اقليمي ودولي جذور الجيش الإماراتي

مقدمة

منذ قرون عديدة سكنت قبيلة القواسم في الشريط الساحلي للخليج العربي وخليج عمان، بينما سكنت قبيلة بني ياس في المناطق الصحراوية الداخلية. ومع ارتياد البرتغاليين للطريق البحري الواصل بين أوروبا والهند، بدأت الأساطيل الغربية تفد إلى الخليج العربي بحلول القرن السادس عشر للتحكم  في طريق المواصلات إلى الهند. ودارت بين البرتغاليين والقواسم – الذين يحكمون حاليا إمارتي الشارقة ورأس الخيمة – معارك شرسة، ثم حلت بريطانيا محل البرتغال في القرن الثامن عشر. وخلال الفترة الممتدة من 1809 إلى 1819 دارت بين البريطانيين والقواسم حروب متعددة انتهت بانتصار بريطانيا، وتدميرها لرأس الخيمة، وعجمان، والشارقة، وأم القيوين، فضلا عن دبي[1].

أما في الأراضي الداخلية؛ فقد تمركزت قبائل بني ياس في القرى المتاخمة لواحة (ليوا). وفي عام 1761 انتقل شيخ عشيرة آل بوفلاح – التي ينتمي إليها آل نهيان، والمنحدرة من بني ياس إلى أبو ظبي بعد اكتشاف وجود مياه عذبة بها. وفي أوائل القرن التاسع عشر استقر عدد من أبناء عشيرة البوفلاسة – المنحدرة من بني ياس – في خور دبي، وأسسوا حكم آل مكتوم في الإمارة[2].

بعد هزيمة القواسم عقدت بريطانيا سلسلة من الاتفاقيات خلال القرن التاسع عشر مع شيوخ إمارات الساحل، وأصبحت المنطقة التي تضم كلا من أبو ظبي، ودبي، والبحرين، وقطر، ورأس الخيمة، وأم القيوين، وعجمان، والشارقة، تعرف بالإمارات المتصالحة، ووفقاً لتلك الاتفاقيات؛ تعين على المشيخات المتصالحة ضمان أمن الملاحة في الخليج، والامتناع عن بناء سفن الكبيرة أو إنشاء تحصينات على طول الساحل، والتعهد بعدم الدخول في اتفاقيات أو إجراء اتصالات مع أي قوة أو دولة أخرى عدا الحكومة البريطانية في مقابل نيلهم للحماية البريطانية. وبذلك تحكمت بريطانيا بالشؤون الخارجية والدفاعية لإمارات الساحل المتهادن.

نواة الجيش الإماراتي

 تعود جذور الجيش الإماراتي إلى قوة (مجندي ساحل عمان) التي تشكلت وفق المرسوم الملكي البريطاني رقم 1 لعام 1951، والخاص بنظام الإمارات المتصالحة[3].

وقد تكونت تلك القوة من قائد بريطاني برتبة رائد يدعى هنكن تيرفن، و35 جنديا عربيا، ثم تغير اسمها عام 1956 ليصبح (كشافة ساحل عمان) في ظل ازدياد حجمها ليصبح 5 سرايا تضم 150 ضابطا وجنديا بريطانيا، و500 عسكري

عربي[4] تحت قيادة ضابط بريطاني برتبة عقيد. وتمثل دور تلك القوة في الحفاظ على النظام والأمن في الإمارات المتصالحة، وتوفير الحماية للمندوبين السياسيين البريطانيين، والوفود البريطانية الزائرة للمنطقة، والمنقبين عن النفط. أما

تدريب عناصر القوة فكان يجري في القاعدة البريطانية بالشارقة. وكانت ترفع تقاريرها إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج، وتمركز مقرها الرئيسي في البحرين.

صورة لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد رفقة الضابط البريطاني جون ماكميلان أحد قادة قوة ساحل عمان أثناء استضافته في الإمارات في عام 2012

عقب بدء تصدير النفط من أبو ظبي في عام 1962، بدأ العمل على تأسيس مؤسسة عسكرية حقيقية، فقام حاكم أبو ظبي آنذاك الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان بتشكيل (قوة دفاع أبو ظبي) في عام 1965. وسبق في أواخر عام 1964 أن دفعت قوة (كشافة ساحل عمان) بضابطين إلى الشيخ شخبوط، هما العقيد تاج ويلسون والنقيب تشارلز وينتنير، ليشغلا منصبي القائد المؤسس لقوة دفاع أبو ظبي، ونائب القائد، على التوالي[5].

وعقب تولي الشيخ زايد لإمارة أبو ظبي إثر عزله لشقيقه في عام 1966 اتفق مع بريطانيا على السماح بالتحاق من يريد الانضمام من عناصر قوة ساحل عمان إلى قوة دفاع أبو ظبي، والتي اقتصرت مهامها آنذاك على المساهمة في حل النزاعات القبلية والمشاكل الداخلية. وتمت الاستعانة بضباط من الجيش الأردني لتأهيل عناصر قوة دفاع أبو ظبي التي بلغ عددها 3 آلاف عنصر. كما جرى تأسيس جناح الجو في قوة دفاع أبو ظبي في عام 1968 بقيادة العميد الباكستاني

آياز أحمد خان[6]. وكان يضم آنذاك سرب طائرات مقاتلة، وسرب طائرات نقل، وعددا من الطائرات المروحية. بينما كان يتدرب الطياريون في الخارج، وبشكل خاص في أكاديمية الطيران العسكرية الباكستانية[7].

وعقب إعلان بريطانيا في يناير 1968 قرارها بسحب قواتها وإلغاء حمايتها للإمارات المتصالحة بحلول نهاية عام 1971؛ بدأت مشاورات لتأسيس اتحاد بين إمارات الساحل المتهادن، وفي عام 1968 طلب شيوخ الإمارات من بريطانيا المساعدة في إعداد دراسة تمهيدية لتنظيم الدفاع عن الاتحاد، فرشحت لندن مجموعة من الخبراء العسكريين البريطانيين بقيادة الجنرال جون ويلوبي.[8].

ورغم إعلان الاتحاد الإماراتي عام 1971، والمكون من خمس إمارات – قبل أن تنضم إليهم رأس الخيمة مطلع عام 1972، ظلت لكل إمارة قوتها العسكرية المستقلة، إلى أن صدر قرار رئاسي مبدئي في عام 1975 يقضي بتوحيد القوات المسلحة لإمارات الاتحاد، واختصاص السلطة الاتحادية بالمسؤولية عن استيراد الأسلحة وعقود الشراء والتسليح[9]. وتم تعيين الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وزيرا للدفاع.

وفي 6 مايو 1976 صدر قرار من المجلس الأعلى للاتحاد بتوحيد القوات المسلحة تحت قيادة واحدة وعلم واحد، وإنشاء قيادة عامة للقوات المسلحة، على أن يكون رئيس الدولة بحكم منصبه هو القائد الأعلى للجيش. وشُكلت القوات المسلحة الإماراتية وفق التالي:

1- المنطقة الغربية؛ وتتكون من قوات برية لإمارة أبو ظبي.

2- المنطقة المركزية الوسطى؛ وتتكون من قوات برية لإمارة أبو ظبي.

3- المنطقة الشمالية؛ وتتكون من قوات برية لإمارة رأس الخيمة.

4 – فرقة اليرموك؛ وتتكون من قوات الاتحاد إلى جانب الحرس الوطني في إمارتي الشارقة وأم القيوين.

5-القوات الجوية.

6-القوات البحرية.

7- مراكز التدريب الرئيسية؛ وتتكون من كلية زايد العسكرية، ومدراس المشاة، والصاعقة، والمدفعية، والمدرعات، والتموين والنقل، والصيانة العامة، وغيرها من المدارس العسكرية [10].

وفي عام 1978 صدر قرار رئاسي بدمج القوات البرية والجوية والبحرية على جميع المستويات، وإلغاء قيادات المناطق العسكرية، وتحويلها إلى ألوية ترتبط مباشرة بالقيادة العامة للقوات المسلحة. كما أصدر رئيس الدولة الشيخ زايد قرارا بتعيين نجله سلطان قائدا عاما للقوات المسلحة، وهو ما رفضه حاكم دبي الشيخ راشد آل مكتوم، حيث وصف القرار بأنه قرار انفرادي صدر دون الرجوع لوزير الدفاع آنذاك محمد بن راشد. وانتهت الأزمة بتشكيل مجلس عسكري يرأسه وزير الدفاع وينوب عنه القائد العام للقوات المسلحة. ورغم ما سبق، فقد ظلت إمارة دبي حتى سنوات قريبة تحتفظ بقوات عسكرية تتشكل من لوائي مشاة ميكانيكي – حسب تقرير التوازن العسكري الصادر عام 2010 عن (المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، IISS)[11].

حدثت تلك التطورات في تكوين الجيش الإماراتي خلال حقبة اتسمت فيها قدرات الإمارات بالمحدودية، وهو ما عبر عنه الكاتب فلينيون قائلا عقب زيارته لأبو ظبي عام 1965: (لم تكن هناك ياردة واحدة من طريق عام ممهد في جميع أنحاء أبو ظبي، وكان مجرى الطائرات عبارة عن ممر ضيق من الرمال التي تمت تسويتها، ومكتب للهجرة والجوازات، وسيارة لاند روفر)[12]. وكذلك عجزت السلطات عن طباعة مجلة عسكرية لقوة دفاع أبو ظبي في عام 1971 لعدم توافر مطابع بالإمارات. واعتمدت بدلا من ذلك على طباعة المجلة بالكويت ولبنان[13]. أما الجيش الإماراتي فقد أجرى أول مناورة بالذخيرة الحية في تاريخه في فبراير من عام 1978.

ولكن مع الثورة النفطية، وتزايد التحديات الإقليمية – بالأخص مع اندلاع الثورة الإيرانية، وغزو العراق للكويت في عام 1990 – تسارعت وتيرة تطوير الجيش الإماراتي، حيث صار يتشكل حاليا من عدة فروع تشمل؛ القوات البرية، والبحرية، والجوية والدفاع الجوي، وحرس الرئاسة، والطيران المشترك، والدفاع الكيميائي، والإمداد المشترك.

ويوضح الجدول التالي تطور تعداد وتوزيع الجيش الإماراتي:

الفرع 1979 1989 2010 2018
قوات برية 23500 40000 44000 44000
قوات بحرية 900 1500 2500 2500
قوات جوية ودفاع جوي 750 1500 4500 4500
حرس رئاسي 12000
الإجمالي 25150 43000 51000 63000

تطور تعداد وتوزيع الجيش الإماراتي[14]

وخلال العقدين الأخيرين اهتمت الإمارات بتطوير سلاحها الجوي والبحري، ومنظومات الدفاع الصاروخي، وذلك ردا على تزايد القدرات الصاروخية الإيرانية، وبروز تهديد التنظيمات العابرة للدول؛ مثل تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، وحرصها على حماية الممرات البحرية الاستراتيجية في بحر العرب والمحيط الهادئ. ومع اندلاع ثورات الربيع العربي، وتخوف النظام الإماراتي من امتداد شرارة الثورات إلى أراضيه، أصدر ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الفريق أول محمد بن زايد توجيها في فبراير 2011 بإنشاء حرس للرئاسة، ليعمل كقوة ضاربة تضم قوات برية وجوية وبحرية [15]. وقد عُهد بقيادة الحرس إلى الجنرال الأسترالي مايكل سيمون هندرمارش، الذي تولى سابقا منصب قائد القيادة المشتركة للعمليات الخاصة في الشرق الأوسط بالجيش الأسترالي.

تتسق تولية جنرال أسترالي منصب قائد الحرس الرئاسي مع التقليد الإماراتي العسكري الذي يعتمد على المكون الأجنبي المحترف في تأسيس الفروع العسكرية والمؤسسات الجديدة لحين اكتساب الخبرات الوطنية اللازمة، ومن ثم يجري استبدال الأجانب بإماراتيين. أما على مستوى قيادة الجيش؛ فمع تزايد انخراط الإمارات في الصراعات العسكرية، وصعوبة الجمع بين مناصب الشيخ محمد بن راشد كرئيس للوزراء وحاكم لدبي ووزير للدفاع، استحدثت الحكومة الإماراتية في فبراير

من عام 2016 منصب وزير الدولة لشئون الدفاع. وشغل المنصب الجديد محمد البواردي، وهو حاصلٌ على درجة البكالوريوس في التاريخ والعلوم السياسية من جامعة لويس آند كلارك في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان يعمل وكيلا

لوزارة الدفاع. وجدير بالذكر أن منصب رئيس الأركان  هو الذى يمثل القيادة العسكرية الاحترافية للجيش الإماراتي، وهو منصب يشغله الفريق الركن حمد  الرميثي.

ومن خلال ما سبق يمكن القول بأن القوات المسلحة الإماراتية شهدت منذ نشأتها تطورا هائلا من جهة الكم والكيف، حيث زاد عددها من بضعة آلاف – تنتشر وسطهم الأمية – في سبعينات القرن المنصرم إلى 63 ألفا بحلول عام 2018 مدربين وفق أحدث مناهج التدريب بالكليات والمدارس العسكرية، ولكن تظل عوامل الهشاشة الداخلية؛ من قبيل محدودية عدد السكان، وعدم القدرة على تحمل خسائر عسكرية كبيرة، تمثل عقبات كبيرة أمام تحول الجيش الإماراتي إلى جيش فاعل بالمنطقة العربية.

 


[1] – ر.كليكوفيسكي، الإمارات العربية المتحدة، ط. 1 (شركة قولي، 1985)، ص18.

[2] – الإمارات العربية المتحدة – الكتاب السنوي 2013، ط.1 (أبوظبي، المجلس الوطني للإعلام)، ص(10، 11).

[3] – مجلة درع الوطن، مديرية التوجيه المعنوي بالقيادة العامة للقوات المسلحة الإماراتية، العدد 483، إبريل 2012، ص92.

[4] – المرجع السابق،  ص (15- 18).

[5] – Davidson, Abu Dhabi: Oil and Beyond (2009), p. 144.

[6] – مجلة درع الوطن، العدد 522، يوليو 2015، ص104.

[7] – انظر: مجلة درع الوطن، العدد 508، مايو 2014، ص106.

[8] – للمزيد عن دور بعثة الخبراء البريطانيين والتقرير الذي رفعته؛ انظر: نجم الدين عبد الله حمودي، قيام دولة الإمارات العربية المتحدة: مذكرات ودراسات، ط.1 (أبو ظبي، دار ابن دسمال، 2004)، ص (523-531).

[9] – جمال زكريا قاسم، تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر، المجلد الخامس، ط.1، (دار الفكر العربي) ص220، 320.

[10] – جمال زكريا قاسم، المجلد الخامس، ص225.

[11] –THE MILITARY BALANCE– THE ANNUAL ASSESSMENT OF GLOBAL MILITARY CAPABALITIES AND DEFENCE ECONOMICS- THE INTERNATIONAL  INSTITUTE FOR  STRATIGIC  STUDIES, 2010- Page )275).

[12] – مجلة درع الوطن، العدد 535، أغسطس 2016، ص84.

[13] – مجلة درع الوطن، العدد 487، أغسطس 2012، ص25.

[14] – اعتمدنا في الأرقام المذكورة بالجدول عن أعوام 1979، 1989 على البيانات الواردة عن الجيش الإماراتي في دراسة :

Anthony H.Cordesman, Military Balance in the Middle East-XIII, (Center of strategic international studies, 28 December 1998) page42.  27

بينما الأرقام الخاصة بعامي 2010، 2018 فنقلا عن تقرير التوازن العسكري الصادر عن (المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، IISS) في عامي 2010، 2018.

[15] – مجلة درع الوطن، العدد 498، يوليو 2013، ص93.

 

رابط المصدر:

https://capitalforum.net/%d8%ac%d8%b0%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa%d9%8a/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M