د. فرناز عطية أحمد
تؤدي الأوضاع الاقتصادية المتدنية بالضرورة إلى التدني في الأوضاع الاجتماعية للأفراد، فكلما تناقص الدخل كلما تزايدت قائمة الكماليات بالأنسبة للأفراد وتقلصت قائمة الضروريات، فتناقص الدخل قد يجبر الأبناء على التخلي عن العملية التعليمية على سبيل المثال والعمل في سن مبكر لمساعدة الأهالي في توفير الأموال للأسرة، ومن ثم فمن الضروري في هذا الصدد أن يتم التركيز على الأوضاع الاجتماعية للعرقيات في إسرائيل لمعرفة عمق الفجوة بين العرقيات المختلفة فيما يتعلق بحصول كل منها على الخدمات الاجتماعية مثل التعليم، والصحة، وغيرها.
أولاً: عرب إسرائيل
يمكن النظر للوضع الاجتماعي لعرب إسرائيل من خلال عدة جوانب مختلفة كالتالي:
أ- الوضع التعليمي للعرب
يشكل الطلاب الفلسطينيين حوالي 25% من إجمالي طلاب المدارس الإسرائيلية بواقع حوالي 480.000 طالب، ومن التعليم الابتدائي وحتى التعليم الثانوي فإن العرب واليهود يتعلمون في مدارس منفصلة، وتظهر العنصرية الواضحة هنا في أن النظام التعليمي يجعل من النشء العرب ينظرون لأنفسهم داخل إسرائيل باعتبارهم حالة خاصة، وليسوا مواطنين عاديين كنظرائهم اليهود، سواءً بشكل فردي أو جماعي.
ويبقى للدولة السيطرة المركزية على المناهج التعليمية وتشكيلها وتنظيمها، فينص قانون التعليم الصادر في 1953، والذي تم تعديله في عام 2000، على أن هدف العملية التعليمية هو التأكيد على يهودية تاريخ وثقافة اسرائيل، وعلى الرغم من أن المادة الثانية البند 11 ينص على أن أحد أهداف التعليم هو الاعتراف بحاجات وثقافة ولغة السكان العرب في إسرائيل، إلا أن تلك المادة لا يتم تطبيقها بشكل عملي لصالح المادة الثانية نفسها التي تقول بأن هدف التعليم هو الحفاظ على الهوية اليهودية للدولة بتدريس تاريخها وثقافتها ولغتها، ومن ثم يقضي الطلاب العرب وقتًا قليلًا في تعلم الثقافة والأدب والتاريخ والجغرافيا العربية، ويقضون وقتًا أطول في تعلم التوراة بدلاً من تعلم القرآن أو العهد الجديد، وفي الوقت الذي يتم فيه التدريس باللغة العربية، إلا أن المناهج التعليمية توضع بشكل كامل من قبل وزارة التعليم ولا سلطة للعرب في تشكيلها لضعف تواجدهم داخل الوزارة، حيث يشكل العرب 6.2% من العاملين في وزارة التعليم.[1]
في 2009 أصدرت وزارة التعليم قرارًا بحظر كلمة “النكبة” من المناهج العربية وبالوزارة تم إصدار “قانون النكبة”، وهو تعديل على قانون ميزانية الدولة الصادر في 1985، ويقترح القانون حظر الدعم الحكومي عن كل الكيانات والمنظمات التي تنظر ليوم نشأة إسرائيل على أنه يوم نكبة.
ويستطرد مشروع القانون بأن كل الجماعات والكيانات والتنظيمات التي تحتفل بيوم نشأة إسرائيل على أنه يوم نكبة عليها أن تواجه غرامة تصل إلى عشرة أضعاف المبلغ الذي أنفق على الاحتفال، وهو ما يجعل الكثير من الفلسطينيين عرضة لدفع مبالغ طائلة.[2]
وتواجه المدارس العربية بشكل عام من قلة الدعم الحكومي الموجه لها، وعلى الرغم من ادعاء الحكومة بشكل متكرر لحرصها على المساواة بين العرب واليهود، ولكن في 2004 وفي بيانها المنشور عن ميزانية العملية التعليمية للعام الأكاديمي 2000-2001، وأوضحت وزارة التعليم أنها أنفقت متوسط 534 شيكل لكل طالب عربي، في حين أنها أنفقت متوسط 1779 شيكل لكل طالب يهودي[3] أي ضعف الطالب العربي بثلاث مرات.
وتنعكس قلة الدعم تلك في العديد من النواحي مثل البنية التحتية الضعيفة، والفصول المزدحمة، حيث يصل متوسط عدد التلاميذ اليهود في المدارس الابتدائية إلى 26، مقارنة بـ30 في المدارس الابتدائية العربية، ومن ناحية الاستثمار طويل الأجل، نجد أن هناك أربع معاهد فقط لتدريب المعلمين العرب، في حين أن هناك 55 معهد لتدريب المعلمين اليهود، وفي تقرير لوزير التعليم جيدون سار في أغسطس 2009، تم اقتراح أن المدارس التي تقدم طلاب أكثر للخدمة العسكرية يتم زيادة ميزانيتها، ومن المعروف أن العرب لا يؤدون الخدمة العسكرية على الإطلاق.
يبدأ التمييز ضد الطلاب العرب في المدارس من المراحل الابتدائية، ففي الوقت الذي قلل فيه قانون التعليم الإجباري (1949)، والذي تم تعديله في 1984، سن التعليم الإجباري من خمس سنوات إلى ثلاث سنوات، أصبحت بعض المدارس العربية التي يتم دعمها من قبل الدولة فقط هي القادرة على استيعاب الأطفال، ونتيجة لذلك ففي العام الدراسي 2007/2008 حوالي 67.4% من العرب الذين تتراوح أعمارهم بين الثانية والخامسة هم الذين تم إدراجهم في رياض الأطفال، بالمقارنة بحوالي 84.9% من الأطفال اليهود لنفس المرحلة العمرية.
وفي نفس الوقت كانت نسبة الأطفال العرب في رياض الأطفال الخاصة 2.4% فقط، مقابل 13.2% من الأطفال اليهود، ولا يقتصر الفارق بين الطرفين على قلة الدعم المادي فقط، بل وحتى في سنوات الدراسة؛ ففي الفترة من بين 2003 وحتى 2006، حصل الطلاب العرب الذين لديهم 15 عامًا على متوسط 11.1 من السنوات التعليمية، في حين أن نظراءهم اليهود يحصلون على 12.7%، ما يعني عام ونصف من الدراسة التي حصل عليها الطلاب اليهود ولم يحصل عليها الطلاب العرب، بل وتزداد نسبة الانسحاب من العملية التعليمية بين الطلاب العرب لتصل إلى 7.2% بين الطلاب من الصف التاسع وحتى الثاني عشر، في الوقت الذي تقل تلك النسبة فيها بين الطلاب اليهود لتصل إلى 3.7%. نظراً لعدم التكافؤ بين الطرفين، نجد أن الأطفال اليهود عادةً ما يتفوقون على نظرائهم العرب، ففي وقت يصل فيه معدل النجاح إلى 79% في المدارس العبرية في الصف الابتدائي، نجد تلك النسبة تقل لتصبح 61% بالنسبة للطلبة العرب، ويرجع ذلك إلى قلة جودة اللغة العربية المستخدمة في المناهج، والتي يتم وضعها من قبل وزارة التعليم، والتي تمتلئ بالأخطاء اللغوية والنحوية والكتابية.[4]
ويقل تمثيل العرب في مؤسسات التعليم العالي في إسرائيل بشكل ملحوظ؛ ففي العام الأكاديمي 2006/2007، كان 9.1% من المواطنين اليهود في المرحلة العمرية ما بين 20-29 طلابًا في الجامعات، مقارنة بحوالي 3.8% من المواطنين العرب.
ويعزو البعض السبب في ذلك إلى الأداء المتواضع للعرب في امتحانات الثانوية العامة، ففي العام 2007 كانت نسبة النجاح في الثانوية العامة 54.1% و39.5% للإناث والذكور العرب على التوالي، بينما كانت النسبة 70.5% و61.1% للإناث والذكور اليهود على التوالي، وينعكس ذلك بشكل كبير على تمثيل العرب في الأكاديميين العاملين في الجامعات والمعاهد العلمية، حيث لم تتجاوز نسبتهم في العام 2007 حوالي 1.2% ويتقاضون رواتب أقل بنسبة 50% من نظرائهم اليهود، وحتى العام 2008 فقط لم يكن هناك أي امرأة عربية تعمل بشكل أكاديمي ضمن الجامعات الإسرائيلية، وبالمثل تزيد نسب الأمية بين العرب على عكس نظرائهم اليهود، ففي عام 2008 كانت نسبة الأمية بين النساء العرب 13.4%، وبين الرجال العرب 5.5%، بينما كانت النسبة للنساء اليهوديات 3.4%، وللرجال اليهود 1.9% فقط.[5]
ب- الوضع الصحي للعرب
على الرغم من أن قانون التأمين الصحي الوطني ينص على ضمان توفير الخدمات الصحية الأفضل لجميع المواطنين بشكل متساوي، إلا أن الواقع الفعلي يشهد عكس ذلك، حيث تقل الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين العرب بشكل كبير، وليس أدل على ذلك من أنه لا يوجد أي مستشفى في المدن العربية دخل إسرائيل سوى في مدينة الناصرة، ومن الجدير بالذكر أن الثلاث مستشفيات في مدينة الناصرة تقع تحت رعاية الكنيسة ودعمها المادي، وليست مدعومة من الدولة، ويضطر الفلسطينيين في القرى والمدن المختلفة إلى الذهاب إلى المستشفيات التي تتواجد في المدن اليهودية أو المختلطة، وهي المشكلة التي يزيد طينتها بلة صعوبة المواصلات من وإلى المدن والقرى العربية، غير أن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، فالكثير من العرب يواجهون مشاكل جمة بعد وصولهم للمستشفيات نظرًا لصعوبة التواصل مع الأطباء أو الممرضين الذين لا يتحدثون العربية بل العبرية.
وتوضح الإحصائيات المنشورة في الكتاب السنوي لعام 2008 أن متوسط العمر المتوقع بين الرجال العرب 75.9 عاماً، وللنساء 79.7 عاماً، في حين أن متوسط العمر المتوقع بين الرجال اليهود 79.9 عاماً، و83.3 عاماً للنساء، وفي العام 2007 كانت نسبة الوفيات بين الرجال العرب والنساء العرب 5.6 وفاة لكل 1000 نسمة، و4.1 وفاة لكل 1000 نسمة على التوالي. في حين أن النسبة وصلت إلى 3.9 وفاة لكل 1000 نسمة و2.8 وفاة لكل 1000 نسمة لكل من الرجال والنساء اليهوديات على التوالي.
وتزداد حدة الأوضاع في منطقة النقب ومناطق العرب البدو بشكل عام، حيث تقل الخدمات الصحية أو تكاد لا تتواجد على الإطلاق، ففي منطقة النقب تزداد نسبة وفيات الأطفال لتصل إلى 15 وفاة لكل 1000 مولود، وهي أضعاف المعدل الطبيعي الذي يصل إلى 2.9 وفاة لكل 1000 مولود في إسرائيل.[6]
اليهود الشرقيون “السفارد” مقابل اليهود الغربيين “الأشكناز”
يقطن إسرائيل الغالبية العظمى من السفارد العالم، والذين وصلوا إلى إسرائيل من مجتمعات لم تصلها الحداثة، أو على أفضل تقدير تمر بمراحل تطور تجاه الحداثة، في بلادهم تلك- الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- اتسم السفارد بالحفاظ على التقاليد العائلية والدينية وأشكال الحياة الاجتماعية؛ بالنسبة لهم فإن الشعب اليهودي، الرب، وتوراة إسرائيل وأرض إسرائيل تعتبر جميعاً أساسيات الديانة اليهودية؛ وبعد الوصول إلى إسرائيل كان أغلب المتمدنين والعلمانيين من السفارد قد دخلوا في عملية كبيرة من التحول الاجتماعي بحصولهم على ممتلكات إنسانية ومادية جعلتهم في لب الطبقة الوسطى.
على العكس من ذلك فإن السفارد ذوي الأصول الريفية أو الطبقة الدنيا المدنية في أوطانهم، عاشوا في إسرائيل في أسفل السلم الاجتماعي، محافظين على عاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية، وسرعان ما بدأ التوتر يظهر على تلك الطبقة الاجتماعية نظراً لوجود اليهود الأوروبيين الذين اختلفوا عن نظرائهم من السفارد في العادات والتقاليد وأساليب المعيشة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث وجد السفارد أنفسهم أسفل السلم الاجتماعي.
وزعم القائمون على نشأة الدولة الإسرائيلية أنها نشأت لتتبنى أسلوب المعيشة الخاصة باليهود الأوروبيين، لأنها في وجهة نظرهم الأكثر تحضراً والأكثر تعبيراً عن القيم اليهودية، وهو ما اختلف بشكل أو بآخر عن وجهة نظر السفارد، فيرى الكثير من السفارد أن إسرائيل هي أرض الموعد التي وعد بها شعب الله المختار بعد فترة طويلة من المعاناة في المنفى.
ومن ثم لم يجدوا أي داعٍ لترك أساليبهم المعيشية والحياتية ذات الطابع الشرقي.[7] وكانت عادات السفارد في أغلب الأحيان تحمل طابعاً إسلامياً، نظراً للبيئة الإسلامية التي عاشوا فيها طوال حياتهم، وظهر ذلك في الاحتفالات المختلفة وزيارة مقابر الأولياء ومراسم الزواج وغيرها، ولكن ذلك الفولكلور الشعبي لم يكن ليتماشى مع التيار الثقافي للمهاجرين الأوروبيين.
وفي استبيان تم إجراءه على نطاق واسع بين السفارد فيما يتعلق بهويتهم ورؤيتهم لأنفسهم، وافقت الغالبية العظمى من أفراد العينة على الهوية اليهودية كخيارهم الأول، وليس الهوية الإسرائيلية.
وتم اختيار الهوية العرقية كخيار ثاني أو ثالث بعد الهوية اليهودية أو اليهودية والإسرائيلية، ويلاحظ أن السفارد من أبناء الطبقة الوسطى تقل لديهم النزعة العرقية ويزيد تمسكهم بالهوية الإسرائيلية، ويرى البعض أن ذلك أمراً طبيعياً، فالعديد من السفارد لدى وصولهم لإسرائيل- وخاصة فئات الشباب- بدأوا في التأقلم مع القيم الإسرائيلية وبدأت في التعامل باللغة العبرية بدلاً من العربية، ورأوا الهوية اليهودية في شكل هوية جماعية تضرب بجذورها في الفكر القومي الإسرائيلي.
ومع بدايات القرن الواحد والعشرين كان أبناء تلك الطبقة، وهم يشكلون أكثر من 50% من السفارد ينتمون إلى الطبقة الوسطى، الكثير من هؤلاء تزوج من الأشكناز، وأصبح أطفال الطرفين أكثر ارتباطاً بالقيم والمجتمع الإسرائيلي وبعيدين كل البعد عن الانتماء العرقي[8]، وعلى الجانب الآخر فإن اليهود السفارد الذين فضلوا التمسك بعاداتهم وتقاليدهم وهويتهم اليهودية قد ظلوا على أحوالهم الاقتصادية والمعيشية التي تجعلهم من أبناء الطبقات الدنيا، ومع ستينات القرن الماضي بدأ العديد من أبناء السفارد ذوي الطبقات الدنيا في الاتجاه للدراسات الدينية ليتخرجوا بعد ذلك وتصبح لهم شعبية كبيرة وسط السفارد، وبمرور الوقت أصبح رجالات الدين من السفارد رموز سياسية قوية تعبر عن مطالب السفارد في تحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى الرغم من أن التعليم أحد أهم وسائل الارتقاء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، فيلاحظ أن متوسط سنوات التعليم للذكور من أبناء الجيل الثاني من السفارد يصل إلى 12.1 سنة فقط، في حين أن متوسط سنوات التعليم لنظرائهم من الأشكناز يصل إلى 13.5 سنة. وتزداد الفجوة اتساعاً بين الإناث، فنجد أن متوسط سنوات التعليم للإناث السفارد من أبناء الجيل الثاني تصل على 12.7 سنه، في حين أنها قد تصل إلى 14.1 سنه بالنسبة للإناث من الأشكناز.[9]
ومن ناحية أخرى، نجد أن نسبة الحصول على شهادات التعليم العالي بين الأشكناز من أبناء الجيل الثاني أعلى بكثير من بين أبناء الجيل الثاني من السفارد، فبين الذكور من السفارد تصل النسبة إلى 41.9% في حين أنها لا تتخطى 19.1% للسفارد.
وبالنسبة للإناث تصل النسبة بين السفارد إلى 24.4%، في حين أنها تصل إلى 52.6% بين الأشكناز، وعلى نفس المنوال نجد أن نسبة الحصول على الدرجات العلمية الاكاديمية مرتفع بين أبناء الأشكناز على عكس نظرائهم من السفارد، فبين الذكور من الأشكناز ترتفع تلك النسبة لتصل إلى 23.7% بينما تصل إلى 6.9% فقط بين الذكور من السفارد، في حين أنها تصل إلى 11.9% فقط بين الإناث من السفارد، بينما تصل إلى 36.5% بين الإناث من الأشكناز.[10]
وعلى الرغم من الوضع التعليمي والاقتصادي المتدني للسفارد مقارنة بالأشكناز، إلا أن الوضع الاجتماعي للسفارد يعتبر أصعب من الوضع الاجتماعي للأشكناز، فعلى صعيد معدلات الزواج، نجد أن نسب الزواج بين السفارد أعلى منها لدى الأشكناز، فنجد أن معدلات الزواج بين الذكور والإناث من السفارد أبناء الجيل الثالث تصل إلى 32.4% و56.2% على التوالي، في حين تصل النسبة إلى 22.3% و40.5% بين الأشكناز على التوالي، وعلى صعيد معدلات الخصوبة نجد أن معدل الخصوبة لأبناء الجيل الثاني من السفارد تصل إلى 55.2%، في حين تصل إلى 43.9% بين الأشكناز.
وبين أبناء الجيل الثالث تزداد الفجوة اتساعًا، حيث تصل نسبة الخصوبة بين السفارد إلى 48%، بينما تصل إلى 31.1% بين الأشكناز، وقد أدى ذلك لارتفاع نسبة الإنجاب بين العائلات السفارد بشكل فاق نظرائهم من الأشكناز، ونجد أن نسبة الأسر من الجيل الثاني التي تملك أربعة أطفال تمثل حوالي 39.4% من السفارد ، في حين أنها لا تمثل سوى 20.1% فقط بين العائلات الأشكناز.[11]
وهكذا، فعلى الرغم من أن السفارد كان معظمهم يعيش حياة جيدة في بلدانهم العربية مثل العراق ومصر والمغرب، إلا أن ذهابهم إلى إسرائيل قد أدى بهم إلى الوقوع في فخ الهوية بين كونهم عرب وكونهم يهود فعانى أولئك اليهود أشد المعاناة على يد ذويهم من اليهود الأشكناز، كما لم يعانوها على يد المسلمين في البلدان العربية، فأصبحوا بلا عمل وبلا هوية، وأطفالهم بلا تعليم، فتحول الكثير منهم إلى إدمان المخدرات، وتجارة البغاء، والسرقة والسطو، وفي الوقت الذي كان فيه معظم من في السجون من السفارد وغيرهم، كان الأشكناز يصعدون في السلم التعليمي والوظيفي ويحظون بأفضل الفرص.
لقد كرس النظام الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي والتعليمي في إسرائيل ليزرع بداخل السفارد الخجل من أنفسهم؛ من لونهم الزيتوني أو الأسمر، ومن لهجتهم الممزوجة بالعربية، ومن موسيقاهم شرقية الطابع، وحتى من عاداتهم في الضيافة.
وكان الأطفال في المدارس يعانون من حالة تكريس لواقع أن اليهودي الأوروبي هو النموذج الأفضل الذي يحتذى به، في حين أن اليهودي الشرقي أو العربي ليس له قيمة تذكر أمام قرينه الأوروبي، وفي كثير من الأحيان فإن السفارد كان يتم الخلط بينهم وبين العرب ويتم القبض عليهم والزج بهم في السجون، ونظراً لأن العربية كهوية أو تاريخ كانت منبوذة، فإن الكثير من السفارد أصبحوا كارهين لذواتهم.[12]
ثانياً: اليهود الروس
مع وصولهم إلى إسرائيل، بدأ اليهود الروس في تكوين مجتمعات خاصة بهم تضم المهاجرين الوافدين بهدف تسهيل أحوالهم وتقليل المشاكل قدر الإمكان، وسرعان ما بدأ اليهود الروس في التأقلم مع البيئة الجديدة والتعود عليها، ولكن من الملاحظ هنا أن اليهود الروس وعلى عكس غيرهم لم يكونوا ينوون التنازل عن ثقافتهم الروسية على الإطلاق، بل كان التزامهم بعاداتها وتقاليدهم ولغتهم أقوى من الالتزام “بإسرائيليتهم”.
ولكن ذلك لم يمنعهم في نفس الوقت من تعلم العبرية كوسيلة لتسهيل العيش في إسرائيل، ومن الملاحظ أن اليهود الروس لم يواجهوا عمليات الإدماج القصري في المجتمع الإسرائيلي كما حدث مع السفارد أو الفلاشا، فلم يطلب منهم التنازل عن ثقافتهم الأصلية لصالح “الهوية اليهودية الجماعية”، ومن ثم لم يضطروا لخلق أطر سياسية واجتماعية للتعبير عن مطالبهم كما في حال حزب شاس السفاردي[13] .
وظل اليهود الروس على ارتباطهم القوي بذويهم الروس في الدول الأخرى كألمانيا وروسيا والولايات المتحدة من خلال السفر إليهم أو استقبالهم.
وفي هذا الصدد يَخلُص البعض إلى أن اليهود الروس مرتبطون بأصولهم الروسية أكثر من ارتباط السفارد بأصولهم الشرقية ومن ارتباط الأشكناز بأصولهم الأوروبية والأمريكية، ويرى البعض أن وجود اليهود الروس في إسرائيل لفترة طويلة وحده العامل المسئول عن إدخال العنصر الإسرائيلي في مكون الهوية لدى اليهود الروس.
وفي الاستبيان الذي أجراه كل من ابن رفائيل و بيريس أقر 42% من اليهود الروس أنهم يرون في “الإسرائيلية” مكوناً هاماً في هويتهم، ولكن في نفس الوقت فإن 11% فقط هم من رأوا أن “إسرائيليتهم” هي المكون الأول لهويتهم، في حين أن 60% من أفراد العينة رأوا أنهم “يهود روس” أو “روس يهود”[14]، يعكس ذلك فجوة كبيرة بين اليهود الروس وغيرهم من الإسرائيليين لأن الإسرائيليين ينظرون لأنفسهم على أنهم إسرائيليون يهود فضلاً عن ذلك فإن قلة بسيطة فقط من أفراد العينة هم من أقروا نيتهم تربية أبنائهم في إسرائيل، وعلى الرغم من تحسن أحوالهم المعيشية مقارنة بغيرهم من الأقليات العرقية والدينية في إسرائيل، لازال الوضع الاجتماعي للكثير من اليهود الروس يشهد بوجود معاناة لعدة أسباب أهمها مسألة الهوية.
ففي دراسة لعينة من اليهود الروس في إسرائيل، أقر41% من أفراد العينة بأنهم يواجهون تحديات ثقافية للتكيف مع المجتمع الإسرائيلي، في حين وافق 30% من العينة بأنهم عقبات لغوية في التعايش داخل المجتمع الإسرائيلي، وفي الوقت الذي اتفق فيه 36% من العينة بأنهم يستخدمون الروسية فقط داخل المنزل، كان 3% فقط من العينة هم من يستخدمون اللغة العبرية داخل المنزل، وعلى نفس المنوال أقر 16% من الشباب في العينة أنهم يتعاملون بشكل يومي مع اليهود فقط، دون اليهود الروس، على الرغم من أن 58% من الشباب في العينة صارح بأنه لا يتعامل إلا مع الروس فقط وليس جميع اليهود.
ووافق أغلب العينة على أن الروس والإسرائيليين قد نشأ كل منهما على قارة مختلفة، ولهم اختلافات ثقافية واضحة، ولكن مع سمو الثقافة الروسية عن الثقافة اليهودية، وعرف 68% من أفراد العينة أنفسهم على أنهم روس يهود، في حين أن 11% فقط هم من عرفوا أنفسهم على أنهم مواطنون إسرائيليون عاديون؛ وعلى جانب آخر عرف 14% أنفسهم على أنهم روس/أوكرانيون/غير ذلك ويعيشون في إسرائيل، وعلى نفس المنوال وافق 25% من أفراد العينة على أنهم سوف يظلون روس مهما طال بهم أمد العيش في إسرائيل، في حين أن 50% وافق على إمكانية الدمج بين الثقافتين في الحياة والعمل، وفقط 8%، هم من وافقوا على أنهم سوف يصبحون إسرائيليين بمرور الوقت.[15]
ويميل اليهود الروس عادة للعيش في “الجيوب”، كالمدن متوسطة الحجم مثل أشدود والناصرة وأشكيلون، ووصلت نسبتهم إلى إجمالي السكان من 30% إلى 40% بحلول عام 2000، ولقد شهد تطور تلك الجيوب وقتاً طويلاً، ما لبث أن قصر مداه بعد زيادة عدد المهاجرين في التسعينات، فلقد اتسمت السياسة الإسرائيلية تجاه الهجرات المبكرة (عادة للمهاجرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) بتسكين أفراد تلك الهجرات في المدن الطرفية، وهو ما نتج عنه جيوب للفقر والأمراض، ومن ثم تم تغيير تلك السياسة في التسعينات مع قدوم الهجرات الروسية، بحيث مُنح الوافدون الجدد الحرية في اختيار المنطقة التي يعيش فيها، ولقد اختار كثير منهم العيش في الأطراف نظراً لوفرة العمل وعدم غلاء تكاليف المعيشة.
وبالتماشي مع العيش في المدن الطرفية، أضحى لدى الغالبية العظمى من المهاجرين الروس القدرة على امتلاك المنازل التي يعيشون بها وليس تأجيرها فقط؛ فبحلول 2003 كان حوالي 90% من عائلات المهاجرين الروس الذين وصلوا إلى إسرائيل في 1989-1990 يمتلكون منازلهم، في حين أن النسبة تصل إلى 75.2% بالنسبة للعائلات التي وصلت في الفترة من 1990-1995 مقارنة بنسبة تصل إلى 81.7% بالنسبة للإسرائيليين الأصليين.
وتقل النسبة لتصل إلى 43% بين العائلات اليهودية التي جاءت من روسيا إلى إسرائيل بعد عام 1996 وحتى 2008، إلا أنه يجب القول بأن تلك النسب المرتفعة كان السبب فيها هو سياسة الرهن العقاري التي اتبعتها الحكومة الإسرائيلية، والتي كانت سبباً في ارتفاع معدل الدين- الدخل بين المهاجرين- وعلى الرغم من ذلك إلا أن الرضا عن سياسة الرهن العقاري كان واسعاً، فنجد في 2008 أن 76.5% من المهاجرين الذين وصلوا في الفترة 1990-1995 كانوا راضين عن سياسة الإسكان، مقارنة بنسبة 86.1% بالنسبة للإسرائيليين الأصليين و72.9% للمهاجرين الذين وصلوا بعد عام 1996.[16]
لقد كان وصول الموجات الأولى من الهجرات في بداية التسعينات مفاجئًا وغير متوقع، ومن ثم خلّف أثرًا كبيرًا على الاقتصاد الإسرائيلي، وفي حين أن خياراتهم لمناطق الهجرة كانت محدودة، حيث نظر المهاجرون من الاتحاد السوفيتي إلى إسرائيل باعتبارها فرصة ذهبية، فإسرائيل رحبت بهم ولم تتطلب منهم أوراقاً رسمية أو وضعًا اقتصاديًا معَينًا أو تأشيرات للدخول.
ولكن ذلك كله يثير تساؤلًا هامًا حول ما إذا كانت النظرة إلى إسرائيل على أنها مكان مؤقت للإقامة أم وطن دائم، وتشير الإحصائيات إلى أن عددًا ليس بالقليل يبدأ في الهجرة من إسرائيل بعد المجيء إليها أو الإقامة بها، وتعتمد الهجرة هنا على عاملين هامين هما: العمر لحظة الوصول إلى إسرائيل من جانب، وعدد سنوات الدراسة من جانب آخر.
ويلاحظ أن المهاجرين ذوي التعليم الأفضل عادة ما يفضلون الهجرة خارج إسرائيل، وينطبق القول على المهاجرين الذين وصلوا إلى إسرائيل في مراحل عمرية صغيرة، على سبيل المثال نجد أن نسب البقاء في إسرائيل للذكور من الذي تراوحت أعمارهم بين 16-25 عند الوصول إلى إسرائيل تصل إلى 93.7% بالنسبة لذوي التعليم المتوسط، في حين أنها تصل إلى 88.1% لذوي التعليم العالي، بينما تصل النسب إلى 96.1% و91.9% بالنسبة لأولئك الذين وصلوا إلى إسرائيل في المرحلة العمرية 26-35، ويلاحظ من خلال إحصائيات مكتب “الاستيعاب” في إسرائيل أن المهاجرين إلى خارج إسرائيل من اليهود الروس عادة ما تكون لديهم زيادة في عدد سنوات الدراسة تتراوح من 0.3 إلى 0.67 عن أولئك الذين يفضلون البقاء.
ويلاحظ أن نسبة كبيرة من المهاجرين إلى إسرائيل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ليسوا من اليهود خاصة في الفترة من عام 1995 و2001، ولكن تم القبول بهم في إطار قانون العودة، ويلاحظ زيادة نسبة غير اليهود في إسرائيل من 18.6% في 1990، مع بداية الهجرات من الاتحاد السوفيتي، لتصبح 28.35% مع نهاية عام 2009، أي زادت عدد اليهود بمقدار يزيد عن 50%[17]، ويوضح الجدول رقم (7) أعداد المهاجرين من اليهود الروس الذين غادروا إسرائيل ثم عادوا إليها.
جدول رقم (7) أعداد المهاجرين الروس الذين غادروا إسرائيل ثم عادوا إليها بالآلاف
السنة | الرحيل | العودة | التوازن | السنة | الرحيل | العودة | التوازن |
1990 | 0.4 | – | 0.4 | 1999 | 5.6 | 1.5 | 4.1 |
1991 | 3.1 | 0 | 3.1 | 2000 | 6.9 | 1.5 | 5.4 |
1992 | 5.8 | 0.1 | 5.7 | 2001 | 8 | 1.2 | 6.8 |
1993 | 5.3 | 0.3 | 5 | 2002 | 9.7 | 1.2 | 8.5 |
1994 | 5.3 | 0.5 | 4.8 | 2003 | 9.4 | 1.5 | 7.9 |
1995 | 6.3 | 0.6 | 5.7 | 2004 | 8.7 | 1.9 | 6.8 |
1996 | 6.2 | 0.9 | 5.3 | 2005 | 7.5 | 2.1 | 5.4 |
1997 | 6 | 1.3 | 4.7 | 2006 | 7.4 | 1.9 | 5.5 |
1998 | 6.2 | 1.2 | 5 | 2007 | – | 2 | – |
Source: Central Bureau for Statistics, Israel
وطبقًا لمكتب الإحصائيات الإسرائيلي، فمن بين كل اثنين يهاجرون خارج إسرائيل هناك مهاجر يهودي روسي قد جاء إلى إسرائيل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وهو ما يجعل نسبة اليهود الروس من الذين يهاجرون خارج إسرائيل تساوي 48%.
وتشير الإحصائيات إلى أن معظمهم من المتعلمين وصغار السن الذين يطمحون لتحقيق حياة أفضل خارج إسرائيل، ويُرجع الكثير من الباحثين السبب الرئيسي وراء ذلك إلى عدم رضاء المهاجرين الروس عن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، وإلى حد ما الثقافية في المجتمع الإسرائيلي.
الكثير من المهاجرين قد أتى إلى إسرائيل حالمًا بوضع أفضل بدلًا من الاضطهاد الذي عانوه تحت الحكم الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، ولكن الوضع في إسرائيل كان محبطًا بشكل كبير، فالكثير من المهاجرين الروس كانوا على قدر عالٍ من التعليم والخبرة العملية، وكانوا مصنفين على أنهم خبراء في مجال عملهم في دولهم قبل الهجرة (70% منهم كان يعمل في وظائف ومهن تتناسب مع تعليمهم)، ولكنهم وجدوا أنفسهم مضطرين للعمل كحرفيين في المصانع في إسرائيل (24.5% فقط كان يعمل في وظائف ومهن تتناسب وتعليمه)، والسكن على أطراف المدن لتوفير الأموال، ولفترة طويلة ظل يلتصق باليهود الروس في إسرائيل ألقاب “فتاة السوبر ماركت” أو “حارس الأمن” أو غيرها من الأعمال الركيكة.
وعلى الرغم من قدرة الجيل الأول من المهاجرين على تحسين أوضاعهم بالانتقال من المهن والحرف قليلة المستوى إلى أفضل منها، إلا أن الجيل الثاني لم يستطع تجاوز تلك العقبة، في ظل قدرة ذويهم من المهاجرين الروس في كندا والولايات المتحدة وألمانيا على تحسين أوضاعهم وتحقيق أفضل مستويات للدخل في تلك البلدان.
ويشار في هذا الصدد إلى أن طبيعة الحياة في الاتحاد السوفيتي قد أثرت على اليهود بها ومن هاجروا بعد ذلك إلى إسرائيل، حيث أن طبيعة العمل الشاق والجاد، جعلتهم يعملون في إسرائيل ليل نهار دون ملل، بشكل أفقدهم الاهتمام بتطوير لغتهم (25% من مهاجري الاتحاد السوفيتي لازال يواجه تحديات لغوية للحياة في إسرائيل) أو الاهتمام بتربية أولادهم، وهو ما كان له أثر بالغ بدوره على شباب الجيل الثاني الذي بات يعتقد أنه لا علاقة بين التعليم وتحسين الدخل، ومن ثم لا حاجة للذهاب إلى الجامعة، وحتى من يحقق منهم مستويات تعليمية عالية يواجه بمنافسة شرسة من قبل الإسرائيليين الأصليين، فلا يقدر على تحقيق مستويات معيشة مرتفعة سوى القليل.
من هنا لم يكن من المستغرب أن يلاحظ أن اليهود الروس يعانون من عزلة داخل المجتمع الإسرائيلي، خاصة من جيل الصابرا اليهودي، والذي لم يتقبل فكرة تواجد ثقافة الشارع الروسي، نظراً للتوجه الغربي والأمريكي بشكل خاص الذي يسيطر عليه.
ويظهر ذلك بشكل واضح في الحملات الانتخابية والدعاية المصاحبة لها، ففي الوقت الذي تمتلئ فيه شوارع الإسرائيليين الأصليين باللافتات والحملات الدعائية للمرشحين، نجد أن الشوارع التي يعيش بها المهاجرين من الاتحاد السوفيتي سابقًا لا يوجد بها لافتات دعائية مشابهة، أو على قدر مشابهة من الضخامة، وعليه نجد أن السلوك التصويتي لليهود الروس في إسرائيل عادة ما يفضل الوقوف في صف المعارضة ضد الحكومة، ولقد تسبب الانعزال الذي عاناه الشباب الإسرائيلي من جانب الأهل من ناحية، ومن جانب المجتمع الإسرائيلي من ناحية في خلق جيل من الشباب الذي يطمح للخروج من إسرائيل ويسعى في بناء مستقبله خارجها.[18]
ويلاحظ أن اليهود الروس عادة ما يرون أن المواطن ليس له القدرة على التأثير في مجريات الأمور السياسية، لذا فبعيداً عن المشاركة في العملية الانتخابية، لا يشارك اليهود الروس في أي من الأنشطة السياسية أو أنشطة المجتمع المدني أو غيرها، ويعد اليهود الروس أقل الجماعات المشاركة في الأنشطة السياسية في إسرائيل، وباستجوابهم في الاستبيان الخاص بالمسح الديمقراطي، أقر 61% من اليهود الروس بأنهم لا يرون لأنفسهم القدرة على التأثير على الأمور السياسية، في حين أن النسبة بين الإسرائيليين الأصليين لم تتعدى 46%. بالإضافة إلى ذلك وافق 40% من اليهود الروس بأنهم يعتقدون بأنهم ليس لهم أي تأثير يذكر في سياسة مناطق العمل التي يعملون بها أو حتى في الشئون المحلية للمجتمعات التي يعيشون بها، في حين كانت النسبة للإسرائيليين الأصليين 20% فقط.[19]
ويمكن أن يفهم بُعد اليهود الروس عن الهوية الجماعية في إسرائيل في إطار عدة أسباب يأتي على رأسها أن “الهوية في إسرائيل تقوم بالأساس على أيديولوجية “يهودية صهيونية”، في حين أن اليهود الروس كما سبق الذكر قد شهدت يهوديتهم الكثير من التجريف في العقد السوفيتي وأصبحوا أقرب للعلمانيين منهم لليهود المتدينين.
سبب آخر لبعد اليهود الروس عن الهوية الجماعية في إسرائيل هو وجود اختلاف بين الوافدين الجدد من اليهود الروس وأبناء المهاجرين الروس الأوائل، قد يعتقد أن أبناء الجيل الأول من المهاجرين الروس في إسرائيل سوف يكون أكثر ارتباطاً بالثقافة الروسية باعتبارها بلد المنشأ والتي تحمل ثقافة الوالدين، ولكن ذلك لم يكن صحيحاً كلياً، فالعائلات الروسية التي وصلت إلى إسرائيل بادئ الأمر عمدت إلى تربية أبنائها ليكونوا إسرائيليين بالأساس على اعتبار أن “اليهودي يتحدث العبرية”، ومع مجيء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين السوفييت بعد السماح لهم بالسفر، كان هناك فجوة كبيرة بينهم وبين أبناء الجيل الأول.
ثالثاً: يهود الفلاشا
يختلف الوضع الاجتماعي لعائلات يهود الفلاشا عن اليهود الروس إلى حد بعيد، فحوالي ثلاثة أرباع العائلات الأثيوبية-الإسرائيلية لديها أطفال تحت سن الثامنة عشر، مقارنة بحوالي 40% من باقي العائلات اليهودية، ومن ناحية أخرى فإن العائلات الأثيوبية-الإسرائيلية أكبر في الحجم من نظيرتها اليهودية، فكل عائلة لديها ثلاثة أطفال أو يزيد مقارنة بأقل من ثلث العائلات اليهودية.
ويلاحظ أن حوالي ثلث العائلات الأثيوبية-الإسرائيلية هي عائلات ذات عائل واحد (أب أو أم)، وهو ضعف المعدل بين العائلات اليهودية، ونجد أن 75% من العائلات الأثيوبية-الإسرائيلية يعيشون في المدن التي يعيش فيها ذويهم من العائلات الأثيوبية-الإسرائيلية.
وعلى الرغم من التحسن في الوضع التعليمي للعائلات الأثيوبية-الإسرائيلية، إلا أن الفجوة التعليمية بين الأثيوبيين وغيرهم من الإسرائيليين لا تزال واسعة، ففي الوقت الذي ترتفع نسبة الأمية بين الأثيوبيين لتصل إلى 45% لدى النساء و28% لدى الرجال، في حين أن تلك النسبة لم تتعد 2% لدى النساء والرجال من باقي اليهود، وفي الوقت الذي يصل عدد حاملي الشهادات الثانوية والعليا بين اليهود إلى 52% بين النساء، 42% بين الرجال، فإن النسبة لا تتعدى 12% و10% لدى النساء والرجال على التوالي، ونلاحظ ذلك في الجدول رقم (8).
جدول رقم (8) الفروق في الوضع التعليمي بين الأثيوبيين-الإسرائيليين ونظرائهم من اليهود على حسب النوع (2009-2010)
الرجال | النساء | |||
الأثيوبيين-الإسرائيليين | كل اليهود | الأثيوبيين-الإسرائيليين | كل اليهود | |
بلا تعليم أو شهادات | 45% | 2% | 28% | 2% |
ما بعد الثانوية أو الأكاديمية | 12% | 52% | 10% | 42% |
Source: Myers-JDC-Brookdale Institute special analyses of CBS Labor Force Surveys
شكل رقم (8) معدلات التسرب في التعليم الثانوي بين يهود الفلاشا واليهود بشكل عام في إسرائيل
Source: Myers-JDC-Brookdale Institute special analysis of Ministry of Education and CBS data
وأما على مستوى التعليم الثانوي، نجد أن معدلات التسرب في التعليم الثانوي بين أبناء الأثيوبيين-الإسرائيليين تزيد بشكل كبير عن باقي اليهود كما في الشكل رقم (8)، وللدخول إلى كليات التعليم العالي، فإن النظام الإسرائيلي يتطلب تجاوز اختبار معين من أجل الحصول على فرصة للدراسة في الجماعات الإسرائيلية، وبالطبع تجاوز مثل ذلك الاختبار يعد دليلاً هاماً على الوضع التعليمي الجيد، ويوضح الشكل التالي نسبة المؤهلين للدخول إلى ذلك الامتحان بين الأثيوبيين-الإسرائيليين من جانب، واليهود من جانب آخر.
شكل رقم (9) معدلات النجاح في اختبارات القبول للجامعات بين يهود الفلاشا وكل اليهود في إسرائيل
Sources: Myers-JDC-Brookdale Institute special analyses of Ministry of Education and CBS data
يلاحظ من الشكل أن معدلات النجاح في اختبارات القبول للجامعات المختلفة قد زادت في الفترة من 2000/2001 وحتى 2009/2010 من 31.4% إلى 54.4%، ولكن على الرغم من ذلك تظل تلك الزيادة أقل من المستوى العام للإسرائيليين بشكل عام، ولقد أثر ذلك بشكل مباشر على الأمن القومي من خلال ارتفاع معدلات الفقر والجريمة بين أبناء الفلاشا. ففي أحدث تقارير جهاز الشرطة الإسرائيلي، فإن المهاجرين الفلاشا من أثيوبيا هم أكثر الفئات في المجتمع الإسرائيلي التي تعاني من صعوبات ومشاكل في الاندماج في المجتمع، وخصوصًا على ضوء التعامل العنصري معهم من جانب الجمهور اليهودي وعلى خلفية لون بشرتهم السمراء، ولفت تقرير جمعية “عيليم” إلى أن نسبة مرتفعة من الذين يقبعون في سجن “أوفيك”، وهو سجن لأبناء الشبيبة، والسجن العسكري، هم من أصول أثيوبية.
كذلك فإن أحداثًا متطرفة من حيث خطورتها، مثل حوادث طعن وإهمال وحالات عزلة، تحدث في أحياء يتركز فيها بشكل كبير مواطنون من أصول أثيوبية، ولقد بين استطلاع “مؤشر السلام الإسرائيلي” لعام 2012،[20] والذي تشرف على إعداده جامعة تل أبيب أن 83% من اليهود الإسرائيليين يؤيدون التظاهرات التي قام بها سكان منطقة جنوب تل أبيب احتجاجًا على وجود أعداد غفيرة من اللاجئين الأفارقة في تلك المنطقة.
وقال نحو 34% من اليهود الإسرائيليين إنهم يتعاطفون مع أعمال العنف المرتكبة ضد هؤلاء اللاجئين، وأكد نحو 70% منهم أن وجود لاجئين أفارقة وعمال فلسطينيين في إسرائيل يضايقهم جدًا، بينما قال نحو 60% منهم إنهم لا يتضايقون من وجود عمال أجانب من أميركا اللاتينية وشرق أوروبا وتايلاند والفيليبين.
إلى جانب ذلك أوضحت البيانات وجود ارتفاع بنسبة 15% في ضلوع أبناء الجماعة الأثيوبية في أحداث عنف خطيرة، وفي العام 2012، قال 1450 من الشباب من أصول أثيوبية أنهم كانوا ضالعين في أعمال عنف خطيرة أو أنهم كانوا ضحايا لأعمال عنف كهذه، بينما ارتفع هذا العدد إلى 1667 في العام 2013.[21]
وأشار تقرير جمعية “عيليم” إلى معطيات أخرى أثارت قلق المهتمين في هذا المجال، ومن ضمنها الفقر المدقع في العائلات التي يأتي منها أبناء الجماعة الأثيوبية، والتسرب من الأطر التعليمية، والإدمان على المخدرات، والميل إلى اليأس والشعور بالإقصاء من المجتمع والتعرض إلى معاملة عنصرية، وتعاني هذه المجموعة السكانية من الافتقار لدعم عائلي ومعالجة اجتماعية، ما يؤدي إلى أوضاع ينعزل فيها هؤلاء الفتية، وبشكل خطير عن ذويهم بسبب فجوات ثقافية وفروق بين الأجيال.
رابعاً: البدو
في 1966 بعد عقدين من إجبار البدو على السكن في منطقة السياج بدأت الحكومة الإسرائيلية في تدشين أولى الخطط لتطوير المنطقة، وتضمنت الخطة التنقيب عن واستغلال الموارد الطبيعية، والتوسع في استصلاح الأراضي، وتطوير البنية التحتية والنقل، وزيادة عدد السكان الإسرائيليين القاطنين في المنطقة، وتأسيس بعد مستوطنات البدو.
وبكل وضوح تجاوزت الخطة الحديث عن قرى ومدن البدو في 1976 تم إضافة خطة أخرى تتضمن بناء سبع مدن للبدون يتم حصر البدو فيها من أجل إتاحة باقي المنطقة للمستوطنات.
حيث أتاحت الخطة في 1976 بناء 100 مستوطنة زراعية لليهود في النقب، وإنشاء منطقة صناعية في الصحراء حول ديمونه، وكذلك بناء مطار بين أراض وبير شيفع في منطقة تعد مأهولة بشكل كثيف بالبدو.
أحدث هذه الخطط الإسرائيلية كانت خطة TAMA 35[22]، والتي تم التصديق عليها في2005، والتي تعتبر أكثر الخطط الإسرائيلية تكاملًا فيما يتعلق بمنطقة البدو بحيث تشرح جميع الخطط المتعلقة بالمنطقة من أماكن المستوطنات، والمصانع الأراضي، والمحميات، والأماكن الدينية، والمزارات السياحية وغيرها، وتؤسس لست مستوطنات جديدة دون الحديث عن البدو الغير معترف بهم في المنطقة.
وتعترف تلك الخطة بما سبقها من بنود مثل خطة شارون، والتي تم التصديق عليها في 2003، وهي عبارة عن خطة خمسية تتضمن إنشاء سبع مدن للبدون وأربعة عشر مستوطنة يهودية، وتخصص الخطة حوالي 265 مليون دولار لتلك الخطة، منهم 40% لعملية نقل البدو من أماكنهم للمدن الجديدة وتسوية مدنهم القديمة، وفي نفس العام أعلنت الحكومة عن خطة لتأسيس 30 قرية يهودية جديدة في منطقة النقب والجليل، وهي المناطق التي يقطنها العرب والبدو، بهدف الحد من توسع الآخرين.
وفي عام 2004 تم ابتكار مشروع “طريق النبيذ” والذي تم وضعه كأسلوب لجذب السياح لمنطقة النقب، وتضمنت تخصيص المزيد من الأراضي للفلاحين اليهود، والذين بدأوا في أواخر التسعينات في تأسيس مزارعهم الخاصة في المناطق التي أخذتها هيئة الأراضي الإسرائيلية، وعلى الرغم من أن بناء تلك المزارع جاء مخالفًا لقانون عام 1965، إلا أننا نجد المجلس الوطني للتخطيط والتعمير يعترف بها جميعاً، ناقلاً ملكية 80.000 دونمًا لليهود، بعد أن كانت ملكًا للبدو، في نموذج فريد من العنصرية التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي.
ومن ناحية أخرى، فإن التجني على حقوق البدو لم يتأتى فقط في صورة تعدي على ممتلكاتهم، بل وفي التخطيط الداخلي للمدن التي تم نقلهم إليها، فلم يتشاور مخططي تلك المدن مع مجتمعات البدو أو يراعوا الطابع الثقافي لهم.
فجاءت تلك المدن وهي لا تضع في اعتبارها الخصوصية المرئية للبدون، وضرورة وجود مناطق فاصلة بين الرجال والنساء، كذلك فإن المخططين لم يراعوا الطابع التقليدي للبدون في السكن والقائم على وجود مجموعات من العائلات الممتدة.
من خلال ما سبق نلاحظ أن الدولة الإسرائيلية قد عمدت إلى إحداث فصل بين اليهود والبدو، بإعطاء المجموعة الأولى أفضل المساحات الجغرافية التي يمكن استغلالها، بعيداً عن البدو، وهو ما جاء بالمخالفة لـ”لقانون الذي أقرته المحكمة العليا في إسرائيل 1988″ بعدم السماح لليهود بالبناء في مناطق البدو، وعدم السماح للبدو بالبناء في مناطق اليهود.[23]
ويلاحظ أن الممارسات الظالمة بحق البدو لا تقتصر فقط على التهجير القصري، بل إن الأمر تجاوز ذلك ليشمل إصدار التشريعات التي تحرم البدو من الحفاظ على حياتهم التقليدية، وجلب الصناعات الضارة والنفايات بالقرب من قرى البدو، وتدمير المحاصيل الخاصة بهم، وإطلاق النار على الجمال حتى تموت، ومصادرة الآلاف من الأغنام والماشية، والتعدي على خيم البدو واقتلاعها، لإجبارهم على الرحيل، وإطلاق النار في الهواء لإفزاع البدو، وفي بعض الأحيان التعدي عليهم جسدياً.
معظم تلك الانتهاكات تقوم بها “الدورية الخضراء” وهي قوة من البوليس تم تأسيسها في 1976 خصيصاً كفرع مسلح من وكالة الحفاظ على البيئة للتعدي على البدو وإجبارهم بشكل قسري على الرحيل.
وفي العديد من المرات التي تم توثيقها، فإن مركز عدالة قد استطاع في الفترة من 2002 وحتى 2004 أن يرصد تعدي هيئة الأراضي الإسرائيلية على 24.000 دونمًا من أراضي البدو التي تم استصلاحها من خلال رشها جوًا بالكيماويات السامة، ونتيجة لتلك الكيماويات تم اعتبار المنطقة مغلقة لسبع سنوات، وأصيب جرّاءها 17 طفلاً.
ولم تتوقف عمليات الرش تلك إلا بعد تقدم العديد من منظمات حقوق الإنسان بمطالبات متكررة للمحكمة العليا بضرورة عدم السماح بالرش من الجو، وهو ما تم بالفعل.[24]
خامساً: الدروز
يصل عدد الدروز في إسرائيل حسب تعداد مكتب الإحصائيات الإسرائيلي في 2013 إلى 122.000 نسمة، يقطنون 22 قرية في شمال إسرائيل، ويشكلون حوالي 1.6% من إجمالي السكان ويكونون مجتمع ذو طابع خاص ثقافيًا واجتماعيًا ودينيًا.
وعلى الرغم من عدم قبولهم لأي فرد خارج مجتمعهم أن يدخل دينهم، إلا أن الدروز يحكمهم فلسفة “الطاقية” والتي تدعوا للولاء التام لحكومة الدولة التي يقطنون بها، ويعتبر الدروز مكون ديني مستقل وله محاكم خاصة به تبت في الأمور الشخصية مثل: الزواج والطلاق والتبني وغيرها، وعلى الرغم من أن ثقافة الدروز عربية بالأساس ولغتهم هي العربية، إلا أنهم يقفون ضد القومية العربية منذ 1948، وشاركوا في الجيش الإسرائيلي في البداية كمتطوعين ومن بعد ذلك مجندين بشكل رسمي.[25]
ويتأثر الوضع الاجتماعي للدروز بشكل كبير بهويتهم داخل إسرائيل، فالدروز عادة ما يتم النظر إليهم كالعرب، ومن ثم يحرمون من الكثير من الحقوق، فعلى سبيل المثال في الوقت الذي وفرت فيه الدولة بطاقات الهوية للجميع في السبعينات، سخط الكثير من الدروز بسبب إعطائهم الهوية العربية في خانة القومية.
وقدم كل من الأخوين كمال وكميل كايوف قضية ضد الدولة لتحويل الصفة من عرب إلى دروز لكن دون جدوى، وهو ما دفع بعض الدروز إلى التحول إلى الإسلام بهدف الهروب من تأدية الخدمة العسكرية.
والتي رفضها البعض الآخر دون تحويل ديانته، وفي مؤتمر خاص بهم في عمان بالأردن، نادى الكثير من شيوخ الدروز بوقف دخول الدروز في الخدمة في الجيش الإسرائيلي، وهو المؤتمر الذي جمع مائة ألف من الدروز في سبتمبر 2001. ولكن زعيم الدروز في إسرائيل “صالح طريف” قد رفض المؤتمر وأصر على ان 99.9% من دروز إسرائيل يشعرون بأنهم إسرائيليون، ولكن الوضع لم يكن صحيحًا مائة بالمائة.
ففي مسح أجراه كل من عمارة وسكنيل في قرى جبل الكرمل التي يقطنها الدروز حول الارتباط بالهوية العربية واليهودية أشار 40% إلى ارتباطهم الشديد بالهوية العربية، في حين أشار 20% إلى الارتباط المتوسط، بينما أشار 40% إلى عدم ارتباطهم بالهوية العربية. وأما على الجانب الآخر أكد 54% ارتباطهم الشديد بالهوية الإسرائيلية، في حين أكد 29% ارتباطهم المتوسط بها، بينما أكد 17% أنهم لا يرتبطون بالهوية اليهودية على الإطلاق.
ويرجع السبب وراء ذلك الانقسام إلى أن المفكرين الدروز يرون أنهم ينتمون إلى الهوية العربية ويلومون الدولة الإسرائيلية على جعلهم جماعة منفصلة، وفي هذا الصدد أشار “أفنار ريجاف” الخبير بشئون الشرق الأوسط، قائلاً بأن الدروز عبارة عن “قنبلة موقوتة” مستعدة للانفجار.[26]
سادساً: الحريديم
لقد زادت نسبة المتعلمين الدينيين في إسرائيل التي تتراوح أعمارهم بين 25-54 عاماً من 40% في عام 1980، إلى 60% في عام 1996، ومنذ 1997 قلت نسب التشغيل للرجال من 30% في 1997، إلى 20% في 2003، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى الإصلاحات التي شهدها برنامج دعم الأطفال الحريديم، وهو الدعم الذي تقدمه الحكومة في إسرائيل للأبناء الحريديم.
فمع حلول عام 2003 تم إدخال بعض التغييرات الهيكلية على وضع الدعم بالنسبة للأطفال وهي التغييرات التي كان من شأنها زيادة دخل الأسرة الحريديم، دافعة بذلك بعض العائلين إلى ترك أعمالهم، ومن هنا يمكن القول بأن الحريديم مجتمع ذو معدلات خصوبة عالية ولديهم أعداد كبيرة من الأفراد في الأسرة الواحدة، لكنهم يعانوا مستويات عالية من الفقر وسوء المعيشة نظراً لعدم قدرتهم على دخول سوق العمل أو الحصول على مرتبات عالية، وهو ما يرجع بالأساس لقلة مستوياتهم التعليمية ومهاراتهم الفردية، ويعزو ذلك بدوره إلى أن الحريديم يتعلمون في المدارس الدينية وليست العلمانية لفترات قد تصل إلى الأربعينات من عمرهم.
ومن هنا يجب على الدولة كسر ذلك الطوق عبر عدة إجراءات أولها حث المدارس الدينية على إدخال بعض المواد التعليمية مثل اللغة الإنجليزية والرياضيات إلى مناهجها التعليمية، العمل على حل أزمة دخول الحريديم للجيش الإسرائيلي، نظراً لأن عددًا كبيرًا منهم يظل يحصل على الدراسة الدينية حتى سن الحادية والأربعين حتى لا يدخل للجيش، العمل على إعطاء دورات تدريبية للرجال بهدف إلحاقهم بسوق العمل، العمل على توجيه دعم الأطفال للعائلات الفقيرة، وليس كل من تملك عددًا كبيرًا من الأطفال.[27]
سابعاً: المسيحيون
تُعد أرض فلسطين موطنًا للديانة المسيحية، وعلى الرغم من ذلك فإن نسبة المسيحيين في إسرائيل قليلة جدًا بالنسبة لإجمالي السكان فيها، وإن كانت أعدادهم في تزايد مستمر. أغلب المسيحيين في إسرائيل من العرب، وهو ما يجعل العديد منهم يعاني من قضايا الهوية. وعادة ما يتعرض المسيحيون في إسرائيل لأزمتين هامتين:
الأولى: هي كونهم من العرقية العربية التي يحملون هويتها، ما يجعل الأغلبية اليهودية تناصبهم العداء باعتبارهم عرب، او على الأقل تنظر لهم بعين الشك والريبة، أما الثانية: فكونهم مسيحيون يجعلهم غير مندمجين بشكل كامل في العرقية العربية التي يدين معظمها بالإسلام، ما يجعل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين الجانبي في أقل حدودها. وعلى الرغم من ذلك يرى البعض بأن المسيحيين يمكنهم لعب دور حلقة الوصل أو الجسر الرابط بين الطرفين (العرب واليهود).
وينقسم المسيحيون داخل المجتمع الإسرائيلي إلى أربعة أطياف رئيسية: المسيحيين الأرثوذكس (الأرثوذكس اليونانيين، الروس، الرومانيين)، والمسيحيين غير الخلقيدونيين الموحدين (الأرثوذكس الأرمينيين، القبطيين، الأثيوبيين، السوريين وبعض من النستوريين)، والكنيسة اللاتينية وأتباعها من الكاثوليك، والمسيحيين البروتستانت وهم الأصغر عددًا من بين الجميع.
ويتكون المسيحيون من 40.7% من الأرثوذكس اليونانيين، 34.7% من الكاثوليك اللاتينيين، 9.3% الكاثوليك اليونانيين، 6.3% من الإنجيليين، 2.5% من السوريين، 2.5% من اللوثريين، 3% أخرون من الأقباط والأرمينيين.[28]
وباعتبارهم عربًا وجزءًا من الثقافة العربية فإن المسيحيين يواجهون مشاكل جمة تتعلق بهويتهم داخل إسرائيل، فمن ناحية يجد المسيحيون أنفسهم غير يهود في دولة تقوم على الهوية اليهودية، ومن ناحية أخرى فإنهم عبارة عن أقلية داخل العرقية العربية الأكبر والتي يدين معظمها بالإسلام، ولقد انعكس ذلك على ولاءات المسيحيين أنفسهم ما بين تفضيلات بالتقرب من اليهود على حساب العرب أو العكس، في حين أن الغالبية منهم فضلت التأكيد على الهوية المسيحية الدينية والالتصاق بها قبل أي شيء.
شكل رقم (10) المسيحيون في إسرائيل وفلسطين والقدس
Source: Population, Housing and Establishment Census 2007: Summary of the Census Final Results in The West Bank, Palestinian Central Bureau of Statistics, 2008
مع قيام دولة إسرائيل تطور عدد المسيحيين من 34 ألف نسمة مع بداية إعلان استقلال إسرائيل في 1948، ليصبح عددهم 151 ألف نسمة بحلول عام 2009، وعلى الرغم من تلك الزيادة العددية إلا أنه من الملاحظ أن المسيحيين لديهم أقل معدلات المواليد في إسرائيل، ما يعني أن مرور الوقت سيجعل منهم أقل الأقليات عدداً كما نرى في الجدول رقم (9).
جدول رقم (9) معدلات المواليد في إسرائيل 2009
المسيحيون | اليهود | العرب | إجمالي السكان |
2.15 | 2.90 | 3.73 | 2.96 |
CBS, Statistical Abstract of Israel 2010, Table 2.2
وفي نفس الوقت فإن متوسط الأعمار بالنسبة للمسيحيين (32.5 عاماً) أعلى من متوسط الأعمار بالنسبة للدولة كلها، وهو وإن كان أعلى بكثير من متوسط الأعمار بالنسبة للمسلمين (19.9 عاماً) فإن الفارق يتضاءل بالمقارنة بمتوسط أعمار اليهود (31.4 عاماً). وعلى الجانب التعليمي يلاحظ أنه في 2008 كان 59% من الطلاب المسيحيين قد اجتازوا المرحلة الثانوية، مقارنة بحوالي 42% من نظرائهم من الطلاب المسلمين وحوالي 64% من الطلاب اليهود.
وطبقاً لإحصائيات عام 2006، فإن 56% من الطلاب المسيحيين قد قدموا أوراقهم للجامعات في إسرائيل، مقارنة بـ 31% من الطلاب المسلمين، و48% من الطلاب اليهود، وفي تقرير لمكتب الإحصاء الإسرائيلي الصادر عام 2012، يلاحظ أن معدل نمو السكان المسيحيين في إسرائيل يصل إلى 1.3% بالمقارنة بحوالي 1.8% لليهود و2.5% للمسلمين. ويلاحظ أن 64% من الطلاب المسيحيين يحصلون على دبلوم الثانوية العامة، بالمقارنة بحوالي 59% لليهود و48% للمسلمين، ويشير التقرير إلى أن 10.2% من العرب المسيحيين يدرسون في الحقول الطبية، مقارنة بـ 4.6% بغيرهم من الطلاب في إسرائيل، وفيما يرتبط بمعدل الخصوبة نجد أن معدل الخصوبة للمسيحيين هو الأقل في إسرائيل ويصل إلى 2.2%، بينما يصل معدل الخصوبة الإجمالي يصل إلى 3%، ونجد أن 30% من المسيحيين في إسرائيل تتراوح أعمارهم ما بين عام وتسعة عشر عامًا، وهي نسبة تكاد تقارب نسبة اليهود (33.5%) لكنها أبعد من نسبة العرب (48.7%) [29].
الهامش
[1] Ismael Abu-Saad, “State educational policy and curriculum: The case of Palestinian Arabs in Israel”, International Education Journal, Vo. 7, No. 5, 2006, p. 71
[2] فرحات بيراني، اللغة العربية: مشاكل تعليمها في إسرائيل كلغة أم وكلغة أجنبية (القدس: مطابع دار الايتام الإسلامية الصناعية، 1972)، ص 32-36
[3] محمد أمارة عبد الرحمن مرعي، سياسة التربية اللغوية تجاه المواطنين العرب في إسرائيل (البصرة: مركز دراسات الخليج العربي، 2004)، ص 155
[4] محمد إمارة، اللغة العربية في إسرائيل: سياقات وتحديات (الأردن: دار الفكر، 2010)، ص 179-193
[5] CBS, Statistical Abstract of Israel 2008, No. 59, Table 8.3.
[6] CBS, Statistical Abstract of Israel. 2008
[7] Sammy Smooha, Israel Pluralism and Conflict (California: University of California Press, 1978), pp. 62-68
[8] Yasemin Nuhoglu Soysal, “Citizenship and Identity: Living in Diasporas in Post-war Europe”, Ethnic and Racial Studies, Vo. 23, No. I, 2000, pp. 1-15
[9] عبد القادر عبدالعالي، مرجع سبق ذكره، ص 112-116
[10] Barbara S. Okun and Orna Khait-Marelly, Op. Cit., p. 45-47
[11] Ibid., p. 74-76
[12] Ella Shohat, “The Invention of the Mizrahim”, Journal of Palestine Studies, Op. Cit., pp. 14-16
[13] محمد عبد الرؤوف سليم، تجربة التوطين كوسيلة لحل مشكلة الهيود الروس (جامعة عين شمس، مركز دراسات الشرق الأوسط، 1981)، ص 1-5
[14] Barbara S. Okun and Orna Khait-Marelly, Op. Cit., p. 45-47
[15] Remennick, L., “The 1.5 Generation of Russian Jewish Immigrants in Israel: Between Integration and Socio-Cultural Retention’, Diaspora: A Journal of Transnational Studies, Vo. 12, No. 1, 2003, pp. 39-66
[16] Sarit Cohen Goldner, Zvi Echstein and Yoram Weiss, Immigration and Labor Market Mobility in Israel 1990 to 2009 (Massachusetts: Massachusetts Institute of Technology, 2012), pp. 250-251
[17] Ian S. Lustick, “Israel’s Migration Balance: Demography, Politics, and Ideology”, Israel Studies Review, Vol. 26, Issue 26, (Summer 2011), p. 39
[18] Liza Rozovsky and Oz Almog, Op. Cit., pp. 4-15
[19] Michael Philippov, Op. Cit., p. 10
[20] المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، “إسرائيل 2012: اللاجئون الأفارقة سرطان”، أوراق إسرائيلية، العدد 58، 16 سبتمبر 2012، ص 3
[21] مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، سليم سلامة (مترجم)، “حال الطبقة الوسطى في إسرائيل: مجتمع أكثر استقطابا”، أوراق إسرائيلية، العدد 61، يوليو 2013، ص 5
[22] Monica Tarazi, “Planning Apartheid in the Naqab”, Middle East Report, No. 253 (Winter, 2009), p. 34
[23] Shlomo Swirski, Current Plans for Developing the Negev (Beersheva: Adva Center, 2007), p. 5
[24] Monica Tarazi, Op. Cit., p. 36
[26] Dan Tamir, Israeli Druze face deepening identity crisis, available on: link
[27] OECD, Op. Cit., p. 174-175
[28] Cf. Daniel Rossing, “Microcosm and Multiple Minorities: The Christian Communities in Israel”, in Lenn Schramm (ed.), Israel Year Book and Almanac (Jerusalem: Ibis Editions, 1999), 28–45.
[29] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.
رابط المصدر: