الإخوان في بريطانيا.. أسباب عدم الكشف عن مخاطر الجماعة

جاسم محمد

 

ما زال يثير وجود الإخوان في بريطانيا، الكثير من التساؤلات، تحديدا، لماذا تهادن بريطانيا هذه الجماعة، ولماذا لا تقوم بحظرها مثلما عملت بعض الدول الأوروبية؟ سؤال ربما لم نجد له إجابة راسخة، كونه يتعلق في الاستخبارات البريطانية من الداخل وفي الطبقة السياسية البريطانية، التي طالما استخدمت هذه الجماعة ، ورقة ضاغطة ضد دول المنطقة منذ عقد الأربعينيات من القرن الماضي.

من يريد أن يفهم الموقف البريطاني هذا، الذي دوما ما يصاحبه الغموض، حول الإخوان، عليه أن يعود إلى التاريخ، كيف استخدمت بريطانيا الإخوان ضد الرئيس الراحل عبدالناصر وضد الزعيم أحمد سيكارنو وغيرها من الدول التي كانت معروفة بالتوجه القومي.

وهنا لابد من الرجوع إلى “سفر الإخوان” الأيديولوجي، الذي يتعارض تماما مع القومية، ويطرح الإخوان مجموعة عابرة إلى القومية والحدود، وربما “نزع الوطنية والمواطنة” أحد أبرز قواعد العمل لهذه الجماعة.

“أسلمة المجتمع”

هي لا تختلف عن تنظيم داعش في “أسلمة المجتمع” و”إقامة الخلافة الإسلامية” بقدر أن الأخيرة عندها مؤجلة. الجماعة في بريطانيا وأوروبا، تعتبر وجودها بحد ذاته هو “جهاد” من اجل أسلمة المجتمعات الأوروبية. استغلت الجماعة الحماية والدعم الذي قدمته بريطانيا إلى جانب بعض دول أوروبا، من اجل بناء نفسها باعتبارها تنظيم دولي عابر للحدود، وما يميز هذه الجماعة أنها تعمل بشكل منظم، وتقوم بتوزيع الأدوار مابين العمل السري والعمل الدعوي الظاهر على السطح.

لذا يمكن وصف الجماعة بأنها بالفعل أخطر من التنظيمات “الجهادية” الأخرى مثل القاعدة وتنظيم داعش وغيرها، ولو تحدثنا عن بريطانيا فالحديث مختلفا تماما.

العمل تحت واجهات قانونية وشرعية

لم تكن الجماعة، مجرد جماعة “دعوية” ساذجة أو “جهادية” ظاهرة على السطح بقدر ما كانت ذكية بالجمع بين الاقتصاد ـ المال والأيديولوجية ـ لذا عملت هذه الجماعة على تكوين مشاريع بمختلف المستويات في مجال الاستثمارات التجارية والعقارات والبنوك، لتحصل بعد سنوات على ترسانة من شبكة الأعمال الاقتصادية، مكنتها من تقديم نفسها إلى الجاليات المسلمة وإلى صناع القرار في أوروبا على أنها “نموذج إيجابي” في المجتمعات الأوروبية وتقوم ” ببناء المجتمع ودعم النظام الديمقراطي” في دول أوروبا ومنها بريطانيا.

المال والسلطة، جعلا الجماعة بالفعل، قريبة من صناع القرار في بريطانيا، من خلال العمل تحت شركات وواجهات “العمل الخيري” لتضع نفسها ، ممثلا للجاليات المسلمة في بريطانيا.

كيف نجحت جماعة الاخوان في بريطانيا بالتقرب من صناع القرار ؟

عندما تطرح الجماعة نفسها، بانها ممثلا عن الجاليات المسلمة في بريطانيا، بدون شك،  ممكن أن تكون الجماعة “رافعة ” إلى بعض السياسيين في بريطانيا، وخير مثال ما حصل مع زعيم حزب العمال السابق “كوربين” عام 2005، عندما تقرب إلى الجماعة في منطقة “فينسري بارك” عندما كان نائبا عن تلك المنطقة، وكيف استقطبته الجماعة إلى حضور جلسات مسجد فينسري التي نجحت بفرض سيطرتها على إدارة ذلك المسجد.

ما يريده صانع القرار أو السياسي البريطاني هو كسب الأصوات، خلال الانتخابات والحملات الانتخابية، وهذا ما تا جرت به الجماعة في بريطانية، المتاجرة بأصوات الجاليات المسلمة في بريطانيا !

وهذه الحقيقة الراسخة، ربما هي السبب الرئيسي التي يجعل بريطانيا لم تحظر الجماعة لحد الآن، فلم تظهر لحد الآن أصوات معارضة قوية داخل البرلمان البريطاني يطالب  بحظر الإخوان، وبقي مشروع “كاميرون” رئيس الحكومة البريطانية الأسبق يتيما، عندما طرح مشروعه عام 2015 لمراجعة عمل الجماعة، منذ ذلك الحين، لم تظهر أي تقارير مخابراتية تكشف عمل الجماعة؟

بريطانيا ـ لا توجد أصوات سياسية قوية لحظر الجماعة

وعندما نقارن الخطوات التي اتخذتها بعض دول أوروبا مثل فرنسا وبريطانيا وغيرها، نجدها كانت اكثر وضوحا من بريطانيا، تلك الدول كشفت تقاريرها الاستخبارية بكل شفافية مخاطر الإسلام السياسي ـ جماعة الإخوان إلى حد أنها اعتبرتها أنها هي الأخطر من تنظيم القاعدة وداعش.

السؤال ـ لماذا لم تقدم الاستخبارات البريطانية “أم 5” تحديدا تقاريرها أو شهادتها أمام البرلمان البريطاني؟ لماذا لا تفصح عن تقاريرها حول الجماعة.

الأجدر أن يطالب أعضاء البرلمان البريطاني أجهزة الاستخبارات بالكشف عن تقاريرها، أن نشر التقارير من هذا النوع ونشرها، تجعل الشارع البريطاني على اطلاع بمخاطر هذه الجماعة، تبقى مسؤولية الاستخبارات مسؤولية “تنفيذية” فعلا، لكن يجدر بالبرلمانات نشر مثل هذه التقارير  وإعلان درجة مخاطر التهديدات.

بريطانيا، تشهد تطرفا وتهديدا امنيا من الداخل، فلم يعد الإرهاب والتطرف مستوردا أبدا، وهذا يدفع الحكومة البريطانية، بضرورة العودة إلى قواعد أساسية في محاربة التطرف، منها مراجعة سياسات و الوضع القانوني إلى جماعة الإخوان.

إن جماعة الإخوان تمرست  بالفعل بعملها في المجتمعات الأوروبية ، والالتفاف على القوانين، وبدون شك هذا ما يصعب الاستخبارات البريطانية، ربما بجمع الشواهد والأدلة حول تورط الجماعة في نشر التطرف محليا.

ما ينبغي العمل عليه من قبل الحكومة البريطانية، هو إعادة تقييم خطر الجماعة من الداخل، في أعقاب التحديات التي تشهدها بريطاني، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، ومراجعة الواجهات التي تعمل خلفها الجماعة، وايجاد تلك العلاقة، من شأنه يسهل الكثير من العمل على الاستخبارات والحكومة البريطانية.

تبقى العلاقة بين الإخوان وبريطانية علاقة زواج سياسي قائم على المصالح المشتركة، وهذا ما يجعل، الكشف عن مخاطر الجماعة، واتخاذ القرار بحظرها، ليس سهلا، هناك غياب في الرغبة السياسية لاتخاذ مثل هذا القرار، وغياب في إيجاد اتفاقات وتوافقات داخل البرلمان البريطاني من أجل جمع الأصوات وترويج أي مشروع مستقبلا لحظر الجماعة

رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M