د. مروان سالم العلي – أستاذ جامعي في كلية العلوم السياسية، جامعة الموصل
مع اقتراب العراق لإكمال عامٍ كاملٍ من دون حكومة، في واحدة من أعقد الأزمات السياسية التي عصفت بالبلاد عقب إِجراء الانتخابات البرلمانية في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر2021، وما أفرزته من نتائج غير متوقَّعة بفوز الصدريين، وتراجُع منافسيهم في مناطقهم الانتخابية، وبروز القوى المدنية والمُستقلين لأول مرة كلاعب مُهِم داخل البرلمان بأكثر مِن (40) مقعداً، يقف العراق أمام مرحلة مُتغيرات جديدة في المشهد السياسي العام.
فمِنذ إِعلان نتائج الانتخابات النهائية الرسمية في العراق، في الثلاثين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، (بعد 50 يوماً مِن إِجراء عملية الاقتراع)، تتواصل الأزمة السياسية، مُسجِّلة بذلك إحدى أطول الأزمات التي يشهدها العِراق، مِنذُ الاحتلال الأمريكي للعِراق عام 2003.
وتزيد المواجهة مِن الفشل السياسي في بلد يُعاني مِن تردِّي الخدمات العامة، وارتفاع مُعدل الفقر، وانتِشار البطالة، مع الثروة النفطية الهائلة، وعدم وجود صِراع كبير مِنذُ هزيمة عصابات داعش الإِرهابية قبل خمس سنوات. وفي الوقت الذي أدَّى فيه ارتفاع أسعار النفط الخام إِلى زيادة عائدات النفط العِراقية إِلى مستويات قياسية، لا توجد ميزانية حكومية لعام 2022، كما تأجَّل الإِنفاق على مشاريع البُنية التحتية التي تشتد الحاجة إِليها، والإِصلاحات الاقتصادية. ويصرف الشللُ الانتباهَ عن مشكلات كثيرة، مثل: ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، والجفاف، والتهديد المُستمر الذي تُشكِلهُ عصابات داعش الإِرهابية. فما مُسببات الأزمة السياسية العِراقية وخلفياتها؟ وما أهم الخيارات التي يمكن تقديمها لصانع القرار السياسي العِراقي؛ لتفكيك أزمة الانسِداد السياسي التي يشهدها البلد؟ وكيف يمكن استِشراف مُستقبل العملية السياسية العِراقية؟
أسباب الأزمة السياسية المُتصاعِدة في العِراق 2021-2022 وخلفياتها
واجهت العملية السياسية في العِراق سلسلة أزمات وتعقيدات مِنذ تأسيسها بعد عام 2003، ومع كُل انتخابات تظهر مشكلات سياسية تُعطِّل مصالح الشعب العِراقي، لا سيَّما فيما يخص تشكيل الحكومة الجديدة، وتسمية الرئاسات العِراقية الثلاث، الأمر الذي لطالما استغرق أشهراً عديدة.
وأسفرت الانتخابات النيابية العِراقية المُبكِّرة التي أُجريت في10 تشرين الأول/ أكتوبر2021 عن بروز حركة التيار الصدري كأكبر كُتلة برلمانية بعدما حصدت (73) مقعداً مِن مجموع (329) في البرلمان، في حين تراجعت حصة غرمائهم الذين انتظموا لاحقاً تحت مظلة (الإِطار التنسيقي) إِلى (17) من (48) سابِقاً. وإزاء ذلك، اتسعت رقعة المُعترضين على نتائج تِلك الانتخابات.
وبدأت تتركز الأزمة السياسية في العِراق حول تشكيل الحكومة المُقبِلة إِذ يصر السيد مُقتدى الصدر -الذي حازت كُتلته المرتبة الأولى في الانتِخابات- على تشكيل (حكومة أغلبية وطنية)، رافضاً العودة إِلى حكومات التوافق القائمة على المُحاصصة، ووَفْقاً للأوزان الطائفية في البِلاد.
في المُقابل، يرفض تحالُف (الإِطار التنسيقي)، ويؤكِّد أيضاً رفضهُ تشكيل أي حكومة لا تكون عن طريق كُتلة المكوِّن الشيعي في البرلمان، وهو ما يرفضهُ الصدر أيضاً، الذي أعلن رفضهُ التحالُف مع الإِطار التنسيقي، وسعيه في آذار/مارس2022 إِلى عقد تحالُف (عابر للهويات الفرعية الطائفية والقومية)، وأُطْلِقَ عليه «إِنقاذ وطن»، جمع كُلاً مِن «التيار الصدري» بزعامة مُقتدى الصدر، الذي تصدرت كُتلتهُ نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة بـ(73 نائباً)، وتحالُف «السيادة»، المُمثل السياسي عن العرب السنة في العِراق، بزعامة خميس الخنجر (ضمَّ التحالف حركة «تقدُّم» بزعامة محمد الحلبوسي، وحركة «عزم» بزعامة خميس الخنجر)، و»الحزب الديمُقراطي الكُردستاني» الحاكم في إِقليم كُردستان العِراق بزعامة مسعود البارزاني، ونجح التحالُف في جمع نحو (180) نائب في البرلمان مِن أصل (329) نائب، ورُشِّحَ محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان، والسياسي الكُردي هوشيار زيباري رئيساً للجمهورية، وجعفر محمَّد باقر الصدر رئيساً للحكومة.
وحاول الصدر التحالُف مع المُستقلين داخل مجلس النواب، لتمرير رئيس الجمهورية، والمُشاركة بعملية اختيار الحكومة المُقبِلة، لكن المحاولة باءت بالفشل، وترتَّب عليه فقدان التحالُف الركن الأساسي مِنه بانسحاب الصدريين مِن البرلمان والعملية السياسية ككُل. ليتعقَّد المشهد السياسي، ويقرِّر الصدر التنازُل للإِطار التنسيقي؛ لتشكيل الحكومة المُقبِلة، لكن الأخير لم يتمكن مِن جمع الأصوات المطلوبة لاختيار رئيساً؛ بسبب الثلث المُعطِّل.
ليجد أعضاء مجلس النواب العِراقي أنفسهم عاجزين عن تشكيل حكومة ائتلافية مُستقرة، أو انتِخاب رئيس جديد، ما نجم عن وقوع النِظام السياسي الوطني بمأزق سياسي، وبدأت الأزمة باشتباكات عنيفة في بغداد، تخللتها محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
وفي 13 حزيران/ يونيو 2022، استقال نواب كُتلة الصدر البالغ عددهم (73) نائباً مِن البرلمان. وأعقب ذلك تأدية (73) نائباً بديلاً اليمين الدستوري؛ ليحلوا محل النواب الصدريين المُستقيلين. وفي 17 تموز/ يوليو2022، سُرِّبت تسجيلات سرية لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ينتقد فيها السيد مُقتدى الصدر، وورد أنَّ هذا الحدث كان مُثيراً للجدل، وعامِلاً في تعميق الأزمة. وفي 26 تموز/ يوليو الماضي، اخْتِيرَ محمَّد شياع السوداني، مُرشحاً لرئاسة الحكومة، وحُدِّدَ يوم 31 تموز/ يوليو موعداً لعقد جلسة البرلمان لتمريره، لكن في 30 تموز/ يوليو، اقتحم أنصار الصدر البرلمان واعتصموا داخله؛ لمنع الإِطار التنسيقي مِن تشكيل أي حكومة، رفضاً لترشيح السوداني الذي يعدُّه أنصار الصدر مِن ضمن دائرة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ممَّا أشعل فتيل الاحتجاجات والأزمة. وفي 23 آب/ أغسطس2022، وسَّع أنصار الصدر اعتصامهم؛ ليشمل مبنى مجلس القضاء؛ للمُطالبة بحل البرلمان، وإجراء انتخابات نيابية مُبكِّرة.
لقراءة المزيد اضغط هنا
.
رابط المصدر: