الشيخ عبدالله اليوسف
إن الإساءة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إساءة إلى كل الرسل والأنبياء؛ لأن النبي (صلى الله عليه وآله) هو وارث جميع الرسل والأنبياء السابقين، وبه ختمت النبوات والشرائع السماوية.
إن الإساءة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو إساءة إلى نبي الله عيسى (عليه السلام)، وإلى نبي الله موسى (عليه السلام)، وإلى سائر أنبياء الله ورسله الذين بعثهم الله تعالى لهداية عباده عبر التاريخ.
فالإساءة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقول أو الفعل، بالرسم أو بغيره هو استفزاز لمشاعر وعواطف أكثر من مليار ونصف من الناس الذين يتبعون هذا النبي العظيم الذي بعث رحمة للعالمين.
ولابد من التشديد على أهمية اتباع الوسائل السلمية والحضارية في الدفاع عن نبي الإسلام، لأن ذلك هو أكثر الوسائل إقناعاً وفائدة وتأثيراً في الرأي العام العالمي.
والتأكيد على أهمية التعريف بشخصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما يليق بمقامه العظيم، وإيصال رسالته الإنسانية إلى كل الناس في العالم.
والتحذير من التساهل في التكفير، وإتباع خطاب الكراهية والتحريض المذهبي والديني، والذي عانت منه البشرية كثيراً. فظاهرة التساهل في التكفير من أكثر المحن التي ابتليت بها الأمة، وأدت طوال التاريخ إلى نشوء الكثير من الصراعات والمآسي بين المسلمين.
ان أول حركة تكفيرية نشأت في القرن الهجري الأول هي حركة الخوارج، وقد تبنت الرأي القائل بكفر أو شرك مرتكب الكبيرة من المسلمين، وعُرفت هذه الحركة التكفيرية بالقسوة والشدة والعنف، وانتهاك الأعراض والأموال والأنفس، ووصل بهم الجرأة إلى حد تكفير الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لأنه رفض التراجع عن قبول التحكيم، مما اعتبروه معصية كبيرة في نظرهم، وهو أمر يستوجب التكفير!
وتوالت بعد ذلك الحركات والتيارات التكفيرية في الأمة، فنشأت حركات تكفر المجتمع الإسلامي برمته، أو تكفر كل من يختلف معها في مذهب أو معتقد أو رأي اجهادي أو منهج في الفكر والتفكير.
ولم يقتصر التكفير على أصحاب المذاهب المختلفة كما كان بين المعتزلة والأشاعرة، أو بين السنة والشيعة، بل وصل الأمر إلى درجة تكفير حتى أصحاب المذهب الواحد لبعضهم البعض لمجرد اختلاف في بعض الآراء الاجتهادية، أو المناهج العلمية أو العملية.
وتنهى النصوص الدينية المعتبرة عن تكفير المسلم بغير حق، ويصدق المسلم على كل من أقرّ بالشهادتين، وصَدَّق بالتوحيد والرسالة والمعاد، وبذلك يدخل الإنسان في عداد المسلمين، ويعصم بذلك دمه وماله وعرضه، لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «كُلُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».
وأن المناط في الإسلام وحقن الدماء والتوارث وجواز النكاح إنما هو شهادة أن لا إله إلَّا الله وأن محمداً رسوله، وهي التي عليها أكثر الناس، ويدل على ذلك ما في صحيح حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «الْإِسْلَامُ مَا ظَهَرَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنَ الْفِرَقِ كُلِّهَا، وَبِهِ حُقِنَتِ الدِّمَاءُ، وَعَلَيْهِ جَرَتِ الْمَوَارِيثُ، وَجَازَ النِّكَاحُ».
وما في موثقة سَمَاعَةَ، عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «الْإِسْلَامُ شَهَادَةُ أَنْ لَاإِلهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالتَّصْدِيقُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ؛ بِهِ حُقِنَتِ الدِّمَاءُ، وَعَلَيْهِ جَرَتِ الْمَنَاكِحُ وَالْمَوَارِيثُ».
فالمشهور بين فقهاء الشيعة قديماً وحديثاً هو القول بإسلام كل من أقر بالشهادتين، ولم ينكر ضرورياً من ضروريات الإسلام، وهو ما عليه الفتوى والعمل.
كما أن فتوى السيد السيستاني الأخيرة واضحة وجلية لا لبس فيها، ولا تحتمل التفسيرات والتأويلات المتعددة، حيث نصت على: «إن المسلم غير الاثني عشري مسلم واقعاً وظاهراً؛ لا ظاهراً فقط، ولذاك فإن عبادته كصلاته وصومه وحجه تكون مجزية ومبرئة لذمته من التكليف بها إذا كانت مستوفية الشروط».
من هنا لابد من التأكيد على أهمية اتباع الأسلوب المناسب والحكيم في عرض الآراء والأفكار والاجتهادات المتعددة، بعيداً عن لغة التهييج والإثارة المضرة بمصالح الإسلام ووحدة المسلمين.
فليس كل ما في بطون الكتب صالحاً للنشر، ففي التراث الغث والسمين، الصحيح والسقيم، وبعض ما فيها أصبح من الأفكار الميتة غير القابلة للحياة، ولم يعد يقول بها أحد من أهل العلم والفضل.
وفي تاريخ المذاهب والفرق الإسلامية الكثير من المذاهب التي انقرضت وماتت بموت أصحابها، وانقرضت مقولاتها التي لو قال بها أحد الآن لأصبح محلاً للتندر والضحك!
فالجماعات التكفيرية بأعمالها الإرهابية والمتطرفة شوهت شخصية النبي العظيم (صلى الله عليه وآله)، وصورة الإسلام ورسالته السمحاء.
وعلى المسلمين كافة التوحد والاتحاد تحت راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فالنبي الكريم (صلى الله عليه وآله) محل إجماع عند جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم ومدارسهم المتنوعة، وأن يعملوا بحكمة ولباقة على تعريف العالم كله بالشخصية العظيمة للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وإبراز تجليات ومعالم رحمته ورفقه وإنسانيته التي لا نظير لها إلى كل الشعوب والأمم في الأرض.
رابط المصدر: