هايدي الشافعي
يشهد السودان حالة من عدم الاستقرار السياسي، تفاقمت بعد الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، إثر الإجراءات التي اتخذها رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021، ومنذ ذلك الحين تصاعدت الاحتجاجات المنددة بهذه الإجراءات في الشارع السوداني، وعلى الرغم من كل المساعٍ الدولية والإقليمية والمحلية لحل الأزمة، إلا أنها لم تنجح في الوصول إلى حل مع اقتراب مرور عام على بدء الأزمة.
محطات رئيسة في الأزمة السودانية
تتمثل أبرز المحطات التي مرت بها الأزمة السياسية في السودان، وكان لها تأثير واضح على مجريات الأمور، في التالي:
1- اتفاق تقاسم السلطة
بعد الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير في أبريل 2019، إثر ثورة شعبية، تصاعدت الخلافات بين المجلس العسكري والقوى المدنية التي قادت الثورة وشاركت فيها، وطالب المجلس العسكري حينها بإجراء انتخابات مبكرة، وهو الأمر الذي رفضه المدنيون خوفًا من عودة النظام السابق في ظل عدم استعداد القوى الثورية لخوض الانتخابات وقتذاك، ووصل الصدام مداه في شهر يونيو من نفس العام بعد أن شن جنود تابعون للجيش وقوات الدعم السريع والشرطة هجومًا على معتصمين أمام مقر القيادة العامة، خلّف عشرات القتلى، ما استدعى تدخل بعض الوسطاء لتهدئة الأوضاع من بينهم الاتحاد الأفريقي ورئيس الوزراء الإثيوبي “أبي أحمد”، وأسفرت المفاوضات في النهاية عن توقيع العسكريين والمدنيين ممثلين في ائتلاف قوى إعلان الحرية والتغيير اتفاقًا لتقاسم السلطة.
نص الاتفاق على فترة انتقالية تقدر بـ 39 شهرًا، وتشكيل “مجلس سيادة” من 11 عضوًا يدير المرحلة الانتقالية، ضم المجلس ستة مدنيين وخمسة عسكريين، على أن يرأس المجلس شخصًا عسكريًا في الـ 21 شهرًا الأولى، والتي تنتهي في نوفمبر 2021، أما الـ 18 شهرًا المتبقية فيرأسها عضو مدني.
وتمّ تعيين عبد الله حمدوك، رئيسًا للحكومة التي لا يتجاوز عدد وزرائها عشرين وزيرًا، وفقا للوثيقة، يعيّنهم رئيس مجلس الوزراء من قائمة مرشحي قوى إعلان الحرية والتغيير، ويعتمدهم مجلس السيادة، باستثناء وزيري الدفاع والداخلية اللذين يرشحهما المكون العسكري بمجلس السيادة. ومن ثم، بموجب هذا الاتفاق أصبح العسكريون وقوى إعلان الحرية والتغيير شركاء في حكم السودان.
2- اتفاق سلام جوبا
وفي 3 أكتوبر 2020، وقعت الحكومة السودانية اتفاق سلام في جوبا مع تحالف من خمس مجموعات متمردة وأربع حركات سياسية، من إقليم دارفور (غرب)، وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، يفترض أن يضع حد للصراعات الدموية التي شهدتها هذه الأقاليم على مدار 17 عامًا، وحضر مراسم التوقيع رؤساء كلٍّ من تشاد وجيبوتي والصومال، إلى جانب رئيسيْ وزراء مصر وإثيوبيا، ووزير الطاقة الإماراتي، والمبعوث الأمريكي الخاص، وممثلين لعدد من الدول الغربية، بجانب قادة السودان، بمن فيهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ورئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ونائب رئيس المجلس السيادي، اللواء محمد حمدان دقلو.
وشمل الاتفاق عدة بروتوكولات، تضمنت: الترتيبات الأمنية الذي ينطوي على دمج جيوش الحركات المسلحة الموقعة على الاتفاقية في القوات المسلحة السودانية، وبروتوكول العدالة الانتقالية، وتعويض المتضررين، وإعادة توزيع الثروة، بالإضافة إلى تنمية قطاع الرعاة والبدو الرحل، وإعادة توزيع الأراضي، وحل قضية النازحين واللاجئين، فضلا عن بروتوكول تقاسم السلطة الذي يضمن للأطراف الموقعة تمثيلًا سياسيًا في الحكومة الانتقالية.
وتناول الاتفاق إلى جانب القضايا القومية، قضايا أخرى متعلقة بالمسارات الخمس: مسار دارفور، ومسار النيل الأزرق وكردفان، ومسار الشرق، ومسار الشمال، ومسار الوسط.
وعلى الرغم من التطلعات المتفائلة حول ما يمكن أن يحققه هذا الاتفاق من استقرار لأطراف السودان، إلى أنه قوبل باعتراضات واحتجاجات واسعة من قوى عديدة في مختلف المسارات، وصلت إلى حد إيقاف مسار الشرق، فضلا عن وجود فصيلين مسلحين رئيسيين لم يوقعا على الاتفاق، وهما: الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال بقيادة “عبد العزيز الحلو”، والتي تشترط قيام دولة علمانية، وحركة تحرير السودان بقيادة “عبد الواحد محمد نور”، التي تقاتل في دارفور، وترفض أي تفاوض مع العسكريين، وهما حركتان لهما قوة على الأرض.
3- التطبيع مع إسرائيل
في 23 أكتوبر 2020، تم الإعلان عن اتفاق لتطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، والذي كان بوابة السودان للخروج من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وما يترتب على ذلك من إزاحة العقوبات الاقتصادية عنها، والاستفادة من قروض المؤسسات الدولية، وفتح الباب أمام الاستثمارات الخارجية، إلى غير ذلك.
وعلى الرغم من المكاسب المحتملة من اتفاق التطبيع السوداني الإسرائيلي، إلا أنه كان بمثابة مسمار في نعش التحالف المدني العسكري الذي كان يقود البلاد، وتنصل رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك من مسؤولية إجراء هذا الاتفاق وألقاها على المكون العسكري، وازدادت الانشقاقات في المكون المدني وانقسم بين مؤيد ومعارض لهذا الاتفاق، ويذكر أن عملية الانشقاقات هذه كانت قد بدأت في مرحلة مبكرة حتى قبل اتفاق التطبيع مع إسرائيل، لكن الاتفاق كان عاملًا مساعدًا آخر لزيادة الانشقاق.
4- المحاولة الانقلابية سبتمبر 2021
ظلّت الأزمة بين المكونين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية، مكتومة لعدة أشهر قبل أن تتفجر في 21 سبتمبر 2021، بعد محاولة انقلاب فاشلة، تسببت في تصاعد الخلافات مرة ثانية بين المدنيين والعسكريين، وبدأ كل طرف يتهم الطرف الآخر بأنه يسعى إلى الانفراد بالسلطة، ويحمل الطرف الأخر المسؤولية عن تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمعيشية، على الرغم من أن الطرفين كانا شريكين في إدارة الدولة حينها، وانتشرت التظاهرات في الشوارع السودانية، التي اتهمت العسكريين بأن محاولة الانقلاب الفاشلة كانت محاولة منهم للمماطلة في تسليم الحكم للمدنيين، في المقابل خرجت تظاهرات مؤيدة للجيش تطالب بحكومة عسكريين.
5- إجراءات أكتوبر.. القشة التي قصمت ظهر البعير
في 25 أكتوبر 2021، بعد أيام قليلة من التظاهرات التي خرجت في 16 أكتوبر تطالب بحل حكومة حمدوك، وقبل شهر واحد من الموعد المتفق عليه في اتفاق تقاسم السلطة لتسليم المدنيين قيادة المرحلة الانتقالية، دخل السودان، مرحلة جديدة من الأزمة إثر اعتقال الجيش لوزراء مدنيين بالحكومة السودانية، ومن بينهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، فضلًا عن أغلب قيادات الصف الأول بالأحزاب السياسية، بجانب السيطرة على مبنى الإذاعة والتليفزيون، وأعلن البرهان حالة الطوارئ بالبلاد وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وإنهاء تكليف ولاة الولايات، وإعفاء وكلاء الوزارات من أعمالهم، وتعليق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية وتجميد عمل لجنة التمكين، فيما أسماه بإجراءات “تصحيح المسار”.
الأمر الذي تم ترجمته على أنه محاولة من البرهان للانفراد بالسلطة والإطاحة بالمدنيين، وخرج الآلاف من المحتجين للتظاهر في محيط القصر الرئاسي والقيادة العامة للجيش رفضًا للاعتقالات، واسترداد البلاد من قبضة العسكريين، وسط ردود فعل دولية وإقليمية منددة بما حدث، مطالبة بالعودة للمسار الديمقراطي وتفعيل بنود الوثيقة الدستورية، والالتزام بتسليم السلطة للمدنيين.
ومنذ ذلك الحين لم تتوقف المظاهرات في الشارع السوداني، حتى بعد عودة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لمنصبه، حقنًا للدماء، بعد الاتفاق الذي وقعه مع البرهان في 21 نوفمبر 2021، ولكن القوى المدنية أعلنت رفضها الاتفاق بين حمدوك والبرهان، وظلت على موقفها الرافض لوجود المكون العسكري في الحكم، أو حتى للتفاوض معه، ما اضطر حمدوك إلى تقديم استقالته في يناير 2022، ليضع الأزمة في السودان على مفترق طرق.
6- مبادرات لرأب الصدع
في محاولة لحل الأزمة السياسية في السودان، ظهرت مبادرات عدة في الأشهر الأخيرة، لكنها لم تحرز أي تقدم ملموس، كان أبرزها: المبادرة الأممية التي طرحها “فولكر بيرتس”، رئيس بعثة “يونيتامس”، في يناير 2022، التي انبثق عنها “الآلية الثلاثية” بعد انضمام ممثلي الاتحاد الأفريقي والايجاد، بالإضافة إلى مبادرة أهل السودان للطيب الجد، ومبادرة الجبهة الثورية، ومبادرة “مالك عقار” رئيس الحركة الشعبية – شمال، ومبادرة هيئة علماء السودان، ومبادرة عضو مجلس السيادة الانتقالي الهادي إدريس، إلى جانب قائمة طويلة من المبادرات، كان آخرها “الآلية الرباعية” التي تضم؛ السعودية والإمارات وبريطانيا وأمريكا، ولا تزال تسعى لتقريب الفرقاء للوصول لاتفاق.
7- مشروع دستور انتقالي
في غضون ذلك، أعلنت نقابة المحامين السودانيين في 7 سبتمبر 2022 عن مشروع دستور انتقالي للسودان، يلبي الكثير من مطالب الشارع السوداني، وتتضمن أهم بنوده إلغاء القرارات المترتبة على إجراءات 25 أكتوبر، وتفكيك نظام الإخوان المسلمين وتجريده من قدراته الاقتصادية، فضلًا عن إقامة دولة مدنية تتبع نظام الحكم الفيدرالي، على ألا تزيد الفترة الانتقالية على عامين، وتنقسم السلطات إلى مجلس سيادة، ومجلس وزراء، ومجلس تشريعي مكون من 300 عضو يملك سلطة تعيين رئيس الوزراء، مع ضرورة ابتعاد المؤسسة العسكرية من العمل السياسي والحكم.
وعلى الرغم من أن مشروع الدستور الانتقالي المطروح يحظى بقبول أطراف دولية عديدة، منها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، إلى جانب أطراف داخلية على رأسها قادة الحركات المسلحة التي لم توقع على اتفاق سلام جوبا، عبد العزيز الحلو وعبد الواحد نور، بالإضافة للجبهة الثورية بقيادة الهادي إدريس، والحزب الاتحادي، إلا أن قوى الإسلام السياسي لن تقبل بمثل هذا الدستور، لأنها بموجب مشروع الدستور هذا تكون مستهدفة بالتفكيك والتجريد من المقدرات الاقتصادية، وبالتالي ستبذل قصارى جهدها لإفشاله.
فضلًا عن ذلك يظل موقف العسكريين من مشروع الدستور موضع تساؤل، فعلى الرغم من ترحيب حميدتي بمشروع الإعلان الدستوري، إلا أن هذا يظل كلامًا مرسلًا دون وجود إثباتات عملية على أن المكون العسكري سيقبل بالوضع الجديد الذي ينص عليه مشروع الدستور الانتقالي.
8- تفاقم الأزمة الاقتصادية
بعد الإطاحة بالبشير، تفاءل الكثير من السودانيين بتحسن أوضاعهم المعيشية، وازداد هذا التفاؤل بعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولكن شيئَا من ذلك لم يتحقق، وعلى العكس ازداد الوضع سوءًا، حيث ارتفعت أسعار السلع الغذائية بشكل كبير، وأسعار الوقود والكهرباء والخدمات، وانهارت قيمة العملة الوطنية، فضلًا عن ارتفاع التضخم، وتبددت آمال السودانيين بأن ينتعش الاقتصاد السوداني، في ظل الاحتجاجات المستمرة، والخلافات السياسية التي تعصف بالاقتصاد، بالإضافة إلى العقوبات التي فُرضت على الدولة بعد إجراءات أكتوبر 2021، فضلًا عن الأزمات الخارجية التي تُفاقم الوضع الاقتصادي المتأزم في البلاد جراء تداعيات أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، ومع استمرار الخلاف بين الفرقاء في السودان من المرجح أن يتجه الاقتصاد السوداني إلى مزيد من التدهور، حيث يمثل الوصول إلى اتفاق ينهي حالة الفرقة بين الأطراف السودانية هو الخطوة الأولى في طريق التعافي الاقتصادي في السودان.
أبرز أطراف الأزمة في السودان
تتعدد أطراف الأزمة في السودان، بشكل يصعب إيجازه، ولكن إجمالًا تتمثل أبرز هذا الأطراف في:
1- المكون العسكري
وهو الطرف الأول والأهم في المعادلة، وينقسم المكون العسكري في مجلس السيادة، إلى شقين، الأول، هو الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والثاني، هو قوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”، و”الدعم السريع” هي قوة مقاتلة تأسست كقوة تابعة لجهاز الأمن والمخابرات، وجرى تشكيلها لمحاربة المتمردين في دارفور، ثم لحماية الحدود لاحقًا، وتواجه اتهامات واسعة بارتكاب انتهاكات.
وبعد إطاحته بالمكون المدني في الحكم في 25 أكتوبر 2021، استفرد المكون العسكري بالحكم، لكنه عاد وتراجع عن خطوته هذه، بعد شهور من الاحتجاجات شبه الأسبوعية، وفي ظل الأزمة الاقتصادية المتصاعدة وتزايد الاشتباكات في أطراف السودان، حيث تعهد البرهان في يوليو 2022، بالتنحي عن السلطة وإفساح المجال أمام القوى السياسية للاتفاق على حكومة مدنية، وهو ما أكد عليه حميدتي مرة ثانية في سبتمبر الجاري، وأبلغ حميدتي والبرهان “الآلية الرباعية” التزام المؤسسة العسكرية بالخروج من العملية السياسية في السودان، حال الوصول لاتفاق سياسي يقضي بتشكيل حكومة كفاءات وطنية من وزراء مستقلين، برئاسة رئيس وزراء مُستقل لا يتبع لأيّة جهة سياسية، يقودون الفترة الانتقالية، وصولًا لانتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب السوداني مَن يحكمه.
لكن العديد من القوى المدنية وعلى رأسها لجان المقاومة، التي تقود المظاهرات، ترى أن هذه التصريحات المتكررة من المكون العسكري ليست سوى مناورة أخرى، وظلت على موقفها الرافض للشراكة مع العسكريين.
2- قوى الحرية والتغيير
في أعقاب الانتفاضة التي قامت على البشير وقعت 89 حركة وحزبًا سياسيًا ومنظمات مجتمع مدني على ميثاق “الحرية والتغيير”، في يناير 2019، وكان أبرز مكوناته “تجمع المهنيين السودانيين”، أحد قادة الحراك ضد البشير، وذلك قبل أن ينشق عنه في يونيو 2020، وتعتبر قوى إعلان الحرية والتغيير هي الشريك المدني مع المكون العسكري في اتفاق تقاسم السلطة، وبعد بداية المرحلة الانتقالية، ومع زيادة الانقسامات والانشقاقات داخل «الحرية والتغيير»، انقسمت الأخيرة إلى شقين:
* الحرية والتغيير – المجلس المركزي
وهو التحالف الحاكم إبان حكومة حمدوك، ويضم أحزاب: التجمع الاتحادي والأمة القومي والبعث العربي والمؤتمر السوداني، وأطلق عليهم السودانيون مجموعة “4 طويلة”، وهو مصطلح يعود لتعبير شعبي متداول «9 طويلة» لوصف سارقي حقائب النساء عن طريق الدراجات البخارية، باعتبار أن هذه المجموعة خطفت الثورة وسرقت قرار الحرية والتغيير.
وربما كانت إجراءات 25 أكتوبر التي قام بها البرهان موجهة في الأساس ضد تحالف الحرية والتغيير -المجلس المركزي، وبالتالي من الطبيعي أن يعارض هذا التحالف الشراكة مع الجيش، كما يطالب بتسليم السلطة لحكومة مدنية، لكنه مع ذلك لا يعارض الجلوس للتفاوض في حد ذاته مع المكون العسكري، وإنما يشترط إطلاق سراح المعتقلين وإلغاء حالة الطوارئ ووقف قمع المتظاهرين، وعدم القبول بمشاركة المؤسسة العسكرية في السلطة السياسية.
* الحرية والتغيير – التوافق الوطني
وهو تحالف يضم حركة العدل والمساواة، والتحالف السوداني للعدالة الاجتماعية، وحركة جيش تحرير السودان، فضلا عن حركات أخرى وقعت على اتفاق سلام جوبا، ويعتبر هذا التحالف مقربًا من قيادات الجيش السوداني، ومؤيد لإجراءات 25 أكتوبر، ويدعو كافة القوى السياسية للمشاركة في الحوار دون شروط.
3- لجان المقاومة الشعبية
تعد لجان المقاومة المحرك الرئيس للشارع السوداني، ورقما مهمًا في المعادلة السياسية في السودان، وقد تشكلت في عام 2013 وتطورت بمرور الوقت، وبحلول ديسمبر 2018 كانت هناك 30 لجنة مقاومة نشطة في مدينة الخرطوم، وقادت اللجان المظاهرات ضد البشير، ووقعت إعلان الحرية والتغيير في يناير 2019 الذي دعا لإقالة البشير، كما كان للجان المقاومة دور كبير في المظاهرات الحاشدة التي ضغطت على المجلس العسكري الانتقالي للتوقيع على اتفاق تقاسم السلطة.
مرة أخرى، بعد إجراءات 25 أكتوبر 2021 التي اتخذها البرهان وأطاحت بالحكومة المدنية، عادت لجان المقاومة لتتصدر المشهد، وخرجت في احتجاجات أسبوعية لم تنقطع حتى الآن للضغط على المكون العسكري لترك الحكم وتسليم السلطة لمدنيين، ورفعت لجان المقاومة سقف المطالب وصولًا لما يسمى بـ اللاءات الثلاث “لا شراكة، لا تفاوض، لا شرعية”، وتسعى لجان المقاومة لتوحيد قوى الثورة في مواجهة المكون العسكري، وعلى الرغم من ردود الأفعال الإيجابية على مساعي لجان المقاومة، ورفض قوى الثورة لإجراءات البرهان إلا أن مطالب هذه القوى منقسمة بين التغيير الجذري، والتغيير السياسي.
4- تحالف قوى التغيير الجذري
وهو تشكيل سياسي جديد دعا إليه الحزب الشيوعي، ويتكون هذا التحالف إلى جانب الحزب الشيوعي السوداني، من تجمع المهنيين السودانيين، وتحالف مزارعي الجزيرة، وهيئة محامي دافور، وميثاق الشهداء.
وهو كما موضح من اسمه يطالب بالتغيير الجذري في السودان، حيث يدعو إلى إسقاط السلطة الحالية ويرفض أي تفاوض مع الجيش، رافعا شعار اللاءات الثلاث التي ترفعها لجان المقاومة الشعبية.
5- الجبهة الثورية
تتكون «الجبهة الثورية» من أربع حركات مسلحة رئيسة وقَّعت على اتفاق سلام جوبا مع الحكومة السودانية، وهم: «حركة العدل والمساواة» التي يتزعمها وزير المالية جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي» بقيادة الهادي إدريس، و«تجمع قوى تحرير السودان» بقيادة الطاهر حجر، و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة مالك عقار، فيما انشقت «حركة تحرير السودان» بقيادة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، عن هذه المجموعة وكوَّن «جبهة ثورية» أخرى مع بعض الحركات المسلحة المنشقة.
عقب الإجراءات التي أطاحت بالحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021، أيدت الحركات الموقعة على اتفاق جوبا الإجراءات واستمر منسوبيها في مناصبهم السيادية والتنفيذية، بدعوى الحفاظ على اتفاق سلام جوبا، وهم يسعون الآن لدعوة الأطراف للتفاوض للخروج من الأزمة الحالية. وبالتلي يمكن اعتبار موقف الجبهة الثورية مواليًا للمكون العسكري.
6- الحركات المسلحة التي لم توقع اتفاق سلام جوبا
ويضم هذا المكون مجموعة من الحركات على رأسها:
الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو: وينبع مصدر قوتها من أنها تسيطر على مناطق استراتيجية في منطقة جبال النوبة، وتحظى بتأييد واسع من سكان المنطقة.
ولا ترفض حركة الحلو التفاوض مع العسكريين في المطلق لكنها تضع شروطًا مسبقة، حيث ترغب في التفاوض على أساس إقامة دولة ديمقراطية، وبناء دستور يقوم على فصل الدين عن الدولة، مع الاحتفاظ بحق تقرير المصير في مناطقها بجنوب كردفان والنيل الأزرق، في حال إخفاق المفاوضات، كما تطالب الحركة بدمج قواتها ضمن الجيش السوداني.
حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور: وتمتلك الحركة المسلحة قوة على الأرض في دارفور، ووصف نور في عهد حكومة الإنقاذ بأنه “مستر نو” نسبة لرفضه التفاوض مع حكومة الإنقاذ، وكذلك رفضه فيما بعد لاتفاق تقاسم السلطة، يعيش نور وأسرته في فرنسا وقد قاد الحركة من هناك خلال السنوات الماضية
ويقول نور إن الحركة ليست لديها شروط للتفاوض، لكنها ترى أن تتم عملية السلام من داخل البلاد، بمشاركة كل الأطراف، وأن تكون جلسات التفاوض في كل أنحاء السودان، حتى تدرك الحكومة الإشكالات التي يعاني منها المواطنون في الأطراف، وترفض الحركة فكرة المحاصصات أو الاتفاقيات التي تقوم على فكرة تقاسم الثروة والسلطة.
ختامًا، على الرغم من المشهد السياسي المعقد في السودان، والانقسامات الواضحة في أولوليات القوى السياسية المختلفة، والأوضاع الاقتصادية المتأزمة، ثمة أمل يلوح في الأفق حول إمكانية تغيير الأوضاع وحلحلة الأزمة للوصول إلى تسوية، خاصة بعد إبداء المكون العسكري رغبته في الانسحاب من العملية السياسية وتسليم السلطة لمدنيين، وترحيب حميدتي بمشروع الدستور الانتقالي. ولكن هذا الأمل يتوقف على محددين أساسيين: الأول، قدرة قوى الثورة على توحيد صفوفها والاتفاق على ملامح المرحلة المقبلة، والثاني، وضع الجيش بعد تسليم السلطة للمدنيين.
وعلى أي حال، لا يمكن إغفال دور فلول نظام البشير والإخوان المسلمين، الذين سيسعون بكل السبل إلى تعطيل هذه التسوية. بالإضافة لذلك، تظل فجوة الثقة بين المكونين المدني والعسكري، وبين أطراف المكون المدني بعضهم البعض، ومدى التزام كل طرف بالبنود التي سيتم الاتفاق عليها، عائقًا آخر أمام الوصول لتسوية.
.
رابط المصدر: