقا الحكم على سليم جميل عياش الذي أُدين غيابيا بلعب دور رئيسي في تنفيذ الهجوم. ويمكن أن يواجه حكما يصل إلى السجن مدى الحياة. وبعد الإدانة، دعا الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وهما حليفان لحزب الله، إلى الوحدة. لكن الحريري قال إنه لن ”يستكين“ لحين ”تنفيذ العدالة“.
وفي إشارة إلى تصريحات لزعيم حزب الله حسن نصر الله قبل المحاكمة قال فيها إن جماعته ليست معنية بقرارات المحكمة، أضاف الحريري ”كل اللبنانيين .. معنيون“. ومضى يقول ”نقول للجميع لا أحد يتوقع معنا أي تضحية. نحن ضحينا بأغلى ما عنا … المطلوب منه أن يضحي اليوم هو حزب الله“. وأضاف ”والذي صار واضح أن شبكة التنفيذ صفوفه ومعتقدين أنه لهذا السبب لن تمسكهم العدالة ولن ينفذ فيهم القصاص. وارجع اقول لن نستكين حتى ينفذ القصاص“.
وقال سامي الجميل رئيس حزب الكتائب، الذي استقال نوابه الثلاثة من البرلمان بسبب انفجار بيروت، على تويتر ”إلى متى سيستمر العالم بالتغاضي عن مجموعة مسلّحة بقوة الخارج تقوم بزعزعة لبنان ودول المنطقة؟“ وجاء صدور الحكم الغيابي فيما يغرق لبنان في أسوأ أزماته الاقتصادية. وأعاد إثارة الجدل حول الأموال التي دفعها لبنان في إطار مساهمته في تمويل المحكمة التي انقسم حولها اللبنانيون أيضاً. فقد اعتبر حزب الله ، أن المحكمة “مسيّسة”، بينما اعتبر خصوم الحزب أن المحكمة هي الوسيلة لوقف سياسة “الإفلات من العقاب” في لبنان.
ويقول نائب مدير مركز السياسة العالمية فيصل عيتاني “بينما توقّعت قلة أن يصار الى إلقاء القبض على أي شخص، يعتقد البعض أن المحاكمة بحدّ ذاتها تشكل سابقة مهمة في القانون الدولي”. ويضيف “لست واثقاً ما إذا كانت هذه السابقة تستحقّ كل هذا الوقت والمال وعدم الاستقرار السياسي”.
وفي سردها للوقائع وتفاصيل الحكم، قالت المحكمة الدولية “لا شك أن الذين تآمروا لاغتيال الحريري قرروا قتله في حال واصل مساره بالابتعاد عن سوريا”، مشيرة الى أن قرار الاغتيال “اتخذ على الأرجح في مطلع شباط /فبراير” بعد اجتماع للمعارضة المناهضة لسوريا كان يدعمه الحريري. وعنونت صحيفة النهار اللبنانية على صفحتها الأولى “الحكم: إدانة الرأس المنفّذ وكشف المؤامرة السياسية”، في تركيز على الخلفيات السياسية التي تحدثت عنها المحكمة.
في المقابل، نشرت صحيفة الأخبار المقرّبة من حزب الله صورة لقاعة المحكمة على كامل صفحتها الأولى مع ختم “منتهية الصلاحية” باللون الأحمر. وفي تعليق على فيسبوك، اعتبر المدير التنفيذي لمبادرة الاصلاح العربي نديم حوري “ستفسّر الأطراف المختلفة في لبنان حكم المحكمة الخاصة وفق أهوائها”. بحسب فرانس برس.
من جانبه قال الأمين العام لحزب الله حسن نصرلله إن حزبه سيتعامل مع القرار الذي ستصدره المحكمة الدولية بحق المتهمين الأربعة من عناصره في اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري “وكأنه لم يصدر”. وقال نصر الله “إذا حُكم على أي من إخواننا بحكم ظالم، كما هو متوقع، نحن متمسكون ببراءة إخواننا”، مؤكداً أنّ “القرار الذي سيصدر بالنسبة إلينا كأنه لم يصدر (…) لأن القرار صدر منذ سنوات طويلة”. وأضاف “بالنسبة لقرار المحكمة الدولية أياً كان، نعتبر أنفسنا غير معنيين”. وحذّر من أن “هناك من سيحاول استغلال المحكمة الدولية (…) لاستهداف المقاومة وحزب الله”، داعياً مناصريه إلى “التحلي بالصبر” في الشارع بعد صدور القرار. وأثار تشكيل المحكمة الدولية منذ البداية جدلاً وانقساماً في لبنان بين مؤيدين لها من حلفاء الحريري وآخرين من حلفاء حزب الله شككوا في مصداقيتها واعتبروها “مسيّسة”.
خصوم حزب الله
في السياق ذاته أبدى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ترحيب الولايات المتحدة بإدانة محكمة مدعومة من الأمم المتحدة لعضو في جماعة حزب الله اللبنانية. وانتقد بومبيو أيضا في بيان ”استغلال“ حزب الله للنظام المالي في لبنان، الذي يعاني من تبعات الانفجار الهائل في الرابع من أغسطس آب وقال إن تدهور المؤسسات اللبنانية يهدد السلامة المالية للبنان واحتمال تعافيه.
من جانبها عقبت وزارة الخارجية الإسرائيلية على الحكم الصادر بالقول إن حزب الله ”ارتهن مستقبل الشعب اللبناني“. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان ”حكم المحكمة التي حققت في مقتل رئيس الوزراء الحريري والذي تم الإعلان عنه لا لبس فيه. إن جماعة حزب الله وأفرادها متورطون في جريمة القتل وعرقلة التحقيق“. وأضاف ”حزب الله ارتهن مستقبل اللبنانيين خدمة لمصالح خارجية. على دول العالم أن تتخذ إجراءات ضد هذه الجماعة الإرهابية لمساعدة لبنان على تحرير نفسه من هذا الخطر“. ومضى يقول ”الحشد العسكري لحزب الله، وجهوده لإنشاء ترسانة صواريخ دقيقة التوجيه، وأفعاله تعرض المنطقة بأكملها للخطر“.
الى جانب ذلك ذكرت وكالة الأنباء السعودية نقلا عن الخارجية أن الحكم الصادر في قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري يمثل ”ظهورا للحقيقة وبداية لتحقيق العدالة بملاحقة المتورطين وضبطهم ومعاقبتهم“. وقالت وزارة الخارجية ”وحكومة المملكة العربية السعودية بدعوتها لتحقيق العدالة ومعاقبة حزب الله وعناصره الإرهابية، تؤكد ضرورة حماية لبنان والمنطقة والعالم من الممارسات الإرهابية لهذا الحزب الذي يُعتبر أداة للنظام الإيراني وثبت ضلوعه في أعمال تخريبية وإرهابية في بلدان عديدة، وكانت جريمة اغتيال رفيق الحريري إحداها وأكثرها تأثيراً على أمن واستقرار لبنان“. بحسب رويترز.
على صعيد متصل ذكر وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية جيمس كليفرلي أن إدانة عضو في جماعة حزب الله خطوة نحو تحقيق العدالة. وقال على تويتر ”بينما تصدر المحكمة الخاصة بلبنان حكمها، فإن قلوبنا مع المتضررين من هجوم بيروت 2005، وهو حدث مؤلم آخر في تاريخ لبنان“. وأضاف ”حكم اليوم خطوة نحو العدالة. لا بد من محاسبة من يرتكبون مثل هذه الفظائع“.
رابط المصدر: