يعمل على إحداث تغيير إيجابيّ في سلوك الفرد (المسترشِد) ليُدرك مدى قدراته ومهاراته، ويصبح أكثر استقلاليّة ومسؤوليّة. ويساعد الإرشاد النفسيّ الأشخاصَ الذين يعانون من عواطف سلبيّة مثل: القلق، الخوف، الشعور بالذنب، احتقار الذات، الوحدة، وفقدان الأمل، في استبدال هذه العواطف بكل ما من شأنه العمل على…
إنّ ظهور الإرشاد النفسي كان استجابة للظروف التي شهد العالم من تغيّرات وتقلّبات أُسريّة واجتماعيّة واقتصاديّة مصاحبة لتقدّم تكنولوجيّ كاسح خاصّة في الآونة الأخيرة. وكلّ شيء تغيّر في الحياة…
عباراتٌ نسمعها يوميّاً! لكن السؤال، ما الذي تغيّر؟ وماذا أضاف هذا التغيير على حياتنا؟ وماذا نتج عنه من تداعيات أثرّت على أطفالنا وشبابنا؟
فالأوضاع الاقتصاديّة الصعبة التي نعيشها، دفعت نسبة كبيرة من النساء -الأمهات- إلى دخول سوق العمل، ما جعلهنّ يغبنَ عن أُسرهنَّ، ولو لوقت قصير يوميّاً. ومن المظاهر السلبيّة التي نراها في العالم المعاصر، تفكّك الأسر أو غياب أحد الوالدين عن البيت، لأسباب عديدة (وفاة، طلاق، سفر… إلخ)، مضافاً إلى هيمنة التكنولوجيا وسيطرتها بشكل شبه كامل على حياتنا وحياة أولادنا، ودخولها إلى عقر دارنا شئنا أم أبينا، وهذا جعل منها لصّاً يتسلّل إلى نفوس أولادنا، ويسرق منهم الاتزان الانفعاليّ ويزيد لديهم القلق والتوتر.
كلّ هذه التغيرات والتقلبات التي حصلت وما زالت تحصل، جعلت من الإرشاد النفسي ضرورة ملحّة، فهي تقدّم خدمات وقائيّة، ونمائيّة، وعلاجيّة، ضروريّة للطلبة والشباب كافّة في مختلف المراحل؛ المدرسيّة والجامعيّة. فما هو الإرشاد النفسيّ؟ وما هو دوره ووظائفه؟ وكيف يخدم أطفالنا وشبابنا؟
يتم الحديث عن الإرشاد النفسيّ على أنّه علاقة إنسانيّة بين شخصين غالباً، الأوّل هو طالب المساعدة (المسترشِد)، والثاني هو المتخصّص المتدرِّب (المُرشِد) الذي يحمل معه أكثر الحلول الملائمة لمشكلات الأوّل. وعادة ما تأتي هذه المساعدة ضمن عمليّة واعية مستمرّة تهدف إلى تعريف الفرد بنفسه وفهم ذاته، إضافة إلى دراسة شخصيّته جسميّاً، وعقليّاً، واجتماعيّاً، وانفعاليّاً، مع تحديد مشكلاته وحاجاته، والعمل على مساعدته في تحقيق الصحّة النفسيّة مع نفسه ومع الآخرين في المجتمع.
لماذا الإرشاد النفسيّ؟ وما هو هدفه ودوره؟
يسعى الإرشاد النفسيّ في الدرجة الأُولى إلى تحقيق الصحّة النفسيّة للفرد؛ وذلك حتى يعيش حياة نفسيّة سليمة بعيدة عن المخاوف والاضطرابات، وكلّ ما يُسبِّب حالات عدم الاتزان. كما أنّه يعمل على إحداث تغيير إيجابيّ في سلوك الفرد (المسترشِد) ليُدرك مدى قدراته ومهاراته، ويصبح أكثر استقلاليّة ومسؤوليّة. ويساعد الإرشاد النفسيّ الأشخاصَ الذين يعانون من عواطف سلبيّة مثل: القلق، الخوف، الشعور بالذنب، احتقار الذات، الوحدة، وفقدان الأمل، في استبدال هذه العواطف بكل ما من شأنه العمل على تحقيق الفرد لذاته، وتغيير عاداته وسلوكه غير الفعّال إلى سلوك أكثر فعّاليّة، يُمكّنه من اتخاذ القرارات المناسبة والتخطيط للمستقبل.
فما هي مجالات الإرشاد النفسيّ التي تساهم في تحقيق الذات لدى الفرد؟
إنّ الإرشاد النفسيّ يساعد الأفراد على اختلاف فئاتهم العمريّة، وفي مجالات متعدّدة؛ تربويّة، مهنيّة، أسريّة، نفسيّة، وغيرها. ففي المؤسسات التربويّة يقوم المرشد المتخصّص بمساعدة الطالب المسترشِد للتغلب على المشكلات التربويّة التى تواجهه، من خلال اختيار النشاطات والتوجيهات التي تتّفق مع ميوله، وقدراته، واستعداداته. وذلك من أجل تحقيق أهداف العمليّة التعليميّة.
ومن الناحية المهنيّة، يقدِّم المرشِد معلومات وافية للمسترشِد عن المهنة التي تناسب شخصيته، وميوله، وقدراته، حتى يتمكن من النجاح فيها. وقد يحتاج المرشد إلى التدخّل الأُسريّ لإرشاد الفرد؛ فيقوم بإرشاد الأبوين، والأولاد، لكن ذلك يتمّ من خلال إرشاد كلّ فرد على حدة ضمن العائلة. وأبرز المشكلات التي يتعامل معها المرشد العائليّ تتمثل بـ : اضطراب العلاقات بين أفراد الأسرة، الإدمان، اضطراب العلاقات بين الأخوة، عقوق الوالدين، سوء التوافق الأسريّ، مشكلات المرأة العاملة، التفكّك الأسريّ…
من خلال ما تم ذكره سابقاً، نشير إلى أنّ أيّ موقف أو تغيير يواجه الفرد، وخاصّة الأطفال والشباب، قد يؤثّر على نموّهم النفسيّ، وينعكس على شخصيتهم وسلوكهم في المجتمع؛ لذا ندعو جميع المعنيّين، وخاصّة الأهل والمدرسة، إلى التعاون والعمل على مساندة الطفل أو الشاب لتخطّي هذه الصعوبات دون أن تترك آثاراً تنعكس سلباً عليه وعلى تعامله مع محيطه. وإن أكثر ما نحتاج إليه اليوم هو تقبّلنا للإرشاد النفسيّ؛ لأنّه حاجة إنسانيّة تساعد في حلّ كثير من مشاكلنا.
المصدر : https://annabaa.org/arabic/psychology/39550