عمر طاش بينار
يبدو أن احتمال مشاهدة إعادة لمعركة بين رجلين طاعنين في السن -جو بايدن ضد دونالد ترامب-ارتفع حالياً عند هذا المنعطف من السياسة الأمريكية. فقد أعلن بايدن بالفعل أنَّه سيخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024 للفوز بفترة ثانية. وستُحدد الانتخابات التمهيدية في الحزب الجمهوري إذا ما كان ترامب سيكون منافسَ بايدن مرة أخرى. وأوضحت الدائرة المحيطة بالرئيس بايدن أن قراره بالترشح لفترة ثانية كان سيكون أكثر صعوبة فيما لو كان المرشح المحتمل شخصيةً أخرى غير ترمب، ما يعني أنه لم يكن لدى بايدن أي شكوك إزاء فوز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات 2024. فهل بايدن مُحق في ذلك؟ الجواب المختصر هو “نعم”، حيث يُعَدُّ ترامب المرشح الأكثر شعبية في انتخابات الحزب الجمهوري التمهيدية. وحال فوز ترامب في هذه الانتخابات، فإن القول بأنه سيخسر في الانتخابات الوطنية يُعَدُّ افتراضاً خاطئاً. وأثبت التاريخ مؤخراً أن التقليل من شأن ترامب يُعَدُّ خطئاً باهظ الثمن بالنسبة للديمقراطيين.
الانقسام داخل الحزب الجمهوري
على الرغم من مكانة ترامب المتقدمة في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، فإنّه يعاني من عيوب خطيرة حالياً. ولعل خضوع ترامب لتحقيقات جنائية فيدرالية لا تُمثل طريقة مثالية للوصول إلى البيت الأبيض. لكنَّ ترامب يحظى بتفانٍ غير عادي في أوساط أكثر أتباعه ولاءً، إضافة إلى استغلال كونه ضحية. وما زالت قاعدة ترامب السياسية قوية، وتشكل نحو 35% من الناخبين الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية. وتُعَدُّ هذه النسبة كبيرة، والتي مع ذلك تعني أن هناك مساحة لوجود منافس لترامب في الحزب الجمهوري. ويتضح أن هناك عدداً كبيراً من الناخبين الجمهوريين الذين يشككون بترشح ترامب مرة أخرى لخوض انتخابات الرئاسة، إذ يقول 35% من الجمهوريين إنهم سينتخبون ترامب إذا ما تعين عليهم ذلك، لكنَّهم يفضلون مرشحاً آخر نظراً للتحدي الذي يشكله ترامب على المستوى القومي بسبب جاذبيته الانتخابية. وتشير استطلاعات الرأي لغاية الآن إلى أن ترامب يحظى بدعم نحو 40% من الناخبين الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية، في حين ينقسم ما تبقى بين حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس وسفيرة الولايات المتحدة السابقة في الأمم المتحدة نيكي هيلي، وعدد من المرشحين الآخرين. وتشير هذه الأرقام إلى أنه بالرغم من جهود ترامب، فإن نصف الناخبين الجمهوريين منفتحون على بدلاء آخرين غير ترامب.
لكنَّ المعسكر المناهض لترامب يعاني من الانقسام. ويشبه هذا الوضع ما حدث عام 2016 عندما كان الدعم المتفاني لترامب كافياً لتحقيق النصر على باقي منافسيه الجمهوريين. فقد حصل ترامب آنذاك -كما هي الحال الآن- على مساعدة كبيرة من خلال قيام منافسيه بمهاجمة بعضهم بعضاً بدلاً من الوقوف خلف مرشح واحد بديل لترامب. ومَكَّن الاقتتال الداخلي ترامب من الفوز بمعظم أصوات المندوبين بالرغم من عدم فوزه بأغلبية الأصوات إلّا بعد نفاد أموال منافسيه. لذلك أصبح ترامب مرشحاً مفترضاً بشكل تلقائي.
لكنَّ المؤشرات الأولية بوجود تضامن في مواجهة ترامب ليست مشجعة. وباستثناء حاكم ولاية نيوجيرزي السابق كريس كريستي، فإن معظم المرشحين الجمهوريين الآخرين، مثل مايك بنس ونيكي هيلي وتيم سكوت (عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كارولينا الجنوبية) وحتى حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، يرغبون في تجنُّب حدوث أي مواجهة مع ترامب. وبدلاً من ذلك تَتَمَثَّل الاستراتيجية المألوفة بمهاجمة ديسانتيس الذي يُعَدُّ ثاني أكثر المرشحين شعبيةً بعد ترامب في معظم استطلاعات الجمهوريين، على أمل أن تعمل قوى خارجية، وبخاصة الأحكام القضائية، على إقصاء ترامب. وما لم يتمكن ديسانتيس من التحول إلى بديل وحيد لترامب في مرحلة مبكرة من الانتخابات التمهيدية، فإن الحزب الجمهوري سيكرر النمط نفسه استعداداً لانتخابات 2024، بحيث يجتاز ترامب مرحلة الترشح لخوض هذه الانتخابات وسط انقسامات في معسكر الجمهوريين.
وتنطوي استراتيجية الاعتماد على النظام القضائي لتدمير ترامب على مشكلة بسيطة، وهي رفض القاعدة السياسية لترامب كل الاتهامات واعتبارها مؤامرة. وتعمل تغطية وسائل الإعلام للمصاعب القانونية التي يواجهها ترامب فقط على إقناع هذه القاعدة لدعم ترامب أكثر في مواجهة “المؤسَّسة”. وفي هذا الإطار يقدم لعب دور الضحية خدمةً كبرى لترامب. وعلى سبيل المثال، في مارس 2023 عندما أصبح ترامب أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يواجه تُهَمَاً جنائية شهدت حملة ترامب الانتخابية زيادة كبيرة في التبرعات، والأهم من ذلك مسارعة منافسيه السياسيين إلى دعمه. لكنَّ أياً من الجمهوريين المنافسين لترامب لم يدافع عن احتفاظه بوثائق سرية، غير أنهم يحمّلون إدارة بايدن مسؤولية تسييس وحشد وزارة العدل ضد ترامب، واستخدم الادعاء العام قانون التجسس لتوجيه التهمة إلى الرئيس السابق بالاحتفاظ بمعلومات سرية بصورة غير قانونية بعد مغادرة البيت الأبيض ورفض إعادتها. وتتضمن التهم أول تهمة فيدرالية على الإطلاق ضد رئيس أمريكي سابق. ويقول الادعاء إن ترامب اصطحب معه نحو 300 وثيقة سرية إلى مقره في ولاية فلوريدا “مار ألاجو”، وحاول عرقلة تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي حول الوثائق المفقودة بقوله إن محاميه “أخفاها أو أتلفها” أو إبلاغ المحققين بأنها لم تكن بحوزته. واحتوت الوثائق السرية على معلومات حول البرامج النووية الأمريكية، والأسلحة والقدرات الدفاعية لكل من الولايات المتحدة ودول أجنبية، ونقاط الضعف المحتملة للولايات المتحدة وحلفائها في مواجهة هجوم عسكري وخطط الرد الممكن في مواجهة هجوم خارجي. ويرى الخبراء القانونيون أن التهم الجنائية بحق ترامب قد تقود إلى وضعه في السجن في حال إدانته.
ويرى مؤيدو ترامب أن القضية مُسَيَّسَة ومبالغ بها نظراً لعدم وجود أي تجسس؛ فلم يكن لدى الرئيس السابق أي نية لخيانة بلاده. ويدفع ترامب بالبراءة في وجه التهم الموجهة إليه، ويشير في كثير من الأحيان إلى العثور على ملفات سرية أيضاً في مكتب بايدن السابق ومنزله بولاية ديلاوير، بما في ذلك مرآب السيارات. ورَدَّ البيت الأبيض بقوله إن المسألة مختلفة تماماً نظراً لتعاون بايدن الفوري مع المسؤولين حال اكتشاف هذه الملفات، على عكس جهود ترامب في عرقلة التحقيقات. وكما هي العادة انقسم الرأي العام الأمريكي حول هذه القضية، فقد أشار استطلاع للرأي في يونيو 2023 إلى وجود استقطاب واضح. ويحظى ترامب بدعم في أوساط الجمهوريين والجمهوريين المستقلين. ويحتفظ 75% من الجمهوريين والمستقلين من ذوي الميول الجمهورية بوجهة نظر إيجابية تجاه ترامب؛ بزيادة قدرتها 8% منذ منتصف فبراير 2023. ويعتقد نحو 75% من الأمريكيين على مستوى الولايات المتحدة بأن ترامب ارتكب شيئاً إمّا غير قانوني أو غير أخلاقي.
هل يستطيع ترامب الفوز مرة أخرى؟
لعل من الخطأ أن يعمد بايدن إلى التقليل من شأن ترامب. فخلال انتخابات 2016، شَكَّلَ الأمل بفوز ترامب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري على أساس أنه سيخسر بسهولة في الانتخابات الوطنية أكثر الأمثلة التي تنطوي على كلفة سياسية باهظة في التاريخ الأمريكي الحديث بالنسبة لمعسكر هيلاري كلنتون. ويمكننا أن نفترض بشكل واثق بأنه لن يكون هناك فوز ساحق لأي مرشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وكانت آخر مرة حقق فيها مرشح فوزاً ساحقاً في أصوات الناخبين عام 1984 عندما فاز رونالد ريجان على منافسه الديمقراطي وولتر مونديل. قبل ذلك حقق ريتشارد نيكسون فوزاً ساحقاً على جورج ماكجفورن عام 1972، وفوز ليندون جونسون على باري جولدووتر عام 1964. لكنَّ مثل هذا الفوز الساحق لم يعد يحدث الآن نظراً لانقسام الولايات المتحدة بالتساوي.
كما يمكننا الافتراض بأن سنّ بايدن (80 عاماً) سيشكل عاملاً قوياً، حيث يدرك الناخبون الأمريكيون تماماً تراجع قدرة بايدن على الحركة وقدراته الجسدية المحدودة. وفي حال انتخاب بايدن فإنه سيصل إلى سن السادسة والثمانين عند رحيله عن المنصب، ما يعني بأنه سيكون أكبر رئيس سناً في التاريخ الأمريكي. وتشكل محدودية توافر بايدن للظهور على وسائل الإعلام وتردده في عقد مؤتمرات صحفية مباشرة مؤشرات واضحة حول مخاوف مستشاريه إزاء قدرته على الحديث في هذا السن. وتمكّن بايدن خلال شبابه من التغلب على التلعثم خلال الحديث، والتي أدت بالرغم من ذلك إلى إخلاله بتركيب الجُمل طوال حياته، وسيُبرز ترامب في حملته الانتخابية قضايا العمر والقدرة على الخطابة والشأن الصحي لبايدن. وبدأ بعض الجمهوريين بالقول بأن انتخاب بايدن سيعمل على تسليم البيت الأبيض إلى نائبة الرئيس كمالا هاريس، والتي تُعَدُّ أحد أضعف نواب الرؤساء الأمريكيين وأقلهم حضوراً في التاريخ الحديث، علاوة على ضعف مستوى الرضا عن أدائها.
وعلاوة على هذه القضايا، فإن العامل الحاسم الذي سيحدد احتمالات فوز ترامب عام 2024 قد يَتَمَثَّلُ بحالة الاقتصاد الأمريكي. وقد يؤدي ظهور أي مؤشر على حدوث ركود اقتصادي إلى هزيمة بايدن في الانتخابات. وأشار استطلاع للرأي أجراه “مركز بيو للبحوث” في يونيو 2023 إلى أن التضخم يأتي في مقدمة المخاوف في أوساط الجمهوريين والناخبين ذوي الميول الجمهورية. وتحظى سياسات الحزب الجمهوري الاقتصادية بدعم يفوق بمعدل 12 نقطة الدعمَ الذي يحظى به الديمقراطيون في هذا المجال. كما أظهر الاستطلاع نفسه أن 33% فقط من الأمريكيين يدعمون الطريقة التي يتعامل بها بايدن مع الاقتصاد. ويدل كل هذا على أن بايدن ضعيفٌ للغاية عندما يتعلق الأمر بحالة الاقتصاد الأمريكي.
ويقف الانطباع السلبي حول تعامل بايدن مع الاقتصاد على النقيض من سلسلة من المؤشرات الاقتصادية الإيجابية التي يرغب البيت الأبيض في تسليط الضوء عليها. وقد تراجع التضخم حالياً إلى نسبة 4%، وهو أدنى مستوى منذ عام 2021، وكان التضخم في الولايات المتحدة قد بلغ ذروته عند نسبة 9.1% خلال شهر يونيو 2022، حيث أدت الحرب في أوكرانيا إلى رفع أسعار الطاقة والغذاء، وتُعَدُّ تلك النسبة الأسرع منذ نوفمبر 1981. وعلاوة على تراجع معدلات التضخم فإن معدلات البطالة تقف عند أدنى مستويات لها في التاريخ بنسبة 3.6%، وذلك بفضل أشهر من النمو الثابت في الوظائف الجديدة. وحقق الاقتصاد الأمريكي أداءً يفوق توقعات الخبراء الاقتصاديين، ومنع لغاية الآن حدوث ركود اقتصادي بدا حتمياً قبل أشهر قليلة فقط.
ويشهد الاقتصاد الأمريكي حالياً نمواً بنسبة 2%، غير أن الصورة الاقتصادية غير العادلة بالنسبة لبايدن تعود إلى أن التضخم يقضي على أي زيادة في الدخل، إذ إن الأجور لا تواكب الأسعار. وفي الحقيقة واستناداً إلى الدخل، فإن الاقتصاد عانى من انكماش خلال الربع الثاني على التوالي. وقد يفسر هذا السبب الذي يشعر من أجله أغلبية الناخبين الأمريكيين بأن أداء بايدن ضعيف في المجال الاقتصادي. ويؤدي ثبات الأجور إلى تشكيل انطباع بوجود ركود اقتصادي. وكان الرئيس الأمريكي الأسبق وليام ماكنلي آخر رئيس يفوز بالانتخابات لفترة ثانية عام 1900 بالرغم من وجود ركود اقتصادي. ويُعَدُّ الرئيس الأسبق جيمي كارتر عام 1980، والرئيس الأسبق جورج بوش الأب عام 1992، والرئيس السابق ترامب عام 2020 أحدث أمثلة على أن التراجع الاقتصادي يتسبب غالباً بالهزيمة.
صورة ترامب الإيجابية في المجال الاقتصادي
حمل ترامب عندما خاض انتخابات الرئاسة عام 2016 رسالةً شعبوية لاقت أصداءً في أوساط الناخبين الذين اعتقدوا بأن الاقتصاد يمرّ في وضع صعب. وكشفت استطلاعات الرأي للناخبين بعد الادلاء بأصواتهم عن حصول ترامب على دعم كبير في أوساط أولئك الذين اعتقدوا بأن الوضع الاقتصادي “متوسط” أو “ضعيف”. وجرى النظر لترامب بأنه رجل أعمال ناجح سيستخدم براعته في إبرام الصفقات لمساعدة الشعب الأمريكي. وكان منفتحاً للغاية حيال طموحه بتحقيق الثراء الذاتي على حد قوله: “لقد كنت جشعاً جشعاً جشعاً طوال حياتي. لقد أخذت كل ما بوسعي أخذه من المال. أنا جشع للغاية، لكنَّني الآن أرغب في أن أكون جشعاً من أجل الولايات المتحدة”.
وحقق الاقتصاد الأمريكي أداءً قوياً في عهد ترامب، غير أن معظم الخبراء الاقتصاديين يتفقون على أن ترامب ورث نمواً اقتصادياً بدأ خلال الفترة الثانية من رئاسة باراك أوباما. بعبارة أخرى، كان ترامب محظوظاً بتولي المنصب خلال انتعاش اقتصادي. وتمكن ترامب من الحفاظ على الازدهار الاقتصادي من خلال خفض الضرائب وزيادة النفقات. لكنَّ ترامب لم يكترث بعجز الموازنة المتزايد، لأن أولويته كانت زيادة النمو وخفض البطالة. وقام بتعيين جيه باول لرئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي، حيث حافظ باول على انخفاض قيمة الدولار وتنشيط سوق العمل. وبلغت معدلات البطالة في فبراير 2020 نسبة 3.5%، في الوقت الذي ارتفعت فيه الأجور وانخفض فيه التضخم. لكنَّ جائحة كورونا عملت على تغيير كل شيء، مع أنها كانت صدمة خارجية ولم يكن بإمكان أحد إلقاء اللوم على ترامب على ظهور هذه الجائحة. وبالرغم من طريقة تعامله مع الجائحة، والتي أثارت تساؤلات على المستوى السياسي، غير أن سياسة ترامب الاقتصادية كانت تستند إلى منطق سليم يستخدم نظرية “كينز” في مجال الاقتصاد.
ويُسَجَّلُ لترامب أنَّه عمل مع رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لإغراق الاقتصاد الأمريكي بـتريليونات الدولارات على شكل دعم. وارتفعت معدلات البطالة، لكنَّ العمال لم يعانوا بشكل عام. والسؤال: ما سبب أهمية هذا الآن؟ يعود ذلك بشكل رئيس إلى أن الاقتصاد يُعَدُّ مصدر قوة ترامب خلال انتخابات 2024. وكما أشرنا سابقاً فإن نحو 33% فقط من الناخبين راضون عن أداء بايدن في المجال الاقتصادي، في الوقت الذي تُظهِر فيه استطلاعات الرأي بشكل ثابت أن ترامب يحظى بثقة أكبر في مجال إدارة الاقتصاد بهامش يراوح بين 10% و20% مقارنة مع بايدن.
الخلاصة
يحظى ترامب بأفضلية واضحة على بايدن عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد. ومع أن سباق الرئاسة لم يبدأ بعد، يبدو أن ترامب يتقدَّم بنسب بسيطة في استطلاعات الرأي الأمريكية. وتشير الحكمة التقليدية إلى أن ترامب سيفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، غير أنه قد يخسر في الانتخابات الوطنية أمام بايدن، لكنْ عادة ما ثبت خطأ الحكمة التقليدية فيما يتعلق بترامب. ويقول لنا التاريخ إن من الخطأ الفادح التقليل من شأن ترامب والرهان ضده. وحتى في غياب الركود الاقتصادي فإن بايدن قد يخسر في بيئة يهيمن فيها التضخم وثبات الأجور على الانطباعات الوطنية.
ويدرك بايدن هذا، ويناضل من أجل تغيير الطريقة التي ينظر فيها الأمريكيون إلى سياساته الاقتصادية من خلال مقارنتها مع سجل ترامب خلال الفترة 2016-2020. وبدأ بايدن مؤخراً بالترويج لإنجازاته التشريعية، مثل قانون النفقات في مجال البنية التحتية وقانون تقليص التضخم التي يصل حجمهما إلى مئات مليارات الدولارات من الاستثمارات الجديدة. وكما يشير بايدن عادة: “ارتفعت إقامة مرافق التصنيع هنا على الأراضي الأمريكية بنسبة 2% فقط على مدى أربع سنوات من عهد سَلَفي. 2%. لكنَّ هذه النسبة ارتفعت في عهدي بنحو 100% خلال سنتين”.
وسيؤكد بايدن على سياساته الحمائية في مواجهة الصين من أجل إثبات أن بمقدوره أن يكون صارماً مثل ترامب في هذا المجال، لكنْ سيكون من الصعب تبني موقف إزاء الصين أكثر تشدداً من ترامب، وبخاصة في وقت يرغب فيه بايدن بتجنب مواجهة كارثية مع بيجين حول تايوان. لذلك قد يحظى ترامب بالأفضلية في مواجهة بايدن بالنقاش المتعلق بالصين. كما أن من المرجح أن يعمل ترامب على تحويل النقاش المتعلق بروسيا إلى مصلحته، وذلك من خلال القول بأن الحرب في أوكرانيا تؤدي إلى زيادة التضخم (بسبب مئات المليارات التي يجري إنفاقها لمساعدة أوكرانيا)، وأن هذا الأمر سيء بالنسبة للاقتصاد الأمريكي. وسيقول ترامب إن بوسعه وقف الحرب في أوكرانيا من خلال الحديث إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن.
ومن المهم، أخيراً، فهم القضية القانونية ضد ترامب. ففي حال فوز بايدن، فإن هناك فرصة قوية بدخول ترامب إلى السجن، ما سيمنح حافزاً قوياً لترامب للدفع باتجاه تحقيق فوز للجمهوريين. وحتى في حال خسارة ترامب للانتخابات فإنه سيعمل على حشد ناخبيه كافة لدعم المرشح الجمهوري؛ وهو شيء لا يقوم بفعله في الظروف العادية، ويُمَثِّلُ هذا أخباراً سارّة للحزب الجمهوري. وكان ترامب قد قال عام 2016 بأنه لن يَعِد بدعم المرشح الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة إنْ لم يكن هو. ويدرك منافسو ترامب قيمة دعمه. ويوضح هذا الوضع ليس سبب تردد نيكي هيلي أو رون ديسانتيس في عدم مهاجمة ترامب فحسب، بل الإعلان بأنهم سيُصدرون عفواً عنه في حال انتخابهما لرئاسة الولايات المتحدة عام 2024. بعبارة أخرى، مشاكل ترامب القانونية لم تعمل على إضعافه سياسياً، بل تعمل على مساعدته في الحقيقة.
.
رابط المصدر:
https://epc.ae/ar/details/featured/furas-trump-bialfawz-biaintikhabat-alriyasa-alamrikia-2024