عبدالله جناحي
ملخص الدراسة
الهدف العام الرئيسي لهذا البحث هو الجواب على السؤال الاستراتيجي: كيف وما هي الحلول الاقتصادية الممكنة لانتقال دول مجلس التعاون الخليجي من الاعتماد شبه الكلي على إيراداتها النفطية، في الناتج المحلي الإجمالي إلى نجاح سياسات تنويع مصادر الدخل بحيث لا تكون للإيرادات النفطية النسبة العظمى فيها، بل تصبح القطاعات الإنتاجية والصناعية والصناعة التحويلية، وصناعة السياحة والصناعات الوسيطة والمنتجة عنها الغالبة في الإيرادات العامة؟
وهذا يتطلب، نظرياً وعلمياً، قيام حكومات دول مجلس التعاون في مراجعة شاملة وجادة للإستراتيجيات الاقتصادية السابقة، وتبني نموذج اقتصادي إنتاجي غير تقليدي بعيداً عن الاعتماد شبه الكلي على النفط، وذلك بهدف الوصول إلى تنمية مستدامة لا تتأثر بتقلبات أسعار مورد اقتصادي واحد كالنفط.
الإيرادات والمصروفات:
وكأي بحث اقتصادي موضوعي، لابد وأن يبدأ بتشخيص وتحليل الواقع الاقتصادي الراهن في دول مجلس التعاون. ولذلك فقد خصص القسم الأول من البحث للإيرادات والمصروفات في دول المجلس، مع تحليل تفصيلي لهما وعلاقتهما بدورات أسعار النفط إرتفاعاً أو إنخفاضاً، وكيف تعاملت هذه الدول مع هذه الدورات، دون الاستفادة من الأزمات السابقة المرتبطة بهذه الدورات السعرية للنفط. وركز البحث على الصناعات التحويلية المرتبطة بالنفط والغاز الطبيعي، ومساهمتها ـ مع بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى ـ في الناتج المحلي الإجمالي، مع تبيان العناصر المرتبطة بها، كالاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتراجع المشاريع الرأسمالية دورياً مع اي إنخفاض في أسعار النفط! ليصل البحث إلى نتيجة مهمة تتمثل في أن السياسات الاقتصادية الراهنة أدت إلى المزيد من العجوزات في الموازنات العامة، وارتفاع كبير في الدين العام، الأمر الذي فرض على حكومات دول المجلس تنفيذ المزيد من الإجراءات التقشفية من جانب، والبحث عن مصادر (مالية) وليس اقتصادية تعوّض التراجع في الإيرادات النفطية، كرفع الدعم الحكومي، وفرض المزيد من الرسوم والضرائب. ولتوضيح هذه النتيجة حلل البحث تحليلاً تفصيلياً بنود الموازنة العامة، ونتائج الحساب الختامي. وحيث أن جميع موازنات دول المجلس متشابهة في النتائج والمدخلات، فقد اعتمد البحث على مملكة البحرين كنموذج لتحقيق هذا الهدف.
أسواق العمل:
وحيث أن السياسة الاقتصادية الراهنة المعتمدة على الإيرادات النفطية بشكل أساس، لها انعكاسات وتأثيرات على العديد من القطاعات الخدماتية التي تتأثر سلباً أو إيجاباً، تراجعاً أو تقدماً، حسب مستويات أسعار النفط، كالقطاع التعليمي والصحي والإسكاني وسوق العمل، بيد أن البحث ـ ومن أجل عدم التشعب والتوسع ـ ركز أساساً على أسواق العمل الخليجية لما لها من إرتباط وثيق بنمط الاقتصاد الريعي الخليجي من جهة، ومدى دور هذا النمط الاقتصادي في تشويه آليات العرض والطلب للقوى العاملة في هذه الأسواق، والإفرازات التي خلقتها هذه التشوهات في تركيبة القوى العاملة، وهيمنة القوى العاملة الوافدة، ولذلك توسع البحث كثيراً في تفاصيل واقع القوى العاملة المواطنة وغير المواطنة، ومساهمتها حسب القطاعات والمهنة، ومستويات الأجور، والتحويلات المالية للعمالة الوافدة، ومستويات البطالة والحلول الممكنة لها. ليصل البحث في هذا القسم إلى نتيجة خطرة تتمثل في أن أسواق العمل الخليجية تعكس أهم ظواهر “المرض الهولندي” الذي وصفنا نمط الاقتصاد الخليجي به، واعتبرنا إن تحرر اقتصاديات دول المجلس من محددات “المرض الهولندي” هو السبيل الأمثل للإصلاح الحقيقي لأسواق العمل الخليجية.
منهجية ترتيب أقسام البحث:
من المتعارف عليه في البحوث والدراسات أن يبدأ القسم الأول منها في شرح الإطار النظري لموضوع البحث، وذلك كتمهيد ومرجعية نظرية لمضامين الأقسام الأخرى. بيد أن هذا البحث تعمد أن يضع الإطار النظري لموضوع البحث بعد القسمين المذكورين أعلاه، ذلك إن موضوع البحث يركز على الاقتصاد الريعي المعتمد على مورد النفط كأساس، ومن أجل أن يربط القارئ هذا التنظير لمفهوم ومضمون “الريع” وإفرازاته القيّمية والسلوكية والاقتصادية بالواقع الاقتصادي والاجتماعي الراهن، فكان الأفضل أن يتم شرح وتحليل نتائج هذا الاقتصاد الريعي، كتبيان العجوزات والدين العام والسياسات الاقتصادية الراهنة، ومطعمة كلها بالإحصاءات الرسمية، فضلاً عن الإحصاءات الرسمية لمكونات أسواق العمل، ليصل القارئ وهو يتابع المرجعية النظرية إلى مقارنات ومقاربات بين النظرية والواقع، وبالتالي يصبح الإطار النظري مقبولاً ومستوعباً ومفيداً لتعميق الفهم من جهة، وللتحرر من هذا النمط الاقتصادي الريعي، والانتقال لاقتصاد إنتاجي من جهة ثانية.
ولذلك توسع قسم الإطار النظري في شرح جوهر “الريع” في الاقتصاد المعتمد على النفط، وتوسع أكثر في السمات القيّمية والثقافية للعقلية الريعية التي تفرزها اقتصاديات الريع النفطي.
الرؤى الاقتصادية الخليجية:
وحيث أن السياسات الاقتصادية الراهنة في دول مجلس التعاون الخليجي مستمرة في طريقتها التقليدية، لأسباب عديدة منها اعتمادها على الرؤى الاقتصادية التي تم تدشينها في جميع دول المجلس، ولأن هذه الرؤى لها تأثير كبير على الراهن ومستقبل الاقتصاد الخليجي. إذا ما تكونت القناعات بضرورة تغيير النمط الراهن للاقتصاد ـ لذلك خصص البحث قسم توسع فيه حول خلفية ومن وراء مثل هذه الرؤى الاقتصادية، ودور الشركات الاستشارية الأجنبية التي تم الاستعانة بها لإعداد هذه الرؤى الاقتصادية، وتم اختيار سلطنة عمان كنموذج لتبيان النتائج الواقعية المتحققة أو الفاشلة من محاور هذه الرؤى الاقتصادية، وذلك لأن سلطنة عمان كانت الرائدة خليجياً في تدشين الرؤية الاقتصادية فيها.
وينتهي هذا القسم بشرح مفصل لمنهجية إعداد الرؤية الاقتصادية لإسرائيل عام 2020م، بهدف المقارنة بين منهجية إعداد الرؤى الاقتصادية الخليجية البعيدة عن التشاركية، ومنهجية إعداد رؤية إسرائيل، مع إعلان الأسف على هذه المقارنة مع عدو قوي تمكن من خلال منهجيته تحقيق نجاحات ملموسة في تنفيذ رؤيته الاقتصادية.
صندوق النقد والبنك الدوليين:
ومن واقع الإجراءات والسياسات الاقتصادية التي تنفذها حكومات دول المجلس، كلما إنخفضت أسعار النفط، وبالتالي تراجعت الإيرادات النفطية، فقد إرتأى البحث أن يخصص قسماً لتاريخ وسياسات المؤسسات المالية والنقدية العالمية ودورها السلبي، وبالأخص سياسات وشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وحيث البحث منحاز لأهمية الدور الاجتماعي للدولة، وهو إنحياز مرفوض لهذه المؤسسات المالية والنقدية الدولية، لذلك تعمد البحث أن يتوسع في أدوار هذه المؤسسات في العالم وإزدواجية المعايير في سياساتها بين شروطها المجحفة في دولنا ونصائحها اللينة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وتدابيرها السلبية في اقتصاديات دول المجلس على وجه الخصوص.
من المرض الهولندي إلى العلاج النرويجي:
ليصل البحث في قسمه الأخير (السادس) إلى الحلول الاقتصادية الممكنة للانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي، وذلك من خلال إستراتيجية حكومية، ومارشال خليجي لخلق صناعة إنتاجية وتحويلية من جهة، وخلق صناعات جديدة تخدم وتدعم الصناعات التحويلية من جهة ثانية، وتأسيس صناعات تستفيد من الموارد الطبيعية المتوفرة في دول المجلس عامة ـ ومملكة البحرين على وجه الخصوص كالجزر والبحار والمحيطات، والثروة البحرية، وربطها بصناعة سياحية متكاملة ومرتبطة بصناعات أخرى جديدة، مع تبيان وجود مقومات اقتصادية ولوجستية ومالية وبشرية وموارد طبيعية من الممكن استنهاضها وتحريكها نحو تحقيق قيماً مضافة حقيقية للاقتصاد الخليجي تمكنه من تحقيق اقتصاد متنوع في مصادر دخله، وغير معتمد على الريع النفطي. وهو النموذج الناجح الذي تحقق في مملكة النرويج والذي إعتبرناه النموذج الأمثل كعلاج “للمرض الهولندي” المصابة به اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي.
وبالطبع فإن نجاح هذه الانتقال المنشود، يتطلب المزيد من الإجراءات الجديدة في أسواق العمل الخليجية، كقياس إنتاجية المواطن الخليجي، ووجود “المعرفة المنتجة” للعامل ورواد الأعمال، وهو موضوع مفصلي مهم توسعنا فيه لأهميته، وضرورة وجود مجلس أعلى للأجورـ إسوة بالدول الآسيوية الناجحة اقتصادياً. كما يحتاج هذه النقلة الاقتصادية إلى اعتماد أنظمة مالية لم يألفها دول المجلس، كأنظمة الضرائب التي توسع البحث فيها قليلاً لأهميتها، وعلاقتها المباشرة بالاقتصاد الإنتاجي الجديد المأمول الانتقال له.
ويختم البحث بملحق تعريفي وتاريخي “للمرض الهولندي” و “العلاج النرويجي” مع تبيان المطلوب خليجياً، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، كضرورات لتخليص اقتصاديات دول المجلس من مرض اقتصادي مزمن، إلى المتطلبات الضرورية إبتداءً قبل الإسترشاد بالنموذج النرويجي الذي قرر إبعاد الإيرادات النفطية من الناتج المحلي الإجمالي ووضعها في صندوق سيادي يعتبر من أضخم الصناديق السيادية في العالم، كضمان إستراتيجي للاقتصاد، وضمان حقيقي لمستقبل الأجيال القادمة.
لقراءة البحث الكامل، يرجى تحميل المرفق ادناه.
اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي من المرض الهولندي إلى العلاج النرويجي، لدولة الكويت ـ جناحي ــ 24 مارس 2018.pdf
رابط المصدر: