يشهد الاقتصاد العراقي عدم استقرار في معدل سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي، ويمثل هذا الاستقرار أحد أهم أساسيات السياسات النقدية من خلال ارتباطه بعلاقات اقتصادية متعددة ما بين فروع مختلفة من السياسة الاقتصادية النقدية والمالية والتجارية وغيرها، على الرغم من محاولات البنك المركزي العراقي الجادة لإعادة الاستقرار إلى السوق المعني، لكن الإجراءات لن تأتي نتائجها بسرعة لسببين:
الأول: أن طبيعة السياسة النقدية لا تحقق أهدافها، إلا بعد مرور فترة زمنية ليست قليلة، وهذا ما يسمى بالتباطؤ الزمن (Time Lag)، وهذا يتراوح ما بين 12- 24 شهراً.
الثاني: هناك تداخلات كبيرة ترتبط باستقرار سعر الصرف، بحيث يكون مستقراً ومساوياً السعر في السوق منها عمليات تزوير فواتير الاستيراد، غسيل الأموال، التحايل على القوانين، استغلال حقوق المواطنين من أجل تهريب العملة خارج البلد.
بدايةً، شهد الدينار العراقي تقلبات كبيرة، وتذبذباً في قيمته المحلية، وانعكست هذه التقلبات على هيكل الأسعار المحلية، انطلقت شرارتها الأولى بعد فترة من الاستقرار السعري المصحوب باستقرار قيمة الدينار العراقي في 21 كانون الأول/أكتوبر من عام 2020، عندما قام البنك بتخفيض سعر الصرف من 1190 إلى 1450 ديناراً مقابل دولار واحد، بهدف إدارة أفضل للمدفوعات والأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وتم تقدير هبوط قيمة العملة المحلية في السوق بنحو 22% من قيمتها السابقة.
ومما عزز حالة عدم الاستقرار في سوق الصرف قرار البنك المركزي العراقي تعديل سعر الصرف الرسمي مرة أخرى ابتداءً من يوم الأربعاء الموافق 2023/2/8 ليصبح 1320 ديناراً مقابل دولار واحد. وأسفر خفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار عن تداعيات كبيرة، حيث نتج عن ذلك ارتفاعات في أسعار أغلب المواد والخدمات الاستهلاكية والغذائية منها بشكل خاص بنسبة وصلت إلى أكثر من 45%، حسب تقديرات اقتصادية، مما قلل من الرفاهية الاقتصادية للفرد العراقي، وخصوصاً أصحاب الدخل المحدود. الحقيقة أن قرار التخفيض يتوافق مع منطق النظرية الاقتصادية، ولكنه يتعارض مع طبيعة الاقتصاد العراقي؛ حيث إنه جاء في وقت لا تتوفر فيه أسس نجاحه، من حيث وجود قاعدة للصناعة والزراعة يعتد بها، وتوفر بدائل سلعية لكثير من السلع الصناعية والزراعية المستوردة التي ارتفعت أسعارها، كما أن التغيير الذي حصل في سعر الصرف كان فجائياً وليس متدرجاً، وهذا مهم بالنسبة لقرارات السياسة الاقتصادية بين ما يعرف بالعلاج بالصدمة أم التغيير التدريجي للمتغير المستهدف، ولكل واحدة شروطها وظروفها من حيث اعتمادها كجوهر للقرار.
ما سبق ذكره يمثل الجانب الأول من أصل الأزمة، ونستطيع أن نسميها “أزمة القرار الاقتصادي” ونقصد به ذلك التداخل الكبير بين متخذ القرار الاقتصادي والسياسي، وهذه الأسطر لا تسعفنا للخوض بنظرية دورة.
المصدر : https://www.bayancenter.org/2024/06/11270/