إعداد الطالب: زعـفـري مـراد، من مذكرة مكمّلة لنيل شهادة الماستر في القانون العام الداخلي تحت عنوان: السلطة السياسية بين مبدأ الشورى ومبدأ الديمقراطية، جامعة جيجل 2014-2015
تعتبر المؤسسة السياسية في أيّ نظام سياسي العَصَب الرّئيسي الذي تقوم الدولة من خلاله بتنظيم السلطة السياسية، حيث تُعَد المؤسسة التشريعية والتنفيذية والقضائية آليات قانونية لا غِنى عنها في أيّ نظام سياسي.
وممّا لا شك فيه، أنّ طريقة ممارسة السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية لمهامها ووظائفها تختلف بإختلاف الأسس الدستورية التي يقوم عليها هذا النظام أو ذاك، حيث تؤثر هذه الأسس تأثيرا كبيرا وبارزا على كيفية ممارسة السلطة السياسية ومؤسساتها السياسية الدستورية.
من هنا، كان التباين والإختلاف واضحا جليًّا بين المؤسسة السياسية الدستورية في النظام الإسلامي القائم على مبدأ الشورى وبين المؤسسة السياسية الدستورية في النظام الديمقراطي الذي يرتكز على مبدأ الديمقراطية.
من هذا المنطلق، سأتطرّق في هذا الفصل إلى طريقة عمل السلطات الثلاث في كُلٍّ من النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي، بإعتبار هذه السلطات المِصْدَاق الأبرز للمؤسسة السياسية الدستورية، وذلك من خلال ثلاث مباحث هي:
المبحث الأوّل: أتناول فيه السلطة التشريعية بين النظام السياسي الإسلامي والنظام الديمقراطي.
المبحث الثاني: وأتناول فيه السلطة التنفيذية بين النظام السياسي الإسلامي والنظام الديمقراطي.
المبحث الثالث: وأتعرّض فيه إلى السلطة القضائية في النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي.
الـمـبـحـث الأوّل: السلطة التشريعية بين النظام السياسي الإسلامي والنظام الديمقراطي
يقوم التشريع الديمقراطي ومقاصده على قواعد تخالف قواعد التشريع الإسلامي، ذالك أنّ التشريع الديمقراطي مبنيٌ على فكرة تأطير الحرّية الفردية ودعمها، في حين يجعل التشريع الإسلامي أفعال العباد مقيّدة بالحكم الشرعي[1].
من هنا، كان سَنّ السلطة التشريعية للقوانين في النظام الإسلامي محكوم بعدم الخروج عن ضوابط النصوص الشرعية والأخلاقية، وهو الأمر الذي لا تتقيّد به السلطة التشريعية في النظام الديمقراطي.
ذلك أنّ النظام الإسلامي يرى أنّ قبول تشريعات وأنظمة من غير الخالق يُعَدُّ في الحقيقة عبودية لغير الخالق وتقديسا له، وهذا ما فعلته الديمقراطية حينما فقدت التقديس والإحتياج للخالق ولجأت إلى تقديس الأمّة والشعب[2].
ولهذا تأخذ الآليات القانونية التي تمارِس السلطة التشريعية من خلالها وظائفها صبغة مختلفة في كلّ نظام على حِدَة.
من هنا سأتعرّض في هذا المبحث إلى إعطاء صورة عن السلطة التشريعية في كِلاَ النّظامَيْن من خلال ثلاث مطالب:
المطلب الأوّل: أتعرّض فيه إلى السلطة التشريعية في النظام الإسلامي.
المطلب الثاني: وأتعرّض فيه إلى السلطة التشريعية في النظام الديمقراطي.
المطلب الثالث: وأعقد فيه مقارنة موضوعيّة بين السلطة التشريعية في النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي.
المطلب الأوّل: السلطة التشريعية في النظام السياسي الإسلامي.
في هذا المطلب سأتطرّق إلى تعريف السلطة التشريعية في النظام الإسلامي ( الفرع الأوّل )، ثم كيفية ممارستها ( الفرع الثاني )، ثم أتعرّض بعد ذلك إلى مجلس الشورى في النظام السياسي الإسلامي ( الفرع الثالث ).
الفرع الأوّل: تعريف السلطة التشريعية في النظام الإسلامي.
يُقصد من السلطة التشريعية، الأعضاء أو الهيئات التي يحق لها سنّ القواعد أو القوانين التي يلتزم الكافة بمراعاتها، أو بمعنى أقرب: هو من يتولّى مهمّة التشريع الملزِم في إقليم الدولة[3].
من خلال هذا التعريف، يمكن القول بأنّ سلطة التشريع في النظام السياسي الإسلامي تأخذ مَفهومَيْن حسب المعنى المقصود منها.
أمّا المعنى الأوّل فهو: إيجاد شرع مبتدأ، وأمّا الثاني فهو: بيان حكم تقتضيه الشريعة القائمة التي جاء بها القرآن الكريم[4].
فسلطة التشريع بالمعنى الأوّل ليست لغير الله تعالى، وذلك لقوله تعالى: { أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْر[5] }، ولقوله: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الَّلهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَيِّبَاتِ مِن الرِّزْق[6] }، وقوله سبحانه: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ الَّلهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ أَأَلَّلهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى الَّلهِ تَفْتَرُون[7] }.
وأمّا سلطة التشريع بالمعنى الثاني، فهو بيان حكم تقتضيه الشريعة القائمة، فهو الذي تولاّه رسول الله صلّى الله عليه وآله في بيان أحكام القرآن وتفسيرها وتطبيقها، قال تعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِم[8] }.
ثمّ تولّى ذلك بعد رسول الله، علماء الصحابة ثمّ خلفاءهم من بعدهم، بإعتبار أنّ المسلمين مُنَفِّذون للشريعة المنزّلة وعليهم أن يقوموا بأمورها ولا شكّ أنّ من أهمّ أمور القيام بالشريعة، التشريع للمسلمين فيما يَجِدُّ عليهم من أحوال بحكم تَغيُّر الظروف والبيئات والعادات في إطار الشريعة الإسلامية[9].
والتشريع بهذه الطريقة لا يكون إلاّ عن طريق الإجتهاد وبوسائله وشروطه المعروفة[10].
وقد كان المسلمون بَعيديّْ النّظر في الأمور والمسائل التي لم يَرِدْ فيها نَصٌّ شرعيّ، فما احتاجوا فيه إلى رأيّ يستند إلى الشريعة أعملوا رأيّهم واجتهدوا، وكان لاجتهادهم الأثر الواضح في حلّ كثير من المسائل التي استجدّت في المجتمع الإسلامي بعد ارتفاع الوحيّ، وَعُدَّ عملهم هذا تشريعًا للأمّة، وقيل على من قام به مُشَرِّعًا[11].
من هنا، فإنّ سلطة التشريع وتفسير نصوصها حتى يُعرف الوجه السليم من تطبيق تلك الأحكام وتنزيلها منزلتها من الشريعة وإجراء المصالح على وِفقها بعد وفاة رسول (ص آ)، فهذا الأمر يعتبر من التكليف الجماعي للأمّة الإسلامية[12].
وبعبارة أخرى، إنّ هذا الأمر يعتبر من الولاية العامّة للمسلمين الذين يجب عليهم أنْ يقوموا بتلك المهام بأنفسهم، أو أن يُوَلُّوا أفرادًا من بينهم يكون من مهامهم البحث والنّظر ـ الإجتهاد ـ، ثمّ التشريع للأمّة[13].
فليس هناك ما يمنع مِنْ أنْ يختصّ نفر من الأمّة بالتفقه والمعرفة في مَجالٍ معيّن من شؤون الحياة ليكونوا من أهل الخبرة[14]، لقوله تعالى: { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَهُوا فِي الدِّين[15] }.
وعلى هذا الأساس، يمكن القول بأنّ النظام الإسلامي له مجلس تشريع أو سلطة تشريعية، وهو ما يُطلق عليه بمجلس الشورى، له سلطة النظر فيما يَعْرُضُ على المسلمين من وقائع وأحداث ليبحث عن الأحكام التي ينبغي أن تعطى لها وِفق الضوابط الشرعية، وتعتبر الأحكام الصادرة عنه مُلزِمة، و أنّ هذا المجلس ليس له أنْ يخالف الأحكام التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والأحكام التي انعقد عليها إجماع المسلمين[16].
الفرع الثاني: كيفية ممارسة السلطة التشريعية في النظام الإسلامي.
أَوّلاً: كيفية ممارسة جمهور الأمّة للسلطة التشريعية.
تعتبر الأمّة الإسلامية هي المخوّلة بالقيام بالتشريع، ومعنى الأمّة هنا جمهورها القادرين على المساهمة في الإقتراح والمناقشة والتنفيذ، كما يحق للأمّة الإسلامية أنْ تنيط مهمّة التشريع إلى جماعة منها تثق في حسن رأيّهم ونصحهم للمسلمين، كيف لا والأمّة قد منحت السلطة لفرد منها وهو الخليفة ـ رئيس الدولة ـ، فأعطته حق إمضاء الأحكام فيها، والفصل في الخصومات ودعوة المةأمّة للجهاد نيابة عنها[17].
وجمهور الأمّة يضمّ أهل الإختصاص والعلماء والعوامّ، لذلك – عَادَةً – ما تتمّ المشاورة في أمور عامّة ومصالح تهمّ الغالبية من جماعة المسلمين ليتخذوا بشأنها رأيًّا يَروْنه صوابًا، ويبقى بعد ذلك التنفيذ لمن هم مختصّون به ليبحثوا أفضل السبل في تنفيذ رأيّ جمهور المسلمين، فالأمّة تبحث أسُسًا عامّة لإنشاء التدابير ولا تتدخل في التفاصيل، فذلك شأن أهل الإختصاص[18].
فمثلاً، إذا اتفق جمهور الأمّة على إعلان الحرب أو على إنشاء الرّي والعمران فإنّهم إنّما يقرّرون ذلك من خلال أفكار عامّة، وتبقى صياغة ذلك الأمر وبحثه ودراسته بتفاصيله وجُزئياته لأهل الإختصاص[19].
وقد كان جمهور الأمّة من سلف المسلمين، يمارسون ذلك بالتشاور عن طريق ما يلي:
1- دعوة المسلمين إلى المسجد.
فقد كان الخلفاء إذا حدث أمر يستدعي أنْ يُشاوروا فيه المسلمين ـ جمهور الأمّة ـ دعوا الناس إلى المسجد عن طريق النداء إلى الصلاة جامعة، وبعد الصلاة يطرحون عليهم ما يريدون بحثه وأخذ الرأيّ فيه، ثم يتولّى الناس النقاش، ولمن أراد منهم الكلام في الموضوع أنْ يُدلي برأيّه[20].
2- الدعوة إلى الإجتماع في مكان غير المسجد.
وذلك في حالة ما إذا كان الإجتماع لا يتيّسر داخل المسجد لضيق حجمه، لذالك كانت الدعوة إلى الإجتماع تتمّ خارجه أحيانا، فَيُطرَحُ على المسلمين الموضوع ثم يبدأ النقاش، ومن ثَمَّ يكون الرأيّ الذي ينبثق عنهم[21].
3- دعوة المسلمين إلى الإجتماع جماعات جماعات.
وذلك بأنْ يقوم الخليفة بطرح موضوع ما على جماعة من المسلمين، ثُمَّ بعدهم ينادي جماعة آخرين، وهكذا دون أنْ يجمع المسلمين معًا في مكان واحد، وفي هذه الطريقة يتمكّن الخليفة من معرفة رأي المسلمين عن طريق تقسيمهم إلى جماعات. فمثلا عندما إحتاج المسلمون لإستحداث الدواوين جمع الخليفة عمر لإستشارة المهاجرين والأنصار ثمّ إستشار مسلمة الفتح[22].
4- مشاورة أهل الأقاليم في أقاليمهم.
حيث كانت تجري مشاورة سكان الأقاليم في أقاليمهم، ثم يبعثون بالوفود محمّلة بأرائهم حول ما يُطرح عليهم من مواضيع[23].
5- الإقتراح على الخليفة.
وذلك في حالة ما إذا كان هناك موضوع من المواضيع ترى الجماعة أو أحد الأفراد فيها أنها تعالَج بأوامر من الخليفة، وتحت إستشارة المسلمين، كما حصل مع المغيرة بن شعبة الذي اقترح على عمر بن الخطاب أنْ يؤرِّخ للناس، فعملوا التاريخ الهجري[24].
ثانيًا: كيفية ممارسة أصحاب الشورى للتشريع.
تتمّ ممارسة أصحاب الشورى للتشريع من خلال آليات تتمثل فيما يلي:
1ـ طرح الإقتراح.
يعتبر طرح الإقتراح من قِبَلِ أصحاب الشورى أمرًا مُتَعَيَّنًا بمالهم من مزية القرب من مجريات الأمور في الدولة، وكان أهل الشورى يقترحون على الخليفة فُرادى أو جماعة أن يقوم بتدبير ما، كما يَعرضون عليه الحوادث التي جرت على الأمّة في أقاليم الدولة طلبًا للحكم الشرعي. وحينئذ يقوم الخليفة بطرح الموضوع إمّا على جمهور الأمّة أو على أهل الشورى الذين معه بالمدينة حسب الأحوال وبما يستلزم موضوع البحث.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ طرح مواضيع الشورى لم تكن من خلال إجراءات رسمية كما هو جارٍ في هذا العصر[25].
2- المناقشة أو تبادل الرّأي.
يُقصد من المناقشة تبادل الرأيّ بين الناس و إبراز وُجهات النظر فيما بينهم، وفيها يشير كلّ واحد برأيّه في الموضوع المطروح للنقاش[26]. وقد كانت المناقشة تجري بين أهل الشورى جماعات وأفرادًا. وكان الخليفة عادة ما يشارك معهم في المناقشة بإعتباره المسؤول عن التنفيذ، كما أنّه من أهل الرأيّ والنظر في الأمّة، فمن حقه بل من واجبه أنْ يكون حاضرًا فيها[27].
وقد كان طرح الإقتراح وإجراء النقاش حوله في النظام الإسلامي يخضع للتمحيص ولمبدأ الشرعية قبل إجراء النقاش في أيّ موضوع يُطرَح سواء على الأمّة أو على أهل الشورى منها
ثالثا: كيفية النقاش وأسسه.
تقدّم الكلام عن أنّ الشورى لا تكون إلاّ في الأمور التي يجوز فيها البحث والنظر وإعطاء الرأيّ الخاضع لمبدأ الشرعية، فإذا كان موضوع البحث كذلك، يتمّ عرضه على:
1- جمهور الأمّة الإسلامية الحاضرين.
وذلك فيما إذا كانت الحادثة من الأمور العامّة وتستدعي مشاركة الأمّة ليقول الجمهور فيها رأيّه الذي يراه[28].
2- أهل الشورى.
وذلك فيما إذا كانت الحادثة ممّا يُحتاج فيها إلى خبرة أو علم خاص، وفي هذه الحالة يطرح الخليفة الموضوع على أهل الشورى في ذالك المجال. فقد كان الخليفة عمر بن الخطاب إذا وَرَدَتْ عليه مسألة في الفقه توجّه إلى عليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، و ابن عبّاس، ونحوهم. و إذا كانت المسألة حربية توجّه بها إلى أرباب ذلك الفهم، وهكذا[29]. وإذا إتفق أهل الشورى على رأيّ أخذ الخليفة بما إتفقوا عليه وأنفذه.
وهنا يجدر التنبيه إلى أنّ أهل الشورى حينما ينظرون في موضوع ما فإنّهم يأخذون القواعد القانونية في التشريع الإلهي على هذا النحو:
– القرآن الكريم: بإعتباره التشريع الإلهي الذي لا يجوز مخالفته.
– السُنّة النبوية: التي سنّها رَسول الله صلّى الله عليه وآله، وهي وحيّ غير متلو.
– الإجماع: وهو ما يُجمع عليه أهل الإجتهاد بعد البحث والنظر في المسائل.
– العمل بما أجمع عليه أغلب الأراء عند النقاش في الأمور العامّة ـ السياسية ـ[30].
الفرع الثالث: مجلس الشورى في النظام الإسلامي.
لا يكاد يخلو بَحْثٌ لمعاصر أعطى رأيّه في نظام الشورى الإسلامي إلاّ وأَقَرّ بأنّه لا بُدّ من نظامٍ لمجلس الشورى، لِأنّه إذا كانت الأنظمة الديمقراطية في العالم قد أنشأت لأهل الرأيّ مجلسا خاصا يتداولون فيه شؤون الأمّة، بحيث لا تكاد تخلو دولة معاصرة من ذالك، فإنّ الأمّة الإسلامية التي إستوعبت فكرة التشاور ممّا يليق بها أنْ يكون لها مجلس يجتمع فيه أهل الرأيّ للبحث في شؤون المسلمين[31].
و إذا رجعنا إلى سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله، نجد أنّ مجلس الشورى كان موجودًا في نظام الحكم، و إنْ لم تُطلق هذه التسمية بلفظها، فقد طلب رسول الله من الأنصار يوم [ بيعة العقبة الثانية ] بعد أنْ بايعوه، أنْ يختاروا من بينهم نُقَباء يرجع إليهم في أخذ الرّأي، فقال لهم صلّى الله عليه وآله:
<< أخرِجوا إلَيَّ منكم إثنيّ عشر نقيبًا[32]*، يكونون على قومهم بما فيهم >>.
قال كعب بن مالك: << فأخرجوا منهم إثنيّ عشر نقيبا، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس[33] >>.
وعلى هذا، كان هؤلاء يُمثّلون مجلس شورى الأنصار من أجل رعاية شؤونهم أمام رسول الله صلّى الله عليه وآله في مسائل الحكم والإدارة.
وعندما تأسّست الدولة الاسلامية الأولى في المدينة المنورة، بادر رسول الله إلى تشكيل أوّل مجلس للشورى في الدولة يتكوّن من المهاجرين والأنصار، فهم أعضاء مجلس الشورى في عهد الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، وهذا العمل السياسي في تشكيل جماعة للتشاور دليل على مشروعية وجود مجلس للشورى[34].
أَوّلاً: أحكام عضوية مجلس الشورى.
يحق لكلّ من يعيش في ظلّ الدولة الاسلامية ويخضع لأحكام الإسلام ويحمل جنسية الدولة الإسلامية أنْ يكون عضوًا في مجلس الشورى، إذا كان بالغا عاقلا، سواء كان رجلا أم إمرأة، مسلمًا كان أم غير مسلم، وذلك لأنّ مجلس الشورى وكيل عن الناس في إعطاء الرّأي فقط، وليس له صلاحية التشريع، لأنّ السيادة في نظام الحكم الإسلامي ليست للشعب و إنّما هي للشرع، ومادام مجلس الشورى وكيلا في الرّأي، فمن حق الناس في الدولة الإسلامية أنْ يُوَكِّلُوا من يشاؤون ممّن هم أهلاً للوكالة[35].
ولعضوية مجلس الشورى أحكام تتمثل فيما يلي[36]:
1- أنْ يكون أعضاء مجلس الشورى منتخَبون من قِبَلِ الأمّة، ولا يصح أنْ يكونوا معيّنين من قِبَلِ رئيس الدولة تعيّينًا، وذالك لأنّهم وُكلاء عن الناس في الرّأي، والوكيل إنّما يختار موكّله. وعلى هذا فإنّ أعضاء مجلس الشورى لا يكونون أعضاء إلاّ بإختيار الأمّة عن طريق الإنتخاب.
2- أنْ يكون عضو مجلس الشورى مقيما في دار الإسلام، فالمسلم الذي يقيم في غير دار الإسلام إقامة دائمة يكون خاضعا لقوانينها وأحكامها، تابعا لها، فلا يكون له حق الشورى.
3- جواز عضوية غير المسلم، وذالك حتى يتسنى له أنْ يُبدي رأيّه في القانون الذي يسنّه مجلس الشورى، وفيما يَلْحَقُهُ من ظلم الحاكم، ولذالك كان له أنْ يوكِّل عنه من يشاء في الرّأي، مسلما أو غير مسلم، و أن يكون وكيلا عن جماعته و قومه، ذالك أنّ إنتخاب غير المسلم في مجلس الشورى لم يَرِد دليل من الشرع بتحريمه أو منعه.
4- جواز عضوية المرأة، حيث يجوز للمرأة شرعا أنْ تعطي رأيّها للخليفة، لذالك يجوز للمرأة أنْ تكون عضوًا في مجلس الشورى. والدليل على ذلك أنّه لم يَرِد في الشرع أيّ دليل على تحريم إنتخاب المرأة عضوًا في مجلس الشورى، فدلّ على أنّه مباح.
فضلاً عن ذلك ،فإنّه لما فرِغ رسول الله (ص آ) من صلح الحديبية، أمرهم أنْ ينحروا ويحلقوا فرفض المسلمون جميعا ذلك، فدخل على زوجه أم المؤمنين أم سلمة (رض) وأخبرها بما صنعه المسلمون، فأشارت عليه أنْ يخرج وينحر ويحلق، فأخذ برأيّها وفعَل كما قالت له، فهبّ المسلمون ينحرون ويحلقون[37]. وهذا دليل على حق المرأة في الشورى، وأنّ رسول الله (ص آ) كان يُشاور النساء.
ثانيًا: صلاحيات مجلس الشورى.
يتمتع مجلس الشورى الإسلامي بمجموعة من الصلاحيات تتمثل فيما يلي:
1ـ التشريع فيما لا نصّ فيه.
وهي ما يُعَبَّرُ عنها بمنطقة الفراغ في الفقه السياسي الإسلامي، والتي يمكن ملؤُها من خلال التشريع الصادر من مجلس الشورى في إطار القواعد والضوابط الثابتة في نظام الحكم الإسلامي بما لا يتنافى مع القواعد العامّة لهذا النظام.
2- الرّقابة على دستورية القوانين.
لمجلس الشورى بصفته وكيلا عن الأمّة في الرّأي، حق مراقبة أعمال الدولة في جميع المجالات لمنع وقوع سوء تطبيق الأحكام الإسلامية، وكذلك ما يقوم به رئيس الدولة من أعمال السياسة الداخلية، كالحكم والتعليم والصحة، والإقتصاد وسنّ القوانين وإصدار الدستور، أو السياسة الخارجية، والسياسة المالية، ورعاية شؤون الجيش، فإنّ مجلس الشورى من حقه إبداء الرّأي في جميع الأمور. ذلك كلّه من أجل ضمان بقاء السيادة للشرع، وأنْ يكون النظام داخل الدولة وِفق الأحكام الشرعية[38].
3- حق المحاسبة.
مادام مجلس الشورى هو الوكيل عن الأمّة في الرّأي، والمحاسبة فَرْضٌ على المسلمين، فإنّ مجلس الشورى يملك صلاحيات مطلقة في محاسبة الحكام على جميع الأعمال داخل الدولة، سواء كانت من الأمور الداخلية أم الخارجية أم المالية أم العسكرية.
فمحاسبة الحكّام هي ركيزة من ركائز سيادة الأمّة المستندة إلى الشرع، كي يتقيّد الحاكم بالشريعة وهو يتوَلَّى رعاية شؤونها، وللأمّة الحق في محاسبة الحاكم بأيّة وسيلة تحقق ذلك، سواء من خلال ممثليها في مجلس الشورى، أم بالنصح مشافهة أم في نقد أعماله من خلال كلامٍ على منابر المساجد، وقد تكون المحاسبة منظَّمة بحيث تأخذ شكل إصدار الجرائد السياسية، أو في صورة تكوين أحزاب سياسية تكون مهمّتها محاسبة الحكام داخل مجلس الشورى أو خارجه كما في التجمعات الجماهيرية[39].
4- حق إظهار عدم الرّضا عن المعاونين والوُلاّة.
يمتلك مجلس الشورى إظهار عدم الرِّضا عن معاوني الخليفة( الوزراء) وعن الوُلاّة، لأنّ منصبهم ليس منصب الخليفة، فالخليفة يتولَّى مقاليد السلطة ببيعة المسلمين له، أمّا المعاونون والوُلاّة فإنّ الخليفة هو الذي يعيّنهم تعيّينًا، ورأي مجلس الشورى في ذلك ملزِم، وعلى الخليفة عزلهم في الحال[40]. ودليل ذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله عزل العلاء بن الحضرمي عامله على البحرين، لأنّ وفد[ عبس] شكاه. و أيضًا فإنّ عمر بن الخطّاب عزل سعد بن أبي وقاص عن الولاية لمجرّد الشكوى، وقال:
<< إنّي لم أعزله عن عجز ولا عن خيانة[41] >>. ولم ينكر عليه أحد من الصّحابة، فيكون إجماعا سكوتيا، على أنّ أهل الولاية لهم الحق في إظهار السخط من واليهم والمطالبة بعزله، وعلى رئيس الدولة أنْ ينزل عند رغبة المسلمين في ذلك بعزله من منصبه.
وإذا جاز ذلك لأهل الولاية، فكذلك يجوز لمجلس الشورى وهو وكيل عن جميع الولايات في الدولة أنْ يُظهر عدم الرّضا عن الوُلاّة أو المعاونين ـ الوزراء ـ، وعلى الخليفة أن يعزلهم[42].
المطلب الثاني: السلطة التشريعية في النظام الديمقراطي.
من خلال هذا المطلب سأتطرّق إلى السلطة التشريعية في النظام الديمقراطي، وذالك من خلال تعريفها ( الفرع الأوّل )، ثمّ الهيئات المخوّلة بالتشريع ( الفرع الثاني )، مع أخذ نماذج تطبيقية للسلطة التشريعية في هذا النظام ( الفرع الثالث ).
الفرع الأوّل: تعريف السلطة التشريعية في النظام الديمقراطي.
بما أنّ السلطة التشريعية هي عبارة عن هيئة تقوم بمهمّة التشريع الملزِم في إقليم الدولة.
من هذا المنطلق، يمكن القول بأنّ السلطة التشريعية في النظام الديمقراطي هي عبارة عن مؤسسة سياسية تختص في العادة بوظيفة تشريع القوانين[43].
وهذه المؤسسة السياسية قد تكون مجلسا برلمانيا نائبا عن الشعب كما هو حاصل في الأنظمة السياسية التي تمارس السلطة في ظل الديمقراطية غير المباشرة [ النيابية ]. كما قد تكون الأمّة أو الشعب نفسه هو من يمارس هذه السلطة كما هو حاصل في الديمقراطية المباشرة[44].
فالسلطة التشريعية في النظام الديمقراطي هي المسؤولة عن عملية التشريع والرّقابة على أداء السلطة التنفيذية، كما أنّها السلطة الممثّلة للشعب ومصالحه[45].
والمقصود من عملية التشريع هنا، أي القواعد القانونية الملزِمة التي تنظم تصرّفات الجماعة داخل كيان الدولة، وبالتالي فإنّ هذا التشريع لا يشمل اللوائح التنفيذية التي هي من إختصاص السلطة
التنفيذية، كما لا يشمل القواعد الدستورية[46].
وهناك عدّة تسميات للسلطة التشريعية في النظام الديمقراطي تختلف بإختلاف الدوّل، فمن هذه التسميات: مجلس الشعب، مجلس النوّاب، مجلس الأمّة، الجمعية الوطنية، الكونغرس، مجلس العموم … إلخ[47].
وعليه يمكن القول أنّ السلطة التشريعية في النظام الديمقراطي هي التي تمارس التشريع فِعليا من خلال الشعب نفسه أو المجالس النيابية أو من يُخوِّله الشعب هذه الصلاحية، فسنّ القوانين يتمّ بواسطة هيئات مخوَّلة قانونا بالتشريع، فالشعب أساسا هو من يضع القواعد الملزِمة أصالةً أو وكالةَ وِفق المنظور الحديث للسلطة التشريعية[48].
ومن الخطورة أن يتقلّد هذه السلطة فرد واحد وهو رئيس الدولة أو مجموعة قليلة من الأفراد، كما أنّه من العسير أنْ يتولىّ هذه المهمّة جميع المواطنين، من هنا فإنّ النظام الديمقراطي المعاصر إهتدى إلى حلٍّ مناسب، وهو إشراك المواطنين في إختيار أعضاء السلطة التشريعية إشراكا فِعليا حرًّا، حيث ينوبون عنهم لفترة محدودة في القيام بهذه المهمّة إلى جانب رئيس الدولة[49].
وتختلف طريقة تشكيل السلطة التشريعية من دولة إلى أخرى وفق الظروف الإجتماعية والسياسية والجغرافية الخاصّة بكل دولة. وعادة مايتطرّق دستور الدولة إلى تحديد شكل السلطة التشريعية وطريقة إنتخاب أعضائها. ووِفق النظام الديمقراطي يتمّ إنتخاب أعضاء السلطة التشريعية إنتخابا مباشرا من قِبَلِ المواطنين و لِفترات محدّدة، كما تتطرّق القوانين المُنَظِّمَة لعمل السلطة التشريعية بشكل تفصيلي إلى طريقة عمل النواب ومسؤولياتهم بما يُحقق خدمة المواطنين وحماية النظام الديمقراطي[50].
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ وجود الجهاز التشريعي في معظم النُظم السياسية المعاصرة لا يعني بأيّ حال من الأحوال أنّها تملك نفس القوّة والإختصاصات، فهي إمّا أنّها تتمتعبصلاحيات ومهام فِعلية كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية، و إمّا أنّها تمارس صلاحيات صورية وهامشية كما هو الحال في الأنظمة الشمولية[51].
الفرع الثاني: الهيئات المخوّلة بالتشريع في النظام الديمقراطي.
تعتبر المجالس النيابية الهيئات الأصلية التي تمارس وظيفة التشريع في النظام الديمقراطي، إلاّ أنّ وجود ضرورات فَسَحَ المجال للسلطة التنفيذية لممارسة بعض الأعمال المتصلة بهذه الوظيفة.
أَوَلاً: المجالس البرلمانية.
نظرًا لتعذُر إجتماع الشعب في هيئة جمعية تشريعية ليُقرِّرَ السياسة العامّة ويسنّ القوانين بسبب إزدياد مساحة الدولة القومية وإزدياد عدد السكان، فقد أصبحت المجالس البرلمانية أهمّ هيئة تقوم بالتشريع نيابة عن الشعب[52].
ويتكوّن المجلس البرلماني من مجلس واحد أو مجلسين، فهناك دول تتبنى نظام المجلسين وأخرى نظام المجلس الواحد، وهو ما سأتطرّق إليه بإيجاز:
1- نظام المجلس الواحد.
معناه أنْ يتولّى مهمّة الوظيفة التشريعية مجلس نيابي واحد، ويُطلق على هذا المجلس عدّة تسميات منها، مجلس النوّاب، مجلس الشعب، والمجلس الوطني[53].
ويتكوّن هذا المجلس من عدد من النواب يتمّ إختيارهم من طرف الشعب لينوبوا عنه ويتكلّموا باسمه في هذا المجلس، ومن خلال مجموع النوّاب في التقسيم الإداري للدولة يتكوّن المجلس النائب عن الأمّة[54].
ويُلاحظ أنّ الدوّل التي تأخذ بنظام المجلس الواحد، يتكوّن فيها المجلس النيابي عن طريق الإنتخاب، وهذا راجع لطبيعة النظام النيابي الذي يقتضي وجود برلمان منتخب من الشعب[55].
ومن المبرّرات التي جعلت بعض الدول تأخذ بنظام المجلس الواحد مايلي:
ــ أنّ نظام المجلس الواحد يؤدّي إلى تسهيل إجراءات التشريع وإبعادها عن التعقيد، ممّا يحقق السرعة في مواكبة تطور الحياة الإجتماعية.
ــ أنّ سيادة الأمّة وِحدة واحدة لا تتجزّأ بين مجلسين، من هنا كان لابدّ من مجلس واحد لتمثيل هذه السيادة.
ــ أنّ نظام المجلس الواحد يُخَفِفُ من الصراع والتصادم أثناء العمل التشريعي، خلافا لنظام المجلسيْن الذي ترتفع فيه إحتمالات ذالك، بسبب الإختلاف من حيث التشكيل والإختصاص، وهو ما يعزّز عمل السلطة التشريعية[56].
2- نظام المجلسين.
يُقصد به أنْ تكون مهمّة التشريع مُناطة بمجلسيْن يشتركان في تولِّي السلطة التشريعية[57].
وهناك عدّة مظاهر للإختلاف بين المجلسيْن النيابِيَيْن سواء من حيث التشكيل أو من حيث الإختصاص.
ـ فمن حيث التشكيل، فإنّ المجلس الأول الذي يُطلق عليه عادة مجلس النواب أو مجلس الشعب أو المجلس الوطني يتمّ تشكيله عن طريق الإنتخاب العام، بإعتباره ممثلاً لإرادة الشعب، في حين يتمّ تشكيل المجلس الآخر بطرُق متعدّدة مثل الوراثة أو التعيّين أو الجمع بين الإنتخاب والتعيّين، أو إنتخاب جميع أعضاء هذا المجلس بطريقة تختلف عن إنتخاب مجلس النوّاب[58].
ويختلف المجلسان من حيث عدد أعضاء كُلٍّ منهما، حيث يكون عدد أعضاء المجلس الشعبي أكثر من عدد أعضاء المجلس الآخر، كما يظهر الإختلاف بين المجلسيْن في شروط العضوية بكلٍّ منهما، وكذالك مدّة هذه العضوية التي تكون في المجلس الشعبي أقصر منها في المجلس الآخر[59].
ـ أمّا من حيث الإختصاص فإنّ المجلس الشعبي يتمتع بسلطات أوسع من المجلس الآخر، وذلك لأنّ المجلس الذي يُنتخَب مباشرة من قِبَلِ الشعب هو الذي يكون أَوْلَى بالتوسيع في إختصاصاته[60].
فمن جهة الأمور المالية فإنّ المجلس الشعبي يكون له حق إقتراح الضرائب أو زيادتها دون المجلس الآخر، كما تكون له الأولوية في مناقشة مشروع الميزانية[61].
ومن جهة الأمور التشريعية فإنّ حق إقتراح القوانين مقتصر على المجلس الشعبي، كما قد يكون له حق الإصرار على مشروع قانون معيّن بالرّغم من عدم موافقة المجلس الآخر[62].
أمّا من حيث الرّقابة على السلطة التنفيذية فإنّ المجلس الشعبي المنتخَب من قِبَلِ الشعب يكون مُخَوَّلاً وحده بمنح الثقة للحكومة وسحبها منها، وذالك بناءًا على أنّه يتمتع بحق مساءلة الحكومة سياسيا، حيث يمكنه مساءلة أي وزير في الحكومة[63].
كما تتضمّن أغلب الدساتير إعطاء الحق للمجلس الشعبي وحده توجيه الإتهام الجنائي إلى رئيس الدولة أو لأحد الوزراء في حالة كانت التهمة ذات علاقة بالوظيفة التي يقومون بها، من قبيل الخيانة العظمى و الإختلاس و إساءة استعمال السلطة[64].
ومن المبرّرات التي جعلت بعض الدوّل تفضّل الأخذ بهذا النظام ما يلي:
ــ ملاءمة نظام المجلسيْن لدولة الإتحاد الفدرالي كالولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا، فالمجلس الشعبي يمثل شعب دولة الإتحاد الفدرالي، أمّا المجلس الآخر فيمثل دويلات الإتحاد بغض النظر عن عدد سكانها أو مساحتها، وبذلك يتحقق التمثيل المتساوي لمختلف الدويْلات[65].
ــ السماح بتمثيل أصحاب الكفاءات والمصالح والطوائف المختلفة في المجتمع.
ــ منع إستبداد المجلس الشعبي بإعتبار أنّه حينما تكون السلطة التشريعية بيد مجلس واحد فإنّ ذلك قد يؤدّي إلى التعسف والإستبداد بها.
ــ منع التسرّع والخطأ في التشريع، عن طريق التدقيق في القوانين، والتأكّد من ملاءمتها لمتطلّبات المجتمع.
ــ التخفيف من حدّة النزاع بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، حيث أنّ وجود مجلسيْن يساعد على إحتواء الخلافات التي تظهر بين الحكومة وأحد المجلسيْن[66].
وقد نصّ الدستور الجزائري على نظام المجلسيْن، حيث تتولّى مهمّة السلطة التشريعية غرفتان، هما المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمّة[67].
ويمرّ التشريع في النظام الديمقراطي بخطوات إجرائية حتى يصبح قابلا للتنفيذ، وتتمثل هذه الخطوات فيما يلي:
أـ الإقتراح.
وهو اقتراح مشاريع القوانين، وهذا الحق منصوص عليه في صلب الدساتير المعاصرة[68]. وعلى كُلٍّ فإنّه بإقتراح مشروع القانون يصبح أساسا تدور عليه المناقشة، ويمرّ بالإجراءات المنصوص عليها عند تقديم الإقتراحات[69].
ب- مناقشة الإقتراحات.
عندما يُقدَّم المقترح إلى المجلس، سواء كان مقترحا من قِبَلِ النواب أم من الهيئة التنفيذية، فإنّه يُسَجَلُ في مكتب رئيس المجلس التشريعي، ثمّ يحيله رئيس المجلس إلى إحدى اللّجان المتخصصة من أجل بحثه و دراسته من عدّة وجوه، وإذا قرّرت اللّجنة صلاحية المقترح للمناقشة، يقوم المجلس بجدوَلته في جدول أعماله وتقديمه للمناقشة[70].
وعندئذ يبدأ أعضاء البرلمان ومختلف الأطراف في طلب الكلمات، ويقومون ببحث الموضوع ودراسته، ويتداولون بشأنه مداولة عميقة قد ينتج عنها إستدعاء أهل الخبرة أو إرسال مشروع القانون بكامله إلى لجان ذات إختصاص[71]. و أثناء المناقشة تُعطى الفرصة كاملة لكلّ عضو من أجل إبداء رأيّه، ولا يُقفل باب المناقشة إلاّ بعد إنهاء جميع المتداخلين لمناقشاتهم[72].
ج- الإقتراع أو التصويت.
بعد استيفاء المناقشة حول مشروع القانون يتعيّن على المجلس النيابي أن يقوم بالتصويت عليه، ذلك أنّ الغرض الأساسي من الإقتراح والمناقشة هو إستخلاص القرار الذي تجمع عليه الأكثرية[73]. ويتوقف على عملية التصويت ظهور المشروع المقترح و من ثَمَّ تنفيذه، وتعتبر هذه العملية الإجراء الحاسم، كما تلعب فيه القِوَى الضاغطة في الدولة وراء الكواليس دورًا هامًّا على الأعضاء من أجل التأثير عليهم بالموافقة أو الرّفض[74].
ثانيًا: الهيئة التنفيذية.
يأتي إشتراك الهيئة التنفيذية في التشريع نتيجة للمبرِّرات العملية والفعلية التي تبرِّر قيامها بهذا الأمر، وذلك بصفتها المسؤولة على التنفيذ في إقليم الدولة، وهي عندما تقوم بذالك تواجه في كُلِّ يوم من المسائل المتجدِّدة ما يجعل لإشتراكها مبرِّراً حتى تستبين الوجه السليم في إتخاذ القرار وتنفيذه[75].
وتظهر مشاركة السلطة التنفيذية في التشريع من خلال ما يلي:
ــ إقتراح مشاريع القوانين[76].
ــ الإشتراك في المناقشة داخل البرلمان.
ــ التصديق على القوانين المُصَوَّت عليها من قِبَل البرلمان[77]، أو الإعتراض عليها بطرق معيّنة ومنصوص عليها[78].
ــ المشاركة في التشريع عن طريق أوامر تشريعية لها قوّة القانون، بعد تصويت البرلمان عليها[79].
وقد حدّدت معظم الدساتير المجالات التي تُشَرِّعُ فيها السلطة التشريعية[80]، بينما تركت ما عدا ذالك لإختصاص السلطة التنفيذية، ممّا جعل السلطة التشريعية مقيّدة في ممارستها لوظيفة التشريع.
الفرع الثالث: نماذج عن السلطة التشريعية في النظام الديمقراطي.
أَوَلًا: النموذج البريطاني.
يتكوّن البرلمان البريطاني حاليا من مجلسيْن هما: مجلس اللّوردات ومجلس العموم، إلاّ أنّ المُعَبِّر الفعلي عن سيادة الشعب هو مجلس العموم ، الذي يمتلك صلاحيات واسعة لا سيّما في الأمور التشريعية والمالية[81].
1ـ مجلس اللّوردات.
يتمّ تشكيل مجلس اللّوردات عن طريق الوراثة أو التعيّين من النبلاء والأمراء ورجال الدّين[82].
ويتكوّن من حوالي 1000 عضو، يكتسب العضوية فيه 800 عضو عن طريق الوراثة، 26 عضو من كبار الأساقفة، وتسعة أعضاء من كبار القضاة يتمّ تعيّينهم من طرف الملكة[83].
وفي الوقت الحاضر فإنّ مجلس اللّوردات لا يتمتع بأيّ إختصاص، ماعدا حقه في تأجيل نفاذ القانون لمدّة سنة واحدة بعد تصويت مجلس العموم عليه، إلاّ أنّه بعد إنتهاء هذه المدة يصبح القانون ملزِما رغم معارضته[84].
ورغم تناقص دور مجلس اللّوردات في مجال التشريع إلاّ أنّ دوره في خدمة المصالح الطبقية لأصحاب المشاريع الرأسمالية من ذوي النفوذ السياسي مازال قائما[85].
2- مجلس العموم.
يتشكّل مجلس العموم عن طريق الإنتخاب العام ممّا جعله المجلس النيابي المُعَبِّر عن إرادة الشعب[86]. ويتكوّن هذا المجلس من 635 عضوًا يتمّ إنتخابهم لمدّة خمس سنوات، كما يَنتخِب رئيسا له يسمى [ المتحدِث ]، ويتمتع هذا الأخير بصلاحيات واسعة في إدارة أعمال هذا المجلس[87].
ولأنّ مجلس العموم هو الذي يمثل الشعب لأنّه المجلس المنتخَب فإنّ له الكلمة الفصل في مجال التشريع والمجال المالي، كما يمتلك وحده حق رقابة الحكومة[88].
إلاّ أنّ إختصاص مجلس العموم بمهمّة التشريع أصبحت نظرية بمرور الزمن، بإعتبار أنّ الحكومة أصبحت هي الأقوى من الناحية العملية في المبادرات التشريعية، لذالك يُلاَحَظُ أنّ 90% من القوانين التي يصادِق عليها مجلس العموم تأتي من خلال إقتراحات الحكومة[89].
ثانيًا: النموذج الأمريكي.
تتكوّن السلطة التشريعية [ الكونغرس ] في الولايات المتحدة الأمريكية من مجلسيْن: الأوّل هو مجلس النواب والثاني هو مجلس الشيوخ[90]. حيث تمّ تقسيم السلطة التشريعية بين هذيْن المجلسيْن بالتساوي. فمجلس النواب يضمن المساواة بين أصوات الناخبين ديمقراطيا، ومجلس الشيوخ يضمن المساواة في تمثيل الولايات[91].
1ـ مجلس النوّاب.
يتكوَّن من أعضاء يختارهم الشعب كل سنتيْن، فتختار كل ولاية عددًا يتناسب مع عدد سكانها، حيث يمثل كل عضو 281.000 ( مائتين وواحد وثمانين ألف مواطن )[92]. على أنْ يكون لكلّ ولاية نائبا مهمَا قلّ عدد سكانها.
ويجب أنْ يكون المُرَشَح للنيابة في هذا المجلس قد أتمّ الخامسة والعشرين من عمره، و أنْ يكون متمتعا بالجنسية الأمريكية لمدّة لا تقلّ عن سبع سنوات، كما يجب أن يكون من المقيمين في الولاية المرشَح فيها وقت الإنتخاب، كما يتمّ إنتخاب رئيس مجلس النواب من طرف أعضاء هذا المجلس[93].
2- مجلس الشيوخ.
يتكوّن مجلس الشيوخ من عضوَيْن لكلّ ولاية يُختاران لمدّة ست سنوات مباشرة من قِبَلِ شعب كلّ ولاية، ويتمّ تجديد ثلث أعضاء هذا المجلس كلّ سنتيْن[94].
ولكي يكون الشخص مؤهَلاً لعضوية مجلس الشيوخ لا بدّ أن يكون بالغا ثلاثين سنة من العمر، كما يُشترط فيه الجنسية الأمريكية لمدّة لا تقل عن تسع سنوات، فضلاً عن أن يكون مقيما في الولاية التي يترشح فيها أثناء إنتخابه. ويقوم برئاسة مجلس الشيوخ نائب الرئيس الأمريكي[95].
وكقاعدة عامّة فإنّ إجتماعات مجلسي الكونغرس تكون منفصلة، إلاّ أنّ هناك حالات يعقد فيها الكونغرس إجتماعا مُوَحدًا، وهذه الحالات هي:
ــ وجود ضرورة لفرز أصوات هيئة الناخبين لرئيس الدولة.
ــ بمناسبة الإحتفالات الرّسمية ذات الطبيعة الحكومية.
ــ وعند سماع رسائل رئيس الدولة[96].
والأصل العام أنّ المجلسيْن يشتركان مَعًا في ممارسة السلطة التشريعية، فلابدّ من إقرار القانون في المجلسيْن معًا بالأغلبية المطلقة[97]. إلاّ أنّ هناك صلاحيات تكون خاصة بكل مجلس على حِدَة أهمّها[98]:
أ– بالنسبة لمجلس النواب:
ــ يختص بالمبادرات التشريعية في المجال الضريبي.
ــ إنتخاب رئيس الجمهورية في حالة عدم حصول المترشحين على الأغلبية المطلقة.
ــ توجيه الإتهام الجنائي لرئيس الجمهورية والوزراء وكبار الموظفين.
ب- بالنسبة لمجلس الشيوخ:
ــ التصديق على الإتفاقات والمعاهدات الدولية.
ــ التصديق على قرارات رئيس الدولة الخاصة بتعيّين الوزراء وكبار الموظفين.
ــ إنتخاب رئيس مجلس الشيوخ بالوكالة في حالة غياب نائب رئيس الجمهورية أو رفضه رئاسة المجلس.
ــ ممارسة دور المحكمة في حالة توجيه إتهامات جنائية كالخيانة والفساد لرئيس الدولة أو الوزراء أو كبار الموظفين الإتحاديّين.
المطلب الثالث: مقارنة السلطة التشريعية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي.
سأتطرّق في هذا المطلب إلى مقارنة السلطة التشريعية بين النظام الإسلامي القائم على مبدأ الشورى وبين النظام الديمقراطي، وذلك من حيث تعريف كلّ واحد منهما ( الفرع الأوّل )، ومن حيث ممارستها ( الفرع الثاني )، ثمّ من حيث الهيئات المخوّلة بها ( الفرع الثالث ).
الفرع الأوّل: مقارنة السلطة التشريعية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي من حيث التعريف.
يتضح من خلال التعاريف المتقدِّمة للسلطة التشريعية في النظام الإسلامي أنّها تستند على أساس وجود شرع مبتدأ، يتمثل في الشريعة الإسلامية المأخوذة من الكتاب والسنة، وبالتالي فإنّ مصدر التشريع في النظام الإسلامي ليس بشريا، فالّذي له السلطة المطلقة في التشريع هو الله سبحانه وتعالى العالِم بمصالح العباد التي لا يمكن لهذا العقل الإنساني المحدود أَنْ يتوصَّل إلى معرفة كُنهها وحقيقتها.
وليس للأمّة في هذا المقام إلاّ أنّها صاحبة الولاية في إجراء الأمور على وفق الشريعة الإسلامية بما يحفظ مصالحها السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية.
من هذا المنطلق فإنّ سلطة التشريع للأمّة مقيّدة بأحكام الشريعة الإسلامية، فلا يمكنها أنْ تقوم بالتشريع على خلاف الكتاب و السنة حتى وإن إجتمعت على ذالك، وإلاّ عُدَّ ذالك تَعَدٍعلى حدود الله تعالى الذي منح هذه السلطة السياسية للأمّة لتمارسها ضمن حدوده سبحانه وتعالى.
والسلطة الممنوحة للأمّة – بإعتبارها ممنوحة من الله تعالى – لا يمكن سحبها من الأمّة أو التنازع عليها، ولا يمكن أن تُنْسَب لفرد بِعَيْنه أو لجماعة، فهي للأمّة الإسلامية كمجموع وعلى الأمّة يقع عِبْأَ القيام بها[99].
أمّا في النظام الديمقراطي فإنّ الشعب أو الأمّة وِفْقًا لمفهوم السيادة هو من يمتلك السلطة المطلقة للتشريع دون قيود أو حدود.
فلا يوجد في النظام الديمقراطي شرع مبتدأ تستند إليه الأمّة في تشريعاتها، وإنّما هناك شعب له الحق في التشريع المطلق حتى ولو أدّى ذالك إلى الخروج عن الفطرة الإنسانية في بعض الأحيان، بل حتى لو كان هذا التشريع يضرّ بمصالح أمم وشعوب أخرى.
من هنا يتضح مدى الإرتباط بين التشريعات وبين النظرة العقائدية التي يؤمن بها كلّ شعب، فإنّ أيّ تشريع لنظام الحياة يُبْنَى على نظرة عقائدية خاصة تنبثق عنها تلك التشريعات وتتلاءم معها وتحقق الأهداف المرسومة فيها[100].
من هذا المنطلق، يجب أن تتشخص للإنسان قبل كلّ شيء الرّؤية التي يعي بها نفسه وحياته ومبدأه ومصيره، كما لابدّ أن يدرك الهدف من وجوده، والجهة التي يكون مسؤولاً أمامها، وماهي المسؤوليات وحدودها؟، كلّ ذالك يجب أن يحصل الإنسان على جواب مقنع له، قبل أن يُطَالَبَ بتنظيم حياته وِفق تشريعات وأنظمة معيّنة[101].
فإذا كانت نظرة الإنسان ممتدّة إلى حياة أعمق وأبعد من هذه الحياة فسوف تختلف المعايّير والأهداف لديه، وحينئذ سينظِّم علاقاته الإجتماعية بما ينسجم مع تلك الأهداف والمعايّير[102].
من هنا فإنّ الإيمان بالله تعالى كمبدأ أعلى خالق للإنسان، يُعتبر الأساس لمبدأ المسؤولية القانونية بحيث لا نتعقل بدونه معنى للقانون ولا للتشريع، حيث يكون القانون من دون الإيمان بالمبدأ الأعلى للوجود – مهما كان مصدره التشريعي ـ فارغا من عنصر الإلزام والنفاذ المشروع، ولا يمكن جَعْلَ الناس مسؤولين أمامه إلاّ بالقهر والقوّة، أو إيجاد قناعة طوعية لدى كلّ فرد إتجاه القوانين، الأمر الذي ذهبت إليه نظريات العقد الإجتماعي وهو مطلب وَاهٍ وغير واقعي[103].
من هنا يتبيّن مدى الترابط الوثيق بين التشريع والعقيدة الإسلامية في النظام الإسلامي، ممّا يجعل هناك بَوْنًا شاسعا بين مفهوم التشريع في النظام الديمقراطي ومفهومه في النظام الإسلامي.
الفرع الثاني: مقارنة السلطة التشريعية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي من حيث الممارسة.
بالرّغم من أنّ الأمّة أو الشعب في كُلٍّ من النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي هما من يقومان بممارسة التشريع، إلاّ أنّ هناك مجموعة من النقاط التي يتميّز كُلٌّ منهما عن الآخر، وتتمثل فيما يلي:
أَوَلاً: إنّ ممارسة الأمّة الإسلامية للتشريع في نظام الحكم الإسلامي يعتبر واجبا على كُلِّ فرد مسلم مؤهل لأداء هذا الواجب الذي يعتبر من واجبات الولاية العامة للمسلم في إقامة شريعة الدّين الإسلامي، وللأمّة الإسلامية بعد ذلك أنْ تقوم بنفسها بهذا الواجب أو أن تفوِّض من أجل القيام به جماعة منها تعبّر عن إرادتها.
بينما نجد في النظام الديمقراطي عدم إتفاق حول ذالك، فالبعض يرى أنّ ممارسة التشريع من قِبَلِ الأفراد يعتبر وظيفة، بينما يرى البعض الآخر أنه حق، وذالك بناءًا على رؤية السلطة السياسية لمبدأ السيادة، هل هي للشعب أم للأمّة؟[104]
ثانيًا: إنّ ممارسة الأمّة الإسلامية للتشريع في النظام الإسلامي كان أسبق منه في النظام الديمقراطي، حيث مارس المسلمون الأوائل الوظيفة التشريعية من خلال دعوتهم إلى المسجد أو إلى مكان آخر وحتى في الأقاليم ومن خلال أسلوب الإقتراح على الخليفة، وقد مارسوا ذلك دفعة واحدة ودون مراحل، فقد كانت ممارستهم بموجب النصوص الشرعية التي تدعو الى التشاور والمشاورة، كما أنّ جميع المسلمين في ذلك سواء.
بينما في النظام الديمقراطي نجد أنّ ممارسة الأمّة للتشريع قد مرّ بمراحل متعدّدة، ولم يكن هذا الحق مقرّرًا أصلا لصالح الشعب، بل تحصّل عليه الشعب بعد ثورات دامية و إصلاحات كبيرة أدّت إلى حصوله على هذا الحق.
ثالثًا: إنّ ممارسة الشعب للتشريع في النظام الإسلامي يقوم على أساس فلسفة الحاكميّة الإلهيّة، بينما يمارس الشعب ذالك في النظام الديمقراطي على أساس فلسفة العقد الإجتماعي الذي يعطي حق التشريع المطلق للشعب[105].
رابعًا: تخضع ممارسة التشريع في النظام الإسلامي إلى مبدأ الشرعية، الذي هو محدّد ومعروف وثابت، والذي يتمثل في القرآن الكريم والسنّة المحمدية الأصيلة. بينما في النظام الديمقراطي تخضع هذه الممارسة لمبدأ دستورية القوانين التي يجب أن تكون موافقة للقواعد الدستورية التي تتغيّر وتتبدّل بحسب الظروف والأحوال[106].
خامسًا: ممارسة التشريع في النظام الديمقراطي يخضع إلى مجموعة من التأثيرات التي تؤثر على صيغة القانون، من هذه التأثيرات ضغط الرّأي العام، وكذالك تأثير السلطة التنفيذية بأدواتها داخل البرلمان.
بينما في النظام الإسلامي لا يوجد شيئ يؤثر على صيغة القانون، لأنّه مقيّد بِشَرْعٍ مبتدأ، وهو الشريعة الإسلامية، حيث كُلُّ ما يخالف هذه الشريعة يُضْرَبُ به عرض الحائط[107].
سادسًا: يظهر من ممارسة التشريع في النظام الإسلامي أنّ هناك تَدَرُّجٌ للقواعد القانونية وذالك من خلال سُمُوِّ المشرِّع الأساسي المتمثل في القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة. وقد عرف النظام الديمقراطي أيضا مبدأ تدرّج القوانين، وجعل التشريع الأساسي المتمثل في الدستور هو الأسمى على جميع القوانين داخل الدولة.
سابعًا: إنّ ممارسة السلطة التشريعية في النظام الديمقراطي محدّدة بمجموعة من المجالات التي يحدّدها الدستور، وهو ما أصبح معمولا به في أغلب الدول المعاصرة، ممّا يجعل السلطة التنفيذية مبسوطة اليد في باقي المجالات التي تكاد لا تحصى .
بينما السلطة التشريعية في النظام الإسلامي مجالاتها تشمل جميع شؤون الأمّة الإسلامية، ممّا يجعلها مبسوطة اليد في إتخاذ أيّ إجراء قانوني تراه مناسبا لمعالجة مسألة ما.
الفرع الثالث: مقارنة السلطة التشريعية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي من حيث الهيئات المخوَّلة بالتشريع.
تبيّن ممّا تقدّم أنّ كِلاَ النظاميْن الإسلامي والديمقراطي لهما هيئات مخوّلة بممارسة الوظيفة التشريعية، إلاّ أنّ هناك مجموعة من الخصائص والمميّزات التي تجعل من الهيئة التشريعية في النظام الإسلامي تتميّز عن نظيرتها في النظام الديمقراطي، وتتمثل هذه المميّزات في ما يلي:
أَوَلاً: يتضح من خلال التأمّل في الهيئات التشريعية بالنظام الديمقراطي أنّها أُنْشِأَتْ من أجل منع الإستبداد والتعسف من قِبَلِ السلطات الأخرى، ولهذا نجد أنّ هذه الهيئة التشريعية هي نتيجة للأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات الذي ماوُجِدَ إلاّ لأنّ واضعوه إفترضوا نزعة الإنسان إلى حبّ التسلط و الإستبداد السياسي.
بينما نجد الشارع المقدس في النظام الإسلامي قد إفترض حسن النية في الإنسان المسلم من خلال إيجاد جماعة تقوم بالشورى، ولعلّ ذالك راجع إلى وجود أحكام شرعية تمنع السلطة الحاكمة من التعسف والإستبداد[108].
ثانيًا: إنّ المجالس النيابية في النظام الديمقراطي أصبح دورها في التشريع يتناقص شيئا فشيئا، حيث نجد السلطة التنفيذية هي من تقوم بالمبادرة بإقتراح القوانين، وهذا يمس بشكل كبير بالوظيفة التشريعية التي هي حق أصيل للبرلمان.
بينما نجد في النظام الإسلامي أنّ مجلس الشورى هو حجر الزاوية في أداء الوظيفة التشريعية، فإقتراحاته ومناقشاته هي الأساس في سنّ القوانين[109].
ثالثًا: من خلال ما تقدّم يتبيّن أنّ أهل الشورى ليسوا سوى جماعة تُشَكِّلُ مايشبه مجلسا للشورى، يرجع إليهم رئيس الدولة والأمّة الإسلامية، إلاّ أنّ الملاحظ أنّ هذا المجلس لم يُعْرَفْ أنّه مختص بالتشريع، أوأنّه يعتبر مجلسا نائبا عن الأمّة الإسلامية، أو له إختصاصات محدّدة متفرِّغ لها، بل إنّ هذا المجلس وُجِدَ من باب أنّ هناك أمورا مستجدّة تحتاج معالجتها إلى أهل العلم والخبرة، وهو بذالك أشبه بمجلس لأهل الخبرة الذين يُرْجَعُ إليهم من قِبَلِ الخليفة أو الأمّة الإسلامية، إلاّ أنّه لا يوجد مانع من تنظيم ذالك وِفقا للظروف التي تسود الدول الإسلامية المعاصرة من خلال وجود برلمان متفرّغ للعمل التشريعي.
أمّا النظام الديمقراطي فإنّ المجلس النيابي هو عبارة عن هيئة سياسية دستورية تحكمها مجموعة من القوانين، سواء من حيث الإجراءات، أو إختيار الأعضاء الذين يقومون بوظيفة التشريع ، أو طريقة تشكيل المجلس، أو تحديد الإختصاصات المنوطة بالمجلس، وهي المسائل التي لا تكاد تخلو من تنظيم أيّ دولة معاصرة لها[110].
رابعًا: ما يُلاحظ على الهيئة التشريعية في النظام الديمقراطي أنّها لا تُعبِّر بحق عن الشعب الذي تمثّله، وِفقا للنُظم السياسية المتبعة حاليا، وذالك بسبب الأوضاع الإقتصادية والسياسية والحزبية الموجودة في كلّ دولة.
فالمعسكر الشرقي ينتقد المعسكر الغربي بأنّ ديمقراطيته تعتبر ديمقراطية مجموعة من أصحاب رؤوس الأموال وأرباب الصناعات المتحكّمين في مؤسسات الدولة، وهؤلاء النواب الذين يشكِّلون البرلمان ماهُمْ إلاّ صنيعة هؤلاء المسيّطرين على أجهزة الدولة[111].
والحقيقة أنّ هذه الديمقراطية هي التي يحاول الغرب اللّيبرالي تسويقها للدول العربية والإسلامية اليوم من أجل خدمة مصالحه السياسية والإقتصادية على حساب الشعوب العربية والإسلامية، وهو الواقع المُعَاش الذي نشاهده في العالم العربي والإسلامي.
وفي المقابل فإنّ المعسكر الغربي ينتقد المعسكر الشرقي بأنّ البرلمانات عبارة عن أشخاص لهم رؤية الحزب، وهم يمثِلون طوائف محدّدة من المجتمع كالعمّال والفلاحين ولا يسمح بالترشيح لغير أنصار الحزب[112].
أمّا الهيئة التشريعية في النظام الإسلامي فهي مقيّدة بأحكام الشريعة، فالقانون الذي تسنّه هذه الهيئة يجب أنْ يراعى فيه مصالح الأمّة في إطار الضوابط الشرعية، وبالتالي فإنّ هذه الهيئة لا يجوز لها أنْ تخرج عن تلك الضوابط و إلاّ عُدَّ تشريعها باطلا.أصلا لصالح
الشعب، بل تحصل عليه الشعب بعد ثوراتأصلا أأ
الـمـبـحـث الـثـانـي: السلطة التنفيذية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي
تلعب السلطة التنفيذية في أيّ نظام سياسي دورًا مُهِمًّا في الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية… إلخ.
وتختص السلطة التنفيذية بالأساس بوظيفة تنفيذ وتحقيق أهداف السياسية العامّة، ولا يقتصر دور هذه السلطة عموما على تحقيق هذه الأهداف بل إنّه يتعدى ذالك إلى المشاركة في عملية تشكيل أو رسم السياسة العامّة[113].
وعلى هذا الأساس فإنّه في النظام الإسلامي، كما هو في النظام الديمقراطي تلعب السلطة التنفيذية دورا مميّزًا، وهو ما جعل هذا النوع من السلطات يصطبغ بصبغة الطبيعة السياسية لِكُلٍّ من النظامَيْن.
من هذا المنطلق، سأتطرّق في هذا المبحث إلى مجموعة من المسائل المتعلِّقة بالسلطة التنفيذية في كُلٍّ من النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي وذلك من خلال ثلاث مطالب:
ــ المطلب الأوّل: أتطرّق فيه للسلطة التنفيذية في النظام الإسلامي.
ــ المطلب الثاني: وأتعرّض فيه للسلطة التنفيذية في النظام الديمقراطي.
ــ المطلب الثالث: أعقد فيه مقارنة للسلطة التنفيذية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي.
المطلب الأوّل: السلطة التنفيذية في النظام الإسلامي.
سأتعرّض في هذا المطلب إلى تعريف الخلافة ـ الإمامة العظمى ـ في الفكر الإسلامي ( الفرع الأوّل )، ثمّ شروط وإختصاصات الخليفة ـ رئيس الدولة ـ في النظام الإسلامي ( الفرع الثاني )، ثمّ أختم بالتطرّق إلى مسؤولية الخليفة في هذا النظام ( الفرع الثالث ).
الفرع الأوّل: تعريف الخلافة ( الإمامة العظمى ) في الفكر الإسلامي.
أَوَلاً: المعنى اللّغوي للخلافة.
إستخلف فُلانًا من فُلان: جعله مكانه. وخلف فُلان فُلانًا: إذا كان خليفته، يقال خلّفه في قومه خلافة[114].
وفي القرآن الكريم: { وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ أُخْلفْنِي فِي قَوْمِي[115] }.
وتقول: [ خَلَفتُه ]، إذا جِئتَ بعده. ويقال: [ خَلّفتُ فُلانًا ]، أخلفه تخليفا. و[ اسْتَخلفتُه ]: أنا جعلته خليفتي. و[ اسْتخلَفَه ]: جعله خليفة.
و[ الخليفة ]: الذي يُستخلَف ممّن قبله. والجمع [ خلائف ]، جاؤوا به على الأصل، مثل: كريمة وكرائم، وهو [ الخليف ]، والجمع [ خلفاء ][116].
ثانيًا: المعنى الإصطلاحي للخلافة.
هناك عدّة تعريفات للخلافة ـ الإمامة العظمى ـ في الإصطلاح، منها:
1ـ تعريف [ التَفْتازاني ]: الإمامة هي رئاسة عامّة في أمر الدّين والدنيا، خِلافةً عن النّبي صلّى الله عليه وآله[117].
2- تعريف [ المَاوَرْدي ]: الإمامة موضوعة لخلافة النبوّة في حراسة الدّين وسياسة الدنيا[118].
3- تعريف [ ابن باديس ]: الخلافة هي المنصب الإسلامي الأعلى، الذي يقوم على تنفيذ الشّرع وحياطته بواسطة الشورى من أهل الحل والعقد من ذوي العلم والخبرة والنّظر[119].
4 ـ تعريف [ رشيد رضا ]: الخلافة، والإمامة العظمى، و إمارة المؤمنين، ثلاث كلمات معناها واحد:
وهو رئاسة الحكومة الإسلامية الجامعة لمصالح الدّين والدنيا[120].
من خلال التعاريف المتقدِّمة، يتضح أنّ الخلافة والإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة عبارة عن سياسة وقتية زمنية تختص بشؤون الناس، و إدارة أمورهم الدّينية والدنيوية، فمصطلح الخلافة له ارتباط وثيق بنظام الحكم في الدولة الإسلامية، بإعتبار أنّه جزء لا يتجزّأ من النظام السياسي الإسلامي، فهم متفقون على وجوب وجود شخص يَخْلِفُ النّبي الأعظم صلى الله عليه و آله.
فقد أجمع سلف الأمّة وأهل السنّة على أنّ نصب الإمام واجب على المسلمين شرعا، لا عقلا فقط كما قال بعض المعتزلة[121]. كما اتفق علماء أهل السنّة على أنّ نصب الخليفة فرض كفاية، وأنّ المُطَالَب به هم أهل الحلّ والعقد في الأمّة[122].
وقد ذهبوا إلى أنّ الإمامة من فروع الدّين لا من أصوله، قال التفتازاني:
<< لا نزاع في أنّ مباحث الإمامة بعلم الفروع أليَق، لرجوعها إلى أنّ القيام بالإمامة ونصب الإمام الموصوف بالصفات المخصوصة من فروض الكفايات، وهي أمور كلّية تتعلّق بها مصالح دينية ودنيوية لا ينتظم الأمر إلاّ بحصولها، ولا خفاء في أنّ ذلك من الأحكام العملية دون الإعتقادية[123] >>.
وقال الآمدي: << إعلم أنّ الكلام في الإمامة ليس من أصول الديانات ولا من الأمور اللآبديات[124] >>
وقال الإيجي: << هي عندنا من الفروع، وإنّما ذكرناها في علم الكلام تَأسِّيًا بمن قبلنا[125] >>.
يُلاحظ ممّا تقدّم في التَعْرِيفَيْنِ اللّغوي والإصطلاحي، أنّه لا يوجد تفاوُت بين المَعْنَيَيْن، بإعتبار أنّ كلاهما بمعنى النيابة، وجَعْلِ شخص مكان آخر في حال غيبته أو موته.
الفرع الثاني: شروط واختصاصات الخليفة ـ رئيس الدولة ـ في النظام الإسلامي.
أَوّلاً: شروط توليّة الخليفة في النظام الإسلامي.
الشرط الأوّل: الإسلام.
يعتبر شرط الإسلام في الخليفة من الشروط التي اتفق العلماء على وجوبها في مَن يتولّى منصب الخلافة.
قال القاضي عياض: << أجمع العلماء على أنّ الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنّه لو طرأ عليه الكفر
إنعزل، وكذا لو ترك إقامة الصّلوات والدعاء إليها[126] >>. و ذلك لأنّ الله تعالى يقول: { وَلَنْ يَجْعَلَ الَّلهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلا[127] }. فليس هناك سبيل أعظم من ولاية الإمام الأعظم[128].
وعلى هذا، فلا يجوز إنعقاد الخلافة لكافر أصلي أو مرتد، ذلك أنّه أيّ نظام سياسي مهما كانت طبيعته لا يمكن أن يقبل بإسناد الهيئة التنفيذية فيه إلاّ إلى شخص يؤمن بهذا النظام ومبادئه وثوابته.
الشرط الثاني: البلوغ.
وهو من الشروط الذي أجمع عليه علماء الأمّة الإسلامية إلاّ الشيعة الإمامية[129].
قال ابن حزم: << وجميع فِرق أهل القبلة ليس منهم أحد يُجيز إمامة إمرأة ولا إمامة صبيّ لم يبلغ، إلاّ الرّافضة فإنّها تجيز إمامة الصبيّ[130] >>.
فلا تصح رئاسة الصبيّ لِسببيْن:
ــ الأوّل: أنّ الصبيّ محتاج في تسيّير أموره إلى وليّ، فكيف يجوز أنْ يُشرِف هو على أمور الأمّة[131].
ــ الثاني: أنّ الصبي لعلمه بأنّه ليس مكلّفا و أنّ أعماله لا تُحسب عليه شرعًا، ربّما يخلُّ عمدًا بالمسؤولية المُلقاة على عاتقه[132].
الشرط الثالث: العقل.
وهو شرط بديهي، حيث لا تنعقد إمامة فاقد العقل بجنون أو بغيره.
قال الغزّالي: << فلا تنعقد الإمامة لمجنون فإنّ التكليف مناط الأمر وعصامه، ولا تكليف على صبيّ ومجنون لأنّ الرّسول قال: [ رُفِعَ القلم عن ثلاثة ]، وعَدَّ الصبيّ حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق[133] >>.
الشرط الرّابع: الحريّة.
فلا تنعقد إمامة العبد، لأنّه إذا كانت أموره تسير بأوامر غيره فكيف يمكن أنْ توكل إليه أمور الأمّة[134]. يقول إبن عابدين: << لأنّ العبد لا ولاية له على نفسه، فكيف تكون له الولاية على غيره، والولاية
المُتعدِّية فرع للولاية القائمة[135] >>.
وقد اشترط العلماء هذا الشرط بالإجماع[136]. ولم يخالف في ذلك إلاّ الخوارج فقد أجازوا أنْ يكون الإمام عَبدًا[137].
الشرط الخامس: الذكورة.
وقد إشترطها العلماء بالإجماع في من يتولّى منصب الخلافة[138].
واحتج العلماء على ذلك بما رواه البخاري من حديث أبي بكرة، قال: قال رسول الله (ص آ):
<< لن يُفلح قوم ولّوا أمرهم إمرأة[139] >>.
يقول: القلقشندي: << والمعنى في ذلك أنّ الإمام لا يستغني عن الإختلاط بالرّجال والمشاورة معهم في الأمور، والمرأة ممنوعة من ذلك، ولأنّ المرأة ناقصة في أمر نفسها حتى أنّها لا تملك النكاح، فلا تُجْعَل إليها الولاية على غيرها[140] >>.
وقد ألحق العلماء الخنثى بالمرأة إحتياطا، فلم يُبيحوا له تولية منصب الإمامة و إِنْ ظهرت عليه ملامح الذكورة، كما هو شأنه في أمر القضاء، بل الإمامة أوْلى[141].
الشرط السادس: الإجتهاد.
أجمع العلماء على وجوب توفّر هذا الشرط في من يتولّى منصب الخلافة.
قال الإيجي: << الجمهور على أنّ أهل الإمامة ومستحقها مَنْ هو مجتهد في الأصول والفروع، ليقوم بأمور الدّين مُتَمَكِّنًا من إقامة الحجج وحلّ الشبه في العقائد الدّينية، مستقلاً بالفتوى في النوازل والأحكام، نَصًّا واستنباطا، لأنّ أهمّ مقاصد الإمامة حفظ العقائد وفصل الحكومات ورفع المخاصمات، ولن يتمّ ذلك بدون هذا الشرط[142] >>.
وقد نقل شمس الدّين الرّملي الإجماع على ضرورة هذا الشرط، حيث قال:
<< إنّ هذا الشرط لا بدّ منه في الإمامة كالقاضي، وأوْلى، بل حُكِيَّ فيه الإجماع[143] >>.
الشرط السابع: العدالة.
العدالة مَلَكَة في النفس، تمنع صاحبها من إرتكاب الكبيرة والإصرار على الصّغيرة[144].
وقد عبّر بعض العلماء عن هذا الشرط بألفاظ مختلفة من قبيل [ الصّلاح في الدّين ] كما ذكر ذلك الإمام الشافعي[145]. وعبّر عنه البعض بِ [ الورع ] كما ذكره حجّة الإسلام أبو حامد الغزّالي[146].
وقد اشترط الماوردي عدّة شروط لكي تتحقق العدالة المطلوبة، فقال في ولاية القضاء:
<< والعدالة أنْ يكون صادق اللّهجة، ظاهر الأمانة، عفيف عن المحارم، مُتَوَقِيًا المآثم، بَعيدًا عن الرّيب، مَأمونًا في الرّضا والغضب، مُستعمِلاً لمروءة مثله في دينه ودنياه[147] >>.
واعتبار العدالة في الإمام قال به الجمهور من علماء الأمّة، حيث أنّ هذا الشرط مطلوب في الشاهد والقاضي، ولا شكّ أنّ الخلافة أعلى مرتبة منهما[148].
الشرط الثامن: الكفاية الجسميّة.
والمقصود بها سلامة الحواس والأعضاء ممّا يؤثر في الرأيّ والعمل[149].
فقد إشترط العلماء أنْ يكون الخليفة سميعا بصيرا ناطقا. فلا تنعقد إمامة الأصمّ، لأنّ صممه يمنعه عن سماع مصالح الشعب، ولأنّ الصَّمَم يعتبر مانعًا من تولّي القضاء، فالإمامة أوْلى[150].
ولا تنعقد إمامة الأعمى، قال الغزّالي: << إِذْ لا يتمكّن الأعمى من تدبير نفسه، فكيف يتقلّد عهدة العالم[151] >>.
وكذلك الأخرس لا تنعقد إمامته، لأنّ في خرسه تعطيلاً لمصالح الأمّة[152].
وأمّا بالنّسبة لسلامة الأعضاء، فقد رأى الماوردي أنّ ما يمنع من إنعقاد الإمامة هو فَقْدُ ماله تأثير في العمل، كفقد اليَديْن، أوله تأثير في النهوض كفقد الرِّجليْن، فإنّ ذلك يؤدّي إلى عجزه عن القيام بحقوق الأمّة في العمل أو النهوض[153].
الشرط التاسع: الشجاعة.
قال التفتازاني بعد أنْ ذكر بعض الشروط: << وزاد الجمهور إشتراط أنْ يكون شجاعًا لِئَلاَّ يجبن عن إقامة الحدود ومقاومة الخصوم[154] >>.
الشرط العاشر: أن يكون قُريشيا.
يرى أهل السنّة وجميع فِرق الشيعة وبعض المعتزلة وجمهور المُرجِئة، أنّه يُشترط في الإمام أن يكون نسبه من قريش[155].
قال النّوَوي في سياق شرحه لحديث: [ الناس تُبَّعٌ لقريش في هذا الشأن ]، وبعد أن ذكر مجموعة من الرّوايات في ذلك قال: << هذه الأحاديث وأشباهها دليل ظاهر على أنّ الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، ومَنْ خالف فيه مِنْ أهل البِدع أو عرض بخلافٍ من غيرهم، فهو محجوج بإجماع الصّحابة والتابعين[156] >>.
ويقول محمّد رشيد رضا: << أمّا الإجماع على اشتراط القُريشية فقد ثبت بالنّقل والعقل، رواه ثقات المُحَدِّثين…[157] >>.
ثانيًا: إختصاصات الخليفة في النظام الإسلامي.
يمكن القول بأنّ الشريعة الإسلامية لم تبيّن الأمور التفصيلية للنظام السياسي الإسلامي، بل إكتفت ببيان القواعد العامّة التي يرتكز عليها هذا النظام، وتركت الأمور التفصيلية للمسلمين حسب أوضاعهم من حيث الزّمان والمكان، وهذا ينسحب بشكل واضح على إختصاصات رئيس الدولة في النظام الإسلامي، حيث أنّ معظم الكُتَّاب والباحثين إعتمدوا تطبيقات الخلفاء الأربعة الذين جاؤوا بعد وفاة النّبي مباشرة[158].
إلاّ أنّ أفضل من قام بتنظيم مسائل إختصاصات الخليفة وجَمَعَ الآراء المختلفة فيها، هو الإمام المارودي الشافعي في كتابه [ الأحكام السلطانية والولايات الدينية ]، حيث يلخص المارودي إختصاصات الخليفة بما يلي:
1- حفظ الدّين على أصوله المستقرّة، وما أجمع عليه سلف الأمّة[159]. ونستطيع أنْ نُشبِّهَ هذا الواجب للخليفة بواجب رئيس الدولة الحديثة في الحفاظ على الدستور، الذي يتعهد به عند قسمه الذي يؤدّيه عند تَوَلّيهِ المنصب.
2– تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين، وقطع الخصام بين المتنازعين[160]. وهنا يقع على عاتق رئيس الدولة واجب نصب القضاة في المدن والأقاليم، وهو واجب رؤساء كلّ الدول.
فعلى رئيس الدولة الإسلامية تعيّين القضاة من جهة، وتنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء من جهة أخرى، وهذا لا يمنع من أنْ تُناط مهمّة تعيّين و إختيار القضاة إلى جهاز آخر، فالمهم هو تحقيق الغاية والهدف من وجود القضاة[161].
3 – حماية البيضة والدّب عن الحريم ليتصرّف الناس في المعايش وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال[162].
وهذا معناه أنّه من إختصاصات الخليفة المحافظة على الأمن الداخلي للدولة، ولاشكّ أنّ عصرنا الحاضر يحتاج إلى أجهزة تنفيدية تعمل تحت إشراف الخليفة لتحقيق هذا الغرض، وذالك من خلال تخويلها بعض الصلاحيات في هذا المجال.
من هنا فلا مانع من أنْ يُفَوِّضَ رئيس الدولة هذا الإختصاص إلى جهة أخرى مثل وزارة الداخلية أو جهاز الشرطة… إلخ.
4– إقامة الحدود[163]* لِتُصَانَ محارم الله تعالى عن الإنتهاك وتُحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك[164].
و إقامة الحدود يكون بتنفيذها وعدم التهاون في ذلك إذا وصل علمها إلى وليّ الأمر، سواء كان خليفة أم قاضيا، أم غير ذلك[165].
5– تحصين الثغور بالعدّة المانعة والقوّة الدافعة[166]، ومن هنا فعلى الخليفة أن يعمل على حماية البلاد من الأعداء المتربِّصين بها، من خلال إعداد القوّة اللاّزمة لذالك عن طريق الصناعات العسكرية والبرامج التكنولوجية المتعلِّقة بتطوير المعدّات العسكرية.
6- جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصّا و إجتهادا، وتقدير العطايا، وما يُستحق في بيت المال من غير سرفأو تقتير،ودفعِه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير[167]. وعلى هذا فالخليفة مخوّل بجمع الإيرادات اللاّزمة لعمل أجهزة الدولة، ولتوفير الخدمات لأفراد المجتمع، و لا يقوم الخليفة بفرض الضرائب دون ضوابط، بل يجب عليه أن يُجبي الأموال التي أمر بها الشارع، وحدّدها وبَيَّنها العلماء في كتبهم الفقهية.كما ليس بالضرورة أن يقوم بذالك بنفسه، بل يمكن أنْ يفوِّض ذلك لغيره[168].
7– إستكفاء الأمناء وتقليد النصحاء، فيما يفوِّض إليهم من الأعمال ويَكِلْهُ إليهم من الأموال[169]. ومن ثَمَّ فعلى الخليفة أنْ يراعي في إختيار مساعديه الكفاءة والقدرة على تحمّل المسؤولية.
8– أنْ يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال لينهض بسياسة الأمّة وحراسة الملّة، فقد يخون الأمين ويغش الناصح[170]. ومن هنا فعلى الخليفة أنْ يقوم بالإشراف على الأعمال بنفسه، ولا يطلق العنان لمساعديه دون مراقبة منه لهم.
9– وأهمّ ما يجب على الخليفة المشاورة في كُلِّ ما لا نصّ فيه ولا إجماعا صحيحا يُحتج به، أو مافيه نص إجتهادي غير قطعي، ولا سيّما أمور السياسة والحرب المبنية على أساس المصلحة العامّة، وكذا طرق تنفيذ النصوص في هذه الأمور، حيث أنّها تختلف بإختلاف الزّمان والمكان[171].
الفرع الثالث: مسؤولية الخليفة في النظام الإسلامي.
ممّا تقدّم يتضح أنّ الخليفة في النظام الإسلامي يتمتع بسلطة واسعة، و هذه السلطة لا بدّ أن تكون متبوعة بالمسؤولية، حتى لا يصبح الخليفة شخصا مستبدًا ومُتَسَلِّطًا، من هذا المنطلق سأتطرّق إلى المسؤولية الدنيوية والدّينية للخليفة في النظام الإسلامي.
أَوَلاً: المسؤولية الدنيوية للخليفة.
1- حق الأمّة في مساءلة الخليفة.
لا شكّ أنّ من حقوق الخليفة على الأمّة،السمع والطاعةوالنصيحة،و هذه الطاعة هي في حدود الشريعة الإسلامية، أيْ في نطاق القانون[172].
فإن أطاعت الأمّة الخليفة في المعاصي والمنكرات،أًيْ فيما يخالف القانون الإسلامي، فإنّ الله يعمّها بعذاب جماعي[173] . و هذا يدلّ على واجبها في مساءلة الخليفة، لأنّ ترتيب العقوبة على الفعل يدلّ على حُرْمَتِه[174].
وقد قال الخليفة أبو بكر الصديق مخاطبا الأمّة بعد توليَّته الخلافة: << فإنْ أحسنتُ فأعينوني وإنْ أسأتُ فقوِّموني[175] >>. وهذا القول الذي قاله أبو بكر، قاله على رؤوس الأشهاد وبمحضر من الصحابة، ولم ينكره عليه منكِر، فَيُعَدّ على رأيّ الكثيرين إجماعا، والإجماع دلالته قطعية[176].
وممّا تقدّم يتضح حق الأمّة في مراقبة ومساءلة أعمال الخليفة، وتقويمه في حالة خروجه عن القانون الإسلامي، فإنْ لم تستطع الأمّة إصلاحه وإرجاعه إلى جادّة الصواب، فإنّ للأمّة حق عزله.
2- أسباب عزل الخليفة.
من الأمور التي تستوجب عزل الخليفة في النظام السياسي الإسلامي ما يلي:
أ- الكفر أو الردّة عن الإسلام.
الكفر هو تكذيب النبي(ص آ) بما جاء به ممّا هو معلوم به من الدّين بالضرورة، وهو ضد الإيمان[177].
والخليفة إذا إرتدّ فإنّ قراراته تُعَدُّ باطلة من تاريخ قيامه بأيّ عمل من الأعمال التي تدلّ على كفره وإرتداده عن الإسلام[178].
ب- زوال العقل.
ينعزل الخليفة من منصبه بزوال عقله، ويُشترط لذلك أنْ يكون زوال العقل مُطْبَقًا لا يتخلّله إفاقة ، أمّا إذا كان عارضا مَرْجُوًا زواله كالإغماء فهذا لا يبطل رئاسته، أمّا إذا كان أكثر وقته جنونا، فحكمه حكم من لا يُرجى شفاءه[179].
و إذا كان أكثر وقته إفاقة، فقد إِخْتُلِفَ فيه برأيَيْن: الأوّل: أنّه يبطل عقد الإمامة، والثاني: أنّه لا يبطلها[180].
ج- ذهاب الحواس المؤثرة في الرّأي و العمل.
ويتعلّق بثلاث نواحي هي: العمى، الصمم، والخرس.
ــ أمّا العمى فإذا أُصِيبَ به الخليفة ينعزل من منصبه، أمّا ضعف البصر، فَيُنْظَرُ إنْ كان يستطيع معرفة الأشخاص فلا تبطل إمامته، أمّا إن لم يكن كذالك فتبطل،و أمّا العشى وهو عدم الإبصار لَيلْاً، فإنّه لا يمنع من إستدامة الإمامة[181].
ــ و أمّا الصّمم، فقد إختُلِفَ فيه على ثلاثة آراء:
الأوّل: أنّه ينعزل به كإنعزاله بالعمى، لتأثيره في العمل.
الثاني: لا ينعزل، لأنّ الإشارة تقوم مقام السمع.
الثالث: يُفَرَّقُ بين ما إذا كان يُحْسِنُ الكتابة أم لا، فإن كان يُحسنها لا ينعزل عن منصبه، وإن كان لا يحسنها فَيُعْزَل[182].
ــ أمّا الخرس فحكمه حكم الصّمم فيما تقدم.
د- فَقْدُ الأعضاء.
إذا فَقَدَ الخليفة من الأعضاء، بحيث يخلّ ذالك بعمله ويجعله مُقَصِّرًا في أداء واجبه، فإنّه يُعزل من منصبه، كَفَقْدِ الرِّجْلَيْن أو اليَدَيْن[183].
وإنعزاله يكون من ساعة إعلان الأطباء عدم قدرتهم على علاجه[184]. أمّا إذا فَقَدَ من الأعضاء مايؤثِر على بعض العمل، أو بعض النهوض دون بعض، كَفَقْدِ إحدى اليدَيْن أو الرِّجليْن، فقد إِخْتُلِفَ فيه إلى رأيَيْنِ:
الأوّل: أنّه يُعزل من منصبه، والثاني: أنّه لا يُعزل[185].
هـ – وقوع رئيس الدولة في الأسر.
فإذا وقع رئيس الدولة في قبضة الأعداء أسيرا، وجب على الأمّة أنْ تعمل على إنقاده وفكّ أسره، فإذا عجزت عن ذلك يُعزَل من منصبه[186].
و- فسق الخليفة وظلمه للأمّة.
الفسق: بمعنى الترك لأمر الله تعالى، ويقع بالقليل من الذنوب والكثير. ويُقال: الفاسق هو مَن إلتزم حكم الشرع وأقرّ به ثمّ أخلّ بجميع أحكامه أو ببعضها[187].
والمقصود بفسق الخليفة هو المعصية في الدّين من غير كفر ولا شرك، لأنّه لو أشرك فهو يُعزل لرِدّته عن الإسلام[188].
وقد ذهب معظم فقهاء أهل السنة والجماعة إلى عزل الخليفة من منصبه إذا فسق، بشرط أنْ لا يؤدّي عزله إلى إحداث فتنة و إراقة دماء المسلمين وتفتيت وِحدتهم[189].
يقول عضد الدّين الإيجي: << إنّ للأمّة خلع الإمام وعزله بسبب وجيه، مثل أن يوجد منه ما يوجب إختلال أموال المسلمين وإنتكاس أمور الدّين، كما أنّ لهم نصبه وإقامته لإنتظامها وإعلائها. و إنْ أدّى خلعه إلى فتنة احْتُمِلَ أدنى المَضَرَّتَيْن[190] >>.
ومن الأساتذة المعاصرين الذين أكّدوا على أنّ هذا الرّأي هو رأي أهل السنة والجماعة محمّد عبد القادر أبو فارس[191]، ومحمد رأفت عثمان[192]، وحسن السيّد بسيوني[193]، وسامي زين العابدين حمّاد[194].
وقد أخطأ البعض حينما ظنّ أنّ أهل السنّة والجماعة لا يُجَوِّزُونَ عزل الفاسق، والحقيقة أنّهم يُجَوِّزُونَه بشرط أنْ لا يؤدّي عزله إلى ضرر أكبر من ضرر وجود فاسق في الإمامة[195].
ثانيا: المسؤولية الدينية للخليفة.
تتمثل المسؤولية الدّينية للخليفة في ذالك الوازع الدّيني المنبثق عن إحساس الخليفة بمسؤوليته أمام الله عزّوجلّ، ولِمِثْلِ هذه المسؤولية أثر كبير في ضبط سلوكيات الخليفة أثناء ممارسته لأعمال الدولة.
وتعتبر العقيدة الإسلامية هي المُوَجِه والظابط لأفكار الخليفة وسلوكه ونشاطه و سائر تصرّفاته، ولا يمكنه التخلّي عنها إلاّ حينما يتخلّى عن الإيمان، ويفقد بذالك أهمّ شرط يؤهله لمنصب الخلافة في الإسلام[196].
ومن أهمّ أركان الإيمان، الإيمان باليوم الآخر، وهو من الأمور المهمّة التي تترك أثرًا روحانيا على سلوك الخليفة، وكثير من الآيات[197] ربطت الإيمان باليوم الآخر بالإيمان بالله تعالى[198].
وقد أكثر القرآن الكريم من ذكر اليوم الآخر وتفصيل أحوال ذالك اليوم، فللإنسان رسالة وهي الخلافة عن الله في الأرض و القيام بواجبات هذه الخلافة، وهو مسؤول عنها أمام الله عزّوجلّ[199].
المطلب الثاني: السلطة التنفيذية في النظام الديمقراطي.
سأتعرّض في هذا المطلب إلى الهيئة المخوّلة بممارسة التنفيذ في النظام الديمقراطي ( الفرع الأوّل )، ثمّ شروط واختصاصات رئيس الدولة في هذا النظام ( الفرع الثاني )، وفي الأخير سأتعرّض إلى مسؤوليّة رئيس الدولة ( الفرع الثالث ).
الفرع الأوّل: الهيئة المخوَّلة بممارسة السلطة التنفيذية.
أَوَلاً: رئاسة الجمهورية [ رئيس الدولة ].
يُقصد من مصطلح الجمهورية، الدولة التي يقودها أناس لا يبنون قوّتهم السياسية على أيّ مبدأ أو قوّة خارج سيطرة أو إرادة سكان تلك الدولة[200].
ويُراد برئيس الدولة من حيث الفِعل والتصرّف – وليس من حيث المسمّى -، الكيان الذي له أعلى سلطة تنفيذية في قيادة الدولة وإدارتها، فرئيس الدولة هو الرئيس المباشر لدولته ورمز سيادتها[201].
وهذا الأمر في الحقيقة يختلف من نظام سياسي إلى آخر، فقد يكون رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، كما هو الحال في النظام الديمقراطي الرّئاسي ومثاله الولايات المتحدة الأمريكية، وكما هو في النظام شبه الرّئاسي ومثاله النظام السياسي الفرنسي. كما قد يكون رئيس الوزراء هو رئيس الدولة الفعلي وهو ما يجسده النظام الديمقراطي البرلماني و مثاله النظام البريطاني، فرغم أنّ النظام البرلماني يوجد فيه رئيس الدولة، سواء كان رئيسا أو ملكا، إلاّ أنّ رئاسته شرفيّة لا تتعدى مجموعة من الصلاحيّات الفخريّة التي ينص عليها الدستور.
وقد تتخذ رئاسة الجمهورية في النظام السياسي الديمقراطي شكل مجموعة أشخاص – إثنين أو أكثر – فتكون القيادة جماعية، وذلك كما هو الحال في نظام حكومة الجمعيّة، ومثاله النظام السياسي السويسري. وفي أغلب الجمهوريات الحديثة يسمى رأس الدولة [ رئيس ] ويتمّ تعيّينه عن طريق الانتخابات.
ثانيًا: الحكومة.
الحكومة الديمقراطية هي الحكومة التي يستند فيها مصدر السلطة إلى الشعب، والحكومة الديمقراطية لا تظهر فقط في أنظمة الحكم الجمهوري بل يمكن أنْ توجد في الحكم الملكي إذا كان نظاما مَلكيًا
دستوريًا، حيث تكون السيادة بيد الشعب[202].
وتتخذ أشكال الحكومات المعاصرة في النظام السياسي الديمقراطي ثلاثة أنواع رئيسية هي:
1- حكومة النظام البرلماني.
يُعتبر مجلس الوزراء ـ الحكومة ـ الطرف الثاني الذي يشترك في تكوين السلطة التنفذية في النظام البرلماني، والذي يتكوّن من عدّة وزراء، ويرأسه رئيس مجلس الوزراء[203].
وتعتبر الحكومة في هذا النظام المسؤولة عن السلطة التنفيذية، كما أنّها همزة الوصل بين الهيئة التنفيذية والهيئة التشريعية.
ويعتبر رئيس مجلس الوزراء الرئيس الحقيقي للحكومة، ويتمّ إنتخابه غالبا من حزب الأغلبية، أو من أحزاب التحالف التي تشكِّل الأغلبية في البرلمان.
ويتمتع رئيس مجلس الوزراء في النظام البرلماني بموقع هام وفعَّال في رسم السياسة العامّة للدولة[204]، فله الحق في إختيار الوزراء، كما يمكن إنهاء حكومته فور تقديم إستقالته، وله سلطة فصل الوزراء وحلّ البرلمان و الدعوة لإنتخابات عامّة.
2- حكومة النظام الرّئاسي.
تُعتبر الحكومة في النظام الرّئاسي مجموعة من المساعدين لرئيس الدولة الذي يسيطر وحده على السلطة التنفيذية، فهم يأتمرون بأمره و ينفذون سياسته بشكل كامل، ولذا فهم ليسوا وُزراء، و إنّما هم عبارة عن أُمَنَاء يعاونون الرئيس في مهمّته التنفيذية[205].
ومادام رئيس الدولة هو صاحب السلطة التنفيذية بشكل كامل فإنّه لا يوجد في هذا النظام مجلس وزراء كما هو الحال في النظام البرلماني، و من هنا فإنّ رسم السياسة العامّة هي رهن بإرادة ورؤية رئيس الدولة.
3- حكومة نظام الجمعية النيابية.
تُعتبر الحكومة ـ السلطة التنفيدية ـ في نظام الجمعية النيابية أداة لتنفيذ سياسة السلطة التشريعية ـ البرلمان ـ.
فالبرلمان هوالذي يقوم بتوجيه الحكومة ومراقبة أعمالها، و يتمتع بكافة الصلاحيات في تعديل أو
إلغاء ما تتخذه الحكومة من قرارات إذا وجد فيها خروجًا عن سياسته العامّة[206].
كما يتمّ تعيّين أعضاء الحكومة في نظام الجمعية النيابية من قِبَلِ البرلمان الذي يستطيع إتخاذ القرار بعزلهم من مناصبهم إذا رأى هناك إنحراف في تنفيذهم لسياسته العامّة.
وما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام، هو أنّ هناك مِعْيَارَيْن رَئِيسِيَيْن للتميّيز أو المقارنة بين السلطات التنفيذية المعاصرة، هما:
أـ هل يمكن وصف رئيس السلطة التنفيذية بأنّه مؤثر وفعّال أو أنّه يقوم بمجرّد وظائف رمزية؟
فيكون رئيس السلطة التنفيذية مؤثرًا وفعّالاً في حالة قيامه وإمتلاكه لقدرات وسلطات صنع وتنفيذ السياسة العامّة، وغير مؤثر وفعّال في حالة عدم قيامه بذلك.
ب– هل يمكن وصف رئيس السلطة التنفيذية بأنّه ينفرد بممارسة سلطاته، أو أنّه يشارك أعضاء وزارته في إختصاصاته ومسؤولياته؟
تتوقف قوّة الرّئيس في هذا السياق عموما على عَامِلَيْن رئيسيَيْن:
الأوّل يتمثل في الشخصية، والثاني في طبيعة ظروف البيئة السائدة. فَتَمَتُعُ رئيس السلطة التنفيذية بسمات القيادة البطولية لا سيّما في أوقات الأزمات والحروب قد يُقوي السلطة التنفيذية حتى و إن كان الدستور يقرّ بإتساع مهام السلطة التشريعية[207].
الفرع الثاني: شروط وإختصاصات رئيس الدولة في النظام الديمقراطي.
أَوَلاً: شروط توليّة رئيس الدولة في النظام الديمقراطي.
من الشروط التي يجب توفّرها في المرشح لرئاسة الدولة في النظام الديمقراطي الحديث ما يلي:
1ـ الجنسيّة.
ومقتضى هذا الشرط أَنْ يتمتع المرشح لرئاسة الدولة بجنسية الدولة الذي هو مرشح لرئاستها[208].
ومن الدساتير التي نصّت على هذا الشرط، الدستور الجزائري الذي نصّ على أنّه: << لا يحق أنْ يُنتخَبَ لرئاسة الجمهورية إلاّ المرشح الذي يتمتع فقط بالجنسية الجزائرية الأصلية[209] >>.
كما نصّ الدستور الأمريكي على أنّه: << لا يكون أي شخص سوى المواطن بالولادة أو من يكون من مواطني الولايات المتحدة وقت إقرار هذا الدستور مؤهلا لمنصب الرّئيس[210] >>.
وهذا التشدّد في إشتراط الجنسية مرجعه هو ضمان ولاء رئيس الدولة لبلاده وَلاَءًا تَامًّا[211].
2- السِن.
لم تكتف الدساتير في الأنظمة الديمقراطية على شرط البلوغ بالنسبة لرئيس الجمهورية، ولكنّها لاعتبارات تتعلّق بخطورة المنصب، إعتمدت سنّ الرّشد، بعد أن يكون الفرد في هذه المرحلة قد خبر الأمور وأَغْنَتْهُ التجارب[212].
فمثلاً نصّ الدستور الأمريكي على أنّه: << لا يكون مُؤَهَلاً لهذا المنصب أيّ شخص لم يبلغ سن الخامسة والثلاثين[213] >>.
كما هناك دساتير أخرى جعلت السِن أربعين سنة كاملة، منها الدستور الجزائري الذي نصّ على ذلك[214].
هذا في الدوّل الجمهورية، أمّا الدوّل الملكيّة فإنّها لا تشترط سِنًّا معيّنة لوارثة العرش، وإنّما تشترطه لممارسة سلطاته الدستورية، وتجعل معظم هذه الدساتير هذه السنّ 18 سنة[215].
3- التمتع بالحقوق المدنية والسياسية.
نصّت على هذا الشرط العديد من الدساتير الحديثة، منها الدستور الجزائري الذي نصّ على وجوب تمتع المرشح لرئاسة الدولة بالحقوق المدنيةوالسياسية[216]، كما نصّ على ذالك الدستور المصري لسنة 1956م في المادة 120 منه، وكذالك الدستور العراقي لسنة 1964م في المادة 41، والدستور التونسي لسنة 1959م في الفصل 39، والدستور السوري لسنة 1973م في المادة83 منه[217].
ويظهر أنّ إشترط مثل هذا الشرط في النظم الديمقراطية الحديثة يعود إلى ضرورة إتصاف المترشح لرئاسة الجمهورية بحسن السلوك في سيرته الإجتماعية، حيث يدلّ إفتقاد المترشح لحقوقه المدنية
والسياسية على سوء سلوكه في المجتمع.
4- الإنتماء لأسرة معيّنة.
أمّا إشتراط الإنتماء لأسرة معيّنة فنجده في الأنظمة الملكية عموما، ومردّ ذلك يعود لأوضاع تاريخية خاصّة بهذه الدوّل.
فنجد أنّ الملك في إنكلترا من أسرة جورج هانوفر، والملك في بلجيكا من أسرة ساكس كابورج، والملك في السويد من أسرة برنادوت، والملك في هولندا من أسرة أورانج ناسو[218]. أمّا الأنظمة الجمهورية فإنّها لا تشترط هذا الشرط[219].
5- الدِين.
تشترط بعض الدساتير في النظام الديمقراطي الغربي أنْ يكون الرّئيس منتميًا إلى دين أو مذهب ديني معيّن.
فنجد أنّ الدساتير الإنجليزية والسويدية والنرويجية والدانمركية تشترط أن يكون الملك إنجيليًا[220].
وفي الدستور الجزائري نصّ على أنّ المترشح لرئاسة الجمهورية يجب أن يَدِين بالإسلام[221].
ثانيا: إختصاصات رئيس الدولة في النظام الديمقراطي.
تطوّرت سلطات رئيس الدولة بإعتباره رئيس الجهاز الإداري الأعلى في الدولة. وذالك نتيجة التطوّر الذي عرفه هذا الجهاز، حيث أصبح رئيس الدولة في الأنظمة الديمقراطية الحديثة يتمتع بمجموعة من الإختصاصات منها ماهو إختصاص تنفيذي ومنها ما هو إختصاص تشريعي.
1- الإختصاصات التنفيذية لرئيس الدولة.
أ– إختصاصته التنفيذية في الشؤون الداخلية.
أ1– إختصاص الرّئيس بتنفيذ القوانين.
يُعتبر الرّئيس في الأنظمة الديمقراطية الحديثة المختص بتنفيذ القوانين بإعتباره رئيس السلطة التنفيذية، وهو ما نصّت عليه الدساتير الحديثة. منها الدستور الأمريكي لذي نصّ على أنّه: << يُرَاعِي ـ أيْ رئيس الدولة ـ بأنْ تُنَفَّذ القوانين بإخلاص[222] >>.
كما نصّ الدستور الفنزويلي على أنّ رئيس الدولة يقوم بتنفيذ هذا الدستور والقانون[223].
أمّا الدستور الجزائري فقد أَوْكَل هذا الإختصاص إلى الوزير الأوّل الذي يسهر على تنفيذ القوانين والتنظيمات[224].
أ2– إختصاص الرّئيس بتعيّين الموظفين وإقالتهم.
يُعَدّ اختصاص الرّئيس بتعيّين وإقالة الموظفين من أهمّ الإختصاصات التي تساعد الرّئيس في تنفيذ سياسته، وذلك من خلال ضمان وَلاَء عدد كبير من الموظفين[225]. وهو ما نصّت عليه معظم الدساتير الحديثة، منها الدستور الأمريكي الذي نصّ على أنّه: << يرشح وبمشورة مجلس الشيوخ وموافقته أنْ يُعَيِّن سفراء ووزراء مفوّضين آخرين وقناصل وقضاة المحكمة العليا، وسائر موظفي الولايات الآخرين[226] >>، كما نصّ الدستور الفنزويلي على إختصاص رئيس الجمهورية بتعيّين وعزل نائب رئيس الجمهورية التنفيذي، وتعيّين وعزل الوزراء، وتعيّين النائب العام للجمهورية ورؤساء البعثات الدبلوماسية، وتعيّين وعزل الموظفين العامّين[227].
وقد نصّ الدستور الجزائري على إختصاص رئيس الجمهورية بتعيّين أعضاء الحكومة، كما خَوَّلَهُ حق التعيّين في مجموعة من الوظائف والمهام[228].
أ3– الإختصاصات العسكرية.
نصّت معظم الدساتير الحديثة على أنّ رئيس الدولة هو القائد العام للقوات المسلحة، كما يملك الإدارة العليا للعمليات العسكرية، وهو ما نصّ عليه الدستور الامريكي[229] و الدستور الفنزويلي[230]، و كذالك الدستور الجزائري[231].
ب– الإختصاصات التنفيذية لرئيس الدولة في الشؤون الخارجية.
لرئيس الدولة دور كبير في رسم السياسة الخارجية لبلاده، ويتضح هذا الدور من خلال الصلاحيات التي يتمتع بها في هذا المجال.
وقد نصّت على هذه الصلاحيات معظم الدساتير الحديثة، منها الدستور الأمريكي الذي نصّ على إختصاص رئيس الدولة بعقد المعاهدات[232]، والدستور الفنزويلي[233]، وكذلك الدستور الجزائري[234]. كما يختص بتعيّين البعثات الدبلوماسية وتبادل التمثيل الدبلوماسي، وهو ما نصّت عليه معظم الدساتير الحديثة منها الدستور الأمريكي[235]، والدستور الفنزويلي[236]، والدستور الجزائري[237].
2- الإختصاصات التشريعية لرئيس الدولة.
أـ حق إقتراح القوانين.
وهو إختصاص حتى و إِنْ لم تنص عليه بعض الدساتير بشكل صريح ومباشر، إلاّ أنّ رئيس الدولة يستطيع ممارسته من خلال آليات قانونية مُخَوَّلَة له، من قبيل توجيه الرّسائل إلى البرلمان.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية يتدخل الرئيس الأمريكي لِلَفْتِ نظر الكونغرس إلى بعض المسائل المهمّة التي تكون بحاجة إلى تنظيمها بقانون، وبمقتضى هذا يقوم الرئيس بمخاطبة الكونغرس برسالة مكتوبة أو شفهية، وهو ما يُصْطَلَحُ عليه بحق التوصية التشريعية[238]، وهذا خلافا للسلطة التنفيذية في النظام البرلماني، والتي تشترك مع السلطة التشريعية في إقتراح القوانين ومناقشتها داخل البرلمان[239].
وقد نصّ الدستور الجزائري على حق المبادرة بالقوانين بالنسبة لِكُلٍّ من الوزير الأول و النواب[240]، على أَنْ تُعرض مشاريع القوانين التي يتقدّم بها الوزير الأول على مجلس الوزراء الذي يترأسه رئيس الجمهورية[241].
ب- حق الإعتراض على القوانين.
حيث نصّت معظم الدساتير على هذا الحق لرئيس الجمهورية، ومنها الدستور الأمريكي[242]، فَكُلُّ مشروع قانون يصادق عليه مَجْلِسَا النواب والشيوخ يُرْسَلُإلى الرّئيس قبل أنْ يصبح قانونا، فإنْ وافق عليه وَقَّعَهُ، وإلاّ أعاده مع إعتراضاته إلى الكونغرس لإعادة النظر فيه.
كما نصّ على ذلك الدستور الجزائري من خلال حق رئيس الجمهورية طلب إجراء مداولة ثانية في قانون تمّ التصويت عليه، وفي هذه الحالة لا يتمّإقرار القانون إلاّ بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس الشعبي الوطني[243].
الفرع الثالث: مسؤولية رئيس الدولة في النظام الديمقراطي.
أَوَلاً: الأسلوب المباشر لتحريك مسؤولية رئيس الدولة.
نصّت معظم الدساتير الحديثة على تحريك مسؤولية رئيس الدولة في حالة إقترافه لأعمال يمكن وصفها بالجناية من قَبِيلِ الخيانة والفساد والرشوة.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية تبدأ عملية التحقيق في الإتهام الجنائي مِن قِبَل مجلس النواب، حيث يقدّم أعضاء هذا المجلس مشاريع قرارات تطالب بتوجيه الإتهام الجنائي إلى رئيس الدولة، فَتُحَالُ مشاريع القرارات من قِبَل رئيس مجلس النواب إلى اللّجنة القضائية الرّئيسية التي تتولّى إدارة تحقيقات الإتهام الجنائي[244].
وفي حالة إتخاذ القرار بالإتهام تكون المحاكمة من إختصاص مجلس الشيوخ، حيث يُقْسِمُ أعضاء هذا المجلس يمينا توكيدًا، وبعد ذالك تبدأ جلسات المحاكمة، ويرأس الجلسة في هذه الحالة رئيس المحكمة العليا، وعندما تثبت إدانة رئيس الدولة، فإنّه يُشترط أن يصدر قرار الإدانة بموافقة ثلثي أعضاء المجلس الحاضرين، والحكم الصادر بالإدانة ينبغي أنْ لا يتعدّى العزل ومنع شغل أي وظيفة في الولايات المتحدة مُسْتَقْبَلاً[245]، هذا بالنسبة للنظام الرّئاسي الأمريكي.
أمّا بالنسبة للنظام البرلماني فإنّ مسؤولية رئيس الدولة تختلف من دولة إلى أخرى، فالدول ذات الأنظمة البرلمانية الملكية تقرّر عدم مسؤولية رئيس الدولة سياسيا وجنائيا، وأمّا الدول ذات الأنظمة البرلمانية الجمهورية فرئيس الدولة فيها غير مسؤول سياسيا فقط، أمّا من الناحية الجنائية فإنّه يكون مسؤولا عن تصرّفاته التي تعتبر جرائم، سواء كانت تتعلّق بممارسة أعماله الوظيفية أو جرائم عادية[246].
ومن ثمّ فإنّ المسؤولية السياسية في النظام البرلماني تقع على عاتق الوزراء سواء من خلال المسؤولية الفردية أم الجماعية[247].
وقد نصّ الدستور الجزائري على تأسيس محكمة عليا تختص بمحاكمة رئيس الجمهورية عن الأفعال التي يمكن وصفها بالخيانة العظمى[248]، إلاّ أنّ هذه المحكمة لم تُنشأ إلى يومنا هذا.
ثانيا: الأسلوب غير المباشر لتحريك مسؤولية رئيس الدولة.
في الأسلوب غير المباشر لتحريك مسؤولية رئيس الدولة يتمّ تحريك مثل هذه المسؤولية من خلال ما يلي:
1- تحريك مسؤولية رئيس الدولة أمام الشعب بمناسبة إعادة الترشيح لمنصب الرّئاسة.
وهذا الأسلوب إنّما يثار في الأنظمة السياسية التي يتمّ فيها إختيار رئيس الدولة بواسطة الشعب، ولمدّة معيّنة يحدّدها الدستور[249]. وقد نصّت معظم الدساتير الحديثة على ذالك، منها الدستور الأمريكي[250] والفنزويلي[251] وكذالك الدستور الجزائري[252].
ويعتمد إختيار الناخبين لرئيس الدولة في هذه الحالة على تقيّيم أعماله السابقة، ومدى صدقه في تحقيق وعوده الإنتخابية أثناء فترة ولايته الأولى، فإذا رفض الشعب إعادة إنتخاب الرّئيس لفترة أخرى فإنّ ذالك يعتبر إنتقادًا لنهجه وسياسته السابقة[253]. كما يعتبر ذالك عزلاً ضمنيا لرئيس الدولة بواسطة الشعب، وبالتالي يمكن القول في هذه الحالة بنشوء المسؤولية السياسية للرئيس أمام الشعب[254].
2- الرّأي العام.
يؤدّي الرّأي العام دورًا كبيرًا في توجيه الرّئيس ومراقبة تصرّفاته، وهذا الأمر في الحقيقة يعتمد على مقدار الوعي السياسي للشعب ومدى نُضْجِه ووجود صحافة حرّة ومستقلّة.
فإذا كان الشعب في دولة معيّنة على درجة كبيرة من الوعي السياسي و الثقافة فمن شأن ذالك أن ينشأ رأيا عامًّا قويا وعادلا، خصوصا في حالة وجود أحزاب سياسية منظّمة ومتماسكة، فحينئذ سيضع رئيس الدولة في حُسبانه أنّه يتعاون مع شعب مستنير و قوي ورأي عام فعّال، ولهذا سيبذل أقصى جهده لإرضاء الشعب[255]. وهو الأمر الذي لا نكاد نجده إلاّ في الدول المتقدّمة حضاريا وفكريا وثقافيا وسياسيا وتكنولوجيا.
3- الأحزاب السياسية.
تلعب الأحزاب السياسية دورًا كبيرًا في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية، وخصوصا رئيس الجمهورية، فتجد أحزاب المعارضة التي لم تفز بإنتخابات الرّئاسة تصبّ جلّ إهتماماتها على نقد تصرّفات الرّئيس، ويزداد دور الأحزاب تأثيرا في حالة كون الرّئيس من حزب والأغلبية في البرلمان من حزب آخر[256].
وفي الولايات المتحدة الأمريكية فإنّ هذه الأحزاب تمارس نوعا من الضغط و الرّقابة على الرئيس من خلال أعضاء الحزب المعارض في الكونغرس، ومن خلال قدرتها على إثارة الرّأي العام ضد الرئيس في قضية ما، ولذالك فهي تعتبر من الضمانات المهمّة لمنع الرّئيس من الشطط والإنحراف[257].
المطلب الثالث: مقارنة للسلطة التنفيذية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي.
سأتطرّق هنا إلى مقارنة للسلطة التنفيذية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي سواء من حيث الهيئة المخوَّلة بالتنفيذ (الفرع الأوّل)، أو من حيث الشروط والإختصاصات (الفرع الثاني)، أو من حيث مسؤولية رئيس الدولة في كِلاَ النِظَامَيْن (الفرع الثالث).
الفرع الأوّل: مقارنة للسلطة التنفيذية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي من حيث الهيئة المخوَّلة بالتنفيذ.
إنّ تنفيذ الأحكام أدّى في نهاية المطاف إلى تطوّر الدعوة الإسلامية إلى دولة منظمة ذات مؤسسات تطوّرت وإتسعت مع تطوّر وإتساع عالم الإسلام الجغرافي والحضاري والفكري[258].
فلم يكن إلى جانب الخليفة في النظام الإسلامي حكومة تمارس السلطة التنفيذية معه، وإنّما كان هناك وُلاَّةٌ وعمّال في الأقاليم يساعدونه في ممارسة هذه المهمّة.
من هنا، يمكن القول بأنّ المؤسسة التنفيذية في النظام الإسلامي تشبه إلى حَدٍّ بعيد حال المؤسسة التنفيذية في النظام الرّئاسي من حيث الشكل، حيث أنّ كلاهما يتصف بأحادية هذه المؤسسة.
على أنّه يجدر التنبيه هنا إلى أنّ أحادية المؤسسة التنفيذية في النظام الإسلامي إنّما كان نابعًا من أحادية الخليفة في الدولة الاسلامية الأولى، فقد كان العالم الإسلامي تحت حكم خليفة واحد، بينما نحن اليوم أمام دول إسلامية مُتَعَدِّدَةٍ، ممّا يعني تعدّد الخلفاء وتعدّد المؤسسات التنفيذية بتعدّد هذه الدول. حيث أصبح القبول الإسلامي العام بفكرة تعدّد الدول الإسلامية إجتهاد جديد في مقابل الإجتهاد القديم، القائل بأنّه لا يجوز أَنْ يكون هناك حاكمان [ خليفتان ] في وقت واحد[259].
من هذا المنطلق، يمكن القول بأنّ أحادية المؤسسة التنفيذية في النظام الإسلامي بعد ما كانت شاملة للعالم الإسلامي، أصبحت اليوم كلّ دولة إسلامية تتبنى المؤسسة التنفيذية التي تراها مناسبة مع طبيعة النظام السياسي الذي تقوم عليه كلّ دولة على حِدَة.
فبعد أنْ كان منصب الخليفة يتولاّه شخص واحد في صدر الإسلام و زمنا بعده على فرقة وإضطراب، قضت الضرورة بعد ذلك بتعدّده في الشرق والغرب[260].
ذلك أنّ الإسلام مُتَنَوِّعٌ في المكان وفي الزمان، فليس من المنطقي تحديد بنية سياسية متجانسة خاصّة بهذا الدّين القديم[261].
أمّا المؤسسة التنفيذية في النظام الديمقراطي فهي إمّا أحادية كما هو الحال في النظام الرّئاسي وإمّا أنّها ثنائية كما هو معمول به في النظام البرلماني.
ففي النظام الرّئاسي نجد رئيس الدولة وحده المسيطر على السلطة التنفيذية، وبالتالي فهو وحده الذي يتمتع بتلك الإختصاصات الواسعة المخوَّلة لهذه الهيئة. أمّا في النظام البرلماني فنجد السلطة التنفيذية مشكّلة من رأسيْن إثنين، الأوّل: الملك أو رئيس الدولة الذي لا يتمتع سوى بمجموعة من الصلاحيات الفخرية، والثاني: الحكومة التي تسيطر سيطرة تامّة على الإختصاصات المنوطة بالهيئة التنفيذية.
لكن ما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام هو أنّ تركيز السلطة السياسية في المجتمعات المتقدّمة في وقتنا الحاضر أصبح بمثابة حديث لا يمكن الإعتراض عليه في واقعه الفعلي، فالتركيز أصبح أسلوب ممارسة السلطة في ظل الديمقراطيات المعاصرة، فمهما كانت العراقيل النظرية التي تضعها أمامه الدساتير، فإنّ التركيز بصفته ظاهرة، يبدو موضع ملاحظة في كلّ مكان سواء في إطار النظام الرّئاسي كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، أو في النظام البرلماني كما هو الحال في المملكة المتحدة[262].
فالهيئة التنفيذية لم تعد مجرّد هيئة تنفيذية ـ مُنَفِّذَة بالمعنى الإشتقاقي-، وإنّما أصبحت تمثل سلطة أساسية خلاّقة ودافعة لتتركّز في يدها القوّة الفعلية[263].
الفرع الثاني: مقارنة للسلطة التنفيذية بين النظام الإسلامي و النظام الديمقراطي من حيث الشروط والإختصاصات.
أَوَلاً: مقارنة للسلطة التنفيذية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي من حيث الشروط.
من خلال ملاحظاتنا للشروط التي أوردناها في الرّئيس الأول للسلطة التنفيذية في كلّ من النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي، يمكن إستخلاص مجموعة من النتائج تتمثل فيما يلي:
1– إنّ الشروط التي أوردها فقهاء الشريعة الإسلامية تعتبر أَضْيَق نطاقا من نظيرتها في النظم الدستورية الديمقراطية، وهي شروط تكرّس بقوّة وحزم أنْ يكون الخليفة في خدمة الشريعة الإسلامية، ومن هنا أغلق الفقهاء باب الترشح للخلافة لأيّ شخص لا تتوفر فيه هذه الشروط، على عكس النظام الديمقراطي الذي يفسح المجال لأشخاص قد تتعارض عقائدهم مع الإيديواوجية السائدة في الدولة.
فمن الممكن مثلا أنْ يصل قادة الأحزاب الشيوعية في فرنسا وإيطاليا إلى منصب رئاسة الدولة في البَلَدَيْن، إذا توافرت الظروف الإجتماعية التي تقف حتى الآن عقبة في طريق وصول هذه الأحزاب إلى مركز السلطة[264].
2– يُلاحظ أنّ الدساتير في النظم الديمقراطية الحديثة أغفلت شرط العدالة في رئيس السلطة التنفيذية، وهو شرط أكّد عليه فقهاء الإسلام في النظام الإسلامي، إلى درجة أنّ زوال هذا الشرط من الخليفة بعد تنصيبه للخلافة يؤدّي إلى عزله.
فممّا يثير الدهشة أنْ ننظر إلى الفقه الوضعي في العصر الحديث فلا نجد فيه ذكرا للعدالة، أللاّهم إلاّ بصدد الكلام عن القضاء، حيث نجد كلمة القضاء وكلمة العدل تُعَبِّرُ عنها كلمة واحدة بالإفرنجية ][265]. justis[
لكن من الممكن أنْ يقال بأنّ الدساتير الحديثة في النظام الديمقراطي قد إستغنت عن شرط العدالة بإيراد شرط آخر يتحقق به جزء من العدالة الظاهرية بمعناها غير الشرعي، وهو شرط التمتع بالحقوق المدنية والسياسية الذي يكون الشخص من خلاله مُؤَهَّلاً للترشح لمنصب رئاسة الدولة[266].
3– يُلاحظ على الفقه الإسلامي أنّه إشترط في الخليفة أنْ يكون قرشيا، ممّا يعني أنّ الخلافة لا تكون إلاّ في رجل من قريش بغض النظر عن موطنه. بينما نجد في الدساتير الحديثة أنّ رئيس الدولة يجب أنْ يكون متمتعا بجنسية الدولة التي يترشح فيها للرّئاسة.
وما يجدر التنبيه عليه هنا هو أنّ الإجتهاد الفقهي المعاصر يرى أنّ مسألة النسب القرشي كانت متصلة بزمن نشأة الإسلام، وما كان لقريش من مكانة عند العرب لكنّها ليست شرطا أَبَدِيًا، و إلاّ لقلنا إنّ كلّ حكام المسلمين منذ إنقطاع الخلافة القرشية حكمهم باطل، وتصرّفاتهم على الرّعية غير مشروعة، وهذا لا يقول به أحد[267].
4– نجد الفقه الإسلامي قد إشترط الذكورة في المترشح لمنصب الخلافة وذالك بالإجماع، بينما نجد في الدساتير الحديثة القائمة على أساس النظام الديمقراطي لا تذكر هذا الشرط كما هو في كثير من الدساتير الغربية[268].
كما نجد الدستور الجزائري بدوره لم ينص على هذا الشرط، مما يعني جواز ترشح المرأة لمنصب الرّئاسة، إلاّ أنّه منذ إستقلال الجزائر سنة1962م و إلى اليوم لم يحدث أَنْ إعتلت إمرأة في الجزائر هذا المنصب، ولعلّ ذالك راجع إلى تأثير التقاليد الدّينية والإجتماعية في هذا البلد على الرّأي العام.
ثَانِيًا: مقارنة للسلطة التنفيذية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي من حيث اختصاصات رئيس الدولة.
من خلال التأمّل في إختصاصات رئيس السلطة التنفيذية في كُلٍّ من النظام الإسلامي و النظام الديمقراطي يمكن إستخلاص مجموعة من النتائج المتمثلة فيما يلي:
1- من حيث تنفيذ القوانين.
نجد أنّ هناك تشابه من جهة هذا الإختصاص، فكما أنّ الفقه الإسلامي نصّ على هذا الإختصاص للخليفة، نجد الدساتير الحديثة في الأنظمة الديمقراطية تُخَوِّلُ هذا الإختصاص لرئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء.
2- من حيث تعيّين الموظفين وإقالتهم.
فنجد أنّ الخليفة له الحق في إختيار مساعديه وتعيّين وُلاّة وعمّال الأقاليم، مع مراعاة الكفاءة والقدرة في إختيارهم وتعيّينهم، وهو مايشبه إلى حَدٍّ بعيد ما نصّت عليه الدساتير الحديثة من حق رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء في تعيّين و إختيار طاقم حكومته.
3- من حيث الإختصاصات العسكرية.
فكما أنّ الخليفة مختص بتحصين الثغور وإعداد العُدّة المانعة والقوة الدافعة، ممّا يعني أنّه هو من يتكفّل بحماية البلاد من الأخطار الداخلية والخارجية التي تتهدّدها من الأعداء، فإنّنا نجد الدساتير الحديثة قد نصّت في معظمها على أنّ رئيس الجمهورية هو القائد العام للقوات المسلّحة.
4- من حيث الإختصاصات التشريعية.
حيث يتجسد هذا الإختصاص للخليفة من خلال المشاورة والمناقشة مع أهل الحلّ والعقد أو مع الأمّة حسب الحالة، ومِن ثَمَّ فمن حقه بإعتباره أحد أعضاء الشورى أَنْ يقترح مايراه مناسبا للمسألة المطروحة للنقاش، أو أًنْ يعترض على ما لا يراه مناسبا.
وهو ما تنص عليه الدساتير الحديثة في الأنظمة الديمقراطية من حق رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء في إقتراح القوانين والإعتراض عليها.
الفرع الثالث: مقارنة للسلطة التنفيذية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي من حيث مسؤولية رئيس الدولة.
نجد في النظام الإسلامي أنّ مسؤولية الخليفة مسؤولية مزدوجة، فهي من جهة مسؤولية دنيوية ومن جهة أخرى مسؤولية دينية.
فالمسؤولية الدنيوية جزاءها مرتبط بالحياة الدنيا فيما لو أخلّ الخليفة بالواجبات الملقاة على عاتقه، فمن حق الأمّة مساءلة الخليفة، ومن حقها عزله من منصبه في ما لو طرأ عليه أحد أسباب العزل.
أمّا المسؤولية الدينية للخليفة فهي مرتبطة بالحياة الآخرة، وهي ليست مسؤولية معنوية أو أدبية، وإنّما هي مسؤولية حقيقية، هامّة وفعّالة ومنتجة، بل قد يكون تأثيرها على الخليفة في ضبط سلوكه وجميع تصرّفاته وأعماله على منهج الإستقامة والعدل، أكثر من تأثير أيّ مسؤولية أخرى[269].
وذلك أنّ الدولة في الإسلام لها أساس عَقَدِي تقوم عليه، و هو العقيدة الإسلامية التي يؤمن بها الحاكم والرّعية على حَدٍّ سواء[270].
من هنا فإنّ هذه العقيدة تعتبر بمثابة صمّام الأمان لجعل سلوكات وتصرّفات الحاكم تنسجم مع أحكام القانون الإسلامي وعدم الخروج عنه.
ولعلّه من خلال ما أوضحناه من إزدواجية مسؤولية الخليفة في النظام الإسلامي يتضح جَلِيًّا أنّ كِلاَ المسؤوليَتَيْن لهما نتيجتَيْن مختلفتَيْن.
فالمسؤولية الدنيوية هي مسؤولية جزائية، بمعنى أنّ نتيجتها هو إيقاع الجزاء المناسب على الخليفة في الحياة الدنيا في حالة إخلاله بها، وأمّا المسؤولية الدينية فهي مسؤولية وِقائية، حيث تَقِي وتمنع الخليفة من الوقوع في المحظور، كما أنّ جزاءها هو جزاء أخروي.
والمُلاحظ أنّ فقهاء الإسلام قد حدّدوا الأساليب التي يتمّ إتباعها لتحريك مسؤولية الخليفة ومحاسبته على هذا الأساس، فلا مانع من وجود نص دستوري يحدّد أسباب مساءلة الرئيس وكيفية مساءلته والإجراءات المتبعة والجهة التي تقوم بمساءلته ومحاسبته[271].
بينما نجد مسؤولية رئيس الدولة في النظم السياسية القائمة على أساس الديمقراطية هي مسؤولية دنيوية، ولعلّ ذالك راجع إلى أنّ النظام الديمقراطي الحديث يقوم على أساس فصل الدّين عن الدولة، فلا يوجد شيء في هذا النظام إسمه المسؤولية الدينية.
فرئيس الدولة في النظام السياسي الديمقراطي مسؤول سياسيا وجنائيا.
ففي النظام الرّئاسي مثلا نجد رئيس الدولة مسؤول سياسيا، و إنْ لم يتم الإشارة إلى هذه المسؤولية بصورة مباشرة- كما هو الحال في دستور الولايات المتحدة الأمريكية- وإنّما تمّ الإشارة إلى المسؤولية الجنائية، ذالك أنّ أيّ جريمة يرتكبها رئيس الدولة تكون المسؤولية الجنائية هي الأساس القانوني لإثارة المسؤولية السياسية[272].
أمّا في النظام البرلماني فإنّ المسؤولية تختلف بإختلاف طبيعة النظام السياسي، فإنْ كان مَلَكِيًا دستوريا فإنّ المسؤولية السياسية والجنائية تقع على عاتق الحكومة، و إنْ كان جمهوريا برلمانيا فإنّ رئيس الدولة لا يُسأل سياسيا ولكنّه يُسأل جنائيا.
كما أنّ تحريك مسؤولية رئيس الدولة في النظام الديمقراطي تتمّ وفق إجراءات معيّنة، وتتمّ محاكمته أمام هيئة قضائية خاصة، وهو ما لا نجده في النظام الإسلامي.
المبحث الثالث: السلطة القضائية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي
تعتبر السلطة القضائية من الأهمّية بمكان في أيّ نظام سياسي ومنها النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي. وتتأثر السلطة القضائية في كُلٍّ من هذيْن النظامَيْن بالأيديولوجيا السياسية التي يعتمد عليها كلّ نظام منهما.
وممّا لا شك فيه أنّ القضاء في النظام الإسلامي له خصائصه وقواعده الخاصّة المستمدّة من الشريعة الإسلامية السمحاء التي تجعله مُقَيَّدًا بمجموعة من الضوابط التي لا يجوز الخروج عنها. وكذالك الأمر بالنسبة للقضاء في الأنظمة السياسية الديمقراطية،فله خصائصه وقواعده الخاصّة.
من هذا المنطلق، سأتطرّق في هذا المبحث إلى السلطة القضائية في النظام الإسلامي و النظام الديمقراطي وذالك من خلال ثلاث مطالب:
المطلب الأوّل: أتعرّض فيه إلى السلطة القضائية في النظام الإسلامي.
المطلب الثاني: وأتطرّق فيه إلى السلطة القضائية في النظام الديمقراطي.
المطلب الثالث: وأعقد فيه مقارنة للسلطة القضائية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي.
المطلب الأوّل: السلطة القضائية في النظام الإسلامي.
سأتطرّق في هذا المطلب إلى تعريف القضاء لغة و إصطلاحا (الفرع الأوّل)، ثمّ إلى الخصائص التي يتميّز بها القضاء في النظام الإسلامي (الفرع الثاني)، وأختم أخيرًا بالتطرّق إلى القواعد الأساسية التي يقوم عليها هذا القضاء(الفرع الثالث).
الفرع الأوّل: تعريف القضاء.
أَوَلاً: المعنى اللّغوي للقضاء.
قال إبن منظور: << القضاء: [ الحُكم، والجمع: الأقضيّة أو القضايا ]، وقال: [ قال أهل الحجاز: القاضي معناه في الّلغة: القاطع للأمور المحكم لها ]. وإستقضى فلان، أيْ جُعِل قاضيًا يحكم بين الناس، ومعنى القضاء: الفصل في الحُكم[273] >>.
ومن المعاني الرّئيسية للقضاء في اللّغة معنى: الحُكم، أيْ: الإيجاب والإلزام[274]. وقد ورد في القرآن بهذا المعنى، قال تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاه[275] }، أيْ: حكم بعبادته وعدم عبادة غيره على سبيل الإلزام[276].
ويعتبر هذا المعنى أنسب المعاني إلى المعنى الإصطلاحي، لأنّ أصل الحكم في اللّغة: المنع، وهذا المعنى يوجد في القضاء، لأنّ غايته منع الناس عن الظلم[277].
ويؤيّد هذا أنّ لفظ الحكم جاء في القرآن الكريم بمعنى القضاء، كما في قوله تعالى: { وَأَنْ أُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ الَّله[278] }، فإنّ الحكم في الآية بمعنى القضاء، ولذالك سُمِّيَ القاضي في إصطلاح الفقهاء حاكما[279].
ثانيا: المعنى الإصطلاحي للقضاء.
1- المعنى الإصطلاحي عند المالكية.
قال إبن رشد: << حقيقة القضاء: الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام[280] >>.
ويُلاحظ على هذا التعريف أنّ القضاء لا يتحقق إلاّ بثلاثة أمور هي:
أ– الإخبار: وهو التبيّين والإظهار سواء كان بالقول أو بالكتابة أو بالإشارة.
ب- الحكم الشرعي: أيْ المستند لمصادره الشرعية، فلو أخبر القاضي بحكم غير شرعي فإنّه لا يعتبر قضاءًا، أو يعتبر قضاءًا باطلاً.
ج- الإلزام: وهو تنفيذ الإخبار على الغير قهرًا، وهذا الإلزام يستمدّ قوّته من النصوص الشرعية وليس من القاضي. فإذا لم يكن هناك إلزام كان الإخبار بالحكم الشرعي فتوى لا قضاءًا[281].
2- المعنى الإصطلاحي للقضاء عند الحنابلة.
قالوا: << القضاء: تبيّينُ الحكم الشرعي والإلزام به وفصل الخصومات[282] >>.وهذا التعريف يشبه إلى حَدٍّ بعيد تعريف المالكية، إلاّ أنّ “فصل الخصومات” لم يُذكر عندهم، لأنّه نتيجة للقضاء وليس هو قيدًا إحترازيا[283].
3- المعنى الإصطلاحي للقضاء عند الشافعية.
عرّفه القليوبي فقال: << القضاء: الحكم بين الناس، أو الإلزام بحكم شرعي[284] >>.
وعرّفه عميرة فقال: << إظهار حكم الشرع في الواقعة من مُطاع[285] >>.
وهناك تعريف يشير إلى وظيفة القاضي، وهو: القضاء، الحكم الذي يستفيده القاضي بالولاية، وهو إظهار الحكم الشرعي في الواقعة فيمن يجب عليه إمضاؤه، بخلاف المفتي فإنّه لا يجب عليه إمضاؤه[286].
4- المعنى الإصطلاحي للقضاء عند الحنفية.
قال الصنعاني: << القضاء في الشرع: هو إلزام ذي الولاية بعد الترافع، و قيل هو الإكراه بحكم الشرع في الوقائع الخاصّة لمعيَّن أو جهة، والمراد بالجهة كالحكم لبيت المال أو عليه[287] >>.
الفرع الثاني: القضاء في العهد النبوي وعهد الخلفاء الرّا شدين.
أَوَلاً: القضاء في العهد النبوي الشريف.
تولّى الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم الفصل في الخلافات التي كانت تقع بين أفراد المجتمع الإسلامي بوصفه الحاكم والقاضي الأوّل في الدولة الإسلامية الأولى، وذلك تجسيدا لقوله تعالى:
{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلُ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى الَّلهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمْ المُفْلِحُون[288] }.
وقد جاء دستور المدينة ـ المتمثل في الصحيفة التي أصدرها رسول الله في المدينة بعد هجرته إليها- لِيُضْفِي الصبغة التنفيذية على هذه الآية الكريمة، حيث نصّت المادة 23 من هذا الدستور على أنّه: << وأنّكم مهما إختلفتم فيه من شيئ فإنّ مردّه إلى الله وإلى محمّد[289] >>.
من هنا تولّى رسول الله صلّى الله عليه وآله سلطة القضاء بتكليف من الله تعالى، وعلى الرّغم من ذلك إلاّ أنّه عيّن بعض الصحابة في مناصب قضائيّة[290].
ومن أشهر قُضاته صلى الله عليه وآله وسلم:
ــ عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه.
ــ حذيفة بن اليمان العبسي (رض).
ــ معاذ بن جبل (رض)[291].
وقد كان منهجه وطريقته صلّى الله عليه وآله في القضاء تعتمد على ما يلي:
1- تطبيق النّص إن وُجِدَ ذلك[292].
ومثاله قطع يد مَنْ سرق رداء صفوان بن أميّة (رض)، حيث أنّ النبي (ص آ) قال لمّا أمر بقطع يده فشفع فيه، قال: هلا كان ذالك قبل أن تأتيني به[293]. وما يُفهم من هذا الحديث أنّ رسول الله(ص آ) طبّق قوله تعالى: { وَالسَارِقُ وَالسَارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَّهُمَا جَزَاءًا بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ الَّلهِ وَالَّلهُ عَزِيزٌ حَكِيم[294] }.
2- الإجتهاد[295].
وذلك في حالة عدم وجود نصّ شرعي، وفي هذه الحالة يقوم الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله بإستنباط حكم الواقعة و الحكم به.
ومثل هذا الإجتهاد هو في الحقيقة وحيّ، لأنّه صلّى الله عليه وآله لا ينطق عن الهوى.[296] و مثاله، تخيّير الولد المميّز بين أبيه و أمّه.
فعن أبي هريرة (رض): << أنّ إمرأة قالت: [ يا رسول الله إنّ زوجي يريد أَنْ يذهب بإبني وقد نفعني وسقاني ]، فجاء زوجها، فقال النبي(ص آ): [ يا غلام هذا أبوك وهذه أمّك فخذ بيد أيّهما شئت ]. فأخذ بيد أمّه فانطلقت به[297] >>.
فقد حكم رسول الله (ص آ) في حضانة الولد المميّز بإجتهاده، وهو يعتبر تشريع منه معصوم عن الخطأ، لأنّه معصوم في ذلك.
3- قضاء الرّسول الأعظم(ص آ) بالبيّنة والدليل.
وهنا تكون البيّنة والدليل هما الأصل، سواء كان الشهود شهود صدق أم شهود زور، وسواء كانت اليمين صادقة أم فاجرة، فالحكم ينفذ و يبقى دَيْنًا ليوم القيامة، والحق لا يسقط عن الذمّة. فالخطأ إذا وقع هنا إنّما هو في طريق الحكم وليس في الحكم نفسه، وهذا هو الفرق بين الخطأ في الحكم والخطأ في طريق الحكم[298].
وهو ماتشير إليه رواية أم المؤمنين أم سلمة (رض) قالت: << قال رسول الله ( ص آ): [ إنّكم تختصمون إِلَيَّ، فلعلّ بعضكم أنْ يكون ألحن بحجّته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قطعتُ له من حق أخيه شيئًا فإنّما أقطع له قطعة من النار ][299] >>.
من خلال دراسة القضاء في عهده صلّى الله عليه وآله يتضح أنّ هناك عدّة مميّزات، تتمثل فيما يلي[300]:
أ– لم يكن القضاء منصبا له صفة الإستمرارية والدوام، بل كان من يكلّفه رسول الله (ص آ) بالقضاء تنتهي مهمّته بإنتهاء الفصل في القضية، وإذا كانت الوظيفة ولاية عامّة مثل ولاية معاذ بن جبل(رض)
كان القضاء جزءا من الولاية العامّة[301]*.
ب- كان القضاء من الناحية الموضوعيّة يقوم على الحكم بكتاب الله ثمّ بسنّة رسوله ثمّ الإجتهاد بالرّأي، كما يدلّ على ذلك حديث معاذ بن جبل(رض).
ج- كان القضاء من ناحية طرق الإثبات يقوم على الحكم الظاهر منها دون الحكم بالواقع.
د– عدم وجود هيئة معيّنة لتنفيذ الأحكام أو أناس مخصوصون لذالك.
هـ – عدم وجود مكان معيّن للقضاء، فكان يحكم صلّى الله عليه وآله حسب المكان الذي تُرْفَعُ فيه الدعوى.
و– لم يكن في العهد النبوي تسجيل للأحكام وأخذ المحكوم له صورة عن الحكم.
ثانيَا: القضاء في عهد الخلفاء الرّاشدين.
لمّا كان الخليفة في الإسلام هو من ينوب عن صاحب الشرع في الدعوة إلى الدّين والمحافظة عليه وسياسة أمور النّاس به، لذالك كانت له أيضا سلطة القضاء[302].
1-القضاء في عهد أبي بكر الصديق.
تولّى أبو بكر الصديق سلطة القضاء بنفسه[303]، كما أسند هذه المهمّة أيضا لمجموعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب و أبو موسى الأشعري و معاذ بن جبل، وقد كان هؤلاء وُلاَّتُهُ وقُضاته على البلاد[304].
وقد إعتمد منهج أبي بكر الصديق في القضاء على ما يلي:
ــ القرآن الكريم، وهو المصدر الأول للقضاء.
ــ السنة النبوية، وهي المصدر الثاني.
ــ الإجماع، وهو المصدر الثالث، من خلال مشاورة أهل العلم والفتوى.
ــ الإجتهاد والرّأي، وذلك عند عدم وجود نصّ أو إجماع[305].
وأهمّ ما ميّز القضاء في عهد أبي بكر الصديق، ما يلي[306]:
– كان القضاء محصورًا في الإطار الذي كان عليه في عهد رسول الله(ص آ)، وذلك من حيث قلّة الوقائع، وعدم فصل القضاء عن الولاية، حيث كان جزءا من الولاية العامّة.
– زيادة مَصدريْن للقضاء، و هما الإجماع والاجتهاد لعدم وجود نصّ شرعي.
2- القضاء في عهد عمر بن الخطاب.
في بداية عهد الخليفة عمر بن الخطاب إستمرّ حال القضاء على ما كان عليه في عهد أبي بكر الصديق(رض)[307]، وكان عمر يقضي بنفسه بين الناس[308]، كما أسند هذه المهمّة إلى مجموعة من الصحابة منهم علي بن أبي طالب كرّم الله وجه، و زيد بن ثابت(رض)، والسائب بن يزيد(رض)[309].
وقد كان منهج عمر بن الخطاب في القضاء يعتمد على ما يلي[310]:
ــ القرآن الكريم.
ــ السنّة النبوية الشريفة.
ــ إن لم يوجد حكم في النص إنتقل إلى قضاء أبي بكر الصديق.
ــ إن لم يجد في قضاء أبي بكر، جمع رؤساء القوم من المهاجرين والأنصار وطرح عليهم الواقعة.
ــ الإجتهاد بعد إنعدام الحلّ في الخطوات السابقة.
ومن أهمّ مميّزات القضاء في عهد عمر بن الخطاب ما يلي[311]:
ــ عدم تحديد صلاحية القاضي، فكان يقضي في الأموال والأعراض والحدود والجنايات.
ــ إضافة قاضي ثاني مع القاضي الأول، كما حصل في المدينة من تعيّين زيد بن ثابت وعلي بن أبي طالب للقضاء مَعًا.
ــ تقسيم القضايا.
ــ فصل الولاية عن القضاء جزئيا خارج المدينة، فمثلا عبد الله بن مسعود كان على بيت المال، وعمار بن ياسر واليا، وشريح قاضيا، على الكوفة، ولكن بقيّت السلطة القضائية بيد الخليفة، وهذا يعني عدم الفصل الكلي بين الولاية والقضاء.
ــ فرض مرتبات للقضاة.
3- القضاء في عهد عثمان بن عفان.
يتضح من نصّ البيعة التي بويّع بها عثمان، أنّه كان على نهج الخَليفيتَيْن من قبله، حيث عمل بكتاب الله وسنّة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر[312].
ومن الصحابة الذين وَلاَّهُم عثمان مهمّة القضاء في عهده، عبد الله بن أبي السرح، وعمرو بن العاص، وأبو موسى الأشعري، وقد كان هؤلاء وُلاَّتُهُ على الأمصار[313].
ومن المميّزات التي تميّز بها القضاء في عهد عثمان بن عفان، عدم إستقلال القضاء إستقلالا تامّا، حيث بقيّ الأمر في المدينة بيد الخليفة، وبقيّ إستشارة القضاة والوُلاّة للخليفة في إصدار الأحكام وما صَعُبَ من القضايا[314].
4- القضاء في عهد الإمام عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه.
تضمّن كتاب الامام عليّ كرّم الله وجهه الذي وَجَهه إلى واليه على مصر، مالك بن الأشتر النخعي (رض) كثيرا من المسائل المتعلّقة بالقضاء[315].
والناظر في هذا الكتاب يجد أنّ منهج الإمام عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه هو الإعتماد على كتاب الله وسنّة رسوله و إجماع الأمّة، فإن لم يجد إجتهد برأيّه.
ورغم الأحداث المتلاحقة في زمنه إلاّ أنّ القضاء تميّز بما يلي[316]:
ــ إستقلال الوالي في إختيار القضاة.
ــ إستقلال القضاء في عهد الإمام عليّ، و إنْ لم يكن إستقلالا بالمعنى المتعارف عليه اليوم، إلاّ أَنّ القاضي لا يرجع إلى الخليفة في إستشارته في إصدار الأحكام.
ــ ترسيخ معنى المساواة بين الخصوم على مستوى القمّة والقاعدة.
ــ أوّل من أحدث طرق جديدة في القضاء، مثل التفريق بين الشهود، والتفريق بين المُدَّعِي والمُدَّعى عليه.
ــ متابعة القضاة فيما يصدرونه من أحكام، ومراجعة القضاة إذا ظهر خطأهم.
ــ أصبح هناك كاتب للقاضي.
ــ أجاز الإمام عليّ كرّم الله وجهه إسئناف الحكم والتظلّم منه عند غير القاضي الذي أصدر الحكم ممّن هو أعلى منه درجة.
ومع بداية عهد الخلافة الأمويّة إنقطع الخليفة عن مباشرة وظيفة القضاء، وترك أمر القضاء للقضاة الذين قام بتعيّينهم، وكان للخليفة الحق بعزل القضاة متى شاء[317].
وقد كان القضاء في العصر الأموي بسيطا كما كان في عهد الخلفاء الرّاشدين، حيث كان القاضي يحكم مُستعينًا بالكتاب والسنّة والإجماع[318].
وفي عهد العباسيّين إستمرّ الوضع على ما كان عليه في عهد الخلافة الأمويّة، حيث إمتنع خلفاء هذه الحِقبة من النظر في قضايا الناس، كما شهدت هذه الحِقبة نشأة المذاهب الأربعة، وأصبح القاضي ملزَما بأمر الخليفة أَنْ يصدر حكمه وِفق هذه المذاهب أو إحداها[319].
كما ظهر قاضي المظالم الذي أصبح مُخْتَصًّا بالنظر في المنازعات الإدارية أصلا، وهذا الإختصاص شبيه بإختصاص القضاء الإداري في العصر الحديث.
وقد كان قاضي المظالم لا يتوقف نظره للقضية على إقامة الدعوى كما هو الشأن في القضاء الإداري، بل كان في وُسْعِه أنْ يتصدى للقضية من دون دعوى، كما هو الحال بالنسبة لتعدّي الوُلاّة على الرّعية، وردّ الغصوب متى عَلِمها، و فيما يُجْبونه كُتَّاب الدواوين من أموال… إلخ[320].
الفرع الثالث: قواعد القضاء في النظام الإسلامي.
يقوم القضاء في الإسلام على مجموعة من القواعد التي يجب مراعاتها من قِبَلِ السلطة القضائية، ويمكن إجمالها فيما يلي:
القاعدة الأولى: مبدأ المساواة أمام القضاء.
يعتبر المواطنون جميعهم سواسية إتجاه القضاء في النظام الإسلامي، سواء من حيث حضورهم أمام القضاء، أو إجراءات التقاضي وأصول المرافعات، أو قواعد الإثبات وسريان النصوص عليهم، أو تنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم، لا فرق في ذلك بين طبقة إجتماعية و أخرى، و قد أكّد الفقهاء المسلمون هذا المعنى في التسوية بين الخصوم[321].
من هنا لا بدّ للمحاكم التي تفصل في الجرائم والمنازعات أنْ لا تختلف بإختلاف الوضع الإجتماعي للأشخاص المتخاصمين، بحيث تكون هناك محاكمة خاصة بطبقة إجتماعية دون أخرى.
وقد إنتهى فقهاء المسلمين إلى وضع شروط المساواة أمام القاضي، فأوجبوا عليه ما يلي:
ــ يستمع القاضي إلى المُدَّعِي ويطلب المُدَّعَى عليه أمامه إلى مجلس القضاء، دون تفرقة بين غنيّ أو فقير، قويّ أو ضعيف.
ــ يحقق عدالة الإجراءات القانونية، فَيُسَوِي بين الخصوم في هذه الإجراءات و في إشاراته ونظراته و مجلسه… إلخ.
ــ يحكم بالعدل، على أنّ هذا لا ينافي إختلاف العقوبة تَبَعًا لإختلاف ظروف المجرمين ولو كانت الجريمة واحدة، ولا ينافي وجود محاكم لكلّ نوع من الجرائم، كمحاكم الأحداث مَثَلا[322].
القاعدة الثانية: وحدة المصدر في القضاء الاسلامي.
فالمرجع في نظر جميع القضايا والمخاصمات هو الشريعة الإسلامية، فهي الأصل والأساس المعتمد في جميع أحكام القضاء، وليس هناك سلطان ذو هيمنة على القضاء في الإسلام سوى أحكام الشريعة الإسلامية[323].
القاعدة الثالثة: مبدأ إستقلالية القضاء.
القضاء في الإسلام سلطة مستقلّة غير تابعة لأحد من الخلق، فالقاضي إنّما يسير بوحي من النصوص الشرعية، ولم تكن هناك من صلة بين السلطة التنفيذية – الخليفة والوزراء والأمراء والوُلاّة والعمّال – وبين القضاة إلاّ من ناحية التوليّة والعزل[324].
ويمكن التعبير عن مثل هذه الاستقلالية بالاستقلالية الوظيفية التي تجعل من القاضي يقوم بعمله بكل حرّية وأمانة وإخلاص دون ظغوطات من أحد مهما كان شأنه في الدولة الإسلامية. ومن هنا قرّر فقهاء الإسلام عدم جواز عزل القاضي دون سبب مُبِيحٍ لذلك[325].
القاعدة الرّابعة: مبدأ تسبيب الأحكام القضائية.
والمراد بتسبيب الحكم القضائي ذِكر القاضي لِما بَنَى عليه حكمه القضائي من الأحكام الكلّية، وأدلّتها الشرعية، وذكر الوقائع المؤثرة في القضية، وصفة ثبوتها بطرق الحكم المعتدّ بها[326].
وبيان الحكم بالتعليل مبدأ جار في التشريع القضائي في الإسلام، وهي طريقة القرآن الكريم والسنّة المطهرة في بيان الأحكام، وذكر عللها المؤثرة.
فقد قضى الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم بحضانة إبنة حمزة لخالتها وقال:
<< الخالة بمنزلة الأم >>. قال الحافظ إبن حجر العسقلاني: << وفيه من الفوائد أنّ الحاكم يبيّن دليل الحكم للخصم[327] >>.
القاعدة الخامسة: مبدأ سرعة الفصل في المنازعات.
فمن الأسس المقرّرة في القضاء الإسلامي الإسراع في البت في القضية المعروضة، وعدم التأخير إلاّ لمبرّر يدعو إلى التأخير، ويكون فيه مصلحة معتبرة، وهذا الذي كان عليه القضاء في عهد الرّسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، حيث كان يقضي بين الخصوم في مجلس المخاصمة[328].
وهنا يجدر التنويه إلى أنّ سرعة البت في القضايا مشروط بأنْ يكون ذلك بعد دراسة عميقة للقضية، ناشئة عن الفهم الشرعي لها.
قال ابن قدامة: << وإذا إتصلت به الحادثة وإستنارت الحجة لأحد الخصميْن حكم، وإن كان فيها لبْس أمرَهما بالصلح، فإنْ أَبَيَا أَخَّرَهُمَا إلى البيان، فإن عجّلهما قبل البيان لم يصح حكمه[329] >>.
القاعدة السادسة: مبدأ السهولة والتيسير في الإجراءات القضائية.
وهو مبدأ مستنبط من العديد من الآيات والأحاديث الشريفة التي تدعو إلى رفع الحرج عن الأمّة، منها قوله تعالى: { مَا يُرِيدُ الَّلهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج[330] }.
وفي صحيح البخاري: << عن أبي هريرة، عن النبي(ص آ) قال: [ إنّ هذا الدّين يُسر، ولن يشادّ الدّين أحد إلاّ غلبه، فسدّدوا وقاربوا[331] >>. قال الإمام الشاطبي: << الأدلّة على رفع الحرج في هذه الأمّة بلغت مبلغ القطع[332] >>.
ويندرج تحت هذا المبدأ العام في الشريعة الإسلامية أحكام المرافعات في القضاء الإسلامي، فقد بُنِيَ على التيسير في إجراءاته و التسهيل في طرقه، بما يوصل إلى مقصوده الأصلي وهو إحقاق الحق وإنصاف المظلوم[333].
القاعدة السابعة: تدوين المرافعة.
والمراد بتدوين المرافعة، كتابة مرافعة الخصميْن من الدعوى والإجابة والبيّنات والأيمان والنكول، وجميع المناقشات والإفادات المتعلّقة بها، وكتابة الحكم وأسبابه في محضر الحكم[334].
وقد ذكِرَ أنّ أوّل من دَوَّنَ الخصومات والأقضيّة، القاضي سليم بن عنز، قال الذهبي:
<<… وعن إبن حجيرة قال: إِخْتُصِمَ إلى سليم بن عنز في ميراث، فقضى بين الورثة، ثمّ تناكروا فعادوا إليه، فقضى بينهم وكتب كتابا بقضائه، وأشهد فيه شيوخ الجند، فكان أوّل مَن سجل بقضائه[335] >>.
القاعدة الثامنة: مبدأ الإستبيان والتثبت.
ومرجع هذا المبدأ الآيات[336] والأحاديث التي نصّت عليه، منها حديث رسول الله(ص آ):
<< يا عليّ إذا جلس إليك الخصمان فلا تقضي بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعتَ من الأوّل، فإنّك إذا فعلتَ ذلك، تَبَيَّنَ لك القضاء[337] >>.
كما يلزم من هذه القاعدة مراجعة الحق إذا تبيّن خطأ الحكم القضائي.
فإذا قضى القاضي بحكم ثمّ تبيَّنَ له خطأ ما حكم به، وجب عليه نقضه، لأنّ الرّجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل[338].
القاعدة التاسعة: مبدأ توقيع الجزاء من السلطة القضائية المختصة.
و هذا مبدأ مهم لكونه يُقلِّلُ من الإضطراب الإجتماعي، حيث لو عوقب كلّ جَانٍ من المجني عليه لوقع غُلُوٌّ من هذا الأخير لحقده على المعتدي، ولأصبح العقاب ثأرًا متتاليا لا نهاية له، ولَزَادَ الفساد كلّما وقع عقاب، ولذالك وجب إيقاع الجزاء من جهة قضائية مستقلّة بعد الإدانة[339].
المطلب الثاني: السلطة القضائية في النظام الديمقراطي.
في هذا المطلب سأتطرّق إلى دور السلطة القضائية في النظام الديمقراطي ( الفرع الأوّل)، ثمّ إلى الهيئات المخوَّلة بالقضاء في هذا النظام ( الفرع الثاني)، وأختم أخيرا بالتطرّق إلى المبادئ الأساسية للقضاء في النظام الديمقراطي ( الفرع الثالث).
الفرع الأوّل: دور السلطة القضائية في النظام الديمقراطي.
يتمثل دور السلطة القضائية في تطبيق القانون الصادر عن السلطة التشريعية في حال خرقه من قِبَلِ المواطنين أو من قِبَل الأجهزة الرّسمية للدولة، أو في حالة المنازعات بين المواطنين أنفسهم، أو المنازعات بين أجهزة الدولة والمواطنين[340].
وَوِفق النظام الديمقراطي ومبدأ الفصل بين السلطات، فإنّ السلطة القضائية تعمل على الحرص والسهر على تطبيق القانون بشكل متساوٍ، سواء بين المواطنين أنفسهم أم بين المواطنين وأجهزة الدولة الرّسمية والأعضاء المكوِّنين لها.
وتختلف طريقة تشكيل السلطة القضائية بين الدول الديمقراطية، فمنها من يأخذ بنظام القضاء الموَّحد كما هو الحال في إنجلترا، ومنها من يأخذ بنظام القضاء المزدوج كما هو الحال في فرنسا، ولكن جميع هذه النظم تكفل للمواطنين وجود عدّة درجات من التقاضي أمام عدد من المحاكم المختلفة.
كما تكفل هذه النظم إنشاء محاكم متخصصة بنزاعات ومجالات معيّنة، بما يضمن في النهاية تحقيق الحدّ اللآزم من العدالة والمساواة.
ويتمّ ضمان إستقلال السلطة القضائية في النظم الديمقراطية من خلال قانون خاص يحدّد جهة الإشراف على عمل القضاء وكيفية تعيّين أعضائها، كما ينظم القانون طريقة تعيّين القضاة وشروط عزلهم، وصلاحياتهم وكلّ ما يتعلق بطريقة عملهم[341].
وقد نصّت الدساتير الحديثة على الدور الفعّال الذي تلعبه السلطة القضائية في مجال الحرص على تطبيق القانون، فقد نصّ الدستور الأمريكي على أنّ: << السلطة القضائية تشمل جميع القضايا المتعلّقة بالقانون والعدل التي تنشأ في ظلّ أحكام هذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة، والمعاهدات المعقودة أو التي ستُعقد بموجب سلطتها، كما تشمل جميع القضايا التي تتناول السفراء والوزراء المفوّضين والقناصل وجميع القضايا الداخلة في إختصاص الأميرالية والملاحة البحرية، والمنازعات التي تحدث بين إثنين أو أكثر من الولايات، وبين إحدى الولايات ومواطني ولاية أخرى[342] …>>.
كما نصّ الدستور الفنزويلي على أنّه: << يتوجب على أجهزة السلطة العدلية التعامل مع القضايا التي هي من إختصاصها عن طريق الإجراءات التي يحدّدها القانون، وتنفيذ أحكامها والعمل على تنفيذها[343] >>.
وكذلك نصّ الدستور الجزائري على أنّه: << تحمي السلطة القضائية المجتمع والحرّيات، وتضمن للجميع ولكلِّ واحد المحافظة على حقوقهم الأساسية[344] >>.
وعلى هذا يتضح جَلِيًّا أنّ دور السلطة القضائية في النظام الديمقراطي يقف على مسافة واحدة من الجميع، فالحقوق والحرّيات التي يتمتع بها الجميع مصونة ومحمية من قِبَلِ السلطة القضائية، التي تقوم بدورها الرّقابي في حالة خرق هذه الحقوق والحرّيات سواء من قِبَلِ المواطنين أم من قِبَلِ الأجهزة الإدارية للدولة، وهو الأمر الذي يجعل من السلطة القضائية في النظام الديمقراطي صمّام الأمان في حماية حقوق وحرّيات الأفراد داخل المجتمع.
الفرع الثاني: الهيئات المخوَّلة بالقضاء في النظام الديمقراطي.
تشمل الأجهزة المخوَّلة بالقضاء في النظام الديمقراطي جميع الجهات القضائية بمختلف أنواعها ودرجاتها وتشكيلاتها[345].وهذه الجهات القضائية سواء كانت تستند على مبدأ القضاء الموَّحد أو القضاء المزدوج إلاَّ أنّ دورها هو الحرص على عدم إختراق القانون من أي جهة كانت و من أي شخص كان.
وقد نصّ الدستور الأمريكي على أنّ: << السلطة القضائية في الولايات المتحدة الأمريكية تُنَاط بمحكمة عليا واحدة وبمحاكم أدنى درجة[346] …>>.
كما نصّ الدستور الفنزويلي على أنّه << يتكوّن نظام العدل من محكمة العدل العليا والمحاكم الأخرى التي يحدّدها القانون[347] …>>.
أمّا التنظيم القضائي في الجزائر فإنّه يشمل النظام القضائي العادي و النظام القضائي الإداري ومحكمة التنازع[348].
ويتضح من خلال هذا التنظيم أنّ القضاء الجزائري إعتمد مبدأ إزدواجية القضاء، والذي بموجبه تم فصل القضايا التي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها، عن القضايا التي تكون بين الأفراد[349]. وهو التنظيم المتبع في الأنظمة السياسية الديمقراطية التي تقوم السلطة القضائية فيها على أساس مبدأ إزدواجية القضاء.
فبالنسبة لأجهزة النظام القضائي العادي في الجزائر أبقى الدستور الجزائري[350] على بعض الجهات القضائية التي أُنْشِئَتْ بموجب الدساتير السابقة وهي: المحكمة العليا والمجالس القضائية والمحاكم[351].
وتعتبر المحاكم في التنظيم القضائي الجزائري والأنظمة القضائية المقارنة هي القاعدة الأساسية التي يقوم عليها النظام القضائي بشكله الهرمي[352].
و بعد تبني نظام الإزدواجية القضائية تُعَدُّ المحاكم قاعدة النظام القضائي العادي، وهي تفصل في جميع القضايا التي تدخل ضمن إختصاصها، ولا يخرج عن ولايتها إلاّ ما إِسْتُثْنِيَ بموجب النصوص الواردة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية[353].
وخلافا للقضاء المزدوج فإنّ القضاء المُوَّحَد يمتاز بميزة أساسية وهي محاولة إقامة المساواة المطلقة بين الفرد والدولة عن طريق إخضاعهما لقاضي واحد، والسبب في ذالك طغيان فكرة تقديس الفرد في بعض الأنظمة السياسية كما هو الحال مع القضاء الأمريكي والإنجليزي[354]. بينما القضاء المزدوج يُخْضِعُ الفرد للقضاء العادي الذي يتميّز عن القضاء الإداري الذي تخضع له الدولة ومؤسساتها الإدارية العامّة، كما هو الحال في فرنسا التي تُعَدُّ مهد نشأة هذا النوع من القضاء، وقد تبعتها في ذلك العديد من الدول الحديثة ومنها الجزائر.
أمّا المجالس القضائية فَتُعَدُّ جهة إستئناف للأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم في الدرجة الأولى، وفي جميع المواد حتى ولو كان وصفها خاطئا[355].
وتبعًا لذالك تُعَدُّ المجالس القضائية كقاعدة عامّة الجهة القضائية في النظام القضائي العادي ذات الدرجة الثانية، وهي تجسيد لمبدأ التقاضي على درجتيْن[356].
وأمّا المحكمة العليا فهي قمّة هرم النظام القضائي العادي، ويُطلق عليها في مصر محكمة النقض، وفي تونس محكمة التعقيب، وفي فنزويلا محكمة العدل العليا، وأمّا في الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية فيُطلق عليها إسم المحكمة العليا، وهي هيئة قضائية دستورية.
وفي الجزائر أنْشِئَت هذه المحكمة بموجب الدستور[357]، كما يمكن تحديد صلاحياتها طبقا للدستور بما يلي:
ــ توحيد الإجتهاد القضائي في جميع أنحاء البلاد والسهر على إحترام القانون.
ــ تُمَارِس رقابتها على تسبيب الأحكام القضائية.
ــ تقدير نوعية القرارات القضائية التي تُرفع إليها.
ــ تشترك في برامج تكوين القضاة.
ــ تعمل على نشر قراراتها وجميع التعليقات والبحوث القانونية والعلمية لتدعيم توحيد الإجتهاد القضائي[358].
أمّا بالنسبة لأجهزة النظام القضائي الإداري في الجزائر فإنّها تشمل مجلس الدولة والمحاكم الإدارية[359]. حيث تعتبر هذه الأخيرة جهات الولاية العامّة في المنازعات الإدارية، وتختص بالفصل في أوّل درجة[360]، ولا يخرج عن إختصاصها إلاّ ما إِسْتُثْنِيَ بنص[361]. بينما يُعَدّ مجلس الدولة الهيئة القضائية الإدارية العليا في التنظيم القضائي الجزائري[362]، وهو تابع للسلطة القضائية[363].
وقد أناط المشرِّع الجزائري بمجلس الدولة على غرار مجلس الدولة الفرنسي إختصاصات قضائية وأخرى إستشارية، فهو يعتبر محكمة إبتدائية ومحكمة استئناف وجهة نقض[364]، وله إختصاصات إستشارية تتمثل في إبداء رأيّه في مشاريع القوانين وإقتراح التعديلات بشأنها[365].
وأمّا بالنسبة لمحكمة التنازع فإنّها تتولّى الفصل في حالات تنازع الإختصاص بين المحكمة العليا ومجلس الدولة[366]، ممّا يعني أنّ محكمة التنازع تختص بالفصل في منازعات الإختصاص بين الجهات القضائية الخاضعة للنظام القضائي العادي والجهات القضائية الخاضعة للنظام القضائي الإداري، ولا يمكن لمحكمة التنازع التدخل في منازعات الإختصاص بين الجهات القضائية الخاضعة لنفس النظام[367].
الفرع الثالث: المبادىء الأساسية للقضاء في النظام الديمقراطي.
يقوم التنظيم القضائي في النظام الديمقراطي على مجموعة من المبادئ الجوهرية التي لا يمكن لأيّ نظام ديمقراطي الإستغناء عنها، وتتمثل هذه المبادئ فيما يلي:
أَوَلاً: مبدأ إستقلالية القضاء.
يُقصد من إستقلالية القضاء إستقلاليته كسلطة وكيان عن السُلطتيْن التشريعية والتنفيذية، وكذلك إستقلال القُضاة كأشخاص وعدم وضعهم تحت رهبة أيّ سلطة حاكمة[368]. وعلى هذا فإنّ القاضي في النظام الديمقراطي لا يكون تابعا لأيّ سلطة أخرى مهما عَلَتْ ، ذالك أنّ هذه التبعية من شأنها المساس بحقوق المتقاضين وبمبادئ العدالة وسيادة القانون. وقد نصّت دساتير الدول الحديثة على هذا المبدأ ومنها الدستور الجزائري الذي أكّد على إستقلالية السلطة القضائية[369]. كما أكّدت نصوص قانونية أخرى على حيادية القاضي وإستقلاليّته[370]، ممّا يعني أنّ المشرّع الجزائري قد نصّ على إستقلالية القضاء كهيئة وكأشخاص.
ثانيا: مبدأ حق اللّجوء إلى القضاء.
يعتبر هذا المبدأ من الحرّيات العامّة والأساسية فهو حق نصّت عليه دساتير الدول الحديثة، فلن يكون لإستقلالية القضاء أيّ معنى إذا لم يستطع المواطن اللّجوء إلى القضاء بكل حرّية للدفاع عن حقوقه[371].
وقد أكّد الدستور الجزائري على هذا المبدأ حيث نصّ على أنّ القضاء في متناول الجميع[372]، كما نظّم القانون كيفية ممارسة هذا الحق، حيث أكّد قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنّه:
<< يجوز لكلّ شخص يَدَّعِي حقا رفع دعوى أمام القضاء للحصول على ذلك الحق أو حمايته[373] >>.
ثالثا: مبدأ حياد القاضي.
يعتبر هذا المبدأ من الأسس الهامّة التي يقوم عليها القضاء في النظم الديمقراطية،وقد نصّت عليه المواثيق والإعلانات العالمية، فضلا عن النّص عليه في دساتير وقوانين الدول الحديثة.فقد نصّ عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أكّد على أنّ عرض أيّ خصومة ونزاع يجب أَنْ يكون عرضه على قضاء عادل ونزيه، وأنْ يُلْزَم القاضي بسلوك مُعيَّن يُبْعِدُه عن كلّ شبهة تمسّ حِيَادِيَتَه[374].
وقد نصّ الدستور الجزائري على أنّ القانون يحمي المتقاضي من أيّ تعسف أوأيّ إنحراف يصدر من القاضي[375]، ومن هنا جاء القانون الأساسي للقضاء ليفرض على القاضي التحفظ الذي يضمن له الحياد والإستقلالية[376]، كما منع على القاضي الإنتماء إلى الأحزاب السياسية[377]، وممارسة بعض النشاطات مثل النشاط الصناعي والتجاري المربح[378]، كما منح قانون الإجراءات المدنية و الادارية الحق للمتقاضي في طلب ردّ القاضي عن النظر في الدعوى في الحالات التي نصّ عليها القانون[379].
رابعا: مبدأ مجانية القضاء.
ذلك أنّ طبيعة مرفق القضاء وهيئته تفرض أنْ لا يتلقّى القضاة أجورهم من الخصوم، و إنّما يتلقون رواتبهم من قِبَلِ الدولة، بإعتبار أنّ فرض أتعاب القضاء على المتقاضي من شأنه أنْ يجعل المرفق القضائي في خدمة فئة إجتمعاية ميسورة، وهذا تميّيز مرفوض يتنافى وروح العدالة. من أجل ذالك أقرّت جميع الأنظمة القانونية مجانية القضاء، مع التنويه إلى أنّ فرض بعض الرّسوم القضائية لا يتنافى مع هذا المبدأ حيث تعتبر رسوما رمزية، وذالك حتى لا يكون مجانية القضاء سببا في رفع الدعاوى الكيدية[380].
وفي الجزائر صدر الأمر رقم 69/79، متعلّق بالمصاريف القضائية الذي بيّن الرّسوم القضائية وكيفية التعامل معها.
خامسا: مبدأ التقاضي على درجتيْن.
وهو مبدأ يقوم على ضرورة وجود محكمة من الدرجة الأولى التي تقوم بإصدار حكم إبتدائي، ومحكمة من الدرجة الثانية يقوم المتقاضي بالإستئناف أمامها ضد الحكم الصادر في حقة من محكمة الدرجة الأولى ،وذالك بهدف التطبيق السليم والصحيح للقانون.
وقد أخذ المشرِّع الجزائري بهذا المبدأ حيث نصّ عليه في قانون الإجراءات المدنية والإدارية[381].
سادسا: مبدأ علنيّة الجلسات.
ففي النظام الديمقراطي يجب أَنْ تكون جلسات القضاء مفتوحة للجميع، سواء المعنيِّين بالقضية أم غير المعنيِّين بها، وهو الأمر المعمول به في النظام القضائي للدول الحديثة.
وقد أكّد الدستور الجزائري على هذا المبدأ، حيث نصّ على أنّ الأحكام القضائية يُنطق بها في جلسات علنية[382]، كما نصّ القانون على أنْ تكون الجلسات علنية ما لم تمس بالنظام العام أو الآداب العامة أو حرمة الأسرة[383].
سابعا: مبدأ الوجاهية.
مبدأ الوجاهية في اللّغة اللآتينية معناه: [ يجب سماع الطرف الآخر أيضًا ]، و مضمون مبدأ الوجاهية أنّ كل طرف من أطراف الدعوى له الحق وقد تمكَّن فعلاً أثناء سير الدعوى من عرض ونقاش كلّ واقعة، أو أيّ وسيلة قانونية قدّمها خصمه[384].
وقد نصّ المشرّع الجزائري على ضرورة أنْ يلتزم القاضي والخصوم بمبدأ الوجاهية[385].
ويعتبر هذا المبدأ من المبادئ الأساسية التي يجب إحترامها أمام أي جهة قضائية ،وحتى أمام جهة غير قضائية كالمجالس التأديبية[386].
ثامنا: مبدأ المساواة أمام القضاء.
مضمون هذا المبدأ أنّ المتقاضين يقفون أمام نفس المحاكم و بنفس الإجراءات مهما إختلف الوضع الإجتماعي لهؤلاء المتقاضينبلا تميّيز فيما بينهم[387]. و قد أقرّ الدستور الجزائري هذا المبدأ، حيث نصّ على أنّ الجميع سواسية أمام القضاء[388].
وتأكّد تكريس هذا المبدأ في قانون الإجراءات المدنية والإدارية الذي نصّ على أنّه: << يستفيد الخصوم أثناء سير الخصومة من فُرص متكافئة لعرض طلباتهم ووسائل دفاعهم[389] >>. إنّ مبدأ المساواة أمام القضاء يتنافى مع تخصيص هيئة لتفصل في منازعات تخص فئة إجتماعية دون أخرى، و عليه تطبيقا لمبدأ المساواة يجب على كلّ ذي صفة سياسية أو إدارية أو برلمانية أن يتجرّدمن صفته و هو واقف أمام القضاء، و أنْ لا يستعمل صفته للتأثير على القاضي[390].
تاسعا: مبدأ تسبيب الأحكام.
يعتبر تسبيب الأحكام الوسيلة المؤثرة في إقناع الخصوم، والدليل الذي يبرهن على سلامة الأحكام وموافقتها للقانون والعدالة، فلا بدّ للقاضي أنْ يشير في حكمه إلى الأدلّة التي دفعته للإقتناع بهذا الحكم دون غيره.
وقد نصّ الدستورالجزائري على وجوب تسبيب الأحكام القضائية[391]، كما أكّد قانون الإجراءات المدنية والإدارية على وجوب تسبيب الحكم القضائي من حيث الوقائع والقانون، وأنْ يُشار في الحكم إلى النصوص القانونية، و يجب أنْ يستعرض بإيجاز وقائع القضية وطلبات وإدعاءات الخصوم ووسائل دفاعهم[392].
المطلب الثالث: مقارنة للسلطة القضائية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي.
سوف أتعرّض في هذا المطلب إلى مقارنة السلطة القضائية بين النظام الإسلامي و النظام الديمقراطي من حيث مضمون القضاء في كُلٍّ منهما ( الفرع الأوّل )، ومن حيث الهيئات المخوَّلة بالقضاء ( الفرع الثاني )، و كذلك من حيث المبادئ التي يقوم عليها القضاء في كِلاَ النظاميْن ( الفرع الثالث ).
الفرع الأوّل: مقارنة السلطة القضائية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي من حيث مضمون القضاء.
من خلال ما تقدّم يتضح جليًّا أنّ القضاء في الإسلام يتضمّن معنى الفصل بين الناس في الخصومات حَسْمًا للتداعي وقطعا للنزاع عن طريق الأحكام الشرعية المتلقاة من الكتاب والسنّة[393]. ولعلّ إستناد القضاء في الإسلام إلى الأحكام الشرعية القائمة على الكتاب والسنّة يجعله مرتبطا إرتباطا وثيقا بالعقيدة الإسلامية.
ومن الأمثلة التي تدلّ على إرتباط القضاء في الإسلام بالعقيدة، تعظيم اليمين، حيث يعتبر تعظيم يمين الدعوى أشدّ رهبة في نفس الحالف، وكُلٌّ بحسب دينه[394]، وهذا التعظيم يكون سواء من حيث الصيغة أو الزّمان أو المكان.
أمّا من حيث الصيغة كأنْ يقول القاضي قُلْ: << والله الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة، الرّحمن الرحيم، الطالب الغالب،المدرك المهلك، الذي يعلم من السرّ ما يعلم من العلانية، الكبير المتعال، إنّ لي على فلان كذا[395] …>>.
وتفخيم اليمين بهذه الصيغة إنّما هو لتعظيم شأنها في نفس الحالف الذي يكون في هذه الحالة أقلّ تجاسرا و إقبالا على الكذب.
وأمّا من حيث الزمان فكأنْ يقع اليمين في يوم جمعة أو في شهر رمضان مثلاً، أو غير ذالك من الأزمنة المباركة.
و أمّا تعظيم اليمين من حيث المكان، كأنْ يكون بين الرّكن والمقام في مكّة، وعند منبر رسول الله (ص آ) في المدينة، وعند الصخرة في بيت المقدس، وغيرها من الأماكن المقدسة في الإسلام[396].
ومن الأمثلة أيضا على إرتباط القضاء الإسلامي بالعقيدة، الإقرار، وذلك لأنّ إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ[397]. والأصل في ذلك قوله تعالى: { وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الحَق[398] }، حيث أمره الله تعالى بالإملال، فلو لم يُقْبَلْ إقراره لما كان لإملاله معنى[399].
من هنا كان الإقرار في القضاء الإسلامي ذات صلة وثيقة بالعقيدة الإسلامية وبالوازع الديني عند المُقِرّ، فالإقرار للوارث إن كان المُوَرِّثُ مريضا مرض الموت، إعتمد القائلون بصحته من العلماء على الوازع الدّيني للمُقِرّ، حيث أنّ الحال التي وصل إليها من المرض تُقَرِّبُهُ أكثر من الله تعالى وتُبعده عن محاباة بعض الورثة[400].
من هنا يتضح أنّ مضمون القضاء في الإسلام مرتبط بعقيدة الإسلام، و هو ما يجعل القاضي والمتقاضي ملزَمان بمبادئه و أحكامه الشرعية إلتزاما عمليا وعقائديا، ويجعل من الأحكام الصادرة عن هذا القضاء أحكاما لها هَيْبَتُهَا وإحترامها من قِبَلِ المسلمين.
وأمّا بالنسبة لمضمون القضاء في النظام الديمقراطي فإنّه لا صلة له بأيّ عقيدة أو دين، ذلك أنّ هذا النظام يقوم على فصل الدّين عن الدولة، و أنّ الدّين مكانه هو الكنيسة ولا دخل له في تنظيم شؤون الناس وحياتهم الإجتماعية والسياسية، من هنا نجد هذا القضاء لا يتحرّك في حالة المساس بالقيّم والثوابت الدّينية بل وحتى الأخلاق الفطرية الإنسانية، بينما نجده يتحرّك للدفاع عن القوانين الوضعية في حالة خرقها، حتى و إن كانت قوانين تبيح ما لا ترضاه الفطرة الإنسانية السليمة من قبيل الزنى والشذوذ الجنسي والسلوكيات المنافية للأداب العامّة، وهو ما أدّت إليه الحرّية المطلقة في النظام الديمقراطي الغربي.
و حتى إن كان هناك إحترام للأحكام الصادرة عن القضاء في النظام الديمقراطي فإنّ هذا الإحترام من قِبَلِ المواطنين ليس منشأه الإيمان بدين ما، بقدر ما هو إحترام نابع عن إعتقادهم بلزوم التقيّد بأحكام القانون الوضعي.
الفرع الثاني: مقارنة السلطة القضائية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي من حيث الهيئات المخوَّلة بالقضاء.
يتضح من خلال ما تقدّم عن القضاء في العهد النبوي الشريف والعهد الراشدي أنّ الهيئات المخوَّلة بالقضاء في النظام الإسلامي لم تكن عبارة عن هياكل ومؤسّسات قضائية كما هو الحال اليوم، وإنّما كان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده الخلفاء هم من يقومون بفضّ المنازعات والخصومات بين الناس، كما كانوا يُعيِّنون أُنَاسًا يقومون بهذه الوظيفة، وهو أمر كان يتماشى مع المجتمع الذي كان قائما آنذاك.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ قيام الرّسول الأعظم(ص آ) وكذلك الخلفاء من بعده بتعيِّين القُضاة من طرفهم، ليس معناه أنّ وظيفة القضاء لم تكن مستقلّة، سواء من حيث حرّية القاضي في إتخاذ الأحكام والقرارات القضائية التي يراها مناسبة للواقعة المطروحة أمامه، أم من حيث سريان أحكام القانون على الجميع دون إستثناء، بمن فيهم الخليفة. لكنّه مع إتساع رقعة الدولة الإسلامية وكثرة الأجهزة و الدواوين داخل هذه الدولة، بدأ القضاء يتحوّل إلى جهاز قائم بذاته، وظهر نوع جديد من القضاء لم يعهده المسلمون من قبل، من قبيل قضاء المظالم الذي يشبه إلى حَدٍّ بعيد ما يُعرف بالقضاء الإداري في العصر الحديث.
وفي المقابل نجد أنّ القضاء في النظام الديمقراطي مخوَّل لمجموعة من الأجهزة القضائية التي تختلف من حيث درجاتها وتشكيلاتها، وهو الأمر الذي أصبح معمولا به في الدول الحديثة على مختلف توجهاتها السياسية.
والمُلاحظ على هذه الأجهزة القضائية أنّها تقوم بوظائفها تحت إشراف السلطة التنفيذية ممثّلة بما يسمى بوزارة العدل، بالرّغم من إقرار معظم دساتير الدول الحديثة على أنّ السلطة القضائية هي سلطة مستقلّة، وهو الأمر الذي يجعل هناك نقطة إشتراك بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي، فكما أنّ الخليفة و الذي يمثل السلطة التنفيذية في النظام الإسلامي هو مَن كان يُشرف على وظيفة القضاء سواء بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر، مع إستقلالية القضاء، فإنّ السلطة التنفيذية في النظام الديمقراطي مُمَثَّلةً بوزارة العدل هي من تشرف على عمل هذا الجهاز،مع الإعتراف الدستوري بإستقلالية عمله. من هذا المنطلق يمكن القول بأنّ النظام الإسلامي كان سَبَّاقًا في الإعتراف بإستقلالية السلطة القضائية خصوصا من حيث القيام بعملها الذي لا يتأثر بأي تأثير ما عدى النصوص القانونية المتمثِّلة في أحكام الشريعة الإسلامية، و هو الأمر الذي يقوم عليه أيضاالقضاء في النظام الديمقراطي، حيث لا يتأثر القضاء إلاّ بالنصوص القانونية .
وما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام هو أنّ الإسلام ومع تطوُّر المجتمع الإسلامي، لا يمنع إنشاء أجهزة قضائية سواء كانت محاكم إبتداءية أم مجالس قضائية أم محاكم عليا ، وِفْقًا لمبدأ التقاضي على درجتيْن مادامت الغاية والهدف من إنشائها هوتحقيق أكبر قدر ممكن من الحق و الإنصاف و العدالة التي يسعى القضاء الإسلامي بدوره إلى تحقيقها، ذالك أنّ هذه الآليات الحديثة ليس لها علاقة بأحكام الشريعة الإسلامية بقدر ما هي أمور تنظيمية ترك فيها الشارع فسحة للمسلمين لينظروا في كيفية و طريقة إنشائها بما يتلائم و مصلحة المجتمع الإسلامي.
الفرع الثالث: مقارنة السلطة القضائية بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي من حيث مبادئ القضاء.
لعلّه ممّا تقدّم من تطرّقنا للمبادئ الأساسية للتنظيم القضائي في كُلٍّمن النظام الديمقراطي والنظام الإسلامي، يتضح أنّ هذه المبادئ تكاد تكون متشابهة نوعاما بالرّغم من إختلاف الفكر الذي تنبثق منه هذه المبادئ. فإنّه ممّا هو معلوم بالضرورة أنّ مستند المبادئ التي تحكم القضاء الإسلامي هو الشريعة الإسلامية المتمثِّلة في الكتاب والسنّة ، و التي هي مصادر لإستنباط الحكم الشرعي، وهذا خلافا لمبادئ القضاء في النظام الديمقراطي فإنّ مستندها هو القانون الوضعي.
من هذا المنطلق يمكن القول بأنّ مردّ التشابه في الحقيقة ليس هو تأثر أحد النظاميْن بالآخر بقدر ماهو إنسجام كُلٍّ من النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي مع الفكر الفلسفي الذي يقوم عليه كُلٌّ منهما، و إذا كان النظام الديمقراطي حريصا على حقوق الفرد والمواطن داخل الدولة ممّا جعله يؤسس قضاءا قائما على مبادئ تحمي هذه الحقوق والحرّيات، فإنّ النظام الإسلامي بدوره لم يُهمل هذه الحقوق وجعلها محمية ومُصَانة من خلال النصوص الشرعية، و جعل المبادئ التي تنظم القضاء الإسلامي طريقا لحماية هذه الحقوق والحرّيات.
وعلى الرّغم من أنّ النظام الديمقراطي قد تميّز بمبادئ تحكم القضاء، و ذالك نظرا للتطوُّر الإجتماعي الحاصل في الحياة البشرية، من قبيل التطور في كيفية الإثبات و خاصة من خلال الإستعانة بالخبراء والمختصين، وفي تعدد المحاكم ودرجاتها، بما يُضفي على الأحكام ثباتا و إستقرارا، إلاّ أنّ هذا لا يتناقض مع روح القضاء في الإسلام مادام ذالك يؤدّي إلى تحقيق الهدف الرّئيسي من إقامة القضاء، وهو إقامة العدل و الإنصاف بين أفراد المجتمع الإسلامي بل و حتى الإنساني أيضا، و إنْ دلّ هذا على شيئ فإنّما يدلّ على أنّ السلطة القضائية في الإسلام لم تكن تستند في مبادئها الأساسية على شريعة تُهمل حقوق الأفراد والمواطنين داخل الدولة الإسلامية، بل كانت حريصةعلى أنْ يكون حفظ كرامة وحقوق المواطن هو الهدف بالدرجة الأولى، كلّ ذالك في إطار النصوص الشرعية.
من هنا أعتقد أنّ المبادئ الأساسية التي تحكم التنظيم القضائي اليوم، كانت جُذورها موجودة في النصوص الشرعية الإسلامية، وكان القضاء الإسلامي سَبَّاقًا في تطبيقها على المنازعات والخصومات التي تُعرض عليه، بل إنّ الحكومة الإسلامية الأولى بقيادة الرّسول الأكرم صلى الله عليهو آله وسلم كانت نِبْرَاسًا يُستضاء به في كيفية ممارسة السلطة القضائية.
433- محمّد أحمد مفتي وسامي صالح الوكيل، التشريع وسنّ القوانين في الدولة الإسلامية – دراسة تحليليّة -، دار النهضة الإسلامية، بيروت، لبنان، 1413هـ، ص 10.[1]
– محمّد أحمد مفتي وسامي صالح الوكيل، المرجع نفسه، ص 17.[2]
– فتحي عبد الكريم، الدولة والسيادة في الفقه الإسلامي ـ دراسة مقارنة -، الطبعة الثانية، مؤسسة الرّسالة، دون سنة طبع، بيروت، لبنان، ص 149.[3]
– محمود حلمي، المرجع السابق، ص 202.[4]
– سورة الأعراف، الآية 54.[5]
– سورة الأعراف، الآية 32. [6]
– سورة يونس، الآية 59.[7]
– سورة النحل، الآية 44.[8]
441- ضو مفتاح غمق، السلطة التشريعية في نظام الحكم الإسلامي والنظم المعاصرة ( الوضعية ) ـ دراسة تحليليّة -، دار الهدى للنشر والتوزيع، الجزائر، دون سنة طبع، ص 19.[9]
– عبد الوهاب خلاّف، المرجع السابق، ص 12.[10]
– ضو مفتاح غمق، المرجع السابق، ص 19.[11]
– ضو مفتاح غمق، المرجع نفسه، ص 20.[12]
– إبراهيم بن موسى الشاطبي، الموافقات، ج 4، دار ابن عفّان، السعودية، 1997، ص 125.[13]
– ضو مفتاح غمق، المرجع السابق، ص 20.[14]
– سورة آل عمران، الآية 104.[15]
– حسن صبحي أحمد عبد اللّطيف، المرجع السابق، ص 284. [16]
– ضو مفتاح غمق، المرجع السابق، ص 105.[17]
– عبد الحميد إسماعيل الأنصاري، الشورى وأثرها في الديمقراطيةـ دراسة مقارنة-، الطبعة الثانية، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، دون سنة طبع، ص227.[18]
– عبد الكريم زيدان، الفرد والدولة في الشريعة الإسلامية، الطبعة الأولى، مطبعة سلمان، بغداد، العراق، 1965، ص 16.[19]
– محمّد حسنين هيكل، الفاروق عمر، ج2، الطبعة الخامسة، دار المعارف، مصر، دون سنة طبع، ص 208.[20]
– ضو مفتاح غمق، المرجع السابق، ص 106.[21]
– ضو مفتاح غمق، المرجع نفسه، ص 107.[22]
– عبد الحميد إسماعيل الأنصاري، الشورى وأثرها في الديمقراطية، المرجع السابق، ص 231.[23]
– ضو مفتاح غمق، المرجع السابق، ص 108. [24]
– ظافر القاسمي، المرجع السابق، ص 121.[25]
– إبراهم أنيس وآخرون، المرجع السابق، ج1، ص 501.[26]
– حسن صبحي أحمد عبد اللّطيف، المرجع السابق، ص 201.[27]
– ضو مفتاح غمق، المرجع نفسه، ص 130.[28]
– سليمان محمّد الطمّاوي، عُمَر وأصول الإدارة الحديثة، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 1969، ص 160.[29]
– حسن صبحي أحمد عبد اللّطيف، المرجع السابق، ص 205.[30]
– محمود الخالدي، المرجع السابق، ص 182.[31]
464*- النقيب: هو كبير القوم المعني بشؤونهم. والنقابة: جماعة يُختارون لرعاية شؤون من يمثلونهم. ( أنظر [ المعجم الوسيط ]، مادّة: نقب، المرجع السابق،* ص 943 ).[32]
– عبد الملك بن هشام الحِميَّري، المرجع السابق، ج 2، ص 64.[33]
– محمود الخالدي، المرجع السابق، ص 183.[34]
– محمود الخالدي، المرجع نفسه، ص 184.[35]
– محمود الخالدي، المرجع نفسه، ص 184-187[36]
469- مسلم بن الحجّاج النيسابوري، المرجع السابق، ج12، ص 141. وكذلك أحمد بن عَليّ بن حجر العسقلاني، [ فتح الباري بشرح صحيح البخاري ]،المرجع السابق، ج6، ص 271-276. [37]
– فتحي عبد الكريم، المرجع السابق، ص 275.[38]
– محمود الخالدي، المرجع السابق، ص 189- 203.[39]
– محمود الخالدي، المرجع نفسه، ص 190.[40]
– أحمد بن عبد الحليم بن تيميّة، السياسة الشرعية في إصلاح الرّاعي والرعيّة، المرجع السابق، ص 43. [41]
– ظافر القاسمي، المرجع السابق، ص 125.[42]
– محّمد برهام المشاعلي، المرجع السابق، ص 80.[43]
– ضو مفتاح غمق، المرجع السابق، ص 21. [44]
477- باسم بشناق، ( الفصل بين السلطات في النظام السياسي الإسلامي – دراسة تحليلية في ضوء نظرية الفصل بين السلطات في القانون الوضعي – )، مجلّة الجامعة الإسلامية، الجامعة الإسلامية،غزّة، فلسطين المحتلّة،2013، العدد1، ص 607.[45]
– حسن صبحي أحمد عبد اللّطيف، المرجع السابق، ص 245.[46]
– باسم بشناق، المرجع السابق، ص 607.[47]
– ضو مفتاح غمق، المرجع السابق، ص 21. [48]
– حسن صبحي أحمد عبد اللّطيف، المرجع السابق، ص 245.[49]
[50]- سليمان محمّد الطمّاوي، السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة وفي الفكر السياسي الإسلامي ـ دراسة مقارنة -، الطبعة الرابعة، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 1979، ص 460- 462.
– محمّد برهام المشاعلي، المرجع السابق، ص 81.[51]
[52]- عصمت سيف الدولة، النظام النيابي ومشكلة الديمقراطية، دار القاهرة للثقافة العربية، القاهرة، مصر، 1976، ص 70.
[53]- عدنان طه الدوري، المرجع السابق، ص 240.
[54]- محسن خليل، المرجع السابق، ج1، ص 168.
[55]- محمّد رفعت عبد الوهاب، المرجع السابق، ص 263.
[56]- عثمان طه الدوري، المرجع السابق، ص 241.
[57]- عثمان طه الدوري، المرجع نفسه، ص 232.
– محمّد كامل ليلة، المرجع السابق، ص 476. [58]
– عصمت سيف الدولة، المرجع السابق، ص 81. [59]
[60]- يحيّ الجمل، الأنظمة السياسية المعاصرة، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 1971، ص 145-146.
[61]- عثمان طه الدوري، المرجع السابق، ص 239.
[62]- عبد الغني بسيوني، النظم السياسية، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، 1990، ص 249.
[63]- نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص 359.
[64]- نعمان أحمد الخطيب، المرجع نفسه، ص 360.
[65]- محمّد رفعت عبد الوهاب، المرجع السابق، ص 268.
[66]- عبد الغني بسيوني، المرجع السابق، ص 253.
[67]- المادة 98، الدستور الجزائري، المرجع السابق.
[68]- منها الدستور الجزائري، المادة 119، المرجع السابق.
[69]- ضو مفتاح غمق، المرجع السابق، ص 164.
[70]- ضو مفتاح غمق، المرجع نفسه، ص 166.
[71]- أندريه هوريو، القانون الدستوري، ترجمة: أنطوان سعد، ج2، دار الأهلية للنشر، بيروت، لبنان، 1974، ص 438.
[72]-. أندريه هوريو، المرجع نفسه، ج2، ص 439.
[73]- فؤاد كامل، الأوضاع البرلمانية، الطبعة الثانية، دار الكتاب، القاهرة مصر، 1984، ص 202.
– فوزي أبو ديّات، المفاهيم الحديثة للأنظمة والحياة السياسية، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، مصر، 1984، ص 169.[74]
[75]- ضو مفتاح غمق، المرجع السابق، ص 75.
[76]- المادة 119، الدستور الجزائري، المرجع السابق.
[77]- المادة 126، الدستور الجزائري، المرجع السابق.
[78]- المادة 127، الدستور الجزائري، المرجع السابق.
[79]- المادة 124، الدستور الجزائري، المرجع السابق.
[80]- منها الدستور الجزائري، المرجع السابق، وذلك في المادتين، 122 و 123 منه.
513- زهير أحمد قدورة، ( المجلس التشريعي الثاني وتناقص دوره في النظم السياسية المعاصرة ـ دراسة مقارنة – )، مجلّة الزّرقاء للبحوث والدراسات، الأردن، [81] 2006، العدد الأوّل ، ص 120.
[82]- محمّد رفعت عبد الوهاب، المرجع السابق، ص 335.
[83]- عدنان طه الدوري، المرجع السابق، ص 291.
– إسماعيل الغزال، القانون الدستوري والنظم السياسية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، 1982، ص 252. [84]
[85]- عدنان طه الدوري، المرجع السابق، ص 289.
[86]- ربيع فتح الباب، الظروف الخاصّة بنشأة نظام إزدواج الهيئة التشريعية في النظم الديمقراطية الحديثة، دار النهضة العربية، القاهرة مصر، 1992، ص 126.
[87]- عدنان طه الدوري، المرجع السابق، ص 289.
[88]- محمّد رفعت عبد الوهاب، المرجع السابق، ص 335.
[89]- كمال الغالي، مبادىء القانون الدستوري والنظم السياسية، مطبعة الإسكان العسكرية، دمشق، سوريا، 1986، ص 373.
[90]- زهير أحمد قدورة، المرجع السابق، ص 124.
[91]- أوليفيه دوهاميل وايف ميني، المعجم الدستوري، ترجمة: منصور القاضي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، 1996، ص 375.
[92]- زهير أحمد قدورة، المرجع السابق، ص 124.
[93]- عدنان طه الدوري، المرجع السابق، ص 309.
[94]- محمّد رفعت عبد الوهاب، المرجع السابق، ص 360.
[95]- إبراهيم عبد العزيز شيحا، الوجيز في النظم السياسية والقانون الدستوري، الدار الجامعية، بيروت، لبنان، دون سنة طبع، ص 142- 143.
[96]- عدنان طه الدوري، المرجع السابق، ص 310.
[97]- محمّد رفعت عبد الوهاب، المرجع السابق، ص 360.
[98]- نزيه رعد، القانون الدستوري و النظم السياسية، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس الغرب، لبنان، 1995، ص 262.
[99]- ضو مفتاح غمق، المرجع السابق، ص 34.
[100]- محمود الهاشمي، مقالات المؤتمر الثالث للفكر الإسلامي في طهران، الطبعة الأولى، مطبعة سبهر، طهران، إيران، 1986، ص 283.
[101]- محمود الهاشمي، المرجع نفسه، 283.
[102]- محمود الهاشمي، المرجع نفسه، ص 284.
[103]- محمود الهاشمي، المرجع نفسه، ص 284.
[104]- ضو مفتاح غمق، المرجع السابق، ص 78.
[105]- ضو مفتاح غمق، المرجع نفسه، ص 33.
[106]- عبد الحميد إسماعيل الأنصاري، الشورى وأثرها في الديمقراطية، المرجع السابق، ص 424.
[107]- حسن صبحي أحمد عبد اللّطيف، المرجع السابق، ص 295.
[108] – حسن صبحي أحمد عبد اللّطيف، المرجع السابق، ص 301.
[109]- ضو مفتاح غمق، المرجع السابق، ص 60.
[110]- ضو مفتاح غمق، المرجع نفسه، ص 79-80.
– محمّد عصفور، الحرّية في الفِكْرَيْن الديمقراطي والإشتراكي، مكتبة النهضة العربية، القاهرة، مصر، 1961، ص 344[111]
[112]- محمّد حامد الأفندي، النظم الحكومية المقارنة، مكتبة النهضة العربية، القاهرة، مصر، 1975، ص 82.
– محمّد برهام المشاعلي، المرجع السابق، ص 83.[113]
– محمّد بن مكرّم بن منظور، المرجع السابق، ج 4، مادّة: خلف، ص 182.[114]
– سورة الأعراف، الآية 142.[115]
– محمّد بن مكرّم بن منظور، المرجع السابق، ج 4، مادّة: خلف، ص 183.[116]
– سعد الدّين التفتازاني، شرح مقاصد الطالبين في أصول الدّين، ج5، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، دون سنة طبع، ص 232.[117]
– أبو الحسن بن عَليّ الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، دون سنة طبع، ص 29.[118]
– عمّار طالبي، آثار عبد الحميد بن باديس، المجلّد 2 ج 1، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1968، ص410.[119]
– محمّد رشيد رضا، الخلافة، دار الأنيس، الجزائر، 1992، ص 15. [120]
– محمّد رشيد رضا، المرجع نفسه، ص 16.[121]
– محمّد رشيد رضا، المرجع نفسه، ص 17. [122]
– سعد الدّين التفتازاني، المرجع السابق، ج 2، ص27.[123]
– سيف الدّين الآمدي، غاية المرام في علم الكلام، تحقيق: حسن محمود عبد اللّطيف، لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة، مصر، 1971، ص 363.[124]
– عضد الدّين الإيجي، المواقف في علم الكلام، دار عالم الكتب، بيروت، لبنان، دون سنة طبع، ص 395.[125]
– نقلاً عن يَحيّ بن شرف النوّوي، المرجع السابق، ج3، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصيّة، حديث رقم 1840، ص 541. [126]
– سورة النساء، الآية 141.[127]
– أبو محمد عَليّ بن حزم، الفصل في المِلل والأهواء والنِحل، ج4، دار الجيل، بيروت، لبنان، دون سنة طبع، ص 166.[128]
–محمّد رأفت عثمان، رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي، دار الكتاب الجامعي، بيروت لبنان، دون سنة طبع، ص123 . [129]
– أبو محمّد عَليّ بن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، المرجع السابق، ج 3، ص 110. [130]
563- محمّد بن أحمد الشربيني الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، ج 4، دار الفكر للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، دون سنة طبع، ص 130. [131]
– أحمد بن عبد الله القلقشندي، مآثر الإنافة في معالم الخلافة ،ج1، دار الجيل، بيروت، لبنان، دون سنة طبع، ص 35. [132]
– أبو حامد أحمد بن محمّد الغزّالي، فضائح الباطنية، تحقيق: عبد الرّحمن بدوي، الدار القومية للطباعة، القاهرة، مصر، 1964، ص 180. [133]
– محمّد رأفت عثمان، المرجع السابق، ص 128.[134]
567- محمّد أمين ابن عابدين، حاشية ردّ المحتار على الدرّ المختار في شرح تنوير الأبصار، ج1، الطبعة الثانية، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، مصر، 1964، ص 512.[135]
– أحمد بن يحيّ بن المرتضى، البحر الزخّار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، ج5، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1975، ص 281.[136]
– عبد الكريم بن أبي بكر الشهرستاني، المِلل والنِحل، ج1، دار الفكر، دمشق، سوريا، 1995، ص 158.[137]
– محمّد رأفت عثمان، المرجع السابق، ص 130.[138]
– محمّد بن إسماعيل البخاري، الجامع الصحيح، ج9، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، دون سنة طبع، ص 55. [139]
– أحمد بن عبد الله القلقشندي، المرجع السابق، ج1، ص 31- 32.[140]
– محمّد بن أبي العبّاس الرّملي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، ج7، دارالكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2003، ص389.[141]
[142]- عضد الدّين الإيجي، المرجع السابق، ج 8، ص 349.
[143]- شمس الدّين محمّد بن أبي العبّاس الرّملي، المرجع السابق، ج 7، ص 389.
[144]- محمّد رأفت عثمان، المرجع السابق، ص 143.
[145]- محمّد بن إدريس الشافعي، الفقه الأكبر، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، مصر، دون سنة طبع، ص 39.
[146]- أبو حامد أحمد بن محمّد الغزّالي، إحياء علوم الدّين، ج2، الدار المصرية اللّبنانية، القاهرة، مصر، دون سنة طبع، ص 302.
[147]- أبو الحسن بن عَليّ الماوردي، المرجع السابق، ص 66.
[148]- محمّد رأفت عثمان، المرجع السابق، ص 144.
[149]- عبد الرّحمن بن خلدون، المقدّمة، ج 3 ، دار الباز للنشر، مكة السعودية، 1398هـ، ص 161.
[150]- أحمد بن عبد الله القلقشندي، المرجع السابق، ج 1، ص 33.
[151]- أبو حامد أحمد بن محمّد الغزّالي، فضائح الباطنية، المرجع السابق، ص 181.
[152]- محمّد رأفت عثمان، المرجع السابق، ص 168.
[153]- أبو الحسن بن عَليّ الماوردي، المرجع السابق، ص 18 و 29.
[154]- سعد الدّين التفتازاني، المرجع السابق، ج 2، ص 203.
[155]- أبو محمّد عَليّ بن حزم، الفصل بين الملل والأهواء والنحل، المرجع السابق، ج 4، ص 89.
[156]- يَحيّ بن شرف النّووي، المرجع السابق، ج 12، ص 200.
[157]- محمّد رشيد رضا، المرجع السابق، ص 30.
[158]- مروان محمّد محروس المدرّس، مسؤولية رئيس الدولة في النظام الرّئاسي والفقه الإسلامي – دراسة مقارنة -، الطبعة الأولى، دار الأعلام، عمّان، الأردن، 2002، ص 114.
[159]- أبو الحسن بن عَليّ الماوردي، المرجع السابق، ص 18.
[160]- أبو الحسن بن علي الماوردي، المرجع نفسه، ص 18.
[161]- مروان محمّد محروس المدرّس، المرجع السابق، ص 117.
[162]- أبو الحسن بن عَليّ الماوردي، المرجع السابق، ص 18.
[163]*- الحدود: جمع حدّ، وهو في اللّغة: المنع. وفي الشرع: هي عقوبة مقدّرة وجبت حقًا للّه تعالى. ( أنظر: الشريف الجرجاني، التعريفات، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، مصر، 1938، ص 74 ).
– أبو الحسن بن علي الماوردي، المرجع السابق، ص 18. [164]
[165]- مروان محمد محروس المدرّس، المرجع السابق، ص 119.
[166]- أبو الحسن بن علي الماوردي، المرجع السابق، ص 18.
[167]- أبو الحسن بن علي الماوردي، المرجع نفسه، ص 18.
[168]- مروان محمد محروس المدرّس، المرجع السابق، ص 122.
[169]- أبو الحسن بن علي الماوردي، المرجع السابق، ص 18.
[170]- أبو الحسن بن علي الماوردي، المرجع نفسه، ص 18.
[171]- محمد رشيد رضا، المرجع السابق، ص 48.
[172]- مروان محمد محروس المدرّس، المرجع السابق، ص 139.
[173]- من الآيات التي وردت بهذا الخصوص، الآية 67-68 من سورة الأحزاب، والآية من 78 إلى 81 من سورة المائدة.
[174]- مصطفى إبراهيم الزلمي، دلالات النصوص وطرق إستنباط الأحكام في ضوء أصول الفقه الإسلامي، مطبعة أسعد، بغداد، العراق، 1983، ص 23.
[175]- جلال الدّين السيوطي، تاريخ الخلفاء، الطبعة الثالثة، مطبعة المدني، القاهرة مصر، 1964، ص 69.
[176]- ياسين محمد مصطفى الشلبي، المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي وقواعد الملكية والعقود فيه، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، 1969، ص 249.
[177]- محمد رواس قلعجي وحامد صدقي قنيبي، معجم لغة الفقهاء، الطبعة الأولى، دار النفائس، بيروت، لبنان، 1985، ص 338.
[178]- مروان محمد محروس المدرّس، المرجع السابق، ص 143.
[179]– أبو الحسن بن علي الماوردي، المرجع السابق، ص 20.
[180]- أبو الحسن بن علي الماوردي، المرجع نفسه، ص 20.
[181]- أبو الحسن بن علي الماوردي، المرجع نفسه، ص 21.
[182]- أبو الحسن بن علي الماوردي، المرجع نفسه، ص 21.
[183]- أحمد بن عبد الله القلقشندي، المرجع السابق، ج 1، ص 70
[184]- مروان محمد محروس المدرّس، المرجع السابق، ص 145.
[185]- أبو الحسن بن علي الماوردي، المرجع السابق، ص 22.
[186]- أبو الحسن بن علي الماوردي، المرجع نفسه، ص 23.
[187]- محمد بن محمد السماوي اليماني، الموسوعة العربية في الألفاظ الضدِّية والشذرات اللّغوية، ج5، الطبعة الأولى، دار الآداب، بيروت، لبنان، 1989، ص 232.
[188]- مروان محمد محروس المدرّس، المرجع السابق، ص 147.
[189]- مروان محمد محروس المدرّس، المرجع نفسه، ص 148.
[190]- عضد الدّين الإيجي، المرجع السابق، ج 8، ص 377.
[191]- محمّد عبد القادر أبو فارس، النظام السياسي في الإسلام، الطبعة الثالثة، دار الزّرقاء، عمّان، الأردن، 1989، ص 264.
– محمّد رأفت عثمان، المرجع السابق، ص 40.[192]
[193]- حسن السيّد بسيوني، الدولة ونظام الحكم في الإسلام، الطبعة الأولى، دار عالم الكتب، القاهرة، مصر، 1985، ص 171.
[194]- سامي زين العابدين حمّاد، موسوعة الإدارة في الإسلام – مصادر التشريع ونظام الحكم والإدارة في الإسلام -، دار سمير، جدّة، السعودية، 1982، ص 199- 200.
[195]- مروان محمد محروس المدرّس، المرجع السابق، ص 152.
[196]- مروان محمد محروس المدرّس، المرجع نفسه، ص 172.
[197]- أنظر سورة البقرة الآية 62 و232، وكذلك سورة التوبة الآية 29.
[198]- محمّد نعيم ياسين، الإيمان: أركانه، حقيقته، نواقضه، الطبعة الرّابعة، دار الوفاء للنشر والتوزيع، الكويت، دون سنة طبع، ص 111.
[199]- محمّد نعيم ياسين، المرجع نفسه، ص 111.
[200]- محمّد برهام المشاعلي، المرجع السابق، ص 31.
[201]- ناظم عبد الواحد الجاسور، موسوعة علم السياسة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2001، ص 201.
[202]- نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص 225.
[203]- محمّد رفعت عبد الوهاب، المرجع السابق، ص 322.
[204]- عثمان طه الدوري، المرجع السابق، ص 279.
[205]- نعمان أحمد الخطيب، المرجع السابق، ص 366.
[206]- عثمان طه الدوري، المرجع السابق، ص 318.
[207]- محمّد برهام المشاعلي، المرجع السابق، ص 83- 84.
[208]- كايد يوسف محمود قرعوش، طرق إنتهاء ولاية الحكام في الشريعة الإسلامية والنظم الدستورية، الطبعة الأولى، مؤسسة الرّسالة، بيروت، لبنان، 1987، ص 142.
[209]- المادة 73/1، الدستور الجزائري، المرجع السابق.
[210]- المادة 2/1، دستور الولايات المتحدة الأمريكية، جامعة منيسوتا، مكتبة حقوق الإنسان.
WWW.1.UMN.EDU/HUMANRTS/ARAB/US-CON.HTML. بتاريخ 15/04/2015م.
[211]- سليمان محمد الطمّاوي، مبادئ الدستور المصري والإتحادي، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 1958، ص 294.
[212]- كايد يوسف محمود قرعوش، المرجع السابق، ص 144.
[213]- المادة 2/1، دستور الولايات المتحدة الأمريكية، المرجع السابق.
[214]- المادة 73/3، الدستور الجزائري، المرجع السابق.
[215]- كايد يوسف محمود قرعوش، المرجع السابق، ص 144.
[216]- المادة 73/4، الدستو الجزائري، المرجع السابق.
[217]- كايد يوسف محمود قرعوش، المرجع السابق، ص 145.
[218]- صلاح الدّين دبّوس، الخليفة: توليّته وعزله، مؤسسة الثقافة الجماعية، الإسكندرية، مصر، دون سنة طبع، ص281.
[219]- كايد يوسف محمود قرعوش، المرجع السابق، ص 148.
[220]- صلاح الدّين دبّوس، المرجع السابق، ص 281.
[221]- المادة 73/2، الدستور الجزائري، المرجع السابق.
[222]- المادة 2/3، دستور الولايات المتحدة الأمريكية، المرجع السابق.
[223]- المادة 236/1، دستور جمهورية فنزويلا البوليفارية، ترجمة: محمّد أحمد صالح، 1999م.
WWW.MOKARABAT.COM/S 6619.HTM. بتاريخ 16/04/2015م.
[224]- المادة 85/2، الدستور الجزائري، المرجع السابق.
[225]- روبرت بوي وكارل فريديريك، دراسات في الدولة الإتحادية، ترجمة: وليد الخالدي وبرهان دجاني، مؤسسة فرانكلين، بيروت، لبنان، 1965، ص 185.
[226]- المادة 2/2، دستور الولايات المتحدة الأمريكية، المرجع السابق.
[227]- المادة 236/3 و 15 و 16، دستور فنزويلا البوليفارية، المرجع السابق.
[228]- المادة 78 و 79، الدستور الجزائري، المرجع السابق.
– المادة 2/2، دستور الولايات المتحدة الأمريكية، المرجع السابق. [229]
– المادة 236/5، دستور فنزويلا البوليفارية، المرجع السابق.[230]
– المادة 77/1، الدستور الجزائري، المرجع السابق. [231]
– المادة 2/2، دستور الولايات المتحدة الأمريكية، المرجع السابق.[232]
– المادة 236/4، دستور فنزويلا البوليفارية، المرجع السابق.[233]
– المادة 77/11، الدستور الجزائري، المرجع السابق. [234]
– المادة 2/2، دستور الولايات المتحدة الأمريكية، المرجع السابق. [235]
– المادة 236/4، دستور فنزويلا البوليفارية، المرجع السابق. [236]
– المادة 77/الفقرة الأخيرة، الدستور الجزائري، المرجع السابق.[237]
– عمر حلمي فؤاد، الوظيفة التشريعية لرئيس الدولة في النظاميْن الرّئاسي والبرلماني، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 1980، ص 57. [238]
– عثمان طه الدوري، المرجع السابق، ص 281.[239]
– المادة 119/1، الدستور الجزائري، المرجع السابق. [240]
– المادة 119/3، الدستور الجزائري، المرجع السابق. [241]
– المادة 1/7، دستور الولايات المتحدة الأمريكية، المرجع السابق. [242]
– المادة 127، الدستور الجزائري، المرجع السابق.[243]
– سعد عصفور، المرجع السابق، ص 223.[244]
– سعد عصفور، المرجع نفسه، ص 226.[245]
– عبد الغني بسيوني، المرجع السابق، ص 277.[246]
– عثمان طه الدوري، المرجع السابق، ص 279.[247]
– المادة 158، الدستور الجزائري، المرجع السابق.[248]
– مروان محمد محروس المدرّس، المرجع السابق، ص 87.[249]
– المادة 2/1، دستور الولايات المتحدة الأمريكية، المرجع السابق. [250]
– المادة 228 و 230 ، دستور فنزويلا البوليفارية، المرجع السابق.[251]
– المادة 71/1 و 74/1، الدستور الجزائري، المرجع السابق. [252]
– فؤاد العطّار، النظم السياسية والقانون الدستوري، دار الفكر العربي، القاهرة مصر، 1964، ص 237. [253]
– مروان محمد محروس المدرّس، المرجع السابق، ص 88.[254]
– عمر فؤاد أحمد بركات، المسؤولية السياسية لرئيس الدولة، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، دون سنة طبع، ص 122. [255]
– مروان محمد محروس المدرّس، المرجع السابق، ص 98. [256]
– مروان محمد محروس المدرّس، المرجع نفسه، ص 100. [257]
– محمّد عابد الجابري، المرجع السابق، ص 66.[258]
– محمّد سليم العوا، النظام السياسي في الإسلام، الطبعة الأولى، دار الفكر، دمشق، سوريا، 2004، ص 110.[259]
– عمّار طالبي، المرجع السابق، ص 411. [260]
– برتراند بادي، بيار برنيوم و فيليب برو، المرجع السابق، ص 54. [261]
694- عبد الرّضا حسين الطحان، تركيز السلطة السياسية لصالح الهيئة التنفيذية في المجتمعات المتقدّمة – نموذج فرنسا -، الطبعة الأولى، منشورات جامعة قاريونس، بنغازي، ليبيا، 2001، ص 95.[262]
– عبد الرّضا حسين الطحان، المرجع نفسه، ص 98.[263]
– صلاح الدّين دبوس، المرجع السابق، ص 284.[264]
– عبد الحميد متولي، المرجع السابق، ص 696- 697. [265]
– كايد يوسف محمود قرعوش، المرجع السابق، ص 151.[266]
– محمّد سليم العوا، المرجع السابق، ص 111. [267]
– كايد يوسف محمود قرعوش، المرجع السابق، ص 151.[268]
– منير حميد البيّاتي، المرجع السابق، ص 120. [269]
– مروان محمد محروس المدرّس، المرجع السابق، ص 176.[270]
– مروان محمد محروس المدرّس، المرجع نفسه، ص 182. [271]
– مروان محمد محروس المدرّس، المرجع نفسه، ص 181. [272]
– محمّد بن مكرّم بن منظور الأنصاري، المرجع السابق، مادّة: [ قضى ]، ج 15، ص 186-187. [273]
– جبر محمود الفضيلات، القضاء في صدر الإسلام: تاريخه ونماذج عنه، شركة الشهاب، الجزائر، دون سنة طبع، ص 10. [274]
– سورة الإسراء، الآية 23.[275]
– أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن عليّ، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، ج2، المكتبة العلمية، بيروت، لبنان، دون سنة طبع، ص 12.[276]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع السابق، ص 11.[277]
– سورة المائدة، الآية 49. [278]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع السابق، ص 11.[279]
– نقلاً عن إبراهيم بن محمّد بن فرحون المالكي، تبصرة الحكّام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، ج1، دار عالم الكتب، الرّياض، السعودية، ص 7.[280]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع السابق، ص 12. [281]
– إبراهيم بن محمد بن فرحون المالكي، المرجع السابق، ج1، ص 12. [282]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع السابق، ص 12-13.[283]
– أحمد سلامة القليوبي وأحمد البرلسي عميرة، حاشيتا القليوبي وعميرة، ج 4، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1995، ص 295.[284]
– أحمد سلامة القليوبي وأحمد البرلسي عميرة، المرجع نفسه، ج 4 ، ص 295 . [285]
– عبد الله بن حسن الكوهجي، زاد المحتاج بشرح المنهاج، ج4، الشؤون الدينية، قطر، 1982، ص 510. [286]
– محمّد بن إسماعيل الصنعاني، سبل السلام بشرح بلوغ المرام من أدلّة الأحكام، ج4، مكتبة المعارف، بيروت، لبنان، 2006، ص 116.[287]
– سورة النور، الآية 51. [288]
– عبد الملك بن هشام الحِميَّري، المرجع السابق، ج 1، ص 503. [289]
– باسم بشناق، المرجع السابق، ص 617.[290]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع السابق، ص 79-86.[291]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع نفسه، ص 61.[292]
– أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، بلوغ المرام من أدلّة الأحكام، دار السلام للنشر والتوزيع، الرّياض، السعودية، 2004، ص 263. [293]
– سورة المائدة، الآية 38.[294]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع السابق، ص 62. [295]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع نفسه، ص 62.[296]
– أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، بلوغ المرام من أدلّة الأحكام، المرجع السابق، ص 243.[297]
– محمّد بن إسماعيل الصنعاني، المرجع السابق، ج 4، ص 127.[298]
– أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، بلوغ المرام من أدلّة الأحكام، المرجع السابق، ص 288. [299]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع السابق، ص 99-101[300]
733*- تتمثل ولاية معاذ بن جبل(رض) في ولايته على اليمن، حيث بعثه الرّسول الأعظم (ص آ) إليها وقال له: << [ كيف تقضي إذا عرض لك القضاء؟ ]، قال: [ أقضي بكتاب الله ]، قال: [ فإن لم تجد في كتاب الله؟ ]، قال: [ فبسنّة رسول الله ]، قال: [ فإن لم تجد في سنّة رسول الله؟ ]، قال: [ أجتهد الرّأي ولا أَلْوِ… >>. * ( أنظر أبو داوود السجستاني، سنن أبي داوود، كتاب الأقضية، باب الإجتهاد في الرّأي، ج 3، دار الفكر، بيروت، لبنان، دون سنة طبع، ص 592 ). [301]
– باسم بشناق، المرجع السابق، ص 617.[302]
– أنظر أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، المرجع السابق، حديث رقم 7266، ج10 ، ص 8.[303]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع السابق، ص 124.[304]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع نفسه، ص 126- 127. [305]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع نفسه، ص 132.[306]
– باسم بشناق، المرجع السابق، ص 617.[307]
– أنظر جلال الدّين السيوطي، تنوير الحوالك بشرح موطأ مالك، ج 2، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، 1969، ص 22.[308]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع السابق، ص 149.[309]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع نفسه، ص 172-173[310]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع نفسه، ص 204-205.[311]
– جلال الدّين السيوطي، تاريخ الخلفاء، المرجع السابق، ص 220.[312]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع السابق، ص 214.[313]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع نفسه، ص 226.[314]
– الشريف الرّضي، المرجع السابق، ص 82.[315]
– جبر محمود الفضيلات، المرجع السابق، 262. [316]
– سعيد صبحي عبده، شرعيّة السلطة والنظام في حكم الإسلام – دراسة مقارنة -، دار النهضة العربية للنشر، القاهرة، مصر، 1999، ص 225.[317]
– أبو الحسن بن علي الماوردي، المرجع السابق، ص 74.[318]
– سعيد صبحي عبده، المرجع السابق، ص 226. والمذاهب الأربعة هي المذهب المالكي والحنفي والحنبلي والشافعي. [319]
752- سعيد عبد المنعم الحكيم، الرّقابة على أعمال الإدارة في الشريعة الإسلامية والنظم المعاصرة، مجموعة رسائل دكتوراه، دون دار نشر، دون سنة طبع، ص 689. [320]
– منير حميد البياتي، المرجع السابق، ص 215.[321]
– عبد الحميد إسماعيل الأنصاري، نظام الحكم في الإسلام، المرجع السابق، ص 30.[322]
755- فهد بن منصور العرجاني، المبادىء والأصول القضائية في الشريعة الإسلامية، منتدى المحامين العرب.
بتاريخ 28/04/2015م.WWW.MOHAMOON.-MONTADA.COM [323]
– ظافر القاسمي، المرجع السابق، ص 403.[324]
– عبد الرّحمن حبنكة الميداني، الوجيز في العقيدة الإسلامية، ج1، دار القلم، دمشق، سوريا، 1983، ص 290.[325]
– فهد بن منصور العرجاني، المرجع السابق.[326]
– أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، المرجع السابق، ص 622. [327]
– فهد بن منصور العرجاني، المرجع السابق. [328]
– عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، المُغْني، ج5، مكتبة القاهرة، مصر، 1968، ص 566.[329]
– سورة المائدة، الآية 6.[330]
– أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج5، المرجع السابق، ، ص 115.[331]
– إبراهيم بن موسى الشاطبي، المرجع السابق، ج1، ص 520.[332]
– فهد بن منصور العرجاني، المرجع السابق.[333]
– فهد بن منصور العرجاني، المرجع نفسه. [334]
– محمّد بن أحمد الذهبي، سيَّر أعلام النبلاء، ج4، مؤسسة الرّسالة، بيروت، لبنان، 2001، ص 132.[335]
– أنظر سورة ص، الآية 21- 22.[336]
– محمّد بن إسماعيل الصنعاني، المرجع السابق، ج4، ص 121.[337]
– إبراهيم محمّد الحريري، القواعد والضوابط الفقهية لنظام القضاء في الإسلام، الطبعة الأولى، دار عمّار للنشر، 1999، ص 68.[338]
771- الشريف بن عقون، غاية العقوبة في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي،( رسالة ماجستير في العلوم الإسلامية، فرع أصول الفقه، كلّية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، 2005 )، ص 64.[339]
– باسم بشناق، المرجع السابق، ص 608.[340]
– سليمان محمّد الطمّاوي، السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة والفكر السياسي الإسلامي – دراسة مقارنة -، المرجع السابق، ص 468.[341]
– المادة 3/2، دستور الولايات المتحدة الأمريكية، المرجع السابق.[342]
– المادة 253/2، دستور فنزويلا البوليفارية، المرجع السابق. [343]
– المادة 139، الدستور الجزائري، المرجع السابق. [344]
– الغوثي بن ملحة، القانون القضائي الجزائري، الطبعة الثانية، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، 2002، ص 133.[345]
– المادة 3/1، دستور الولايات المتحدة الأمريكية، المرجع السابق.[346]
– المادة 253/3، دستور فنزويلا البوليفارية، المرجع السابق.[347]
– المادة 2، القانون العضوي رقم 05/11 مؤرخ في 17/07/2005، يتعلّق بالتنظيم القضائي. [348]
781- لمزيد من التفصيل أنظر المادة 800-801-802-901-902- 903 ، قانون رقم 08/09 مؤرخ في25/02/2008 يتضمّن قانون الإجراءات المدنية
والإدارية، جريدة رسمية عدد 21، بتاريخ 23/04/2008، ص 3. [349]
– أنظر المادة 152/1، الدستور الجزائري، المرجع السابق. [350]
– رشيد خلوفي، قانون المنازعات الإدارية: تنظيم وإختصاص القضاء الإداري، الطبعة الثانية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005، ص 165. [351]
– عبد العزيز سعد، أجهزة ومؤسسات النظام القضائي الجزائري، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1988، ص 89. [352]
– عمّار بوضياف، النظام القضائي الجزائري، دار ريحانة، الجزائر، 2003، ص 236.[353]
786- لمزيد من التفصيل أنظر مسعود شيهوب، المبادىء العامّة للمنازعات الإدارية: الأنظمة القضائية المقارنة والمنازعات الإدارية، ج1، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1999، ص 31- 66. [354]
– المادة 34، قانون رقم 08/09، المرجع السابق.[355]
– محند أمقران بوبشير، النظام القضائي الجزائري، الطبعة الثانية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،1994، ص 216.[356]
– المادة 152، الدستور الجزائري، المرجع السابق.[357]
– رشيد خلوفي، المرجع السابق، ص 125.[358]
– المادة 4، قانون عضوي رقم 05/11، المرجع السابق.[359]
– المادة 800، قانون رقم 08/09، المرجع السابق. [360]
– رشيد خلوفي، المرجع السابق، ص 212.[361]
– المادة 152/2، الدستور الجزائري، المرجع السابق. [362]
795- المادة 2، قانون عضوي رقم 98/01، مؤرخ في 30/05/1998، يتضمّن إختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله، جريدة رسمية عدد 37، بتاريخ 02/06/1998م. [363]
– المواد 901-902-903، قانون رقم 08/09، المرجع السابق. [364]
797- المادة 4 و 12، قانون عضوي رقم 98/03، مؤرخ في 03/06/1998، يتعلّق بإختصاصات محكمة التنازع وتنظيمها وعملها، جريدة رسمية عدد 39، بتاريخ 07/06/1998م.[365]
– المادة 152/4، الدستور الجزائري، المرجع السابق.[366]
– المادة 3، قانون عضوي رقم 98/03، المرجع السابق.[367]
800- سالم روضان الموسوي، مبدأ إستقلال القضاء .
بتاريخ 30/04/2015م.WWW.AR.JURISPEDIA.ORG/INDEX.PHP [368]
– المادة 138، الدستور الجزائري، المرجع السابق.[369]
— المادة 4، قانون عضوي رقم 04/11، مؤرخ في 06/04/2004، يتضمّن القانون الأساسي للقضاء.[370]
803- وجدي راغب فهمي، ( دراسات في مركز الخصم أمام القضاء المدني )، مجلّة العلوم القانونية والإقتصادية، جامعة عين شمس، مصر، 1976، العدد 1، ص 115.[371]
– المادة 140/2، الدستور الجزائري، المرجع السابق.[372]
– المادة 3/1، قانون رقم 08/09، المرجع السابق.[373]
– المادة 10،الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، قرار الجمعية العامّة للأمم المتحدة رقم 217، مؤرخ في 10/12/1948[374]
– المادة 150، الدستور الجزائري، المرجع السابق.[375]
– المادة 7، قانون عضوي رقم 04/11، المرجع السابق.[376]
– المادة 14، المرجع نفسه. [377]
– المادة 18، المرجع نفسه.[378]
– المادة 241، قانون رقم 08/09، المرجع السابق.[379]
– عمّار بلغيث، الوجيز في الإجراءات المدنية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1992، ص 6. [380]
– المادة 6، قانون رقم 08/09، المرجع السابق.[381]
– المادة 144، الدستور الجزائري، المرجع السابق.[382]
– المادة 7، قانون رقم 08/09، المرجع السابق.[383]
– وجدي راغب فهمي، المرجع السابق، ص 117.[384]
— المادة 3/3، قانون رقم 08/09، المرجع السابق.[385]
– وجدي راغب فهمي، المرجع السابق، ص 117.[386]
– وجدي راغب فهمي، المرجع نفسه، ص 118. [387]
– المادة 140/2، الدستور الجزائري، المرجع السابق. [388]
– المادة 3/2، قانون رقم 08/09، المرجع السابق.[389]
– وجدي راغب فهمي، المرجع السابق، ص 118.[390]
– المادة 144، الدستور الجزائري، المرجع السابق.[391]
– المادة 277/ 1 و2، قانون رقم 08/09، المرجع السابق.[392]
– إبراهيم محمّد الحريري، المرجع السابق، ص 12.[393]
– محمّد مصطفى الزحيلي، وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية، مكتبة دار البيان، دمشق سوريا، 1982، ص 329. [394]
– إبراهيم محمد الحريري، المرجع السابق، ص 110. [395]
– إبراهيم محمد الحريري، المرجع نفسه، ص 111.[396]
– عبد الله بن حسن الكوهجي، المرجع السابق، ج4، ص 325. [397]
– سورة البقرة، الآية 282.[398]
– إبراهيم محمّد الحريري، المرجع السابق، ص 93. [399]
– علاء الدّين السمرقندي، تحفة الفقهاء، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1984، ص 150.[400]
رابط المصدر: