حسين أبو نادر
جاء الإسلام كدين سماوي ينصف المرأة ويحمي حقوقها، وينقذها من الظلم الذي كانت ولا تزال تعاني منه. غير أن بعض الأشخاص الذين يتصيدون في الماء العكر، قالوا بأن الإسلام جاء مقيِّدا ومانِعا لحقوق المرأة، وهذا اتهام باطل لا صحة له في أرض الواقع، لأن الإسلام في بواكير الرسالة الإسلامية شرّع عدم وأد الأنثى التي كانت تُقتل بدم بارد، وكأنما الحياة للذكور فقط، ومن الأمور التي أضافها الإسلام للمرأة أيضا، أن أعطاها حق التعليم والعمل وكل جوانب الحياة الكريمة، فجعل لها حقوقا كما حفظ ذلك للرجل، في إطار ما يرضي الله وفي حدوده تعالى، فنجد هناك الكثير من النساء العالمات العاملات كسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وهي خير مثال لكل النساء المسلمات وغيرهنَّ.
أما من المنظور القانوني، فلم نعثر في نصوص حقوق الإنسان ما يدل على أن الدين الإسلامي قيد المرأة او قلل من حقوقها، بل على العكس من ذلك، منحها دورا فاعلا ومهما، ومما لابد من ذكره هنا أن المرأة هي نصف المجتمع، بل كله، لانها أساس الكيان الأسري، فما بُنِيتْ أسرة إلا وكانت ربة بيته صاحبة الإدارة الكاملة للأسرة ولها حقوقها الكاملة في ذلك، ومن جانب آخر وهو التربوي والمجتمعي، كان للمرأة دورها الفعال ترسيخ القيم التي لا تميز بين أفراد الأسرة، سواءً كانوا ذكورا أو إناثا، على أن تكون النساء هنَّ أساس العملية التربوية لبناء المجتمع المعتدل الذي تتساوى فيه فرص الجميع تحت راية الدين الإسلامي الحنيف.
الترابط بين العدل والمساواة والإنصاف
وفي خضم هذا الطرح، اخترنا مجموعة من الشخصيات ذات الارتباط الوثيق بموضوع حقوق المرأة في الإسلام، وتوجهنا لهم بأسئلة متنوعة كل حسب تخصصه، وبدأنا بسماحة الشيخ مازن التميمي بالسؤال التالي:
– كيف يمكن إثبات أن الإسلام أنصف المرأة وقد مُنحَ الرجلُ مثل حظ الاثنيين؟، فأجاب سماحته: الإسلام دين العدل والمساواة، والناس متساوون فيه كأسنان المشط، فهل يمكن اثبات أن الإسلام أنصف المرأة ومنحها حقها في المساواة، وكيف؟، الجواب:
إن صيغة السؤال فيها تناقض بدوي بين مفاهيم ثلاثة هي (العدل) و(المساواة) و(الإنصاف)، ونسبتها لنفس الجهة مشكل في الأثر الخارجي على المكلف:
فالعدل فيه معانٍ عديدة، منها:
1- إعطاء كل ذي حق حقه وله استعمالاته المختلفة.
2- وضع الشيء موضعه وله استعمالاته المختلفة.
3- وهو الاتزان في الأشياء وله استعمالاته المختلفة.
4- العدل بمعنى التساوي وله استعمالاته المختلفة.
ويُشترط في ذلك كله شرطان، هما:
1- توفر الاستعدادات لقبول المُفاض عليه للفيض.
2- توفر الإمكانات اللازمة.
وعلى المعنى الأول للعدل، فالعدل الإلهي: يعني أن أي موجود يأخذ من الوجود ومن كماله الوجود المقدر الذي يستحقه وبإمكانه أن يستوفيه، والحكماء الإلهيون عندما يضيفون صفة العدل لله تعالى فهم يقصدون بها هذا المعنى، وهو منح من دون استحقاق شرطي يذكر.
والموجودات تتفاوت مع بعضها في النظام الكوني من حيث قابلياتها لاكتساب الفيض من مبدأ الوجود، فكل موجود وفي أية رتبة من الوجود يملك استحقاقاً خاصاً به من حيث قابلياته لاكتساب الفيض.
ولما كانت الذات الإلهية المقدسة كمالاً مطلقاً وخيراً مطلقاً وفياضة على الإطلاق فهي تعطي ولا تمسك، ولكنها تعطي لكل موجود ما هو ممكن له من وجود أو كمال وجود، فمن هذه الناحية المرأة قد أخذت حقها كغيرها من الموجودات من دون الحاجة للمطالبة أو وجود أي شرط استحقاقي، يقول تعالى ذكره: “قالَ رَبُّنَا الَّذي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى”/(طه: 50)، والعدل في هذا المعنى يساوي الإنصاف.
فقد عرّفه ابن فارس في معجمه قائلاً: “النون والصاد والفاء أصلان صحيحان، أحدهما: يدل على شطر الشيء، والآخر على جنس من الخدمة والاستعمال، فالأول نصف الشيء ونصيفه: شطره…، والإنصاف في المعاملة كأنه الرضا بالنصف، والنصف الإنصاف أيضًا”، وقولنا: أنصف الرجل أي: عدل، وأنصفت الرجل إنصافًا إذا أعطيته الحق، وتناصف القوم إذا تعاطوا الحق بينهم.
والخلاصة: أن (أنصف) من الجذر (ن ص ف) الذي يدل على النصف والعدل والقسط والاستواء، يقال: أنصفت الرجل إنصافًا: عاملته بالعدل والقسط.
وفي المصطلح الإنصاف بكسر الهمزة: العدل، أي: أن تعطيه من الحق كالذي تستحقه لنفسك، وهو: في المعاملة العدل، بأن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلا مثل ما يعطيه، ولا ينيله من المضار إلا كما ينيله، وقيل: هو استيفاء الحقوق لأربابها، واستخراجها بالأيدي العادلة، والسياسات الفاضلة، وهو والعدل توأم، نتيجتهما علو الهمة، وبراءة الذمة، ولم يرد مصطلح (الإنصاف) في القرآن الكريم، ولكن القرآن تحدث عنه بعبارات بمختلفة.
والمعنى: أن الإنصاف استعمل في نفس المعنى اللغوي، لأنه يتطلب رعاية العدالة والمساواة بين شخصين أو جهتين في تأدية ما لهما من الحقوق.
أما المساواة فهناك معنيان لها، احدهما: المساواة المطلقة التي تزيل الفوارق بين الطرفين تماماً لتصبح الموجودات سواسية كأسنان المشط، ولا فرق في أن المزال عدل أم غيره، وبذلك فهو: لا يساوي العدل، فمعاملة الناس على اختلاف طاقاتهم وقدراتهم وامكاناتهم بمستوى واحد ليس عدلاً وتكلف مالا طاقة به، لذا فإن دعوى المساواة التي يطلقها البعض في حق المرأة مع الرجل هي في أصلها دعوى ظالمة للمرأة لأنها في جانب منها تكليف بما لا يطاق والمسألة في النقاش واقعية وجدانية وليست نظرية افتراضية.
وعليه: فإن الإسلام في حق المرأة يأبى المساواة ويقر الحق والله تبارك وتعالى يعطيه من دون مطالبة.
مكانة كبيرة للمرأة في شريعة السماء
سألنا الدكتور علاء الحسيني/ كلية القانون/ جامعة كربلاء المقدسة:
– من وجهة نظر قانونية هل هناك أدلة على أن الإسلام قيَّد من الحريات المشروعة للمرأة؟، فأجابنا:
حظيت المرأة في الإسلام بمكانة مرموقة وكفلت لها شريعة السماء حقوقا وحريات قل نظيرها في القانون الوضعي، فقد تميز الدين الحنيف عن الحضارات السابقة له بالنظرة الإنسانية المتسامحة للناس بلا تمييز ذكورا وإناثاً، ونظمت الحقوق والحريات بشكل متقن، ضمن ضوابط حاكمة تمنع العدوان على التنظيم وبالوقت عينه تمنع التعسف بالحق أو الحرية، فلا إفراط ولا تفريط في الإسلام، ومن الملاحظ تأكيد المشرع الإسلامي على تنمية منظومة القيم بموازاة التأكيد على التنظيم الخاص بالحقوق والحريات لتقوم الأخيرة على أساس سليم، فالنصوص لوحدها لن توجد الفضيلة ما لم يسير بموازاتها البناء الروحي للفرد المسلم ليكون هو الرقيب على تصرفاته والحاكم على صحتها من عدمه.
وما تقدم ليس إلا تنمية الضمير الإنساني، ومن نافلة القول ان الإسلام أكد على جملة من الحقوق للمرأة المسلمة من شأنها ان ترفع مكانتها الاجتماعية حيث أكد المشرع على أهمية التعليم للجميع ولم ينحصر الأمر في التعليم الديني بل شمل مختلف العلوم الإنسانية والصرفة يقول تعالى: “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ” وقال النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم ” طلب العلم فريضة على كل مسلم”.
ويؤكد القرآن الكريم حقيقة المساواة التامة بين الرجال والنساء دنيوياً وأخرويا حيث يقول جل شأنه “فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض” ويقول تعالى في موطن آخر “للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا” كما دأب النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم على التأكيد على حرية المرأة في الزواج وحث وليها على حسن الاختيار لضمان حقها في تكوين الأسرة والعيش في كنفها بمعية زوج صالح مؤمن يحفظ لها كرامتها حيث يقول “من رضيتم خلقه ودينه فزوجوه”.
ويؤكد كذلك على ان أكمل المؤمنين إيماناً “أحسنهم خلقاً”، وتتجلى عظمة الإسلام في رفع شأن المرأة بسرد القصص الإيجابية للنساء العظيمات من أمثال الملكة بلقيس والطاهرة مريم بنت عمران وزوجة الملك فرعون وغيرهن ممن تركن الأثر الطيب والذكر الحسن.
المرأة والحفاظ على الكيان الأسري
أما الكاتبة الإعلامية زينب صاحب رئيسة جمعية المودّة والازدهار النسوية الثقافية، فقد توجهنا إليها بالسؤال الآتي:
– المرأة نصف المجتمع، وهي أساس الكيان الأسري، هل هذا يعني أن مكانها المنزل فقط، وما هي الأنشطة التي تستطيع القيام بها لتطوير المرأة والمجتمع؟، فأجابت بالقول:
لا يخفى على أحد أهمية دور المرأة وحفاظها على الكيان الأسري وهو بمثابة العمود للأسرة، فلابد أن تعي المرأة أهمية هذا الدور وأن من أهم مسؤولياتها هو تربية الأجيال ولا تستصغر هذا الدور أو تفرط به بل تعطيه الأولوية في حياتها، ومن أجل ذلك تحتاج إلى تطوير العديد من المهارات لديها إضافة إلى المطالعة في مجال علم نفس الطفل والبحث إضافة لتطوير الجانب السلوكي لديها، إذ أن ذلك ينعكس على الطفل مباشرة، كل ذلك كي تستطيع أن تؤدي تلك المسؤولية بالنحو الصحيح وبالنتيجة المنزل مصنع للأجيال ومكان لا يستهان به.
وأما النشاطات التي بإمكانها المشاركة فيها كل حسب نمط شخصيتها والطبيعة السايكولوجية التي تحملها والمجال الذي ترغب في المشاركة به، فالأولوية تكون للثقافية منها كالحضور في الندوات ونوادي الكتاب التي هدفها التشجيع على المطالعة والقراءة، إضافة إلى الدورات التي ستساعدها في تطوير شخصيتها وصقل المنظومة الفكرية لديها كما وتعينها على التعامل مع الحياة وتقلباتها بشكل أنضج وأحسن.
بالإضافة إلى المشاركة في الدورات التخصصية التي تنمي لديها بعض المهارات كالكتابة وفن الإلقاء وبعض المهارات التكنولوجية.
وختاما لابد من إضافة ملاحظتين:
الأولى: هي مرحلة التطوير الذاتي للمرأة نفسها إذ انه يساهم في تطوير المجتمع.
الثانية: هي التوازن بين مسؤولياتها في المنزل وبين النشاطات التي تمارسها.
دور المعلمة في نشر حقوق المرأة
وأخيرا توجهنا للمشرفة التربوية (أمل الموسوي) بالسؤال التالي:
– المدرسة إن صح تسميتها بالبيت الثاني للتلاميذ والعملية التربوية قائمة على أساس التربية والتعليم، كيف يمكن للمعلمة التربوية أن تضاعف من وعي الطالبات بحقوقهنَّ المشروعة؟ فأجابت:
مما لا شك فيه أن المدرسة أخذت دوراً كبيراً ومهماً في التربية والتعليم باعتبارها المنهل الأساسي لجميع المعارف التي يحصل عليها الفرد في سنيّه الأولى، كونها الرديف لبيت العائلة (المدرسة الأولى) لعدم تفرغ الأهل وفق ظروف الحياة المعاصرة بين العمل ومشاغل الحياة الأخرى. لذا اقتضى تواجد الفرد في المدرسة لأكثر من أربع ساعات متواصلة، فإن ما يتعلمه ويتأثر به في هذه الأجواء قد يكون أكثر وأعمق مما يأخذه من العائلة، لذلك تساهم في بناء شخصيته وميوله ومعارفه المختلفة.
أكد الإمام زين العابدين سلام الله عليه في رسالة الحقوق قوله:
(أما حق الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به و المعونة له والستر على جرائر حداثته فإنه سبب التوبة والمداراة وترك مماحكته فإن ذلك أدنى لرشده).
والتأمل في هذا القول وفهمه بعمق سيكون دليل عمل واضح للتعامل مع حقوق الدارسين، وخاصة فئة البنات كونهن العنصر الأكثر تأثيراً في المجتمع وبنائه، لأنها الأم والأخت والبنت والصديقة. لذا كان حرياً بالمعلمات ان يفهمنَ هذا الدور المهم وأن يكنَّ على قدر عالٍ من المسؤولية والتفهم والإدراك وسعة الصدر، ليكنَّ مؤهلات بحق للتعامل التربوي السليم وبسمو الأخلاق مع طالباتهن.
على المعلمة ان تكون فاهمة تماماً لهذه الحقوق ولديها المرونة الكاملة في تحفيز الطالبات على فهم وإدراك هذه الحقوق وتحويلها إلى سلوكيات يومية كجزء من تفاصيل الحياة وإدخال الطالبات في تجارب يومية لممارسة هذه الحقوق فضلاً عن الحقوق المدنية الجديدة التي أفرزتها الحياة المعاصرة كحق الانتخابات واختيار الممثلين للقيادة في المجتمع المدرسي.
.
رابط المصدر: