شهدت أسواق السلع الأساسية تراجعًا ملحوظًا مع نهاية عام 2023. فقد انخفضت أسعار معظم الحبوب والبذور الزيتية بنسبة تتراوح بين 15% إلى 20% مقارنة بيناير 2022 باستثناء الأرز، وعلى الرغم من تباطؤ الاقتصاد العالمي، يتوقع أن يصل الطلب على المنتجات الزراعية إلى مستويات قياسية في 2023/2024. ويتناول إصدار البنك الدولي، في ديسمبر 2023، تقريرًا بعنوان “تحديث الأمن الغذائي” يسلط الضوء على التقلبات في أسواق السلع الأساسية ويشير التقرير إلى استمرار التضخم في أسعار المواد الغذائية المحلية، حيث سجل ارتفاعًا يتجاوز 5% في 61.9% من البلدان منخفضة الدخل، و76.1% من البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى، و50% من البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى، و57.4% من البلدان مرتفعة الدخل. وتتركز البلدان الأكثر تأثرًا بارتفاع الأسعار في أفريقيا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية وجنوب آسيا وأوروبا وآسيا الوسطى.
الأمن الغذائي العالمي
تشير المؤشرات المرفقة بالتقرير إلى استمرار الموجة التضخمية العالمية وارتفاع أسعار الزراعة والحبوب والتصدير بنسب تتراوح بين 1% و6% و2% على التوالي، وتحديدًا ارتفاع أسعار الذرة والقمح بنسب 8% و14% على التوالي، مما أدى إلى زيادة مؤشر أسعار الحبوب. وارتفعت أسعار الأرز بنسبة 1% كما انخفضت أسعار الذرة والقمح بنسب 28% و25% على التوالي، في حين ارتفعت أسعار الأرز بنسبة 36% وانخفضت أسعار الذرة بنسبة 6% عن يناير 2021 وبشكل عام تذبذب مؤشر أسعار الأغذية العالمية، ماحيًا بعض المكاسب التي حققها بالسنوات الماضية.
كما تشير النتائج الأخيرة التي توصل إليها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية إلى أن أسعار السكر العالمية قد وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ سبتمبر 2011. ويعزى ذلك بشكل أساسي إلى نقص الإنتاج في بعض البلدان المصدرة الرئيسية في جنوب وجنوب شرق آسيا، بسبب الجفاف الذي تسببت فيه وقد تأثر إنتاج السكر في الهند وتايلاند، وهما أكبر مصدرين للسكر بعد البرازيل؛ حيث انخفض إنتاج السكر في كلا البلدين ومن المتوقع أن تستمر الصادرات من هذين البلدين في الانخفاض، بسبب القيود المفروضة على التصدير وحظر صادرات السكر في المستقبل. وعليه فمن المتوقع أيضًا أن تؤدي زيادة الطلب على الوقود الحيوي إلى ارتفاع أسعار السكر، حيث تهدف الهند إلى زيادة نسبة الإيثانول المخلوط مع النفط في الوقود من 11.5٪ إلى 20٪.
وفيما يتعلق بشرق أفريقيا وجنوبها، فقد تأثرت الاقتصادات الهشة، حيث يعاني عدد كبير من الأشخاص من انعدام الأمن الغذائي، ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءًا في المستقبل القريب، كما استقرت أسعار المواد الغذائية الأساسية في المنطقة بفضل زيادة إمدادات المحاصيل في فصل الحصاد. ووفقًا للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية في مارس 2023، يُتوقع أن يكون هناك ما يصل إلى 153 مليون شخص في المرحلة الثالثة (وجود أزمة غذائية حادة) أو أعلى من مقياس الأمن الغذائي، مما يمثل حوالي 18 في المائة من السكان. ومن المتوقع أن يكون هناك حوالي 310,000 شخص في المرحلة الخامسة (“الأزمة”، والتي تشير إلى وضع خطير يتطلب تدخلًا عاجلًا لتجنب المجاعة) في ستة بلدان مختلفة ومع ذلك، من المتوقع أن ترتفع أسعار المواد الغذائية بسبب المخزونات المحدودة والتحديات الاقتصادية المستمرة في جنوب أفريقيا. وتشير التصنيفات المرحلية للأمن الغذائي إلى أن هناك تهديدًا في إثيوبيا والسودان وجنوب السودان والصومال حيث يواجه السكان انعدام الأمن الغذائي.
الأمن الغذائي المصري
يعد الأمن الغذائي أحد أهم التحديات التي تواجهها الدول في العالم، وذلك يتعلق بضمان توفير الغذاء بكميات كافية وجودة عالية لجميع سكان البلاد، وتعد مصر بصفتها دولة ذات نمو سكان كبير واقتصاد نشط، فتحديات الأمن الغذائي من القضايا الحاسمة التي تواجهها.
فوفقًا لتقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم لعام 2023 الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، فإن عدد الذين يعانون من النقص التغذوي بمصر “الحالة التي يكون فيها استهلاك الأغذية المعتادة للفرد غير كافٍ لتوفير كمية الطاقة الغذائية اللازمة لعيش حياة طبيعية وموفورة النشاط” خلال الأعوام (2004-2006) بلغ حوالي 5 مليون بنسبة 6.4% من إجمالي السكان، فيما كان المتوسط العالمي 12%. وخلال الأعوام (2020-2022) بلغ حوالي 7.8 مليون بنسبة 7.2% وذلك بسبب النمو السكاني الكبير بنسبة زيادة 43.5%.
ووفقًا لمؤشر الأمن الغذائي العالمي 2022، فقد حققت مصر 53 نقطة كقيمة المؤشر الإجمالية للأمن الغذائي، لتحتل المركز الــــــــ 77 حول العالم. بالإضافة إلى مؤشر الجوع العالمي لعام 2022، حيث حققت مصر مستوى معتدل من الجوع، وتحتل المرتبة 57 من أصل 121 دولة.
ولتحقيق الأمن الغذائي والمائي قامت الدولة بتنفيذ حوالي 320 مشروعًا زراعيًا تكلفت أكثر من 42 مليار جنيه في مجالات: دعم التنمية الزراعية وصغار المزارعين، وضمان الزراعة المستدامة، ومكافحة التصحر، والحد من آثار التغيرات المناخية. ونتج عن تلك الجهود ارتفاع صادرات مصر من الحاصلات الزراعية خلال الموسم التصديري للعام المالي 2022-2023 بنسبة 24.6% لتبلغ ما قيمته 3.6 مليارات دولار في مقابل 2.9مليار دولار خلال الموسم التصديري 2021-2022. وتم تصدير 109 آلاف طن حاصلات زراعية لدول أفريقيا بنحو 63 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو 72 ألف طن بقيمة 98 مليون دولار لدول الأمريكتين “الشمالية والجنوبية” وأستراليا.
وتستهدف خطة الدولة للعام المالي الحالي التوسع في المساحات المخصصة لزراعات القمح إلى 3.43 ملايين فدان، وللذرة إلى 2.8 مليون فدان، و220 ألف فدان للفول البلدي، إضافة إلى زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح والذرة إلى 49%، ومن الفول إلى 30%، ومن اللحوم الحمراء إلى 70%، ومن الأسماك إلى 98%، مع تحقيق فائض تصديري لأصناف عديدة من محاصيل الخضر والفاكهة.
كما تعد الثروة السمكية أحد أهم مصادر الأمن الغذائي، بالإضافة إلى كونها مصدرًا رئيسًا للدخل القومي، وتمتلك مصر بحيرات عملاقة تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج السمكي؛ الأمر الذي حفز الدولة على تشجيع مشروعات الاستزراع السمكي، وسد الفجوة الغذائية، فضلًا عن توفير أسماك بجودة عالية، وزيادة الصادرات والحد من الواردات، ومن أهم الجهود المبذولة بلوغ إجمالي انتاج مصر من الثروة السمكية حوالي 2 مليون طن سنويًا.
وتُعد الثروة الحيوانية أحد أكثر القطاعات ذات القيمة المضافة والإمكانات التنموية الكبيرة للاقتصاد القومي المصري؛ لذا تولي الدولة اهتمامًا كبيرًا لهذا القطاع لتحقيق إنتاج وطني من اللحوم والألبان يلبي احتياجات السوق المحلية، ويسهم في خفض الفجوة الغذائية في أحد أهم مصادر البروتين الحيواني، وتوفيره بالكميات والجودة والأسعار المناسبة، بالإضافة إلى خفض عجز الميزان التجاري من اللحوم الحمراء. بالإضافة إلى 100 مليار جنيه حجم الاستثمارات في الثروة الداجنة خلال الفترة من (2014 – 2023).
إجمالًا، إن الأمن الغذائي في مصر يظل أمرًا ذا أهمية قصوى في ضوء التحديات الراهنة والمتغيرات العالمية رغم تحقيق مصر بعض النجاحات في هذا المجال، إلا أنها تواجه تحديات جديدة تستدعي استراتيجية وطنية شاملة ومتكاملة، فمن الضروري تعزيز الجهود لزيادة الإنتاج الزراعي وتحسين استدامته، بالإضافة إلى تحسين إدارة الموارد الطبيعية وتطوير التكنولوجيا الزراعية، كما يجب أيضًا تعزيز القدرة التصديرية للمنتجات الزراعية المصرية وتوسيع الأسواق الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تعزيز الوعي بأهمية الأمن الغذائي وتشجيع المشاركة المجتمعية في تحقيقه. كما يجب إصدار تشريعات وسياسات رامية لتعزيز الأمن الغذائي وتوفير الحوافز للمزارعين والمستثمرين في القطاع الزراعي. فإن تحقيق الأمن الغذائي في مصر ليس مجرد هدف، بل يعتبر ركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلاد.
المصدر : https://ecss.com.eg/43096/