موسيس رونو
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
على الرغم من القلق الكبير الذي تثيره المفاوضات بين مالي ومجموعة فاغنر، الشركة العسكرية الروسية الخاصة المثيرة للجدل، على المستوى الدولي؛ يظل العديد من الماليين يتطلعون إلى رؤية استبدال القوات الفرنسية بالروس.
ومجموعة فاغنر المعنية ظهرت لأول مرة في عام 2014م أثناء دعمها للانفصاليين الموالين لروسيا في الصراع في شرق أوكرانيا، وهي الفترة التي بدأت فيها المجموعة في المشاركة في أزمات العديد من الدول مثل سوريا وموزمبيق والسودان وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى.
وتجدر الإشارة إلى أن الابتهاج ساد استقبال الشعب المالي للجنود الفرنسيين لدى وصولهم إلى البلاد عقب التهديد الصادر مِن قِبَل المسلحين بالسيطرة الكاملة على البلاد. لكن الرئيس إيمانويل ماكرون أعلن مؤخرًا عن عزمه تقليص حجم القوات الفرنسية إلى النصف مقابل 5000 جندي حاليًا، مما دفع رئيس الوزراء المالي شوغيل مايغا إلى اتهام فرنسا “بالتخلي عنهم في منتصف الرحلة الجوية”؛ على حد قوله.
لكنَّ الخطاب المعني أثار بدوره حفيظة باريس، وتسبّب في رد فعل غاضب من فرنسا جاء على لسان وزيرة قواتها المسلحة، فلورنس بارلي، التي اتهمت الحكومة المالية “بدهس دماء الجنود الفرنسيين بأقدامها”؛ على حد وصفها. فضلاً عن تصريح الرئيس ماكرون الذي أشار في بيان له بأنه “أصيب بصدمة كبيرة” من هذا الاتهام، وأدان الحكومة العسكرية في مالي، مشيرًا إلى أنها تفتقر إلى “الشرعية الديمقراطية” بعد انقلابين في أقل من عام.
لكنَّ الرأي العام المالي انقلب ضد وجود قوات من القوة الاستعمارية السابقة لا سيما بعد تدهور الوضع من خلال امتداد الأزمة الأمنية إلى بوركينا فاسو والنيجر؛ حيث تنشط فيها العديد من الجماعات المختلفة بعضها مرتبطة بتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة، وتمكّنت من تحويل المنطقة إلى قاعدة من قواعدها في الصحراء، خصوصًا بعد مُضِي ثماني سنوات من وصول الفرنسيين وخسارة حوالي 55 جنديًّا فرنسيًّا وعدة مئات من الماليين الذي لقوا مصرعهم في الأزمة.
والماليون ينظمون احتجاجات بانتظام ضد وجود القوات الفرنسية؛ باعتبار أن القوات المعنية متقاعسة وغير جادة في مكافحة المسلحين، مما أدَّى إلى اعتبار وجود الجنود الفرنسيين احتلالًا مع الرغبة في رحيلهم، بل يشعر العديد بالارتياح حيال استبدال القوات الفرنسية بالروس.
روسيا أكثر حيادية:
ومن جانبه أشار عمر سيسي، ناشط السلام البارز في منطقة موبتي المضطربة، إلى أن روسيا كانت شريكًا تاريخيًّا للجيش المالي، وصرح لبي بي سي أن “روسيا لا تتدخل في السياسة المالية على عكس فرنسا التي تدير الصراع وفقًا لمصالحها الاقتصادية والسياسية”؛ على حد قوله.
وقد ذهب بعض النشطاء إلى أبعد من ذلك؛ حيث زعم البعض أن وجود القوات الفرنسية نفسها تُشكّل عاملاً محفزًا للعنف المسلح لا سميا في ظل تعنُّت فرنسا في معارضتها ضد إجراء أي مفاوضات مع المسلحين؛ علمًا بأن المطالبة بها من الخيارات التي يفضّلها بعض الماليين.
لكن ثمة تباين في الرأي العام بشأن تدخل فاغنر في مالي رغم عدم تنظيم احتجاج عام ضد روسيا لا سيما بعد إشارة هيئة تنسيق حركات أزواد، وهي تحالف يضم مسلحين سابقين من العرب والطوارق من شمال مالي، إلى أن التعاون مع الروس سيشكل تهديدًا لاتفاق السلام لعام 2015م.
وترجع أسباب المخاوف الدولية بشأن الصفقة مع فاغنر إلى السمعة الكئيبة للمجموعة المعنية فضلاً عن الشكوك التي يثيرها التعامل مع حقيقة نفْي الحكومة الروسية أي صلة بالجماعة لا سيما أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أكد أن مالي “لجأت إلى شركة عسكرية روسية خاصة” للمساعدة في محاربة الجماعات المسلحة.
وثمة إشاعات، في إفريقيا، عن اشتباه تورّط عناصر فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى؛ حيث يُعتقد أن بعض المدربين العسكريين الروس الذين يدعمون الحكومة المحاصرة هم من المرتزقة، بالإضافة إلى تورطّها في ارتكاب جرائم الحرب في الحرب الأهلية في ليبيا.
علمًا بأن روسيا دخلت المعركة في جمهورية إفريقيا الوسطى في عام 2017م في إطار جهودها الرامية إلى توسيع نفوذها في القارة، ومن خلال تقديمها الأسلحة والذخيرة، و175 مدربًا عسكريًّا للدولة الإفريقية المعنية.
فيما وصفت وزارة الخارجية البريطانية مجموعة فاغنر بأنها “محرك للصراع” مشيرة إلى أنها “تستغل عدم الاستقرار لتعزيز مصالحها الخاصة، كما شهدنا في البلدان الأخرى المتأثرة بالصراعات مثل ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى”؛ على حد تعبيرها.
لكن حال إثبات الصفقة مع مالي جدارتها سيشكّل ذلك توسعًا كبيرًا في المصالح العسكرية الروسية في إفريقيا ونكسة استراتيجية للغرب؛ فضلاً عن توقُّع القطيعة العميقة مع فرنسا والغرب جرَّاء نشر المتعاقدين العسكريين.
وفي السياق المتصل، حذَّرت الوزيرة الفرنسية السيدة بارلي بشكل قاطع عن استحالة “الوجود المتزامن مع الميليشيات جنبًا إلى جنب في مالي”، متهمة رئيس الوزراء المالي بـ”النفاق وسوء النية وخطاب غير لائق” بعد إعلانه عدم استشارة إدارته بشأن انسحاب القوات الفرنسية في إطار عملية برخان.
كما هدّدت ألمانيا وإستونيا، المشاركتان بقواتهما في إطار تاكوبا (القوات الأوروبية المتمركزة مالي) بسحب قواتهما، وشجبت الكتلة الإقليمية لغرب إفريقيا إيكواس بشدة خطة توظيف شركات أمنية خاصة.
فيما أشار شريف محمد زين، وزير خارجية تشاد، الذي لعب دورًا حيويًّا في محاربة الجماعات المسلحة في جميع أنحاء غرب إفريقيا، إلى أن قتلة الرئيس السابق إدريس ديبي في أبريل هم من المتمردين الذين تدربوا على يد مجموعة فاغنر، محذرًا في الوقت نفسه من تدخلهم.
وصول مروحيات عسكرية من روسيا:
أسهم الغضب الشعبي المتزايد ضد الوجود العسكري الفرنسي في تسهيل عملية اختيار السلطات المالية روسيا؛ فضلاً عن احتفاظ البلدين بعلاقات وثيقة في السنوات الأخيرة لا سيما عقب إبرام اتفاقية تعاون دفاعي عام 1994م التي تمت مراجعتها في عام 2019م، بالإضافة إلى تلقّي العديد من كبار أعضاء المجلس العسكري المالي تدريبهم العسكري في روسيا بما فيهم وزير الدفاع الحالي ساديو كامارا.
وأثناء استلام السلطات الانتقالية، الخميس على مدرج مطار بماكو، أربع مروحيات عسكرية من روسيا أشاد وزير الدفاع المالي بالحدث مشيرًا إلى أن روسيا “دولة صديقة، وتحرص مالي على الحفاظ بالشراكة المثمرة معها”، مضيفًا أن الخطوة الحالية تندرج تحت إطار اتفاق تم التوصل إليه في ديسمبر 2020م (قبل فترة غير وجيزة من إعلان الانسحاب الفرنسي).
لكن ثمة جدل دائر في الوقت الحاضر حول ما إذا كان زعيم البلاد، العقيد أسيمي غوييا، سيفي بوعده بإجراء استفتاء على دستور جديد في 31 أكتوبر والانتخابات العامة في 21 فبراير 2022م، باعتبار أن البعض لا يستبعد إمكانية استغلال الحكومة المؤقتة في مالي التدخّل الروسي ذريعة مناسبة لتمديد فترة ولايتها بعد وصولها إلى سُدة الحكم على خلفية انقلاب عسكري في مايو.
والمخاوف المعنية تستمد تبريراتها من تصريح رئيس الوزراء مايغا الذي تضمن الإيحاء بإمكانية تأجيل الانتخابات، وهو الشيء الذي قد يسبب التوتر في الشراكة العسكرية بين مالي وجيرانها لمحاربة الجماعات الإرهابية في منطقة دول G5-الساحل.
ومن جانبه أشار وزير الخارجية النيجيري هسومي مسعودو إلى أن التحالف سينهار “بالتأكيد” إذا جندت مالي مجموعة فاغنر. لكن، على أيّ حال، سواء مع إرسال الروس من عدمه إلى مالي، قد تسعى الجماعات المسلحة إلى استغلال عدم الاستقرار لتكثيف هجماتها مما قد يؤدي إلى خلق أزمة جديدة في مالي ودول الجوار.
.
رابط المصدر: