اسعد عبد الله عبد علي
دعني احدثكم عن الفتاة رؤى، انها ومنذ السابعة عشر ربيعا وهي تحلم بان يأتي فارس الأحلام، بردائه الأبيض، ممتطيا حصانه، مسرعا نحوها، ليخطفها من جحيم حياتها، وليطلب يدها ويتزوجها، ولتعيش معه بسعادة وحب، حلم كبر ليبلغ الثلاثين سنة، فها هي الان بالسادسة والأربعون من العمر، لكنها لم تتوقف عن الحلم، هي تفكر كثيرا بأنها على الرغم من تحقيق اغلب أحلامها، من نجاحها في الحصول على الماجستير، وتوظيفها في الجامعة، وما تملكه من أموال كثيرة، فإنها لا تعادل تحقق حلم الزواج، هو الحلم الأكبر الذي من دونه تشعر البنت بأنها لم تحقق أي نجاح، ويلاحقها اليوم لقب العانس ليزيد من بؤس ايامها.
ظاهرة العنوسة في تزايد مخيف في البلد، الى جانب ظاهرة الطلاق والترمل، فالأرقام الصادرة من المؤسسات الحكومية مخيفة، وتنذر بمشاكل اجتماعية قادمة.
هنا نحاول أن نفهم أسباب العنوسة، ومن أين تنطلق؟
المزاجيات والطلبات التعجيزية للخاطبين
الكثير من العوائل تقابل الخاطب بطلبات تعجيزية، تجعل الخاطب يتراجع عن عزمه، فبعض العوائل تشترط أن يملك الخاطب بيت مستقل، او تطالبه باستئجار بيت في منطقة راقية، مما يعني دفع إيجار كبير شهريا، كذلك تطالب بمقدم كبير، وتطالب بمصوغات ذهبية كثيرة، مما يجعل الخاطب يتراجع أمام هول ما يطلب منه.
أحيان أخرى تكون البنت نفسها هي السبب في عنوستها، حيث ترفض من يتقدم لها لان سقف طموحاتها مرتفع، ولا تفكر بعقلانية، ولا تهتم برأي ناصح، أو تعيش حالة من الخوف فتتردد في الزواج، وهكذا يسير قطار الزواج مبتعدا عنها، ولا تنتبه الا وهي تعبر حاجز الثلاثين، عندها لا يتقدم لها الا الأرامل والمطلقين، وتبقى برفضها، وعندها تمر السنون مر السحاب، فيصبح عمرها كبيرا وتستلم للقدر.
والحل لهذه المعضلة يكمن في: تقليل سقف المطالب، وتفهم الحال العام للبلد، مع أهمية الاستشارة قبل الرفض، فالكثير من الرفض يتبعه ندم كبير، فالحاجة مهمة لإشاعة ثقافة الاستشارة، ممن يكون ذو دراية في هكذا مواضيع.
نظام التزويج والخلل
الحقيقة أن الطرق التقليدية في الزواج، هي أحد أسباب العنوسة، حيث مازال البعض يلجأ لأساليب بدائية في عملية اختيار الزوجة، وتكون أساليب معقدة وأحيانا غير مجدية، حيث تعتمد على إرسال وفد نسائي وهن يجلسن مع الفتاة، وحسب رأيهن يكون قرار الخاطب، وحصلت مشاكل كثيرة من هذا الباب، فالدين بابه واسع في عملية الاختيار، ومن يريد التوسع يجده في الكتب التي تتناول اختيار الزوجة.
أيضا نظام التزويج يعتمد على معلومات يتم جمعها من الشارع، وهي بالغالب معلومات ظنية ولا تصل لمستوى اليقين، وهذا الأسلوب يتسبب بحصول الكثير من المشاكل والتقاطعات، فكم خطوبة فسدت بسبب معلومة خاطئة عن الفتى او الفتاة، يعتمدها الأهل للقرار النهائي، مسألة المعلومات حيوية، فهي الفصيل بقضية المضي في إكمال مشروع الزواج.
الحل يكمن هنا في أن يكون جمع المعلومات من مصدر رسمي، بدل الاعتماد على قول الشارع او الجيران، والتي تخضع أحيانا لمزاجيات أو أحقاد أو تحاسد، فليس عيبا أن يتم اخذ المعلومة من مختار الحي، او من شيخ جامع، او أن تتوفر منظومة عراقية معلوماتية، تتضمن معلومات عن كل فرد، تتيح لمن يريد معرفة حقيقة الخاطب “معلومات عامة”، فانه يحصل على بيانات رسمية عن الخاطب.
مشكلة السكن
من أكبر المشاكل التي يعاني منها الشاب العراقي، هي قضية السكن، فالعراق يعاني من أزمة خانقة لم يعالجها نظام الطاغية صدام، وتراكمت واتسعت في العشرين سنة الاخيرة، بعد إن أهملها النظام الديمقراطي، وانشغل في أمور تقاسم كعكة الوطن.
الشاب لكي يقدم على الخطبة ويقرر الزواج، فهو يحتاج الى سكن، وقضية شراء بيت او تملك قطعة ارض، من الأمور الخيالية خصوصا للطبقة محدودة الدخل (الموظفين والعمال والكسبة)، مما أحبط مشاريع زواج كثيرة.
كان على الحكومات المتعاقبة بعد 2003، وضع حلول حقيقية وسريعة لازمة السكن، خصوصا أن المال والوقت كانا متوفران، لكن فساد المؤسسة الحكومية، والفشل في أدارة الدولة، ضيع على العراقيين فرصة تاريخية.
هنالك نظام زواج في الكثير من الدول القريبة منا، الذي يعتمد على المشاركة، حيث يقوم الزوجان بالتحضير معا للزواج، وحتى قضية السكن يتم الاتفاق على مجموعة حلول بين العائلتين، الى أن يتم التوصل للحل الامثل المقبول من الطرفين، بخلاف ما يحصل في العراق، فكل الأمر يقع على عاتق الرجل مع محدودية الإمكانات، مما يجعل الكثير من الزيجات تفشل في بداية مشروعها.
وكم سيكون جميلا لو تقوم الدولة بدعم المقبلين على الزواج، عبر منحهم قروض ميسرة، وعلى سنوات طويلة، تكفي لشراء بيت صغير، مثلا قرض بـ خمسين مليون دينار، بعد أن تعطلت مشاريع البناء العمودي، والتي بقيت مجرد أوهام الحكومية.
ندرة فرص العمل
العراق بلد فاشل اقتصاديا، يعاني من فوضى عجيبة خلفها نظام الحكم السابق، وزاد عليها النظام اللاحق، فالعراق يعاني من انعدام وجود مرتكزات رصينة لدولة قوية اقتصاديا، وكما هو معروف أن العامل الاقتصادي مهم وحيوي في أي مجال حياتي، لذا عندما يكون اقتصاد البلد هشا، فتوقع مباشرة حصول مشاكل اجتماعية كانتشار العنوسة.
الشاب حتى يقدم على الزواج، يجب أن يكون صاحب عمل آو وظيفة، كي يمكنه فتح بيت، فتكون البطالة عائق كبير، أمام تحقق أحلام ألاف الفتيات بالزواج وتكوين أسرة.
اذن عندما يتم تخفيض نسب البطالة، وتوفير الإعمال للرجال، عندها ستنفرج الازمة فالعلاقة طردية، مع توفر الأعمال تزداد الزيجات وتنخفض العنوسة، فحل جزء كبير من المشكلة بيد الحكومة، فقط لو تتحرك وتسعى صادقة لنشر الرعب.
غياب ثقافة تعدد الزوجات
يمكن التقليل من مشكلة العنوسة عبر ثقافة تعدد الزوجات، أي أن تتقبل النساء قضية الزواج من الثانية، مع الحفاظ على حقوق الزوجة الأولى، فالكثير من الفتيات ترفض الزواج من رجل متزوج، ولا تقبل الا المطلقات او الأرامل، أما الشابات فيرفضن بسرعة، مع انه الحل الأمثل لمشكلة العنوسة، ولا يعتبر جريمة بقدر اعتباره حلا سحريا.
لكن لو تجلس المرأة وتفكر بطريقة عقلانية، فإنها ستجد أن موضوع تعدد الزوجات من صميم روح العدل، بل أن رفضها يدلل على أنانية الرافضات للموضوع، فمع الأزمة الاقتصادية والبطالة، ومحدودية تدخل الحكومة، يصبح موضوع تعدد الزوجات أمر لابد منه، كي تنفرج الأزمة وتعود السعادة لبيوت ملت من الانتظار، ان القبول المجتمعي بتعدد الزوجات هو باب كبير للخروج من الازمة، عبر رفع الوعي وشيوع نوع من التكافل والتسامح بين أبناء المجتمع.
القضية هنا تخص النساء بشكل أكبر، فمتى ما تغيرت العقلية المفرطة بالأنانية للكثير من النساء، والتي جعلتهن يرفضن التشريع السماوي بالتعدد الزوجات، عندها يتغير الواقع وتختفي العنوسة من مجتمعنا.
رابط المصدر: