اعداد : شيماء خالد عبد القادر سليمان نايل – إشراف : د. سماح عبد الصبور – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة – مصر
المقدمة :
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، استقلت دول الاتحاد لتصبح كل دولة مستقلة بذاتها عن روسيا الأم. إن السياسة الخارجية الروسية منذ تفكيك الاتحاد السوفيتي لم تسر على وتيرة واحدة بل تطورت من خلال 6 مراحل:
الدبلوماسية الموالية للغرب (1991-1995)، الدبلوماسية متعددة الأقطاب (1996-2000)، براغماتية القوة العظمى (2001-2004)، السلافية الجديدة (2005-2008)، دبلوماسية الاستقرار والتعاون (2009-2013)، ودبلوماسية القوة العظمى (2014 إلى الوقت الحاضر).[1]
ظلت الدراسات تركز على تحليل القوة الصلبة لسياسة روسيا الخارجية دون قوتها الناعمة لفترة زمنية طويلة، حتى تم إلقاء الضوء عليها في السنوات الأخيرة بسبب إدراك أن القوة الناعمة لا تقل أهمية عن القوة الصلبة. حاولت روسيا منع دول الكومنولث المستقلة من بناء علاقات مع الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية من خلال سياسة العصا والجزر، حيث استخدمت سياسة الجزرة مع أوكرانيا من خلال التسهيلات والقروض الكبيرة ومع دول الكومنولث المستقلة بسدادها ديون الاتحاد السوفيتي السابق. ثم انتقلت لكي تستخدم سياسة العصا مثل ضمها لشبه جزيرة القرم بالإضافة الي استخدامها أيضًا للقوة الصلبة ضد 5 دول ذات شراكة مع الاتحاد الأوروبي (أرمينيا، أذربيجان، بيلاروسيا، جورجيا، مولدوفا).[2]
تمتلك روسيا قوة ناعمة تُمكنها من تحقيق أهداف سياستها الخارجية تجاه دول الكومنولث المستقلة لما بينهم من تاريخ مشترك، تقارب ثقافي ولغوي، أقليات من دول الاتحاد السوفيتي السابق في روسيا أو أقليات روسية في تلك الدول، قدرة روسيا علي جذب العمالة، مِنح روسيا للطلاب الأجانب، البرامج والاستراتيجيات اللغوية والثقافية الروسية بالإضافة إلى الدين حيث الكنيسة الأرثوذكسية.[3]
وتهدف الدراسة إلى التركيز على الأبعاد الثقافية وليس القوة الناعمة بسبب انتهاء الأمر باستغلال روسيا لمواردها الثقافية خلال حربها العسكرية على أوكرانيا، فمن الصعب التركيز على القوة الناعمة باعتبار أنها تبتعد عن الحروب والقوة العسكرية لكن في الحرب الروسية الأوكرانية تم توظيف البعد العسكري في الحرب كأداة من الأدوات الروسية في سياستها الخارجية، بالإضافة إلى تحليل أسباب روسيا لحربها على أوكرانيا من الناحية الثقافية، وإلى أي مدي استطاعت تحقيق أهدافها من خلال تلك الأدوات الثقافية.
المشكلة البحثية
اختلف وضع روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، حيث انتقلت من قوة عظمي واسعة النطاق ذات تأثير واسع على النظام العالمي في ظل الحرب الباردة وما قبلها، إلى مجرد قوة انتهي تأثير ايديولوجيتها سواء على الدول التي كانت تحت سيطرتها أو دول أخري كانت تحاول نشر أيديولوجيتها فيها. فتحاول روسيا منذ سنوات استعادة مجدها وقوتها، فكان المحرك الرئيسي لروسيا هويتها وقوميتها، ولذا يصبح السؤال الرئيسي هو
كيف وظفت روسيا مقوماتها الثقافية في سياستها الخارجية تجاه أوكرانيا خلال الفترة من 2014 -2023؟
ومن هنا نستنتج مجموعة من التساؤلات البحثية وهما:
- أهمية الأبعاد الثقافية في توجيه السياسة الخارجية للدول؟
- كيف يدعم البعد الثقافي التحركات العسكرية للدول الكبرى؟
- إلى أي مدي تساهم الأبعاد الثقافية في تحقيق الأهداف العسكرية للدول؟
- ما هي المقومات الثقافية الروسية التي تستخدمها في تشكيل سياستها الخارجية تجاه أوكرانيا؟
- ما دور القومية الروسية في تشكيل سياستها الخارجية تجاه أوكرانيا؟
- كيف توظف روسيا الدين في سياستها الخارجية تجاه أوكرانيا؟
- هل تم توظيف المقومات الثقافية الروسية في الحرب الروسية الأوكرانية؟
- هل استطاعت روسيا تحقيق أهداف السياسة الخارجية اعتمادًا على الأدوات الثقافية؟
حدود الدراسة
- التحديد الزمني
يقع التحديد الزمني لتلك الدراسة في الفترة بين 2014-2023. ويرجع السبب وراء تحديد عام 2014 كبداية للدراسة هو أنه العام الذي قامت روسيا فيه بضم شبه جزيرة القرم اليها ونتوقف عند 2023 بسبب امتداد توظيف روسيا أدواتها الثقافية على أوكرانيا حتى هذا العام، لذلك ستشير الدراسة إلى استمرارية استخدام الأدوات الثقافية حتى 2023.
- التحديد المكاني
تدور الدراسة حول دولتين؛ روسيا وأوكرانيا. إن اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية أدي إلى زيادة البحث وراء الأسباب التي أدت إلى هذه الحرب. روسيا لديها مبرراتها التي تعود إلى تاريخ وهوية وقومية ترجع إلى الإمبراطورية القيصرية وما تلاها من الاتحاد السوفيتي، وأما أوكرانيا فيوليها الغرب حماية وتحاول أن تكون جزءًا من الغرب بانضمامها للناتو.
لدي كل من الدولتين طموحات وأهداف وسياسات مختلفة عن الأخرى بالإضافة إلى أنهم دول جوار. فكل منهما تري الأخرى مصدر تهديد لها. ولذا، فتحاول الدراسة تحديد أسباب اتباع روسيا سياسات تدخليه تجاه أوكرانيا.
الأهمية البحثية
- الأهمية العلمية
تكمن أهمية الدراسة تكمن في دراسة أثر البعد الثقافي في السياسة الخارجية للدول. فدافع الدول لتبني سياسة خارجية سواء تعاونية أو صراعية، تدخليه أو لا تدخليه أو تبنيها سياسة الحياد ينبع من عوامل وأبعاد متعددة سواء داخلية أو خارجية. من تلك الأبعاد البعد الثقافي، ويقصد به هوية الدولة، فالدول لا تنشأ من فراغ. فتنبع أهمية هذه الدراسة من تتبع وتحليل الجانب الثقافي للسياسة الخارجية الروسية، أي تحليل الأسباب الثقافية التي أدت إلى دفع روسيا لتبني سياسات تقوم على التوسع وتبنيها سياسة استعادة أراضي مفقودة منها باعتبارها ممتلكات خاصة بها، ورغبتها في استعادة مكانتها الدولية كقوة عظمي أثناء عصر الاتحاد السوفيتي أو كإمبراطورية أثناء فترة الإمبراطورية القيصرية. فسياسة روسيا مبنية على تاريخها العريق التي تريد استعادة مجده ويظهر ذلك من خلال تتبع تبريراتها في تدخلها لسياسات الدول القريبة منها، حيث تركز روسيا على الداخل القريب، ومن ناحية أخري تبرر امتدادها للسيطرة على أراضي مجاورة لها لسعيها للحفاظ على سيادتها وسلطتها الإقليمية من محاولات تقويض قوتها وتاريخها السوفيتي.
- الأهمية العملية
- تولي الدراسة اهتمامًا بدراسة السياسة الخارجية الروسية في عهد بوتين.
- دراسة كيفية استخدام هوية وقومية الدولة في تبرير الغزو والسيطرة.
- التركيز على كيفية تأثير الأبعاد الثقافية على السياسة الخارجية الروسية.
أهداف الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى مجموعة أهداف، هي:
- معرفة إلى أي مدي يمكن أن تساهم الأبعاد الثقافية في تغيير أو تبني سياسة خارجية معينة.
- تحليل الأبعاد الثقافية لهوية روسيا وارتباطها بسياستها الخارجية.
- تفسير كيفية استخدام الأبعاد الثقافية للدول كدافع لشن حروب على دول أخري أو الاستمرار في الحروب.
الأدبيات السابقة
المحور الأول: المحددات الثقافية للسياسة الخارجية للدول.
المجموعة الأولي: ركزت تلك المجموعة على الأبعاد الثقافية في العلاقات الدولية. إذ أكدت بعض الدراسات أنه تم إهمال الأبعاد الثقافية في العلاقات الدولية لفترة زمنية طويلة، على الرغم من أهمية تلك الأبعاد في العلاقات الدولية، كما تؤثر الثقافة على إدراك أو سوء إدراك الأحداث من قبل الفواعل الدولية وفي اصدار الأحكام، فإن صناع السياسة الخارجية لا يحسبوا القرارات بعقلانية كاملة، لكن تدخل بها أحكامهم ورؤيتهم للعالم وسلوكهم فيؤثر ذلك على السياسات الخارجية للدول. تمثل الثقافة مصدر مهم للدوافع، مصدر تلك الدوافع ليس الفرد أو شخصيته لكن أيضًا القيم الثقافية الموجودة في المجتمع، فعلى سبيل المثال هناك مجتمعات تعلو فيها قيمة الحرية ومجتمعات أخري تعلو بها قيمة المساواة، فقد تكون هناك مجتمعات تُعلي من قيمة الديموقراطية فتبرر الحرب تحت مسمي نشر الديموقراطية مثل حرب أمريكا على العراق أو قد تكون مجتمعات تُعلي من قيمة التضامن كالمجتمعات العربية ونصرتها للشعب الفلسطيني. إن للثقافة دور في تحديد هوية الفرد والجماعة والدولة، فتحدد من “نحن” ومن “هم” فهي أساس الأيديولوجيات القومية بما فيها التي قادت إلى حروب عبر التاريخ.[4]
تقوم تلك المجموعة من الدراسات بالتركيز على القيم الموجودة في النظم الداخلية للدول لأنها تؤثر على تشكيل سياستها الخارجية، يُمكن تطبيق ذلك على الدراسة من خلال أن روسيا تُعلي من هويتها الثقافية وتاريخها العريق سواء أثناء الإمبراطورية القيصرية أو الاتحاد السوفيتي، فعندما شنت روسيا حربها على أوكرانيا كانت تعتبر أن أوكرانيا جزء لا يتجزأ من تاريخ وهوية روسيا.
المجموعة الثانية: ركزت تلك المجموعة من الدراسات على العلاقة بين الثقافة والنظريات السائدة في العلاقات الدولية مثل الواقعية والليبرالية والواقعية الجديدة والليبرالية الجديدة. إذ أنه بسبب فصل العلم عن القيمة أدي ذلك إلى الاعتقاد بأن الثقافة ليست عنصرًا مهمًا في نظريات العلاقات الدولية التي يجب أن يتم إلقاء الضوء عليها. تعددت نظريات تفسير النمط السلوكي للدول، فعلى سبيل المثال: في الواقعية، يتم تفسير النمط السلوكي للدولة من خلال خلق صراع وخوف من معضلة أمنية يُمكن أن تفسر في النهاية سلوك الدولة مما يؤدي إلى سلوك ثقافي خاص. هذا السلوك الثقافي أساسه انعدام الأمن، عدم القدرة على الثقة في الآخرين، تقليل التعاون في العلاقات الدولية.
إما في الليبرالية، فالتغلب على حالات الفوضى وتغيير السياسة الدولية من الصراع إلى التعاون يؤدي إلى خلق نوع من السلوك الثقافي في العلاقات الدولية يقوم على التعاون. وفي الواقعية الجديدة، تري أن المعايير الثقافية للعلاقات الدولية لها تأثيرات إيجابية وسلبية على مكونات النظام، فتتأثر السلوكيات الخارجية للدول بالفضاء المعياري الذي يسيطر على العلاقات الدولية. إن هيكل النظام الدولي يقوم بخلق ثقافة خاصة ومعيار خاص لكل لاعب دولي، في أثناء تلك العملية يظل الخوف والصراع والاضطرابات المفرطة السمات الرئيسية للسياسة الدولية.[5]
تدور تلك الدراسات على اختلاف المعيار الخاص لكل دولة في رسم سياستها الخارجية لكن هناك سمات رئيسية للمجتمع الدولي تحكمه وتؤثر في طبيعة سياسته الخارجية، فعلي سبيل المثال تخشي روسيا طوال الوقت من تحالف دول الكومنولث المستقلة مع الدول الغربية والولايات المتحدة فتحاول أن تمنع ذلك بكافة الطرق حتى أصبح العنف والسلطوية مرتبطين بها.
المجموعة الثالثة: ركزت تلك الدراسات على أهمية الأبعاد الثقافية في العلاقات الدولية في كتابات بعض العلماء. من هؤلاء تلك العلماء، صامويل هنتنغتون في دراسة “صراع الحضارات” عام 1993، كتاب “العرق والثقافة: منظر للعالم” لتوماس سويل، كتاب “Trust” لفرنسيس فوكوياما. فقامت هذه الأعمال بإلقاء الضوء على أثر الثقافة في السياسة الخارجية للدول. أشار توماس سويل في كتابه أن الفروق العرقية والثقافية ذات تأثير كبير، فالأشخاص يتعاملون مع المطالب الاقتصادية والاجتماعية بالطريقة الخاصة بهم. فيوضح الارتباط الوثيق بين الثقافة الوطنية والإنجازات الوطنية حيث أهمية الثقافات في إنجازات الدولة. فالثقافة تلعب دور محوري ومؤثر في مصير الدولة ومكانتها ودورها في العلاقات الدولية. فتؤثر الثقافة على حلول القادة للمشكلات وعلى القرارات التي يقومون باتخاذها في الساحة الدولية، فالقادة وشعوبهم يتأثرون بالثقافة المميزة الخاصة بهم من قيم واهتمامات ورغبات. للدول تأكيدات استراتيجية متعلقة بتجربتهم المبكرة والراسخة في أذهانهم، فالمفاهيم الثقافية تؤثر بشدة على وجهات نظر القادة بشأن القضايا السياسية وتؤثر على اتخاذهم قرارات حاسمة في العلاقات الدولية. يشير فرانسيس فوكو ياما الي ما يسمي ب “اجتماعية الثقافة أو الائتمان الاجتماعي” ويفترض أن لكل دولة ائتمان اجتماعي خاص بها ويؤثر درجة ذلك الائتمان على تعاونها وعلاقاتها الدولية وتتحكم الثقافة في تلك الدرجة وتؤثر على السلوك الوطني وعلى علاقة الدولة بالمجتمع الدولي وعلى سياستها الخارجية[6].
تم التركيز على تلك المجموعة من أجل تغطية النظريات والكتابات حول الأبعاد الثقافية في العلاقات الدولية من أجل التأكيد على مدي أهمية تلك الأبعاد بالنسبة لتشكيل السياسات الخارجية للدول.
المحور الثاني: الأبعاد الثقافية للسياسة الخارجية الروسية تجاه دول الكومنولث في عهد بوتين:
المجموعة الأولي: تدور الفكرة الرئيسية لتلك الدراسات حول تحليل الأبعاد الثقافية للسياسة الخارجية الروسية من خلال القومية الروسية. فأشارت تلك الدراسات إلى عدم تقبل الروس انهيار الاتحاد السوفيتي، ومحاولاتهم لاستغلال أي ضعف في الدول المجاورة من أجل إعادة تأسيس الإمبراطورية المفقودة. إذ تم وصف تفكك الاتحاد السوفيتي وخروج الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية من قبل بوتين على أنها “كارثة جيوسياسية كبرى في القرن العشرين”. يعود تبرير بوتين في سياسته الداخلية في الدول السوفيتية السابقة بأنها أراضي روسية كما برر قبل ذلك ضم القرم لأراضيه. فتوصل الإمبرياليون الروس لتفسير تفكير زعيم روسيا على أن روسيا تسعي لتشمل أكثر من أراضي الاتحاد الروسي. من أجل تعزيز روسيا ثقافتها في جميع أنحاء العالم، قام بوتين بإنشاء ما يسمي “روسكي مير – العالم الروسي” فتعتبر مظهر من مظاهر القومية الإمبريالية الدينية الروسية. يشمل مصطلح العالم الروسي على المهمة المسيحية للسياسة الخارجية الروسية تجاه دول الجوار أو ما يسمي “بالخارج القريب”، فينظر إليهم على أنهم جزء لا يتجزأ من روسيا.[7]
المجموعة الثانية: تشير تلك المجموعة من الدراسات إلى بعد آخر من الأبعاد الثقافية للسياسة الخارجية الروسية وهو الدين. فتوطدت العلاقة بين الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وبين القادة الروسيين بصورة كبيرة بعد وصول بوتين الي سُدة الحكم، يعود ذلك إلى المساعدات المالية من قبل الدولة للكنيسة من أجل بناء الأديرة والأبرشيات. السبب وراء توطيد العلاقة بين الكنيسة والدولة هو تقارب الأهداف. ففي الوقت الذي تسعي فيه روسيا من أجل استعادة نفوذها وسيطرتها على أراضي الاتحاد السوفيتي السابق حيث منطقة الخارج القريب كان هو نفس الهدف بالنسبة للكنسية الأرثوذكسية الروسية، ولكن ترغب الكنيسة أيضًا في جمع شتات الكنائس الأرثوذكسية في المنطقة. ولذلك يصبح البعد الديني عامل مهم من عوامل تشكيل توجهات السياسة الخارجية الروسية وأحد أهم المبررات للسياسة الخارجية الروسية تجاه دول الجوار.
تتجه الكنيسة للتأكيد على مفهوم العالم الروسي “روسكي مير” كأحد أبعاد السياسة الخارجية الروسية، يقصد المفهوم كل الروس الذين تجمعهم ثقافة ولغة واحدة، ليشمل أولئك الروس المتواجدين في دول الاتحاد السوفيتي السابق، فاتجهت الكنيسة لتطبيق المفهوم لكن اتجهت إلى تطبيقه من الناحية الروحانية. ونُسبت للكنيسة الأرثوذكسية الروسية أن مفهوم العالم الروسي يشبه مفهوم روسيا المقدسة والعلاقة الروحانية بين جميع الروس، فتقدم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية نفسها على أنها” القوة المتكاملة الوحيدة في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي”. من الواضح الدور الرئيسي للكنيسة الروسية ورئيسها البطريرك “كيريل” في دعم سياسة روسيا الخارجية ونشر مصطلح “العالم الروسي”. فاقترح البطريرك كيريل في الاجتماع الثالث لمؤسسة “روسكي مير” أن يتم استخدام مصطلح “البلد الروسي العالمي Russian World Country” ويعني أن “اية دولة تتحدث اللغة الروسية كلغة دولية، وتعزز الثقافة الروسية، وتحافظ على الذاكرة التاريخية العامة، يمكنها أن تعتبر نفسها جزءًا لا يتجزأ من العالم الروسي”[8]
المجموعة الثالثة: تشير مجموعة من الدراسات إلى اعتبار اللغة أحد أهم بعد من أبعاد الثقافة الروسية في منطقة الكومنولث، فتعتبر اللغة المهيمنة في تلك المنطقة. تحتل اللغة الروسية المرتبة السادسة من ناحية الانتشار، والمرتبة الثانية بعد اللغة الإنجليزية من حيث الاستخدام على الإنترنت، وهي اللغة الأكثر تداولًا في المناطق السوفيتية السابقة على الصعيدين الرسمي والشعبي. فتعتبر لغة التعلم في دول الكومنولث بعد أن حصلت على استقلالها هي اللغة الروسية لكن اللغة القومية لتلك الدول يتم استخدامها في أضيق الحدود مثلًا في بعض المؤسسات التعليمية وفي مجالات محددة مثل الإدارة ووسائل الإعلام والجيش. ورغم صعوبة اللغة الروسية إلا أن معظم الشباب في تلك الدول يرغب في تعلمها. أشارت أحد الدراسات إلى أن اللغة الأم لسكان القرم هي اللغة الروسية على الرغم من محاولات استخدام اللغة الأوكرانية في المؤسسات الحكومية والتعليمية إلا أن تلك المحاولات لم تنجح.[9]
ناقشت كل مجموعة من الأدبيات بعد من الأبعاد الثقافية أو مقوم من المقومات الثقافية التي تمتلكها روسيا يمكن أن يساعدها في تبني سياسات خارجية معينة تجاه دول الكومنولث المستقلة بما فيها سياستها العسكرية. لروسيا تاريخ ممتد يرتبط من الإمبراطورية القيصرية إلى الاتحاد السوفيتي الذي بتفككه أصبحت مجرد دولة واحدة، فتحاول روسيا الآن استخدام تاريخها العريق، لغتها المنتشرة بين دول الاتحاد السوفيتي السابق، الأقليات المتناقلة بين الدول وروسيا على اعتبار أن تلك الدول تابعة لأراضيها وخاصة أوكرانيا التي تعتبرها جزء لا يتجزأ منها بالإضافة الي الدين حيث الكنيسة الأرثوذكسية.
ركز المحور الأول من الأدبيات على قيم الدولة الداخلية بسبب تأثيرها على سياسات الدول الخارجية. تختلف السمات الرئيسية لكل مجتمع وما ينتج عن ذلك من اختلاف في العلاقات الدولية، تعود أهمية تلك المحور في تحديد مدي تأثير الأبعاد الثقافية في انتهاج الدول سياسات خارجية معينة. ليركز المحور الثاني من الأدبيات على المقومات الثقافية الروسية من قومية روسية تؤكد على تبعية أوكرانيا لروسيا والتاريخ الروسي العريق بجانب اللغة والثقافة المشتركة بين روسيا ودول الجوار. لتضيف تلك الدراسة دور الأبعاد الثقافية في الحرب الروسية الأوكرانية وما نتج عنها من ضم بعض الأراضي الأوكرانية مثل شبه جزيرة القرم ودونباس دون الاعتماد على الأداة العسكرية فقط بالإضافة إلى توضيح دور تلك الأدوات في تحقيق أهداف روسيا الخارجية.
الإطار المنهاجي
النظرية البنائية
بعد ان انتهت الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي، فالوضع في العلاقات الدولية أصبح أكثر مرونة وانفتاحًا. كانت التطورات المستقبلية للواقع الدولي نسبة للواقعيين الجدد تدور حول ظهور دول أخري سوف توازن ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وأن هذا التوازن سيؤدي إلى ظهور قوي عظمي جديدة في نظام متعدد الأقطاب. لكن منذ انتهاء الحرب الباردة لم يشهد الواقع الدولي ذلك. كانت الواقعية الجديدة في حالة من عدم اليقين، فالبعض يري أن ظهور قوي أخري قد يكون الغد والبعض الآخر يري أنه سيكون بعد 50 عام. تري البنائية أن حالة عدم يقين الواقعية الجديدة يرجع إلى ارتباطها بالمادية أكثر من اللازم. لذا تركز البنائية على الأفكار والآراء مما يؤدي إلى أفضل فكرة عن الفوضى وموازنة القوة. يرجع ظهور النظرية البنائية كنظرية بديلة للنظريات السائدة في العلاقات الدولية الي عاملين أساسين:
- الانتقادات التي تم تقديمها ضد أعمال الواقعيين الجدد والليبراليين الجدد الذي يطلق عليهم “النيوو نفعية” وكانت تركز تلك الانتقادات على الإهمال الناتج عن المنهج العقلاني في العديد من الأمور في العلاقات الدولية. حيث تم الاعتراف بضيق المنهج العقلاني في استيعاب العديد من الأمور السياسية مما أدي إلى استبعاد العديد من المنظرين المنهج العقلاني.
- الطريقة التي انتهت بها الحرب الباردة التي لم تكن متوقعة بالإضافة إلى صعوبة تفسير ما حدث، حيث كانت نهاية الحرب الباردة بمثابة اختبار للواقعية الجديدة في شرح التغيرات الدولية ولكنها فشلت. مما أدي إلى إضفاء الشرعية على البنائية بسبب فشل الواقعية والليبرالية في تفسير ما حدث بينما البنائية تمتلك تلك التفسير.[10]
البنائية هي نموذج نظري يقوم على تحديد كيفية تأثير عوامل مثل الثقافة، الدين، القومية على السياسة الخارجية للدول. يقوم البنائيون من أجل تحليل السياسة الخارجية للدول على تحقيق وتفسير التعريف التي يتم تقديمه من جانب كل دولة حول هويتها من أجل تحديد أهدافها ومصالحها، لأن الهوية في البنائية هي “مجموعة من المعتقدات حول “الذات” و”الآخرين” والتفاعلات بينهم وتتأثر بشدة بالثقافة”. ينتقد البنائيون النظريات الأخرى في تجاهل أثر الثقافة والهوية لاعتبارهم عوامل مهمة في تحديد مصالح الدول التي تُبني على أساسها سياستهم الخارجية.[11]
أسس النظرية البنائية
تتميز النظرية البنائية عن غيرها من النظريات من خلال تركيزها على مجموعة من الأفكار والأسس في تحليلها للعلاقات الدولية، وتقوم تلك الأفكار على أهمية ودور الثقافة والقواعد والمعايير واللغة في العلاقات الدولية. ومن تلك الأسس:
دور الأفكار والثقافة في تكوين العلاقات الدولية نسبة للنظرية البنائية
يؤكد البنائيون على أهمية الأفكار والثقافة في السياسة الدولية. الثقافة هي قيم المجتمع ومؤسساته ورموزه. تعتبر الثقافة أحد الأدوات الأساسية من أجل ترابط المجتمع وتجعلها مختلفة عن غيرها من المجتمعات الأخرى ويكون لها دور في تشكيل وجهة نظر المجتمع تجاه المجتمعات الأخرى وطريقة التعامل معها.
تساهم الثقافة في تشكيل السياسة العالمية، الهوية، مصالح الفاعلين في النظام العالمي من خلال التفاعلات الاجتماعية. تشمل الثقافة على التنافس بين حاملي الثقافات والتي تعتبر مصدر للتغير البنيوي، ولهذا التنافس 5 مصادر حددها ألكسندر وندت في كتاب “النظرية الاجتماعية للسياسة الدولية” وهما:
- التناقضات داخل ثقافة معينة.
- الصراع.
- الصدمات الخارجية.
- تمثل قناعات الفاعلين الدافع وراء برامجهم والتي تنعكس على البيئة الخارجية.
- ابتكار أفكار جديدة لثقافة معينة.[12]
الترابط بين الهوية والمصلحة
تربط النظرية البنائية بين الهوية والمصلحة بالرغم من اعتقادهم بأن الهوية لا يمكن اقتصارها على المصلحة لأن الهوية تعني من هم الفاعلين لكن المصالح تشير الي رغبة الفاعلين. تسبق الهوية المصلحة لكن لا يمكن للهوية أن تفسر الأفعال وحدها حيث أن الهوية من غير المصلحة تفتقر الي القوة الدافعة والمصلحة دون الهوية تفتقر إلى الطريق والوجهة. تنتج المصلحة والهوية من التفاعلات الاجتماعية.[13]
البنائية الاجتماعية (الثقافية)
تنحدر النظرية البنائية الاجتماعية من البنائية وتستند على دور الفرد في بناء المعارف للآخر. تعود النظرية البنائية الاجتماعية الي العالم ليف سومينوفيتش فيجوتسكي. وهي تعني عملية اجتماعية يتفاعل الأفراد فيها مع الأحداث من خلال حواسهم فيتم فيها ربط المعارف السابقة بالمعرفة الحالية وتضمن المعتقدات، والأفكار، والصور. فمن الصعب الفصل بين معتقدات الفرد وأفكاره وبين المحيط الاجتماعي الذي يوجد فيه.[14]
سبب اختيار النظرية البنائية لتلك الدراسة
بسبب أن النظرية البنائية تري أن الدولة فاعل أساسي في العلاقات الدولية وتهدف إلى تحقيق مصالحها الوطنية بالإضافة إلى تسليطها الضوء على أهمية الهوية والثقافة والأفكار من أجل تحديد المصلحة الوطنية للفاعل. فتهتم النظرية بالجانب الثقافي للدول وتهتم الدراسة بالأبعاد الثقافية للسياسة الخارجية لروسيا. فتعتمد الدراسة على أن تركز في رغبة روسيا في حماية أمنها القومي ومصالحها الوطنية من خلال تتبع سياسة خارجية تدخليه في دول الجوار تؤدي إلى حماية أمنها باستخدام محددات ثقافية من قومية وهوية روسيا وترجمة ذلك إلى أدوات في تحركاتها الخارجية من أجل تحقيق أهدافها.
أدوات جمع البيانات
تم الاعتماد على الأدوات الثانوية في جمع البيانات حيث رسائل علمية في دوريات محكمة – مقالات منشورة في جرائد رسمية – معلومات من مواقع إلكترونية مختلفة بجانب الرجوع إلى الوثائق الرسمية للسياسة الخارجية الروسية:
- المرسوم الصادر عن رئيس الاتحاد الروسي بتاريخ 7 مايو 2012 رقم 605 “بشأن تدابير تنفيذ السياسة الخارجية للاتحاد الروسي”.
- المرسوم الصادر عن رئيس الاتحاد الروسي بتاريخ 30 نوفمبر 2016 رقم 640 “بشأن الموافقة على مفهوم السياسة الخارجية للاتحاد الروسي”.
- المرسوم الصادر عن رئيس الاتحاد الروسي بتاريخ 5 سبتمبر 2022 رقم 611 “بشأن الموافقة على مفهوم السياسة الخارجية للاتحاد الروسي” بصيغته المعدلة.
- المرسوم الصادر عن رئيس الاتحاد الروسي بتاريخ 31 مارس 2023 رقم 640 “بشأن الموافقة على مفهوم السياسة الإنسانية للاتحاد الروسي في الخارج”.
المنهج
سيتم استخدام منهج “قياس القوة”، [15]الفكرة الرئيسية للمنهج لا تقوم فقط على تحديد الموارد التي تمتلكها الدولة سواء المادية أو الغير مادية لكنها تمتد للتركيز على كيفية تحويل تلك الموارد إلى إمكانيات ملموسة وأدوات للدولة تساعدها في تحقيق سياستها الخارجية ثم التأكد من تحقيق أهداف السياسة الخارجية من خلال تلك الأدوات. يتم تحقيق ذلك من خلال 3 مراحل:
المرحلة الأولي: موارد الدولة
تتمحور تلك المرحلة حول موارد الدولة وما لها من إمكانيات من موارد بشرية، مالية، طبيعية، تكنولوجية بما فيها موارد ثقافية. فلا يتم التركيز فقط على الموارد الملموسة للدولة لكن تتسع تلك الموارد لتشمل الأبعاد الثقافية والقدرات الإعلامية والدبلوماسية.
تدور تلك المرحلة حول الموارد التي تمتلكها روسيا سواء كانت مادية أو غير مادية مثل المقومات الثقافية من قوميتها العريقة التي تعود إلى الإمبراطورية القيصرية مرورًا بالاتحاد السوفيتي إلى محاولتها لاستعادة مكانتها العظمي من جديد بجانب الكنيسة الأرثوذكسية ودورها في دعم قرارات الكرملين في السياسة الخارجية وتأييدها مع اللغة الروسية واسعة الانتشار في دول الكومنولث المستقلة، والتي لازالت تحظي بأهمية واسعة نظرًا لاهتمام روسيا أن يتم نشرها واستخدامها في مختلف المجالات كالإعلام والتكنولوجيا والصحف.
المرحلة الثانية: كيف حولت الدولة تلك الموارد الي أدوات تكون عنصر قوة بالنسبة لها
تمتلك الدولة قدرات عسكرية واقتصادية وقيم ثقافية وقدرات بشرية، فتهتم تلك المرحلة بدراسة كيف يمكن للدولة أن تحول تلك الموارد لتكون أداة من أجل تحقيق أهدافها. فروسيا لديها قوة عسكرية ضخمة وأسلحة نووية، قدرة اقتصادية فائقة، قيم ثقافية مترابطة مع أوكرانيا، تاريخ لغوي واثني طويل. فتهتم تلك المرحلة بدراسة كيفية تحرك روسيا تجاه أوكرانيا باستخدام أبعاد قوتها المختلفة وخاصة الثقافية.
المرحلة الثالثة: هل حققت الدولة أهدافها من خلال تلك الأدوات؟
تشير تلك المرحلة إلى أي مدي استطاعت الدولة بعد أن حولت مواردها إلى أدوات يمكن استخدامها لتحقيق سياساتها الخارجية تمكنها من تحقيق أهدافها الخارجية.
تركز تلك المرحلة على مخرجات السياسة الخارجية الروسية تجاه أوكرانيا من خلال استخدام تلك الأبعاد المتمثلة في الأبعاد الثقافية.
توظيف المنهج:
يقوم المنهج على 3 مراحل، المرحلة الأولي تركز على موارد الدولة وامكانياتها سواء كانت المادية أو غير المادية. والمرحلة الثانية تركز على كيفية تحويل الدولة تلك الموارد إلى أدوات تساعدها في تحقيق أهدافها ومن ثم تركز المرحلة الثالثة على هل حققت الدولة أهدافها أم لا؟ لتقسم الدراسة كالآتي وفقًا لذلك المنهج:
الفصل الأول وسيضم المقومات والموارد الثقافية التي تمتلكها روسيا وكيف يمكن للموارد الثقافية أن تؤثر في العلاقات الدولية.
الفصل الثاني سيركز على كيف استطاعت روسيا تحويل مواردها الثقافية إلى أدوات تستخدمها في سياستها الخارجية من أجل تحقيق أهدافها. بالإضافة إلى التوصل لكيفية استخدام الموارد الثقافية في تحقيق أهداف عسكرية أو استخدامها استخدامًا عسكريًا.
الفصل الثالث سوف يعمل على دراسة هل استطاعت روسيا أن تحقق أهدافها من خلال استخدامها للأداة الثقافية. وما هي الأبعاد الثقافية التي استطاعت روسيا استخدامها في حربها العسكرية على أوكرانيا.
الإطار المفاهيمي
- القوة الناعمة
تم الإشارة إلى تعريف القوة الناعمة نظرًا لاشتراكه مع مفهوم الثقافة في نفس الأدوات. فالقوة الناعمة تدور حول استخدم القيم والثقافة والتعليم والفن من أجل التأثير على أفكار الآخرين أو اقناعهم بأفكار ورؤى معينة. فالأبعاد الثقافية تعتمد على نفس تلك الأدوات لكنها تختلف عن القوة الناعمة في أنها قد تستخدم أدوات عسكرية بجانب الأدوات الثقافية علي عكس القوة الناعمة التي تعتمد على ما هو ثقافي ولا تتطرق إلى الجانب العسكري. تنتشر التفاعلات التي يركز عليها مفهوم القوة الناعمة من قبل مختلف الفاعلين على مر العصور لكن نشأة المفهوم بصورته الحالية حديثة نسبيًا. ظهر المفهوم لأول مره في عام 1990 في مقالة جوزيف ناي-أستاذ العلوم السياسية الأمريكي-تم نشر تلك المقالة في مجلة السياسة الخارجية تحت عنوان “القوة الناعمة”. وتم استخدام نفس المفهوم بعد ذلك بعام في كتابه تحت عنوان “ملزمة بالقيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية“.
تتمثل الفكرة الرئيسية لمفهوم القوة الناعمة حول التركيز على الجانب الغير مادي للقوة المتمثل في ثقافة وقيم الدولة، حيث أشار إلى أهمية التركيز على تلك الجانب التي يتم تجاهله بسبب التركيز على الأبعاد المادية العسكرية والاقتصادية في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية.[16]
تعريف القوة الناعمة نسبة لجوزيف ناي
تتمثل في تحقيق ما تريده وتنفيذ أهدافك من خلال الجذب وليس الإكراه والاجبار، تقوم على القدرة على إقناع الآخرين بقيمك وجعلهم يتبعونك. تعتمد القوة الناعمة على الأفكار والثقافة وتقليل التكلفة العسكرية والاقتصادية التقليدية للدول. إن الموارد الأساسية للقوة الناعمة نسبة لجوزيف ناي، تتمثل في:
- الثقافة
تتمثل في قيم الدولة وممارستها من أدب وفن وتعليم وتعتبر عنصر جذب للدول الأخرى، تعتبر عامل قوة للدولة في حالة ارتباط ثقافتها بقيم عالمية فيؤدي ذلك إلى زيادة القدرة على تحقيق النتائج المرغوبة من خلال الإقناع والجذب.
- السياقات الحكومية للدول
فالدولة هي التي تمتلك القدرة على تعزيز القوة الناعمة أو تقويضها، فسياستها الداخلية والخارجية إذا تم بناؤها على أساس عدم احترام الآخرين ستؤدي الي تقويض القوة الناعمة.
- القيم
تتمثل في القيم التي تدافع عنها الدول سواء من خلال السلوك الداخلي مثل القيم وحقوق الانسان أو في الممارسة الخارجية الدولية من خلال تشجيع الآخرين على احترام حقوق الانسان، كل تلك الممارسات المختلفة للدولة تؤثر على تشكيل تفضيلات الآخرين.
يُعتبر البعد الداخلي سواء قيم أو ثقافة أو قيم مكون أساسي للقوة الناعمة ويزيد من رصيد القوة الناعمة لدي الدولة، ويطلق على ذلك “القدرة السياسية المحلية” وتتمثل في كفاءة أجهزة صنع القرار والسياسات الحكومية مع رضا ودعم الشعب لسياسات الدولة في الخارج.
- الثقافة
تتعدد تعريفات الثقافة، وتوضح تلك التعريفات أن الثقافة تجمع بين المادي والمعنوي والداخلي والخارجي. تجمع الثقافة بين بعد ثابت متمركز حول المعتقدات الخاصة بالمجتمعات التي تتوارث وبين بعد متحرك متمثل في الممارسات الخاصة بتلك المجتمعات. من تلك التعريفات:[17]
- تعريف ابن منظر للثقافة، “الفطنة ودقة الفهم، ولابد أن يكون المثقف ضابطًا لكمّ محتوياته، وقائمًا بها. وهذه المحتويات هي جملة المعارف من ناحية، وجملة الاحتياجات من ناحية أخرى”. فالثقافة متجددة وغير مستقرة، فلا تسير المعارف والخبرات التي يحتاج إليها الأفراد على وتيرة واحدة بل تتغير مع تغير الظروف والعصور التي يعيش فيها الأفراد.[18]
- يُعرف إدوارد تيلور الثقافة على أنها “الكل المركب الذي يشتمل على المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والتقاليد وأي نوع آخر من القدرات والعادات التي اكتسبها المرء بوصفه عضوًا في المجتمع”.
- تعريف الدكتور محمد عبد المطلب للثقافة على إنها، ” الإضافة البشرية للطبيعة عمومًا؛ سواء أكانت الإضافة خارجية في إعادة تشكيل هذه الطبيعة، أو التعديل فيها بالحذف والإضافة، وهي عملية لا تكاد تعرف التوقف، لأنها لا تتوقف عند حدود الإضافة المادية بل تتجاوزها لتطول قائمة العادات والتقاليد والأعراف والمهارات الإبداعية والجماليّة، أم كانت الإضافة داخلية تضم ما هو عزيزي وفطري وبيولوجي تسكن الكائن البشري، وتنعكس على ما يحيط به ومن يحيط به”.[19]
الهوية
مفهوم الهوية
عرّف المفكر الفرنسي “أليكس ميكشيللي” الهوية على أنها، “منظومة متكاملة من المعطيات المادية والنفسية والمعنوية والاجتماعية تنطوي على نسق من عمليات التكامل المعرفي، وتتميز بوحدتها التي تتجسد في الروح الداخلية التي تنطوي على خاصية الإحساس بالهوية والشعور بها، فالهوية هي وحدة المشاعر الداخلية، التي تتمثل في وحدة العناصر المادية، والتمايز، والديمومة، والجهد المركزي. وهذا يعني أن الهوية هي وحدة من العناصر المادية والنفسية المتكاملة، التي تجعل الشخص يتمايز عمن سواه، ويشعر بوحدته الذاتية”.[20]
الهوية من منظور سوسيولوجي وأنثروبولوجي
أشار لويس جاك دوري إلى أن الهوية متغيرة غير ثابتة، ديناميكية، تظهر عندما يتم استخدامها. فالهوية تظهر من خلال الطريقة التي يتعامل بها الأفراد مع العناصر المحيطة بهم وتعبر عمّن هم. تتعدد تعريفات الهوية، يمكن توضيحها من خلال عدة رؤي؛ حيث:
- تعريف الثقافة من خلال صفة الاستمرارية.
- “السيرورة التي تتشارك فيها مجموعة من الأفراد في طريقة معينة وموحدة لفهم الكون، والأفكار وأشكال السلوك، وهم، في ذات الوقت، واعون باختلافهم مع مجموعة أفراد أخرى”.
- “عملية ديناميكية، بفضلها تتشارك مجموعات من الأفراد في الكثير من الصفات لفهم العالم، ويؤثرون في محيطهم وينشرون أنماط تصرفهم إزاء أفراد آخرين في مجموعات أخرى، ويفكرون بصفة مختلفة، ويتصرفون بطريقة مختلفة عن صفاتهم.”
من خلال هاتين التعريفين، نجد أنه قد يتشابه مجموعة من الأفراد في مجتمع ما في صفات معينة لكنهم مختلفين عن آخرين في مجتمع آخر. ولا توجد هوية ثابتة بل تظل “سيرورة البناء الهوياتي” متواصلة مادام علاقات الأفراد مع الآخرين مستمرة.[21]
- تعريف الهوية من خلال الشعور بالانتماء
- يوضح بارث أن “التمايز بين الهويات الثقافية يرجع في الحقيقة إلى نوعية العلاقات بين الجماعات والطريقة التي يبرز بها الاختلاف ضمن تلك العلاقات، وبالتالي فإن الهوية ليست معطى أوليًا ونهائيًا بل إنها في حالة بناء دائم ينبغي دراستها من خلال الوضعية العلائقية”.
- يُعرف أمسال الهوية على أنها، “سيرورة تتأسس من مميزات على أساس اللغة والعلاقة بالفضاء والتقاليد والاسم والنسب الواحد والوعي بالانتماء المشترك، بما يسند للشعور بالانتماء مهمة وضع أساس البناء الهوياتي”.[22]
- تعريف الثقافة من خلال منظور الذاكرة
- نسبة إلى الأنثروبولوجي كوندو في كتاب ” ذاكرة وهوية” فإن الذاكرة أحد أهم العناصر التي تربط بين البناء الاجتماعي والهوية، حيث نسبة له “تعيد الذاكرة بناء ماضي المجموعة ومن ثم تبني عناصر الهوية الفردية والجماعية”.
- تعريف الأنثروبولوجي شيفا الهوية على أن الذاكرة، “تُؤسس الهويات الجماعية وهي قوة الهوية”، وأن “الذاكرة هي الهوية وهما تدعمان بعضهما البعض، فلا يوجد بحث عن الهوية بدون ذاكرة ولا يمكن الفصل بينهما”.
- يُعرف أمسال الهوية على أنها، “سيرورة تتأسس من مميزات على أساس اللغة والعلاقة بالفضاء والتقاليد والاسم والنسب الواحد والوعي بالانتماء المشترك، بما يسند للشعور بالانتماء مهمة وضع أساس البناء الهوياتي”.[23]
- القوة الناعمة الدينية
في بداية القرن ال 20، كان هناك ادعاء من قبل العديد من العلماء بأن تأثير الدين سيُمحي في المجالين العام والسياسي وسيتم تقليصه إلى المجال الخاص وسينتج عن ذلك علمنة كل من السياسة والعلاقات الدولية ولكن شهد الربع الأخير من القرن ال 20 حقيقة أن الدين لم يختفي من الرأي العام بل ساهم في ممارسة تأثير على أجزاء كثيرة في العالم مثل الثورة الإسلامية في إيران 1979. بعد ذلك، قويت الأحزاب المسيحية في أوروبا وظهرت صراعات تقوم على الدين في البلقان وأكد على ذلك أحداث 11 سبتمبر التي أكدت بعدها الولايات المتحدة أن الدين عامل مهم في السياسة العالمية. فأدي ذلك إلى دخول الدين في السياسة الداخلية والخارجية والإرهاب والهجرة وحل النزاعات.
تعريف القوة الناعمة الدينية
المجموعة الأولي
تري أن الفاعلين يميلون في السياسة الخارجية سواء علمانيين أو متدنيين إلى استخدام الدين من أجل تحقيق الأهداف، ليس الدول فقط لديها القدرة على استخدام الدين كمصدر للقوة متعدد الأبعاد ولكن الفاعلين الدينيين الغير حكوميين أيضًا. هناك بعض الكيانات التي تسعي الي تطبيق القوة الناعمة الدينية منها حكومات إيران والعراق وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية أثناء رئاسة دونالد ترامب (2017-2021) والعديد من الجهات الفاعلة غير الحكومية كما الإنجيليون الأمريكيون والروم الكاثوليك والجماعات السنية المتطرفة مثل القاعدة والدولة الإسلامية. وبغض النظر عن الطريقة التي يتم بها استخدام القوة الناعمة الدينية وبغض النظر عن أغراضها، فإن الطرف الذي يقوم باستخدامها يسعي إلى أن يكون مرئيًا من خلال:
- إبراز الحجج الدينية.
- محاولة تطبيق رغباته فيما يتعلق بالجهات الأخرى التي يستهدفها.
المجموعة الثانية
تركز على كيفية استخدام القوة الناعمة الدينية من خلال جهات فاعلة مختلفة من أجل أغراض جيوسياسية. حاولت هذه المجموعة وضع مفهوم للقوة الناعمة الدينية على الرغم من اعتبارهم أن المفهوم غير محدد، ويتمثل تعريف القوة الناعمة الدينية في انه: “نوع من القوة التي تستخدمها الدول جنبًا إلى جنب مع القوة الحادة من وقت لآخر في النظام العالمي الجديد وتستخدمها في الهياكل التي يمكن أن تؤثر جغرافيًا أولاً ثم في مجموعات.” ووفقًا لذلك الهياكل التي تقوم باستخدام الدين كقوة ناعمة في مناطق جغرافية مختلفة يمكن أن تنغمس في صراع مع بعضها البعض وذلك أمر منتشر في النظام العالمي الجديد. فزيادة الصراع أو التعاون الدولي يشير إلى الأشكال المختلفة التي يمكن أن تظهر بها القوة الناعمة الدينية.[24]
- السياسة الخارجية
من الصعب وضع مفهوم محدد دقيق وشامل للسياسة الخارجية لكن يمكن تحديد المفهوم من خلال عدة اتجاهات:
الاتجاه الأول: يعرف السياسة الخارجية على أنها مجموعة برامج.
من رواد هذا الاتجاه، تعريف الدكتور محمد السيد سليم حيث عرف السياسة الخارجية على أنها: “برنامج العمل العلني الذي يختاره الممثلون الرسميون للوحدة الدولية من بين مجموعة من البدائل البرنامجية المتاحة من أجل تحقيق أهداف محددة في المحيط الخارجي.”
افتقر هذا التعريف إلى:
- تحديد ماهية وطبيعة الوحدة الدولية، بسبب تعدد الوحدات الدولية من دول ومنظمات في الساحة العالمية والنظام الدولي.
- تحديد تأثير البيئتين الداخلية والخارجية والتركيز على أنه برنامج محدد الأهداف.[25]
الاتجاه الثاني: يعرف السياسة الخارجية على أنها سلوك صانع القرار.
هناك عدة تعريفات في هذا الاتجاه منها:
تعريف تشارلز هيرمان على أنها “تتألف السياسة الخارجية من تلك السلوكيات الرسمية المتميزة التي يتبعها صانعوا القرار الرسميون في الحكومة أو من يمثلونهم والتي يقصد بها التأثير في سلوك الدولة الخارجية.”
تعريف مازن الرمضاني على أنها “السلوك السياسي الخارجي الهادف والمؤثر لصانع القرار.”
تعريف المفكر ريتشارد سنايدر السياسة الخارجية على أنها “أن الدولة تحدد بأشخاص صانعي قراراتها الرسمين، ومن ثم فان سلوك الدولة هو سلوك الذين يعملون باسمها. وان السياسة الخارجية عبارة عن محصلة القرارات من خلال أشخاص يتبوؤون المناصب الرسمية في الدولة.”
يتميز هذا الاتجاه بالدمج بين السياسة الخارجية وسلوك صانع القرار دون التمييز بين السياسة الخارجية وعملية صنع القرار؛ حيث تم حصر السياسة الخارجية في سلوك صانع القرار. على الرغم من الممكن أن يساهم سلوك صانع القرار في توجيه السياسة الخارجية إلا أن السياسة الخارجية تعتبر أشمل وأعم من أن تكون مجرد سلوك لصانع القرار.
السياسة الخارجية هي “نشاط موجه للبيئة الخارجية”. يعتبر سلوك صانع القرار هو البداية، والسياسة الخارجية جوهرها النشاط وتحقيق الأهداف.[26]
الاتجاه الثالث: يعرف السياسة الخارجية على أنها نشاط.
يركز هذا الاتجاه على تعريف السياسة الخارجية على أنها النشاط الخارجي للدول دون الانحصار في سلوك صانع القرار مثل الاتجاه السابق.
تعريف حامد ربيع للسياسة الخارجية على أنها “جميع صور النشاط الخارجي حتى ولو لم تصدر عن الدولة كحقيقة نظامية، أي نشاط الجماعة كوجود حضري أو التعبيرات الذاتية كصورة فردية للحركة الخارجية تنطوي وتندرج تحت الباب الواسع الذي نطلق عليه السياسة الخارجية.”
تعريف موديلسكي على أنها “نظام الأنشطة الذي تطوره المجتمعات لتغيير سلوكيات الدول الأخرى ولإقامة طبقا للبيئة الدولية وفي هذا الإطار هناك نمطين من الأنشطة: المدخلات والمخرجات.”
تعريف مارسيل ميرل بأنها “ذلك الجزء من النشاط الحكومي الموجه نحو الخارج، أي الذي يعالج بنقيض السياسة الداخلية، مشاكل تطرح ما وراء الحدود.”
من مميزات هذا الاتجاه:
- التركيز على أن هدف السياسة الخارجية هو تغيير سلوكيات الدول الأخرى لكن بالطبع ذلك ليس بالأمر الحتمي، حيث هناك سياسات لبعض الدول تهدف للحفاظ على الوضع الراهن وليس تغيير السلوكيات.
- اقتصار السياسة الخارجية على أنها الموجهة للدول الأخرى حيث قد تكون موجهة لكل فواعل النسق الدولي.
- السياسة الخارجية ليس دائمًا تُعبر عن نشاط تؤديه الدول، فقد تتبع بعض الدول سياسة الحياد أو الانغلاق والجمود فلا تقوم بنشاط.
يمكن التوصل من خلال عرض الاتجاهات السابقة تعريف محدد وشامل للسياسة الخارجية وهو “مجموع نشاطات الدولة الناتجة عن اتصالاتها الرسمية مع مختلف فواعل النظام الدولي، وفقًا لبرنامج محكم التخطيط ومحدد الأهداف والتي تهدف إلى تغيير سلوكيات الدول الأخرى أو المحافظة على الوضع الراهن في العلاقات الدولية. كما أنها تتأثر بالبيئتين الداخلية والخارجية “[27]
توظيف الإطار المفاهيمي
تدور أهمية الإطار المفاهيمي في هذه الدراسة حول توضيح تعريفات بعض المفاهيم المرتبطة بموضوع الدراسة وتتشابك معها. فتم الإشارة إلى تعريف القوة الناعمة أولًا نظرًا لاشتراكه مع مفهوم الثقافة في نفس الأدوات بجانب أن الثقافة مكون من مكونات القوة الناعمة كما تم الذكر. ثم الإشارة إلى تعريف الثقافة نظرًا لأنها الأساس التي يقوم عليه الدراسة وتفضيلها عن القوة الناعمة نظرًا لأنها تجمع بين المادي والمعنوي وأنها يمكن استخدامها لأغراض عسكرية على عكس القوة الناعمة. لنتطرق إلى كل من مفهومي الهوية والقوة الناعمة الدينية باعتبارهم مقومات أساسية اعتمدت عليهم روسيا في رسم سياستها الخارجية تجاه أوكرانيا. لينتهي الإطار المفاهيمي بتعريف السياسة الخارجية باعتباره هو الوعاء التي توظيف فيه كل تلك المفاهيم السابقة لينتج عنها الحرب الروسية تجاه أوكرانيا. لذلك تتشابك كل تلك التعريفات مع موضوع الدراسة حيث الأبعاد الثقافية الروسية تجاه أوكرانيا.
الفصل الأول: الأبعاد الثقافية في العلاقات الدولية
تشير الأبعاد الثقافية إلى السمات النفسية الخاصة بالمجموعات الثقافية المختلفة مثل القيم والمعتقدات والتفسيرات الذاتية والشخصية والسلوكيات. فتساهم الأبعاد الثقافية في تحديد مدي التباين والتشابه بين المجموعات المختلفة.
من الصعب تحديد تعريف محدد للثقافة، فتتعدد التعريفات التي تحاول أن تنطوي على عناصر التعريف من أجل تكوين تصور موضوعي عن هذا المفهوم. يمكن أن يساهم تحديد العلاقة بين الثقافة والمفاهيم الأخرى مثل الهوية والحضارة والدين في تكوين تعريف للثقافة.
تعددت الاتجاهات التي تحاول تحليل دور الأبعاد الثقافية في السياسة الخارجية للدول من خلال التركيز على بؤرة الاهتمام الثقافي للدول مثل الأديان والحضارات خلال فترات زمنية مختلفة لقياس مدي أهمية البعد الثقافي في تشكيل السياسة الخارجية للدول في النظام العالمي.
بالنسبة لروسيا، فتتعدد مقوماتها الثقافية التي تعود إلى الإمبراطورية القيصرية. فعلاقات روسيا مع دول الجوار ليست حدود تم ترسيمها بتفكك الاتحاد السوفيتي، بل هي علاقات تستند على تاريخ وارث ثقافي ولغوي وديني ممتد بين روسيا وتلك الدول منذ قرون.
لذلك سيحاول هذا الفصل مناقشة ما هي الثقافة وعلاقاتها بالمفاهيم الأخرى مثل الحضارة والدين والهوية لتوضيح دور الأبعاد الثقافية في تشكيل السياسة الخارجية للدول. بالإضافة إلى التركيز على مقومات روسيا الثقافية من لغة ودين وارث ثقافي وغيرهم من المقومات.
المبحث الأول: دور البعد الثقافي في تشكيل السياسات الخارجية للدول
يساهم البعد الثقافي في تشكيل السياسات الخارجية للدول، فهو يعتبر أداة مثله مثل الأدوات الاقتصادية والعسكرية في تحقيق أهداف الدول الخارجية. فهي ترمي إلى التأثير على معتقدات الأفراد من خلال وسائل محددة منها الحضارة والدين والهوية من أجل تحقيق أهداف خارجية.
أولًا: تعريف الثقافة
- تعريفات مفهوم الثقافة
في مجال الأنثروبولوجيا، تتعدد تعريفات الثقافة، وتتراوح من معقدة للغاية لبسيطة للغاية. حيث على سبيل المثال، هناك تعريف معقد من قبل Kroeber and Parsons (1958)، ويعني ” المحتوي المنقول والمبدع وأنماط القيم والأفكار والأنظمة الرمزية الأخرى ذات المغزى كعوامل في تشكيل السلوك البشري”. وقُدم تعريف آخر للثقافة من جانب White، ويُعتبر أقل سهولة في الفهم، ويعني “سلسلة متصلة من الأشياء والأحداث تعتمد على الترميز”. على الجانب الآخر، هناك تعريف بسيط وضيق جدًا للثقافة لهوفستد، ويُعرفها على أنها “البرمجة الجماعية للعقل التي تميز أعضاء مجموعة أو فئة من الناس عن أخرى”، ويطبق هوفستد تعريفه ليس فقط على الجماعات الوطنية لكنه يتسع ليشمل المناطق أو الأعراق أو المهن أو المنظمات أو الفئات العمرية والجنس.[28]
تتعدد تعريفات مفهوم الثقافة حيث لا تنطوي على مفهوم واحد، ومن تلك المفاهيم التي توضح مفهوم الثقافة على أنه:
- تراكم المعرفة والخبرة والمعتقدات والقيم والمواقف والدين والممتلكات المادية التي تم اكتسابها من قبل مجموعة من الأفراد على مسار الأجيال الممتدة من خلال الكفاح الفردي والجماعي.
- نظام من المعرفة المشتركة بين مجموعة من الأفراد.
- وسيلة للتواصل.
- السلوكيات والمعتقدات والقيم والرموز التي تشكل أسلوب حياة الأفراد، وتنتقل عبر التواصل من جيل لآخر.
- الرموز والمهارات والمعارف والدوافع الخاصة مجموعة من لأفراد، ويتم نشرها من خلال مؤسسات المجتمع.[29]
- صعوبة تحديد تعريف محدد لمفهوم الثقافة.
يرجع الصعوبة وراء تحديد تعريف محدد للثقافة إلى الاستخدامات المختلفة للمصطلح. تم استخدامه على نحو متزايد في القرن ال 19 من خلال 3 طرق، وما زال حتى الآن يتم استخدامه بنفس الطرق، وهما:
- تم تعريفها من خلال Matthew Arnolds’ في Culture and Anarchy (1867) على أنها “منتجات فكرية أو فنية خاصة” يمكن أن نطلق عليها “ثقافة رفيعة”، وهي على النقيض من “الثقافة الشعبية”. وفقًا لهذا التعريف، فإن جماعة صغيرة فقط من أي مجموعة اجتماعية لديها ثقافة والبقية “مصادر محتملة للفوضى”.[30]
- تم تعريفه من خلال Edward Tylor في Primitive culture (1870) على أنه “ذلك الكل المعقد الذي يشمل المعرفة، والمعتقد، والفن، والأخلاق، والقانون، والعرف، وأي قدرات وعادات أخرى يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع”. فالإرث الثقافي في تعريف تايلور يكمن في ذلك الكل المعقد. انتقد تايلور أرنولد في أنه يجب أن يؤسس أساس علمي لمفهوم الثقافة، وليس أساساً جمالياً.[31]
- تم استخدامه من خلال Franz Boas وطلابه في القرن العشرين على الرغم من جذوره التي تعود إلى كتابات Johann von Herder في القرن الثامن عشر. أكد بواس على تفرد الثقافات المتنوعة للشعوب المختلفة في حين تشديد أنصار التطور الاجتماعي على الطابع العالمي لثقافة واحدة. رفض بواس الأحكام القيمية المتأصلة في مفهوم الثقافة عند كل من تايلور وأرنولد، فبالنسبة إليه يجب ألا يفرق الفرد بين الثقافة العالية والمنخفضة، ولا ينبغي للفرد أن يفاضل بين الثقافات على أساس أنها متوحشة أو متحضرة.[32]
من الممكن تعريف الثقافة بطريقة عملية، وذلك من خلال تحديد حدود اهتمامات العلماء الذين يقوموا بالدراسة. فعلي سبيل المثال، قد يدرس عالم الثقافة الاختلافات المناخية لكنه لا يدرس المناخ في حد ذاته بل يدرس كيفية تأثير المناخ على التباين في القيم والمعتقدات والسلوكيات التي يمكن اعتبارها “تعبيرات ثقافية”[33]
ثانيًا: مفاهيم مرتبطة بمفهوم الثقافة
تعددت تعريفات مفهوم الثقافة لتشمل نظريات ورؤى مختلفة تتراوح بين التعقيد والتبسيط وصعوبات في تشكيل تعريف موحد. لذلك من أجل التعمق في توضيح مفهوم الثقافة سيتم اللجوء إلى توضيح شبكة مفاهيمية واسعة تساهم في تشكيل المقصود بالثقافة، ومن تلك المفاهيم:
- الثقافة والحضارة
لتعريف الثقافة على نحو موجز هي “السلوك الذي يميز مجموعة اجتماعية معينة” أو “الأحداث والأشياء التي تمثل شيئًا مجردًا أو نظريًا للإنجاز الفكري البشري الذي يُنظر إليه على نحو جماعي”، فالثقافة تعني ما نحن عليه. على الجانب الآخر، الحضارة تعني مجموعة من الإجراءات يتم اتخاذها من قبل المجتمع للوصول إلى مرحلة متقدمة من التأسيس والتطور الاجتماعي والثقافي، فتؤدي الحضارة إلى حدوث تحول في قيم المجتمع ككل، لتحقيق ما نحن عليه اليوم. فالثقافة تتجسد في الحضارة، والحضارة ذروة تطور الثقافة. فتعد المناطق السكانية الكبيرة، والعمارة التقليدية، وأنماط الفن المميزة، وأنماط الاتصال، وأنظمة إدارة المناطق، وتقسيم الناس إلى طبقات اجتماعية واقتصادية بعض سمات محددة لكل حضارة، وتلبي تلك السمات الأفكار والعادات والسلوك الخاصة بأشخاص تلك المجتمع، فكل مجتمع لديه ثقافة والحضارة شكل من أشكال الثقافة.[34]
يكمن الاختلاف بين الثقافة والحضارة في الطبيعة، فالثقافة تشير إلى الأفكار والعادات والأفعال الخاصة بمجتمع معين والحضارة تظهر تلك الثقافة في الشكل المادي من خلال الفنون والأدب ونمط الحياة والهندسة المعمارية وما إلى ذلك. [35]
- الثقافة والدين
إذا كانت الثقافة تعبر عن كيفية فهم البشر للعالم؛ فالدين هو طريقة أساسية من خلالها يفهم البشر العالم. فالدين ينظر إليه على أنه قاعدة جوهرية يتم التعبير عنها في الثقافة، فالثقافة وسيلة يمكن أن يعبر من خلالها البشر عن المعني الذي يمنحه لهم الدين، حيث كما قال Elie Adams “لا يمكن أن يكون الدين منطقة ثقافة قائمة بذاتها، ولا غير مبال بالتطورات الثقافية الأخرى”. صُنفت الثقافة التي نشأت من الدين بأربع طرق:
- “غير منقول” – مثل أماكن العبادة القديمة.
- “المنقولة”-مثل قطع أثرية ذات تراث فني مستخدمة في الاحتفالات الدينية.
- “ملموسة”-مثل الكتب والمخطوطات الخاصة بالنصوص المقدسة.
- “غير ملموسة”-مثل التقاليد المنقولة شفهيًا عبر الأجيال.[36]
يؤكد Geertz (1973) على الترابط بين الثقافة والدين من خلال توضيحه أن “أهمية الدين تكمن في قدرته على خدمة الفرد والجماعة –كمصدر للمفاهيم العامة-لكنها مميزة عن العالم والذات والعلاقة بينهما”، فبالتالي الدين هو وظيفة توجيهية للمجتمع تزوده بالمعايير اللازمة للوصول إلى هويته التي تميزه عن العالم.[37]
والثقافة قد تؤثر على الدين، ذلك من خلال عدة طرق، منها:
- تأثير الثقافة على المعتقدات الدينية التي نعتنقها من خلال أنها تعلمنا ما يجب أن نؤمن به حيث في الثقافات المتعددة ينتقل الدين من جيل لآخر، فيتعلم أفراد المجتمع الدين من آباء المجتمع والأجداد والقادة الدينيين، بجانب تأثيرها على طريقة تفسير النصوص الدينية.[38]
- تحدد الثقافة كيفية ممارسة الدين، حيث بجانب تأثير الثقافة على ما نؤمن به فإنها تؤثر أيضًا على الطريقة التي من خلالها نعبر عن معتقداتنا. في العديد من الثقافات، يُعبر الأفراد عن معتقداتهم الدينية من خلال الشعائر والممارسة مثل يعبر الهندوس عن معتقداتهم من خلال البوجا بينما قد يعبر البوذيون عن معتقداتهم من خلال التأمل، وتفضيل المسلمين تناول الطعام الحلال.[39]
- الثقافة والهوية
هناك اختلافات بين المفهومين يمكن توضيحهم من خلال عدة أطر، وهم:
- الإطار الأول يعتبر أن الثقافة تمثل الإطار الأوسع التي من خلاله يشعر الأفراد بماهيتهم، فتعتبر الهوية جزءًا من الثقافة.
- الإطار الثاني يرى أن الثقافة توضح حدود الهوية، فالثقافة تضع الرموز التي ترسم حدود الجماعة ذات الهوية الواحدة مع عدم ضرورة أن يكون لتلك الجماعة ثقافة منفصلة تميزها عن غيرها.
- الإطار الثالث ينظر إلى أن الثقافة قابلة للتغيير لكن الهوية أكثر ثباتا.
- الإطار الرابع يعتقد أن الهوية نسبية، وتتحدد بتحديد الآخر والثقافة تحدد الرموز التي يتفاهم بها الفرد في الحياة الاجتماعية.
نسبة إلى ما سبق، فالثقافة هي التي تقوم بإضفاء المعنى على الهوية. في دراسة العلاقات الدولية لا يتم توضيح تلك الاختلافات بينهما لكن يتم النظر إليهم على أنهم مترادفات دون النظر إلى الخطوط الفاصلة بين المفهومين.[40]
سيتم تبني في تلك الدراسة تلك المفاهيم المرتبطة بالثقافة نظرًا لأنها ستساعد في فهم كيفية تأثير الأبعاد الثقافية بمكوناتها المختلفة المرتبطة بها من حضارة وهوية ودين على السياسة الخارجية لروسيا.
ثالثًا: البعد الثقافي في العلاقات الدولية
نتج عن أحداث 11 سبتمبر الاهتمام بالأبعاد الثقافية والدينية في تحليل العلاقات الدولية. ويقصد بالبعد الثقافي في دراسة العلاقات الدولية على أنه “الأبعاد المتصلة بآثار اختلاف الثقافة والحضارة على اختلاف الرؤى والقيم وقواعد السلوك والأخلاق، وعلى اختلاف الرؤية للعالم ودوافع السلوك وأسس الهوية، وهي ذات تأثير على المستويات التالية: أسس جديدة لتقسيم العالم، ومحرك للتفاعلات الدولية ومحددا لنمطها ولحالة النظام الدولي، وأداة من أدوات السياسة وموضوعا من موضوعاتها، ومحددا لخطاب النخب والقاعدة، وعنصر تفسيري أو تبريري للتحالفات وأخيرا مكونا للقوة”.[41]
في العلاقات الدولية، هناك مصطلح يدعي “الدبلوماسية الثقافية” ويعني توظيف مجموعة من عناصر الثقافة للتأثير في الجماهير الأجنبية والرأي العام وصناع القرار والقادة والنخب المؤثرة، فهي تستند على استغلال الفرص التي تتحها قطاعات متعددة منها الفنون، التعليم، التاريخ، الدين من أجل نشر أفكار وانطباعات معينة. ويكون للدبلوماسية الثقافية دور في الترويج “للثقافة الوطنية” للدول، فكما قال الدبلوماسي البريطاني أنتوني بارسونز: “إن استأنست بلغة أحد وأدبه، إن عرفت وأحببت بلاده، ومدنها، وفنونها وشعبها، ستكون مستعدا بشكل لاشعوري لاقتناء ما تريده منه أكثر من مصدر لا تعرفه بدقة، ولدعمه حين تعتبر أنه صواب، ولتجنب معاقبته بقسوة أن أخطأ”.[42]
استخدمت مجموعة من الدراسات البعد الثقافي كمعيار لتقسيم مراحل تطور النظام الدولي، لكن كل منهما اعتمد على معيار مختلف عن الآخر وتجاهل معايير أخري، يتضح ذلك من خلال التقسيم الآتي:
- استخدام ظهور حضارة مهيمنة كمعيار لتقسيم مراحل تطور النظام الدولي:
قام Simon Murden بتقديم 3 موجات يمكن من خلالهم أن يوضح مدي تأثير البعد الثقافي على العلاقات الدولية ويرتبط كل منهما بظهور حضارة مهيمنة:
الموجه الأولي: تمتد من نهاية القرن ال 15 لتنتهي في القرن ال 19، سيطرت فيها الحضارة الغربية على النظام العالمي.
الموجه الثانية: تمتد من منتصف القرن ال 20 حتى نهاية الحرب الباردة، ارتبطت بفترة الصراع بين القوتين العظيمتين؛ الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.
الموجه الثالثة: تمتد منذ انتهاء الحرب الباردة، تتميز بانتشار هيمنة الحضارة الغربية سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا.[43]
من خلال متابعة تلك الموجات التي تم التوصل اليها من خلال معيار “حضارة مهيمنة”، تم التوصل إلى أنه تم التركيز على العالم الغربي بمنأى عن الحضارات الأخرى مثل الحضارة الإسلامية التي كان يتم الإشارة اليها على أنها “الآخر المسلم” في حالة الصراع مع القوة المهيمنة الأخرى.[44]
- استخدام البعد الديني كمعيار لتقسيم مراحل تطور النظام الدولي:
ألقى Jeff Haynes الاهتمام بالبعد الثقافي في العلاقات الدولية من خلال التركيز على المنظور الديني، وذلك من خلال إلقاء الضوء على مراحل تأثير الدين علي السياسة الدولية من جانب والتركيز على العلاقة بين الإسلام والمسيحية من جانب آخر. ذلك باعتبار أن الدين مؤثر ثقافي في العلاقات الدولية. تم توضيح تلك العلاقة من خلال عدة مراحل:
المرحلة الأولي: تتكون من مرحلتين فرعيتين يربط بينهما أهمية الدين في تشكيل السياسة الخارجية والعلاقات الدولية.
- المرحلة الأولي الفرعية: ارتبطت بظهور الإسلام وتوسعت مع انتشاره وخروجه من النطاق العربي للعالم.
- المرحلة الثانية الفرعية: ركزت على انتهاء الإسلام كقوة مؤثرة في أوروبا الغربية وبداية انتشار تأثير أوروبا على العالم وتتميز هذه المرحلة بانتشار المسيحية الغربية في العالم.
المرحلة الثانية: بدأت مع بداية القرن ال 20 وظهور أيديولوجيات علمانية حلت محل الدين في تحديد الهوية مثل الفاشية والشيوعية. وكانت ذات تأثير على العلاقات الدولية. امتدت هذه الفترة حتى الصراع الإيديولوجي بين القوتين العظمتين؛ فترة الحرب الباردة.
المرحلة الثالثة: تمتد من بعد انتهاء الحرب الباردة، وقد تعود جذورها الي سبعينات القرن العشرين مع الثورة الإسلامية الإيرانية لأنها تتميز باستعادة أثر الدين على العلاقات الدولية باعتباره قوة مؤثرة في السياسة الدولية، بجانب الاهتمام بالعلاقة بين الإسلام والغرب.
تؤكد تلك الدراسات على استمرار تأثير البعد الثقافي خاصة الدين على تطور العلاقات الدولية حتى لو اختلف حدة ذلك الأثر بمرور الوقت لكنه يسترد قوته من جديد ليظهر على الساحة العالمية.[45]
من خلال ما سبق، يتضح أن الدول يمكنها أن توظف الأبعاد الثقافية من خلال استغلال الفرص التي تتحها قطاعات متعددة منها الفنون، التعليم، التاريخ، الدين من أجل نشر أفكار وانطباعات معينة للتأثير في تفكير جماعات معينة والرأي العام لتلك الجماعة. فيما يلي، سوف يتم توضيح كيف استطاعت روسيا أن تستخدم الأبعاد الثقافية من دين ولغة وتعليم في تحقيق أهدافها الخارجية تجاه أوكرانيا.
المبحث الثاني: المقومات الثقافية الروسية
تعتمد القوة الناعمة الروسية في منطقة الكومنولث على مصادر متعددة هي الرصيد الثقافي، الديني، اللغوي، العرقي التي تم تشكيلها علي مر العصور منذ العصر القيصري عبر المناطق التي خضعت تحت سيطرتها. يمكن تحديد تلك المصادر من خلال العناصر الآتية:
أولًا: العقيدة الثقافية الروسية في السياسة الخارجية
تشير العقيدة الثقافية الروسية إلى الرؤية الفكرية الثقافية الروسية في سياستها الخارجية. فالمهيمن على الفكر الروسي هو الفخر بالإمبراطورية العريقة والرغبة في استعادتها لتتمثل في “القومية الروسية” مع تكوين “العالم الروسي” التي يجمع كل المواطنين الروس خارج روسيا. لتضح العقيدة الثقافية لروسيا، من خلال:
- القومية الروسية
تظهر القومية عادة في الخطاب والمجتمع الروسي. في السابق، كانت تهيمن عليها النزعة “الإمبريالية” المتمثلة في الفخر بالدولة العريقة القوية متعددة الأعراق القادرة على إبراز وفرض نفوذها في الخارج بجانب تركيز القوميون الروس على الحفاظ على تلك الدولة القوية مع التركيز الأقل على المصالح العرقية. لتتحول بؤرة الاهتمام الآن وينصب تركيزها على “القضايا العرقية”، لتتمثل القومية العرقية الجديدة في أشكال مختلفة منها كراهية الأجانب ومعاداتهم.[46]
روسيا بلا شك إمبراطورية سابقة لكن السؤال هنا هل ستظل في مرحلة ما بعد الإمبريالية أم ستصبح دولة امبريالية جديدة؟، هناك بعض الامبراطوريات السابقة تخلت عن إرثها الإمبراطوري ولكنها ظلت تلعب دورًا فعالًا مؤثرًا على الساحة العالمية مثل بريطانيا وفرنسا وتركيا لكن من الممكن أن تعود تلك الإمبراطوريات إلى شكلها السابق بعد فترة من الضعف والتفكك، المثال على ذلك روسيا التي تحاول الظهور من جديد بعد سنوات متمثلًا ذلك في الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022. حيث هاجمت روسيا دولة مجاورة نتج عنها خسائر في صفوف المدنيين وجرائم حرب مع الاستبداد والسيطرة على المجتمع الروسي وعزله عن الإعلام الحر. فالعدوان العسكري الدموي والدعاية الكاذبة وقمع وعجز المعارضة ترتبط بأيام الاتحاد السوفيتي، فليس من المستغرب ان يتم الاعتقاد بأن بوتين يحاول إعادة بناء الإمبراطورية المفقودة. تبدأ رحلة بوتين من جديد، فلاتزال روسيا توحد تلك الدول من خلال مناشدتهم “بالقومية الروسية الخاصة”، لتبدأ روسيا المعاصرة لأول مرة في تاريخها أن تشن حربًا على دولة مجاورة من خلال مناشدتها “بالقومية الروسية”. [47]
يمكن تقسيم القومية الروسية الي 3 مناهج:
- هوية الاتحاد: يُعرّف الروس أنفسهم على أنهم شعب إمبراطوري أو ان مهمتهم هي إقامة دولة فوق وطنية.
- الأمة الروسية: تقوم فكرة الأمة الروسية على أنها تضم كل الشعوب السلافية الشرقية التي يجمع بينهما أصول وثقافة مشتركة. فهناك اعتقاد عند بوتين والزعماء الروس أن الروس والأوكرانيين هم “odyn Narod-شعب واحد” فذلك يستلزم ان يعيشوا في اتحاد واحد أو في فضاء ثقافي مشترك وهو “العالم الروسي-روسكي مير”.
- المتحدثين باللغة الروسية: هنا يتحدث عن المجتمع الروسي الذي يشمل المتحدثين باللغة الروسية بغض النظر عن العرق فالعلامة الرئيسية هي الهوية.[48]
- العالم الروسي – روسكي مير
ظهر مصطلح “العالم الروسي – روسكي مير” في التسعينات في موسكو، يعتبر بمثابة استجابة للحاجة إلى تعريف ثقافي واسع للهوية الروسية ليصبح المصطلح ركيزة العقيدة الرسمية في أوائل القرن ال 21. ويتكون العالم الروسي نسبة لخطاب بوتين في عام 2001 من “ملايين الأشخاص المتواجدين خارج الاتحاد الروسي يتحدثون ويفكرون ويشعرون بالروسية”. فرأي بوتين بما أن روسيا تحرز تقدمًا نحو الاندماج في المجتمع العالمي فالمواطنين خارج الاتحاد الروسي لديهم فرصة لمساعدة وطنهم في بناء حوار بناء مع الأجانب، فاهتم بهؤلاء الذين يشعرون بالروسية المقيمين خارج حدود الاتحاد الروسي مثل المانيا، نيويورك أكثر من المقيمين داخل الاتحاد.[49]
لكن في منتصف القرن ال 21 ومع حدوث الثورات الملونة في جورجيا 2003 وأوكرانيا 2005، بدأت روسيا في إعادة تشكيل “سياستها العامة وقضايا اللغة والروايات التاريخية” كوسيلة يتم من خلالها ممارسة سلطاتها على الدول المجاورة وعلى السكان الناطقين باللغة الروسية في تلك المناطق ليزداد تأثيرهم بالتاريخ والثقافة الروسية مما يؤدي إلى زيادة الدعم الموجه لسياسة روسيا الخارجية ودعم مصالحها الجيوسياسية في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي. ليحدث تحول في فكرة “العالم الروسي” لتصبح نقطة انطلاق جديدة وتصبح قواعد العالم الروسي المعلنة “اللغة والثقافة الروسية، الإيمان الأرثوذكسي، الذاكرة التاريخية، ماضي مشترك، الموقف الموقر تجاه حرب الوطن الكبرى-مصطلح روسيا للحرب العالمية الثانية حيث تخلصها من النازية-، إطلاق مصطلح المواطن الروسي في الخارج على مواطني الدول المجاورة الذين لهم صلات بالثقافة واللغة والتقاليد الروسية” بجانب تعهد روسيا بحماية هؤلاء المواطنين. [50]
فأصبح العالم الروسي يعني المناطق التي يسكنها أشخاص من أصل روسي ويتحدثون اللغة الروسية أو مناطق ترتبط بالثقافة الروسية. يمتد العالم الروسي ليشمل روسيا، ومنطقة دونيتسك ولوهانسك في شرق أوكرانيا، ومنطقة ترانسنيستريا في مولدوفا، وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا في جورجيا.[51]
يتم الترويج لفكرة العالم الروسي من خلال منظمة غير حكومية ترعاها الدولة وتسمي “مؤسسة العالم الروسي-Russki Mir Foundation (RMF)” وتقوم بالتعاون مع الكنيسة الروسية الأرثوذكسية (ROC) لأن أساس تشكيل العالم الروسي هو الوحدة الروحية للأمم الأرثوذكسية.[52]
ثانيًا: المقومات الثقافية الروسية
- الكنيسة الروسية
تم تأسيس الكنيسة الروسية الأرثوذكسية (ROC) رسميًا في عام 998م. توطدت العلاقة بين الدولة الروسية والكنيسة على مر القرون وشهدت علاقات أقل توترًا مقارنة بالدول الأخرى ذات الأغلبية المسيحية. تم تهميش المسيحية في روسيا أثناء الحكم السوفيتي بسبب المعتقدات الملحدة للماركسيين. بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، أكد الدستور على الطبيعة العلمانية لروسيا. لكن منذ عام 2000، سمح بوتين بالتدريج للكنيسة الروسية بلعب دور في الحياة السياسية إلى حد التشكيك بمدي التزام روسيا بمبدأ العلمانية وفصل الدين عن الدولة. نشب التعاون بينهما بسبب تقارب المصالح والحاجة إلى دعم بعضهم البعض من أجل تحقيق أهداف مشتركة مثل استعادة وحدة الكنيسة الأرثوذكسية في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي والحصول على الدعم السياسي من الدول الأرثوذكسية في الخارج القريب، فتمتلك الكنيسة الروسية نفوذًا في عدة مناطق منها الأراضي السوفيتية السابقة. مع مرور الوقت، تضافرت الجهود من أجل توحيد “العالم الروسي” ودعم المواطنين في الخارج.[53]
وضح بوتين ان بنائه التاريخي لروسيا الكبرى قائم على مفهوم “روس المقدسة” وهي مساحة مقدسة تم تأسيسها مع معمودية فلاديمير في 988 على مقربة من كييف وشُكلت من خلال قيم وتقاليد معينة. تم ضم وغزو شبه جزيرة القرم في 2014 بناءًا على تلك الوحدة الثقافية والتي يجب أن يتم حمايتها وتأمينها سياسيًا بجانب ذلك تدعم الكنيسة الروسية الأرثوذكسية (ROC) مفهوم الوحدة الثقافية ذات البعد الروحي باعتبارها وريثة تلك الإرث التاريخي. أدي ذلك إلى تقديس مفاهيم الوحدة داخل الاتحاد الروسي وأصبحت تُستخدم كأدوات داخل النقاش المعارض الداخلي. على الجانب الآخر – خارج روسيا-بغض النظر عن الزعم الدائم للكنيسة الروسية الأرثوذكسية بأنها تحترم الحدود الوطنية والسيادة إلا أنها تدعم مفهوم الوحدة الثقافية ذات البعد الروحي الذي يحرم أوكرانيا من احترام حدودها الوطنية وسيادتها واستقلالها. فيتم تحويل المشاعر الشعبية للتقارب والترابط الثقافي إلى مزاعم قومية تقوم بإضفاء الشرعية على العدوان العسكري من خلال تبريره بأنه “دفاع عن الوطن الأم” ومن خلال ادعاءات مشكوك فيها.[54]
التعاون بين الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وبوتين في الجبهة الداخلية
خلال فترتي ولاية بوتين الأوليين، أعطي فرصة للكنيسة الروسية للظهور من جديد من خلال إصدار قوانين تتعلق باستعادة الممتلكات التي تم الاستيلاء عليها في الحقبة السوفيتية وإدخال التعليم الديني في المدارس العامة بجانب مزايا مالية ضخمة في المقابل دعمت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية رؤية بوتين “للهوية القومية المسيحية الأرثوذكسية” مع دعم الدولة خاصة منذ انتخاب البطريرك كيريل بطريركًا لموسكو في عام 2009.[55]
التقارب بين الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وبوتين في الجبهة الخارجية “الحملة الشرقية” من خلال التأثير على الكنائس الأرثوذكسية
حدث تقارب بين الكرملين والكنيسة الروسية الأرثوذكسية من أجل نشر نفوذ روسيا في الدول ذات الأغلبية الأرثوذكسية في دول أوروبا الشرقية مما ساعد ذلك في تشكيل رؤية معقدة من الكنائس المستقلة ذاتية الحكم بأن موسكو بارزة. تم تنسيق الجهود من خلال انشاء “قسم للعلاقات الخارجية للكنيسة” مع توثيق عمل القسم مع وزارة الخارجية الروسية. تتمحور مسئولية القسم حول “علاقات الكنيسة الأرثوذكسية الروسية مع الكنائس الأرثوذكسية المحلية والكنائس غير الأرثوذكسية والجمعيات المسيحية والمجتمعات الدينية غير المسيحية والمنظمات الحكومية والبرلمانية والعامة في الخارج والمنظمات الحكومية الدولية والدينية والعامة”.[56]
- اللغة الروسية
تعتبر أحد أهم بعد من أبعاد الثقافة الروسية في منطقة الكومنولث، فهي تعتبر اللغة المهيمنة في تلك المنطقة واللغة الأكثر تداولًا في المناطق السوفيتية السابقة على الصعيدين الرسمي والشعبي. شهدت اللغة تراجعًا نسبيًا منذ التسعينات في تلك الجمهوريات بسبب السياسات الوطنية التي انتهجتها تلك الجمهوريات. يتحدث الأوكرانيون لغتين، تنتشر اللغة الأوكرانية في غرب البلاد ليقابلها انتشار اللغة الروسية في شرق وجنوب البلاد بصورة أكبر. السبب وراء تجذر اللغة الروسية من الناحية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في تلك الدول يعود الي سياسة “الروسنة” التي تم وضعها من قبل بطرس الأكبر منذ العهد القيصري، فبعد ضم روسيا مختلف الأقاليم عمدت على استيعاب تلك الاقاليم من الناحية الثقافية والاجتماعية من أجل تفادي انفصال أي منهما عن المركز، فكانت اللغة هي المصدر الأساسي لتلك السياسة. أدت تلك السياسة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي إلى اتساع العالم الروسي وذلك نتيجة هجرة أعداد كبيرة من الناطقين باللغة الروسية والروس إلى جميع أنحاء القارة الأوروبية. أدت الهيمنة اللغوية الروسية على تلك المنطقة إلى الهيمنة على فضاء الإعلام والاتصال. تمتلك روسيا البنية التحتية لهذا المجال ورصيد بشري مؤهل فاستطاعت أن تتفوق على دول المنطقة في مجال التكنولوجيا والاتصال وأدي ذلك الي احتكارها لهذا المجال. فعلي سبيل المثال، تحقق قناتي “ORT”، “RT” نسب مشاهدة عالية تتعدي مشاهدات القنوات المحلية للدول الأخرى. بجانب انتشار اللغة الروسية في معظم الصحف المكتوبة في منطقة الكومنولث.[57]
في المناطق الأوكرانية التي وقعت تحت سيطرة الكرملين تم إجبار المدارس والجامعات علي حظر استخدام اللغة الأوكرانية واجبارهم على استخدام المناهج الدراسية الروسية وتتم عملية تعليم الأطفال التاريخ من خلال نسخ معتمدة من الكرملين بجانب إزالة الكتب باللغة الأوكرانية من المكتبات. فكان من الأسباب والمبررات الرئيسية التي أطلقها الرئيس الروسي بوتين تجاه غزوه لأوكرانيا هو إنقاذ المتحدثين باللغة الروسية في أوكرانيا من الاضطهاد الذي يتعرضون له.[58]
- وسائل الإعلام الروسية
هناك رقابة وسيطرة قوية على وسائل الإعلام من جانب الحكومة من أجل نشر روايات تخدم أهداف السياسة الخارجية الروسية والحفاظ عليها. تركز رسائل تلك الروايات على “الدولة الشقيقة، التاريخ المشترك، الدين الأرثوذكسي، الثقافة المشتركة” من أجل تشجيع شرق وجنوب أوكرانيا على التفكير في مصير مشترك مع روسيا. فتركز النخبة الرائدة بما فيهم الرئيس بوتين على نشر تلك الروايات من أجل توصيل صورة متماسكة حول اتحاد أوكرانيا مع روسيا لتصبح دولة اتحادية أو المظالم التاريخية التي تم ارتكابها ضد روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي أو الحاجة إلى محاربة “تهديد النازيين الجدد”. [59]
هناك افتراض حول أن التقارير الإخبارية التي تُطلق الرسائل على القنوات الإعلامية تم تنفيذها من قبل مهنة متوارثة من الحقبة السوفيتية وهم التقنيون السياسيون هو مصطلح يُطلق على الأشخاص الذين تم تمكينهم من قبل النخبة الحاكمة من أجل المساعدة في الاحتفاظ بالسلطة والتأثير على الرأي العام لصالح النخبة عن طريق التلاعب، حيث يتم اعتبار التقنيين السياسيين مبرمجين، مصممي أنظمة، صناع قرار، مراقبين سياسيين في
آن واحد ويقوموا بتطبيق أي تقنية من أجل بناء سياسة كاملة، حيث يتم بناء سياسة تحريرية مشتركة قوية تقوم بدعم تصرفات الحكومة الروسية ونشرها عبر الوسائل الإعلامية.[60]
على الجانب الآخر، تقمع السلطات الروسية وسائل الإعلام الروسية المستقلة التي تحاول إعطاء صورة صادقة ومعلومات متوازنة حول العدوان الروسي على أوكرانيا وقامت السلطات بإغلاق بعضها مثل قناة Ekho Moskvy وإغلاق قناة Dozhd. يكمن الغرض وراء هذا القمع نسبة إلى رئيس تحرير قناة دوزد التليفزيونية، هدفان رئيسان؛ الهدف الأول هو أن التضييق يؤدي إلى اختفاء الصحافة المستقلة بشكل عام في روسيا. فالحكومة الروسية وخاصة بوتين تتفهم قوة وسائل الإعلام فسبق وتم إعادة انتخاب بوريس يلتسين لولاية ثانية بفضل وسائل الإعلام. فهو يدرك أن من يتحكم في وسائل الإعلام يتحكم في السلطة. فنسبة إلى دوزد عندما يتم القيام بأشياء فظيعة مثل جرائم الحرب فمثل تلك الحالة أنت لست بحاجة إلى وسائل إعلام مستقلة لأنها ستخبر العالم بالحقيقة وستواجه مشاكل لأن عندما تصل المعلومات الحقيقية للناس فلن يدعم أحد الحرب ولا الكرملين.[61]
نتج عن القمع المتزايد لوسائل الإعلام الروسية إلى الشعور بأن البقاء في روسيا ومحاولة القيام بشيء هناك أمر شجاع للغاية لكنه في نفس الوقت أمر صعب. حيث يري الصحفي Pavel Kanygin الذي سبق وتم القبض عليه أن روسيا تخطت العتبة إلى الشمولية بل أنها بالفعل هناك والذي ساعد على قبول الشمولية هو الفراغ الذي نشأ. فنسبة له قد نجا الصحفيين الذين غادروا ولكن من ناحية أخري تم إضعاف حماية من بقي ولكنه يري إذا كانوا جميعهم بقوا فكانوا سيكونون جميعًا في السجن.[62]
- الشتات الروسي “القوميات الروسية في دول الجوار”
يُنظر إلى الشتات الروسي على أنه أداة يمكنها أن تساعد روسيا في ممارسة نفوذها على الدول التي تأسست بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وتطوير هويتها الوطنية. أدي تفكك الاتحاد السوفيتي إلى تغيير أولويات السياسة الخارجية الروسية وتوجهت سياستها تجاه الخارج القريب. تدور سياسة الخارج القريب حول دور روسيا في دول الاتحاد السوفيتي السابق، بجانب إضافة الشرعية على التدخل العسكري الروسي في تلك الدول إذا لزم الأمر من أجل حماية مصالحها. مارست روسيا تلك السياسة من خلال إنهاء النزاعات في تلك الدول وحماية الأقليات الروسية في تلك المناطق. بجانب سعيها نحو الاستفادة من السخط العرقي والاجتماعي للأفراد والنزاعات السياسية والإقليمية والدينية والاجتماعية التي تقع في دول الجوار من أجل أن تتمكن في زيادة النفوذ عليهم. كان من أولويات السياسة الخارجية الروسية منذ أن أصبح بوتين رئيسًا لروسيا هو إعادة دمج مناطق ما بعد الاتحاد السوفيتي بجانب التشديد على أهمية الشتات الروسي في سياسة روسيا الخارجية والتأكيد على حماية المواطنين الروس في الخارج. فيشمل مفهوم مواطن في سياسة روسيا “مواطنو الاتحاد الروسي الذين يعيشون في الخارج، والمواطنون السابقون في الاتحاد السوفيتي، والمهاجرون الروس من الاتحاد السوفيتي أو الاتحاد الروسي، وأحفاد المواطنين والمواطنين الأجانب الذين يعجبون بالثقافة واللغة الروسية”. تُمول سياسات الدولة الموجهة للمواطنين الروس الذين يعيشون في الخارج بشكل منفصل ضمن الميزانية الفيدرالية، من مؤسسات الدولة التي تدعم الشتات الروسي:[63]
- وزارة خارجية الاتحاد الروسي.
- الوكالة الفيدرالية لرابطة الدول المستقلة.
- المواطنون الذين يعيشون في الخارج والتعاون الإنساني الدولي.
- اللجنة الحكومية لشؤون المواطنين المقيمين بالخارج.
- اللجنة المشتركة بين الإدارات لتنفيذ البرنامج الوطني للمساعدة في إعادة التوطين الطوعي في روسيا للمواطنين الذين يعيشون حاليًا في الخارج.
- المركز الروسي للتعاون العلمي والثقافي الدولي تحت إدارة وزارة الخارجية.
- دائرة الهجرة الفيدرالية لروسيا.
- وزارة التنمية الإقليمية للاتحاد الروسي.
- الوكالة الاتحادية للتعليم الخاضعة لوزارة التربية والعلوم.
- وزارة الثقافة والإعلام.
- الوكالة الفيدرالية للصحافة والاتصال الجماهيري.
- حكومة مدينة موسكو.
- مدينة حكومة سانت بطرسبرغ[64].
في السياسة الخارجية الروسية، لم تستند روسيا على مقوماتها العسكرية فقط بل استعانت بما تمتلك من مقومات ثقافية متفردة من أجل تشكيل سياسة خارجية تتناسب مع تاريخها العريق وإمبراطورتيها المفككة وعقيدتها الدينية التي تربطها بدول الاتحاد السوفيتي السابق. فاستطاعت الحكومة الروسية الاستفادة من دعم الكنيسة لأهدافها ومن هيمنة اللغة الروسية في دول الجوار ومن وسائل الإعلام لنشر رؤي ونظريات تدعم الاعتقادات الروسية. لذلك سيتضح فيما يلي، كيف استطاعت روسيا أن توظف تلك المقومات تجاه أوكرانيا لتحقيق أهدافها الخارجية.
الفصل الثاني: الأدوات الثقافية الروسية في السياسة الخارجية تجاه أوكرانيا
تمتلك روسيا مقومات ثقافية استطاعت ان تكتسبها على مر العصور، تتنوع تلك المقومات بين اللغة الروسية والدين الأرثوذكسي ودعم البطريرك كيريل لسياسات الدولة الممثلة في بوتين نظرًا لتلاقي مصالح كل من الكنيسة والدولة بجانب تاريخ طويل ملئ بالانتصارات العسكرية وتحقيق المجد لدول الجوار ودول العالم مثل المساهمة في القضاء على النازية أثناء الحرب العالمية الثانية.
فاستطاعت روسيا أن تستفيد من تلك المقومات التي تعتبر بالنسبة لها عامل قوة من أجل تحقيق أهدافها الخارجية من خلال تحويل تلك المقومات إلى أدوات. فتدور أهداف روسيا الخارجية حول نشر اللغة الروسية وتعزيزها وحماية الناطقين بها. وعدم التزوير المتعمد للتاريخ من خلال تشويه صورة روسيا، فهي تسعي لنشر تاريخها وفقًا لنظرتها بشكل يتوافق مع أهدافها وطموحاتها الجيوسياسية واستعادة مكانتها المفقودة منذ تفكك الاتحاد السوفيتي. من أجل تحقيق روسيا أهدافها الخارجية فهي اعتمدت على الخارج القريب.
تركز تلك الدراسة على كيفية توجيه روسيا مقوماتها الثقافية لأوكرانيا من التاريخ المشترك وغيرها من المقومات الثقافية وتحويلها لأدوات استخدمتهم في ضم بعض المناطق من أوكرانيا مثل شبه جزيرة القرم ودونباس. فالغزو الروسي لأوكرانيا لم يكن غزوًا عسكريًا في المقام الأول لكن اشتركت مع الأدوات العسكرية مجموعة من الأدوات الثقافية التي مكنت روسيا من اكتساب دعم وتأييد من بعض المواطنين في أوكرانيا مما سهل لها غزوها العسكري لبعض الأراضي الأوكرانية وفرض سيطرتها على تلك المناطق.
المبحث الأول: أهداف السياسة الخارجية الروسية: دراسة في تحليل الوثائق الرسمية
تتنوع وتتعدد أهداف السياسة الخارجية الروسية، يمكن أن يتم سردها من خلال الوثائق الرسمية الروسية التي تم إصدارها قبل الغزو الروسي لأوكرانيا وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا. من خلال تلك الوثائق، قامت روسيا بعرض أدواتها الثقافية من لغة ودين وتعليم وكيف ستقوم بتوظيف ذلك في تحقيق أهداف سياستها الخارجية خاصة تجاه دول الجوار المتمثلة في تكوين تصور موضوعي عن روسيا والتخلص من الصورة الغير ودية عن روسيا ونشر القيم والثقافة الروسية والتاريخ الروسي والتصدي لعمليات تزويره.
أولًا: وثائق السياسة الخارجية الروسية قبل الغزو الروسي الأوكراني
- المرسوم الصادر عن رئيس الاتحاد الروسي بتاريخ 7 مايو 2012 رقم 605 “بشأن تدابير تنفيذ السياسة الخارجية للاتحاد الروسي“
في تلك الوثيقة ركزت على حماية حقوق الإنسان خاصة الحقوق والحريات المشروعة للمواطنين الروس الذين يعيشون في الخارج والعمل على اتخاذ الإجراءات التي تضمن توسيع المكاتب القنصلية الروسية في الخارج وزيادة المخصصات المالية للمشاريع ذات الصلة من خلال اللجنة الحكومية للمواطنين في الخارج وهي منظمة غير ربحية تعمل على دعم المواطنين الروس المقيمين في الخارج. اضافت الوثيقة أهمية سن إطار قانوني متين ووسائل من أجل حماية الحقوق المشروعة للأطفال الروس الذين يعيشون في الخارج واجراء اتفاقيات دولية متعلقة بذلك الأمر ووضع مقترحات من أجل إجراء التغييرات اللازمة على تشريعات الاتحاد الروسي. بجانب التركيز على الوجود الثقافي الروسي في الخارج ودعم اللغة الروسية في العالم ونشر مراكز العلوم والثقافة الروسية واستخدام وسائل الإعلام من أجل تحسين صورة أنشطة السياسة الخارجية بشكل يساهم في تشكيل تصور موضوعي عن روسيا على الساحة العالمية.[65]
- المرسوم الصادر عن رئيس الاتحاد الروسي بتاريخ 30 نوفمبر 2016 رقم 640 “بشأن الموافقة على مفهوم السياسة الخارجية للاتحاد الروسي”.
يصدر هذا المرسوم من أجل تحديث الأهداف والمجالات ذات الاولوية للسياسة الخارجية الروسية بجانب تحديد مفهوم السياسة الخارجية الروسية، فهو عبارة عن المبادئ الأساسية والأهداف والغايات الخاصة بروسيا. الأساس القانوني لهذا المفهوم هو دستور الاتحاد الروسي، قواعد القانون الدولي، المعاهدات الدولية للاتحاد الروسي، القوانين الاتحادية، المرسوم الصادر عن رئيس الاتحاد الروسي بتاريخ 7 مايو 2012 بشأن “تدابير تنفيذ السياسة الخارجية للاتحاد الروسي”، الإجراءات القانونية للاتحاد الروسي التي تعمل على تنظيم أنشطة الحكومة في مجال الشئون الخارجية.[66]
المهام الرئيسية التي تهدف السياسة الخارجية الروسية لتحقيقها وفقًا لذلك المرسوم
- الحفاظ على أمن وسلامة روسيا وسيادتها الإقليمية.
- تعزيز مكانة روسيا في العلاقات الاقتصادية العالمية ومنع التمييز ضد السلع والخدمات الروسية.
- انشاء علاقات حسن الجوار مع دول الجوار.
- منع وإزالة بؤر التوترات والصراعات والنزاعات على أراضي دول الجوار.
- حماية حقوق ومصالح المواطنين الروس والمواطنين الذين يعيشون في الخارج.
- نشر اللغة الروسية في العالم وإنجازات روسيا الثقافية وتراثها التاريخي والقومي والهوية الثقافية لشعوب روسيا.
- نشر مواقف روسيا العالمية والتاريخية الي دول العالم من خلال وسائل الاتصال الجماهيري.[67]
الأهداف الإقليمية لسياسة روسيا الخارجية وفقًا لهذا المرسوم
الاتجاهات ذات الأولوية بالنسبة لسياسة روسيا الخارجية تتمثل في:
- تطوير التعاون متعدد الأطراف مع دول الكومنولث المستقلة وزيادة فرص التكامل بمساعدة روسية.
- احترام روسيا حق دول الكومنولث في بناء علاقات دولية أخري.
- مساهمة روسيا في تعزيز التفاعل بين الدول المستقلة من أجل الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي المشترك وتوسيع التعاون في المجالات الثقافية والإنسانية والتعليمية، بجانب دعم المواطنين الروس الذين يعيشون في تلك الدول وتحسين الصكوك القانونية الدولية من أجل حماية حقوقهم وحرياتهم المشروعة في مختلف المجالات اللغوية، التعليمية، الإنسانية.
- اهتمام روسيا بتطوير مجموعة كاملة من الروابط السياسية والثقافية والروحية والاقتصادية مع أوكرانيا علي أساس من التقدير واحترامًا لمصالحها الوطنية.
اشارت روسيا في تلك الوثيقة إلى عدم رضا روسيا عن التوسع الجغرافي السياسي الذي قامت به منظمة الناتو والاتحاد الأوروبي مع الشعور بأن المسار الذي تتبعه الولايات المتحدة وحلفاؤها من أجل احتواء روسيا وفرض ضغوط سياسية واقتصادية وإعلامية يمكن أن يقوض الاستقرار الإقليمي والعالمي ويضر بمصالح طويلة الأجل لكل الأطراف ويتعارض مع الحاجة للتعاون والتكاتف لمواجهة التهديدات الغير وطنية. [68]
ثانيًا: وثائق السياسة الخارجية الروسية بعد الغزو الروسي الأوكراني
الأدوات الثقافية الروسية في كل من المرسومين ” المرسوم الصادر عن رئيس الاتحاد الروسي بتاريخ 5 سبتمبر 2022 رقم 611 “بشأن الموافقة على مفهوم السياسة الإنسانية للاتحاد الروسي في الخارج” (بصيغته المعدلة).”، والمرسوم الصادر عن رئيس الاتحاد الروسي بتاريخ 31 مارس 2023 “بشأن الموافقة على مفهوم السياسة الإنسانية للاتحاد الروسي في الخارج”
- اللغة الروسية
تتمتع اللغة الروسية بمكانة متميزة بين لغات العالم وتعتبر من أكثر لغات العالم تطورًا وثراء بسبب أهمية الثقافة الروسية العالمية، ويؤكد ذلك أن اللغة الروسية هي لغة العمل للمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، منظمة الصحة العالمية، منظمة الأمن والتعاون. وللمنظمات الإقليمية مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعي، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ورابطة الدول المستقل (CIS)، ومنظمة شنغهاي للتعاون.[69]
- الدعم للمواطنين الروس الذين يعيشون في الخارج
يعيش عشرات الملايين من المواطنين الروس في العالم حاملين اللغة والثقافة والتقاليد الروسية، فتعمل روسيا على تكوين علاقات قوية مع مواطنيها في كل أنحاء العالم بجانب تزويدهم بالدعم من أجل الحفاظ على لغتهم وثقافتهم والعمل على حماية حقوقهم ومصالحهم وهويتهم الثقافية. لهؤلاء المواطنين دورًا في الترويج للغة والثقافة الروسية وللعلوم والتعليم والرياضة والسياحة وتعزيز الحوار بين الثقافات، فتسعي روسيا الي تعزيز صورتها كدولة ديموقراطية ساعية لبناء نظام متعدد الأقطاب مع الحفاظ على تنوع ثقافته وحضارته.[70]
- وسائل الإعلام والتقنيات الحديثة في تشكيل تصور موضوعي عن روسيا في الساحة العالمية
لوسائل الإعلام دور هام في تشكيل تصور عن الدول على الساحة العالمية وتكامل الثقافات ودعم الحوار والتفاهم المتبادل بين أصحاب الثقافات المختلفة والتأثير على وعي الأفراد وتعزيز المعلومات. لذلك لوسائل الإعلام الروسية دور هام في تنفيذ السياسة الإنسانية الروسية وتشكيل تصور موضوعي عن روسيا في الخارج ومد الجماهير بمعلومات موثوقة عن روسيا. فالقنوات التليفزيونية الروسية ووسائل الإعلام أدوات أكثر فاعلية للقوة الناعمة بسبب مساهمتهم في نشر الثقافة الروسية والترويج لها. [71]
الأهداف الثقافية الروسية في كل من المرسومين ” المرسوم الصادر عن رئيس الاتحاد الروسي بتاريخ 5 سبتمبر 2022 رقم 611 “بشأن الموافقة على مفهوم السياسة الإنسانية للاتحاد الروسي في الخارج” (بصيغته المعدلة).”، والمرسوم الصادر عن رئيس الاتحاد الروسي بتاريخ 31 مارس 2023 “بشأن الموافقة على مفهوم السياسة الإنسانية للاتحاد الروسي في الخارج”
- اللغة الروسية
تهدف روسيا إلى دعم اللغة الروسية وتعزيزها في تكوين موقف إيجابي تجاهها في العالم، فاللغة أداة تساهم في تحقيق التعاون السياسي والثقافي والإنساني والعلمي والتعليمي بين الدول. لذلك يعتبر نشر اللغة الروسية جزء لا يتجزأ من المهمة التعليمية لروسيا في الخارج.
- نشر وتدريس واستخدام اللغة الروسية في دول الجوار والدول الأجنبية وتقوية مكانتها باعتبارها لغة رسمية وأحد اللغات الرسمية للأمم المتحدة ومنظمات أخري.
- مساهمة المواطنين الروس في الخارج بنشر اللغة والثقافة الروسية من خلال توحيد هؤلاء الذين لديهم ميل نحو روسيا.
- حماية الناطقين باللغة الروسية في الخارج، وحماية اللغة نفسها من التمييز في الخارج خاصة القريب.
- نشر وحماية الإنجازات الوطنية في مجالات الثقافة والعلوم والتعليم والفن من التعرض للتمييز في الخارج.
- تطوير التعاون مع الشركاء الأجانب في نشر الكتب من أجل ضمان مشاركة روسيا في معارض الكتب الدولية والوطنية وتعزيز فرص ترجمة الأعمال الأدبية الروسية الي اللغات الأجنبية. [72]
- حماية حقوق وحريات المواطنين الروس في الخارج.
لتحقيق ذلك الهدف، يجب على روسيا تحقيق ما يلي:
- متابعة الأعمال الغير ودية والغير قانونية ضد المواطنين الروس، من تلك الأعمال الغير ودية؛ استخدام عقوبات سياسية واقتصادية والملاحقات القانونية الغير مبررة وأعمال التمييز والتحريض على الكراهية.
- استخدام أساليب اقتصادية ضد الأطراف المتورطة من دول ومنظمات ومواطنين أجانب في ارتكاب أعمال غير ودية وانتهاك حقوق وواجبات المواطنين الروس في الخارج.
- زيادة فعالية آليات حماية الحقوق والحريات والمصالح المشروعة للمواطنين الروس بالخارج وانشاء آليات جديدة إذا لزم الأمر.
- حماية حقوق وواجبات الناطقين بالروسية في الخارج من الاعتداءات الأجنبية عليهم من أجل الحفاظ على الثقافة واللغة والهوية والقيم الروسية والأخلاقية الروسية.[73]
- تعزيز الأمن الإقليمي ومنع الحروب المحلية والإقليمية وتسوية النزاعات المسلحة الداخلية.
من أجل تحقيق ذلك الهدف يجب على الاتحاد الروسي الاهتمام بما يلي:
- تبني اجراءات سياسية ودبلوماسية من أجل منع ظهور التهديدات أو تقليلها التي قد تؤثر على أمن روسيا من الأقاليم المجاورة بجانب تسوية النزاعات والأزمات في المناطق التي تتعلق بمصالح روسيا.
- انشاء آليات تساعد على ضمان الأمن الإقليمي في المنطقة.
- تطوير العلاقات والتعاون السياسي والعسكري بين روسيا ودول الجوار.[74]
- الترويج الخارجي لثقافة روسيا
يُمكن أن تساهم الثقافة في تحقيق التفاهم المتبادل وإزالة التناقضات بين الشعوب والدول. لذلك يمكن أن تساهم الثقافة الروسية في تعزيز مكانة روسيا الدولية وتحييد المشاعر التي تحمل المعاداة لروسيا، من خلال:
- تشكيل تصور عن مدي انفتاحيه وديموقراطية روسيا وتفاعلها مع ثقافات الشعوب الأخرى من خلال
مشاركة روسيا تجربتها التي تدور حول الاثراء المتبادل لثقافات شعبها مع الشركاء الأجانب، ومنح الشركاء الأجانب الفرصة من أجل التعريف بثقافتهم الوطنية في روسيا وفي مواقع البعثات الخارجية الروسية.
- وضع وتنفيذ مشاريع واسعة النطاق تشمل تنظيم احتفالات عن الأحداث المهمة والتواريخ التي لا تنسي عن روسيا في الخارج، المشاركة في الندوات والمؤتمرات من أجل تبادل الخبرات.
- استغلال ظهور فرص تمثيل أمثلة بارزة للموسيقي والمسرح والسيرك وغيرها من الفنون الروسية.
- الترويج للأفلام الروسية المحلية في الأسواق الخارجية والترويج لإقامة مهرجانات سينمائية روسية في الخارج بالإضافة إلى مشاركة صانعي الأفلام الروس في المهرجانات السينمائية الدولية، من أجل حضور روسيا في السينما العالمية.
- تعزيز مساهمة روسيا في التراث الأدبي العالمي من خلال مشاركتها في المعارض الدولية للكتاب والعمل على جذب أجانب الي منتديات الأدب والمكتبات والكتب التي تعقد في روسيا، ودعم المكتبات الأجنبية التي تقدم أفضل ترجمة لأعمال روسية إلى اللغات الأخرى والمكتبات التي تساهم في نشر المنشورات الروسية وتقديمها للقراء. [75]
- الاهتمام بالترويج للتعليم الروسي في الخارج
تطلب زيادة جاذبية التعليم الروسي تحقيق عدة متطلبات، منها:
- امتداد شبكة المدارس الروسية إلى الخارج القريب والبعيد.
- زيادة حجم المترجمين للغة الروسية إلى اللغات الأجنبية الأخرى في المؤسسات التعليمية.
- انشاء أقسام تقوم بتعليم اللغة الروسية وفقًا للمعايير الروسية في مؤسسات تعليمية أجنبية في الخارج من أجل الترويج للتعليم الروسي.
- ضرورة عقد المؤتمرات والندوات العلمية والدراسية على أراضي روسيا وتوسيع حركة الطلاب والمدرسين والعلماء الروس ومساهمتهم في البرامج والبحوث العلمية الأجنبية.
- تقديم منح للشباب الأجانب من أجل جذبهم لتلقي التعليم في روسيا.[76]
- تكوين تصور موضوعي عن روسيا من خلال القيم الروحية والأخلاقية الروسية التقليدية، حيث:
- نشر رموز ثقافية إيجابية ومفهومة مرتبطة بروسيا على المسرح العالمي.
- دعم القيم الروحية والأخلاقية الروسية التقليدية.
- الإشارة إلى أهم الأحداث التاريخية التي شاركت فيها روسيا وارتباط تلك الأحداث بالتحرر والتنوير.
- تقديم مساعدات للدول الأخرى في حالات الطوارئ وحالات التعرض للكوارث الطبيعية مما يساعد ذلك على تعزيز مكانة روسيا باعتبارها أحد المراكز المؤثرة في العالم الحديث.
- الاهتمام بالمشاريع التي تهدف إلى زيادة توافر التعليم مع زيادة جودته ونشر الإنجازات الروسية في مجال التكنولوجيا والعلوم.[77]
- حماية اللغة والكنيسة الأرثوذكسية الروسية والإنجازات الوطنية.
- حماية الكنيسة الأرثوذكسية من التمييز في الخارج وتوطيد العلاقات الدولية للمنظمات الدينية ذات الصلة بالطوائف التقليدية لروسيا.
- تكوين فضاء انساني واحد يشمل روسيا ودول الجوار في رابطة واحدة من أجل الحفاظ على الروابط الحضارية والروحية التي تجمع بين روسيا وشعوب تلك الدول التي تعود الي قرون. [78]
- التصدي لمحاولات تزوير التاريخ والتحريض ضد روسيا ومكافحة الأيديولوجية النازية.
لتحقيق ذلك، يجب على روسيا تحقيق الآتي:
- نشر حقائق عن دور روسيا في تاريخ العالم من حيث الانتصار على النازية وتشكيل نظام عالمي عادل وإنهاء الاستعمار ومساعدة شعوب أفريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية على تشكيل دول.
- اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل التصدي لمحاولات تشويه الأحداث المهمة التي تؤثر على مصالح روسيا، والتصدي للأعمال الغير ودية التي تُقام من جانب الدول الأجنبية والمواطنين المشاركين في تلك الأعمال ضد الأشياء الروسية ذات الأهمية التاريخية الموجودة في الخارج.
- الحفاظ على التراث التاريخي والثقافي من التعديات الأجنبية الغير قانونية من خلال تعزيز التعاون الدولي.[79]
أهداف السياسة الخارجية الروسية تجاه الخارج القريب
يتمحور الهدف الرئيسي لسياسة روسيا الخارجية في توفير علاقات حسن جوار مستقرة وطويلة الأجل. لتحويل الخارج القريب إلى منطقة سلام وحسن جوار وتنمية وازدهار، يجب على روسيا القيام بما يلي:
- ضمان الاستقرار في الخارج القريب من خلال حل النزاعات ومنعها وتحسين العلاقات بين الدول.
- وقف محاولات التدخل الأجنبي في الشئون الداخلية لدول جوار روسيا.
- تقوية دور روسيا في الحفاظ على الأمن الإقليمي للمنطقة ودول الجوار.
- التصدي لمحاولات نشر بنية تحتية عسكرية للدول الغير صديقة في الدول القريبة من روسيا التي قد تؤثر على أمن روسيا واستقرارها.
- قمع الأعمال الغير ودية للدول الأجنبية التي يمكنها إثارة التفكك في الخارج القريب وتعيق محاولات التعاون الشامل بين روسيا وحلفائها.[80]
من خلال ما سبق، يتضح أن روسيا تسعي لتوجيه مقوماتها الثقافية ليس فقط تجاه دول الجوار لكن تجاه دول العالم أيضًا خاصة الغرب التي تجمع بينهم علاقات غير ودية تؤثر على علاقة روسيا بدول الجوار من خلال التدخل الأجنبي في الشئون الداخلية لتلك الدول وإثارة التفكك وتعيق محاولات التعاون. فهي ترغب في استخدام مقوماتها ليس فقط للاستقرار الإقليمي في المنطقة لكن لتحسين صورتها الدولية أيضًا وجذب الدعم من خلال نشر اللغة الروسية وزيادة المنح التعليمية للأجانب وغير ذلك. سيتم فيما يلي، توضيح كيف استطاعت روسيا أن توظف مقوماتها الثقافية من لغة ودين وتعليم ووسائل إعلام وغير ذلك وتحويلهم إلى أدوات ثقافية من أجل تحقيق أهداف سياستها الخارجية تجاه أوكرانيا.
المبحث الثاني: الأدوات الثقافية المستخدمة تجاه أوكرانيا
تتقارب المقومات الثقافية الروسية مع دول الجوار من حيث التراث الثقافي الممتد لقرون، الدين واللغة والتاريخ المشترك، لكن فقدت روسيا مكانتها العسكرية والثقافية على المستوي العالمي بشكل عام والمستوي الإقليمي بشكل خاص بعد تفكك الاتحاد السوفيتي. لترغب روسيا في استعادة مكانتها من جديد وذلك من خلال تحويل تلك المقومات الثقافية لأدوات ثقافية في حربها على أوكرانيا بجانب الأدوات العسكرية والاقتصادية لتستفيد من كل امكانياتها بغرض تحقيق أهدافها الخارجية. تعددت الأدوات الثقافية التي استخدمتها ولاتزال تستخدمها في حربها على أوكرانيا خاصة التي تم الاعتماد عليها في ضم كل من شبه جزيرة القرم ودونباس. فسيتم توضيح الأدوات الثقافية التي استندت عليها روسيا في ضم تلك المناطق، وهم:
أولًا: دعم الروايات والمعتقدات الروسية حول أوكرانيا
من أجل دعم محاولات روسيا لضم شبه جزيرة القرم قامت بطرح مجموعة من الروايات على الساحة العالمية من أجل تبرير غزوها. استندت تلك الروايات على تشويه الميدان الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وبث الخوف في نفوس الأفراد من عودة ايديولوجيات سبق وقضت عليها روسيا وأنها ستحارب ضدها من جديد للتخلص منها مرة أخري. اعتمدت الروايات والمبررات على حقائق تاريخية، من تلك الروايات:
- محاربة النازيين
تضمن “العملية العسكرية الخاصة” التي شنتها روسيا على أوكرانيا فكرة أن روسيا حاليًا تقاتل ضد نفس العدو الذي واجهته وقاتلته خلال الحرب العالمية الثانية وهو “النازيين” وأن “الفاشية لم تنقرض”، يُستخدم هذا المصطلح من خلال تقارير وسائل الإعلام الروسية بشكل روتيني للإشارة إلى مؤيدي الرئيس الأوكراني اليهودي زيلينسكي. وفق للرواية الروسية الرسمية، فهناك جماعات متأثرة بالنازية تطلق عليهم روسيا اسم “النازيين الجدد” قاموا بالتسلل إلى الحكومة الأوكرانية والمؤسسات العسكرية أثناء وبعد أحداث 2014 وأدي ذلك إلى تغيير سياسة أوكرانيا الموالية لروسيا إلى معادية لها وصديقة للغرب. فعندما ثار الانفصاليون الناطقون باللغة الروسية في منطقة دونباس الشرقية بأوكرانيا تمردًا بدعم من روسيا ضد حكومة كييف قامت الحكومة الأوكرانية بحرب ضدهم مستعينة بالوحدات شبه العسكرية المتطرفة ذات العلاقات النازية الجديدة مثل كتائب آزوف وآيدار ودنيبرو -1 و –2. فمن ثم، تدور الرواية الروسية الرسمية حول “العملية العسكرية الخاصة” بأنها من أجل تحرير السكان الناطقين بالروسية في دونباس من الاحتلال الخارجي الذي هو نسبة لروسيا يشمل النازيين الجدد وقوات أوكرانية نظامية يحققوا أجندة مستوحاة من النازية.[81]
- هدم الرموز القومية الأوكرانية: “حالة ستيفان بانديرا”
يعتبر بانديرا الذي قُتل علي يد المخابرات السوفيتية منذ أكثر من 60 عامًا أشهر قومي أوكراني عاد اسمه بعد الغزو الروسي لأوكرانيا رمزًا للقتال بالنسبة لأوكرانيا ورمزًا للخيانة ولمن يقاتل من أجل القضية الوطنية الأوكرانية وللعداء والنازية وفقًا لروسيا. من تبريرات روسيا عن غزوها العسكري لأوكرانيا بأنه مواجهة حتمية مع “البانديريين”. كان ستيبان بانديرا ناشط سياسي أوكراني وزعيم الحركة القومية الأوكرانية في غرب أوكرانيا التي كانت تطالب وتحارب من أجل أن تستقل أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي في ثلاثينات وأوائل الأربعينات. أثناء مواجهتهم للسوفييت، وجدت الحركة أنه قد يمكن أن يكون النازيين حليفًا محتملًا لهم ليتم قتله عام 1959 على يد أحد عملاء المخابرات السوفيتية. اختلف موقف الأوكرانيون من بانديرا، فسكان غرب أوكرانيا كانوا يبجلون بانديرا لدرجة تسمية متاحف وآثار وشوارع على اسمه. ليكون على النقيض تمامًا، موقف سكان شرق أوكرانيا من بانديرا حيث آمنوا بالروايات الروسية والتاريخ الروسي ولم يكونوا نظرة إيجابية عنه معتقدين أنه كان متعاونًا مع النازيين.[82]
- مركزية أوكرانيا لأوراسيا
يشهد مفهوم الأوروآسيوية ولادة جديدة وأبرز مروج الأو وآسيوية ألكسندر دوجين والذي كيّف الأفكار الكلاسيكية للأوروآسيوية مع الحقائق المعاصرة فإذا كان اعتقاد الأوروآسيويون في عشرينات القرن الماضي أن أوروبا أنانية ومصدر كل الشرور فإن دوجين اليوم يري أن الولايات المتحدة ودول عبر الوسطي هي مصدر الشر. ونسبة للأوروآسيويين فإن أوكرانيا هي “ساحة معركة جبابرة” فتشهد تصارع بين الخير والشر من أجل النفوذ وينظروا إلى مبادرة الشراكة الشرقية على أنها وسيلة دول عبر الأطلسي (الناتو، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي) من أجل سرقة أوكرانيا من أوراسيا. يقول دوجين عن وحدة السلافيين الشرقيين “الأوكرانيون والروس -أمة واحدة، متحدة في ظل العالم الروسي جنبًا إلى جنب مع دعاة روس آخرين”، ويشير إلى بيلوروسي (“البيلاروسيين”) والأوكرانيين على أنهم مالوروسي (“الروس الصغار”)، والروس باسم فيليكوروسي (“الروس الكبار”).[83]
ينتشر في خطابات السياسيين الروس الموقف الأبوي تجاه أوكرانيا، مثل كلمات البطريرك الأرثوذكسي كيريل في افتتاح الجمعية الثالثة للعالم الروسي في موسكو عام 2009، حيث قال: “العالم الروسي الذي كان موحدًا جغرافيًا في الماضي، مقسم حاليًا حسب حدود دول مختلفة. يجب أن تشعر الدول التي تعيش على أراضي الأراضي الروسية التاريخية أنها تنتمي إلى حضارة مشتركة وأن تنظر إلى العالم الروسي كمشروع يتجاوز الحدود”. بالإضافة إلى اقتراحه لاستخدام مصطلح “دول العالم الروسي” من أجل الإشارة إلى الدول التي كانت جزءًا من روسيا عبر التاريخ، فالاستخدام المنتشر للغة الروسية والثقافة المشتركة والذاكرة التاريخية توحد تلك البلدان نسبة للبطريرك كيريل. في هذا السياق، لا يمكن اعتبار العالم الروسي مشروعًا دون أوكرانيا. [84]
- مشروعية تصرفات روسيا
تعتمد روسيا على القانون من أجل اضفاء الشرعية على كل أفعالها ويرتبط ذلك بحضارتها الروسية ومعاييرها القانونية الخاصة وتفسيرها للقانون الدولي. تعتبر الشرعية مصدر مهم لدعم الرواية الروسية لأنها تجذب جمهورها الداخلي ومواطنيها من الخارج والمجتمع الدولي من خلال إثباتها أنها تعمل بالقانون و”تفعل الشيء الصحيح”. أثناء ضم شبه جزيرة القرم، قامت روسيا بوضع ستار قانوني على ذلك الضم من خلال تحريضها علي حق تقرير المصير “القانوني” في شبه جزيرة القرم بالإضافة إلى تشجيعها على اجراء استفتاءات تقرير المصير في شرق أوكرانيا بجانب ذلك كان من المهم والمفيد لموقف روسيا طلب القيادة المعلنة في شبه جزيرة القرم وبعدها شرق أوكرانيا المساندة والمساعدة رسميًا من جانب روسيا بالتدخل أو الضم إذ بالكرملين يتخذ ترتيبات قانونية وسريعة من أجل الاندماج السهل والسريع لشبه جزيرة القرم لروسيا.[85]
ركزت الحملة الإعلامية الروسية على مجموعة كاملة من الأسباب المشروعة حول ضم القرم ظهرت في خطاب بوتين الذي ألقاه في 18 مارس 2014 بعد استفتاء القرم، من تلك الأسباب:
- حق الدول في تقرير مصيرها نسبة الي ميثاق الأمم المتحدة.
- ضرورة حماية المواطنين في الخارج بسبب محاولات الحكومة الأوكرانية حرمان الروس من ذاكرتهم التاريخية ولغتهم وإخضاعهم للاستيعاب القسري، يعتبر سياسة حماية المواطنين توفر أسبابًا مشروعة بما يكفي لروسيا من أجل التدخل في الأراضي الأوكرانية في حالة وجود أي دليل على وجود أزمة إنسانية.
- اتهام الناتو والغرب بخرق القوانين مثل تدخلهم في يوغوسلافيا والعراق وأفغانستان وليبيا.
- تصوير روسيا بأنها صادقة وعادلة بينما الغرب يلتزم بمعايير مزدوجة بجانب عدم الالتزام بالوعود، فالوعد الذي تم تقديمه لروسيا في عام 1990 بأن الحلف سوف لن يتوسع إلى شرق ووسط أوروبا ولن يتم بناء بنية تحتية عسكرية بالقرب من حدود روسيا أو نشر قوات بشكل دائم والواقع شهد عكس ذلك.[86]
ثانيًا: توظيف وسائل التواصل الاجتماعي لدعم روسيا.
إن الغزو الروسي لأوكرانيا ليس غزوًا عسكريًا تم من خلال اكتساح الدبابات الروسية أراضي اوكرانيا فقط بل هي حرب طويلة امتدت منذ محاولات روسيا لاستعادة مكانتها على عرش الساحة الدولية من جديد خاصة منذ الضم الروسي لشبه جزيرة القرم ودعم الانفصاليين في شرق أوكرانيا في منطقة دونباس. فاستخدمت روسيا مقوماتها الثقافية من الدين واللغة والتراث الثقافي الذي يربط بينها وبين دول الكومنولث المستقلة من أجل إقناع دول العالم بالرواية الروسية التي نشرتها عبر وسائل متعددة منها وسائل التواصل الاجتماعي. تقوم روسيا بتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي من خلال عدة استراتيجيات، وهي:
- إرباك الشعوب.
تقوم تلك الاستراتيجية على ما يلي” “used a throw the spaghetti at the wall to see what sticks kind of approach”، ويشير تلك المصطلح الي القيام بنشر عدد كبير من المحاولات مع توقع أن بعضها سيجدي نفعًا، فالفكرة هنا ليست أن كل الناس ستصدق أو تقتنع بكل واحدة من تلك الروايات بل الفكرة الرئيسية هي تضخيم حجم المعلومات المنشورة بنظريات خاطئة بجانب إنكار بعض الحقائق من أجل جعل الأفراد في حيرة شديدة أو في وضع عدم الاكتراث مع زرع الشك. [87]
- حرب المعلومات
لتحقيق الاستراتيجية السابقة، قامت روسيا باستخدام حرب المعلومات تجاه أوكرانيا وذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فبدأت تنشر معلومات مضللة مثل تسلسل النازيين الجدد إلى الحكومة الأوكرانية مما أدي إلى خوف سكان شرق أوكرانيا، نظريات المؤامرة حول مختبرات الأسلحة البيولوجية في أوكرانيا، أن شبه جزيرة القرم “روسية دائمًا”، كان يتم نشر تلك المعلومات من أجل تشتيت انتباه المعارضة وارباكهم وابعادهم عن الحقيقة. اعتمدت روسيا في نشرها لتلك المعلومات على حسابات مزيفة ومواقع مجهولة المصدر بجانب اعتمادها على المتصيدون في نشر رسائل تحريضية من خلال منتديات المناقشة وأقسام التعليقات على الأخبار ومواقع الويب. الأمر الذي ساعد روسيا على نشر تلك المعلومات هو زيادة عدد مستخدمي وسائل التواصل
بجانب ميل الناس إلى نشر الأكاذيب بصورة أسرع وأعمق وأوسع من المعلومات الحقيقية خاصة بالنسبة للأخبار السياسية الكاذبة.[88]
- نشر المعلومات المضللة في افريقيا
هناك شبكة اجتماعية كبيرة تدعي “روسوسفير – المجال الروسي” تصف نفسها بأنها “شبكة دفاعية عن روسيا” وهي تتكون من “عدة مجموعات وسائط اجتماعية على منصات مختلفة” تم إنشاؤها في عام 2021 وإطلاقها قبل أيام من الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 لتكتسب الآلاف من المتابعين. تقوم تلك الشبكة بنشر أفكار معادية للغرب وأكثر ميلًا لروسيا تساعدها في توسيع نفوذها على حساب مستعمرات فرنسا السابقة بإفريقيا بجانب وصف الجيش الأوكراني بالنازيين وعبدة الشيطان والثناء على بوتين. فتؤدي تلك المعلومات وفقًا للخبراء إلى انعدام الثقة بين الغرب والدول الأفريقية ونقص الدعم الأفريقي لأوكرانيا. تدعم روسيا تلك الشبكة وظهر ذلك بعد الغزو الروسي لأوكرانيا عندما قامت روسيا بتقييد عدد من المنصات لكن لم يكن لتلك الشبكة نصيب من ذلك التقييد فظلت نشطة علي فيسبوك ويوتيوب وتويتر وتليجرام.[89]
- تشويه السمعة
يتم استخدام هذه الاستراتيجية من أجل تشويه سمعة شخص ما من خلال وصفه بأنه “مضحك” أو “ساخر” حتى يتم اقتناع الأفراد بذلك تمامًا. فتم وصف الرئيس الروسي بوتين بأنه “شخصية كاريزمية” بينما وصف الرئيس الأوكراني زيلينسكي بأنه “كوميدي” ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة مثل فيسبوك وتويتر وانستجرام. بجانب نشر معلومات تفيد بأن الرئيس الروسي بوتين مؤيد للإسلام بينما وصف الخلفية الدينية للرئيس الأوكراني زيلينسكي بأنها يهودية وانه معادي للإسلام.[90]
- حملات دعائية مضادة
في مارس 2022، نشر مؤثرين مشهورين على Tiktok مقاطع فيديو تحمل نفس المحتوي السردي وهو محاولة تبرير الغزو الروسي لأوكرانيا بأن أوكرانيا سبق وقامت بتنفيذ إبادة جماعية ضد المواطنين الناطقين بالروسية في منطقة دونباس خلال السنوات الثماني الماضية. فتم استخدام تلك الدعاية كمبرر لغزو روسيا لأوكرانيا، اُكتشف ذلك التزوير بواسطة المصور الأوكراني كريستينا ماجونوفا.[91]
تم اعتبار أن الانتشار الواسع للدعاية عبر الإنترنت يمثل تهديدًا رئيسيًا يمكن أن يؤثر على الأحداث الجيوسياسية من خلال الدعاية الممنهجة على وسائل التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى أنها أصبحت أداة مقلقة في الحروب الحديثة لما تمثله من تهديد بسبب نشر معلومات مضللة وتشكيل روايات كاذبة حول الحروب. هناك اشارة إلى أن المحتوي المؤيد لروسيا والدعاية لروسيا تم نشرها من خلال روبوتات تمثل محرك مهم تم إنشاؤها قبل وقت قصير من تصويت الأمم المتحدة، فيشير ذلك إلى تلاعب ممنهج لكي يتم التأثير على الرأي العام على تويتر.
بالبحث عن أسباب توجه اعتماد استراتيجية الدعاية الروسية على وسائل التواصل الاجتماعي على الروبوتات الي أن الروبوتات نادرًا ما يتم تغريدها بواسطة البشر، فهي تهدف في المقام الأول إلى تعريض المستخدمين لمحتوي مؤيد لروسيا من خلال إنشاء حركة مرور حول الدعاية الروسية، فظهرت هاشتجات معينة على أنها “مواضيع شائعة” على الصفحة الأولى من تويتر وبالتالي كانت مرئية لجميع المستخدمين.[92]
رابعًا: وسائل الإعلام الروسية
يستخدم قادة روسيا وسائل الإعلام كسلاح سياسي، حيث يشرف على وسائل الإعلام الحكومية الروسية مسئولون قد يكونوا في الحكومة أو موالين لبوتين أو كليهما، ويمارسون تأثيرًا كبيرًا على التوظيف والتغطية، فلديهم سيطرة شبه كاملة على سرد الأحداث بجانب نشر معلومات مضللة من خلال تقارير كاذبة من أجل تقويض الآراء التي يرفضها الكرملين. لكن على الجانب الآخر، أغلق الكرملين وسائل الإعلام الروسية المستقلة لأنه يتم اعتبرهم على أنهم “عملاء أجانب” “ومنظمات غير مرغوب فيها” بالإضافة إلى التضييق على أنشطتهم.[93]
أثناء تغطية أحداث أوكرانيا، للتليفزيون الروسي الذي تسيطر عليه الدولة نشاط في تكوين الرأي العام حول الوضع في أوكرانيا من خلال مجموعة من الأدوات وهي مجموعة من الأحداث المهمة مثل توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والتغيير اللاحق للسلطة في كييف. كان يتم التلاعب بوسائل الإعلام الروسية التي تسيطر عليها الدولة بشكل ممنهج من خلال صور وفيديوهات مفبركة مثل استخدام صور من حروب سوريا وكوسوفو الشيشان كما لو أنها تم التقاطها من شرق أوكرانيا. هناك اتجاه آخر للتزييف وهو نفس الشخص يتم تصويره في أدوار ومواقف مختلفة فعلى سبيل المثال تم استخدام نفس المرأة في أدوار مختلفة حيث “ناشطة في القرم”، “مقيمة في كييف”، “والدة الجندي”، “مقيمة في أوديسا”، “مقيمة في خاركيف”، “لاجئة” من دونيتسك “، وكان من خلال كل دور تنقل سطرًا سرديًا معينًا، فعلي سبيل المثال في آخر ظهور لها علي أنها ناشطة في القرم، أخذت تتطرق الي نقاط معينة مثل: “الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ضعيفان وعدوانيان، وشبه جزيرة القرم هي أرض روسية تاريخية، وروسيا هي حضارة أرثوذكسية مقدسة”. ساهمت تلك الوسائل في تنفيذ المهمة الرئيسية للتقارير الإخبارية الروسية وهي تشويه سمعة الغرب حيث الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. بعد ضم القرم بأيام قليلة في 22 أبريل 2014، قام الرئيس الروسي بوتين بنفسه بمنح “ميداليات وسام الخدمة للوطن” الي 300 صحفي يتضمنوا عدد من المحررين والمخرجين ومضيفي التليفزيون المعروفين بتغطيتهم الودية للكرملين، تأكيدًا على الدور المهم لوسائل الإعلام في شن الحملة الإعلامية على أوكرانيا وأن الضم تم التخطيط له مسبقًا.[94]
رابعًا: تبني روسيا الأطفال الأوكرانيين
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف تجاه الرئيس الروسي بوتين ومفوضة الأطفال ماريا لفوفا بيلوفا بشأن اختطاف أطفال أوكرانيين وترحيلهم بشكل غير قانوني. تتنوع طبيعة هؤلاء الأطفال التي تم ترحيلهم، حيث:
- منهم من مؤسسات الدولة الأوكرانية في المناطق المحتلة.
- وآخرين تم إرسالهم من قبل آباؤهم إلى معسكرات صيفية تديرها روسيا ولم يعودوا.
- وهناك من فقد آبائهم نتيجة تعرضهم للاعتقال من سلطات الاحتلال أو قُتلوا.
معظم هؤلاء الأطفال من مناطق محتلة في شرق وجنوب أوكرانيا ومن تلك المناطق خيرسون، وخاركيف، وزابوريجيا، ودونيتسك ولوغانسك منهم تم وضعهم في دور رعاية ومنهم تبنتهم الأسر الحاضنة في موسكو وتم تسجيلهم في المدارس المحلية هناك.[95]
المعسكرات الصيفية – إعادة التثقيف الصيفية
استطاعت منظمة Yale HRL تجميع معلومات حول احتجاز أكثر من 6000 طفل أوكراني يتراوح أعمارهم بين 4 أشهر إلى 17 عامًا في معسكرات ومنشآت في شبه جزيرة القرم تم إرسالهم إلى تلك المخيمات الصيفية الممولة من روسيا لكن لم يتم إعادتهم إلى اسرهم ليصبح العدد الإجمال غير معروف لكنه متجاوزًا ال 6000.
حددت منظمة Yale HRL أن روسيا تستخدم ما يزيد عن 43 منشأة لهؤلاء الأطفال، 41 منهم عبارة عن معسكرات صيفية كانت موجودة مسبقًا في شبه جزيرة القرم. ومن بين تلك المعسكرات، يتجمع 12 معسكر حول البحر الأسود، و7 في شبه جزيرة القرم، و10 حول مدن موسكو وكازان وإيكاترينبرج، ويقع 11 من المعسكرات على حدود أوكرانيا مع روسيا بجانب معسكرين في سيبيريا وواحد في الشرق الأقصى لروسيا ليعتبر
أبعد معسكر فهو بالقرب من المحيط الهادئ على بعد حوالي 3900 ميل من حدود أوكرانيا مع روسيا. الغرض الأساسي لتلك المعسكرات التي تشمل الأطفال الأوكرانيين هو إعادة التثقيف السياسي. فيتعرض الأطفال إلى تعليم ثقافي وأكاديمي ووطني وعسكري يركز على روسيا. يُطلق على تلك المعسكرات “برامج دمج” وذلك لأنها متمثلة في دمج الأطفال الأوكرانيين في رؤية الحكومة الروسية للثقافة والتاريخ والمجتمع الوطني.[96]
ادعت روسيا أن هؤلاء الأطفال التي تم ترحيلهم ليس لديهم آباء لكن سواء لديهم آباء أم لا، فلابد من تبنيهم في أوكرانيا وليس روسيا لأن تبني وتربية أطفال الحرب في بلد أخري وثقافة مختلفة يكون دلالة على الإبادة الجماعية ومحاولة لمحو هوية تلك الدولة المعادية. وعلى الرغم من أن القانون الروسي يحظر تبني الأطفال الأجانب من غير موافقة الدولة الأم، وذلك غير متوفر في الحالة الآتية لأن لم توافق أوكرانيا على تبني الأسر الروسية هؤلاء الأطفال ولم توافق على ترحيلهم لكن في مايو 2023 قام الرئيس بوتين بالتوقيع على مرسوم يسهل تبني الأطفال الأوكرانيين ومنح الجنسية لهم بجانب إعداد سجلًا للأسر الروسية المناسبة للأطفال الأوكرانيين وتدفع لهم مقابل كل طفل يحصل على الجنسية 1000 دولار.[97]
خامسًا: تسهيل الحصول على الجنسية الروسية “جوازات السفر”.
قامت روسيا باتباع سياسة منح جوازات السفر لسكان دونباس ليصبح جزءًا من أدوت سياستها الخارجية مما يؤدي ذلك إلى احتفاظ روسيا بنفوذ دائم في أوكرانيا من خلال دونباس وتصبح وجهة للهجرة أكثر جاذبية للسكان الأوكرانيين. بجانب الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والدبلوماسي لشرق أوكرانيا، قررت روسيا إضفاء مساعدات إنسانية لتسهيل تحويل الانفصاليون في شرق أوكرانيا إلى “مواطنين روسيين” من خلال إجراء مبسط وهو “عملية التجنيس” التي تُعرَّف على أنها التجنس الجماعي خارج الحدود الإقليمية. ليصبح التجنيس الجماعي أداة روسية غامضة خارج حدودها الإقليمية لتبرير تدخلاتها العسكرية في أوكرانيا من أجل حماية مواطنيها من الإبادة الجماعية المزعومة.[98]
أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 2019 مرسوم رئاسي بعد فوز الرئيس الأوكراني زيلينسكي في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، ومن خلال ذلك المرسوم يصبح من الأسهل والأسرع منح الجنسية الروسية لسكان دونباس. لتوزع روسيا منذ 2019 حتى 2021 -نسبة لوزارة الداخلية الروسية -حوالي 530 ألف جواز سفر على الأوكرانيين الذين يعيشون في دونباس، فيمثل ذلك حوالي خمس إجمالي السكان في منطقتي دونيتسك
ولوهانسك الخاضعتين لسيطرة روسيا. يؤدي التوزيع المتزايد لجوازات السفر الروسية في تلك المنطقتين إلى زيادة عدد المواطنين الروس مما يؤدي ذلك إلى زيادة عدد الروس في القوات المتمردة في دونباس.[99]
استمرت روسيا في منح جوازات السفر لسكان دونباس ليزداد العدد بعد الغزو الروسي لأوكرانيا ويصل إلى 720 ألف جواز سفر روسي نظرًا لبساطة الإجراءات فالأمر يستغرق من شهر إلى 3 أشهر فقط والمزيد من المزايا والتسهيلات للتقليل من الإجراءات الروتينية. يرغب السكان في الحصول على الجنسية الروسية لينعموا بشعور الحماية من دولة مجاورة قوية بجانب تمتعهم بنفس المزايا التي يتمتع بها المواطنين الروس مثل الرعاية الصحية المجانية. [100]
ضم الرئيس فلاديمير بوتين في سبتمبر 2022 منطقتي دونيتسك ولوهانسك المعروفين باسم دونباس في شرق أوكرانيا. تضم انفصاليون مواليون لروسيا ويدعي هؤلاء الانفصاليون أن كل مناطق دونيتسك ولوهانسك أراضيهم لكنهم يسيطرون فعليًا على ثلث المنطقة وتقع المنطقة الانفصالية على الحدود الأوكرانية الشرقية مع روسيا تحتوي تلك المنطقة على احتياطي كبير من الفحم مما يكسبها أهمية كبيرة بجانب أنها كانت منطقة صناعية وتعدينية مهمة أثناء الاتحاد السوفيتي لكنها عانت من الإهمال بعد استقلال أوكرانيا. أثناء أزمة القرم، أشار بوتين إلى دونباس على أنها جزء من روسيا تاريخيًا، فيعتبر بوتين دونباس وغيرها من المناطق مثل خاركوف “ثاني أكبر مدن أوكرانيا” وأوديسا لم يكونوا جزء من أوكرانيا بل قامت الحكومة السوفيتية بمنح أوكرانيا هذه المناطق في عشرينات القرن الماضي. حاولت روسيا اثارة نزاعات انفصالية في مناطق ذات وجود لغوي وعرقي روسي قوي في جنوب وشرق وشمال شرق أوكرانيا مثل مدينة خاريكوف وأوديسا. فكانت تلك المناطق غاضبة من إقالة الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانكوفيتش. فرغبت موسكو في فصلها عن كييف لكن بالرغم من غضب سكان هذه المناطق من نخبة كييف الموالية للغرب ورفضهم لعزل الرئيس الموالي لموسكو لكنهم رفضوا الانفصال عن أوكرانيا. لكن اختلف الأمر عن القرم ودونباس، فالمناطق التي يوجد بها أعلي نسبة من الناطقين بالروسية، فاللغة السائدة والرئيسية لهذه المناطق هي اللغة الروسية فلذلك استطاعت موسكو أن تفرض سيطرتها عليهم.[101]
السبب وراء رغبة إقليم دونباس في الارتباط بروسيا والانفصال عن أوكرانيا هو أن اقتصادها المتدهور حاليًا الذي يعاني منه السكان بعد الاستقلال عن روسيا كان مرتبطًا ومشابهًا لاقتصاد روسيا بجانب فساد وإهمال الحكومة المركزية في كييف وتراجع الصناعات السوفيتية مثل استخراج الفحم والتقارب مع الغرب والتمييز ضد اللغة الروسية فأدي ذلك إلى توافر الظروف التي تؤدي إلى تأييد روسيا لهم خاصة بعد إقالة الرئيس السابق فيكتور يانكوفيتش الذي كان يؤيده المناطق الشرقية والجنوبية ومنها دونباس. أصبحت المناطق التي تحت سيطرة الانفصاليين معزولة عن أوكرانيا وأكثر صلة بروسيا مما يضمن الابتعاد الثقافي عن أوكرانيا. وأقرت دونيتسك ولوهانسك اللغة الأوكرانية لغة رسمية في 2020 فتوقفت المدارس المحلية عن تدريس اللغة الأوكرانية والتاريخ الأوكراني ومن الوثائق الرسمية ووسائل الإعلام.[102]
وفقًا للبطريرك كيريل، فإن نواة “روسكي مير – العالم الروسي تضم روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا”. أثناء ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وسعت روسيا من استخدامها لمصطلح روسكي مير من خلال الدعوة الي دعم المناطق الانفصالية في شرق أوكرانيا –دونيتسك ولوهانسك بحجة فرض حكومة كييف “الأكرنة القسرية” وحظرت استخدام اللغة الروسية وتعرض المتحدثين باللغة الروسية للاضطهاد ويعتبر ذلك بمثابة تهديد “للعالم الروسي”. تعتبر تلك الإدعاءات مبررات لسيطرة روسيا على عدد كبير من السكان والأراضي في أوكرانيا. قبل غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، قام الرئيس الروسي بوتين بإلقاء خطاب خصص أكثر من نصفه للإشارة إلى التاريخ القديم لروسيا وأوكرانيا وأن أوكرانيا تنتمي للعالم الروسي.[103]
تعددت الأهداف الخارجية الروسية وتمركزت حول حماية اللغة والثقافة والقيم والتاريخ الروسي والقوميات الناطقة باللغة الروسية. واستطاعت توظيف تلك الأهداف وتحقيقها في تدخلها في أوكرانيا وضمها لبعض الأراضي مثل دونباس تحت مزعم أن تلك القوميات المتحدثة باللغة الروسية تعاني من الإبادة من الحكومة الأوكرانية ومنحهم جوازات سفر روسية من أجل تجنيسهم وترحيل بعض الأطفال إلى مخيمات روسية تعمل على إعادة تشكيل هويتهم من جديد من خلال اطلاعهم على التاريخ من وجهة نظر روسية، فتلك تعتبر خطوة لمحو الهوية الأوكرانية.
الخاتمة
توصلت تلك الدراسة إلى مجموعة من النتائج، سيتم عرضها من خلال النقاط الآتية:
- نتائج تتعلق بأهمية البعد الثقافي وعلاقته بالبعد العسكري
سيتم توضيح أثر الأبعاد الثقافية في التأثير على العلاقات الدولية كبعد مكافئ للأبعاد العسكرية التي لم ينتهي تأثيرها، من خلال النقاط الآتية:
- أهمية البعد الثقافي في العلاقات الدولية
هناك دراسات تؤكد على أهمية المتغير الثقافي في العلاقات الدولية، فهو يعتبر أداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية. فقد يتم استخدام واللجوء إلى تلك الحجج الثقافية كوسيلة للتلاعب بالشعوب من خلال إضافة الشرعية على الممارسات التي تنحرف عن المعايير الدولية. اثبتت الدراسات مدي تأثير الأبعاد الثقافية في تشكيل السياسة الخارجية للدول.
فهناك بعض الدراسات ركزت على معيار الحضارة المهيمنة من أجل التوصل إلى أي مدي يمكن للأبعاد الثقافية أن تؤثر على السياسات الخارجية للدول وتلك الدراسات أشبه بنظرية صراع الحضارات وسقوط الاتحاد السوفيتي والقضاء على الشيوعية وتتويج الرأسمالية واكتساح الحضارة الغربية سياسيًا وثقافيًا وتوقفت عند ذلك الحد. لكن قد تسطر الحرب الروسية الأوكرانية أبعاد جديدة في تأثير الأبعاد الثقافية على السياسة الخارجية للدول من خلال قياس إلى أي مدي استطاعت روسيا من خلال أدواتها الثقافية تحقيق أهداف سياستها الخارجية تجاه أوكرانيا.
هناك دراسات أخري ركزت على الدين كمعيار لتوضيح تأثير الأبعاد الثقافية على سياسات الدول الخارجية. وتوصلت إلى أن الدين عامل مهم ومؤثر في العلاقات الدولية والسياسات الخارجية للدول حتى لو تفاوتت قوته من حين لآخر لكنه يعود إلى الساحة الدولية من جديد ليسترد قوته.
- استمرار الحروب العسكرية
بعد نهاية الحرب الباردة تنامي اعتقاد انتهاء الحروب العسكرية والغزو المسلح والتهديدات التقليدية والتركيز على تهديدات أخري ظهرت على الساحة العالمية غير التهديدات العسكرية كالتهديدات البيئية والهجرة الغير شرعية وما غير ذلك. لكن الحرب الروسية الأوكرانية استطاعت أن تغير الموازين من جديد لتلفت نظر العالم إلى عدم انتهاء خطر التهديدات العسكرية بل مازالت الدول تلجأ اليها عندما يقترب الخطر من أمنها الإقليمي واستقرارها القومي إلى أن قد يصل الأمر إلى الاستخدام الفعلي للقوة العسكرية وغزو حدود الدول والسيطرة على أراضي منها.
- الطبيعة الثقافية والعسكرية للغزو الروسي لأوكرانيا.
الغزو الروسي لأوكرانيا التي استيقظت عليه دول العالم في فبراير 2022 لم يكن غزوًا عسكريًا شُن بين ليلة وضُحاها بل هو عملية عسكرية تكتيكية استراتيجية ذات أبعاد ثقافية تعود جذورها إلى الإمبراطورية الروسية العظمي والاتحاد السوفيتي. فروسيا منذ تفكك الاتحاد السوفيتي وهي تحاول أن تعيد أمجاد قوتها، مكانتها الدولية، والدول التي فقدتها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي التي تري أنهم جزء من روسيا وخاصة أوكرانيا التي تعتبرها روسية بالأساس. نظرًا للتقارب اللغوي والثقافي والديني بين روسيا وأوكرانيا، فكانت الحرب الثقافية الروسية على أوكرانيا أسهل.
فنتج عن تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1990 انتشار الشتات الروسي في عدة دول حصلت على استقلالها عن الاتحاد السوفيتي. فعندما حاولت روسيا استعادة مكانتها دوليًا من جديد، قامت بالتركيز على هؤلاء الناطقين باللغة الروسية وهؤلاء الذي يربط بينهم وبين روسيا روابط ثقافية وتاريخية خاصة هؤلاء المتواجدين في أوكرانيا نظرًا لاعتقاد روسيا بأن “شعب روسيا وأوكرانيا واحد”. فقامت روسيا بتوظيف مقوماتها الثقافية من لغة وكنيسة يربط بينها وبين الحكومة الروسية تقارب مصالح ورغبة الكنيسة في استعادة وحدة الكنائس الأرثوذكسية في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي. فاعتمدت روسيا على عدة مبررات ثقافية متعلقة بالمواطنين الروس من أجل إضفاء الشرعية على تدخلاتها العسكرية في أوكرانيا.
- نتائج تتعلق بأدوات روسيا الثقافية تجاه أوكرانيا
تعددت أبعاد روسيا الثقافية التي استخدمتها في غزوها لأوكرانيا حتى استطاعت أن تتمكن في شن غزوها العسكري، لكن غزوها العسكري مدها ببعض الأدوات الثقافية التي قد تساعدها في تقوية وتعزيز حربها على أوكرانيا. يتضح ذلك من خلال النقاط الآتية:
- الأدوات الثقافية الروسية تجاه أوكرانيا
اعتمدت روسيا في حربها الثقافية الطويلة التي شنتها على أوكرانيا واستمرت إلى أن تُوجت بالغزو الروسي لأوكرانيا في 2022 وضم بعض الأراضي منها على بعض أدواتها الثقافية ليساعدها الغزو على الاستعانة بأدوات ثقافية جديدة تساعدها على زيادة تمكينها في السيطرة على الأراضي الأوكرانية.
- استفادة روسيا من غزوها لأوكرانيا في تبني أدوات ثقافية جديدة
قامت روسيا بتبني الأطفال الأوكرانيين الذين فقدوا ذويهم وتحاول روسيا إعادة تثقيفهم من خلال توجيه الأطفال إلى تعليم ثقافي وأكاديمي ووطني يركز على روسيا. تعتبر تلك البرامج “برامج دمج” تساهم في برمجة الأطفال الأوكرانيين على الرؤية الحكومية الروسية للتاريخ. فيعتبر تبني روسيا لهؤلاء الأطفال محاولة روسية من أجل إبادة الثقافة الأوكرانية ومحو هويتها.
- سياسات التجنيس
سهلت روسيا الأوكرانيين (سكان دونباس) الحصول على جواز سفر روسي ليصل عددهم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا 720 ألف جواز سفر روسي تم إعطائه لسكان دونباس بجانب التسهيلات والإجراءات الميسرة من أجل تخطي الإجراءات الروتينية. فهؤلاء السكان لديهم رغبة عارمة في الحصول على المزايا التي يتمتع بها المواطنون الروس.
تحاول روسيا من خلال سياسة “التجنيس” إضفاء مساعدات إنسانية من أجل تسهيل تحويل الانفصاليين في شرق أوكرانيا إلى مواطنين روس. فهي أداة تجنيس خارج الحدود الإقليمية لتصبح أداة روسية تستخدمها روسيا من أجل تبرير تدخلاتها العسكرية في أوكرانيا تحت زعم حماية المواطنين الروس من الإبادة الجماعية.
- نتائج تتعلق بأهداف روسيا الخارجية
من خلال النقاط الآتية سيتم قياس إلى أي مدي استطاعت روسيا أن تحقق أهدافها الخارجية تجاه أوكرانيا.
- أهداف روسيا من خلال الوثائق الرسمية
اعتمدت الدراسة على تحليل مجموعة من الوثائق الرسمية قبل الغزو الروسي الأوكراني (وثيقة 2012، ووثيقة 2016) ووثائق أخرى بعد الغزو الروسي الأوكراني (وثيقة 2022، ووثيقة 2023). ليتم التوصل إلى أن أهداف روسيا الثقافية تدور حول حماية تاريخها من محاولات التزوير من خلال إعادة نشر التاريخ الروسي الذي سبق وقضي على النازيين “الممثلة حاليًا في الحكومة الأوكرانية” وأنه سيحمي العالم من جديد من خلال القضاء عليهم مجددًا. ونشر الثقافة الروسية والحصول على مساعدة هؤلاء الناطقين باللغة الروسية في دول الجوار في نشر تلك الثقافة. تعزيز الأمن الإقليمي من خلال وقف التدخلات الأجنبية في الشئون الداخلية لدول الجوار. حماية المواطنين الروس في الخارج من التعرض للأعمال الغير ودية والاعتداءات الأجنبية بمختلف الآليات الاقتصادية والعسكرية وانشاء آليات جديدة إذا لزم الأمر.
- إلى أي مدي ساهمت المقومات الثقافية في تحقيق أهداف روسيا
تمتلك روسيا مقومات ثقافية متعددة من لغة تنتشر في معظم دول ما بعد الاتحاد السوفيتي ولازال يستمر تداولها في تلك الدول بجانب كنيسة تربطها بالحكومة الروسية علاقة قوية وتقارب مصالح تساعدها في تحقيق أهدافها ووسائل إعلامية تعمل لصالح الحكومة الروسية تساهم من خلالها في إعادة نشر روايات قديمة بصياغات تساهم في خلق رعب وقلق داخل النفوس. اعتمدت روسيا في تلك الروايات على شخصيات وأحداث بمثابة نقطة سوداء في تاريخ العالم مثل النازيين أو شخصيات مصدر قلق للانفصاليين الأوكرانيين مثل “عودة بانديرا”.
فعملت على وصف من في السلطة الأوكرانية على أنهم “نازيين” وأن روسيا ستقضي عليهم من جديد كما سبق وقضت عليهم. بالإضافة إلى الاعتماد على التأكيد على مشروعية تصرفات روسيا تجاه أوكرانيا نظرًا للاعتقاد الروسي بأن “شعب روسيا وأوكرانيا واحد”.
- إلى أي مدي استطاعت روسيا أن تحقق أهدافها؟
من خلال عرض المقومات الثقافية التي تمتلكها روسيا وأدواتها الثقافية من أجل قياس إلى أي مدي استطاعت أن تحقق أهدافها. نجد أن روسيا بالفعل استطاعت توظيف مقوماتها الثقافية من قومية روسية راغبة في استعادة نفوذها المفقودة من جديد وقوميات روسية حيث هؤلاء الروس في الدول التي نتجت عن تفكك الاتحاد السوفيتي التي تعتبرهم روسيا “روس” نظرًا لتحدثهم اللغة الروسية ويربط بينهم وبين روسيا روابط وأصول وثقافة مشتركة، بجانب الكنيسة الأرثوذكسية التي تلاقت أهدافها مع أهداف السياسة الخارجية الروسية في استعادة أمجاد العهد السوفيتي، ووسائل إعلام يتم إدارتها من قبل تقنيين سياسيين من الحقبة السوفيتية.
استفادت روسيا من خلال قدرتها على التواصل مع هؤلاء الناطقين بالروسية “الانفصاليون” في أوكرانيا بدعمهم والتأكيد على معاناتهم داخل أوكرانيا، ونشر مزاعم حول إبادة النظام الأوكراني “النازي من وجهة نظر روسيا” لهؤلاء الانفصاليون ونشر في وسائل الإعلام بأن الحكم الحالي ما هو إلا استعادة للنظام النازي التي سبق وقضت عليه روسيا. لترغب بعض المناطق في الانضمام إلى روسيا لتنتج تلك الرغبة من خلال الحنين إلى التفوق الاقتصادي أثناء الحقبة السوفيتية نظرًا للفساد الحالي في أوكرانيا وتدهور الأوضاع. لتستفيد روسيا من ذلك من خلال إضفاء مساعدات إنسانية تساهم في تحويل هؤلاء الانفصاليون في شرق أوكرانيا إلى مواطنين روس من خلال منحهم جوازات سفر تساهم في عملية التجنيس لهؤلاء الانفصاليون. بجانب تأكيدها على حماية هؤلاء الناطقين باللغة الروسية. وبالفعل كان السبب المعلن وراء غزو رسيا لأوكرانيا هو حماية هؤلاء الناطقين باللغة الروسية في دونباس من الاضطهاد “المزعم” التي يتعرضون له من الحكومة الأوكرانية. فاستطاعت روسيا تحقيق أهدافها وضم الأقاليم دون الاعتماد فقط على الأدوات العسكرية فاستطاعت أن تميل لها القوميات الروسية في أوكرانيا من خلال التواصل معهم والتعهد بحمايتهم في حالة التعدي على حقوقهم ومساندتهم عندما طلبوا منها المساعدة وفي تقرير مصيرهم. لذلك هي ساندت الشعب ثقافيًا قبل أن تتدخل عسكريًا.
من خلال ما سبق، نجد أن البعد الثقافي لا ينفصل عن البعد العسكري بل كل منهما مُتمم للآخر وكل منهما أداة تساعد في تحقيق الآخر. فالحرب الثقافية التي مدتها روسيا بكل مقوماتها وأدواتها ساعدتها في شن غزو عسكري على أوكرانيا والغزو العسكري ساعدها في الاستفادة من أدوات جديدة تساعدها في تحقيق أهدافها الخارجية تجاه أوكرانيا. لذلك تم الاعتماد على الأبعاد العسكرية في الدراسة بدلًا من القوة الناعمة نظرًا لأن القوة الناعمة تستبعد البعد العسكري والدراسة تؤكد على دور البعد العسكري في الغزو الروسي لأوكرانيا.
قائمة المراجع
المراجع باللغة العربية
- الكتب
- زيد سليمان العدوان، أحمد عيسى داود، النظرية البنائية الاجتماعية وتطبيقاتها في التدريس، مركز ديبونو لتعليم التفكير، 2016.
- الرسائل
- أماني محمود غانم، البعد الثقافي في دراسة العلاقات الدولية (دراسة في الخطاب حول صدام الحضارات)، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في العلوم السياسية، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
- إكرام بركان، تحليل النزاعات المعاصرة في ظل البعد الثقافي في العلاقات الدولية، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، جامعة الحاج لخضر بانتة، كلية الحقوق، 2010، اللينك: https://bit.ly/3kKAhPw
- سماح عبد الصبور، القوة الذكية في السياسة الخارجية (دراسة في أدوات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه لبنان 2005-2013)، 2014.
- عمرو حسن حسن هاشم، دور الأداة العسكرية في السياسة الخارجية الروسية دراسة حالتي (جورجيا-أوكرانيا) في الفترة من 2008-2014، رسالة مقدمة لاستكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير في العلوم السياسية، 2017.
- على جلال عبد الله معوض، القوة الناعمة كأداة للسياسة الخارجية دراسة حالة لسياسة تركيا تجاه المنطقة العربية في عهد حكومات العدالة والتنمية 2002-2012، رسالة مقدمة للحصول على درجة الدكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2017، 42-45، https://drive.google.com/file/d/1OcPkun1K_X15P8t3w6Fqgvbip1RSbkFs/view?pli=1
- نرمين عزت عوض حنا، الاستمرار والتغير في السياسة الخارجية الروسية تجاه دول آسيا الوسطي والقوقاز (1991-2010)، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في العلوم السياسية، 2013.
- رشا ناصر العلي، الأبعاد الثقافية للسرديات النسوية المعاصرة في الوطن العربي (1990-2005)، رسالة مقدمة للحصول على درجة الدكتوراه في الآداب، جامعة عين شمس، كلية الآداب، 2009، https://bit.ly/3OxGI50
- الدوريات
- حنان دريسي، النظرية البنائية في العلاقات الدولية، مجلة مدارات سياسية، المجلد 5/ العدد 2، ص. 239-253، 2021.
- شريفة بربجة، مفهوم الهوية: النشأة والتطور في تاريخ أوروبا الحديث مقاربة سوسيو-أنثروبولوجيا، مجلة أنثروبولوجيا، مجلد 7، عدد 2، 2021، ص. 130، https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticlepdf/79/7/2/170494
- عبد الكريم سبع، ميلود عامر حج، دور الكنيسة الأرثوذكسية في توجيه السياسة الخارجية الروسية، مجلة المقدمة للدراسات الإنسانية والاجتماعية، المجلد 7، العدد 1، ص.99-112، 2022.
- عبد الحق بن جديد، القوة الناعمة الروسية في منطقة كومنولث الدول المستقلة: المصادر والأدوات، مجلة آفاق للعلوم، المجلد 1، العدد الثامن، 2017.
- نادية محمود مصطفي، جدالات حوار/صراع الحضارات: إشكالية العلاقة بين السياسي-الثقافي في خطابات عربية وإسلامية، مركز الحضارة للدراسات السياسية، https://faculty.ksu.edu.sa/sites/default/files/jdl_hwr_lhdrt.pdf
- نزار الفراوي، الثقافة والقوة الناعمة حروب الأفكار في السياسة الخارجية، مركز برق للأبحاث والدراسات، 2016، https://bit.ly/44JJaea
- الصحف
- النظرية البنائية ودورها في تعزيز الأمن العراقي (دراسة تحليلية)، المركز الديموقراطي العربي، يناير 2022، اللينك: https://democraticac.de/?p=79668
- رغدة البهي، الدين والقوة الناعمة الروسية: دراسة حالتي أوكرانيا ولاتفيا، المركز الديموقراطي العربي، العدد الثالث، 2017، لينك: https://democraticac.de/?p=46756
- علي سالم أحمد، القوة والثقافة وعالم ما بعد الحرب الباردة هل باتت المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية شيئاً من الماضي، المجلة العربية للعلوم السياسية، الجمعية العربية للعلوم السياسية، ال عدد20، 2008، 119-136. اللينك، https://0c10g1tgx-1105-y-https-search-mandumah-com.mplbci.ekb.eg/Record/461201
- عربي لادمي محمد، السياسة الخارجية: دراسة في المفاهيم والتوجهات والمحددات، المركز الديموقراطي العربي، 27 ديسمبر 2016، https://www.democraticac.de/?p=41719، 31/1/2023.
- علي جلال معوض، مفهوم القوة الناعمة وتحليل السياسة الخارجية، مكتبة الإسكندرية، مركز الدراسات الاستراتيجية، 2019، https://www.bibalex.org/Attachments/Publications/Files/2019021809593447089_Final.pdf
- مواقع الانترنت
- “جرائم حرب بوتين”. من هم الأطفال الأوكرانيون الذين “خطفتهم” روسيا؟، الحرة، 18 مارس 2023، https://arbne.ws/3LRVY9
- سكانه الأوائل أتراك. تاريخ الدونباس المعقد وقصة روسيا الجديدة التي يريد بوتين استعادتها من أوكرانيا، عربي بوست، 22/2/2022، https://arabicpost.live/%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AA/2022/02/22/%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A8%D8%A7%D8%B3/
المراجع باللغة الإنجليزية
- Documents
- Decree of the President of the Russian On approval of the Foreign Policy Concept of the Russian Federation, President of Russia, 30, 2016, http://www.kremlin.ru/acts/bank/41451
- Decree of the President of the Russian Federation of September 5, 2022 N 611 “On Approval of the Concept of the Humanitarian Policy of the Russian Federation Abroad” (as amended), base garant, 5 SEP 2022, https://base.garant.ru/405240851/#friends
- Decree on approval of the Foreign Policy Concept of the Russian Federation, President of Russia, 31 MAR 2023, http://kremlin.ru/events/president/news/70811
- The concept of foreign policy of the Russian Federation, Security Council of the Russian Federation, 2012, http://www.scrf.gov.ru/security/international/document25/
- Books
- Helge Blakkisrud, Pål Kolstø, Introduction: Exploring Russian nationalisms, January 2018, LINK: https://www.researchgate.net/publication/322926321_Introduction_Exploring_Russian_nationalisms/citations
- Minkov, Michael. Cross-Cultural Analysis: The Science and Art of Comparing the World’s Modern Societies and Their Cultures. Thousand Oaks, CA: SAGE Publications, Inc., chapter 1- p. 10, 2013. https://doi.org/10.4135/9781483384719.
- Taras Kuzio, Russian National Identity and the Russia-Ukraine Crisis, Federal Academy for Security Policy, 2016, https://www.jstor.org/stable/resrep22141
- Wendt, Alexander, “Collective Identity Formation and the International State”, American Political Science Review, 1994, link: https://www.e-ir.info/pdf/6818
- Periodicals
- Ahmet Erdi Ozturk, Religious Soft Power: Definition(s), Limits and Usage, Religions 14: 135, 2023, p.1-3,https://mdpi-res.com/d_attachment/religions/religions-1400135/article_deploy/religions-14-00135.pdf?version=1674033411
- “Culture and International Relations”,The Washington Quarterly, Volume 19, Issue 2 (1996)
- Hassan Khodaverdi, Yosef Shahmohammadi, The Role of Culture in International Relations Theories, International Journal of Political Science, Vol.7, No 3, (pp.94-60), Autumn 2017, LINK: https://journals.iau.ir/article_539712_1a7ddebef566792b07e110c577633948.pdf
- Hassan Khodaverdi, Yosef Shahmohammadi, The Role of Culture in International Relations Theories, International Journal of Political Science, Vol.7, No 3, (pp.94-60), Autumn 2017, link: https://journals.iau.ir/article_539712_1a7ddebef566792b07e110c577633948.pdf
- Jaco Beyers, Religion and culture: Revisiting a close relative, HTS Theological Studies, 73 n.1, 2017, http://www.scielo.org.za/scielo.php?script=sci_arttext&pid=S0259-94222017000100010
- Lena Surzhko Harned, Russian World and Ukrainian Autocephaly: Religious Narratives in Anti-Colonial Nationalism of Ukraine, Religions, 13, 349, 2022, link:
- https://www.researchgate.net/publication/360062861_Russian_World_and_Ukrainian_Autocephaly_Religious_Narratives_in_Anti-Colonial_Nationalism_of_Ukraine
- Liu, Fenghua. “Russia’s Foreign Policy Over the Past Three Decades: Change and Continuity” Chinese Journal of Slavic Studies, vol. 2, no. 1, 2022, pp. 86-99. https://doi.org/10.1515/cjss-2022-0004
- Li & Karakowsky, Do We See Eye-to-Eye? Implications of Cultural Differences for Cross-Cultural Management Research and Practice. The Journal of Psychology, 135(5), 501-517, 2001, https://people.tamu.edu/~i-choudhury/culture.html#:~:text=Culture%20refers%20to%20the%20cumulative,of%20generations%20through%20individual%20and
- Kozdra, M, The boundaries of russian identity: Analysis of the Russkiy Mir concept in contemporary Russian online media. Lingua Cultura, 12(1), 61-66, 2018, link:
- https://media.neliti.com/media/publications/229529-the-boundaries-of-russian-identity-analy-43c3a297.pdf
- Mariam Rawan Abdulla, Culture, Religion, and Freedom of Religion or Belief, The Review of Faith & International Affairs Volume 16- Issue 4, 2018, P.107, https://www.tandfonline.com/doi/epdf/10.1080/15570274.2018.1535033?needAccess=true&role=button.
- Mariam Rawan Abdulla, Culture, Religion, and Freedom of Religion or Belief, The Review of Faith & International Affairs Volume 16- Issue 4, 2018, P.107, https://www.tandfonline.com/doi/epdf/10.1080/15570274.2018.1535033?needAccess=true&role=button
- Nozar Shafiee Ehsan Fallahi, The Church and Religious Diplomacy in Russia’s Foreign Policy, Journal of Iran and Central Eurasia Studies 1, 1 (Spring 2018).
- “Russian Diaspora as a Means of Russian Foreign Policy,” first published in Revista de Științe Politice. Revue des Sciences Politiques, 49,2016, 43-45 http://cis01.central.ucv.ro/revistadestiintepolitice/files/numarul49_2016/10.pdf
- Yanti Dwi Astuti(B), Rahmah Attaymini, and Maya Sandra Rosita Dewi, Digital Media and War: Social Mediaas a Propaganda Tool for the Russia-UkraineConflict in the Post-truth Era, Research Gate, Dec 2022, https://www.researchgate.net/publication/368496869_Digital_Media_and_War_Social_Media_as_a_Propaganda_Tool_for_the_Russia-Ukraine_Conflict_in_the_Post-truth_Era#fullTextFileContent
- Zhu Majie, Contemporary Culture and International Relations, Yu Xintian, Cultural Impact on International Relations, Cultural Heritage and Contemporary Change Series III, Asia, Volume 21, link: https://www.crvp.org/publications/Series-III/III-20.pdf
- Articles
- Pål Kolstø, The New Russian Nationalism: Imperialism, Ethnicity and Authoritarianism 2000–2015, Edinburgh University Press, 2015, p. 1, 2. https://www.jstor.org/stable/10.3366/j.ctt1bh2kk5.7
websites
- Culture and Civilisation, UNACADEMY, https://unacademy.com/content/nda/study-material/indian-history/culture-and-civilization/#:~:text=Culture%20denotes%20the%20ideas%2C%20customs,civilisation%20is%20what%20we%20have.
- Culture and Civilisation, UNACADEMY, https://unacademy.com/content/nda/study-material/indian-history/culture-and-civilization/#:~:text=Culture%20denotes%20the%20ideas%2C%20customs,civilisation%20is%20what%20we%20have
- Disinformation and Russia’s war ofaggression against Ukraine:Threats and governance responses, OECD, 03 November 2022, LINK: https://www.oecd.org/ukraine-hub/policy-responses/disinformation-and-russia-s-war-of-aggression-against-ukraine-37186bde/#section-d1e26
- Dominique Geissler, Dominik Bär, Nicolas Pröllochs, and Stefan Feuerriegel, Russian propaganda on social media during the 2022 invasion of Ukraine, LMU Munich, Munich, Germany, University of Giessen, Germany, 27 Mar 2023, link: https://arxiv.org/pdf/2211.04154.pdf
- Danila Galperovich, “Reaching Out to the Disengaged”: Russian Independent Media During the War, golosameriki, 5 May 2022, https://www.golosameriki.com/a/press-freedom-russian-journalists/6557864.html
- Elina Lange Ionatamishvili, ANALYSIS OF RUSSIA’S INFORMATION CAMPAIGN AGAINST UKRAINE, NATO StratCom Centre of Excellence (COE), 2015, P.11, LINK: https://stratcomcoe.org/cuploads/pfiles/russian_information_campaign_public_12012016fin.pdf
- Filip Noubel, What does “Russian World” stand for in Putin’s statements about Ukraine?, GLOBALVOICES, 26 FEB 2022, https://globalvoices.org/2022/02/26/what-does-russian-world-stand-for-in-putins-statements-about-ukraine/
- Fred Weir, Russia says it is fighting Nazis in Ukraine. It doesn’t mean what you think, The Christian Science Monitor, 20 April 2022, https://www.csmonitor.com/World/Europe/2022/0420/Russia-says-it-s-fighting-Nazis-in-Ukraine.-It-doesn-t-mean-what-you-think
- Fabian Burkhardt, Russia’s “Passportisation” of the Donbas, Stiftung Wissenschaft und Politik, 3 Aaugust 2020, https://www.swp-berlin.org/10.18449/2020C41/
- Grigor Atanesian, Russia in Africa: How disinformation operations target the continent, BBC NEWS. 1 Feb 2023, https://www.bbc.com/news/world-africa-64451376
- How Culture Affects Religion, UNACADEMY, https://unacademy.com/content/nda/study-material/geography/how-culture-affects-religion/
- Ilya Budraitskis, The Birth and Death of the “Russian World”: a History of the Concept, LEFTEAST, 20 JUN 2022, https://lefteast.org/the-birth-and-death-of-the-russian-world-a-history-of-the-concept/
- Luke Harding, ‘A generational shift’: war prompts Ukrainians to embrace their language, The Guardian, 6 Mar 2023, https://www.theguardian.com/world/2023/mar/06/russia-ukrainians-embrace-language-war
- Oleksii Polegkyi and Dmytro Bushuyev, Russian foreign policy and the origins of the “Russian World”, ukrainian-studies.ca, 6 SEP 2022, https://ukrainian-studies.ca/
- Pracin Jain, Culture is what we are, civilisation is what we have, THE TIMES OF INDIA, 11 JAN 2021, https://timesofindia.indiatimes.com/readersblog/pracin-jain-academy/culture-is-what-we-are-civilisation-is-what-we-have-29013/
- Paweł Rojek, Will Russian Nationalism Ultimately Strangle Russian Imperialism?, church life journal, 16 MAR 2022, https://churchlifejournal.nd.edu/articles/will-russian-nationalism-ultimately-strangle-russian-imperialism/
- Russia has issued 720,000 fast-track passports in separatist-held areas of eastern Ukraine, Euro News, 17 FEB 2022, https://www.euronews.com/2022/02/17/russia-has-issued-720-000-fast-track-passports-in-separatist-held-areas-of-eastern-ukraine
- Russia’s leaders use state media as a political weapon, Share America , Jan 21, 2022, https://share.america.gov/russia-leaders-use-state-media-political-weapon/
- Russia’s Systematic Program for the Re-education and Adoption of Ukraine’s Children, conflict observatory, 14 Feb 2023, https://hub.conflictobservatory.org/portal/apps/sites/#/home/pages/children-camps-1
- Regina Elsner, Tobias Köllner, The Role of Religion in Contemporary Russia and for the War in Ukraine, BLOGS, March 17th, 2022, https://blogs.lse.ac.uk/religionglobalsociety/2022/03/the-role-of-religion-in-contemporary-russia-and-for-the-war-in-ukraine/
- Russia’s war on Ukraine: The Kremlin’s use of religion as a foreign policy instrument, European Parliamentary Research Service, 20 May 2022, https://epthinktank.eu/2022/05/20/russias-war-on-ukraine-the-kremlins-use-of-religion-as-a-foreign-policy-instrument/
- Roman Goncharenko, Stepan Bandera: Hero or Nazi collaborator?, DW, 22/5/2022, https://www.dw.com/en/stepan-bandera-ukrainian-hero-or-nazi-collaborator/a-61842720
- Shannon Bond, How Russia is losing — and winning — the information war in Ukraine, npr, 28 Feb 2023, https://www.npr.org/2023/02/28/1159712623/how-russia-is-losing-and-winning-the-information-war-in-ukraine
- Spencer-Oatey, H., What is culture? A compilation of quotations. GlobalPAD Core Concepts. Available at GlobalPAD Open House, 2012, p.1 http://www2.warwick.ac.uk/fac/soc/al/globalpad/interculturalskills/
- SARAH EL DEEB, ANASTASIIA SHVETS and ELIZAVETA TILNA, How Moscow grabs Ukrainian kids and make them Russians, AP News, 17 MAR 2023, https://apnews.com/article/ukrainian-children-russia-7493cb22c9086c6293c1ac7986d85ef6
- What Is Behind Russia’s Passportization of Donbas, Warsaw Institute, 7 May 2021, https://warsawinstitute.org/behind-russias-passportization-donbas/
[1] Liu, Fenghua. “Russia’s Foreign Policy over the Past Three Decades: Change and Continuity” Chinese Journal of Slavic Studies, vol. 2, no. 1, 2022, pp. 86-99. https://doi.org/10.1515/cjss-2022-0004
[2] رغدة البهي، الدين والقوة الناعمة الروسية: دراسة حالتي أوكرانيا ولاتفيا، المركز الديموقراطي العربي، العدد الثالث، 2017، لينك: https://democraticac.de/?p=46756
[3] المرجع السابق
[4] علي سالم أحمد، القوة والثقافة وعالم ما بعد الحرب الباردة هل باتت المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية شيئاً من الماضي، المجلة العربية للعلوم السياسية، الجمعية العربية للعلوم السياسية، ال عدد20، 2008، 119-136. الرابط، https://0c10g1tgx-1105-y-https-search-mandumah-com.mplbci.ekb.eg/Record/461201
إكرام بركان، تحليل النزاعات المعاصرة في ظل البعد الثقافي في العلاقات الدولية، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، جامعة الحاج لخضر بانتة، كلية الحقوق، 2010، الرابط: https://bit.ly/3kKAhPw
[5] Hassan Khodaverdi, Yosef Shahmohammadi, The Role of Culture in International Relations Theories, International Journal of Political Science, Vol.7, No 3, (pp.94-60), Autumn 2017, available at https://journals.iau.ir/article_539712_1a7ddebef566792b07e110c577633948.pdf
Wendt, Alexander, “Collective Identity Formation and the International State”, American Political Science Review, 1994: available at https://www.e-ir.info/pdf/6818
[6] Zhu Majie, Contemporary Culture and International Relations, Yu Xintian, Cultural Impact on International Relations, Cultural Heritage and Contemporary Change Series III, Asia, Volume 21, available at https://www.crvp.org/publications/Series-III/III-20.pdf .
“Culture and International Relations”,The Washington Quarterly, Volume 19, Issue 2 (1996)
[7] Helge Blakkisrud, Pål Kolstø, Introduction: Exploring Russian nationalisms, January 2018, https://www.researchgate.net/publication/322926321_Introduction_Exploring_Russian_nationalisms/citations
Lena Surzhko Harned, Russian World and Ukrainian Autocephaly: Religious Narratives in Anti-Colonial Nationalism of Ukraine, Religions, 13, 349, 2022https://www.researchgate.net/publication/360062861_Russian_World_and_Ukrainian_Autocephaly_Religious_Narratives_in_Anti-Colonial_Nationalism_of_Ukraine
Kozdra, M, The boundaries of russian identity: Analysis of the Russkiy Mir concept in contemporary Russian online media. Lingua Cultura, 12(1), 61-66, 2018
[8] عبد الكريم سبع، ميلود عامر حج، دور الكنيسة الأرثوذكسية في توجيه السياسة الخارجية الروسية، مجلة المقدمة للدراسات الإنسانية والاجتماعية، المجلد 7، العدد 1، ص.99-112، 2022.
رغدة البهي، مرجع سبق ذكره.
[9] عبد الحق بن جديد، القوة الناعمة الروسية في منطقة كومنولث الدول المستقلة: المصادر والأدوات، مجلة آفاق للعلوم، المجلد 1، العدد الثامن، 2017.
نرمين عزت عوض حنا، الاستمرار والتغير في السياسة الخارجية الروسية تجاه دول آسيا الوسطي والقوقاز (1991-2010)، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في العلوم السياسية، 2013.
عمرو حسن هاشم، دور الأداة العسكرية في السياسة الخارجية الروسية دراسة حالتي (جورجيا-أوكرانيا) في الفترة من 2008-2014، رسالة مقدمة لاستكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير في العلوم السياسية، 2017.
[10] إكرام بركان، تحليل النزاعات المعاصرة في ظل البعد الثقافي في العلاقات الدولية، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، جامعة الحاج لخضر بانتة، كلية الحقوق، 2010، ص. 46،47، اللينك: https://bit.ly/3kKAhPw
[11] Hassan Khodaverdi, Yosef Shahmohammadi, The Role of Culture in International Relations Theories, International Journal of Political Science, Vol.7, No 3, (pp.94-60), Autumn 2017, link: https://journals.iau.ir/article_539712_1a7ddebef566792b07e110c577633948.pdf
[12] حنان دريسي، النظرية البنائية في العلاقات الدولية، مجلة مدارات سياسية، المجلد 5/ العدد 2، ص. 239-253، 2021، اللينك:
https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/429/5/2/172511
[13] المرجع السابق.
النظرية البنائية ودورها في تعزيز الأمن العراقي (دراسة تحليلية)، المركز الديموقراطي العربي، يناير 2022، اللينك: https://democraticac.de/?p=79668
[14] زيد سليمان العدوان، أحمد عيسى داود، النظرية البنائية الاجتماعية وتطبيقاتها في التدريس، مركز ديبونو لتعليم التفكير، 2016، 61-26، https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%87-0-pdf
[15] Gregory. F. Treverton and seth G. Jones, “measuring national power”, USA: Rand corporation, 2005, p 1-5.
سماح عبد الصبور، القوة الذكية في السياسة الخارجية (دراسة في أدوات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه لبنان 2005-2013)، 2014، ص.
16-18
على جلال عبد الله معوض، القوة الناعمة كأداة للسياسة الخارجية دراسة حالة لسياسة تركيا تجاه المنطقة العربية في عهد حكومات العدالة والتنمية 2002-2012، رسالة مقدمة للحصول على درجة الدكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2017، 42-45، https://drive.google.com/file/d/1OcPkun1K_X15P8t3w6Fqgvbip1RSbkFs/view?pli=1
[16] د. علي جلال معوض، مفهوم القوة الناعمة وتحليل السياسة الخارجية، مكتبة الإسكندرية، مركز الدراسات الاستراتيجية، 2019، ص.11-12-13، https://www.bibalex.org/Attachments/Publications/Files/2019021809593447089_Final.pdf
[17] رشا ناصر العلي، الأبعاد الثقافية للسرديات النسوية المعاصرة في الوطن العربي (1990-2005)، رسالة مقدمة للحصول على درجة الدكتوراه في الآداب، جامعة عين شمس، كلية الآداب، 2009، ص. 31،32، https://bit.ly/3OxGI50
[18] المرجع السابق، ص.30
[19] المرجع السابق، ص. 31
[20] مفهوم الهوية، مؤسسة لجان العمل الصحي، ص.3، https://sf1a086ba06e19ff6.jimcontent.com/download/version/1395849397/module/5871342762/name/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D9%8A%D8%A9.pdf
[21] شريفة بربجة، مفهوم الهوية: النشأة والتطور في تاريخ أوروبا الحديث مقاربة سوسيو-أنثروبولوجيا، مجلة أنثروبولوجيا، مجلد 7، عدد 2، 2021، ص. 130، https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticlepdf/79/7/2/170494
[22] المرجع السابق، 131
[23] المرجع السابق، 131.
[24] Ahmet Erdi Ozturk, Religious Soft Power: Definition(s), Limits and Usage, Religions 14: 135, 2023, p.1-3, link: https://mdpi-res.com/d_attachment/religions/religions-14-00135/article_deploy/religions-14-00135.pdf?version=1674033411
[25] . عربي لادمي محمد، السياسة الخارجية: دراسة في المفاهيم والتوجهات والمحددات، المركز الديموقراطي العربي، 27 ديسمبر 2016، https://www.democraticac.de/?p=41719، 31/1/2023.
[26] المرجع السابق.
[27] المرجع السابق.
[28] Minkov, Michael. Cross-Cultural Analysis: The Science and Art of Comparing the World’s Modern Societies and Their Cultures. Thousand Oaks, CA: SAGE Publications, Inc., chapter 1- p. 10, 2013. https://doi.org/10.4135/9781483384719.
[29] Li & Karakowsky, Do We See Eye-to-Eye? Implications of Cultural Differences for Cross-Cultural Management Research and Practice. The Journal of Psychology, 135(5), 501-517, 2001.
[30] Spencer-Oatey, H., What is culture? A compilation of quotations. GlobalPAD Core Concepts. Available at GlobalPAD Open House, 2012, p.1 http://www2.warwick.ac.uk/fac/soc/al/globalpad/interculturalskills/
[30] Minkov, Michael, Ibid, chapter 1- p. 11, 2013. https://doi.org/10.4135/9781483384719.
[31] Ibid, p.1.
[32] Ibid, p.1.
[33] Minkov, Michael, Ibid, chapter 1- p. 11, 2013. https://doi.org/10.4135/9781483384719.
[34] Pracin Jain, Culture is what we are, civilisation is what we have, THE TIMES OF INDIA, 11 JAN 2021, https://timesofindia.indiatimes.com/readersblog/pracin-jain-academy/culture-is-what-we-are-civilisation-is-what-we-have-29013/
[35] Culture and Civilisation, UNACADEMY, https://unacademy.com/content/nda/studymaterial/indianhistory/cultureandcivilization/#:~:text=Culture%20denotes%20the%20ideas%2C%20customs,civilisation%20is%20what%20we%20have .
[36] Mariam Rawan Abdulla, Culture, Religion, and Freedom of Religion or Belief, The Review of Faith & International Affairs Volume 16- Issue 4, 2018, P.107, https://www.tandfonline.com/doi/epdf/10.1080/15570274.2018.1535033?needAccess=true&role=button
[37] Jaco Beyers, Religion and culture: Revisiting a close relative, HTS Theological Studies, vol.73 n.1, 2017, http://www.scielo.org.za/scielo.php?script=sci_arttext&pid=S0259-94222017000100010
[38] How Culture Affects Religion, UNACADEMY, https://unacademy.com/content/nda/study-material/geography/how-culture-affects-religion/
[39] Ibid.
[40] أماني محمود غانم، البعد الثقافي في دراسة العلاقات الدولية (دراسة في الخطاب حول صدام الحضارات)، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في العلوم السياسية، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ص.96-97.
[41] د. نادية محمود مصطفي، جدالات حوار/صراع الحضارات: إشكالية العلاقة بين السياسي-الثقافي في خطابات عربية وإسلامية، مركز الحضارة للدراسات السياسية، ص.1، https://faculty.ksu.edu.sa/sites/default/files/jdl_hwr_lhdrt.pdf
[42] نزار الفراوي، الثقافة والقوة الناعمة حروب الأفكار في السياسة الخارجية، مركز برق للأبحاث والدراسات، 2016، ص.3، https://bit.ly/44JJaea
[43] د. أماني محمود غانم، مرجع سابق، ص. 117.
[44] د. أماني محمود غانم، مرجع سابق، ص. 118.
[45] د. أماني محمود غانم، مرجع سابق، ص. 118،119.
[46]Pål Kolstø, The New Russian Nationalism: Imperialism, Ethnicity and Authoritarianism 2000–2015, Edinburgh University Press, 2015, p. 1, 2. https://www.jstor.org/stable/10.3366/j.ctt1bh2kk5.7
[47] by Paweł Rojek, Will Russian Nationalism Ultimately Strangle Russian Imperialism?, church life journal, 16 MAR 2022, https://churchlifejournal.nd.edu/articles/will-russian-nationalism-ultimately-strangle-russian-imperialism/
[48]Taras Kuzio, Russian National Identity and the Russia-Ukraine Crisis, Federal Academy for Security Policy, 2016, P.3, https://www.jstor.org/stable/resrep22141
[49] Ilya Budraitskis, The Birth and Death of the “Russian World”: a History of the Concept, LEFTEAST, 20 JUN 2022, https://lefteast.org/the-birth-and-death-of-the-russian-world-a-history-of-the-concept/
[50] Oleksii Polegkyi and Dmytro Bushuyev, Russian foreign policy and the origins of the “Russian World”, ukrainian-studies.ca, 6 SEP 2022, https://ukrainian-studies.ca/
[51] Filip Noubel, What does “Russian World” stand for in Putin’s statements about Ukraine?, GLOBALVOICES, 26 FEB 2022, https://globalvoices.org/2022/02/26/what-does-russian-world-stand-for-in-putins-statements-about-ukraine/
[52] Regina Elsner, Tobias Köllner, The Role of Religion in Contemporary Russia and for the War in Ukraine, BLOGS
March 17th, 2022, https://blogs.lse.ac.uk/religionglobalsociety/2022/03/the-role-of-religion-in-contemporary-russia-and-for-the-war-in-ukraine/
[53] Nozar Shafiee Ehsan Fallahi, The Church and Religious Diplomacy in Russia’s Foreign Policy, Journal of Iran and Central Eurasia Studies 1, 1 (Spring 2018), P.96,
[54] Regina Elsner, Tobias Köllner, Ibid, https://blogs.lse.ac.uk/religionglobalsociety/2022/03/the-role-of-religion-in-contemporary-russia-and-for-the-war-in-ukraine/
[55] Russia’s war on Ukraine: The Kremlin’s use of religion as a foreign policy instrument, European Parliamentary Research Service, 20 May 2022, https://epthinktank.eu/2022/05/20/russias-war-on-ukraine-the-kremlins-use-of-religion-as-a-foreign-policy-instrument/
[56] Ibid.
[57] عبد الحق بن جديد، القوة الناعمة الروسية في منطقة كومنولث الدول المستقلة: المصادر والأدوات، مجلة آفاق للعلوم، المجلد 1، العدد الثامن، 2017، ص. 300.
[58] Luke Harding, ‘A generational shift’: war prompts Ukrainians to embrace their language, The Guardian, 6 Mar 2023, https://www.theguardian.com/world/2023/mar/06/russia-ukrainians-embrace-language-war
[59] Elina Lange Ionatamishvili, ANALYSIS OF RUSSIA’S INFORMATION CAMPAIGN AGAINST UKRAINE, NATO StratCom Centre of Excellence (COE), 2015, P.11, LINK: https://stratcomcoe.org/cuploads/pfiles/russian_information_campaign_public_12012016fin.pdf
[60] Ibid, P.12.
[61] Danila Galperovich, “Reaching Out to the Disengaged”: Russian Independent Media During the War, golosameriki, 5 May 2022, https://www.golosameriki.com/a/press-freedom-russian-journalists/6557864.html
[62] Ibid.
[63] “Russian Diaspora as a Means of Russian Foreign Policy,” first published in Revista de Științe Politice. Revue des Sciences Politiques, 49,2016, 43-45 http://cis01.central.ucv.ro/revistadestiintepolitice/files/numarul49_2016/10.pdf
[64] Ibid.
[65] The concept of foreign policy of the Russian Federation, Security Council of the Russian Federation, 2012, http://www.scrf.gov.ru/security/international/document25/
[66] Decree of the President of the Russian On approval of the Foreign Policy Concept of the Russian Federation, President of Russia, 30, 2016, http://www.kremlin.ru/acts/bank/41451
[67] Ibid.
[68] Ibid.
[69] Decree of the President of the Russian Federation of September 5, 2022 N 611 “On Approval of the Concept of the Humanitarian Policy of the Russian Federation Abroad” (as amended), base garant, 5 SEP 2022, https://base.garant.ru/405240851/#friends
[70] Ibid.
[71] Ibid.
[72] Ibid.
[73] Decree on approval of the Foreign Policy Concept of the Russian Federation, President of Russia, 31 MAR 2023,
http://kremlin.ru/events/president/news/70811
[74] Ibid.
[75] Decree of the President of the Russian Federation of September 5, 2022 N 611 “On Approval of the Concept of the Humanitarian Policy of the Russian Federation Abroad” (as amended),Ibid, https://base.garant.ru/405240851/#friends
[76] Ibid.
[77] Ibid.
[78] Decree on approval of the Foreign Policy Concept of the Russian Federation, Ibid,
http://kremlin.ru/events/president/news/70811
[79] Ibid.
[80] Ibid.
[81] By Fred Weir, Russia says it’s fighting Nazis in Ukraine. It doesn’t mean what you think, The Christian Science Monitor, 20 April 2022, https://www.csmonitor.com/World/Europe/2022/0420/Russia-says-it-s-fighting-Nazis-in-Ukraine.-It-doesn-t-mean-what-you-think
[82] Roman Goncharenko, Stepan Bandera: Hero or Nazi collaborator?, DW, 22/5/2022, https://www.dw.com/en/stepan-bandera-ukrainian-hero-or-nazi-collaborator/a-61842720
[83] Elina Lange Ionatamishvili, Ibid, P. 17, LINK: https://stratcomcoe.org/cuploads/pfiles/russian_information_campaign_public_12012016fin.pdf
[84] Elina Lange Ionatamishvili, Ibid, P. 18, LINK: https://stratcomcoe.org/cuploads/pfiles/russian_information_campaign_public_12012016fin.pdf
[85] Ibid, P. 20, LINK: https://stratcomcoe.org/cuploads/pfiles/russian_information_campaign_public_12012016fin.pdf
[86] Ibid, P. 21-22, LINK: https://stratcomcoe.org/cuploads/pfiles/russian_information_campaign_public_12012016fin.pdf
[87] Shannon Bond, How Russia is losing — and winning — the information war in Ukraine, npr, 28 Feb 2023, https://www.npr.org/2023/02/28/1159712623/how-russia-is-losing-and-winning-the-information-war-in-ukraine
[88] Disinformation and Russia’s war of aggression against Ukraine: Threats and governance responses, OECD, 03 November 2022, LINK: https://www.oecd.org/ukraine-hub/policy-responses/disinformation-and-russia-s-war-of-aggression-against-ukraine-37186bde/#section-d1e26
[89] By Grigor Atanesian, Russia in Africa: How disinformation operations target the continent, BBC NEWS. 1 Feb 2023, https://www.bbc.com/news/world-africa-64451376
[90] Yanti Dwi Astuti(B), Rahmah Attaymini, and Maya Sandra Rosita Dewi, Digital Media and War: Social Mediaas a Propaganda Tool for the Russia-UkraineConflict in the Post-truth Era, Research Gate, Dec 2022, p. 24,
[91] Ibid, p. 25.
[92] Dominique Geissler, Dominik Bär, Nicolas Pröllochs, and Stefan Feuerriegel, Russian propaganda on social media during the 2022 invasion of Ukraine, LMU Munich, Munich, Germany, University of Giessen, Germany, 27 Mar 2023, link: https://arxiv.org/pdf/2211.04154.pdf
[93] Russia’s leaders use state media as a political weapon, Share America , Jan 21, 2022, https://share.america.gov/russia-leaders-use-state-media-political-weapon/
[94] Elina Lange Ionatamishvili, Ibid, P.12-13, LINK: https://stratcomcoe.org/cuploads/pfiles/russian_information_campaign_public_12012016fin.pdf
[95] “جرائم حرب بوتين”. من هم الأطفال الأوكرانيون الذين “خطفتهم” روسيا؟، الحرة، 18 مارس 2023، https://arbne.ws/3LRVY9N
[96] Russia’s Systematic Program for the Re-education and Adoption of Ukraine’s Children, conflict observatory, 14 Feb 2023, https://hub.conflictobservatory.org/portal/apps/sites/#/home/pages/children-camps-1
[97] SARAH EL DEEB, ANASTASIIA SHVETS and ELIZAVETA TILNA, How Moscow grabs Ukrainian kids and make them Russians, AP News, 17 MAR 2023, https://apnews.com/article/ukrainian-children-russia-7493cb22c9086c6293c1ac7986d85ef6
[98] Fabian Burkhardt, Russia’s “Passportisation” of the Donbas, Stiftung Wissenschaft und Politik, 3 Aaud 2020, https://www.swp-berlin.org/10.18449/2020C41/
[99] What Is Behind Russia’s Passportization of Donbas, Warsaw Institute, 7 May 2021, https://warsawinstitute.org/behind-russias-passportization-donbas/
[100] Russia has issued 720,000 fast-track passports in separatist-held areas of eastern Ukraine, Euro News, 17 FEB 2022, https://www.euronews.com/2022/02/17/russia-has-issued-720-000-fast-track-passports-in-separatist-held-areas-of-eastern-ukraine
[101] سكانه الأوائل أتراك.. تاريخ الدونباس المعقد وقصة روسيا الجديدة التي يريد بوتين استعادتها من أوكرانيا، عربي بوست، 22/2/2022، https://arabicpost.live/%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AA/2022/02/22/%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A8%D8%A7%D8%B3/
[102] المرجع السابق.
[103] Filip Noubel, Ibid , https://globalvoices.org/2022/02/26/what-does-russian-world-stand-for-in-putins-statements-about-ukraine/
.
رابط المصدر: