د. جليل وادي
لا تُدار الأزمات بالانفعالات والعواطف وردود الأفعال، بل تقتضي مستوى عاليا من العقلانية والواقعية والتروي، لأن القرارات الخاطئة لها أثمان باهظة، قد تمضي بالبلدان الى الحرب وما يترتب عليها من خسائر بشرية واقتصادية، ولكي لا تمضي الأزمات الى نتائج غير محسوبة، صارت الحاجة ماسة لتشكيل فرق لإدارتها والوصول بها الى نقطة من شأنها تحقيق المصالح العليا، ويعني ذلك تأمل طبيعة الأزمة وارتباطاتها ودراسة ما مطروح من بدائل وحساب التداعيات المحتملة.
وبمقارنة الخسائر بالمكاسب يُتخذ قرار الأزمة، هذا ما تقوله أدبيات ادارة الأزمات التي غدت علما يُدرس، ولا يمكن الاستغناء عنه لكل من دخل مجال السياسة، وقد أثبت الالتزام بحقائق هذا العلم صدقيته في الكثير من الأزمات الدولية بدءا من أزمة الصواريخ الكوبية التي حدثت في ستينيات القرن الماضي والتي كادت ان تعصف بالعالم لولا حنكة السياسيين وحسن ادارتهم لتلك الأزمة.
لقد تعامل سياسيونا مع أزمة العدوان غير المسؤول الذي ارتكبته الادارة الامريكية باغتيالها قائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بانفعالية وعشوائية على العكس تماما من التعامل الأمريكي والايراني الذي مازال حتى ساعة كتابة هذا المقال تعاملا رشيدا، فبالرغم مما رافق الأزمة من تصعيد اعلامي وسياسي الا انها على المستوى العسكري مازالت تحت السيطرة، وبخاصة من الجانب الايراني الذي لم يستعجل في اتخاذ قرار الرد، اذ أخضع خياراته للدراسة المتأنية، وأبقى باب الاتصال مفتوحا مع الطرف الأمريكي من خلال الرسائل المتبادلة التي ينقلها القائم بالمصالح الأمريكية في طهران السفير السويسري.
ومع ان العراق ليس طرفا في الصراع الأميركي الايراني الا ان حادث الاستهداف شكل أزمة خطيرة له، بحكم كونه منطقة نفوذ للطرفين يتعذر معها فك ارتباط فاعليه السياسيين بهما، بما حول العراق الى ساحة لهذا الصراع واتخاذ بعض من أطرافه السياسية والمسلحة أدوات لإدارة هذه الأزمة، وهذا ما عكسته جلسة مجلس النواب التي لم يحضرها النواب الكرد والسنة، واقتصرت بالدرجة الأساس على النواب الشيعة، ما يكشف عن غياب الرؤية المشتركة لكيفية الخروج من الأزمة من دون أن يطول العراق شيئا من مخاطرها الكارثية التي تلوح بالافق.
وبصرف النظر عن صحة او خطأ القرار الذي طلب أعضاء مجلس النواب من الحكومة اتخاذه عبر ترجمته الى قانون يقضي بإخراج القوات الأجنبية من العراق، فانه بذاته شكل أزمة منفصلة وان كانت ذات ارتباط بالأزمة الايرانية الأمريكية، وهنا نقول: اذا كان المطالبون بخروج القوات الأجنبية من العراق راضين بالنتائج كيفما كانت فذلك بحث آخر، اما اذا أرادوا لإدارة الأزمة ان تحقق النجاح بإبعاد العراقيين عن شبح الحرب فلابد من الاستناد الى مجموعة من المباديء الأساسية منها:
ضرورة توسيع قاعدة دعم قرار الأزمة، اذ تتوقف فاعلية هذا القرار الى حد كبير على ما يتوفر له من دعم خارجي وداخلي، فالأبعاد المحلية والدولية لإدارة الأزمة تقتضي حشد التأييد السياسي اللازم للقرار لدى الدول الحليفة والصديقة والمنظمات العالمية والاقليمية، فضلا عن تحقيق اجماع وطني، والسؤال ما حدود الدعم الذي يحظى به هذا القرار محليا ودوليا، وهل تحول في المرحلة الراهنة الى مطلب شعبي يحظى بقبول مختلف مكونات المجتمع العراقي؟ والجواب لدى من يديرون الأزمة، كما تستند ادارة الأزمات الى مبدأ (عدم احراج الخصم) الذي يحظى بقدسية كبيرة فيها.
لذلك يجب الحرص على عدم احراج الطرف الأمريكي الى الحد الذي لا يجد أمامه مخرجا الا بالجوء الى العنف، وهذا ما نتوقع حدوثه خلال الأسابيع والأشهر القادمة، بخاصة وان الأطراف المطالبة بخروج قواته تضغط باتجاهين أحدهما سياسي والأخر عسكري عبر استهداف سفارته في بغداد بالصواريخ، الأمر الذي سيتخذ منه ذريعة للقيام بأعمال عسكرية مباشرة، او التغاضي عن التحركات التي من المتوقع أن تقوم بها التنظيمات الارهابية، بعد ان أعطى الضوء الأخضر لها من خلال التصريح بتعليق العمليات ضد داعش، ان عدم أخذ هذه المباديء وغيرها بالحسبان قد تذهب بالجميع الى المجهول.
رابط المصدر: