أولًا: أهمية الإخراج الصحفي
يُعرَّف فن الإخراج الصحفي بأنّهُ خطوة من خطوات إصدار الصحيفة تتعلق بمظهرها الخارجي وشكلها الفني، ويرتبط بمفهومين رئيسين، الأول: التصميم (Design) الذي يُعنى بوضع رسم أولي يوضح تصور المُصمم للصفحات، يحدد هويتها ويرسُم ملامحها، ولا يتغير إلا عبرَ مُدَد زمنية طويلة، والثاني: التوظيب (Layout) الذي يتعلق بطريقة تنسيق وتنظيم المواد الصحفية على الصفحات، وأماكنها وأحجامها، وكذلك الجداول والإطارات وغيرها من العناصر التيبوغرافية الأخرى.
وتحرص وسائل الإعلام على الإخراج والجوانب المتعلقة بالشكل والتصميم؛ لأهميتها وارتباطها الوثيق بالمضمون، وقوة تأثيرها على القارئ أو المشاهد، فنجد أنَّ الصحف المطبوعة تُصدِر نسخها الورقية بشكل يلفت أنظار القراء، وقنوات التلفاز تستخدم أحدث تقنيات البث والعرض في تقديم البرامج والنشرات، حتى الإذاعات هي الأخرى تجذب المُستمع عن طريق الأصوات فائقة الوضوح والموسيقى، وكذلك هو الحال بالنسبة لمظاهر الإعلام الجديد كالصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية والمدونات، وباقي المنصات الإعلامية الجديدة التي وظفت خصائص شبكة الإنترنت وخدماتها في إنشاء وإخراج مواقع وصفحات تتسم بالجاذبية والتميُّز، فنلاحظ مؤسسات الإعلام الكبرى تُخصِّص ميزانيات ومبالغ مالية كبيرة لتصميم وإخراج مواقعها وصفحاتها عبر الإنترنت وبشكل جذاب يلفت أنظار المستخدمين ويدفعهم إلى استخدامها ومتابعتها.
وهو أمرٌ يؤكد على أنَّ الرسالة الإعلامية لا تكتمل بالتحرير فقط، وإنما يُعد التصميم والإخراج، واختيار طريقة العرض المناسبة، وطريقة التنظيم، جزء مكمل من عملية التحرير والفن الصحفي، مهما كان نوع الوسيلة الإعلامية أو المنصة التي يُنشَر عبرها الخبر أو التقرير أو غير ذلك، بالتالي يمكن القول بأنَّ الإخراج الصحفي لا يرمي إلى الأغراض الجمالية والتنظيمية فقط؛ لأنّهُ فن تطبيقي يُحقق أغراض الصحافة الناجحة والمعاصرة كالوضوح والدقة والصدق في التعبير ويُسر القراءة وقابلية الاستخدام وسهولة التجول أو الإبحار في صفحات الموقع أو الصحيفة الإلكترونية، بالتالي فإنَّ العلاقة بين التحرير والإخراج مترابطة فلا بُدَّ للشكل أن يعكس المضمون بأمانة مع جاذبية يلفت فيها أنظار المستخدم ويدفعهُ إلى قراءة الموضوعات والفنون الصحفية.
ثانيًا: مراحل تطور الإخراج الصحفي في ظل انتشار الإنترنت
مر الإخراج الصحفي منذ انتشار الإنترنت وتزايد أعداد مستخدميها بعدة مراحل، لكل مرحلة ظروفها وخصائصها وأسبابها التي تأثرت بشكل مباشر في طبيعة الوسيلة الاتصالية وهي شبكة الإنترنت وهذه المراحل هي:
المرحلة الأولى: اعتُمِدَ فيها على النص وبعض الرسوم، لدرجة أنَّ مواقع الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية تشبه إلى حد كبير الصحف المطبوعة ورقيًا من ناحية الترويسة والشعار والعناصر الأخرى التقليدية، ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها ضعف البُنية التقنية للويب، ونقص الفنيين أصحاب المهارات في التعامل مع تلك التقنيات.
المرحلة الثانية: الاعتماد على الصور والشعارات الوامضة والبارزة لجذب أكبر عدد من المستخدمين، من عيوب هذه المرحلة عدم تناسق الشكل مع المضمون، وبطء تحميل صفحات الموقع، وصعوبة الوصول إلى الأخبار والمواد الصحفية المنشورة فيه.
المرحلة الثالثة: إِنصَبَّ فيها الاهتمام على الصفحة الرئيسة للموقع الإخباري أو الصحيفة الإلكترونية، عن طريق استخدام أحجام مختلفة للنص، وجداول وإطارت، فضلًا عن الاهتمام الكبير بالصورة التي تصاحب الخبر، لكنَّ عيوب هذه المرحلة تمثلت بمحدودية الصفحة وعدم احتوائها على أخبار ومعلومات كثيرة، واضطرار المستخدم للدخول في أكثر من صفحة فرعية للوصول إلى الخبر أو المعلومات.
المرحلة الرابعة: وهي ذروة التطور الذي وصل إليه الإخراج الصحفي المعاصر؛ وفيها لم يعتمد المخرج الصحفي أو المصمم على القوالب والأساليب القديمة والجداول والأعمدة والصور كبيرة الحجم، بل على المساحات والوحدات (الأجزاء) لنشر المادة الصحفية وهو أمر حقق توازنًا بين الشكل والمضمون في كل جزء من أجزاء الموقع الإخباري أو الصحيفة الإلكترونية.
ثالثًا: أساليب الإخراج الصحفي الحديثة
إنَّ التطور المعاصر الذي يشهدهُ الإعلام فيه انعكاس كبير على الكثير من الجوانب الإخراجية والتحريرية، فبيئة الإعلام اليوم عبر الإنترنت لا تشبه بيئة الوسيلة الإعلامية التقليدية، وهو أمرٌ يؤثر على طبيعة المضمون والشكل الذي يُقدَّم أو يُعرض فيه، بالتالي كان هناك حاجة لوضع أسس تحريرية وإخراجية جديدة تتسق مع خصائص وسمات الويب والتغيُّرات المستمرة الحاصلة فيها.
والمواقع الإعلامية بشكل عام (صحف ومواقع إخبارية) تواجه تحديًا يتمثل في عرض كم كبير من الأخبار والفنون الصحفية في صفحاتها الرئيسة، الأمر الذي يشكل تحديًا آخرًا للمُخرج الصحفي المسؤول عن إنشاء وتصميم الموقع وجعلهُ منظمًا قابلًا للاستخدام خاليًا قدر الإمكان من الأخطاء، لذلك فإنَّ هُناك عددًا من الأساليب الإخراجية الحديثة يُمكن رصدها في مواقع الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية المتاحة عبر الإنترنت، وهذه الأساليب هي:
1. أسلوب العمود الجانبي (Side Column): يعد من أبرز الأساليب التي استُخدِمت ولا تزال تُستخدم في إنشاء وإخراج المواقع الإخبارية والصحف الإلكترونية، تتجسد فكرتهُ بوضع عمود طويل يضم أقسام الموقع وصفحاته على أحد جانبي الصفحة الرئيسة تحت الرأس مباشرة فيمتد على طول الصفحة، يُميَز هذا العمود بلون مختلف عن الرأس والذيل وباقي الأجزاء الأخرى، أما باقي المساحة من الصفحة تكون مخصّصة لعرض الأخبار والتقارير بشكل بارز، ويتخذ هذا الأسلوب ثلاثة أشكال مختلفة، الأول: عمود على الجهة اليُسرى من الصفحة يسمى (Top-Left-Bottom) أي (أعلى، يسار، أسفل الصفحة) نلاحظهُ بوضوح في معظم المواقع الأجنبية أو العربية التي تنشر محتواها بلغات أخرى، والثاني: عمود جانبي على الجهة اليُمنى من الصفحة يسمى (Right-column) وهو الأكثر شيوعًا في المواقع الإخبارية وتحديدًا العربية؛ كونه يتلائم مع اتجاه النص والحروف العربية التي تبدأ من اليمين إلى اليسار، أما الثالث: يكون فيه العمود متحرك (Movable)؛ أي بإمكان المستخدم إظهارهُ أو إخفاءهُ وقد شاع استخدامه مؤخرًا كونه يوفر مساحة واسعة توظَف لنشر أخبار ومقالات أخرى.
2. أسلوب الأعمدة الثلاثة (Three-column): يتألف من عمود واسع عريض وسط الصفحة أو على أحد جوانبها، وعلى جانبيه عمودان آخران يضُمان قائمة التجول والأقسام الرئيسة والفرعية، أو آخر الأخبار المنشورة، يُفصَل بين كل عمود خط أو مساحة فارغة صغيرة فيبدو تخطيط الصفحة للمستخدم متصل مع بعضه، وهو مناسب للمواقع الإخبارية التي تنشر أخبار وتقارير عاجلة وسريعة، إذ إنَّ المساحة الواسعة التي يوفرها العمود الواسع تكون مناسبة جدًا لوضع العناصر النصية والوسائط المتعددة كافة، إضافًة إلى الروابط والمساحات المخصّصة للإعلانات، وقد تتخذ بعض المواقع الإخبارية الكبرى التي تستخدم هذا الأسلوب أكثر من ثلاثة أعمدة؛ كونها مواقع تنشر كميات هائلة من الأخبار والمواد الصحفية التي ينبغي عرضها على الصفحة، أو قد يوظَف عمودان فقط كما في تلك المواقع التي تترك مساحات بيضاء لإبراز الأخبار والتقارير بشكل أوضح، كما إنَّ كل عمود لا ينتهي بانتهاء الصفحة بل هو مستمر كلما تصفح المستخدم الصفحة الرئيسة أكثر كلما ظهرت لهُ أخبار أخرى منشورة داخل الموقع مُرتبة ومصنفة حسب الأهمية أو تاريخ التحديث.
3. أسلوب رأس وذيل (Header-Footer): أسلوب حديث يعتمد على الرأس والذيل فقط، يُعطى لكلاهما لون موحد يميزهُ عن باقي الأجزاء الأخرى، يتميز هذا الأسلوب بوضع الشعار والاسم الخاص بالموقع أو الصحيفة أعلى الصفحة في الرأس مع قوائم التجول والأقسام على شكل أزرار قابلة للنقر، قد تكون ثابتة أو متحركة تظهر للمستخدم على شكل قوائم، أما الجزء السفلي يخصّص لتكرار نفس الأقسام على شكل روابط نصية بحجم صغير أو وضع روابط داعمة أخرى مثل: (اتصل بنا، اشترك معنا، تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي..) وغيرها من الصفحات، في حين توَظف باقي المساحة المتوفرة من الصفحة لعرض الأخبار بطرق مختلفة، وعادة ما تكون هذه المساحة بيضاء اللون أو بألوان فاتحة، وهو من الأساليب المناسبة للمواقع الإعلامية التي تركز على بعض الأخبار والتقارير وتحاول جذب المستخدم للاطلاع عليها.
4. الأسلوب الشبكي (Grid): من أحدث الأساليب الإخراجية، يُركِز على الصور والرسوم الجرافيكية، يحول أقسام الموقع إلى مساحات مربعة أو مستطيلة بأحجام ثابتة منفصلة عن بعضها، يتسم بالجاذبية والتنظيم في ترتيب العناصر، بسيط وسهل الإنشاء، يتخذ أربعة أشكال تكون فيها العناصر فردية العدد: فالشكل الأول يضم ثلاث مساحات فقط واحدة منها أساسية والأخرى ثانوية تقع تحتها، والشكل الثاني يضم خمس مساحات، والشكل الثالث يضم سبع مساحات يُسمى شبكي مركب (Advanced Grid)، أما الشكل الرابع تكون فيه المساحات صغيرة وكثيرة يُطلق عليه شبكي مُعقد (Power Grid)، وهذا الأسلوب بمختلف أشكاله يتداخل كثيرًا مع أساليب الإخراج السابقة لأنّهُ يتميز بالمرونة داخل الصفحة دون أن يؤثر على المساحة المخصّصة للأجزاء الأساسية الأخرى من الموقع.
رابعًا: خاتمة وتوصيات
وعلى ذلك فإنَّ أفضل مواقع الأخبار والصحف الإلكترونية وأكثرها شعبية بين المستخدمين هي تلك التي تراعي في عملية الإخراج تنظيم الأخبار والمعلومات والعناصر وتستخدم العناوين الرئيسة والفرعية، وتحول كتل النص إلى نقاط معينة مختصرة، وتلتزم بمعايير وقياسات ثابتة للنص والألوان والأيقونات في كل جزء من صفحاتها، ولا تقوم بتغيير الشكل العام والأسلوب الإخراجي للموقع إلا بالاستناد على دراسات وأبحاث متخصِّصة تكشف نقاط الخلل والضعف فيها، فضلًا عن جعل كل صفحة من الموقع تتسق مع أنظمة تشغيل الهواتف المحمولة كون أنَّ معظم القراء في وقتنا الحالي يفضلون استخدام الهواتف للحصول على الأخبار أو الوصول إلى مصادر المعلومات.
ويجب أن تحرص المواقع والصحف الإلكترونية على الالتزام بمبادئ ومعايير الإخراج الصحفي وتطبيقها، وعلى رأسها البساطة التي يُقصد بها أن يُحافظ المُخرج على مبدأ العرض البسيط غير المتشابك، فالصفحات التي تتضمن معلومات وعناصر كثيرة تُفقِد المستخدم تركيزهُ وتجعلهُ يستغرق وقت طويل في تحميلها. ومبدأ المنطق المرئي الذي يعتمد على حقيقة أنَّ العين البشرية عندما تنظر إلى عناصر متعددة فإنّها وبتوجيه من العقل تتجه إلى النظر باتجاه أشياء محددة أو داكنة اللون قبل أن تركز على أشياء أخرى أو ألوان فاتحة، ولأنَّ المُخرج يعتمد بالأساس على المستخدم يسعى إليه ويحاول التأثير فيه في مجال الإعلام، نلاحظ المواقع الإعلامية تأخذ بعين الاعتبار الاتجاهات الأساسية للمنطق المرئي المتمثلة بانتقال عين المستخدم من العناصر الكبيرة إلى الصغيرة (Big to Small). ثم من الأعلى إلى الأسفل (Top to Bottom) في المواد النصية، فالمستخدم يعتقد أنَّ ما في الأعلى هو مهم، وما في الأسفل هو أقل أهمية. ثم من اليمين إلى اليسار (Right to Left) أو بالعكس، ويعتمد هذا الاتجاه على التمرس لا على الطبيعة البشرية؛ فالمستخدم العربي تتجه أنظارهُ إلى يمين الشاشة على عكس المستخدم الأجنبي الذي تبدأ لغة كتابته من اليسار إلى اليمين، وعلى هذا فإنَّ هذه الجزئية من شأنها أن تؤدي إلى اختلافات في تصميم وإخراج المواقع الإخبارية العربية وغير العربية.
المصدر: https://annabaa.org/arabic/studies/37011