المقدمة
تتميز دولة الكويت عن كثير من الدول العربية بنشاطها الديمقراطي الذي ابتدأ عام 1938 وتوسع عند استقلالها عام 1961 بإصدارها لدستور 1962، الذي نظم الحياة والحريات السياسية في الكويت. وتتمتع المعارضة في الكويت- بناءً على سقف الحريات الممنوح- بكونها من أكثر الحركات المعارضة تأثيراً ونفوذاً في مجالها العام. ورغم كل هذه المزايا فإن التجربة الديمقراطية في الكويت لم تخلُ من عدد من المنغصات.
إذ كثيراً ما تشهد العلاقة بين الحكومة والبرلمان في الكويت أزمات عديدة وحالة من الاحتقان السياسي المؤثر سلباً في عمل الأجهزة الحكومية، وحركة المشاريع الاقتصادية.
مؤخراً شهدت الكويت، بعد انتخابات مجلس الأمة في 5 ديسمبر/كانون الأول 2020، زيادة في حدة الخلاف بين الحكومة ومجلس الأمة، وهو ما أضاف عبئاً آخر إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الكويت.
يبحث تقدير الموقف في أسباب الأزمة السياسية التي تعيشها الكويت حالياً، والأفق المحتمل للأزمة، وانعكاسات ذلك على الديمقراطية الجزئية في الكويت.
مراحل أحداث الأزمة السياسية في الكويت
مرَّ التوتر السياسي الذي تشهده الساحة الداخلية للكويت بعدد من المراحل، التي تعكس تراكم الأزمات بشكل مستمر في السنوات الأخيرة للكويت، وأهم محطات الأزمة الحالية كالآتي:
المرحلة الأولى: انتخابات برلمان ديسمبر 2020
ابتدأ الخلاف بين مجلس الأمة والحكومة عقب التغيير الكبير في هيكلة مجلس الأمة الكويتي وخسارة أكثر من ثلثي أعضاء المجلس مقاعدهم، وتمكن مرشحي المعارضة من تحقيق نجاح كبير بحصولهم على 24 مقعداً من أصل خمسين مقعداً في مجلس الأمة الكويتي.
وعلى الرغم من نجاح المعارضة الكبير لم تتمكن من الحصول على رئاسة مجلس الأمة، وفاز مرزوق الغانم بالمنصب للمرة الثالثة على التوالي، بواقع 33 صوتاً مقابل 28 لمنافسه بدر الحميدي، وذلك على الرغم من التحالف العلني الذي قاده النائب المعارض بدر الداهوم ومحمد المطيري لعدم تجديد انتخاب مرزوق الغانم رئيساً للبرلمان؛ إذ اتفق ما يقرب من ٤٢ نائباً على انتخاب بدر الحميدي رئيساً، لكن النتائج جاءت صادمة للمعارضة وكذاك للناخبين الذي عبروا عن عدم توافق نتائج التصويت مع ما اختاره الشعب في صناديق الاقتراع.
المرحلة الثانية: الاحتقان بين البرلمان والحكومة
تحولت المعارضة من خلال كتلتها القوية في البرلمان إلى جهة ضغط مستمر على الحكومة لإجراء عدد من الإصلاحات التي تقدمت بها سابقاً، ولعل أبرزها كانت تلك المتعلقة بمعالجة ملفات الفساد والعفو الشامل عن معارضي الخارج، إلا أن الحكومة لم تتجاوب مع مطالب المعارضة، وأعلنت عن برنامج عمل توسع في فرض الضرائب والخصخصة ورفع الدعم عن الخدمات العامة، وهو ما أثار سخط المعارضة بشكل كبير.
المرحلة الثالثة: إعلان 31 نائباً موافقتهم على استجواب رئيس الحكومة
أعلن 31 نائباً، في يناير/كانون الثاني الماضي، تأييد الاستجواب لرئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد وحكومته بشأن مخالفته الدستور؛ لعدم تقديم برنامج عمل الحكومة في وقته، ولاختياره لشخصيات تأزيمية في الحكومة، بالإضافة إلى تدخل الهيئة التنفيذية في نشاط البرلمان من خلال دعم الحكومة لرئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم ليفوز بهذا المنصب من جديد.
المرحلة الرابعة: تقديم الحكومة استقالتها
قدمت الحكومة، برئاسة الشيخ صباح الخالد، استقالتها قبل أيام من الموعد المحدد تجنباً للوقوف على منصة الاستجواب، وبعد ذلك أعاد أمير الكويت تكليف الشيخ صباح الخالد الصباح بتشكيل الحكومة في 24 يناير/كانون الثاني، ثم أصدر الأمير في 18 فبراير/شباط قراراً بتعليق عمل البرلمان شهراً بناء على المادة 106 من الدستور؛ بغرض سحب فتيل التوتر، إلى أن أعيدت جلسات البرلمان وتمكنت الحكومة الكويتية من أداء اليمين الدستورية في 30 مارس/آذار الماضي.
المرحلة الخامسة: عدم انفراج الأزمة بعد أداء الحكومة اليمين الدستورية
لم تنفرج حالة الاحتقان بين أعضاء البرلمان والحكومة بعد أدائها لليمين الدستورية، واستمرت مطالب عدد من أعضاء البرلمان بحل مجلس الأمة وإسقاط الحكومة والدعوة إلى انتخابات جديدة، ففي ٢٠ من شهر أبريل/نيسان أعاد عدد من النواب المطالبة بتفعيل أمير البلاد للمادة 107 التي تنص على حل مجلس الأمة وإعادة إجراء الانتخابات.
وتم تعطيل حضور أعضاء الحكومة إلى جلسات البرلمان، ففي الـ27 من أبريل/نيسان اعتذر أعضاء الحكومة عن حضور جلسة البرلمان المقررة لمراجعة بعض بنود جدول أعمال الحكومة بالإضافة إلى استجواب وزير الصحة تحت مسبب جلوس عدد من أعضاء البرلمان في المقاعد المخصصة لرئيس الحكومة ووزرائها، وهذا ما يوحي بأن الأزمة لا تزال مستمرة، وأنها لم تجد طريقاً لحلحلتها، وهو ما قد ينعكس سلباً على الكويت ومؤسساتها الحكومية بشكل عام.
معطيات الأزمة السياسية في الكويت
تتراوح معطيات الأزمة السياسية في الكويت التي تشهدها الكويت مؤخراً بين معطيات مرتبطة باختلالات في إدارة شؤون البلاد السياسية، وبين معطيات حاضرة متعلقة بالانتخابات البرلمانية لعام 2020. ويمكن ذكر أهم معطيات الأزمة الكويتية بالآتي:
دور البرلمان الرقابي
تعد الكويت من الدول العربية القليلة التي ينشط فيها دور البرلمان الرقابي على عمل السلطة التنفيذية، فقد شهدت الكويت منذ عام ٢٠٠١ عدة استقالات لحكومات متعاقبة، بسبب عرضها أو أحد وزرائها لاستجواب البرلمان الكويتي. هذه الاستجوابات البرلمانية لم تقتصر على وزارات محددة بل شملت كل الوزارات، ومن ضمنها السيادية التي تتولاها الأسرة الحاكمة، كوزارة الصحة والخارجية والدفاع وغيرها.
إلا أن الاستجوابات وآلية البرلمان في المراقبة والحساب أثرت سلباً في حالة الاستقرار السياسي في الكويت، وغالباً ما تنتج أزمات مختلفة على إثرها، وربما يعود السبب في ذلك إلى إساءة استخدام أدوات الرقابة والمحاسبة، أو لعدم نضج الممارسة الديمقراطية بشكل كافٍ يمكنها من إجراء استجوابات ضد أعضاء الحكومة دون أن يؤدي إلى تعطيل عمل الأجهزة التشريعية والتنفيذية في الكويت.
حصر منصب رئاسة الحكومة في الأسرة الحاكمة والآلية الخاصة باختيار الوزراء
يؤثر حصر منصب رئاسة الحكومة في أحد أعضاء الأسرة الحاكمة، وكذلك تحديد عدد من الوزارات السيادية لأعضاء الأسرة الحاكمة، في مدى مصداقية المحاسبة التي توجه إلى الحكومة وصعوبة إخضاعها لمساءلة حقيقية أمام مجلس الأمة؛ إذ يجعل الحكومة تسعى إلى تسريع تقديم استقالتها أو حتى إقالتها من قبل أمير الكويت في كل مرة يتعرض فيها وزير من الحكومة لاستجواب البرلمان يمكن أن يفضي إلى سحب الثقة منه.
آليات اختيار الحكومة
تعد آلية اختيار الوزراء وتشكيل الحكومة من أهم مسببات الأزمات السياسية في الكويت، إذ يتم الاختيار بناءً على نظام المحاصصة من الأسرة الحاكمة ومن الشخصيات ورجال القبائل البارزين، ودون إشراك للتيارات والجمعيات السياسية الموجودة في الكويت، وهو ما يؤدي إلى صدام مستمر بين الحكومة والبرلمان، الذي يمارس أعضاؤه بشكل مستمر حقهم الدستوري في المسألة والاستجواب كطريقة لضمان عدم انحراف الحكومة ووزرائها عن الإدارة السليمة للبلاد.
تقييد دور المعارضة
ترى المعارضة وعدد من التيارات السياسية داخل الكويت ضرورة إيجاد قوانين تمكِّن التيارات والجمعيات السياسية في الكويت من التحول إلى أحزاب شرعية تتنافس فيما بينها على التداول السلمي للسلطة، خاصة أن التيارات السياسية في الكويت لديها كل شروط الأحزاب والتجربة السياسية الكافية التي تمكنها من خوض مهام السلطة التنفيذية بفعالية.
أداء الحكومة والاتهامات الشعبية الموجهة لها
بالعودة إلى الأزمة الحالية نجد أن الشارع الكويتي لم يرض عن عمل الحكومة السابقة؛ إذ تعرضت الحكومة لاتهامات في عدة ملفات؛ كفساد الأجهزة الحكومية وطريقة إدارة موارد الدولة وتنامي مشاكل التنمية الاجتماعية، ونتيجة ذلك فقد اندلعت الاحتجاجات الشعبية عام ٢٠١٩ وفرضت عدد من الاستجوابات البرلمانية بحق وزيري الأشغال والإسكان ووزير الداخلية، وهو ما أدى إلى تقديم حكومة الشيخ جابر المبارك استقالتها بعد مدة وجيزة في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2019، والتعيين الأميري للشيخ صباح الخالد، بتشكيل حكومة جديدة إلى حين موعد الانتخابات البرلمانية نهاية عام 2020.
وقد توجه الناخبون الكويتيون، على الرغم من جائحة كورونا، بكثافة في انتخابات عام ٢٠٢٠، وذلك نتيجة الأسباب التي ذُكرت سابقاً، كما أن التيارات السياسية عملت على تحريك قواعدها وأنصارها للاستفادة من حالة عدم الرضى التي تسود المجتمع الكويتي لتحسين فرصها في الحصول على نسب جيدة في مقاعد البرلمان.
حكومة لا تتوافق مع تطلعات الانتخابات
جاءت التشكيلة الحكومية التي شكلها الشيخ الخالد عقب انتخابات 2020 مخالفة لتطلعات الناخب الكويتي، إذ أُعيد فيها اختيار عدد من شخصيات الحكومة السابقة، كوزير الخارجية الشيخ أحمد الناصر الصباح، ونائب رئيس مجلس الوزراء أنس الصالح، وغيرهم، وهو ما أظهر عدم توافقها مع نتائج اقتراع ديسمبر/كانون الأول 2020، وما أفرزته الانتخابات من تجديد في الهيئة البرلمانية بنسبة فاقت 60%.
رفض المعارضة لبرنامج الحكومة
ترى المعارضة والشخصيات البرلمانية الداعمة لها أن الحكومة الجديدة ارتكبت العديد من المخالفات؛ كاللجوء إلى المادة 106 لتعطيل جلسات المجلس، والتهرب من مساءلة نوابه، فضلاً عن برنامجها الذي ترى أنه يقتصر على زيادة نسبة الضرائب والخصخصة، ورفع الدعم عن الخدمات الحكومية، ولذلك تؤمن المعارضة أنه من الواجب الدفاع عن حق الناخب الكويتي الذي اختارهم، ومحاسبة أعضاء الحكومة على كل قرار يتخذونه ولم يصبَّ في مصلحة المواطن أو المصلحة العامة للكويت.
سيناريوهات مصير الأزمة
ينقسم أعضاء مجلس الأمة الكويتي في إدارة الأزمة القائمة إلى فريقين؛ فريق يرى ضرورة إسقاط الحكومة وإعادة الانتخابات من جديد بزعامة النائبين محمد المطيري وبدر الداهوم، وفريق آخر يرى أنه من الأفضل التوصل إلى تفاهمات مع الحكومة والضغط عليها لإجراء مزيد من التحسينات في برنامج عملها. وبين وجهتي نظر الفريقين يمكن أن تنفرج الأزمة القائمة حالياً من خلال أحد السيناريوهات التالية:
السيناريو الأول: حل البرلمان
يترجح هذا السيناريو بقبول أمير الكويت دعوة المعارضة إلى حل البرلمان، وإعادة الانتخابات، وعودة الحياة السياسية إلى مسارها بعد ذلك.
ويدعم هذا السيناريو:
– وضوح أجندة أعضاء البرلمان الكويتي الحالي، واندفاعهم الرافض لضعف أداء الحكومة الكويتية، ومطالبهم بتحسين برامجها وأنشطتها.
– قلة خبرة أعضاء الحكومة في المجال السياسي، إذ تقتصر خبرتهم على الجانب الوظيفي، وهو ما يجعل موقف المعارضة الداعي لحل البرلمان وإعادة الانتخابات أقوى نسبياً من موقف استمرار نشاط الحكومة والبرلمان الحاليين.
– حالة عدم الانسجام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، واستمرار أعضاء البرلمان في توجيه الاستجوابات لأعضاء الحكومة، وهو ما قد يدفع أعضاء الحكومة إلى الاستقالة، أو أن يقيلها أمير الكويت.
في المقابل فإن رؤية أمير الكويت الحالية في استمرار عمل الحكومة برئاسة الخالد، واستمرار الأوضاع السياسية على ما هي عليه، تضعف العمل بهذا السيناريو، وتؤدي إلى سيناريو تفاقم الأزمة.
السيناريو الثاني: تفاقم الأزمة
يعتقد هذا السيناريو أنه في حال استمرار هيئات المنظومة السياسية في الكويت على مواقفها الحادة فإن الأزمة الحالية قد تتصاعد إلى حين التوافق على إيجاد حل بشأنها.
يدعم هذا السيناريو أن كلا الفريقين يستندان إلى ركائز قوة تجعلهما يتمسكان بمواقفهما المصرح بها، وأنه خلال الأشهر الأربعة الماضية لم تظهر أي بوادر لإنهاء حالة الاحتقان بين الحكومة والبرلمان.
ويضعف العمل بهذا السيناريو إدراك جميع الأطراف أن حدة الاحتقان السياسي وتشدد كل فريق بمواقفه لن تؤدي إلى انفراج سياسي، بل ستؤدي إلى تعميق حدة الجمود القائم حالياً، وهذا ما قد يدفع بكل الأطراف إلى التفاوض بشأن تشكيل حكومة ائتلافية تتناسب مع معطيات مجلس الأمة الكويتي، وتستجيب لمطالب المجلس بشأن برنامج عملها.
السيناريو الثالث: الحل التوافقي
يرى هذا السيناريو إمكانية إيجاد حل توافقي بين جميع الأطراف وتشكيل حكومة ائتلافية.
يعتمد هذا السيناريو على مدى جدية التيارات السياسية في الكويت للتوصل إلى توافق سياسي يستند إلى بنود واضحة ومحددة تحول دون عودة الخلاف مجدداً بين الحكومة والبرلمان.
ويضعف العمل بهذا السيناريو عدم تنازل المعارضة عن إحداث تغيير حقيقي في شكل الحكومة، وكذا في برامجها، وهو ما يؤدي إلى العمل بسيناريو مختلف غير سيناريو التوافق.
الخاتمة
إن العملية الديمقراطية في الكويت وإن شابها الأخطاء والتقصير، تظل عملية تميز الكويت عن بقية الدول العربية في سقف الحريات السياسية المرتفع نسبياً، وتمنح الكويت تفرداً عن دول الخليج الأخرى بتجربتها البرلمانية وديمقراطيتها المتوسعة.
وحتى يستمر العمل بالمسار الديمقراطي في الكويت فإن على النخب السياسية الاتفاق على آليات تعالج العراقيل الملحة في العملية السياسية وتدفع نحو استقرار الحياة السياسية في الكويت من خلال تفعيل عدد من التشريعات وسن القوانين إلى أن تصل إلى المستوى المطلوب من الممارسة الديمقراطية دون التأثير سلباً في الحياة السياسية في الكويت.
من المهم أيضاً أن تحافظ جميع التيارات السياسية في الكويت على التجربة الديمقراطية ودون التأثر بمساعي بعض الدول غير الديمقراطية في المنطقة لإجهاض العملية السياسية ذات الطابع الديمقراطي في الكويت، لما في ذلك من آثار سلبية في مقومات الحياة السياسية في الكويت، وانعكاسات مدمرة على النشاط الاقتصادي والتنموي فيها.
رابط المصدر: