سايمون هندرسون
تركز أزمة الطاقة الناشئة هذه المرة على الشرق الأوسط، لكنها ستُحدث تداعيات في تلك المنطقة، بما في ذلك في البلدان التي لا تتمتع بالثروة الهيدروكربونية. هل يمكن أن تقوم قطر الغنية بالغاز بتوفير ما يكفي من حمولات السفن الإضافية من الغاز المسال لإحداث فرق في معادلة الإمداد إلى أوروبا؟
قد يكون الأسبوع المقبل حافلاً بالاستعارات المتعلقة بالطقس. فالسُحب الداكنة تحوم فوق أوكرانيا وأسواق النفط والغاز الطبيعي. وفي الواقع، اسمحوا لي أن أكون أول من يقول: قد نشهد “عاصفة مثالية” [الأسبوع القادم].
قد تبدو أزمة أوكرانيا متعلقة برمّتها بالرئيس الروسي بوتين وغروره الضخم، لكن قوته لا تكمن فقط في عناصر قواته البالغ عددها مائة ألف جندي ومدرعاته قرب الحدود، بل تكمن أيضاً في الغاز الطبيعي الذي تعتمد أوكرانيا على روسيا في تزويده، إلى جانب العديد من الدول الأوروبية الأخرى التي تشتري الغاز من روسيا والذي يتم نقله عبر خطوط الأنابيب التي تمر عبر أوكرانيا.
وفي الواقع، يأتي حوالي 40 في المائة من الغاز الطبيعي المستهلَك في أوروبا من روسيا. وما يعزز هذه الهيمنة هو أن ألمانيا تشكل الزبون الرئيسي لهذا الغاز، وهو ما يفسر تسجيل “غيابها” عن معظم الضغوط الدبلوماسية التي تستهدف موسكو. وبالتأكيد، إذا ارتسمت على وجهوكم ابتسامة ساخرة حول تاريخ برلين، إلّا أن النتيجة هي أن عمليات النقل العسكرية البريطانية تجنبت التحليق في المجال الجوي الألماني الأسبوع الماضي من أجل تسليم صواريخ مضادة للدبابات إلى أوكرانيا. وتأتي المزيد من هذه الذخائر من الولايات المتحدة لكن مسارات رحلاتها الجوية غير واضحة.
ومن الدروس الجانبية في مجال الوقائع السياسية أن اعتماد ألمانيا بشكل خاص على الغاز الطبيعي الروسي هو أيضاً نتيجة لانتهاج النزعة “الخضراء” الصديقة للبيئة. وقد ابتعدت البلاد عن الطاقة النووية والفحم لتوليد الكهرباء. وكان من المفترض أن يكون الغاز الطبيعي هو الحل. وكانت روسيا مورّداً موثوقاً به، لكن التكلفة الحقيقية أصبحت الآن واضحة للكثيرين.
وفي غضون ذلك، تناهز أسعار النفط 90 دولاراً للبرميل الواحد، ولا يُستبعَد احتمال أن يقفز هذا الرقم إلى 100 دولار ليتصدّر عناوين الأخبار. وهذا أمرٌ جيد للتجار وروسيا وجهات أخرى. وبالنسبة للمشترين العاديين في محطات التوزيع، أي الناخبين الأمريكيين، فقد يشكّل الأمر تحدياً عما قريب، إن لم نقل كارثياً.
يجب أن تركز جميع هذه العناصر انتباه البيت الأبيض، على الرغم من أن قيام الرئيس بايدن الأسبوع الماضي باستخدام العبارة الغامضة “التوغل البسيط” قد حيّر الكثيرين، من بينهم حلفاء الولايات المتحدة، بشأن ماهية سياسته. وفي مثل هذه الظروف المتوترة، لا تنجح فعلاً محاولات التفسير أو تعديل كيفية عرض المعلومات.
لم يبقَ أمامنا سوى الأمل – أو الحظ. فربما سيكون الجنود الروس الذين يعيشون في خيام مدفَّأة بالقرب من الخطوط الأمامية معرضين بشكل خاص للإصابة بـ “كوفيد-19”. هل يمكن أن تقوم دولة قطر الخليجية الغنية بالغاز، والتي وفقاً لبعض التقارير سيأتي أميرها إلى واشنطن في الأيام القليلة المقبلة، بتوفير ما يكفي من حمولات السفن الإضافية من الغاز المسال لإحداث فرق في معادلة الإمداد؟ ربما سننعم بالدفء في الولايات المتحدة لبضعة أسابيع، مما سيُتيح إمكانية تأمين صادرات إضافية من الغاز الطبيعي الأمريكي إلى أوروبا.
إننا نواجه حدثاً غير عادي: أزمة طاقة لا تركز على الشرق الأوسط. لكن ذلك لا يعني أنها لن تُحدث تداعيات في تلك المنطقة. فارتفاع أسعار النفط جيد بالنسبة للبلدان الغنية بالنفط وسيء، أي مزعزع للاستقرار، لتلك التي لا تنعم بالثروة الهيدروكربونية. وستستفيد إيران، التي تخضع للعقوبات لكنها غنية بالنفط والغاز، إلى درجة أكبر، إذا كان ينظر إليها على أنها تتحمل الضغط الأمريكي لتقييد أنشطتها النووية. ويبدو أن المحادثات في فيينا على وشك الانتهاء دون التوصل إلى اتفاق.
من غير المرجح أن يأتي أي خلاص من السعودية، التي كان يُستخدم احتياطيها كحل لعدة أزمات متعلقة بالطاقة في الماضي، لأن المملكة أصبحت تضخ النفط بمستويات قياسية، وقدرتها على إنتاج المزيد من النفط على المدى القصير محدودة. وبدلاً من ذلك، تستمر المملكة في التحدث عن تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، مما قد يدعو للقلق. وفي الأسبوع الماضي، أخبر وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان “منتدى دافوس الاقتصادي” الافتراضي عن خطط المملكة المتمثلة في استخدام الطاقة النووية لإنتاج “الهيدروجين الوردي“، وهو وقود مستقبلي. لنأمل أن تكون الخطط النووية السعودية الأوسع نطاقاً أقل غموضاً من الخطط الإيرانية.
.
رابط المصدر: