كوني ممن يؤمن بضرورة أن يكون للدين دور في الدولة والحياة السياسية كي نستفيد من الرؤى التي طرحتها السماء بشكل يضمن للجميع حقوقهم وفق ما يريده الله العادل لا البشر الذين يميلون بأي شكل من الأشكال الى أهوائهم ، وهذا الإيمان بهذه النظرية يدفعني الى ضرورة أن تكون هناك آلية ووسيلة لأداء هذا الدور بأفضل شكل لتحقيق العدالة في المجتمع ، ومن أبرز وأنجح هذه الآليات هو الحزب السياسي وفق منظور ديني .
أما النظر الى الأحزاب – كآلية – نظرة سلبية فهذا يكون عادة من اشخاص لا يحملون هم المسؤولية ويريدون أن يتنعمون بالعدالة من دون أن يبذلوا أي جهد بحجة زهدهم في المناصب ، او أنهم يحملون هم المسؤولية إلا انهم لا يعرفون كيف يفعّلون هذا الهم على أرض الواقع والاستفادة منه في إحداث تغيير نحو الأفضل ، فهم في الوقت الذي يرفضون الأحزاب فإنهم يلجأون إليهم في الانتخابات وقضاء احتياجاتهم وتشجيعهم والترويج لهم في كثيرمن الأحيان .
المشكلة الحقيقية في تشكيل الأحزاب هو الواقع الذي نتج عن سوء إدارة الأحزاب السياسية – دينية وغير دينية – للدولة ، ولكن هذا لا يعني رفض أصل فكرة تاسيس الحزب ، وإنما هذا دافع لتأسيس حزب يكون هو الأفضل من بين الجميع ما دام الجميع قد فشلوا ، وهذه مسؤولية إضافية لمن يشعر بهم التغيير وإحقاق الحق ، فليس من المعقول أن يريد الفرد إصلاح الوضع القائم الفاسد بسبب وجود أحزاب فاسدة على راس السلطة وهو رافض أن يدخل المعترك ويتغلب عليهم ، فإن كان لا يستطيع الدخول الى هذه الساحة والتنافس فمن باب أولى أن يعذر المتصدين لأنه يرى صعوبة ذلك ، وإن كان يرى صعوبة المحافظة على دينه ومبادئه وأخلاقه وضميره عند الدخول الى هذه الحلبة فعليه أن لا يرفض أصل الفكرة وإنما يرفضها كتطبيق فقط .
وحتى لا نبتعد عن أصل الموضوع ، فإن الأحزاب الإسلامية باعتبارها أبرز الأحزاب الدينية أرادت أن تمثل الإسلاميين في الحياة السياسية لكون الدين له حضور فطري في وجدان الإنسان المسلم ، ولكن هذه الأحزاب وقعت بين إفراط وتفريط ، فالحزب الإسلامي هو منظمة جماهيرية لها برامج وخطط آنية ومستقبلية لإدارة الدولة وإدارة أزماتها الاقتصادية والأمنية والاجتماعية إضافة الى الأزمات السياسية وإيجاد حلول لها ، كل ذلك وفق منظور إسلامي وقواعد وضوابط شرعية أو على الأقل أن لا تخرج عن الأطر الشرعية التي بينها الدين الإسلامي .
والإنسان المؤمن يرى عملياً احتياجه للاستفتاءات الشرعية الابتلائية البسيطة مثل الطهارة وغيرها من العبادات الفردية التي مهما عظمت فتأثيرها إذا فسدت وبطلت تنعكس على صاحبها دون غيره ، ولا يمكنه الرجوع لأي رجل دين إلا أن يعلم وثاقته وعلمه بحيث يعكس رأي مرجع تقليده ، فوفق المذهب الجعفري إن كل عمل باطل بلا تقليد ، ومن هنا نعرف ونستنتج أن إيجاد مؤسسة تقوم بهذه الأعمال المهمة والمصيرية في حياة الأمة وهي الحزب السياسي من دون الرجوع الى فقيه له رؤى دينية للحياة السياسية أمر في غاية الخطورة ، وخطورة هذا العمل سينعكس على الدولة والمجتمع وليس على الحزب فقط .
لذلك وقعت الأحزاب الإسلامية في هذا المأزق على غفلة من عامة الناس ، فقد تورطت بالتصدي الى إدارة الدولة من دون أن يكون على رأس هرمها فقيه ومرجع له الأمر والنهي في كل مفاصل الحزب الى حد أن يحله ، وهذا يجعلها أحزاباً عادية وليست دينية أو إسلامية كما تدعي ، ربما يمكننا أن نقول أنها أحزاب تدار من أشخاص متدينيين وذوي اتجاهات إسلامية ، ولكن إطلاق صفة (الإسلامية) عليها فهذا خطأ فادح ، ولو افترضنا أن هذه الأحزاب قد تمكنت من أن تكون أحزاباً منظمة ومخططة لإدارة الدولة وأزماتها السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية – وهي ليست كذلك – فإنها ليست إسلامية للسبب الذي تقدمنا بذكره .
في مقابل ذلك قد تكون هناك أحزاب إسلامية وفق المنهجية التي ذكرناها ولكن وقعت في مشكلة أخرى وهي عدم قدرتها على إدارة الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية المناطة بها كما ينبغي ، وليس لها خطط آنية ومستقبلية ورؤى استراتيجية تناسب الواقع ، وتفتقد للعمل المؤسساتي الذي يجب أن تتسم به الأحزاب السياسية من نظام داخلي وشفافية ورمزية المؤسسة بدل رمزية الأشخاص وغير ذلك ، بحيث يمكن أن تموت هذه الأحزاب بموت رمزها ، وهي أقرب الى التيار الشعبي من العمل الحزبي .
وربما يكون الصنف الثاني من الأحزاب أهون من الصنف الأول لأنه قد يتكامل في المستقبل ليصل الى مراحل تجعله مؤسسة يمكن أن تقود الدولة في المستقبل ، ولكن حالياً الصنفان لا يستطيعان إعطاء صورة ناصعة وصحيحة عن الإسلام وقدرته على إدارة الدولة ، وبالتالي يعكسان فشل نظرية (الإسلام يقود الحياة) التي رفعها السيد محمد باقر الصدر قدس سره وترفعها – نظرياً – كل الأحزاب الإسلامية الشيعية .
