عبد المنعم علي
إن الآلية الثلاثية التي تشكلت برعاية أممية أفريقية متضمنة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا في السابع والعشرين من أبريل 2022 لحل الأزمة السياسية في السودان وإطلاق حوار وطني يساعد في حلحلة تلك الأزمة تُعد خطوة ضرورية نحو الدفع بمسار المرحلة الانتقالية؛ خاصة وأن الآلية الثلاثية قد طرحت أربعة محاور لحل الأزمة تتمثل في: الترتيبات الدستورية، واختيار رئيس الحكومة والوزراء، والعمل على إيجاد برنامج عمل لمواجهة تصاعد الموقف الميداني، مع البدء في وضع خطة من أجل الانتخابات المقبلة.
وتأتي تلك الخطوة في ظل سياق داخلي يتسم بالتعقيد والتشابك والتصعيد المستمر من جانب قوى الحرية والتغير من ناحية والأقاليم السودانية كما هو الحال بالنسبة لإقليم الشرق من ناحية أخرى، في ضوء تأزم التوصل إلى صيغة تفاهم حيال اتفاق جوبا للسلام، علاوة على الأوضاع الملتهبة أمنيًا في دارفور. ولعل إعلان الآلية الثلاثية تأجيل الحوار الوطني لأجل غير مسمى في الثاني عشر من يونيو الجاري سيكون بمثابة الحلقة المفرغة في المشهد السياسي، وتدليلًا على حجم التحديات التي تواجهها تلك الآلية.
دوافع وأهداف مختلفة
إن الأوضاع المتفاقمة في السودان في أعقاب مسار التصحيح المتخذ في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 وحل الحكومة السودانية ومجلس السيادة وإيقاف العمل بالوثيقة الدستورية، تبعتها حالة مضطربة سياسيًا وأمنيًا، خاصة في ظل رفض شريحة من التكتلات السياسية وعلى رأسها قوى الحرية والتغير لتلك التغييرات والإجراءات الاستثنائية، وتوصيف ذلك بالانقلاب العسكري؛ مما فاقم من الأوضاع الداخلية بين المكونين العسكري والمدني، وجرّ السودان إلى حالة تصدع واسعة النطاق. وتأتي الآلية الثلاثية لتحقيق جملة من الأهداف والدوافع كالآتي:
- إعادة الزخم للحياة السياسية: إن تلك الآلية ومساعيها إلى تحقيق طفرة سياسية في المشهد السياسي بمثابة ديناميكية جيدة في حلحلة الأزمة الداخلية من ناحية وإعادة لم الشمل الداخلي بين المكونين العسكري والمدني والقوى الحزبية من ناحية أخرى؛ لمواجهة التحديات الداخلية، والعمل على خلق أرضية مشتركة للترتيبات المستقبلية، بدلًا من الانزلاق في الهاوية.
- الحفاظ على اتفاق جوبا للسلام: أحد أهم مساعي الآلية الثلاثية هو الحفاظ على المكتسبات التي حققتها الثورة السودانية، وقطع الطريق أمام التصدعات الداخلية سواء كانت على مستوى رأسي أو أفقي بما يعرقل جهود السلام التي تحققت في اتفاق جوبا أكتوبر 2020 مع الحركات المسلحة، وكان بمثابة أرضية صلبة لعودة السودان إلى سياقه الإقليمي والدولي.
- إتمام مسار المرحلة الانتقالية: لعل المهمة الأساسية للآلية الثلاثية تتمثل في جمع أصحاب المصلحة من كافة الفاعلين في المشهد السياسي من أجل استكمال ترتيبات المرحلة الانتقالية بالسودان، وبما يحول دون المزيد من الضغوطات الدولية على السودان، وإعادة التفاعل البنّاء والإيجابي من جانب الأطراف الداخلية في العملية، وكذلك العمل على كسب التأييد والالتفاف الدولي بشأن الملف السوداني، وتقديم الدعم المادي ومسار المساعدات الاقتصادية الدولية التي تم تعليقها من جانب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب الحصول على الدعم السياسي والأمني بما يحد من التصدعات والاضطرابات المحلية والإقليمية الضاغطة على المشهد السياسي، وبما يحافظ على مخرجات الحراك الشعبي وما تبعها من خطوات إيجابية نحو السلام.
أجندة شاملة ومواقف متباينة
على خلفية المشاورات التي أجرتها بعثة “يونيتامس” في فبراير 2022 وفي ضوء الآلية الثلاثية، طُرحت أجندة حوار وطني متكاملة لمواجهة كافة التحديات الداخلية، وتدفع في مسار الاستقرار السياسي والأمني، وقد تضمنت تعديل الوثيقة الدستورية، وتعيين هياكل السلطة الانتقالية، خاصة في ضوء توافق على أهمية أن يكون مجلس السيادة المستقبلي قاصرًا دوره على الإشراف على مهام الفترة الانتقالية دون التدخل في عمل السلطة التنفيذية.
ويأتي جوهر التعديل المقترح على مجلس السيادة ليشمل العدد والهيكل والصلاحيات، بحيث يتم خفض عدد الأعضاء من 14 عضوًا إلى ما بين 3 إلى 8 أعضاء، وعلى مستوى الهيكل هناك توجهات لكي تكون العضوية قاصرة على المدنيين، فيما هناك آراء أخرى تدعم فكرة استمرارية العضوية المشتركة المدنية العسكرية. واتصالًا بالسابق؛ تأتي المقترحات المتعلقة بالسلطة التنفيذية بأن تُشكل حكومة تكنوقراط مدنية بعيدة عن الأحزاب السياسية وعلى رأسها حزب المؤتمر الوطني، مع البدء في الترتيبات الخاصة بإنشاء المجلس التشريعي الانتقالي.
وجاءت ردود الأفعال ما بين مرحبة بتلك الخطوة من جانب أحزاب سياسية، وأخرى قدمت اشتراطات مسبقة وعلى رأسها قوى إعلان الحرية والتغيير التي أوضحت أن العملية السياسية برعاية الآلية الثلاثية يجب أن تعمل على تحقيق مطالب قوى الثورة، ولكنها وضعت شرطية لذلك وهو إنهاء ما تصفه بأنه “انقلاب”، إلى جانب العمل على إطلاق سراح المعتقلين وإلغاء حالة الطوارئ والعنف ضد المتظاهرين. وفي المقابل هناك من رفض المشاركة منذ البداية كما هو الحال بالنسبة لحزب “المؤتمر السوداني” –أحد مكونات الحرية والتغيير- وكذلك حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي السوداني والذي طالب بمقاطعة اجتماعات التسوية التي تسعى إليها الآلية الثلاثية.
مسارات إيجابية
هناك جملة من التحديات والعراقيل أمام استكمال مسار عمل الآلية الثلاثية من أجل الحوار الوطني مع الأطراف السياسية، يتمثل أول تلك التحديات في الاستنزاف الزمني في مساعي الآلية الثلاثية لإقناع الأطراف المعنية بالانخراط في الحوار والعمل على تسهيل عملية التفاوض، وإقناع الأطراف بالجلوس لطاولة الحوار الوطني، وهذا الأمر يُمثل تحديًا خاصة في ضوء تصاعد وتيرة الاضطرابات والتجاذبات الداخلية، أما الأمر الثاني فيتجلى في التفاعل مع كافة الأطراف السياسية على أساس ووزن سياسي متساوٍ، والسماح بهامش دخول بعض من العناصر التابعة للنظام السابق في الانخراط بالحوار الوطني.
وعلى الرغم من ذلك، هناك بوادر لانفراج الأزمة وحالة التصدع بين المكونين المدني والعسكري تمخضت بصورة أساسية عن الاجتماع الذي تم بوساطة سعودية أمريكية بين المكون العسكري والمدني بمقر إقامة السفير السعودي في السودان، والذي ضم شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة الانتقالي، وطه عثمان من قوى الحرية والتغير؛ من أجل التباحث حيال النقاط محل الخلاف، في ضوء الرؤية المقدمة من الحرية والتغير لحل الأزمة الراهنة.
الأمر الآخر يتمثل في الاهتمام الدولي بطرح وساطة لحل الأزمة السودانية، ولعل التوظيف الجيد لهذا الزخم يمكن أن يُفضي في نهاية المطاف إلى حلحلة الأزمة عبر الضغط المزدوج على طرفي المعادلة من أجل خلق شراكة حقيقة تبني للانتقال الديمقراطي للسلطة، بجانب أن تحرك مجلس السيادة للتواصل مع كافة المكونات السياسية عبر لجنة برئاسة عضو المجلس السيادي “مالك عقار” تبرهن على حجم الانفتاح حيال كافة المكونات، ودعم مسار الحوار الوطني بما يعزز من وضعية الاستقرار الداخلي.
وفي التقدير؛ يُعد الحوار الوطني السوداني المزمع استكماله -بالرغم من تأجيله إلى أجل غير مسمى- محركًا حيويًا وديناميكيًا للمشهد السياسي، يُعيد بصورة كبيرة حالة الزخم للمشهد، ويجب التوظيف الإيجابي للمساعي الإقليمية والدولية الرامية إلى تحقيق الاستقرار السوداني وإتمام المرحلة الانتقالية عبر الشراكة البنّاءة بين المكون العسكري والمدني، خاصة وأن إتمام المرحلة الانتقالية لن يتم دون إغفال طرف للآخر.
.
رابط المصدر: