اغتيال فخري زاده لن يوقف البرنامج النووي الإيراني لكنه يضع التفاوض في مأزق

فاطمة الصمادي

منذ 2010 وإلى اليوم، جرى اغتيال خمسة من العلماء الإيرانيين العاملين في البرنامج النووي الإيراني، لكن الاغتيال الأخير الذي قُتل فيه أستاذ الفيزياء ورئيس مركز الأبحاث والتكنولوجيا التابع لوزارة الدفاع، محسن فخري زاده هو أشدها تأثيرًا بسبب حساسية المناصب والمهام التي كان يتولاها، وبالعودة إلى السيرة الذاتية للرجل الذي وُلد في “قُمْ” واغتيل وهو في الـ59 من العمر فإنه كان مؤثرًا في الملفين الأهم بالنسبة لإيران، وهما: البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي، فضلًا عن ملفات أخرى شديدة الأهمية مثل تطوير عقار لعلاج فيروس كورونا، وفق بيان وزارة الدفاع الإيرانية.

لأكثر من مرة، تردد اسم فخري زاده في التقارير الإسرائيلية وأحاديث نتنياهو، كما أن اسمه ورد في تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكان من الأسماء التي طلبت الوكالة مقابلتها أكثر من مرة دون أن توافق إيران على ذلك، وحدث أن جرى ترتيب موعد للاجتماع ثم ألغته إيران في اللحظات الأخيرة. وكان التركيز على فخري زاده يرجع لأسباب، أهمها وفق التقارير الإسرائيلية والغربية: أنه كان مؤمنًا بضرورة تطوير البُعد العسكري في البرنامج النووي الإيراني. وخلال السنة الأخيرة من حكم محمد خاتمي (2002-2003) كان مسؤولًا عن إدارة “مشروع آماد” الذي كان مخصصًا، وفق تقارير الوكالة الدولية، لإجراء بحوث اليورانيوم وتحديث الصواريخ لتزويدها برؤوس نووية، وكان من الذين عارضوا بشدة إغلاق المشروع طبقًا للاتفاق الذي وقَّعته حكومة خاتمي. وكثيرًا ما جرى وصف فخري زاده بأنه سيكون “أبا القنبلة النووية الإيرانية”، إذا استأنفت إيران البعد العسكري في برنامجها النووي.

كان لفخري زاده، الذي وضعته مجلة “فورين بوليسي” في قائمة 500 شخصية هي الأكثر تأثيرًا على مستوى العالم، بصمة واضحة في تطوير “المنظومة الدفاعية” الإيرانية وفق ما تضمنته البيانات الرسمية الإيرانية، التي أكَّدت وقوف إسرائيل وراءه، كما حدث مع عمليات الاغتيال المماثلة والتي ذهب ضحيتها علماء إيرانيون، أهمهم: مسعود علي محمدي، أستاذ الفيزياء في جامعة طهران، في 2010، ومجيد شهرياري، المتخصص في الفيزياء النووية والأستاذ في جامعة شهيد بهشتي، في 2010، وداريوش رضائي نجاد، طالب الدكتوراه في مجال هندسة الكهرباء، في 2011، ومصطفى أحمدي روشن، المسؤول التجاري في موقع نطنز النووي، في 2011.

ويبدو أن مطاردة فخري زاده قد استمرت لسنوات، فقد سبق وأن نجا من محاولات اغتيال استهدفته، وتحدثت صحيفة معاريف الإسرائيلية عن أن متابعته جرت على مدى أحد عشر عامًا، وكانت الدوائر الاستخبارية الإسرائيلية تسعى لمعرفة كل شيء عن برنامجه اليومي، ونقاط ضعفه، وجرى وصفه بأنه “فخ إيراني للقبض على عملاء الموساد”.

تقول إيران: إن قرار الرد قد اتُّخذ، ليضاف ملف فخري زاده إلى ملف مفتوح آخر من ملفات الرد التي تقول إيران: إنه لم يُطْوَ بعد، وهو اغتيال قائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني، مطلع العام 2020. ولعل هذه الملفات المفتوحة سيكون لها تأثيراتها في ساحات عدة، داخلية وخارجية:

  •  يضع اغتيال فخري زاده، كما وضع اغتيال قاسم سليماني، عقبات كبيرة أمام السعي لعودة إيران إلى التفاوض مجددًا مع الولايات المتحدة الأميركية، ومن الواضح أن احتفاء ترامب بمقتل فخري زاده هو في أحد أوجهه الأخرى احتفاء بعقبة جديدة سيكون على جو بايدن التعامل معها في سعيه للعودة إلى الاتفاق النووي ومفاوضة إيران.
  •  قد يدفع هذا الاغتيال إيران إلى التصعيد في برنامجها النووي واتخاذ خطوات تجعل من مراقبته من قبل الوكالة الدولية أمرًا مرفوضًا، وقد تواصل إيران خطواتها في خفض التزاماتها ببنود الاتفاق النووي، الموقَّع مع الدول الكبرى الستة، في 2015.
  • على الرغم من مكانة فخري زاده ودوره المفتاحي في ملفات إيران الحساسة إلا أن القول بأن الاغتيال سيُنهي البرنامج النووي الإيراني أو يوقفه، فيه كثير من المبالغة، وحتى بالنسبة للبعد العسكري لهذا البرنامج فقرار نقله إلى مستويات أعلى كان على الدوام في جزء كبير منه قرارًا سياسيًّا أكثر منه تقنيًّا.
  • سيعزِّز هذا الاغتيال من موقف الفريق الرافض للاتفاق النووي والذي كثيرًا ما حاجج بأنه لم يجلب لإيران سوى المصائب.
  • يضع هذا الاغتيال الاتفاق النووي المتداعي في أزمة جديدة ويحرج الأطراف الأوروبية التي تزعم أنها تحاول إنقاذ الاتفاق.
  • سيعزز هذا الاغتيال من تصاعد الحرب في المنطقة الرمادية بين إيران وإسرائيل، ويضع ذلك إيران في وضع حرج يفرض عليها أن تهندس ردًّا محسوبًا يحفظ ماء الوجه دون أن يجرها إلى مواجهة شاملة تحملت لتجنبها خلال السنوات الماضية كثيرًا من الضربات.
  • ستجد إيران، رغم الضائقة الاقتصادية، نفسها في حاجة كبيرة لتعزيز قوة حلفائها من المجموعات المسلحة في المنطقة، وستعزز إيران من وجودها على تخوم منطقة الجولان المحتلة.
  • سيجد الفريق الداعي لعودة التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية نفسه في الزاوية داخل إيران، وقد تعالت حالة من الغضب الشعبي تجاه إدارة روحاني، وتعتقد هذه الأصوات أنه ضحَّى بالبرنامج النووي دون مقابل، ولذلك، فإن أية محاولات دبلوماسية خلال الأشهر القادمة القليلة المتبقية على روحاني في منصبه رئيسًا لن تؤدي إلى نتيجة حتى لو أراد روحاني وفريقه ذلك.
  • يعزز هذا الاغتيال من القناعات الراسخة لدى قائد الثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، بعدم جدوى التفاوض، خاصة وأنه قبل أيام قليلة أكد أن الغرب لا يملك الحق في مساءلة إيران بشأن برنامجها الصاروخي ولا حتى نفوذها الإقليمي، وأن إيران لن تفاوض بشأن هذه المسائل.

 

رابط المصدر:

https://studies.aljazeera.net/ar/article/4853

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M