مقدمة
يعد السودان بلدًا متعدد الأعراق له تاريخ طويل من النزاعات والحروب ويلعب البعد القبلي دورًا فاعلًا فيه. تقاسمت السودان عدة سلطنات ومشيخات، وبدأ بسط نفوذ السلطة المركزية للدولة مع الحكم المصري التركي 1821، وقد برزت طائفتان رئيستان في السودان هما الختمية والأنصار. ومنذ تأسيس السودان الحديث برزت ثلاث مشكلات رئيسية هي مشكلة الجنوب، وتهميش الأطراف، والأزمة الاقتصادية. وقد مثَّل ثلاثتهم العوامل الرئيسية في تغيرات المشهد. ومع الاستقلال برزت أربعة مكونات في المشهد هم:
- الحزب الاتحادي ممثلًا عن الطائفة الختمية.
- حزب الأمة ممثلًا عن طائفة الأنصار.
- الحزب الشيوعي معبرًا عن التيار اليساري.
- الحركة الإسلامية السودانية.
و منذ استقلال السودان تنامى دورُ الجيش السوداني وأصبح فاعلًا رئيسيًّا في المشهد السياسي فقام بـتسع عشرة محاولة انقلابية نجحت ستة منهم في السيطرة على الحكم. ومع انقلاب عام 1989 تمكنت الحركة الإسلامية من الحكم لمدة 30 عامًا، إلا أنها عانت من العديد من عوامل الضعف أبرزها صراع التيارات داخل الحركة فبعد انفصال الترابي وإقصاء أتباعه من أجهزة الدولة انقسمت الحركة داخليًّا إلى 3 تيارات رئيسية، هم تيارا رجلي الأمن نافع علي نافع وصلاح قوش فضلًا عن تيارٍ ثالث تابع للبشير. هذا التشظي أحد أبرز عوامل الضعف التي ساهمت في إقصاء الحركة الإسلامية من الحكم عبر انقلاب عسكري ناجح دبره محسوبون على الحركة لإقصاء البشير واحتواء الوضع، إلا أن هذا الأمر لم يدم وحدث انقلاب على الانقلاب أُقصي خلاله المحسوبون على الإسلاميين.
وبرز في المشهد منذ الانقلاب على البشير ثلاثة مكونات رئيسية :
- المكون العسكري ويقوده عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة ونائبه حميدتي.
- المكون المدني ضمن تحالف قوى الحرية والتغيير (قحت).
- الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك.
تهدف هذه الدراسة لاستعراض المشهد الداخلي في السودان منذ تأسيس السودان الحديث مرورًا بأبرز المكونات الفاعلة فيه منذ الاستقلال وحتى انقلاب الإنقاذ عام 1989 وما تلاه من تغيير في مراكز القوى داخل الحركة الإسلامية السودانية، والفواعل الرئيسة في المشهد بعد الانقلاب على البشير مع عرضٍ لأبرز ملامح الفترة الانتقالية.
مدخل تاريخي
السودان بلد عربي إفريقي له حدود مع 7 بلاد إفريقية: مصر، ليبيا، تشاد، إفريقيا الوسطى، جنوب السودان، إثيوبيا، إريتريا. وتبلغ مساحة السودان (1.9 مليون كيلو متر مربع)، وبذلك يُعد ثاني أكبر الدول الأفريقية بعد الجزائر. ويُحكم السودان بنظام رئاسي فيدرالي (لا مركزي)، ويضم 18 ولاية.
يعد السودان بلدًا متعدد الأعراق ويشغل الجزء الشرقي من السهل السوداني أو كما أسماه المؤرخون “بلاد السودان” التي تمتد من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلنطي، ويعتبر البعد القبلي عاملا رئيسيا في الخريطة السياسية السودانية، ويؤثر بشكل كبير في خريطة التوازنات والتحالفات التي يتم من خلالها توزيع بعض المناصب والمراكز والامتيازات. تنقسم القبائل إلى قبائل عربية تعيش معظمها في وسط البلاد وإلى حد أقل في الغرب، وقبائل إفريقية تتركز في أقصى الشمال وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق والشرق ودارفور في الغرب. وتضم القبائل4 مكونات رئيسية هي النوبيون والبجا والزنوج والعرب، بالإضافة إلى قبائل أخرى كـ الفور والمساليت والزغاوة وغيرهم[1].
ينقسم العرب إلى النوبيين المعربين وهم بدو وأشباه بدو جهينة وينقسمون إلى ثلاث قبائل رئيسية هي “الشكرية” و “الكبابيش” و “البقارة”، والجعليين الذين ينحدرون من نسل “إبراهيم جعل”، والدناقلة والشايقية ويتركزون في عطبرة وعلى طول الأنهار ويطلق عليهم “أولاد البحر”، أما النوبيون فهم يعيشون في جبال النوبة المطلة على جنوب كردفان وهم أكثر من خمسين جماعة عرقية تتحدث لغات مختلفة. أما البجا فيتمركزون في تلال البحر الأحمر ولغتهم الأصلية الكوشية وينقسمون إلى “الهدندوة” و “العبابدة” و “بنو عامر”، وفي دارفور يوجد ” المساليت” و “الزغاوة” و “الزريقات” و “داجو” و “البرتي”[2].
ويقدر عدد السكان حسب إحصائيات 2019 بنحو 43 مليون نسمة[3]، يمثل المسلمون غالبيتهم حيث يعتنق 97٪ من السكان الإسلام. والصوفية هي الشكل السائد للتدين وتنقسم إلى طائفتين هما الختمية والأنصار. وعقب الاستقلال عام 1956 انبثق عن الطائفة الختمية الحزب الوطني الاتحادي (والذي صار فيما بعد الحزب الاتحادي الديمقراطي)، فيما انبثق حزب الأمة القومي عن الأنصار.
أولًا: تاريخ ما قبل الاستقلال 1821 – 1956
تَشَكَّل السودان الحديث مع سيطرة العثمانيين عليه بواسطة “محمد علي” عام 1821 وبداية ما أُطلق عليه المؤرخون الحكم التركي – المصري (1821 – 1885)، واتسمت هذه الفترة بملمحين رئيسين:
- بداية بسط نفوذ السلطة المركزية للدولة بعدما كانت تتقاسمها عدة سلطنات ومشيخات.
- تأسيس نواة جيش سوداني إذ أدخل الأتراك أفراد من قبيلة الشايقية في الجيش كفرسان غير نظاميين، وهو ماساهم في زيادة نفوذ القبيلة في الجيش السوداني فيما بعد[4].
وفي هذه الفترة برز الدور الفاعل للطرق الصوفية، حيث دخلت الشاذلية السودان في القرن الخامس عشر وتبعتها القادرية في القرن السادس عشر وكان لكل من الطريقتين مرشدون محليون ولاقت هذه الطرق رواجًا بين أطياف المجتمع السوداني وقتها، وفي عام 1800م دخلت الطريقة السمانية السودان على يد الشيخ أحمد الطيب البشير وبالرغم من نشأة السمانية في بلاد الحجاز إلا أنها لاقت رواجًا كبيرًا أيضًا بين السودانيين، وفي هذه الفترة ظهر محمد عثمان الميرغني مؤسسًا للطريقة الختمية وسرعان ما انتشرت في شمال السودان وزاد نفوذها واتسع نظرًا لارتباط المراغنة بالحكم التركي المصري وتبنيه لهم، وبدأ صراع النفوذ بين السمانية والختمية في تلك الفترة[5].
الثورة المهدية (1881-1898م )
بدأت إرهاصات الثورة المهدية مع فرض ضرائب باهظة على المواطنين، وكذلك تنامى شعور زعماء الطوائف الدينية بالتهميش لصالح الطريقة الختمية، وفي مارس 1881 ادعى “محمد أحمد بن عبدالله” أنه المهدي المنتظر في جزيرة “أبا” وأطلق على نفسه لقب “الإمام” و “خليفة رسول الله” و”المهدي” وبدأ في دعوة عموم الناس والأعيان إلى نبذ الوضع القائم من أجل عهد جديد يأتي بالتقوى والعدل، وبدأت مبايعته من قبل أنصاره، وعندما جاءت قوات لاعتقاله من جزيرة أبا، واجهها أنصاره وهزموها مما أعطاه زخمًا شعبيًّا وتعزز ذلك مع توالي انتصارات أنصار المهدي على القوات المصرية التركية، وتبع المهدي التجار ورجال الدين والمتضررون من سياسات الحكم التركي[6].
وقد ساهم في تعزيز انتصار المهدي اضطراب الأوضاع بمصر مع اندلاع الثورة العرابية عام 1881، وفي عام 1882 سقطت مصر تحت الاحتلال البريطاني، بعدها عيَّنت بريطانيا الجنرال تشارلز جوردون حاكمًا للسودان، في الوقت الذي كان جيش المهدي قد استولى على المنطقة المحيطة بالخرطوم.
بعد أن شكّلت انتصارات المهدي الواسعة مصدرَ قلقٍ كبير للحكومة البريطانيّة في مصر والسودان، أرسلت الحكومة البريطانية بعثة عسكرية بريطانية مصرية مشتركة تحت قيادة العقيد البريطاني ويليام هيكس لشنّ هجوم مضاد ضد المهديين في عام 1883، ولكن قواته هُزمت هزيمة ساحقة وبعد حصار للخرطوم دخلها الأنصار في يناير 1885م وقتلوا جوردون وأعلنوا تأسيس الدولة المهدية.
برزت حكومة المهدي كأول حكومة سودانية منظمة تؤسس بيتَ مالٍ وعملةً وجيشًا وحدودًا، وبعد ستة أشهر من تحرير الخرطوم توفي المهدي تاركًا إدارة يتحكم فيها ثلاثة من تلاميذه هم “عبدالله بن محمد التعايشي” و “علي بن إبراهيم حلو” و “محمد شريف”، وبدأت الخلافات على من يتولى الزعامة خلفًا للمهدي، إذ رأى الجعليون والدناقلة “أولاد البحر” وأقرباء المهدي أن يتولاها محمد الشريف زوج ابنة المهدي، في حين رأى البقارة الذين دانت لهم السيادة في أم درمان أن يتولاها عبدالله، وبالفعل بايع الوجهاء بمن فيهم محمد شريف عبدالله التعايشي[7]، واستمرت النزاعات بين الفريقين فحاول التعايشي استكمال ما بدأه المهدي ولكنه عجز عن ذلك، ومع الانهيارات المتتالية لجيش المهدي وضعف دولته فقد السيطرة على أطراف الدولة، وعاد البريطانيون إلى السودان في حملة عسكرية بريطانية مصرية جديدة، بقيادة اللورد كيتشنر في عام 1896، ونجحت الحملة في هزيمة جيش المهديين في معركة أم درمان في 2 سبتمبر 1898، ليسقط السودان تحت الاحتلال البريطاني.
فترة الاحتلال الإنجليزي – المصري (1898 – 31 ديسمبر 1955 م)
بموجب اتفاقية الحكم الثنائي التي وقعتها مصر وبريطانيا لإدارة السودان، دخل السودان تحت الوصاية البريطانية، واستطاعت السلطة الجديدة ترسيم الخارطة السياسية والدولية للسودان، وعملت على استحداث نظام للحكم والإدارة الوطنية[8]. تداخلت الإدارة بين المصريين والبريطانيين وكان على قمة الهرم “حاكم عام للسودان” بريطاني ترشحه حكومة بريطانيا ويعينه خديوي مصر وله سلطة مطلقة في الإدارة الداخلية ويعد مسؤولًا أمام الحكومتين المصرية والبريطانية عن حسن الإدارة، وهو أيضًا القائد العسكري ويأتي تحت إمرته مباشرة ثلاثة من السكرتارية: السكرتير القضائي المسؤول عن أجهزة العدالة والسكرتير الإداري المسؤول عن إدارة أقاليم السودان والسكرتير المالي المسؤول عن الشؤون المالية والإدارية.
انقسم السودان إلى “مديريات” على رأس كل مديرية مدير إنجليزي من العسكريين قبل أن يصبح من المدنيين في مرحلة لاحقة- وكان هو المسؤول عن إدارة المديرية والمشرف على كل نشاط حكومي فيها. وقُسمت كل مديرية إلى “مراكز” على رأس كل منها “مفتش مركز” بريطاني يعاونه “مأمور مصري” يقوم بمهام المدير على مستوى المركز ويتحمل المسؤولية الأمنية والإدارية وفيما يخص الخدمات والأنشطة الاقتصادية فقد نشأت لها “مصالح” تدير شؤونها، منها مصلحة للتعليم، ومصلحة للصحة، ومصلحة للسكك الحديدية والوابورات النيلية “النقل النهري” وغيرها، يتولى شؤونها مسؤولون بريطانيون يعاونهم مصريون وأحيانًا بعض العرب الوافدين[9].
الحركة الوطنية السودانية الحديثة ( 1898 – 1956 م)
بدأت الحركة الوطنية الحديثة مع بداية الحكم البريطاني المصري، فكانت البداية الأولى في محاولات التصدي والمقاومة المسلحة للقوات الغازية حيث دارت عدة معارك حربية من أشهرها معركة النخيلة ومعركة كرري، وخلال العشرين سنة الأولى استمرت المقاومة ضد الوجود البريطاني عبر ثورات القبائل بالإضافة للثورات الدينية المتأثرة بالفكر المهدوي، ومن أشهرها ثورة ود حبوبة عام 1908 م وثورة عبدالله السحيني بدارفور .
تواصلت المظاهرات والإضرابات حتى تأسس مؤتمر الخريجين عام 1938 م لتمثيل ورعاية مصالح المتعلمين في السودان برئاسة إسماعيل الأزهري، وانتخبوا مجلسًا من 60 عضوًا ليضعوا سياسات المؤتمر وانقسم أعضائه بين الطائفتين الكبيرتين “الأنصار” بقيادة السيد عبدالرحمن المهدي، والختمية بقيادة “علي الميرغني”، ونظرًا للخلافات بين مكونات المؤتمر وعدم توافق الرؤى والتوجهات انقسمت النخبة السودانية إلى الوحدويين الذين يؤيدون الوحدة مع مصر وعلى رأسهم الختميين ومعهم الأشقاء[10] بقيادة الأزهري، والاستقلاليين الذين يؤيدون الاستقلال التام عن كل من مصر وبريطانيا وعلى رأسهم طائفة الأنصار، لينتهي وجود المؤتمر في عام 1944 ويبدأ ظهور الأحزاب السياسية السودانية[11].
وفي فبراير 1953 وقَّعت مصر وبريطانيا على اتفاقية للحكم الذاتي دخل بها السودان مرحلة انتقالية تم التوافق خلالها على أول دستور انتقالي للبلاد وإجراء أول انتخابات برلمانية في نوفمبر 1953م، وتشكلت أول حكومة وطنية انتقالية في 9 يناير 1954م بقيادة رئيس الوزراء إسماعيل الأزهري، وبدأت سودنة القوات المسلحة بتعيين أول قائد سوداني للجيش في 14 أغسطس 1954م . وكذلك تسارعت سودنة بقية الوظائف في أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية، وفي الجلسة التي عقدها البرلمان السوداني في 19 ديسمبر 1955م أُعلن الاستقلال التام عن بريطانيا ومصر[12].
ثانيًا :مكونات ما بعد الاستقلال 1955 حتى انقلاب الإنقاذ 1989
عقب الاستقلال برزت ثلاثة تحديات رئيسية كانت هي المحددات الرئيسية للمشهد وتقلباته، وهي مسألة الدستور، مشكلة الجنوب، والوضع الاقتصادي، بجانب الصراعات الأيديولوجية بين الأحزاب اليمينية واليسارية. وفشلت الأحزاب السودانية بعد الاستقلال في الاتفاق على أي صيغة توافقية حول نظام الحكم والدستور، واستمر الخلاف لعدة سنوات، كما أخفقت في تقديم حل لمشكلة الجنوب، بالإضافة لتردي الأحوال الاقتصادية مما مهد الأجواء لتدخل الجيش لإقصائها من الحكم، مستغلا السخط الجماهيري المتزايد .
قبل الحديث عن المكونات السياسية والمجتمعية التي برزت في تلك الفترة يجب الانتباه إلى تنامي دور الجيش السوداني الذي لم يكن موجودا قبل 1954 كجيش نظامي، لذلك منذ الاستقلال وحتى “2020” ظل الجيش السوداني فاعلًا رئيسيًّا في المشهد السياسي حيث قام بـ 19 محاولةً انقلابية، منها 6 انقلابات نجحت بالفعل في الوصول إلى السلطة[13]، و 3 انقلابات ساندت انتفاضات شعبية، أما الانقلابات الناجحة الأخرى كانقلاب النميري والبشير فقد استند كلاهما إلى قوى اجتماعية وسياسية مكنتهما من الحكم، فقد استند النميري إلى الشيوعيين في انقلابه ثم انقلب عليهم فيما بعد، وكذلك البشير خططت لانقلابه الجبهة القومية الإسلامية بقيادة الترابي ثم عندما حاولت الحد من صلاحياته عبر البرلمان حل البشير البرلمان السوداني واعتقل رئيسه د. حسن الترابي.
ولابد من الانتباه إلى المكون القبلي في الجيش السوداني إذ أن معظم الضباط والقيادات من أولاد البحر خاصة قبيلة الشايقية والباقي من الدناقلة والجعليين في حين أن أغلب الجنود من الأقاليم النائية والمهمشة مثل “النوبة” و “الدينكا” و “الفور” و “البقارة”.
الحزب الوطني الاتحادي والطائفة الختمية
تعتبر الطائفة الختمية “المراغنة” إحدى أبرز الطوائف السودانية، والتي تُعرف بتبعيتها وولائها لمصر، فبعد انقلاب الضباط الأحرار بمصر عام 1952 دعا الرئيس المصري محمد نجيب الأحزاب الاتحادية لمناقشة التطورات الدستورية في السودان، وأعلن القادة الوحدويون حل أحزابهم وتأسيس الحزب الوطني الاتحادي بقيادة إسماعيل الأزهري[14] مكونا من أحزاب الأشقاء والاتحاديين والأحرار الاتحاديين وحزب وحدة وادي النيل وحزب الوحدة الوطنية، وعلى الرغم من اتفاق الأحزاب الوحدوية على الدعوة لنوعٍ من أنواع الاتحاد مع مصر، إلا أن هذه الأحزاب كانت متعددة ومختلفة من الناحية التنظيمية فدُمجت في حزب واحد بدعم وتأييد من الطائفة الختمية، وفي 1953 جرت انتخابات تشريعية فاز بها الحزب بأغلبية المقاعد، وأصبح الأزهري نائبًا برلمانيًّا وترأس 1954 أول حكومة وطنية[15].
ومع دعم الطائفة الختمية للحزب الاتحادي أصبح حزب الأمة (الممثل السياسي لطائفة الأنصار) معارضًا لهذه الحكومة، وفي نفس الوقت كان الصراع داخل الحركة الاتحادية يدور بين تيار الختميين وتيار المثقفين الرافضين لسيطرة الختمية على الحزب، وكان الخلاف الأولي على عدد المقاعد الوزارية، وعزز ذلك تراجع حماس الأزهري عن الوحدة مع مصر، ورغبة السيد علي الميرغني في تعزيز الروابط مع مصر، فحاول “الأزهري” الاتصال بالمهدويين لتعزيز رفض مشروع الوحدة مع مصر، مما دفع الميرغني للاتصال بالمهديين والاتفاق معهم على منحهم الحكومة في حال تعاونوا في إسقاط الأزهري، وهو ما تم بالفعل مع انشقاق مجموعة بقيادة زعيم الطائفة الختمية الميرغني، وتكوين حزب الشعب الديمقراطي الذي دخل في تحالف مع حزب الأمة واتفقا على تنظيم انتخابات جديدة وتكوين حكومة ائتلافية بين الحزبين، وفي يوليو 1956 شُكلت الحكومة الائتلافية برئاسة عبدالله خليل وبذلك سقطت حكومة الأزهري، ويعتبر تحالف الختميين والأنصار وقتها تحالفًا هشًّا مبنيًّا على مصلحة الطرفين في إسقاط حكومة الأزهري إذ أن الطرفين معروفان بالتنافس بينهما. لكن عادت الحركة الاتحادية بجناحيها لتتوحد عام 1968، تحت مسمى الحزب الاتحادي الديمقراطي، بعدها بعام حدث انقلاب النميري، والذي استمر في الحكم 16 عامًا حل خلالها كل الأحزاب إلى أن عادت بعد ذلك انتفاضة إبريل 1985، ويوجد الآن ما لا يقل عن ثمانية أحزاب تحمل مسمى الاتحادي تتوحد أحيانًا، وتتفكك أحيانا .[16]
حزب الأمة وطائفة الأنصار
أُسس حزب الأمة في فبراير عام 1945 كممثل سياسي لطائفة الأنصار تحت رعاية الإمام عبد الرحمن المهدي، ولم يكن له رئيس حتى اُنتخب السيد الصديق المهدي رئيسا في 1950، وتزعم الحزب تيار الاستقلال تحت شعار (السودان للسودانيين)[17]، وبعد الائتلاف مع حزب الشعب الديمقراطي وتكوين حكومة برئاسة عبدالله خليل عقب انتخابات 1957-1958م. ومنذ الاستقلال لم تستطع أي حكومة إنجاز دستور دائم للبلاد، وتفاقمت مشكلات الجنوب بجانب التدهور الشديد للوضع الاقتصادي بالبلاد، وشهدت الفترة من 1954 حتى حدوث انقلاب 1958 تشكيل 3 حكومات في 4 سنوات وهو ما يدل على مدى الاضطراب الذي شهده السودان وقتها لتصل الخلافات إلى تسليم السلطة للجيش بقيادة الفريق إبراهيم عبود في 17 نوفمبر 1958[18].
أعلن عبود حالة الطوارئ وحل الأحزاب السياسية، وفي ظل الحكم العسكري الأول 1958 – 1964 لم تتغير السياسات فظلت المشاكل قائمةً، وتفاقمت مشكلة الجنوب، ونشطت المعارضة الجنوبية بجانب تفاقم الأزمة الاقتصادية، لتبدأ معارضة عبود وسياسات حكومته عبر حراك طلابي كبير خاصة من جامعة الخرطوم في أعقاب مقتل الطالب السوداني “أحمد القرشي” إثر تدخل الأمن لفض اعتصامات الطلبة في جامعة الخرطوم، وهو ما تحول لثورة شعبية واسعة في أكتوبر 1964 شارك فيها أساتذة جامعة الخرطوم وقادة الأحزاب وتحت هذه الضغوط أعلن الفريق إبراهيم عبود استقالة حكومته وحل المجلس العسكري، ودخل في مفاوضات مع زعماء النقابات العمالية والمهنية وممثلي أحزاب المعارضة والأكاديميين انتهت بتشكيل حكومة انتقالية برئاسة سر الختم الخليفة، إلى جانب بقاء الفريق عبود كرئيس للدولة ثم تخلى عن الحكم وحل محله مجلس رئاسي.
وفي هذه الأثناء انتُخب “الصادق المهدي” رئيسا لحزب الأمة في نوفمبر 1964م، وانقسم الحزب إلى جناحين: جناح الإمام الهادي المهدي (عم الصادق) وإمام الأنصار، والذي يرى أن إمام طائفة الأنصار له كل السلطات داخل حزب الأمة ويؤيده “محمد أحمد المحجوب”، والجناح الأخر جناح الصادق المهدي الذي رأى أن إمام الأنصار يجب أن يكون مقيد السلطات في الحزب، وأيده في ذلك جيل الشباب بالحزب[19]
عقب الثورة حظي حزب الأمة بأغلبية برلمانية، وتشكلت حكومة ائتلافية، وحكم حزب الأمة بزعامة محمد أحمد المحجوب التابع للإمام الهادي (عم الصادق المهدي) بالتعاون مع حزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي، ولكن برزت خلافات بين المحجوب وإسماعيل الأزهري في الصلاحيات بين رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء، ليتحالف الأزهري مع الصادق المهدي ويُنتخب الصادق المهدي رئيسًا للوزراء، على أن تكون صلاحيات مجلس السيادة كاملة لإسماعيل الأزهري، وفي عام 1967 أسقط البرلمان حكومة الصادق المهدي، وأُعيد انتخاب المحجوب رئيسا للوزراء وعاد الصادق المهدي ومجموعته للمعارضة، ووقعت أحداث دار المعلمين عندما تطاول أحد الشيوعيين على الإسلام، فاجتمع البرلمان وأصدر قرارًا بحل الحزب الشيوعي وطرد أعضائه من البرلمان، وتصالح بعد ذلك الصادق المهدي مع عمه الإمام الهادي واندمج حزبا الأمة وشاركا معًا في انتخابات 1968 التي أنتجت برلمانًا بأغلبية كبيرة لحزب الأمة، فحكم الحزب برئاسة المحجوب حتى إبريل 1969، لينقلب عليه النميري بدعم من الحزب الشيوعي ويستولي على السلطة[20].
توحدت القوى المعارضة للنميري تحت مسمى الجبهة الوطنية الديمقراطية التي شملت حزب الأمة والحزب الاتحادي والإخوان المسلمين، وترأس هذا التحالف الصادق المهدي، وقامت الجبهة بمحاولة انقلاب في يوليو 1976م عبر إدخال مقاتلين تلقوا تدريبات في ليبيا للسيطرة على الخرطوم ولكنها فشلت وأعلن في 1977 عن المصالحة الوطنية بين النميري والجبهة ودمج قيادتها في حزب الاتحادي الاشتراكي عبر تعيين الصادق المهدي وحسن الترابي مساعدين للأمين العام للحزب، لكن الصادق المهدي سرعان ما انقلب على المصالحة ليعود للمعارضة الحادة لنظام النميري، بينما اختار الترابي إتمام المصالحة حتى النهاية.
وعند سقوط النميري بانتفاضة أبريل 1985 واستجابة الجيش لخلعه، كان لحزب الأمة النصيب الأكبر في انتخابات 1986 حيث فاز بـ 100 مقعدٍ في البرلمان بفارق 40 مقعدًا عن أقرب منافسيه (الاتحاد الديمقراطي)، وبفارق 48 مقعدًا عن الجبهة الإسلامية القومية، وتشكَّلت حكومات ائتلافية متعاقبة برئاسة الصادق المهدي، الذي حكم السودان لمدة ثلاث سنوات حتى انقلبت الجبهة الإسلامية عليه في 1989[21].
الحزب الشيوعي والتيار القومي
عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وتنامي قوة التيار اليساري عالميًّا، تشكل الحزب الشيوعي السوداني عام 1946 باسم الحركة السودانية للتحرر الوطني “حستو” بقيادة “عوض عبد الرازق” وكانت امتدادا للحزب الشيوعي المصري. وفي أكتوبر 1950عُقد أول مؤتمر للحزب، ونظرًا للخلافات بين عبدالرازق وبعض القيادات، انتخب المؤتمر لجنةً مركزية جديدة على رأسها “عبد الخالق محجوب”[22]، وفي تلك الفترة نشطت النقابات المهنية والاتحادات الطلابية وسيطر عليها الشيوعيون، وجاء انقلاب “عبود” 1958 ليحظر الأحزاب السياسية إلا أن الحزب الشيوعي استطاع العمل بشكل سري، وفي يونيو 1961 دعا الحزب لإضراب عام لإسقاط حكومة “عبود” وقاد الحزب العديد من الإضرابات الجزئية في تلك الفترة كإضراب عمال السكة الحديد، وإضراب المزارعين، وفي انتخابات الاتحاد العام لنقابات العمال (جبهة المهنيين) اكتسحها الشيوعيون بحصولهم على 45 مقعدًا قياديا من مجموع 60 مقعدا[23].
وبعد ثورة أكتوبر 1964 والتي تحدثنا عنها سابقًا، تم حل الحزب الشيوعي لمعاداته للإسلام، ومنع البرلمان رسميًّا الدعاية الشيوعية في عام 1965، كما طُرد أعضاؤه من البرلمان، وبدأت حملة تطهير للشيوعيين من الجيش والقطاع العام. وفي 25 مايو 1969 انقلب العقيد جعفر النميري على الحكومة بمساعدة حركة الضباط الأحرار، وانضم 3 ضباط شيوعيين لمجلس قيادة الثورة، وبدأ التوتر يظهر في صفوف الحزب الشيوعي بعدما عين النميري 4 وزراء شيوعيين منهم 3 من التكتل المعادي لمحجوب، ولعب الحزب الشيوعي دور الظهير السياسي والمجتمعي لانقلاب النميري، لكن أصدر النميري قرارًا بحل الأحزاب السياسية، لتظهر بوادر أزمة حينما صرح رئيس الوزراء عوض الله في 4 نوفمبر أثناء زيارة لألمانيا الشرقية بأن الثورة السودانية لا يمكنها التقدم بدون الشيوعيين وهو ما استنكره مجلس قيادة الثورة وتبرأ من هذه التصريحات بزعم أن جميع الأحزاب قد حُلت. وعزل النميري عوض الله وتولى بنفسه رئاسة الوزراء في 28 نوفمبر 1969.
انقسم الحزب الشيوعي بين من يرون ضرورة الإبقاء على حكم النميري ودعمه، ومن يرون ضرورة الخروج عليه وإعلان الحكم الشيوعي الصريح في البلاد، وعقب ذلك أُلقي القبض على محجوب وطُرد أعضاء مجلس قيادة الثورة التابعين للحزب الشيوعي. وفي فبراير 1971 أصدر النميري قرارًا بحل المنظمات الجماهيرية التابعة للشيوعي. وأعلن في 25 مايو تأسيسه للاتحاد الاشتراكي السوداني، وشنت الشرطة حملة اعتقالات ضد الشيوعيين بتشجيع من الرئيس المصري أنور السادات الذي كان يخوض في الوقت نفسه معركة ضد حاشية عبدالناصر[24]. وفي المقابل، قام الشيوعيون بانقلاب قاده الرائد “هاشم العطا” أحد عضاء مجلس قيادة الثورة السابقين في يوليو 1971، ودام الانقلاب ثلاثة أيام ليرجع النميري بعدها للسلطة، وينفّذ محاكمة صورية تنتهي بإعدام عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق من قادة الحزب الشيوعي.
قضى انقلاب هاشم العطا على الحزب الشيوعي في السودان إذ فقد الحزب دوره ومراكز تأثيره في الساحة السياسية وانشق بعض كوادره لينضموا للنميري باعتباره اشتراكيا، وخفت نجم الحزب الشيوعي السوداني، وتعرّض الشيوعيون لحملة تصفية، فرّ بسببها عدد كبير من كوادرهم إلى خارج البلاد، ومع تفكك الاتحاد السوفيتي خفت نجم الحركة الشيوعية في العالم كله[25].
يشمل التيار القومي في السودان حاليا العديد من الأحزاب غير أنها ضعيفة وغير مؤثرة كحزب البعث السوداني، وحزب البعث العربي الاشتراكي في السودان (الفرع الإقليمي لحزب البعث العراقي في السودان)، وحزب البعث العربي الاشتراكي- تنظيم السودان (الفرع الإقليمي لحزب البعث السوري في السودان. والحزب الناصري الذي تأسس عام 1980، والحزب الديمقراطي الاشتراكي السوداني والذي تأسس عام 2002، وظهر أيضًا الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي تأسس عام 2003.
الحركة الإسلامية السودانية
مرت الحركة الإسلامية السودانية بالعديد من التطورات منذ تأسيسها، فبدأت باسم الإخوان المسلمين ثم تحولت لعمل جبهوي تحت اسم جبهة الميثاق الإسلامي ثم الجبهة الإسلامية القومية حتى انقلاب الإنقاذ عام 1989 الذي تلاه تأسيس المؤتمر الوطني. وبعد الخلافات بين الترابي والبشير أعلن الترابي الانفصال وأسس المؤتمر الشعبي.
بدأ النشاط الفعلي لجماعة الإخوان المسلمين بالسودان في 1946 من خلال جمال الدين السنهوري أحد الشباب السودانيين الذين تعرفوا على حسن البنا في القاهرة، وفي عام 1949 نشأت «حركة التحرير الإسلامي» في كلية جوردون (جامعة الخرطوم حاليًا) لمواجهة الشيوعيين الذين تصدروا العمل الطلابي وقتها، وكان على رأسها بابكر كرار، وبالرغم من سبق الشيوعيين لساحة العمل السياسي والسري إلا أن الإسلاميين استفادوا منهم في آليات التنظيم والعمل. ورفض بابكر تبعية الحركة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ونظرًا للتداخل بين الحركة والاخوان في السودان، عُقد مؤتمر في أغسطس 1954 عقب الاستقلال وانتهى إلى تبني اسم “الإخوان المسلمين”، وانتخاب محمد خير عبدالقادر أمينًا عامًّا لها، والرشيد الطاهر بكر مراقبًا عامًّا.
بدأ النشاط السياسي للإخوان في ديسمبر 1955 عندما أسسوا «الجبهة الإسلامية للدستور» للمطالبة بدستور إسلامي بعد الاستقلال، وفي عام 1959، أُلقي القبض على الرشيد الطاهر بتهمة المشاركة في محاولة انقلابية ضد نظام عبود، وأعلنت الجماعة براءتها من المحاولة وعزل الرشيد من القيادة، وخفت دورها نظرًا لحل عبود الأحزاب وقتها[26].
الدكتور حسن الترابي |
وبعد ثورة أكتوبر 1964 تأسست جبهة الميثاق الإسلامي بقيادة الترابي بعدما لمع نجمه في أحداث الثورة، واُعتبرت الجبهة الممثل السياسي للإخوان وقتها وانضمت لها جماعة أنصار السنة والطريقة التيجانية، ويُعتبر هذا العام هو الميلاد الحقيقي للحركة الإسلامية. ولكن سرعان ما برزت خلافات بين أفراد تنظيم الإخوان وجبهة الميثاق في الفترة من 1966 إلى 1969بسبب الجدال حول العمل السياسي والجبهوي الذي يتبناه الترابي والعمل التنظيمي والفكري والتربوي الذي يتبناه الخط التقليدي للإخوان[27] وعلى رأسهم الشيخ صادق عبدالله عبدالماجد، وفي أبريل 1969، انتخب المؤتمر العام للجماعة حسن الترابي أمينًا عامًّا، مما جعل الخط التقليدي للإخوان ينفصل عن الجبهة لكن الانفصال ظل كامنًا لانقلاب النميري بعد شهر واحد من المؤتمر وحظر العمل الحزبي والسياسي[28].
عقب انقلاب النميري في مايو 1969 تشكلت “الجبهة الوطنية” لمعارضة حكم النميري وتكونت من حزب الأمة والحزب الاتحادي وجبهة الميثاق الإسلامي، وأقامت الجبهة معسكرات تدريب لأفرادها برعاية القذافي في ليبيا وقامت بمحاولة انقلابية في يونيو 1976 ولكنها فشلت، ثم عقد النميري مصالحة مع الجبهة في يوليو 1977، ودخل الصادق المهدي والترابي المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي السوداني، وتولى الترابي منصب النائب العام في 1979.
عارض الشيخ صادق عبدالله عبدالماجد ومجموعته قرار الترابي بالاندماج في نظام مايو، وفي عام 1979رفض الترابي مبايعة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان فبايعه الشيخ صادق الذي كان في السجن وقتها وانضم إليه الرافضون لرئاسة الترابي منذ 1969 وتولى الحبر يوسف نور الدائم فرع جماعة الإخوان المسلمين في السودان، ومن وقتها لم يكن للجماعة تمثيل بالسلطة، وكذلك حضور كوادرها على المستوى الشعبي والثقافي ضعيف للغاية، بينما اختار الترابي لجناحه منذ ذلك الوقت اسم “الحركة الإسلامية السودانية” والذي كان بها السواد الأعظم من الإسلاميين السودانيين. وبعد الإطاحة بحكم النميري عام 1985، أسس الترابي “الجبهة القومية الإسلامية” وتزعمت الجبهة معارضة حكومة الصادق المهدي قبل أن تتحالف معها في حكومتي الوحدة الوطنية والوفاق الوطني.
ثالثًا: انقلاب الجبهة الإسلامية القومية
قامت الجبهة الإسلامية القومية في 30 يونيو 1989 بانقلاب عسكري تحت اسم “ثورة الإنقاذ الوطني”، وحسب الترابي فإن الانقلاب كان مخططًا منذ منتصف السبعينيات، لكنه نُفذ بعد النجاح في خلق حالة جماهيرية وتنظيم قوي نافس به حزبي الأمة والاتحادي، وكان الترتيب لنجاح انقلاب الإنقاذ عبر إظهاره على أنه انقلاب عسكري محض لا علاقة للإسلاميين به، لذلك اُعتقل الترابي في بداية الانقلاب مع الصادق المهدي وعثمان الميرغني وغيرهم من قيادات الأحزاب وأُفرج عن الترابي لاحقًا لتظهر هوية الانقلاب الحقيقية[29].
في هذا التوقيت كان للحركة الإسلامية 150 ضابطًا داخل الجيش في مختلف الأفرع[30]، شارك 30% منهم فقط في الانقلاب وتم تجنيب القوة المتبقية كاحتياطي لأى طارئ آخر في حال انكشف الانقلاب[31] الذي قاده العقيد عمر البشير باعتباره أعلى رتبة في الضباط الموجودين وليس لأنه أقربهم للحركة الإسلامية وقتها، حيث كان حديث الانتماء للحركة الإسلامية. وكان أغلبية الجنود الذين شاركوا في الانقلاب من أفراد الحركة الإسلامية المدنيين الذين ارتدوا الزي العسكري.
أشرف على تنفيذ الانقلاب وترتيب ما بعده 6 من قيادات الحركة الإسلامية على رأسهم حسن الترابي. والخمسة الآخرين هم :
- علي عثمان طه.
- علي الحاج.
- ياسين عمر الإمام.
- إبراهيم السنوسي.
- عوض أحمد الجاز[32] ( كان المسئول الأول عن التواصل مع أفراد الجيش).
وأعلنوا عن تشكيل مجلس قيادة للثورة يرأسه البشير وينوب عنه الزبير صالح، وبحسب الترابي فإن أعضاء المجلس لم يكن يعرف بعضهم بعضًا حيث التقوا جميعا وقت الإعلان عن الانقلاب بترتيب قيادات الحركة[33]. وفي هذا التوقيت كان حسن الترابي أمينًا عاما للجبهة ونائبه علي عثمان طه، وخلال فترة اعتقال الترابي 7 شهور تولى علي عثمان طه ترتيب وضع ما بعد الانقلاب وهو ماساهم في ترسيخ نفوذه الكبير في الجهاز التنفيذي للنظام. وعقب خروج الترابي حُل مجلس شورى الجبهة، وحُل المجلس التنفيذي وتشكل مجلس تنفيذي جديد بعد قرابة 9 أشهر من الانقلاب مكون من 8 أفراد، 4 مدنيين هم (حسن الترابي – علي عثمان – علي الحاج – عوض الجاز)، و4 عسكريين هم ( عمر البشير – الزبير صالح – بكري حسن صالح – عبدالرحيم حسين) وأدار هذا المجلس بقيادة الترابي شئون الحركة والنظام[34]. وتولى “نافع علي نافع” الأستاذ بكلية الزراعة مهمة تأسيس جهاز أمني لحماية النظام مع الإبقاء على الجهاز الأمني الخاص بالحركة حيث رفضت قيادتها دمجه في الجهاز الجديد وتعيَّن “صلاح قوش” كنائب لنافع .
وبعد إرساء قواعد النظام الجديد تم حل الجبهة الإسلامية القومية والحركة الإسلامية وتأسس حزب المؤتمر الوطني عام 1991 كممثل للحركة واختير البشير رئيسًا له والترابي أمينًا عاما، وفي عام 1996 عُقدت انتخابات رئاسية فاز فيها البشير بأغلبية، وانتُخب الترابي في نفس العام رئيسًا للمجلس الوطني ( المجلس التشريعي). وفي تلك الفترة بدأت تتصاعد الخلافات حتى ظهرت للعلن بداية عام 1998، وبعدها بأيام توفي نائب البشير الأول “الزبير محمد صالح” إثر سقوط طائرته في فبراير 1998، وتم ترشيح ثلاثة لخلافته هم (حسن الترابي – علي عثمان طه – علي الحاج)، وحسب الترابي فإن إبراهيم السنوسي عرض عليه أن يتولى المنصب ثم يستقيل البشير بعدها بشهر ويتولى الترابي السلطة ولكن الترابي رفض، واختار البشير علي عثمان نائبًا له نظرًا لقربه منه، ولأن علي الحاج كان أكبر منه سنًّا[35].
وفي 10 ديسمبر 1998 تم تقديم مذكرة وقَّع عليها عشرة من القيادات لمجلس شورى الحزب، تتهم الترابي بالهيمنة على الحزب، كان من أبرز الموقعين علي عثمان طه و غازي صلاح الدين و نافع علي نافع وإبراهيم أحمد عمر. وتعتبر هذه المذكرة نقطة تحول في تاريخ الحزب إذ أعانت البشير في السيطرة على الحزب، وبدأت عزلة الترابي ليقوم بزيارات إلى معظم الولايات لحشد أنصاره وبالفعل استطاع في المؤتمر العام للحزب في أكتوبر 1999 أن يبعد الموقعين على مذكرة العشرة عن المكتب القيادي وهيئة الشورى، وبدأ من خلال البرلمان حملات استدعاء لوزراء في حكومة البشير ومحاولة إقرار تشريع للحد من صلاحيات الرئيس واستحداث منصب لرئيس الوزراء، ليصدر البشير في 12 ديسمبر 1999 قرارا بحل البرلمان. وفي مايو 2000 اتهم البشير الترابي في مؤتمر عام للحزب بالعمل على إسقاط نظام الإنقاذ، وأصدر البشير قرارًا بحل الأمانة العامة لحزب المؤتمر الوطني التي يرأسها الترابي، ودعا إلى اجتماع لمجلس شورى الحزب في 26 يوليو 2000 واعتمدوا قرار إقصاء الترابي من الأمانة، ليُعلِن الترابي الانفصال النهائي عن البشير عبر تشكيل حزب المؤتمر الشعبي، ووقَّع مذكرة تفاهم مع زعيم الحركة الشعبية في فبراير 2001 ليعتقله البشير بعدها[36].
رابعًا : صراع التيارات داخل المؤتمر الوطني
بعد إقصاء الترابي وتصفية أتباعه من أجهزة الدولة، ومع اختلاف دوافع قيادات الحركة الإسلامية، انقسمت الحركة داخليًّا إلى 3 تيارات رئيسية، وهذا أحد أهم عوامل الضعف التي ساهمت في إقصاء الحركة الإسلامية وتمكين القوى الأخرى من تنفيذ انقلاب عسكري ناجح دبره محسوبون على الحركة.
في مطلع عام 2018، أقر رئيس مجلس شورى الحزب “كبشور كوكو” بوجود خلافات حول إعادة ترشيح رئيس الجمهورية، ولكنه قلل من شأنها. لينعقد المكتب القيادي للحزب في 14 فبراير 2018، ويعلن تغيير 74 قياديًّا، وفي اجتماع مجلس شورى الحزب في 9 أغسطس 2018 أقر تعديل المادة 36 الخاصة بقصر ترشح الرئيس في الانتخابات على فترتين، ومن ثم اختار الحزب البشير كمرشح للانتخابات المقبلة 2020، وقد سبق أن انشقت مجموعة بقيادة غازي صلاح الدين عن الحزب تحت اسم “حركة الإصلاح الآن”.
تيار نافع علي نافع
يعتبر نافع علي نافع رجل الأمن الأول في السودان فهو الذي أسس جهاز الأمن العام وأداره ثم عُين مديرًا للأمن الخارجي قبل أن يُعفى من منصبه بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في إثيوبيا عام 1995، ليعمل وزيرًا للزراعة ثم مساعدًا لرئيس الجمهورية، ونائبًا لرئيس الحزب الحاكم حتى عام 2013، ويُعتبر من أكثر الشخصيات نفوذًا داخل جهاز المخابرات السودانية[37]. كما تولى نافع منصب أمين الاتصال التنظيمي للحزب، وكان يعتبر الرجل الثاني داخل المنظومة الحزبية بعد البشير، وكان على خلاف كبير مع الفريق صلاح قوش، الذي كان يشغل منصب مسؤول مستشارية الأمن بعد إعفائه من رئاسة جهاز الأمن والمخابرات عام 2009، وكذلك برز خلافه الصامت مع النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية “علي عثمان محمد طه”، وفي عام 2012 اُعتقل صلاح قوش على خلفية ترتيبه لمحاولة انقلاب على البشير وتولى التحقيق معه رجال نافع في جهاز الأمن. وفي عام 2013، أجرى حزب المؤتمر الوطني تحت إشراف البشير إصلاحات عقب احتجاجات عنيفة ضد الحكومة، قضت بتغيير قيادات الصف الأول، ومنهم نافع علي نافع، وعلي عثمان طه النائب الأول للرئيس، وآخرين. وفي عام 2014 خلال الانتخابات الداخلية للحزب الحاكم، نافس نافع علي نافع بقوة عمر البشير للحصول على موافقة الحزب بتسميته مرشحًا لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2015، لكن كان الفوز من نصيب البشير الذي وجد دعمًا من نائبه الأول السابق “علي عثمان طه”.
وحين بدأ الحديث مرة أخرى عن التجديد للبشير لدورة رئاسية جديدة في عام 2020، قاد نافع تيارًا قويًّا ضد تلك الفكرة داعيًا إلى مواصلة حملة الإصلاح داخل الحزب بإتاحة الفرصة لقيادات شابة على كافة المستويات باعتبار أن التمديد للبشير يوجه ضربة موجعة للجهود الإصلاحية، كما أنه بدا متحفظًا بشدة على تمرير قرار التمديد بعيدًا عن مؤسسات وهياكل الحزب، هذا فضلًا عن رفضه لبعض السياسات الداخلية والخارجية للحكومة.
عقب ذلك أقيل العديد من قادة الحزب المحسوبين على تيار نافع، ثم في 11 اكتوبر 2018، أقيل نافع من منصبه كأمين عام لمجلس الأحزاب الأفريقية، وهو المجلس الذي ظلت ترعاه الحكومة السودانية، وتستغله لدعم مواقفها السياسية في إفريقيا، وبذلك أصبح لا يشغل أي منصب سياسي في السودان[38].
تيار صلاح قوش
لعب قوش الدور الرئيسي في ترتيب الانقلاب على البشير، وكذلك تصفية تيار نافع علي نافع بجهاز الأمن مع إدارته للمشهد الأمني أوائل 2018 في ظل تفاقم الأزمات، إذ تصاعدت الأزمة الاقتصادية في السودان وبدأ انهيار العملة، بالإضافة إلى الانقسام داخل حزب المؤتمر الحاكم حول ترشح البشير في انتخابات 2020، كل هذه العوامل جعلت البشير في وضع حرج يهدد نظامه، فعين “قوش” مديرًا لجهاز المخابرات في ظل خبرته السابقة في القضاء على تنظيم الترابي، وهدف تعيينه لتصفية معارضي البشير داخل الحزب والرئاسة، وهو الأمر الذى نجح فيه “قوش” إذ أطاح بأبرز القيادات الموالية لـ “نافع” بجهاز الأمن والحزب ممن كان لهم دورٌ في اعتقاله من قبل، فعزلمدير الأمن السياسي اللواء عبد الغفار الشريف[39] إضافة إلى 17 من ضباط جهاز الأمن ، بينهم مدير الجهاز بمطار الخرطوم الدولي[40] وأطاح بـ “نافع” نفسه من آخر منصب كان يتولاه كأمين عام لمجلس الأحزاب الأفريقية في أكتوبر 2018. وجدير بالذكر أن قوش تربطه علاقة قوية بالولايات المتحدة الأمريكية لتعاونه معها فى الحرب على الإرهاب ضد تنظيم القاعدة، بل إنه زار الولايات المتحدة عام 2005 عندما كانت بلاده مدرجة من قبل وزارة الخارجية الأميركية كدولة راعية للإرهاب[41].
تيار البشير
ظهر هذا التيار بعد تصاعد الاعتراضات على استمرار البشير في الحكم داخل الحركة الإسلامية، ويُعتبر تيارًا براغماتيًّا أفرزته بيروقراطية نظام الإنقاذ ومن رموزه حامد ممتاز الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني، وحسبو عبدالرحمن النائب الأسبق للبشير. وبمرور الوقت أقصى البشير معظم رموز الحركة الإسلامية الذين شاركوا في انقلاب 1989 وأبقى على المقربين منه، وصنع ولاءات خاصة له داخل الحركة الإسلامية وبيروقراطية الدولة.
خامسًا : احتجاجات ديسمبر 2018 والإطاحة بالبشير
بدأت الاحتجاجات في 19 ديسمبر 2018 إثر قرار حكومي برفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، وتزامنت الاحتجاجات مع عودة الصادق المهدي زعيم تحالف “نداء السودان” للبلاد بعد صدور عفو رئاسي بحقه، وبدأت تتصاعد الهتافات بإسقاط النظام، ودخل المتظاهرون مواجهات مع قوات الأمن قُتل فيها قرابة 50 شخصًا، لتجتمع الأحزاب والتحالفات المعارضة للبشير، وتعلن عن تأسيس تحالف قوى الحرية والتغيير في يناير 2019 مطالبين بإسقاط البشير ولم تكن التظاهرات ومكونات هذا التحالف قادرة على إحداث تغيير حقيقي.
أعلن البشير في 22 فبراير2019، عن إيقافه نظر البرلمان السوداني في تعديلات دستورية ستسمح له بالترشح مرة أخرى في رئاسة البلاد، وأعلن حالة الطوارئ، وحل الحكومات الولائية والمركزية. وجاءت تصريحات البشير مطابقة لما أعلنه مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني “صلاح قوش” قبلها..[42]
عند تلك المرحلة بدأ قوش يرتب الوضع لنفسه كبديل للبشير، فعقد اجتماعات مع رؤساء المخابرات الأوروبية ورئيس الموساد الإسرائيلي في منتصف فبراير 2018 بوساطة مصرية ودعم من السعودية والإمارات دون علم البشير[43]، بالإضافة إلى طرح “قوش” كبديل عن البشير داخل أروقة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في حال تعذر احتواء الاحتجاجات[44].
الانقلاب على البشير واستقالة بن عوف
بعدما أعلن البشير حالة الطوارئ وأقال الحكومة تراجعت وتيرة التظاهرات، ليقوم ضباط بجهاز الأمن في 6 أبريل 2019 بفتح ساحة القيادة العامة ليعلن المتظاهرون اعتصامهم فيها مطالبين بإسقاط البشير، وفي 8 أبريل طالبوا بفتح “تواصل مباشر” مع الجيش من أجل “تيسير عملية الانتقال السلمي للسلطة”، فأعلن وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف إزاحة البشير ووضعه تحت الإقامة الجبرية في 11 أبريل. كما أعلن عن «تشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولى إدارة حكم البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان» وتعطيل الدستور، وذكر أن اللجنة الأمنية العليا قررت أيضًا حل مجلس الوزراء وتكليف الوزراء بتسيير الأعمال، وإعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وفرض حظر للتجوال لمدة شهر، معلنًا أنه سيرأس المجلس العسكري الانتقالي. وخرج عضو المجلس العسكري وقتها “عمر زين العابدين” متحدثًا عن أن استجابة عناصر اللجنة الأمنية العليا لمطالب الجماهير بالتغيير هي التي جعلت البشير خارج المشهد، ومشددًا على أن التغيير تم بفضل جهود وزير الدفاع عوض بن عوف، ومدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش، وقائد قوات الدعم السريع حميدتي.
وفي خطوة مفاجئة بعد يوم واحد أعلن بن عوف تخليه عن المنصب وتعيين “عبد الفتاح البرهان” مكانه، وفي نفس الوقت الذي أعلن فيه بن عوف استقالته عُزل نائبه كمال عبدالمعروف الماحى وتبعه مدير جهاز المخابرات صلاح قوش، وظل موقف قائد قوات الدعم السريع “حميدتى” رافضًا للمشاركة في المجلس الجديد مؤكدًا دعمه لمطالب الجماهير ثم أُعلن رسميًّا عن تعيين “حميدتي” نائبًا لرئيس المجلس العسكري الانتقالي الذى شُكل من 10 أعضاء. وقدم المحور السعودي الإماراتي دعمًا كبيرا للمجلس العسكري بقيادة البرهان وتنوع هذا الدعم ما بين سياسي ومالي وهو ما جعله اللاعب الإقليمي الأول في المشهد السوداني.
سادسًا: مكونات المرحلة الانتقالية وصراع النفوذ
يواجه السودان تحديات متنوعة تهدد الفترة الانتقالية، وينقسم المشهد منذ عزل البشير إلى ثلاثة مكونات رئيسية هم المكون العسكري ويقوده البرهان رئيس مجلس السيادة ونائبه حميدتي، والمكون المدني ضمن تحالف قوى الحرية والتغيير (قحت)، والحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك، وجميعهم ممثلون في مجلس السيادة كشركاء في الحكم.
شهد تحالف الحرية والتغيير انقسامات وتفكك في جبهته الداخلية مما أضعف دوره في المشهد كمكون رئيسي وكذلك فشلت حكومة حمدوك في إدارة الأزمات الاقتصادية وسط سخط الشارع وضغط من باقي المكونات عليها، بالتوازي مع تغول المكون العسكري على المكونات الأخرى وقيادته للمشهد، كما مثلَ اتفاق السلام أحد محطات الخلاف بعد تخوف البعض من سعيه لتغيير الحاضنة السياسية الحالية بحاضنة أخرى.
قوى الحرية والتغيير كممثل للحراك
أُسست قوى الحرية والتغيير في يناير 2019 وكانت تمثل ثلاث مجموعات، الأولى تتألف من الأحزاب السياسية التي عارضت البشير، والمجموعة الثانية تتكون من مجموعات مسلحة من المناطق النائية، والمجموعة الثالثة منظمات مجتمع مدني متنوعة كتجمع المهنيين، و “لجان المقاومة” وغيرهم فضلا عن العديد من الحركات والمجموعات الصغيرة. اعترف المجلس العسكري الانتقالي بهم كممثلين عن الحراك، واتفقوا على ضرورة العمل المشترك من أجل ترتيب الفترة الانتقالية ودخل الطرفان في مفاوضات طويلة اختتمت بتشكيل المجلس السيادي لإدارة المرحلة الانتقالية[45]
ويأتي على رأس مكونات تحالف القوى والتغيير :
- تجمع المهنيين السودانيين قدم نفسه كتيار أفقي ليس له قيادة، وإنما تمثيل لمكونات تحالف بين عدة كيانات منها:
لجنة المعلمين – لجنة أطباء السودان المركزية – التحالف الديمقراطي للمحامين – شبكة الصحفيين السودانيين – رابطة الأطباء البياطرة الديمقراطيين – تجمع أساتذة الجامعات – نقابة أطباء السودان الشرعية – لجنة مبادرة استعادة نقابة المهندسين -لجنة الصيادلة المركزية – تجمع المهندسين السودانيين – تجمع التشكيليين السودانيين – جمعية اختصاصي الإنتاج الحيواني – تجمع ضباط الصحة – اللجنة المركزية للمختبرات الطبية – تجمع الصيادلة المهنيين[46].
- تحالف قوى الإجماع الوطني، وتضم:
الحزب الشيوعي السوداني – حزب البعث الأصل – تجمع النساء السياسيات – حزب البعث – حزب البعث القومي – الحزب الوطني الاتحادي الموحد – الحزب الوحدوي الناصري – الحركة الاتحادية – الاتحاديين الأحرار – حزب حشد الوحدوي – اللواء الأبيض.
- قوى نداء السودان وتضم:
حزب الأمة القومي – حزب المؤتمر السوداني- حزب البعث السوداني – الحزب الوطني الاتحادي – حزب التحالف السوداني – حركة حق – الحزب القومي السوداني – حزب الاتحاديين المستقلين – الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة مالك عقار – حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي – حركة العدل والمساواة بقيادة د. جِبْرِيل إبراهيم – مبادرة المجتمع المدني [47].
فض اعتصام القيادة العامة كنقطة فاصلة
يعتبرفض الاعتصام نقطةً فاصلة في مشهد ما بعد البشير لأنها ألغت الثقة بين الطرفين، وأدى إلى التصعيد بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير في ظل وساطات إقليمية ودولية لتقريب وجهات النظر بينهما . ولم يكن فض الاعتصام حدثًا مفاجئًا ففي 30 مايو 2019 أعلن المجلس العسكري أن “ميدان الاعتصام أصبح خطرا على البلد والثوار”، ونفذت الفض قوات الدعم السريع التي خرج قائدها فيما بعد مبينًا أن الأمر فخٌ نصب لقواته، وصرح المجلس العسكري بأنه لم يصدر أوامر الفض وأن الأمر كان مقتصرا على تطهير منطقة كولومبيا من الجريمة متهما قوى الحرية والتغيير بأنها المتسببة في ذلك[48].
وعقب ذلك أخذت المفاوضات بين الطرفين منحًا آخر، إذ أُعلن إيقاف التفاوض ونفذت قوى الحرية والتغيير عصيانا مدنيًّا استمر لمدة 3 أيام، وتوسط رئيس الوزراء الأثيوبي للوساطة بين قوى الحرية والتغيير، والمجلس العسكري لتقريب وجهات النظر واستئناف الحوار بين الأطراف السودانية وقدم مقترحَ تشكيلِ مجلس سيادي مكون من 8 مدنيين و 7 عسكريين وبادرت قوى الحرية والتغيير بالموافقة إلا أن المجلس العسكري لم يوافق على تلك النسب، إلى أن أعرب المجلس العسكري قبيل مظاهرات 30 يونيو 2019 التي دعت لها قوى الحرية والتغيير، عن رغبته في التهدئة والبدء في المفاوضات، ووسط هذه التجاذبات برز نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان حميدتى فى المشهد السياسي حيث خرج في مؤتمرات عديدة موجهًا رسائل سياسية للأطراف السودانية مؤكدًا على عدم طمع المجلس العسكري في السلطة وأنهم شركاء في الثورة التي اختطفتها قوى الحرية والتغيير وأن المجلس العسكري أخطأ عندما أعطاهم الشرعية. وفي ظل طموحه لتولي قيادة البلاد تعاقد مع شركة علاقات عامة يترأسها مخابراتي إسرائيلي لتحسين صورته بـ 6 مليون دولار.
الاتفاق السياسي بين قحت والمجلس العسكري
بعد الانقلاب على البشير دخلت قوى الحرية والتغيير في مفاوضات طويلة استمرت قرابة 4 شهور، مع المجلس العسكري الانتقالي لترتيب المرحلة الانتقالية تخلل المفاوضات شد وجذب وتلاسن بين الطرفين وصولًا لتجميد المفاوضات أكثر من مرة، وكان على رأس مطالب قحت تسليم السلطة للمدنيين، ومرحلة انتقالية مدتها أربع سنوات تعقبها انتخابات حرة، وانتهت المفاوضات بتوقيع وثيقة سياسية في أغسطس 2019 نصت على [49]:
- فترة انتقالية مدتها 39 شهرًا من تاريخ توقيع الاتفاق منها 21 شهرًا تكون فيها الرئاسة للعسكريين و18 شهرًا يترأسها عضو مدني تختاره قوى إعلان الحرية والتغيير بينما إصلاح الأجهزة العسكرية مسؤولية المؤسسة العسكرية.
- تشكيل مجلسين، الأول مجلس السيادة يتكون من خمسة عسكريين وخمسة مدنيين، بالإضافة لعضو مدني يتوافق عليه الطرفان (المجموع أحد عشر)، والثاني مجلس الوزراء يختار رئيسه قوى إعلان الحرية والتغيير، ويختار رئيس الوزراء وزراء لا يتجاوز عددهم العشرين بالتشاور مع قوى الحرية والتغيير عدا وزيري الدفاع والداخلية اللذين يختارهما العسكريون في المجلس السيادي.
- تأجيل تشكيل المجلس التشريعي لفترة أقصاها 3 أشهر.
تفكك وضعف قوى الحرية والتغيير
شهد الوضع السياسي حالة ارتباك وتوتر بين القوى السياسية المنضوية تحت مظلة “قوى الحرية والتغيير”، تسببت في تأجيل تسمية حكام مدنيين في الولايات، وتأجيل تشكيل المجلس التشريعي لأكثر من مرة، و تمثلت الاعتراضات بسبب اختزال تعيين الولاة في أحزاب سياسية محددة، وكذلك الاعتراض على نسب تشكيل المجلس التشريعي.
وكشف اتفاق السلام خلافًا بين مكونات “قحت” فمنها من طالب بتسليم ملف السلام الذي يتولاه (حميدتي) إلى رئيس الوزراء، وبعضها هاجم الاتفاق “تجمع المهنيين_ الحزب الشيوعي”، بسبب خوفهم من أن يبدل الاتفاق الحاضنة السياسية بحاضنة جديدة قوامها أطراف الاتفاق وإبعاد القوى التي قادت ثورة ديسمبر.
وفي الوقت نفسه نشط حزب الأمة القومي بعد خلافاته العميقة مع “قحت” [50]وقاد اجتماعات متوالية مع أحزاب وبعض التيارات الإسلامية خارج منظومة التحالف الحاكم لتكوين حاضنة عريضة وتتطابق رؤى المهدي مع حزب المؤتمر الشعبي، وهو ما أكده الأمين العام للشعبي بشير آدم رحمة، في سعي الحزبين إلى” توسعة الحاضنة السياسية” دون إقصاء أحد مؤكدًا أن حزبه لا يسعى للمشاركة في الحكومة، غير أن قوى اليسار لا ترغب في أي تقارب مع التيارات الإسلامية خاصة تلك التي كانت جزءا من النظام السابق، كما اتفق حزب المؤتمر السوداني والجبهة الثورية على أهمية توسيع الحاضنة السياسية بضم أكبر عدد ممكن من القوي السياسية وتوحيدها حول رؤية سياسية موجهة للإصلاح الاقتصادي والسياسة الخارجية.
وبعد تجميد العديد من القوى لدورها في الحرية والتغيير وخروج آخرين، يتوقع تكوين مراكز جديدة للقوى، والآن نحن أمام ثلاث تيارات، الأول يتكون من الحزب الشيوعي الذي وقّع إعلانًا سياسيًّا مع الحركة الشعبية – شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، وينضم إليه أيضًا تجمع المهنيين الذي وقّع إعلانا مشابهًا مع حركة الحلو، إلى جانب الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة الميرغني، أما التيار الثاني، فيقوده حزب الأمة القومي، الذي كثف جهوده للتوافق مع قوى إسلامية، منها المؤتمر الشعبي وبدا من الواضح أن حزب الأمة يضغط عن طريق الكتل المعارضة للحكومة لتقوية نفوذه، وهناك تيار ثالث يتكون من أحزاب المؤتمر السوداني والبعث العربي والتجمع الاتحادي والجبهة الثورية بكافة فصائلها، بعد عودة تمثيلها داخل “قحت”.
الحكومة الانتقالية الآمال والإخفاقات
بعد الاتفاق السياسي بين قوى الحرية والتغيير تم اختيار الخبير الاقتصادي عبدالله حمدوك رئيسًا للوزراء[51]، وتولى مهامه في أغسطس 2019، وكان على رأس الملفات الأزمة الاقتصادية والتي كانت سببًا في التظاهر ضد البشير، فضلا عن الملفات المتعلقة بالسلام والتحول الديمقراطي، وكانت الآمال متعلقة بشكل كبير على حكومة حمدوك إلا أن الحكومة أخفقت بسبب الخلافات وعدم وجود تصور كامل وقابل للتطبيق لإدارة المرحلة الانتقالية[52]، ومنذ مجيء حمدوك وهو يراهن على الحشد الدولي لدعم السودان للخروج من الأزمة الاقتصادية فقام في نهاية 2019 بعدة زيارات دبلوماسية إلى واشنطن والعواصم الأوروبية لجلب الدعم للسودان، وانخرط في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي إلا أن الدعم كان ضعيفًا بجانب عدم قدرة حمدوك على اتخاذ قرارات مصيرية في ظل عدم امتلاكه لأدوات قوة في مواجهة المكون العسكري[53].
المكون العسكري ومساحات النفوذ
بعد إقصاء القيادات العسكرية التابعة للحركة الإسلامية كعوض بن عوف وتصدر البرهان وحميدتي، أخذ دور قوات الدعم السريع خاصة مع دمج بعض ضباط المخابرات في الدعم السريع وكذلك اجتذاب بعض ضباط الجيش نظرًا للميزات المادية، كذلك تولي حميدتي لمفاوضات السلام واللجنة الاقتصادية، مما أنتج صراعا خفيا بين العسكريين على المكتسبات وإدارة شبكات الموارد الاقتصادية الخاصة بجهاز الأمن والمخابرات الوطني وممتلكات قيادات المؤتمر الوطني.
ودفع قرار المجلس العسكري بحصر مهام جهاز المخابرات في جمع وتحليل المعلومات فقط، وتسريح هيئة العمليات ودمج بعض عناصرها في مكون آخر كالجيش أو الدعم السريع، مع إقرار قانون جديد يقضي بإنشاء جهاز أمن داخلي جديد يتبع لوزير الداخلية، وإلغاء منصبي مدير عام الشرطة ونائبه، و إعادة صلاحيتهما لوزير الداخلية.
الجيش السوداني
في بداية الفترة الانتقالية حَظي المكون العسكري بدعم خارجي كبير مكنه من تثبيت قدمه في الحياة السياسية ولعب أدوارا تنفيذية عليا، ما دعا بعض الأحزاب، لتسيير مواكب لتفويض الجيش لاستلام السلطة، إلا أن حميدتي صرحَ في فبراير 2020، بأن “أجهزة الدولة لن تسمح بأي انقلاب عسكري على الحكومة وطرحَ على القوى السياسية والعسكرية، التعاهد على ميثاق شرف لحماية الديمقراطية وقطع الطريق أمام أي انقلاب محتمل، وعقب ذلك أحال الجيش ضباطًا للتقاعد، من بينهم عناصر انضموا للاحتجاجات ضد البشير، الأمر الذي لم يعجب الشارع، فخرج في احتجاجات على هذه الخطوة مؤكدًا أن ما قام به الجيش يمثل “تراجعا عن شعارات الثورة، وقوبلت الاحتجاجات بالعنف الأمر الذي أدانته الحكومة، ودعت إلى ضرورة هيكلة الجيش والمؤسسات الأمنية، ليتعهد بعدها مجلس السيادة بهيكلة قوات الجيش والدعم السريع، بما يتوافق مع متطلبات الفترة الانتقالية.
الدعم السريع
تعود أصول حميدتي إلى قبيلة «الرزيقات» حيث يعمل بتجارة الإبل وحماية الرعاة من قطاع الطرق ما أتاح له فرصة التنقل في مثلث الحدود بين تشاد وليبيا ومصر، وتشكيل مجموعات مدنية لحراسة القوافل، وقام بتشكيل قوة عسكرية تتشكل من 30 ألف عنصر مدني مسلح خاضت مواجهات في حرب دارفور، ليتم تحويلها عام 2013 إلى قوات رسمية تحت مسمى «قوات الدعم السريع» وكانت تتبع قبل يناير 2017 جهاز الأمن والمخابرات، ثم أُلحقت بعد ذلك بالجيش. وتوسعت مهامها لتشمل الحد من تدفقات الهجرة غير الشرعية على الحدود السودانية مع ليبيا، وحفظ الأمن كما شاركت في حرب اليمن ضمن وحدات الجيش السوداني.
وبعد الانقلاب على البشير تصدر حميدتي للمشهد وتضخمت أدواره السياسية والعسكرية فهو يقود كل من مفاوضات السلام، واللجنة العليا لإدارة الأزمات الاقتصادية، وكذلك اللجنة العليا لجمع السلاح، إلا أن رئاسته للجنة الاقتصادية لقيت اعتراضًا من مكونات” قحت” ولجان المقاومة، ما جعل حميدتي ينتقد بعض أطراف “قحت” التي اعترضت على تقديم “الدعم السريع” خدمات للمواطنين، و أوضح أن الدعم السريع شريك في التغيير، كما دعا بعض الأصوات في الائتلاف الحاكم للكف عن معاداة الإمارات والسعودية، لأن نقدهم دفع الدولتين إلى الإحجام عن مواصلة تقديم الدعم خلال المرحلة الانتقالية، ومن الجدير بالذكر أن الإمارات تقف خلف حميدتي وتدفع به لتصدر المشهد.
هذا مع الآخذ في الاعتبار الدور الميداني المتنامي لقوات الدعم السريع فمنذ عزل البشير انتشرت قوات الدعم في الشارع خاصة في العاصمة الخرطوم، وكذلك الدور الذي تلعبه في الأزمات والخلافات بين المكونات القبلية السودانية وصولًا إلى تعدي بعض قوات الدعم السريع على قوات الجيش.
يرى حميدتي ” أن وصوله للسلطة أمرٌ لا بد منه، وإلا فستضيع البلاد”[54]، وحاول فرض هيمنته على المشهد السوداني ولكن توجد عقبات تواجهه تتمثل في أنه ليس جزءًا من المؤسسة العسكرية فضلًا عن أنه قائد مليشياوى من غرب السودان مما يستنفر بقية القبائل في شرق وشمال السودان لمعارضته، كما أنه غير محسوب على تيار سياسي بالإضافة إلى عدم وجود تكتل سياسي داعم له، لذلك يزداد تأزم العلاقة بينه وبين الجيش.
صراع النفوذ بين البرهان وحميدتي
برز اختلاف وتصارع بين ممثلي الجيش السوداني (البرهان، ياسر العطا، كباشي) من جهة، وقائد الدعم السريع حميدتي من جهة أخرى، حيث يرى ممثلو الجيش أن حميدتي يسعى إلى إقصاء مؤسسة الجيش واستلام الحكم بدعم من الإمارات، وكان كباشي، أثناء زيارته لولاية جنوب كردفان لاحتواء نزاع بين قوات تابعة للجيش وقوات الدعم السريع، اتهم الدعم السريع بأنهم أصبحوا يتسترون وراء القبيلة والمؤسسة حتي تحميهم من المساءلة، وصرح بذلك ردًّا على تصريحات لحميدتي اتهم فيها “كباشي” أنه أفقد المجلس العسكري مصداقيته عندما أدلى بتصريحات أكد فيها وجود العباس شقيق البشير في السجن ثم تبين فيما بعد عدم صحة حديثه.
وكذلك مَثلَ التعامل مع رموز نظام البشير تباينا بين البرهان وحميدتي، مع استنكار “حميدتي” لحبس قادة النظام السابق دون محاكمة، وكشف عن اتفاق سابق مع المؤتمر الوطني بعدم دخول الانتخابات المقبلة، بشرط عدم استهدافهم مع موافقتهم على محاكمة المفسدين، لكنه قال إنهم يشعرون بأنهم مستهدفون بأعمال لجنة التفكيك.
الإمبراطورية الاقتصادية للجيش والدعم السريع
بعد تنحية المؤتمر الوطني ورموز نظام البشير وتفكيك جهاز الأمن والمخابرات، ورث النظام الجديد شبكة ضخمة من الشركات والموارد الاقتصادية تنافس عليها البرهان وحميدتي، فاستولى البرهان عن طريق شركة الصناعات العسكرية على العديد من الشركات المملوكة لقادة حزب المؤتمر الوطني وعائلة البشير، بينما سيطرت قوات الدعم السريع على العديد من الشركات التابعة سابقًا لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، هذا بخلاف الإمبراطورية الاقتصادية لشركات القوات المسلحة التي تخضع لإدارة البرهان والمقربين منه[55].
برز خلاف كبير بين رئيس الوزراء “حمدوك” ورئيس المجلس السيادي “البرهان” على خلفية طلب حمدوك دمج منظومة الجيش الاقتصادية في المؤسسات المدنية وسيطرة وزارة المالية عليها وهو ما رفضه المكون العسكري، ونشب سجال بين الطرفين تراجع فيه حمدوك عن هذا المطلب إلا أن القضية لازالت عالقة، ليصرح البرهان بأن هناك “جهات تعمل على إحداث قطيعة وجفوة ما بين القوات المسلحة ومكونات الشعب السوداني وتعليق إخفاقاتها الاقتصادية على (شماعة) شركات واستثمارات القوات المسلحة من خلال ترويجها لبعض الأكاذيب حول هذه الشركات واستحواذها على مفاصل الاقتصاد”، وأن تلك الشركات لم تقف حجر عثرة أو عائقًا للاستفادة من مواردها، فيما قال الفريق ياسر العطا عضو مجلس السيادة إن جميع شركات المؤسسة العسكرية هي في الأصل صندوق ضمان اجتماعي للفرد العسكري، وأوضح العطا أن جميع شركات المؤسسة تخضع للمراجعة العامة ولقانون الضرائب والجمارك وأشار العطا إلى أن البرهان قدم جملة من المبادرات للقطاع الاقتصادي في إطار تكامل القطاع العسكري والمدني إلا أن هذه المبادرات لم تجد طريقها للتنفيذ بسبب البطء الذي لازم عمل الجهاز التنفيذي.
بعد تولي البرهان قيادة المؤسسة العسكرية قام بتعيين العديد من المقربين له على رأس الشركات التي يسيطر عليها الجيش فتولى إدارة شركة الصناعات العسكرية اللواء الميرغني إدريس، واللواء مهلب حسن أحمد رئيسًا لمنظمة الشهداء[56]، ومثلت سيطرة المؤسسة العسكرية على قطاعات اقتصادية مفترق طرق بين شركاء الحكم، في ظل تصريحات البرهان بأن حكومة حمدوك تعلق إخفاقاتها الاقتصادية على (شماعة) شركات الجيش، هذا مع سعي الحكومة لتحويل الشركات المملوكة للجيش إلى شركات مساهمة عامة يمكن للجمهور الاستثمار فيها، وهو ما يعارضه الجيش لأنها الضامن لتمويل مصالحهم، كما أنها إذا آلت لوزارة المالية ستضعف موقفهم وتقوي الشق المدني في الحكم.
ركزت قوات الدعم السريع أنشطتها التجارية على سوق الذهب، ولكن بعد تزايد نفوذ حميدتي وسعت أنشطتها لتشمل شراء المشاريع الزراعية والعقارات، والسياحة والعديد من القطاعات الهامة، ويدير مجموعة شركات الجنيد شقيق حميدتي “عبدالرحيم دقلو” وهي الشركة الرئيسية التي تمول قوات الدعم السريع، وتسيطر على منجم جبل عامر
ولا يستطيع أحد تقييم أرباح هذه الشركات، ولكن توجد عدة شواهد تدلل على ضخامتها، فمثلًا سلم “حميدتي” البنك المركزي 170 مليون دولار لدعم الاحتياطي النقدي[57]، بينما وعدت القوات المسلحة السودانية بـ 2 مليار دولار لدعم ميزانية الحكومة لعام 2020، ثم خفضتها إلى مليار دولار معللة ذلك بالتبعات الاقتصادية لفيروس كورونا، فيما سدت شركة الصناعات العسكرية عجز قيمته 70 مليون دولار في ميزانية الحكومة.
الخلافات بين مجلسي السيادة والوزراء
برزت خلافات حادة بين رئيس المجلس السيادي “البرهان” ورئيس مجلس الوزراء “حمدوك” كان أولها بعد لقاء البرهان ونتنياهو في فبراير 2020، واعتراض مجلس الوزراء بسبب عدم معرفته باللقاء، فقد نصت الوثيقة الدستورية على أن العلاقات الخارجية هي اختصاص السلطة التنفيذية، وليس المكون العسكري.
وبرزت آخر تلك الخلافات خلال تشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية الذي رفضه مجلس الوزراء من ناحية الاختصاصات والصلاحيات، حيث اعتبرت الحكومة أن المجلس بصيغته المطروحة يمثل التفافا على الثورة ومسعى لتعزيز تمركز المكون العسكري في قلب السلطة، مثلما حدث في عملية التفاوض مع الحركات المسلحة، التي تعد من اختصاص الحكومة المدنية، لكن المكون العسكري هيمن عليها، ولم يتوقف قرار الرفض عند رئيس الوزراء، فالحرية والتغيير ترفض المجلس، إلا أن الشاهد أن هناك أحزابًا من داخل التحالف متمسكة وحريصة على مجلس الشركاء، ورفضها للمجلس ظاهريا جاء انطلاقًا من موقفها المطالب بزيادة مقاعدها داخله، وهذا يفسر طبيعة الصراعات المحتدمة داخل التحالف الحاكم الذي تحوّل إلى تيارات متناحرة.
وقد انعكست تلك الخلافات أيضاً في تصريحات أعضاء المكون العسكري في مجلس السيادة، خاصةً الفريق أول شمس الدين كباشي، الذي صرحَ بأن “الذين يقولون لنا ارجعوا ثكناتكم إذا فعلنا ذلك لن يبقوا في الحكم ساعة واحدة”، وكذلك انتقاده لرئيس الوزراء معتبرا إياه “خَرَجَ على مؤسسات الدولة” بعد توقيعه “إعلان مبادئ” مع حركة عبدالعزيز الحلو.
دعوات لتسلم الجيش للسلطة
بعد تصاعد حدة الأزمات الاقتصادية، والتدهور المعيشي برزت دعوات في سبتمبر 2020 لتسيير مواكب لتفويض الجيش لاستلام السلطة، وحمل المتظاهرون لافتات تحوي عبارات تنادي بتفويض الجيش وإسقاط الحكومة الحالية، ليصرح رئيس حزب الأمة القومي وقتها الصادق المهدي، إن الفترة الانتقالية فيها من العيوب ما يضمن فشلها، ولم يستبعد حدوث انقلاب عسكري على السلطة القائمة حاليًا، مضيفًا “الانقلاب وارد لكنه سيفشل لأنه تجريب للمجرب”، فيما أكد الناطق باسم حركة تحرير السودان محمد عبدالرحمن الناير، في 19 سبتمبر، أن الدولة العميقة والعسكر هما المستفيدان من خلق الفوضى وعدم الاستقرار في السودان وقال الناير إن العسكر لديهم نية للانفراد بالسلطة بعد أن أدركوا ضعف الحاضنة السياسية للحكومة وخلافاتها البينية وافتقارها للرؤية والبرنامج الوطني، فضلا عن أن بعض العسكر لديهم ارتباطات بالنظام السابق ويعملون على عودته للسلطة مرة أخرى. وبالنظر للمشهد فإن تململ القوى المدنية وعدم وجود ظهير قوي لها مع خلافات قيادات الجيش وحميدتي ينذر باحتمالية حدوث انقلاب من قبل المجلس العسكري وتفرده بالسلطة.
سابعًا : مناطق الصراع واتفاق السلام
التوزيع القبلي في دارفور |
يتركز الصراع المسلح في السودان في ثلاثة مناطق رئيسية هي دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، و للصراع في دارفور أبعاد كثيرة على رأسها التركيبة القبلية إذ تنقسم القبائل إلى قبائل عربية وأخرى إفريقية تتنازع فيما بينها على الموارد الطبيعية كالأراضي والماء وفرض السيطرة نظرًا للظروف البيئية وشح الموارد نتيجة الجفاف المستمر، وقد بدأ الصراع في إقليم دارفور في أواسط الثمانينات كحرب أهلية عرفت باسم الحرب بين العرب و الفور، وتمت المصالحة 1989، وفي أوائل عام 1991 وقع نزاع بين العرب وقبيلة الزغاوة، فأعلنت حكومة البشير عام 1994 تقسيم دارفور إلى 5 ولايات بدلا من إقليم واحد مما عقد الأمر، ووقع نزاع ثان بين العرب والمساليت غرب دارفور عامي 1998 و2001، ومع انشغال الحكومة في التفاوض مع الجنوب وتفاقم الأزمات، شنت حركتا العدل والمساواة وتحرير السودان (قبائل الفور والزغاوة) في فبراير 2003 هجومًا واسعًا استولوا فيه على مناطق كبيرة واحتلوا مطار الفاشر ودمروا سبع طائرات عسكرية تابعة لقوات الحكومة السودانية[58]، فقامت الحكومة بضرب المتمردين خوفا من فقدان السيطرة في إقليم دارفور، وأصبحت الحكومة طرفا في النزاع فاتهمت جماعات المتمردين من قبائل المساليت و الفور والزغاوة الحكومة بمعاداتها، والوقوف بقوة لصالح القبائل العربية وأصبح طرفا الصراع هما الحكومة ممثلة في الجيش والشرطة ومعها مليشيا الجنجويد “الدعم السريع حاليًا” وحركتا تحرير السودان والعدل والمساواة ولعبت دول الجوار تشاد وليبيا بالتحديد دورا في تأجيج الأحداث وذلك من خلال مد القبائل بالسلاح، والدعم اللوجيستي[59].
وقد تأثر إقليم دارفور نظرا لحدوده المفتوحة ووجود قبائل عديدة لها امتدادات داخل دول أفريقية أخرى، بالصراع التشادي التشادي والصراع التشادي الليبي حول شريط أوزو الحدودي، وبالصراعات الداخلية لأفريقيا الوسطى، فراجت في إقليم دارفور تجارة السلاح، وتفاعلت قبائل الإقليم مع تلك الأزمات[60]. ويعتبر الصراع في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان امتدادا للصراع الجنوبي، إذ أنه في عام 2011 عقب انفصال جنوب السودان بقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، قام عدد من أفراد الحركة بتشكيل الحركة الشعبية لتحرير السودان شمالا، وأعلنوا قتال الحكومة ولكن في 2017 دخلت الحركة في خلاف داخلي أدى إلى انشقاقها لقسمين أحدهما برئاسة مالك عقار والآخر برئاسة عبد العزيز الحلو.
ومن الجدير بالذكر أن حركة تحرير السودان بأجنحتها الثلاثة صاحبة أكبر تواجد في ليبيا بجانب قوات حفتر يليه تجمع قوى التحرير، وجناح مني مناوي هو صاحب أكبر قوة موجودة في ليبيا حاليا، مع تواجد ضعيف في الجنوب الليبي لحركة العدل والمساواة[61].
اتفاق السلام
عقب عزل البشير تقدم رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت بمبادرة للتوسط بين المجلس العسكري والحركات المسلحة، لطي ملف النزاع والتوصل إلى تسوية سلمية تعزز فرص الانتقال الديمقراطي في السودان، وبدأت مباحثات السلام في جوبا بين الحكومة والجبهة الثورية للحركات المسلحة في أكتوبر 2019، واستمرت ما يقرب من عام. وتضم الجبهة الثورية ثلاث حركات مسلحة، وهي حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، والحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة مالك عقار، وحركة العدل والمساواة، وانقسمت المفاوضات إلى4 مسارات هي: مسار دارفور ومسار لجنوب كردفان والنيل الأزرق ومسار لشرق السودان، ومسار لشمال السودان. ووقَّعت الحكومة والجبهة الثورية اتفاقًا للسلام في 1سبتمبر2020، ودُعي قادة الجبهة للعودة إلى الخرطوم للمشاركة في إدارة الفترة الانتقالية، وتلخصت أبرز بنود الاتفاق في[62] :
- تمديد الفترة الانتقالية إلى 39 شهرا ابتداء من تاريخ توقيع الاتفاق على أن تشارك الأطراف الموقعة في السلطة بثلاثة مقاعد في مجلس السيادة.
- تحديد 39 شهرا لعملية الدمج والتسريح المتعلقة بمقاتلي الحركات المسلحة.
- تشكيل قوات مشتركة من الجيش والشرطة والدعم السريع لحفظ الأمن في ولاية دارفور والمنطقتين تمثل فيها قوات الحركات المسلحة بنسب تصل إلى 30 في المائة.
- أصدر مجلس السيادة قرارا بالعفو العام عن جميع من حمل السلاح ضد الدولة لكنه يستثني من صدرت بحقهم مذكرات توقيف من المحكمة الجنائية الدولية أو من يواجهون اتهامات أو دعاوى جنائية بجريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
تخلف عن التوقيع على الاتفاق الحركة الشعبية شمال/جناح الحلو التي تطالب بـعلمانية الدولة، وبالفعل وقعت معها الحكومة في 2 سبتمبر في إثيوبيا اتفاقًا مشتركا ينص على «قيام الدستور على مبدأ فصل الدين عن الدولة» وفي حال غياب هذا المبدأ «يجب احترام حق تقرير المصير» في جنوب كردفان[63].
وكذلك تخلفت عن الحضور حركة تحرير السودان/جناح عبدالواحد نور، التي تعاني نزاعًا داخليًّا بين فصيلين من الحركة، وترى أن مفاوضات السلام لم تختلف عن مفاوضات نظام البشير، وتعتزم الحركة إعلان مبادرة للسلام الشامل مع الحكومة من ضمنها التوافق على حكومة انتقالية، وفي نفس الوقت تتهم الحركة المجلس السيادي بتسليح القبائل في دارفور لخلق فوضى واقتتال قبلي.
فيما أسهمت المفاوضات في مسار شرق السودان[64] بمنبر جوبا، في خلق حالة عدم رضا حيث رأت مكونات اجتماعية وسياسية أن ما تمَّ لا يمثل الإقليم، غير أن الحكومة مضت في طريقها، في ظل تشكيك بإمكانية تحقيقه على أرض الواقع في ظل الانقسام الحاد الذي يعاني منه الشرق، وحالة التباعد الذي أفرزته مخرجات اتفاقية السلام، وليس المسار وحده هو السبب في الانقسام، فقد أسهم تعيين صالح عمار واليًا على كسلا في حالة اصطفاف قبلي وتفلتات أمنية حيث يرفضه تيار يقوده ناظر قبيلة الهدندوة فيما يؤيد توليه إدارة الولاية تحالف “قحت” ومكونات أخرى على رأسها قبائل البني عامر والحباب المنتمي لها “عمار”.
إلا أن الحكومة رضخت لتلك الضغوط وأعفت الوالي في محاولة لاحتواء الموقف، و لكن لم تفلح جهودها بسبب احتجاج قبيلة البني عامر على إعفاء “عمار”، و بحسب رئيس نقابة هيئة الموانئ البحرية، فإن مسار الشرق يمثل أجندة خارجية هدفها الموانئ السودانية، وقد نفت الحكومة في أبريل معلومات روجت لها مواقع إعلامية محلية، بشأن بيع البلاد ميناء “بورتسودان” للإمارات.
ويعد شرق السودان من المناطق التي لم تهدأ خلال عام 2020 بسبب موجات الاقتتال الأهلي، وتتمثل معارضة اتفاق الشرق في “المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة” الذي نصب نفسه كممثل حصري لقبائل البجا، بصرف النظر عن قبائل البني عامر والحباب، وبحسب مراقبون، فإن المجلس الأعلى لنظارات البجا، الرافض لمسار الشرق يقوده كل من: موسى محمد أحمد الذي عمل مساعدًا للبشير حتى يوم سقوطه، وسيد أبو آمنة، أمين شباب المؤتمر الوطني بولاية البحر الأحمر.
مع التوقيع على اتفاق السلام تبقي هناك بعض المعضلات أمام السودان حتي يستطيع تنفيذ بنود الاتفاق أبرزها ملف “الترتيبات الأمنية”،و يتجلى في عمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج على أساس الولاء للبنية القيادية المسيطرة، وكذلك في تمويل عملية السلام نفسها، خاصةً في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم الذي تعاني منه الحكومة.
وتكمن تحديات مخرجات عملية السلام في تغيير البنية المؤسسية للجيش وتبديل الإسلاميين فيه بآخرين من الحركات المسلحة وهو ما ستكون له تبعات كبيرة في المستقبل.
ثامنًا : خروج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وربطه بالتطبيع مع الكيان الصهيوني
يرجع وضع السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ 18 أغسطس 1993، للاتهام الرسمي الذي وجهته الحكومة الأمريكية للسودان بالقيام بالتالي:
- إيواء فصائل فلسطينية مسلحة.
- إقامة معسكرات لتدريب مقاتلين من جنسيات مختلفة.
- دعم العمليات المسلحة ضد دول أخرى.
وعلى مستوى مجلس الأمن يرجع جذور الاهتمام الأمريكي بنقل قضية السودان إلى مجلس الأمن عام 1992 عقب إعدام السلطات السودانية أحد موظفي المعونة الأمريكية بتهمة معاونته للحركة الشعبية لتحرير السودان، وما تردد من صلة نظام الخرطوم بقضية الشيخ “عمر عبد الرحمن” واتهامه بتفجير مقر مركز التجارة العالمي، وفي عام 1996 قامت الولايات المتحدة ببذل المزيد من الضغوط على مجلس الأمن لإصدار قرار يدين الحكومة السودانية لرفضها تسليم أثيوبيا ثلاثة مصريين متهمين في محاولة اغتيال الرئيس المعزول “مبارك” في عام 1995، وبناء على ذلك صدر قرار من المجلس بتاريخ 26 إبريل 1996 بفرض عقوبات دولية على السودان.
ربطـت واشنطن بيـن ضـرورة تطبيـع العلاقات مـع إسـرائيل ورفـع اسـم السـودان مـن قائمـة الإرهاب، وطلبـت مـن مجلـس السـيادة أن يســارع في ملف التطبيع فــي مقابــل تقديــم حزمــة مــن المســاعدات الإنســانية والتنمويــة، إلا أن الحكومة رفضت اقتران التطبيع برفع السودان من قائمة الإرهاب وقدمت طلبا لواشنطن بالفصل بينهم قوبل بالرفض، ولـم تكـن قضيـة التطبيـع محــل اتفــاق بيــن المكونيــن العســكري والمدنــي، إلا أن المكون العسكري أعلن وقوفه صراحةً وراء التطبيع، فيما أعلن المكون المدني أن القرار اُتخذ دون الرجوع إلى مؤسسات الحكم المعنية بالفصل في مثل هذه القضايا، و لكـن العديـد مـن العوامـل عجلـت بإتمـام الاتفاق بيـن السـودان وإســرائيل علــى تطبيــع العلاقات الثنائيــة برعايــة أمريكيــة، ليعلــن الرئيــس الأمريكي في 23 أكتوبر عـن اتفـاق تَضمَّن إنهاء حالة العداء والشـروع فـي علاقات اقتصاديـة وتجاريـة تركـز فـي البدايـة علـى مجــال الزراعة، وضمـان الولايات المتحـدة وإسـرائيل الاندماج الكامل للسـودان فـي المجتمـع الدولي، و فور التوقيع حصلت الخرطوم على منحة من البنك الدولي بقيمة إجمالية تبلغ 370 مليون دولار[65].
وكـ ملحقات للتطبيع بدأ الحديث عن لقاءات على مستوى أمني وعسكري بين السودان وإسرائيل بتنسيق وحضور مصري، وكمخرجات لهذه اللقاءات أعلنت لجنة إزالة التمكين في 2 نوفمبر، استرداد أموال وعقارات سكنية وزراعية من قيادات حركة حماس بالخرطوم وكذلك سحب الجنسية السودانية من بعض قادتها[66]، فيما هدد السودان بتجميد التطبيع مع إسرائيل إذا لم يوافق الكونغرس الأمريكي على منح بلاده حصانة من دعاوى عائلات ضحايا الإرهاب وفي 14 ديسمبر أعلنت واشنطن رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب[67].
خاتمة
يزداد المشهد السوداني تعقيدًا وسط نشوء تحالفات جديدة وإعادة ترتيب للمشهد السياسي، ، هذا مع بعض الدعوات لتولي الجيش السلطة مع تفاقم حدة الخلافات بين المكون العسكري والمدني، وسط تأييد من المجلس العسكري للتطبيع مع إسرائيل وتبنيه لهذا الأمر وهو ما ينذر باحتمالية حدوث انقلاب وشيك من المكون العسكري على المكون المدني.
وكذلك تزايد فرص حدوث انفلات أمني في الشارع السوداني في ظل حالة الارتباك السياسي الذي تشهده الساحة مع تنامي دعوات الاستقلال الذاتي لبعض الأقاليم مع الأخذ في الاعتبار تفاقم حدة الأزمة الاقتصادية وعدم وجود أفق لحلها، وهو ما يفسر شروط البرهان للتطبيع والتي يغلب عليه المنح المالية والدعم الاقتصادي للسودان في أزمته، فيما تمثــل المناطــق الحدوديــة مصــدرًا إضافيـًّا للتهديــدات الأمنية فــي الســودان، خاصةً الحدود المشتركة مع إثيوبيا حـول منطقـة الفشـقة،
وبالنظر في مخرجات عملية السلام فإنها غير قابلة للتطبيق في ظل بيئة قبلية ووضع متراكم عبر عقود فمن الصعب دمج عناصر الحركات المسلحة داخل بنية الجيش وإذا ما تم فسيتسبب في حالة من التفكك داخل المؤسسة، وكذلك قوات الدعم السريع فهي قوات قبلية يصعب دمج مكونات خارجية فيها، وكذلك صعوبة تمويل عملية السلام نفسها، خاصةً في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم الذي تعاني منه الحكومة.
وكطبيعة كل المراحل الانتقالية في السودان تسودها حالة من الاضطراب والتفكك والتوتر حتى يأتي انقلاب من الجيش بدعم أحد المكونات المدنية ليسيطر ويحكم لفترة من الزمن، فمن الصعب استمرار هذه الشراكة بين المكون المدني والعسكري ويزيد الأمر تعقيدًا دخول الحركات المسلحة في السلطة.
ملحق
أهم الأحدث في السودان | |
التاريخ | الحدث |
1881 | الثورة المهدية على الحكم العثماني المصري |
1899-1955 | السودان تحت الحكم البريطاني-المصري المشترك. |
1956 | استقلال السودان وبداية الحكم الوطني. |
1958 | الجنرال إبراهيم عبود يقود انقلابا عسكريا ضد الحكومة المدنية المنتخبة حديثا في بداية العام. |
1962 | اندلاع الحرب الأهلية في الجنوب بقيادة حركة التمرد “أنيانيا”. |
1964 | ثورة أكتوبر/تشرين الأول التي أطاحت بعبود وقيام حكومة وطنية برئاسة الصادق المهدي. |
1969 | الرائد جعفر محمد النميري يتزعم الانقلاب العسكري المعروف باسم “ثورة مايو”. |
1971 | إعدام قادة الحزب الشيوعي السوداني بعد قيامهم بانقلاب ضد النميري. |
1972 | أصبح الجنوب منطقة حكم ذاتي، بموجب اتفاق أديس أبابا للسلام بين الحكومة وحركة “أنيانيا”. |
1977 | تحالف النميري مع الإسلاميين |
1983 | الرئيس جعفر محمد النميري يعلن تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد. وفي نفس العام نشبت الحرب الأهلية في الجنوب بين القوات الحكومية والحركة الشعبية لتحرير السودان |
1985 | اندلاع ثورة شعبية ضد حكم النميري عرفت بانتفاضة أبريل وانحاز فيها الجيش إلى جانب الشعب وتأسس مجلس عسكري مؤقت لحكم البلاد برئاسة الفريق عبد الرحمن سوار الذهب. |
1986 | فوز حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي في انتخابات ديمقراطية وتشكيل حكومة ائتلاف برئاسته. |
1989 | العميد عمر حسن البشير يقود انقلابا عسكريا ويستولي على الحكم، وفي العام نفسه يتم في مصر تشكيل تجمع وطني سوداني معارض يضم 13 حزبًا. |
1993 | حل مجلس قيادة الثورة بعد تعيين عمر البشير رئيسا للجمهورية. |
1998 | الولايات المتحدة تشن هجوما على مصنع للأدوية في الخرطوم بزعم أنه يصنع مواد تدخل في الأسلحة الكيميائية. |
1999 | الرئيس البشير يحل المجلس الوطني السوداني (البرلمان) ويعلن حالة الطوارئ عقب صراع على السلطة مع رئيس البرلمان حسن الترابي. |
2000 | اجتمع الرئيس البشير لأول مرة مع زعماء المعارضة في التجمع الوطني الديمقراطي بالعاصمة الأريتيرية أسمرا. عاد بعدها زعيم حزب الأمة الصادق المهدي إلى السودان |
2001 | اعتقال الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام الشيخ حسن الترابي بعد يوم واحد من توقيع حزبه المؤتمر الشعبي مذكرة تفاهم مع الجيش الشعبي لتحرير السودان. فشل مباحثات نيروبي للسلام بين الرئيس البشير وزعيم المتمردين جون قرنق. |
2002 | توقيع الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في نيروبي اتفاقا لوقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر في جبال النوبة التي تعتبر أحد المعاقل الأساسية للمتمردين. موافقة حكومة البشير والحركة الشعبية على وقف لإطلاق النار طوال فترة المفاوضات. |
2004 | اندلاع أزمة دارفور وتحرك الجيش لمواجهة التمرد |
2011 | انفصال جنوب السودان عقب استفتاء تقرير المصير |
إبريل 2019 | الانقلاب على البشير وعزله من السلطة وبروز الشيوعيين مجددا |
الهامش
[1] محمد عمر بشير، تاريخ الحركة الوطنية في السودان 1900- 1969، الخرطوم، الدار السودانية للكتب، 1980، ص 6
[2] روبرت أو.كولينز، تاريخ السودان الحديث، القاهرة، المركز القومي للترجمة، 2015، ص 20-21.
[3] وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، السودان
[4] كولينز، ص 28
[5] عمر بشير، ص 13 – 14
[6] [6]كولينز، ص 41
[7] نفس المصدر، ص 43
[8] تاريخ السودان الحديث والحركة الوطنية، الرئاسة السودانية
[9] محجوب محمد صالح، الدولة الحديثة في السودان: التاريخ والنشأة، مجلة الإنساني، تاريخ النشر 22 أبريل 2019
[10] أول حزب سوداني أسسه الأزهري
[11] NOWAR GAFER, THE GRADUATES` NATIONAL MOVEMENT IN SUDAN, 1918-1944
[12] الرئاسة السودانية، الحركة الوطنية السودانية الحديثة (1898-1956م).
[13] وسام فؤاد، الأكثر هشاشة: النخبة المدنية السودانية و3 نماذج انقلابية، المعهد المصري للدراسات، تاريخ النشر 6 سبتمبر 2019
[14] ترأس إسماعيل الأزهري 1947 أول حزب سياسي سوداني عُرف بـ”الأشقاء” ودعا إلى إعلان حكومة سودانية ديمقراطية تحت التاج المصري.
[15] إسماعيل الأزهري، الجزيرة نت، تاريخ النشر 4 ديسمبر 2014
[16] فيصل محمد صالح، يحدث في “الاتحادي الديمقراطي” السوداني، العربي الجديد، تاريخ النشر 15 مارس 2015
[17] حزب الأمة القومي السوداني: مراحل التأسيس، الموقع الرسمي للحزب
[18] كولينز، ص 89 – 90.
[19] قضية الانشقاق في حزب الأمة بالوثائق، الموقع الرسمي للإمام الصادق المهدي، تاريخ النشر 19 ديسمبر 1966.
[20] – وائل علي نصر الدين، الصادق المهدي: رحيل طائر الفينيق السوداني، ، إضاءات، تاريخ النشر 27 نوفمبر 2020.
[21] الصادق المهدي: معلومات أولية عن السيرة الذاتية، وكالة السودان للأنباء.
[22] باقي أعضاء اللجنة المركزية هم : إبراهيم زكريا، أحمد محمد خير، التجاني الطيب، الشفيع الشيخ، قاسم أمين، حسن أبو جبل، ميرغني علي مصطفي، عباس علي.
[23] حسام الحملاوي، السودان : الشمال والجنوب والثورة، موقع الاشتراكي.
[24] المرجع السابق.
[25] مصطفى إسماعيل، الشيوعيون في السودان: تاريخ من الصراع ومستقبل مليء بالغموض، إضاءات، تاريخ النشر 19 يناير 2017.
[26] محمود إبراهيم، تاريخ الحركة الإسلامية في السودان، إضاءات، تاريخ النشر 15 أبريل 2019.
[27] سماهم الترابي “المحافظون” على التراث الفكري والتنظيمي للإخوان.
[28] الحركة الإسلامية في السودان، حوار أجراه الصحفي محمد الهاشمي مع الترابي عام 1987
[29] شاهد على العصر- حسن الترابي يروي تفاصيل انقلاب 1989 ج9، تاريخ النشر يونيو 2016، الرابط
[30] المرجع السابق
[31] البشير وزملاؤه.. قصة «انقلاب الإنقاذ» من السلطة إلى الزنزانة، مصر العربية، تاريخ النشر 12 نوفمبر 2019.
[32] أحد مسئولي الأمن بالحركة الإسلامية وقتها.
[33] الترابي شاهد على العصر، ج 9
[34] المرجع السابق، ج10
[35] المرجع السابق، ج 15
[36] تاريخ الصراع بين البشير والترابي بدأ في السنوات الأولى للإنقاذ، الشرق الأوسط، تاريخ النشر أبريل 2004.
[37]– نافع علي نافع، الجزيرة نت، تاريخ النشر 1 ديسمبر 2014.
[38] عبدالحميد عوض، نافع نافع: رجل الحزب الحاكم بالسودان يفشل في “لحس الكوع” ويرفع الراية، العربي الجديد، تاريخ النشر 12 أكتوبر 2018.
[39] قضى فترة طويلة داخل أروقة الجهاز السوداني وهو متهم بأنّه صاحب «بيوت الأشباح» لتعذيب المعارضين في فترات سابقة من عهد «حكومة الإنقاذ»
[40] انقلاب صامت في السودان، موقع النيلين، تاريخ النشر 24 فبراير 2018.
[41] الرئيس السوداني يعيد (قوش) مديرا لجهاز الأمن والمخابرات، سودان تريبون، تاريخ النشر 11 فبراير 2018.
[42]من المظاهرات ضد غلاء الخبز إلى تنحية البشير.. عودة على 4 أشهر من الاحتجاجات في السودان، فرانس 24، تاريخ النشر 11 ابريل 2019.
[43] EXCLUSIVE: Sudanese spy chief ‘met head of Mossad to discuss Bashir succession plan’, middleeasteye, link
[44] America’s plan B if Bashir is toppled, africaintelligence, link
[45] مظاهرات السودان: ما هو تحالف إعلان الحرية والتغيير وما هي مطالبه؟، بي بي سي عربي، تاريخ النشر 25 أبريل 2019.
[46] ما هو تجمع المهنيين السودانيين؟، الحرة، تاريخ النشر 11 أبريل 2019.
[47] “نداء السودان”. تحالف فسيفسائي لحل أزمة البلاد، الجزيرة نت، تاريخ النشر 10 أكتوبر 2016.
[48] عماد عنان، تقرير فض اعتصام الخرطوم.. العسكري يبرئ نفسه والمعارضة ترفض، نون بوست، تاريخ النشر 28 يوليو 2019.
[49] أهم بنود الاتفاق السياسي في السودان، سبوتنيك، تاريخ النشر 17 يوليو 2019، الرابط
[50] حزب الأمة القومي يجمد أنشطته بقوى “الحرية التغيير، الأناضول، تاريخ النشر 23 أبريل 2020.
[51] للاطلاع على سيرته الذاتية انظر، من هو عبد الله حمدوك، رئيس وزراء السودان؟، بي بي سي عربي، تاريخ النشر 22 أغسطس 2019.
[52] السودان: هل نجحت الحكومة الانتقالية في التعامل مع القضايا الملحة؟، بي بي سي عربي، تاريخ النشر 28 يوليو 2020.
[53] تحديات الحكومة الانتقالية في السودان، مجلة البيان، الرابط
[54] Sudan Ousted a Brutal Dictator. His Successor Was His Enforcer,NEW YORK TIMES, DATE OF PUBLISH 15 JUNE 2019, LINK
[55] Bad company: How dark money threatens Sudan’s transition, Jean-Baptiste Gallopin, date of publish 9 june2020
[56] أُنشئت عام 1993، وتهدف إلى الإسهام الفاعل في أداء الواجب المفروض على المواطنين تجاه المجاهدين وفاءً وتقديرًا وخلافةً في الأهل وذلك بتبني أســر الشهداء ورعايتهم والعناية بهــم و إعانتهم على الاستقرار
[57] حميدتي يسلم البنك المركزي (170) مليون دولار، اليوم التالي، الرابط
[58] سميحة دعاس، الصراعات والحـــــــروب الأهلية في الســــودان دارفورـ نموذجاـ، جامعة محمد خيضر بالجزائر، تاريخ النشر 2014
[59] للاطلاع على تطورات الأزمة انظر، أزمة دارفور من 2003 إلى 2016، الجزيرة نت، تاريخ النشر 7 سبتمبر 2016.
[60] دارفور، الجزيرة نت، تاريخ النشر 19 نوفمبر 2014.
[61] للمزيد، انظر التقرير الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تاريخ الإصدار يناير 2020.
[62] أهم ملامح الاتفاق الأمني بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في دارفور، العربي الجديد، تاريخ النشر 29 أغسطس 2020.
[63] السودان: كيف تحقق اتفاق السلام مع حركات التمرد وما آفاقه المستقبلية؟، بي بي سي عربي، تاريخ النشر 11 سبتمبر 2020.
[64] يتكون إقليم الشرق من 3 ولايات (القضارف والبحر الأحمر وكسلا).
[65] التطبيع: لماذا يسعى دونالد ترامب إلى عقد صداقة بين السودان وإسرائيل؟، بي بي سي عربي، تاريخ النشر 9 أكتوبر 2020.
[66] السودان يسحب جنسيته من خالد مشعل، الخليج الجديد، تاريخ النشر 16 ديسمبر 2020.
[67] واشنطن تشطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بي بي سي عربي، تاريخ النشر 14 ديسمبر 2020.
.
رابط المصدر: