د. محمد بوبوش
تمهيد
بعد أزمات البلقان والعراق وسوريا عادت أزمة أوكرانيا لتزيد التوتر الدولي والاستقطاب الحاد بين روسيا و الغرب ممثلا في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، ويبدو أن العالم يتطلع لعودة هذه الحرب ويرى فيها أمانا وتوازنا، فقد كانت نهاية هذه الحرب بداية لحالة من الفوضى والشك والتفرد الأميركي المزعج للعالم كله تقريبا، وكشفت أيضا أن الجماعات المسلحة كانت أكثر انضباطا وأنها في المرحلة الجديدة قد انطلقت بلا عقال أو تنظيم حتى أصبحت تهديدا عالميا مربكا، وربما تكون عودة الحرب الباردة أكثر أمانا وتنظيما للعالم.
هل تدار العلاقات بين الدول استناداً إلى منطق القوة أم إلى قواعد القانون؟ سؤال مطروح على العقل البشري منذ قرون، وتحديداً منذ نشأة الدولة القومية في منتصف القرن السابع عشر، وما يزال يثير جدلاً لم يُحسم بعد.[1]
تحاول هذه الدراسة تناول الإشكاليات القانونية التي تثيرها الحرب الروسية على أوكرانيا من منظور القانون الدولي.
ستة أسئلة رئيسية وأجوبة بشأن روسيا وأوكرانيا والقانون الدولي:
أولا: التكييف القانوني للغزو الروسي لأوكرانيا؟ ما مدى مشروعيته؟
أصبح القانون الدولي ذاته على مفترق طرق. فمن المعتاد أن تستشهد به الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي عندما يكون في صالحها وتتجاهله عندما ترى أنه مصدر إزعاج لها. ومرة أخرى، ليس المقصود من هذا تبرير تصرفات روسيا غير المقبولة؛ بل إضافتها إلى سلسلة من التصرفات المتعارضة مع القانون الدولي.
والملفت للنظر في الخطاب السياسي الغربي الذي رافق الأزمة، ذلك التكرار لمفاهيم القانون الدولي والسيادة وانتهاك المعاهدات والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول والديمقراطية، وهي القيم والمبادئ والمفاهيم التي لا تحظى بمثل هذا الاحترام وهذه الأهمية في أغلب الحالات التي يكون فيها الغرب والولايات المتحدة الأمريكية هم الفاعلون والقائمون بانتهاك هذه المبادئ.[2]
وبقدر ما تنطوي عليه أزمة أوكرانيا من ترويع، فلا ينبغي لنا أن نتغافل عن تجاهل القانون الدولي بشكل أكثر عموماً في السنوات الأخيرة. ودون تهوين من خطورة تصرفات روسيا الأخيرة، يتعين علينا أن نلاحظ أن هذه التصرفات تأتي في سياق من الانتهاكات المتكررة للقانون الدولي من قِبَل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. ويعمل كل من هذه الانتهاكات على تقويض الصرح الهش للقانون الدولي، ويهدد بدفع العالم إلى أتون حرب فوضوية لا يحكمها قانون ويخوضها الجميع ضد الجميع.
وصفت أونا آن هاثاواي -وهي محامية أميركية وأستاذة للقانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة ييل-الغزو الروسي لأوكرانيا بأنه “أكثر الحروب غير الشرعية وقاحة” والتي تشنها دولة ذات سيادة ضد دولة أخرى منذ الحرب العالمية الثانية.
إن إقدام الكرملين، حسب الأستاذة هاثاواي، على شن الغزو يعد انتهاكا واضحا للالتزام الأساسي الوارد في ميثاق الأمم المتحدة الذي يمنع “استعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة”.[3]
كما أطلقت الولايات المتحدة وحلفاؤها سلسلة من التدخلات العسكرية في السنوات الأخيرة في مخالفة لميثاق الأمم المتحدة ودون دعم من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. فكان قصف حلف شمال الأطلسي لصربيا في عام 1999 بقيادة الولايات المتحدة مفتقراً إلى إقرار القانون الدولي، وقد حدث على الرغم من الاعتراضات القوية من جانب روسيا حليفة صربيا. وكان إعلان كوسوفو لاحقاً استقلالها عن صربيا، والذي اعترفت به الولايات المتحدة وأغلب بلدان الاتحاد الأوروبي، سابقة تستشهد بها روسيا بحماس في تبريرها لتصرفاتها في شبه جزيرة القرم. والمفارقات الساخرة هنا واضحة.[4]
ففي أعقاب حرب كوسوفو شهدنا حربين بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، وكل منهما حدثت دون دعم من مجلس الأمن، وفي حالة العراق على الرغم من الاعتراضات القوية داخل مجلس الأمن. وكانت النتائج مدمرة تماماً بالنسبة لأفغانستان والعراق.
وشكلت أفعال حلف شمال الأطلسي في ليبيا عام 2011 للإطاحة بالرئيس معمر القذافي انتهاكاً آخر من هذا القبيل للقانون الدولي. فبعد موافقة مجلس الأمن على قرار يقضي بإقامة منطقة حظر طيران واتخاذ تدابير أخرى بدعوى حماية المدنيين، استخدم حلف شمال الأطلسي القرار كذريعة للإطاحة بنظام القذافي من خلال القصف الجوي. وقد اعترضت روسيا والصين بشدة، بزعم أن حلف شمال الأطلسي تجاوز صلاحياته إلى حد خطير. ولا تزال ليبيا غير مستقرة وغارقة في العنف، في غياب أي حكومة وطنية فعّالة حتى يومنا هذا. كما كانت هناك تساؤلات حول سبب التدخل في ليبيا، وغض الطرف عن حالات أخرى ربما مماثلة أو أكثر سوءا (سوريا أو اليمن)، حيث قال أمين عام الحلف، “إن الحلف ليس لديه خطط للقيام بمهمة عسكرية في سوريا”. وأضاف أن “تحرك الناتو ضد النظام الليبي كان بمقتضى تفويض قوي من مجلس الأمن ودعم واضح من دول المنطقة، وهو مزيج نادر لم نشهده في مواقف أخرى”[5].
وبخصوص الأزمة الروسية الأوكرانية، فبينما لجأت روسيا، أحد طرفي الأزمة، إلى القوة العسكرية لحماية ما تعتقد أنه حق لها، وتعني بذلك حقها في المحافظة على أمنها القومي، تستند أوكرانيا، الطرف الآخر في الأزمة، ومن ورائها كل القوى الغربية، إلى القانون الدولي لتبرير حقها في انتهاج سياسة خارجية مستقلة، وبالتالي في طلب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
من المعروف أن إصرار الرئيس الأوكراني زيلينسكي على طلب انضمام بلاده إلى هذا الحلف كان السبب المباشر في اندلاع هذه الحرب الراهنة. وهو يستند في موقفه هذا إلى حق بلاده الكامل في ممارسة السيادة على كامل الأرض الأوكرانية، وفي رسم سياسة بلاده الخارجية بشكل مستقل، وبالتالي حقها في اختيار أصدقائها وحلفائها على الصعيد الدولي من دون تدخل أو إملاءات من جانب أي أطراف أجانب.
أما الرئيس بوتين فيرفض هذا المنطق تماماً، ويرى في انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو تهديداً لأمن بلاده، ومن ثم يستند في رفضه هذا إلى اعتبارات تتعلق بواجبه كرئيس لدولة روسيا في المحافظة على أمنها القومي، وخاصة أن السياسات التي ينتهجها حلف الناتو، والتي تقوم على نشر الأسلحة الإستراتيجية التابعة للحلف، بما فيها الأسلحة النووية على أراضي الدول الأعضاء فيه، ستؤدي حتماً إلى نشر أسلحة نووية معادية على حدود روسيا الغربية مباشرة، ما يمثّل تهديداً فعلياً لأمنها القومي، ويبرّر ضرورة التصدي لهذا التهديد ومواجهته، ولو باستخدام القوة المسلحة، وهو ما تمّ فعلاً.
إذا نظرنا إلى موقف الطرفين، الروسي والأوكراني، في مرآة الجدل المحتدم بين القوة والقانون في العلاقات الدولية، فسوف نجد أن موقف الرئيس الأوكراني يستند بوضوح إلى قواعد ثابتة ومتفق عليها في القانون الدولي، وبالتالي يتسِق تماماً مع ميثاق الأمم المتحدة، بينما يستند موقف الرئيس الروسي إلى منطق القوة التي يُعَدّ استخدامها فعلاً، أو حتى مجرد التهديد باستخدامها، خروجاً عن القواعد المقررة في القانون الدولي، وبالتالي خرقاً واضحاً وصريحاً وفاضحاً لميثاق الأمم المتحدة.
1-انتهاك روسيا لمبدأ عدم التدخل:
يحظر القانون الدولي تدخل أية دولة الشؤون الداخلية لدولة أخرى، إذ كل دولة حرة في اختيار وتطوير نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، دونما تدخل من جهة أخرى. وتم تقنين هذا المبدأ والتنصيص عليه في العديد من المواثيق الدولية: أهمها ميثاق الأمم المتحدة في مادته الثانية الفقرة السابعة منه، كما جاء في إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول الصادر بمقتضى التوصية 2625 بتاريخ 24 أكتوبر 1970 الصادر عن الجمعية العامة «على أنه ليس لدولة أو مجموعة من الدول الحق في التدخل المباشر أو غير المباشر ولأي سبب كان في الشؤون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى. ونتيجة لذلك اعتبار ليس فقط التدخل العسكري بل أيضا كل أنواع التدخل أو التهديد الموجه ضد مكوناتها السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية مخالفا للقانون الدولي”.
ومن هذا المنطلق جاء حكم محكمة العدل الدولية الصادر سنة 1949 في قضية كورفو بأن” حق التدخل المزعوم تجسيده لسياسة القوة، سياسة غطت في الماضي أخطر التجاوزات، ولا يمكن أن تجد لها مكان في القانون الدولي…”
وللتدخل أنواع وصور مختلفة انطلاقا من الزاوية التي ينظر منها إليه: فمن حيث طبيعته، يمكن أن نتكلم عن تدخل سياسي، عسكري اقتصادي، ثقافي إيديولوجي أو مالي…، ومن حيث شكله يمكن الحديث عن تدخل مباشرو تدخل غير مباشر، ومن حيث القائمين به فيمكن أن نميز بين تدخل فردي تقوم به دولة واحدة، أو تدخل جماعي ترتكبه مجموعة دول أو تدخل منظمة كمنظمة الأمم المتحدة أو حلف الشمال الأطلسي.
2- انتهاك مبدأ حظر استخدام القوة العسكرية
نعم انتهكت روسيا المادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر استخدام القوة على المستوى الدولي،[6] فـ “استخدام القوة العسكرية الروسية ليس غير مألوف”. بوتين مزق الدستور الدولي.
فالمادة 2 الفقرة 4 نصّت بالحرف على ضرورة الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد سيادة الدولة بأية طريقة تتنافى وأهداف الأمم المتحدة المتمثلة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. فاكتسب مبدأ تحريم القوة استخدام في العلاقات الدولية القوة القانونية، فالنص حرّم كل الأشكال التي يمكن أن تتخذها القوة المستعملة من خلال عبارة “ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة سواء كانت هذه القوة مباشرة أو غير مباشرة كالضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية، إلا أنه أثير نقاش حول دلالات مفهوم القوة الواردة في المادة 2 الفقرة 4، حيث اعتبر جانب من الفقه أن المقصود من لفظ القوة هو القوة المسلحة التي تأكد شكل الاعتداءات المسلحة أي العسكرية ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي للدولة، فلا يجوز اعتبار التهديدات العسكرية أو الإعلامية تشجيع وإثارة الاضطرابات الداخلية فعلا من أفعال القوة الذي يستوجب الدفاع الشرعي وفقا لمقتضيات المادة 51 من الميثاق.
كما أثير نقاش حول مجال استخدام القوة في نطاق نفس المادة، وربطها بالدولة دون سواها من الأشكال التنظيمية الأخرى من خلال لفظ علاقاتهم الدولية ولفظ الدولة في نص المادة، وهو ما يخرج التنظيمات غير المتوفرة على مقومات الدولة “الأرض، الشعب، السلطة السياسية” وخاصة الحركات التحررية الوطنية، التي تسعى للرقي لمستوى الدولة المستقلة عبر ممارسة شعبها لحقه في تقرير المصير. وهكذا لا يعتبر استعمال القوة في حالة ممارسة الشعوب لحقها في تقرير المصير محرما وفقا لروح المادة 2 الفقرة 4 من الميثاق، ويعتبر عدم احترام هذا المبدأ بمثابة عدوان يمنح فيها للدولة المتعرضة له الحق في رده في إطار الدفاع الشرعي للدولة إلى أن يتدخل مجلس الأمن الدولي ليتخذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين.
الالتزام الوارد بنص المادة 2 فقرة 4 – بصدد حظر استخدام القوة، أو التهديد بها في العلاقات الدولية – إنما يمثل التزاماً عاماً، يشمل جميع الوجوه التي قد يعرض فيها هذا الاستخدام أو التهديد به السلم الدولي للخطر، ومن ثم فقد أنهى مشروعية ما كان جائزاً من وجوه هذا الاستعمال، قبل قيام الأمم المتحدة. وبناءً عليه فإنه، كما يقول الدكتور عبد الونيس ” لا سبيل إلى تجويز أي وجه من وجوه الاستعمال الدولي للقوة بحكم نص هذه المادة، إلا بمقتضى نص صريح، أتى به الميثاق أو تضمنه مصدر آخر من مصادر قانون المنظمة الدولية، يرخص صراحة بذلك، على أن يكون هذا الترخيص متفقاً تماماً مع أهداف ومقاصد الأمم المتحدة روحاً ونصاً[7].
ثانيا: كيف يمكن للدولة تكييف أحداث على أنها تهديدات لأمنها القومي تبيح لها التدخل العسكري في إقليم دولة أخرى واستخدام مفهوم “الأقلية الذريعة” أو “الأقلية الأداة” كما حصل في شبه جزيرة القرم (اغلبيه ناطقة بالروسية) عام 2014 وفي أبخازيا وأوسيتنا الجنوبية عام 2008؟
1- المبررات الأمنية للتدخل: (حق الدفاع الشرعي: المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة).
اعتادت الدول التي تلجأ إلى استعمال العنف في وقت السلم إلى إضفاء طابع المشروعية على أعمالها ارتكازا على الاستثناءات الواردة في مبدأ تحريم القوة في العلاقات الدولية، وبخاصة حالة الدفاع الشرعي الفردي و الجماعي.
بيد أنه إلى جانب هذه التبريرات، تعمد الدول للاستناد إلى الظروف والملابسة وخطورة المواقع وإلى الملابسات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية.
وهكذا يبدو من العسير التفريق بين الإعلان عن النوايا وبين الأهداف المرسومة، علاوة على الاعتبارات السياسية الخارجية والسياسية القانونية الخارجية التي تنهجها الدولة والتي تتقدم غالبا على التطبيق البحت للقاعدة القانونية المجردة.[8]
فالدفاع الوقائي لا يفترض في حالة الاعتداءات القائمة والأضرار الحاصلة وإنما على العكس من ذلك يستهدف منع الاعتداءات و الأضرار التي يحتمل وقوعها مستقبلا.
وقد ذهب البعض إلى أن سرعة الأسلحة النووية وقوتها التدميرية تجيز ممارسة الدفاع الوقائي لأنه لا يمكن أن نطلب من الدول في عصر الصواريخ والأسلحة الهيدروجينية أن تنتظر وقوع العدوان المسلح عليها حتى يسمح لها بالدفاع عن نفسها، وأنه بسبب التطور الكبير في التسلح وعدم فعالية نظم الأمن الجماعية المعاصرة، أصبحت فكرة الدفاع الوقائي مشروعة، مقبولة في ممارسة أجهزة الأمم المتحدة إذا توافر فيها شرط اللزوم والتناسب.
وقد ادعت بعض الدول انه يجوز لها ممارسة حق الدفاع الشرعي في حالة وجود تهديد بالعدوان المسلح نفسه، فقد بررت الولايات المتحدة حصارها على كوبا سنة 1962، بالاستناد إلى حق الدفاع الشرعي ضد تهديد بالعدوان، مدعية بأنه في عصر الذرة لا يمكن لدولة أن تقف مكتوفة الأيدي أمام خطر محدق منتظرة وقوع الاعتداء عليها حتى تباشر عملها الدفاعي.
وقد طبقت نظرية الدفاع الوقائي في مجال الحماية المسلحة للرعايا الموجودين في الخارج، فالدول التي تذرعت بهذا النوع من الحماية لم تكتف بوقوع الاعتداءات أو الأضرار على رعاياها لتبرير عملها المسلح بل بررته أيضا بالأخطار المحتملة. فالوقاية من الأخطار المحتملة كانت بالفعل المبرر المعلن عنه للتدخلات العسكرية الأمريكية في لبنان عام 1958 وفي سان دومينيك عام 1965 وفي غرينادا عام 1983.
وبحسب الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، فعندما تنتشر الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية مع تكنولوجيا الصواريخ الباليستية فإن الدول الضعيفة والجماعات الصغيرة ستكون لها القدرة الكارثية على ضرب الأمم الكبيرة.
وقد طورت الولايات المتحدة هذه الإستراتيجية الوقائية الجديدة كبديل لسياسة الردع والاحتواء- وهما أهم سلاحين تقليديين استخدما للمحافظة على السلام بين الدول، واستقرار العلاقات الدولية- اللتان أصبحا لا يجديان نفعا في تأمين أهداف الأمن القومي الأمريكي.
وتفترض الضربات الوقائية التحول من الرد على هجوم فعلي، إلى المبادرة بالهجوم لمنع هجوم محتمل، لا سيما إذا استطاعت أجهزة المخابرات من اكتشاف نوايا مبكرة للخصم لشن عمليات عدائية.
وتختلف الضربات الوقائية عن الضربات الاستباقية في أن الأولى توجه مبكرا عند اكتشاف نوايا بالهجوم لدى الخصم بغض النظر عن نشر وسائل هجومه أم لا. أما الثانية (الضربات الاستباقية) فإنها توجه ضد قوات الخصم التي تم نشرها فعلا في أوضاع هجومية استعدادا لهجوم فعلي، لذلك يجري استباق الخصم بتوجيه ضربة إجهاضية ضد هذه القوات لإفشال هجومها المتوقع. وأكبر مثال على الضربات الوقائية ما زعمته إسرائيل من أن حربها ضد مصر عام 1956 كانت بهدف منع القوات المسلحة المصرية من استيعاب صفقة الأسلحة التشيكية التي عقدتها عام 1954، حتى لا تشكل تهديدا ضدها. وكذلك ضرب المفاعل النووي العراقي (أوزيراك) عام 1981. حيث كان الدفاع الوقائي هو المبرر الوحيد الذي قدمته إسرائيل لفعلتها[9].
وقد بدأ مجلس الأمن مشاورات مطولة فوراً عقب حدوث الهجمة. وكان المتحدث الأول أمام مجلس الأمن هو وزير الخارجية العراقي سعدون حمادي. ولقد أدان حمادي صراحةً الهجوم باعتباره عملاً من أعمال العدوان. وتلت حمادي كلمة الممثل الإسرائيلي Yehuda Blum والتي ركزت على الدفاع عن الأفعال الإسرائيلية. ولقد أكدت كلمته بالأساس على مفهوم الدفاع عن النفس. وبعد تفصيل فيما ادعاه من محاولات عراقية لتطوير إمكانات نووية؛ فسّر السفير Blum أن إسرائيل كانت تمارس حقها الطبيعي والأصيل في الدفاع عن النفس كما يفهم في إطار القانون الدولي العام وأيضاً من ثنايا معنى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي ادعى شمولها الحق في الدفاع “الوقائي” عن النفس. ثم استشهد Blum بعد ذلك بقول السير Humphry Waldock، وMorton Kaplan، وNicholas Katzenbach، وBowett في تأييدهم لفكرة أن الدفاع الوقائي عن النفس يعد مباحاً في القانون الدولي. ووفقاً لـ Blum، فإن إسرائيل قد حاولت أن تستخدم العديد من القنوات الدبلوماسية لمواجهة المشكلة. وعندما ثبتت عدم فعالية هذ الجهود، فإنها، في زعمه، كانت مجبرة على استخدام الأداة العسكرية.[10]
أما عدوان إسرائيل في يونيو 1967 فقد زعمت تل أبيب أنه ضربة استباقية ودفاعا شرعيا عن النفس ضد القوات المصرية التي تم حشدها في سيناء في ماي 1967، لإجهاض هجوم مصري متوقع ضد إسرائيل بعد أن أغلقت مصر مضايق تيران وسحبت قوات البوليس الدولي من سيناء وقطاع غزة.
ولم تكن هوية القائم بالعدوان محوراً سوى لجزء من المناقشة التي دارت في مجلس الأمن، فبينما أكد الإسرائيليون على الطابع الحالّ لهجوم عربي كبير، فإنهم لم يكونوا واضحين بشأن من بالتحديد الذي بدأ بالقتال. ومع سير النقاش، أكد Eban أكثر على الطبيعة الوقائية للفعل الإسرائيلي. وقد رأت وفود أخرى الهجمة الإسرائيلية الأولى كدليل إثبات على أن إسرائيل هي الطرف المعتدي.[11]
وعامةً يصعب استخلاص أي إجماع، من خلال هذه المناقشات في المجلس، فيما يتعلق بفعالية الدفاع الاستباقي عن النفس. فقد اتجهت الدول المعارضة سياسياً لإسرائيل إلى طرح الحجة الإسرائيلية من دون تمحيص. بينما تجنبت هذه الدول الخوض في مناقشة عميقة لمفهوم الدفاع الوقائي ذاته، إلى درجة أنها حين ناقشت المسألة، بدت تفترض أن الاستخدام الأول للقوة، بغض النظر عن المبرر له، كان غير قانوني. ولكن نظراً للوضع السياسي المعقد، فإنه من الصعب استنتاج أنه كان هناك إجماع واضح معارض للدفاع الوقائي عن النفس.
ويجب أن نقول هنا أن الأمم المتحدة لم تنته لإدانة إسرائيل من أجل بدء الحرب، ولا لممارستها لحق الدفاع الشرعي، ويرى الفقيه Show أن المقدمات التي صدرت عن مصر والدول العربية قبل شن إسرائيل لحرب 1967 يمكن اعتبارها استخداماً للقوة، ومن ثم فلا يعتبر ما فعلته إسرائيل فعلاً وقائياً أو استباقياً بل دفاعاً شرعياً عن النفس [12] .
. وقد دافع بعض المعلقين عن الهجوم الإسرائيلي بذات المنطق. فلقد أعلنت إسرائيل أن لديها أدلة مخابراتية مقنعة أن مصر سوف تقوم بالهجوم، وأن الاستعدادات المصرية لذلك كانت على قدم وساق. برغم أننا نعرف اليوم أن إسرائيل قد بنت تصرفها على دليل أقل من أن يوصف بالمقنع. لذا، فإن الحرب العربية-الإسرائيلية في 1967 لا يمكن عدها مثال فعلي على دفاع وقائي “مشروع” عن النفس.
يعرف الأستاذ Delivanis Jean حق الدفاع الشرعي بأنه : “رد مسلح على عدوان مسلح تتعرض له دولة ما وهو مبدأ مسلم به قديما في جميع الأنظمة القانونية”[13]
ويستند من يرون أن الدفاع الشرعي عن النفس يشمل أيضاً ما يسمى بالدفاع الوقائي أي المبادأة إلى الهجوم توقياً لعدوان وشيك الوقوع يستندون إلى أن “الميثاق لم يفعل أكثر من أنه قد قنن القواعد المستقرة قبل صدور الميثاق التي كانت تسمح بالدفاع الشرعي الوقائي. ومن ناحية أخرى يدعم أصحاب هذا الاتجاه رأيهم بحجة مؤداها أن التفسير الضيق لمدلول الاعتداء المسلح فيه إضعاف كبير من فعالية وفائدة الدفاع الشرعي، ومن جهة ثالثة فإن الدفاع الشرعي الوقائي من شأنه حماية المعتدى عليه وذلك بإعطائه ميزة هامة له وهي المبادرة بالهجوم بالذات في عصر التطور الرهيب في الأسلحة الهجومية، وبالذات الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل”.
“إلا أن الرأي الراجح هو أنه لا يجوز استخدام القوة توقياً لعدوان وشيك الوقوع أي ما يعرف بالدفاع الوقائي، وذلك تأسيساً على ما يلي:
- لقد اشترطت المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة[14] أن يكون الاعتداء مسلحاً وذلك يشمل الاعتداء المسلح المباشر والاعتداء المسلح غير المباشر وهذا فيه حسم قاطع للمشكلة، وما يقال أن القانون الدولي التقليدي كان يجيز استخدام القوة في حالة الدفاع الشرعي الوقائي مردود، حيث أنه قد أصبح غير جائز في ظل أحكام المادة الخاصة بالشروط المتعلقة بأحكام الدفاع الشرعي.
- إن السماح باستخدام القوة في حالة الدفاع الشرعي الوقائي من شأنه أن يفتح الباب أمام أعمال الانتقام[15] والأعمال العدوانية تحت دعوى الدفاع الشرعي، ولعل ذلك فيه من المخاطر ما يؤثر على الاستقرار الدولي، أما ما يقال أن التطور الهائل في أسلحة الهجوم وبالذات فيما يتعلق بالأسلحة الذرية والنووية فإنه على الجانب الآخر يوجد أجهزة الإنذار المبكر وغيرها مما يجعل الدول المستهدفة قادرة على اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الهجوم إذا ما وقع.
- إن استخدام القوة في حالة الدفاع الشرعي يعد استثناءً على قاعدة حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، والاستثناء لا يجوز التوسع في تفسيره” [16].
- إضافةً إلى أن الحق في الهجوم الاستباقي في مواجهة عدو محتمل قد استبعده الميثاق في الفقرة الرابعة من المادة الثانية، والتي تحظر الاستخدام الأحادي للقوة، إلا إذا تم بتفويض من مجلس الأمن.[17]
وإلى جانب نظرية الدفاع الشرعي الوقائي تحاول بعض الدول العودة لمفاهيم القانون الدولي التقليدي التي عفا عنها الزمن كمفهوم حالة الضرورة [18]كظرف مسقط لمسؤولية الدولة المتدخلة، ومفهوم المصالح الحيوية[19] التي بررت بها فرنسا وبريطانيا عدوانهما على مصر عام 1956. وهكذا يبدو نوع من الحق في الدفاع الشرعي عن المصالح العليا للبلاد في كل وقت ولو اقتضى الأمر اللجوء إلى القوة العسكرية التي لا يسيغها القانون الدولي وذلك بالرجوع إلى الاستثناءات.[20]
ولعلنا نتذكر الغزو الأمريكي لأفغانستان في أكتوبر 2001 ردا على هجمات 11 سبتمبر التي اتهمت فيها القاعدة التي كانت تأويها أفغانستان…
فعقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، عبّر جورج دبليو بوش عن رؤيته بأن سياسة لجوء الولايات المتحدة للحرب كخيار أخير لا يحدث إلا رداً على هجوم واقع -دفاعاً عن النفس- هي سياسة بائدة بل وخطيرة، وأنه يجب على الولايات المتحدة في ظل التحديات الحالية المتمثلة في الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل ألا تنتظر أن يهجم عليها أي عدو أولاً. وأن الولايات المتحدة يجب أن تكون في حرب دفاعية مستمرة ضد أعدائها الجدد الذين يشكلون تهديداً مستمراً لأمنها القومي.
وقد كشف الرئيس بوش عن مبدئه الجديد في الخطاب الذي ألقاه في 1 يونيو 2002 في West Point. وقد أشار بوش في خطابه إلى أن الولايات المتحدة ستلجأ للاستباق توقياً للهجمات المتوقعة[21]. إلا أن أغلب المحللين يرون أن مبدأ بوش يقع تحت مفهوم الحرب الوقائية لا الحرب الاستباقية. ولقد نبع اعتقاد بوش بفعالية الحرب الوقائية من ثقته في تفوق القوة العسكرية الأمريكية غير المسبوق وغير المنازع عالمياً.
وقد فسرت الولايات المتحدة الأمريكية ذلك حربا على أراضيها…مما حدا بأحد أعضاء لجنة القانون الدولي السابقين Allen pellet في مقال له بجريدة لوموند في سبتمبر 2001 الى نفي ذلك بقوله إنها ليست حربا. [22]
ويمثل إعلان روسيا الحرب ضد أوكرانيا في 24 فبراير 2022، الحدث الأبرز والأكثر خطورة في مسار التطورات المتعلقة بالأزمة بين البلدين خلال الفترة الماضية، إذ تتسارع وتيرة الأحداث بصورة غير مسبوقة لتتجاوز الارتدادات حدود القارة الأوروبية إلى النظام الدولي والاقتصاد العالمي والأمن الدولي.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد أن الهدف من إطلاق عملية عسكرية هو “نزع السلاح” من أوكرانيا وتحييدها، بينما اجتمع مجلس الأمن الدولي لإيجاد مخرج من الأزمة.
قبل ذلك بقليل أكدت موسكو أن الانفصاليين الموالين لروسيا طلبوا مساعدتها لـ “صد عدوان” الجيش الأوكراني، بعد اعتراف الكرملين يجمهوريتي دانيتسك ولوجانسك.
إن الإخلال بالالتزامات الدولية – اتفاقية كانت أو عرفية – ينشئ حالة من عدم الرضا بين الدول تنعكس في شكل ردود فعل مختلفة الأثر في العلاقات الدولية وتؤثر على سيرها الطبيعي، وقد تميزت الفترة التي سبقت تحريم اللجوء للقوة المسلحة الاستخدام المتكرر لما عرف آنذاك بالانتقام المسلح الذي تتولى فيه الدولة بنفسها فرض احترام حقوقها عن طريق الإضرار المادي بالدولة المعتدية، غير أن حصر الأمم المتحدة لآليات استخدام القوة المسلحة في حالات الدفاع الشرعي والأمن الجماعي دفع بالدول إلى ابتكار وسائل جديدة تعزز سياستها الخارجية عن طريق تدابير الانتقام غير المسلح والتدابير الاقتصاصية وصولا إلى التدابير المضادة بصيغتها الحالية.
وهكذا تعمل التدابير المتخذة في إطار الانتقام على حمل الطرف المخالف للعودة إلى الوفاء بالتزاماته الدولية التي انتهكها ابتداء.
وتشير هاثاواي في مقالها إلى أن القانون الدولي المعاصر يطالب الدول بالرد على الانتهاكات، ليس بالحرب ولكن بعقوبات تحرم أي دولة تخرق القانون من جني ثمار التعاون الدولي، وتستطرد الكاتبة بأنه في هذه الحالة فإن الحرمان أو الإقصاء لا يتضمن عقوبات اقتصادية وحدها إنما يحظر كذلك الرياضيين الروس من المشاركة في الفعاليات الرياضية العالمية، ويمنع الطائرات الروسية من التحليق فوق المجالين الجويين الأوروبي والأميركي، ويحجب وسائل الإعلام الروسية في دول الاتحاد الأوروبي.[23]
ولتبرير هذا التدخل، استند الكرملين إلى “المادة 51 من الجزء 7 من ميثاق الأمم المتحدة” التي تتعلق بحق الدفاع عن النفس. معتبرا أن العقوبات الاقتصادية والسياسية هي نوع من الحرب ضد بلاده[24].
جرى استخدام المادة 51 من قبل للتدخل في مالي، عندما طلبت فرنسا من السلطات في باماكو إرسال رسالة رئاسية تطلب المساعدة. وهكذا تمكنت باريس من التدخل بموجب المادة 51 من الميثاق بموافقة مجلس الأمن.[25]
عام 2015 أشار مانويل فالس رئيس وزراء فرنسا السابق، في حديثه حول قصف مواقع تنظيم داعش الإرهابي في سوريا: “نحتاج إلى تحديد جهاز داعش وتحديد موقعه بشكل أفضل حتى نتمكن من ضربه على الأراضي السورية وبالتالي ممارسة دفاعنا عن النفس، مثل المنصوص عليها في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة”.
ولتوضيح الجوانب الغامضة للمادة 51، أنشأ كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة مجموعة عمل عام 2004 أصدرت تقرير “عالم أكثر أماناً: عملنا المشترك. “ووفقاً لميثاق الأمم المتحدة ليس حق الدفاع الشرعي مطلقاً بدون قيود، فهو مقيد من ناحية بتعرض الدولة المعتدى عليها لعدوان مسلح، ومن ناحية ثانية مقيد بأن تتم ممارسته بشكل مؤقت، وحتى يقوم مجلس الأمن بتحمل مسئوليته في اتخاذ التدابير الفعالة ضد الدولة المعتدية، ومن ناحية ثالثة، هو يخضع لرقابة مجلس الأمن، وبالتالي فإن الدولة التي تمارسه تلتزم بإبلاغ مجلس الأمن فوراً بالتدابير التي اتخذتها[26].
ويمكن أن يكون الجزء الثالث منها ينطبق على الحالة الأوكرانية: “تقليدياً (…) يمكن للدولة المهددة أن تشن عملية عسكرية شريطة أن يكون العدوان وشيكاً، وألا توجد طريقة أخرى لتجنب التهديد وأن يكون التدخل العسكري متناسباً”.
ومع ذلك “تنشأ المشكلة في الحالة التي يجري فيها تقديم التهديد المعني، من دون أن يكون وشيكاً، باعتباره تهديداً حقيقياً، على سبيل المثال في حالة الحصول، بقصد عدائي، على وسائل تصنيع أسلحة نووية”.
ومهما كانت التبريرات لخرق مبدأ عدم اللجوء إلى القوة بدعوى الدفاع الشرعي عن النفس، فإن المجتمع الدولي في مجمله حريص على أن يظل المبدأ متمتعا بقيمة قانونية مستلهمة من القانون الدولي العرفي ومتمما أو بديلا للقانون الاتفاقي. بل أكثر من ذلك يذهب البعض إلى حد اعتباره يندرج في عداد القانون الآمر، الذي لا يمكن خرقه كيفما كانت الذرائع والملابسات، تنفيذا للمادة 53 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية لسنة 1969..[27]
في خطابه يوم الاثنين 21 فبراير 2022 قال الرئيس الروسي إن أوكرانيا تريد الحصول على القنبلة الذرية، مضيفاً: “الشيء الوحيد المفقود هو نظام تخصيب اليورانيوم. لكن هذا سؤال تقني، وبالنسبة إلى أوكرانيا ليست مشكلة مستعصية على الحل”.
وأشار بوتين إلى أن كييف “أرادت حتى تطوير صواريخ يمكن أن تسقط على موسكو”، وهو ما استخدمه ذريعة للتدخل العسكري في أوكرانيا.[28]
فقد سبق أن صرح الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بأن بلاده سيكون لها كل الحق في أن تصبح قوة نووية، مستشهدا بوثيقة وقعتها الدول الكبرى عندما وافقت كييف على التخلص من الأسلحة النووية الموروثة من الاتحاد السوفيتي مقابل ضمانات أمنية.
وافقت أوكرانيا وبيلاروس وكازاخستان على تفكيك ترساناتها النووية والتوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) والتي تسمح فقط لخمس دول في العالم بحيازة الأسلحة النووية، هي الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. ومذكرة بودابست[29] الخاصة بالضمانات الأمنية هي عبارة عن ثلاث وثائق متطابقة المضمون لا تختلف في عناوينها إلا أسماء البلدان، وقعتها الدول المنزوعة السلاح بالإضافة إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا.
توضح الوثيقة التي وقعتها كييف كيف تأخذ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا على عاتقها عدة التزامات تجاه أوكرانيا، بما فيها الالتزامات المتعلقة بـ “استقلالها وسيادتها” و”الحدود الحالية” للبلاد.
كما تعهدت الدول الثلاث بعدم استخدام التهديد بالقوة العسكرية أو بالإكراه الاقتصادي ضد أوكرانيا واستخدام نفوذها في مجلس الأمن الدولي للدفاع عنها “في حال أصبحت أوكرانيا ضحية لعمل عدواني أو عرضة للتهديد بعدوان تستخدم فيه الأسلحة النووية”.
تصر كييف منذ عام 2014 على أن روسيا انتهكت الاتفاق عندما أعادت شبه جزيرة القرم وأجزاء من شرق أوكرانيا إلى روسيا.
بينما تنفي موسكو ذلك، وتقول إن سكان القرم مارسوا حقهم في تقرير المصير بموجب ميثاق الأمم المتحدة عندما صوتوا لصالح الانفصال عن أوكرانيا والعودة إلى أحضان روسيا.[30] وحسب روسيا فإن الصراع في منطقة دونباس حرب أهلية شنتها كييف ضد المناطق الانفصالية وليس صراعاً دولياً.
يبالغ بعض السياسيين في تقدير الالتزامات التي قطعتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بموجب مذكرة بودابست، حيث زعمت رئيسة الوزراء السابقة لأوكرانيا يوليا تيموشينكو في عام 2014 أنه “بإعلانها (روسيا) الحرب (على أوكرانيا) أعلنت الحرب أيضا ضد ضامني أمننا، أي الولايات المتحدة وبريطانيا”.
ويشير خبراء قانونيين إلى أن المذكرة لا تلزم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالدفاع عن أوكرانيا ضد معتد أجنبي. إنها تمنحهما فقط مبرراً إضافياً إذا اختارتا التدخل عسكرياً. بمعنى آخر، إنها تأكيد أمني وليست ضماناً أمنياً على عكس التزام أعضاء حلف الناتو بالدفاع المشترك أو التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن اليابان، على سبيل المثال.
2-المبررات العرقية والإنسانية:
عرفت الحياة السياسية الدولية في بداية التسعينات يقظة الضمير الغربي الذي أبدى اهتماما كبيرا بخصوص القضاء على المآسي الإنسانية التي تخلفها بعض قضايا انتهاكات حقوق الإنسان في العديد من بؤر التو ثر في العالم. ونتيجة لهدا الاهتمام المتزايد الذي تحكمه اعتبارات سياسية وإستراتيجية أعطت الدول القوية لنفسها حق أو واجب التدخل في الشؤون الداخلية للدول تحت ذريعة تقديم المساعدة الإنسانية.
وقد شكلت حرب كوسوفو مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية، فقد أدت إلى إعادة تشكيل النظام الدولي، أو الدخول على العكس من ذلك في مرحلة جديدة من الفوضى في العلاقات الدولية.
وقد تذرع قادة حلف شمال الأطلسي بأن حرب كوسوفو هي حرب أخلاقية لأن الهدف منها هو القضاء على سياسة التطهير العرقي في كوسوفو بهزيمة الرئيس الصربي، ولأنه يتعين على منع الحكام الدكتاتوريين من ارتكاب الأعمال الوحشية حتى يستمروا في السلطة. فهذه الحرب حسب تعبير “طوني بلير” ليست حربا من أجل الأرض، وإنما هي حرب من أجل القيم.
لكن الحرب الأخلاقية مفهوم نسبي ينطوي على ازدواجية المعايير، فالحلف الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية لم يفكران بالتدخل في بلدان أخرى رغم وجود اعتبارات مماثلة. والأمثلة على ذلك عديدة ومنها إبادة الجنس البشري بأبشع الصور في رواندا وسيراليون وليبيريا وأنغولا والكونغو (زائير سابقا)، ولا يكترثان لما حل ويحل ببعض الشعوب من تدمير وتشتيت كالشعب الفلسطيني المحتل.[31]
غير أن حرب كوسوفو وإن تم تبريرها بوقف انتهاكات النظام الصربي لحقوق الإنسان في كوسوفو، فإن الهدف الحقيقي منها هو تثبيت أوضاع معينة وفرض ترتيبات محددة في إطار تكريس التفوق الغربي الشامل بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وباتجاه بلورة دور جديد لحلف شمال الأطلسي يجعل منه مؤسسة عالمية.
لقد تصاعدت وتيرة المناداة بإعادة تقويم التدخل العسكري خاصة بعد تدخل الحلف الأطلسي كوسوفو دون موافقة مجلس الأمن.
وشكلت أفعال حلف شمال الأطلسي في ليبيا عام 2011 للإطاحة بالرئيس معمر القذافي انتهاكاً آخر من هذا القبيل للقانون الدولي. فبعد موافقة مجلس الأمن على قرار يقضي بإقامة منطقة حظر طيران واتخاذ تدابير أخرى بدعوى حماية المدنيين، استخدم حلف شمال الأطلسي القرار كذريعة للإطاحة بنظام القذافي من خلال القصف الجوي. وقد اعترضت روسيا والصين بشدة، بزعم أن حلف شمال الأطلسي تجاوز صلاحياته إلى حد خطير. ولا تزال ليبيا غير مستقرة وغارقة في العنف، في غياب أي حكومة وطنية فعّالة حتى يومنا هذا.
وبمبادرة من الحكومة الكندية تم تكوين “اللجنة الدولي حول التدخل والسيادة الوطنية: International Commission on Intervention and State Sovereignty (ICISS) المكونة من شخصيات دولية من مختلف أنحاء العالم. قدمت اللجنة تقريرها ونشرته في ديسمبر/ كانون الأول 2001 ورحب به الأمين العام للأمم المتحدة كوثيقة هامة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. ويشير التقرير إلى أن الاعتبار الأساسي ينبغي أن يكون مسؤولية “توفير الحماية” وليس “حق التدخل” Responsibility to protect, not the right to intervene مما يضع القرار في إطار حاجات وحقوق المواطنين، بدلا عن مصالح أو خلافات الدول. وتشمل مسؤولية توفير الحماية ليس فقط التدخل، إن دعا الحال، بل ” منع” الانتهاكات من الوقوع، ومسؤولية “إعادة البناء”.
وتخلص اللجنة إلى أن التدخل العسكري ينبغي أن يكون إجراء استثنائيا يتم اللجوء إليه فقط في الانتهاكات الجسيمة التي تتسبب في وقوع أذى بالغ الخطورة irreparable harm أو ترجح وقوعه، كالقتل الجماعي بنية الإبادة أو نتيجة فعل الدولة أو عجزها أو إهمالها أو التطهير العرقي واسع النطاق سواء عن طريق القتل أو الترحيل القسري أو الإرهاب أو الاغتصاب[32].
على الرغم من توصيف السلوك الروسي في مجمل حالاته بالواقعي (Realistic)، فإن الخطاب الروسي في تعامله مع أوكرانيا، لم يعتمد على مبررات الواقعية السياسية فحسب، التي ترى أن دفاع الدولة عن أمنها القومي ومصالحها مبرر كاف لتفاعلاتها الدولية وقراراتها الخارجية بما في ذلك قراراتها العسكرية، بل أنه كان أقرب لمقومات الخطاب البنائي (Constructivism) الذي يهتم بالأبعاد غير المادية لفهم التفاعلات الدولية، فقد تعمد تضمين الأبعاد الثقافية والتاريخية في خطابه، وأولى لها اهتماماً خاصاً، وبالتوازي مع العمليات العسكرية والحروب الاقتصادية، ظهرت أبعاد أخرى من النزاع ذات صبغة ثقافية وتاريخية. [33]
يؤمن معظم الروس القوميين، وعلى رأسهم فلاديمير بوتين، أن روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا دول شقيقة، تنحدر جميعاً من الدولة الروسية الأولى، كييف روس (Kievan Rus)، والتي تأسست في القرن التاسع، وتمددت من عاصمتها كييف، من البحر الأسود إلى البلطيق. [34]
تطرح الأزمة الأوكرانية على صعيد منهجية العلاقات الدولية، إشكالية “الأقلية الذريعة” لتدخل دولة في شؤون دولة أخرى، أو “الأقلية الأداة” لممارسة الضغوط والابتزاز على السلطات القائمة في دولة ما في آلية تجعل من هذه الأقلية عنصر مساومة في العلاقات بين دول متجاورة.[35]
وبالتأكيد فإن التدخل الإنساني لا يؤثر بشكل كبير على السيادة عندما يقتصر على التزويد بالمواد الغذائية والطبية أو حتى إيفاد بعض المدنيين لمعالجة أوضاع الكوارث المستعصية، إلا أن الأمر يختلف عندما يتعلق بتدخل قوة مسلحة لمنع بعض خروق حقوق الإنسان.[36]
تبدو هذه الإستراتيجية مخالفة لإستراتيجياته السابقة في شنِّ الحروب، كما في تدخله العسكري في جورجيا لفصل أبخازيا وأوسيتنا في 2008، ثم في ضم جزيرة القرم، ودعم الانفصاليين في إقليم دونباس الأوكراني في 2014، وقد تكلَّلت جميعها بالنجاح لأنها تشترك في عدد من الميزات الرئيسية:[37]
- يغلب على سكان هذه الأقاليم الانتماء لروسيا؛ إذ يتحدثون اللغة الروسية، ويحمل أعداد منهم جوازات سفر روسية، ويكوِّنون بذلك بيئة صديقة للقوات الروسية، تحفز بوتين على تنفيذ ضرباته من دون تكبد خسائر بشرية.
- يوجدون في أطراف دولهم، أبخازيا وأوسيتا في شمال جورجيا، والقرم في جنوب أوكرانيا على البحر الأسود، وإقليم دونباس في شرق أوكرانيا؛ ما يجعل قدرة دولهم على السيطرة عليهم ضعيفة.
- توجد هذه الأقاليم بمحاذاة الحدود الروسية، فيسهل على موسكو إمدادها بالعدد والعتاد.
- هي أقاليم ذات مساحات صغيرة، لا تحتاج روسيا لقوات كبيرة للسيطرة عليها.
ثالثا: ما هي الجهات القضائية الموكول إليها النظر في قضايا متعلقة بأوكرانيا؟
خلال خطابه الذي أعلن فيه التدخل العسكري في أوكرانيا أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يريد الدفاع عن السكان الناطقين بالروسية من الإبادة الجماعية التي يرتكبها نظام كييف.
وقدمت أوكرانيا، من جهتها في 26 فبراير 2022، دعوى ضد روسيا بشأن “نزاع” حول تفسير وتطبيق وتنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية.
وأكدت أوكرانيا أن روسيا ادعت زورا ارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد سكان منطقتي لوهانسك ودونيتسك، وبعدها أعلنت ونفذت “عملية عسكرية خاصة” لمنع الأعمال المزعومة والمعاقبة عليها.
وطلبت محكمة العدل الدولية من روسيا تعليق هجماتها على الفور، ووقف جميع العمليات العسكرية، لأنها كانت تستند إلى هدف موسكو المعلن والمتمثل في منع أو معاقبة أوكرانيا بشأن ارتكاب إبادة جماعية.[38]
قاطعت روسيا يوم الاثنين (السابع من مارس/آذار 2022) أولى جلسات محكمة العدل الدولية التي تنعقد بطلب من أوكرانيا على خلفية غزوها من قبل روسيا. ووجد الوفد الأوكراني نفسه أمام مقاعد شاغرة عندما بدأ عرض قضيته.
ويمكن للمحاكم الوطنية أيضا أن تنظر في قضايا متعقلة بانتهاك القانون الدولي، ويمكن مقاضاة روسيا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، على خلفية انتهاكات لحقوق الإنسان.
المؤسسات القانونية الدولية التي عادة ما تكون في حالة من الخمول – دبت فيها الحياة من جديد فجأة إثر الغزو الروسي “غير الشرعي”، فقد أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بعد الغزو بأيام قليلة أنه سيجري تحقيقا حول جرائم حرب روسية محتملة وجرائم ضد الإنسانية.
كما أن أوكرانيا طلبت بدورها من المحكمة الجنائية الدولية التدخل في الصراع. وهناك مطالب متعاظمة لإنشاء محكمة خاصة للنظر في ما إذا كانت جريمة عدوان.
تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بصلاحية التحقيق في جرائم حرب ارتكبها أفراد على الأراضي الأوكرانية.
وأوكرانيا ليست عضوا في المحكمة، لكنها وافقت في 2014 على الاختصاص القضائي للمحكمة. غير أن روسيا انسحبت من المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي لن تتمكن المحكمة من الوصول إلى مواطنين روس إلا إذا أوقفوا على أراضي دولة تعترف بالولاية القضائية للمحكمة.
وقد وصف الرئيس الأميركي جو بايدن نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنه «مجرم حرب» يوم الأربعاء 16 مارس 2022، بسبب الهجوم الذي ينفذه في أوكرانيا، حيث تم قصف المستشفيات وأقسام الولادة.[39]
ينطبق المصطلح على أي شخص ينتهك مجموعة من القواعد التي اعتمدها قادة العالم والمعروفة باسم قانون النزاعات المسلحة. القواعد تحكم سلوك الدول في أوقات الحرب، وقد تم تعديل هذه القواعد وتوسيعها خلال القرن الماضي، مستمدة من اتفاقيات جنيف في أعقاب الحرب العالمية الثانية والبروتوكولات التي أضيفت لاحقاً سنة 1977.
إن الاتهام بارتكاب جرائم حرب أو أبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية دون محاكمة أو أدانة يمكن أن يكون سلاحاً سياسياً مهما كما حصل في حالة جمهورية يوغسلافيا السابقة. فقد أدت إلى وصف العدو الذي اختارته الولايات المتحدة بالشر وإلى تغيير نظام الحكم. إن المتهم بجريمة حرب يصبح منبوذاً ولا يحق له أن يمثل بلاده في أية مفاوضات.
تهدف القواعد إلى حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال، والذين لم يعودوا قادرين على القتال، بمن في ذلك المدنيون، مثل الأطباء والممرضين والجنود الجرحى وأسرى الحرب. تحدد المعاهدات والبروتوكولات مَن يمكن استهدافه وبأي أسلحة. بعض المواد محظورة، بما في ذلك الأسلحة الكيماوية أو العوامل البيولوجية.[40]
لقد بدأ دولاب العدالة بالدوران سريعا. ففي 28 فبراير 2022، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية كريم خان أنه يسعى للحصول على تفويض لفتح تحقيق بأسرع ما يكون.[41] ورغم أن كلا من روسيا وأوكرانيا ليستا طرفا في نظام روما الأساسي الذي تأسست بموجبه المحكمة الجنائية الدولية، فإن كريم خان صرح بأنه سيعجّل بالتحقيق إذا أحالت دولة عضو ملف الأزمة الأوكرانية إلى مكتبه.
وتقول هاثاواي إنه لم يحدث قط أن جاءت استجابة المحكمة الدولية على اندلاع نزاع بهذه السرعة، مشيرة إلى أن تصريح المدعي العام يعني أن المقاتلين وقادتهم العسكريين من طرفي الصراع -بمن فيهم بوتين نفسه- قد يلاحقون قضائيا بتهم تتعلق بجرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية أو ارتكاب مذابح.
الاعتراف بالشخصية القانونية للفرد وأهلية التقاضي وبحقوق الإنسان، وقيام مسئوليته الجنائية عما يصدر عنه من أفعال مخالفة للقانون الدولي، لكونه عضواً في المجتمع الإنساني، ينبغي العمل على حمايته من التعسف وحماية الآخرين من سلوكه الذي يقع بالمخالفة لأحكام القانون الدولي العام [42].
ومبدأ المسئولية الجنائية الدولية الشخصية أصبح من المبادئ المستقرة في ضمير الجماعة الدولية، مما يستلزم أن يأخذ طريقه للتطبيق العملي على نحو أكثر فعالية، ولا يبقى مجرد عمل إنشائي في دائرة العدالة الجنائية [43]، ويصدق ذلك بالنسبة للجرائم الإرهابية التي تعد من طائفة الجرائم ضد الإنسانية لانتهاكها أهم الحقوق الإنسانية، وأولها حق الإنسان في أن يحيا بسلام.
نعم. تحاكم المحكمة الجنائية الدولية أفرادا متهمين بأسوأ الجرائم ومنها الإبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.ويمكن محاكمة الأفراد في محاكم وطنية.
كي تتم محاكمة أحد مجرمي الحرب ينتمي لبلد ليس عضوا في المحكمة لا بد أن يكون هناك تحويل من مجلس الأمن، كما ينص على ذلك البند 13 من النظام، أي أن الدول الثلاث الكبرى التي لم تدخل المحكمة أصلا تتحكم في من يحول إلى المحكمة أو لا يحول. وقد وجدت الولايات المتحدة نفسها في وضع محرج عندما طرح موضوع تحويل ملف الرئيس السوداني إلى المحكمة عام 2007 فإن هي أيدت فيعني أنها دولة منافقة تبقى خارج المحكمة وتؤيد قراراتها، وإن هي صوتت ضد مشروع القرار فستقوم عملياً بإنقاذ البشير من المساءلة فاختارت أن تصوت بامتناع» وهو موقف أقرب إلى موقف اللا موقف. بينما لم تتورع روسيا والصين أن تستخدما الفيتو المزدوج في مايو 2014 عندما عرض على مجلس الأمن ملف بعض مجرمي الحرب في سوريا، من بينهم بعض رموز النظام وقادته الميدانيين، وقتل مشروع القرار ليستمر مسلسل المذابح في سوريا ليومنا هذا.[44]
ومع ذلك، لا يمكن حتى للمحكمة الجنائية الدولية مقاضاة جريمة العدوان، أي هجوم دولة على دولة أخرى خطط له زعيم سياسي أو عسكري، إذا لم تلك الدولة قد صادقت على نظام روما الأساسي للمحكمة، وهو ما لم تفعله روسيا ولا أوكرانيا.
تجب الإشارة هنا إلى أن سريان نظام المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة الدول التي تصبح طرفاً بعد نفاذه لا يسري في مواجهتها، إلا من اليوم الأول من الشهر الذي يعقب اليوم الستين من تاريخ إيداع تلك الدولة صك التصديق. وعليه، فإن توقيع روسيا على نظام المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 13 سبتمبر/ أيلول 2000 لا يجعلها طرفاً فيه، وإنما يحتاج انضمامها إليه إلى إجراء المصادقة عليه، حتى تكون ملزمةً بالأحكام التي تصدرها المحكمة الجنائية الدولية. وبالتالي يمكن اعتبار سحب توقيعها في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 الذي جاء عقب انسحاب كل من جنوب إفريقيا وبوروندي وغامبيا في أكتوبر/ تشرين الأول 2016 بمثابة خطوة نحو تقليل من أهمية المحكمة الجنائية الدولية، وإضعاف فعاليتها في وضع حد للإفلات من العقاب. [45]
لقد أكدت روسيا أن سحب توقيعها على نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، جاء نتيجة “فشل المحكمة في تلبية تطلعات المجتمع الدولي”، حيث أعلنت الخارجية الروسية في بيان أنها تسحب توقيعها عملاً بأوامر من الرئيس فلاديمير بوتن.[46] لأن المحكمة تفتقر إلى الاستقلالية، وقد مر على إنشائها 14 سنة، ولم تصدر سوى أربعة أحكام، وأنفقت، على الرغم من ذلك، أكثر من مليار دولار. وبالتالي، لا جدوى من اعتبارها مرجعيةً في العدالة الدولية، ولكن السبب الحقيقي لخروج روسيا تمثل في تخوفها من مساءلة قادتها العسكريين وجنودها الذين ارتكبوا جرائم دولية، تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، سواء في سورية أو في حرب روسيا مع جورجيا في شهر أغسطس/ آب 2008، أو ما تعلق من انتهاكات روسيا لحقوق الإنسان عند استيلائها على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في 16 مارس/ آذار 2014، خصوصا ما تعلق بالتمييز العنصري بين بعض سكان القرم كالتتار، إضافة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية باتت لا تخدم مصالح روسيا، ولاسيما أن دور المحكمة الجنائية الدولية يسير في اتجاهٍ رسمته لها الولايات المتحدة الأميركية، من أجل أن يخدم مصالحها ومصالح الدول الموجودة تحت مظلة حلف شمال الأطلسي[47].
وتتعرض روسيا لضغوط عالمية بسبب ضرباتها الجوية في سوريا التي زادت حدتها مؤخرا، وتتهمها حكومات غربية بقصف مدنيين، كما يأتي مرسوم بوتن بعد يوم من موافقة لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة على قرار يندد “باحتلال روسيا المؤقت لشبه جزيرة القرم”، وتحميل موسكو مسؤولية الانتهاكات لحقوق الإنسان، مثل التمييز ضد بعض سكان القرم كالتتار.[48]
بشكل عام، هناك أربعة مسارات للتحقيق في جرائم الحرب وتحديدها، رغم أن لكل منها حدوداً. وإحدى الطرق هي عبر المحكمة الجنائية الدولية.
الخيار الثاني هو إذا حولت الأمم المتحدة عملها في لجنة التحقيق إلى محكمة مختلطة لجرائم الحرب الدولية لمحاكمة بوتين.
والثالث هو إنشاء محكمة لمحاكمة بوتين من قبل مجموعة من الدول والجماعات المهتمة أو المعنية، مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وتعتبر المحاكم العسكرية في نورمبرغ ضد القادة النازيين مثالاً على ذلك.
أيضاً، لدى بعض الدول قوانينها الخاصة لملاحقة جرائم الحرب. ألمانيا، على سبيل المثال، تحقق بالفعل مع بوتين. لا يوجد لدى الولايات المتحدة مثل هذا القانون، لكن وزارة العدل لديها قسم يركز على بعض الأفعال بما في ذلك الإبادة الجماعية، والتعذيب، وتجنيد الأطفال.
رابعا: ما قيمة الاعتراف الدولي المنفرد بكيانات انفصالية في القانون الدولي( أوسيتنا الجنوبية وأبخازيا عام 2008 ودونتسك ولوجانسك عام 2022؟
من السمات الرئيسية للنظام الدولي الراهن أنه بات أكثر ترابطاً وتداخلاً. وبقدر ما خلقت العولمة نظاماً وعلاقات قائمة على المنافع المشتركة، أنتجت أيضاً مسارات جديدة لاستنساخ تجارب التفكيك الإقليمي للدول، لا سيما مع التطور الهائل في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، والقدرة على تداول الصورة والحدث بوتيرة متسارعة. وفي مثل هذا السياق، ربما يكون الاعتراف الروسي باستقلال منطقتي لوجانسك ودونيتسك[49] دافعاً إلى تجديد الطموحات الانفصالية المنتشرة على امتداد العالم، سواء في إفريقيا أو آسيا أو حتى أوروبا الغربية.
كان الدفاع عن الأفراد المنحدرين من أصول روسية واحداً من المبررات التي ساقتها موسكو لتفسير قرارها الاعتراف بمنطقتي لوجانسك ودونيتسك، وهو أمر من المرجح أن يفضي إلى تصاعد حضور الطابع الإثني والعرقي في العلاقات الدولية، وتوظيفه مدخلاً للاعتراف الدولي المنفرد باستقلال دول الأمر الواقع؛ فالعرق والإثنية، لا يزالان –حسب تعبير كل من Kelebogile Zvobgo and Meredith Loken–”جزءاً أساسيا في تشكيل تصورات صانعي الدول للتهديدات الدولية والمحلية، وما يترتب على ذلك من سياسة خارجية”. ويعزز تصاعد الإثنية أن الكثير من الدول شهدت في السنوات الأخيرة تزايد نفوذ التيارات اليمينية المتطرفة التي تدعم مشروعات سياسية ومجتمعية قائمة على انتماءات ضيقة رافضة للآخر المختلف عرقيّاً ودينياً.[50]
ومن نتائج هذا الاعتراف المنفرد الذي اتخذته موسكو عرفا في سياستها الخارجية:
1-تزايد مؤشرات عدم الاستقرار الإقليمي:
وهو أثر مترتِّب على دعم الطموحات الانفصالية؛ فمن جهة قد تؤدي مثل هذه الطموحات إلى تفكيك عدد من الدول، وتعريض وحدتها للتقويض. ومن جهة ثانية، قد تتعرض بعض الدول لأنماط جديدة من النزاعات المُسلَّحة في ظل تحول عدد من الحركات الانفصالية، على غرار الموجودة في بعض دول الشرق الأوسط، إلى المسار العسكري منذ سنوات للضغط على حكومات الدول. ومن جهة ثالثة، يمكن أن تتصاعد التوترات بين الدول في المناطق التي تشهد نشاطاً لحركات انفصالية؛ وذلك في خضم تبادل الاتهامات بين هذه الدول بشأن دعم بعض الحركات، وهو الذي يظهر مثلاً في حالة تركيا التي ظلت لعقود تتهم دولاً خارجية بدعم الحركات الكردية الانفصالية، وخاصةً حزب العمال الكردستاني.[51]
يُحتمَل أن تؤدي السياسة الروسية إلى إكساب فكرة الاعتراف الدولي المنفرد المزيد من الزخم والتوسُّع في استخدامها أداةً من أدوات إدارة التنافس على قيادة النظام الدولي. لقد ظهرت تجليات هذه الفرضية في الحالة الأوكرانية، ومن قبلها جورجيا؛ حيث بدا الاعتراف الروسي المنفرد بالمناطق الانفصالية في الدولتين محاولة من موسكو لتأكيد نفوذها التاريخي، وكبح جماح التمدد الغربي والأمريكي بالتحديد، في المجال الحيوي الروسي.
2- توظيف الاعتراف لإضعاف الخصوم:
ربما يكون الاعتراف الدولي المنفرد –ولو بصورة غير مباشرة، من خلال تقديم الدعم الإعلامي والرعاية للمطالب الانفصالية– واحداً من الأدوات المستخدمة من قبل بعض القوى للضغط على أطراف أخرى وإضعافها. وفي هذا الإطار، يمكن –على سبيل المثال– فهم الدعم التركي المتواصل لجمهورية القبارصة الأتراك التي تعتبر أداة مهمة للضغط على اليونان وإضعافها. ويمكن أيضاً أن توظف موسكو أدواتها الدعائية في الفترة القادمة للتركيز على المشاريع الانفصالية المتعددة في أوروبا، مثل المشاريع القائمة في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، والترويج لها بهدف تصدير المزيد من الضغوط لأوروبا وإضعافها، وكذلك إبعادها عن الانشغال بالدول الواقعة في المجال الحيوي لروسيا. [52]
خامسا: مشروعية انفصال “دونيتسك” و “لوجانسك” من منظور القانون الدولي:
إن أخطر جوانب الهجوم الروسي على أوكرانيا يكمن في انتهاج القوة والعنف لمناصرة الأقلية الروسية والاعتراف بانفصالها في جمهوريتين مستقلتين وليس جمهورية واحدة وهي سابقة يمكن الاستناد إليها من قبل دول وأطراف أخرى تمتلك موارد القوة ومقوماتها لحث أقليات تابعة لها على الانفصال ودعمها عسكرياً وهو أمر بالغ الخطورة في ظل التداخل والتشابك القومي والعرقي والثقافي في دول عديدة على وحدة الدول وسيادتها.[53]
يقصد بالانفصال Sécession تكوين دولة جديدة فوق جزء قد يضيق وقد يتسع من إقليم دولة قائمة، شريطة استمرار هذه الدولة التي كانت ضحية الانفصال، إن استمرار هذه الدولة هو الذي يميز الانفصال عن حل أو تفكك الدول éclatement, Dislocation désintégration بحيث تنهار وتختفي الدولة الأصلية نهائيا لفائدة دولتين جديدتين أو أكثر.[54]
كما عرف الانفصال بأنه: (خروج سكان جزء من إقليم دولة علي هذه الدولة بقصد الاستقلال عنها وتأسيس دولة جديدة متى نجحوا في تحقيق هذه الغاية بالتخلص نهائياً من سيادة الدولة الأم وتأسيس دولة جديدة مستجمعة لكافة عناصر الدولة القانونية”، وذهب آخر أن الانفصال هو تلك الحالة التي ينسلخ فيها إقليم من دولة قائمة ذات سيادة تعجز عن إخضاعه وإرجاعه إلى سيادتها فتكون بعد ذلك دولة تتوفر فيها كافة العناصر .[55]
يقصد بالانفصال خروج جزء من إقليم الدولة عن سيادة الدولة الأصلية بقصد تأسيس دولة جديدة، ولكي تنشأ الدولة الجديدة يجب إن تكون قد استجمعت كافة عناصر الدولة القانونية واستقرت في الجزء المنفصل وعجزت الدولة الأم عن إقناعها بالعدول عن قراراها بالانفصال[56].
لقد كان الفقه وإلى زمن غير بعيد يعتبر أن القانون الوضعي لا يقبل بالحق في الانفصال[57]، فلقد كلفت عصبة الأمم سنة 1920 لجنة من الحقوقيين[58] بإنجاز تقرير حول الجوانب القانونية لجزر “الأند” Islands Aaland وهي جزر صغيرة تقـع بـين فنلنـدا والسويد- وتخضع لسـيادة فنلنـدا، وانتهت اللجنة في تقريرها إلى أن “القانون الوضعي لا يعترف لفئات من الشعب بالحق في الانفصال عن الدولة التي ينتمون إليها، وذلك بمجرد أن لهم الرغبة في ذلك، كما أنه لا يعطي الحق لدول أخرى في أن تدعم تلك المطالبة،[59] وأشــارت إلــى أن ســكان الجزيرة لهم الحق في الاستقلال الثقافي، ولكن في إطار الدولة. وأنه فقط يحق لهم الانفصال عن فنلندا إذا لم تحترم حقوقهم.[60]
وقد أشار “جورج سيل” إلى أن حق مجموعة في الانفصال يصطدم مباشرة بحق آخر وهو حق باقي السكان في الاستمرار في تكون أمة ودولة ورغبتهم في العيش المشترك [61]. كما سبق للأمين العام للأمم المتحدة “أوتانت” أن أكد أن الأمم المتحدة لم يسبق لها أن قبلت ولا تقبل اليوم، ولن تقبل أبدا –على ما أعتقد- مبدأ انفصال جزء من الدول الأعضاء[62].
في 21 فبراير2022، أعلن الرئيس الروسي الاعتراف بما يُعرف بـ”جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك” الانفصاليتين، اللتين أعلنتا استقلالاً من طرف واحد، مؤكداً إرسال قوات لحمايتهما من “الاعتداءات الأوكرانية” تبعهما تدخل عسكري.
ولاقت الخطوة الروسية موجة واسعة من التنديد والتهديد من قبل القوى الغربية، حيث هددت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أستراليا واليابان وكندا، بفرض عقوبات “قاسية” على موسكو.
لقد تساءل الفكر القانوني الدولي عما إذا كانت إشكالية ثنائية حق الشعوب في تقرير مصيرها من جهة، وحق الدول في الحفاظ على وحدة ترابها وسيادتها تحتضن تناقضاً بين الشقين، وانتهى إلى أن حق الشعوب في تقرير مصيرها قد انتهى العمل به لأنه كان يعني رفع الاستعمار عن المستعمرات وتحرير الشعوب بناء على حقها في تقرير مصيرها. ولأن هذا الاستعمار قد انتهى، فإن الحق الناتج عنه قد انتهى أيضاً، لأن فقد السبب يقتضي انتهاء المسبّب.
وعلى العكس لا يمكن انتهاك حق الدول في الحفاظ على وحدتها وبسط سيادتها على كامل ترابها لأنه حق ثابت لا يزول إلا بزوال الدولة المعنية به أو انقراض مفهوم الدولة.
إن القانون الدولي وضع حداً للالتباس الذي يكتنف الإشكالية بما يمكن تلخيصه في أن حق الشعوب في تقرير مصيرها بالانفصال عن الاستعمار ذو مجال خارجي. أما حق الدول في المحافظة على وحدة التراب والسيادة فهو ذو مجال داخلي، وكل منهما بالتالي ينطبق على حالة مغايرة للأخرى.
كان القانون الدولي متحفظا تجاه الإقرار بحق الأقليات في تقرير مصيرهم عن طريق الانفصال إذ لم ينص صراحة على الحق في الانفصال بل غالبا ما كان يشير إلى أن الاهتمام بحقوق الأقليات لا يعني إطلاقا الإشارة إلى الحق في الانفصال و هو ما نصّت عليه المادة الثامنة الفقرة الرابعة من الإعلان الخاص بحقوق الأقليات عام 1992حيث نصّت ” لا شيء في الإعلان الحالي يمكن تفسيره مخولا القيام بأي عمل يتعارض مع غايات و مبادئ الأمم المتحدة”.
– إن درجة تقدير حق تقرير المصير مرتبطة بطبيعة النظام و الدولة و مدى شرعية تمثيلها لمواطنيها، فإذا كان النظام دكتاتوريا يعتمد سياسة التمييز في التعامل مع مواطنيه و لا يعطي كل أفراد و فئات المجتمع حقها في التمثيل السياسي فذلك يعني أنه نظام غير ديمقراطي و بالتالي يتم التعاطي مع مطالب هذه الأقليات بالاعتراف و الجدية، كما يجب أن ننظر إلى تاريخ المطالبة بحق تقرير المصير بالنسبة لهذه الأقليات و مدى مصداقيته .
– لا يمكن اعتبار حالات الانفصال التي تمت مثل كوسوفو و جنوب السودان حالة عامة يقاس عليها كل المطالب التي تدعو للانفصال بل يجب التأكيد على خصوصية كل حالة على حدة و اختلاف ظروف و معطيات كل حالة.
إن مشاكل الأقليات معقدة جدا سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اقتصادية، ولعل أفضل حل لما يسمى بمشكل الأقليات قد يكون على الأقل الاستماع العميق إلى أماني كل أبناء الوطن وإلى أية جماعة عرقية أو دينية أو ثقافية ومعالجة وحل كل المشاكل من منطلق أساسي، ألا وهو منطلق حقوق الإنسان واحترام حريته وحياته وكرامته[63] كما يجب البحث عن السياسات الخلاقة سياسيا واجتماعيا حتى تستطيع أن تسد الفجوة بين مصالح الأقليات وبين الدولة، إضافة إلى ضرورة بدء عملية التحكم في الصراع في المراحل الأولى، فمن المعروف أن الصراعات الطويلة تصعب تسويتها ويرى بعض الخبراء أن عملية الوساطة تكون ممكنة في حالة وقوع الجانبين في مأزق حقيقي يصعب الخروج منه، ونادرا ما يكون لدى الدول والزعماء بعد النظر والرغبة السياسية للقضاء على الصراع العرقي قبل أن تولد لكنهم يجب أن يستجيبوا بسرعة إلى التعبئة السياسية والاحتجاجات من قبل الجماعات العرقية قبل أن تنتقل تلك الجماعات إلى المرحلة التالية من العنف[64].
يتضح مما سبق أن العالم الآن ليس لديه القابلية للقبول بحق تقرير المصير بمفهومه الواسع الحالي حيث بات يهدد وحدة العديد من الدول، بعد أن أصبح ذريعة لكل إقليم أو جماعة إثنية ترغب في الانفصال عن الدولة، كما أنه أصبح يهدد النظام الاقتصادي والتجاري العالمي نظراً لأن الأقاليم التي تسعى للانفصال غالباً ما تكون الأكثر ثراء من الناحية الاقتصادية وهو ما ينطبق على كل من كردستان وكتالونيا.
وهنا يجب الإشارة إلى أنه عندما تم إقرار مبدأ حق تقرير المصير بمفهومه الحالي في ميثاق الأمم المتحدة الذي تم التوقيع عليه في مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945، كان هناك العديد من دول العالم لا تزال خاضعة للاستعمار. وبالتالي، جاء هذا المبدأ بالأساس للتأكيد على حق هذه الدول والشعوب في تقرير مصيرها والحصول على الاستقلال وهو ما لم يعد قائماً الآن باستثناء بعض الحالات القليلة ومنها حالة فلسطين. ولم يكن الغرض من هذا الحق تفتيت الدول على أساس عرقي أو طائفي، وهو ما أكدته “آنا ستيلز” أستاذة السياسة في جامعة برينستون حيث قالت: “يُعتقد أن حق تقرير المصير لا يمتد إلى الأقليات الداخلية داخل دولة ما، بل يعتقد تقليدياً أنه ينطبق فقط على الشعب المستعمر، أو الأشخاص الخاضعين للاستعمار الخارجي، أو الشعوب الخاضعة لحكومات فصل عنصري أو الشعوب الخاضعة للاحتلال العسكري”. [65]
لقد أصبحت عملية التفتت الإقليمي لدول ذات سيادة شيئا مألوفا، كما أن الدول المجهرية التي تفرزها النزعات الانفصالية في ظل المخاض المرتبط بتطبيق النظام العالمي الجديد سوف تتزايد[66].
إن الإقرار للأقليات بحق الانفصال وإقامة كيانات صغيرة فيه من التفتت للمجتمع الدولي ما يؤدي إلى عدم الاستقرار وتهديد النظام القانوني الدولي بالانهيار، وبالتالي تهديد السلم والأمن الدوليين، ولما كانت الأقليات في هذا العالم وفقا للاتفاقيات الدولية قد حظيت بحقوقها وتوفرت لها الحماية القانونية اللازمة، فإنه وفقا لمقتضيات استقرار القواعد القانونية في النظام القانوني الدولي، أن لا يسمح لهذه الأقليات بتجاوز هذه الحقوق والحماية المقررة لها، بحيث لا يفسر حق تقرير المصير تفسيرا واسعا، تفسيرا واسعا، بل تعتبر هذا الحق من الحقوق التي أقرت للشعوب الواقعة تحت الحكم الاستعماري” [67].
سادسا: هل يمكن تجريد روسيا من عضوية مجلس الأمن؟
استمراراً في مساعيه للضغط على بوتين من أجل رفع يده عن أوكرانيا ووقف الحرب، ولتكريس عزل موسكو دبلوماسياً، هدّد الغرب بتجريد روسيا من عضويتها الدائمة في مجلس الأمن، إذ صرّح الناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يوم الثلاثاء، بأن الحكومة البريطانية منفتحة على طرد روسيا من مجلس الأمن الدولي، وهي من الأعضاء الدائمين فيه، إثر غزوها لأوكرانيا.
وعلى الرغم من أنه نظرياً هناك بنود أخرى في الفصل الثاني لميثاق الأمم المتحدة (المادة 5 والمادة 6) حول عضوية الدول الأعضاء وشروطها التي تشير إلى إمكانية حرمان دولة ما من حقوقها كعضو، بما فيها التصويت في الجمعية العامة؛ فإن ذلك يتطلب قراراً من مجلس الأمن، مما يحيلنا مجدداً إلى أنه يمكن لروسيا استخدام “الفيتو” في هذه الحال، على الأقل نظرياً. وحتى لو لم تتمكن روسيا من استخدامه فمن المستبعد أن تتخلى الصين عن حليفتها. والمواد المتعلقة بذلك تنص على أنه يجوز للجمعية العامة أن توقف أي عضو اتخذ مجلس الأمن بحقه إجراء احتياطياً أو منعاً، عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها، ويكون ذلك بناءً على توصية مجلس الأمن. ولمجلس الأمن أن يعيد لهذا العضو تلك الحقوق والمزايا. والمادة السادسة تشير إلى أنه “إذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق؛ جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناءً على توصية مجلس الأمن”.
وبحسب خبراء، فإن خطوة من هذا القبيل (أي طرد روسيا أو تجميد عضويتها في مجلس الأمن أو حقها بالتصويت) شبه مستحيلة. ويحذر هؤلاء من أن عزل روسيا بشكل تام وهي قوة نووية وقوة فاعلة على الساحة الدولية؛ قد تكون له عواقب وخيمة. لكن هناك إمكانيات أخرى لا تعني بالضرورة تجميد عضويتها، وقد أشار إليها بعض الخبراء، ومنها إمكانية الطلب من روسيا الامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن لأنه متعلق بعدوانها. وفي هذا السياق، تنص المادة الـ27 تحت الفصل الخامس من ميثاق الأمم المتحدة على أنه “تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه، تكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت”.[68]
ولعل الكثيرين يتذكرون حال نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التاريخي، والذي اتخذته في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1974، حيث علقت فيه مشاركة جنوب أفريقيا في أعمالها، بسبب المعارضة الدولية لسياسة الفصل العنصري، ما حرم جنوب أفريقيا من التصويت والحديث. وفي حينه، دعم قادة الدول الأفريقية، وعلى رأسها الجزائر، تلك الحملة والمجهودات وعارضتها بشدة الدول الغربية، وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة، التي كانت تدعم نظام الفصل العنصري. وأعيد قبول جنوب أفريقيا في الأمم المتحدة في عام 1994 بعد انتقالها إلى نظام ديمقراطي.
وقال السفير الأوكراني لدى الأمم المتحدة، سيرجي كيسليتسيا، في اجتماع ليلة الأربعاء، إن المادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة تنص على أن الأمم المتحدة مفتوحة فقط للدول المحبة للسلام التي تقبل شروط الميثاق. وذكر أن تصرفات روسيا تظهر أنها لا تستطيع الامتثال لتلك الشروط.
لكنه طلب أيضاً من غوتيرش أن يوزع على مجلس الأمن المذكرات القانونية التي كتبها المستشار القانوني للأمم المتحدة بتاريخ 19 ديسمبر 1991 والتي تسمح للاتحاد الروسي بالانضمام إلى مجلس الأمن خلفاً للاتحاد السوفيتي. ورأى السفير الأوكراني تلك “الوراثة” غير شرعية لأن ميثاق الأمم المتحدة يشير إلى الاتحاد السوفييتي كدولة مؤسسة وليس روسيا، خاصة وأنه لم يكن هناك قرار بالجمعية العامة بذلك.
وتدعي أوكرانيا أن الجمهوريات المكونة لاتحاد الجمهوريات السوفيتية أعلنت في عام 1991 أن الاتحاد السوفيتي لم يعد موجوداً، وكان ينبغي أن يكون معها الحق القانوني لأي من هذه الكيانات، بما في ذلك روسيا في الحصول على المقعد وليس فقط روسيا. ولم يُعرض على الجمعية العامة أي قرار بالسماح لروسيا بعضوية مجلس الأمن. ولم يتم تعديل ميثاق الأمم المتحدة أبداً بعد تفكك الاتحاد السوفيتي. ولا تزال المذكرة تشير إلى الاتحاد السوفيتي، وليس روسيا، كأحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وعلى النقيض من ذلك في عام 1991، كان انضمام الصين إلى الأمم المتحدة خاضعاً لقرار. ووضع شرطا للانضمام بالقول إنه يجوز للأمم المتحدة (الجمعية العامة) أن تطرد من عضويتها من ينتهك باستمرار المبادئ الواردة في هذا الميثاق بناءً على توصية من مجلس الأمن.[69]
ويزعم الروس أن أفعالهم في أوكرانيا تتماشى مع البند 51 من الميثاق بدعوى الدفاع عن النفس.
خلاصة:
يتضِح مما تقدم أن القانون الدولي قابل للاستدعاء في الأزمات والمواقف الدولية في حالات مختلفة، لكنه موجود على الورق فقط، في غياب سلطة عليا قادرة على تطبيقه وفرض حمايته. وهذا وضع يغري كل من يملك القوة على استخدامها في كل مرة يتصور فيها أنه يستطيع أن ينجو بفعلته، رغم تحريم اللجوء إليها أو حتى مجرد التهديد بها تحريماً قاطعاً. وحين كانت الولايات المتحدة تهيمن منفردة على العالم، لم يكن بمقدور أحد غيرها استخدام القوة. أما الآن، وبعد أن وصلت الهيمنة الأميركية المنفردة إلى نهايتها، أصبح بمقدور غيرها استخدام القوة أيضاً، ما يوحي بأن النظام الدولي على وشك الدخول في مرحلة فوضى وعدم استقرار إلى أن يتم العثور على نقطة توازن جديدة.
القانون هو مظلة الضعفاء، أما القوة فهي أداة الأقوياء، لذا، لن يكون بمقدور المجتمع الدولي أن ينعم بالأمن والاستقرار ما لم يقرر الأقوياء في المجتمع الدولي إقامة نظام عالمي يضمن الأمن والاستقرار للجميع، الأقوياء منهم والضعفاء، أو بعبارة أخرى، إقامة نظام للأمن الجماعي يكون قابلاً للتطبيق، وهو ما لا يمكن أن يتم من دون إصلاح جذري للأمم المتحدة. وتلك هي “الفريضة” الغائبة الآن في المرحلة الراهنة من مراحل تطور النظام الدولي.
الهامش
[1] جدل القوة والقانون في مرآة الأزمة الأوكرانية، صحيفة الميادين، 03 مارس 2022 على الرابط: https://bit.ly/3Mxn5qt
[2] عبد العليم محمد: الحرب الروسية الأوكرانية بين صلح فرساي وتمدد الناتو شرقا، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 28 فبراير 2022، على الرابط
[3] Oona A. Hathaway, International Law Goes to War in Ukraine, foreignaffairs, March 15, 2022, available at: https://fam.ag/3NdTzGy
[4] أوكرانيا وأزمة القانون الدولي، موقع syndicate Project، 24 مارس 2014، على الرابط: https://bit.ly/375TJyW
[5]– أندريس فوج راسموسن، الناتو والربيع العربي، صحيفة الشرق الأوسط، 3 يونيو 2011 .
[6] ليس في هذا الميثاق ما يسوغ ”للأمم المتحدة“ أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن هذا المبدأ لا يخلّ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع.
[7] أحمد عبد الونيس علي شتا، الدولة العاصية: دراسة في التعارض بين مواقف الدول والتزاماتها الدولية في الأمم المتحدة (مع إشارة خاصة إلى إسرائيل وجنوب أفريقيا )، رسالة مقدمة للحصول على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1986.
[8] عبد القادر القادري: العنف المضاد الأحادي الجانب ظاهرة في العلاقات الدولية، مجلة الوحدة، العدد 67، السنة السادسة، نيسان/ أبريل1990، ص: 51.
[9] Myra Williamson, ‘Terrorism, War and International Law, The Legality of the Use of Force in Afghanistan in 2001’, The Ashgate International Law Series, England, 2009, pp. 102-104.
[11] فقد عرض الممثل السوري، على سبيل المثال، التعليقات التالية:
لم يشر الإسرائيليون، ولو مرة، إلى عدوان عربي على إسرائيل في هذه الأزمة. لنرى ما هي الكلمات التي يستخدمها ممثل إسرائيل اليوم: “محاولات” للعدوان، و ”تهديدات”. ولكن من الذي ارتكب العدوان؟ الطرف الذي ارتكب العدوان، الطرف الذي هو بلا ريب المعتدي في هذه القضية هو إسرائيل وفقط إسرائيل. لقد بدأت إسرائيل الهجوم على مصر، وهاجمت إسرائيل سوريا في 7 أبريل بقوات كبيرة، وبالقوات الجوية، ودمرت الممتلكات وقتلت المدنيين).
وبالمثل، فإن ممثل المغرب بدا وكأنه يقترح أن الاستخدام المبتدأ للقوة كان حاسماً. فبرغم أنه قد حاول أن يبرهن على أن الدول العربية لم تكن تحضّر للحرب؛ فقد شرح أنه من الصحيح أن يتم إخبارنا أن فيما يتعلق بالتدابير العسكرية، فليس من الضروري تحديد أي الأفعال كانت عدوانية وأيها كانت دفاعية. وما يبدو أنه كان يحاول إثباته هنا كان أن النية في الاستعداد العسكري – سواءً كان دفاعية أو هجومية – ليست حاسمة في إقامة المسئولية عن العدوان. ويبدو أن افتراضه الأساسي هو أن الاستخدام الأول للقوة هو الفعل العدواني. وكما هو متوقع فإن المندوب السوفيتي لدى مجلس الأمن كان مقتنعاً أيضاً بأن إسرائيل هي المعتدية. وقد بدا هو الآخر مؤكداً على واقعة أن إسرائيل هي أول من استخدم القوة. أما الوفود التي كانت أكثر تعاطفاً مع إسرائيل (الولايات المتحدة وبريطانيا) فقد اتجهت للامتناع عن أي مناقشة لكون الدفاع الوقائي عن النفس مباحاً. لذا كان الوفد الوحيد الذي بحث في المفهوم القانوني هو إسرائيل نفسها.
[12] Malcolm N. Show, International Law, Fifth Edition, 2003, Cambridge University Press, UK,
[13] Jean Delivanis. la légitime défense en droit international public. LGDJ.1971.p25
[14] المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة: ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء “الأمم المتحدة” وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس) بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق) من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.
[15] معهد القانون الدولي في لائحته الصادرة في دورة باريس 1934 الذي تطرق لنظام الأعمال الإنتقامية وقت السلم ومما جاء في تعريفه بأنه يشكل ( تدابير قسرية استثنائية من وجهة القواعد الاعتيادية للقانون الدولي تتخذها دولة على اثر فعل غير مشروع ضار بها صادر عن دولة أخرى لغرض حمل الأخيرة على احترام 3 القانون عن طريق الإضرار بها.
– Annuaire de l’institut de droit international, 1934, p 708
الانتقام غير المسلح يـشكل اليـوم الجانب المهم من التدابير المضادة ضمن الشروط التي حددها قـرار التحكـيم في قـضية Naulilaa على أساس انه فعل غير مشروع يقصد به فعل غير مشروع سابق عنه، وانـه بسبب هذه العلاقة التلازمية فان وجود الأول يعطي للثاني مبرره وبالتالي مشروعيته وقـد عرفت الممارسة الدولية عدة تطبيقات للانتقام غير المسلح، فمن التدابير التي يمكن اتخاذها القيام بوقف تطبيق الاتفاقات الجارية ( وهو يختلف عن فسخ اتفاقية دولية ) حجز الأموال 4، غلق الموانئ، وحجز السفن.
Nguyen quoc Dinh. Patrick dallier et Alain pellet. Droit international public. L G D J. PARIS 1980. P 854.
[16] ماهر عبد المنعم أبو يونس،” استخدام القوة في فرض الشرعية الدولية”، المكتبة المصرية للطباعة و النشر و التوزيع، مصر، 2004، ص ص 107-108.
[17]–Mikael F. Nabati, Anticipatory Self-Defense: The Terrorism Exception, Current History, May 2003, Vol.102, Issue 664, p. 8.
[18] تشير حالة الضرورة إلى عدم وفاء دولة ما بالتزام دولي عند الاقتضاء للرد على خطر داهم أو وشيك الوقوع بما في ذلك استخدام القوة لتفاديه، ويعرفها الفقيه Anzilotti بأنها (الوضعية التي تكون فيها الدول مدفوعة من طرف خطر كبير يحرمها من حرية الاختيار فتقوم بعمل ضار ضد دولة حتى تنجوا من هذا الخطر أو بمعنى آخر فهي الحالة التي يستحيل فيها التصرف بوسيلة أخرى غير مخالفة القانون )، د. بن عامر تونسي: العمل الدولي غير المشروع كأساس بمسؤولية الدولة الدولية، منشورات حلب، 1995، ص: 324.
[19] وتقسم المصالح الحيوية بحسب المفاهيم الغربية إلى أربعة أقسام هي:
1- المصلحة الدفاعية: و تتعلق بحماية الدولة من أي تهديد خارجي، وتعتبر هذه المصلحة الأهم والأكثر تأثيرا من سائر المصالح الأخرى بل وتؤثر تأثيرا بيّنا عليها فلا تقوم تلك المصالح إلا بها وعادة ما يستخدم مصطلح الأمن القومي للدلالة عليها.
2- المصلحة الاقتصادية: و تتعلق بغنى الدولة وزيادة ثرائها ووفرة مواردها وعليها تعتمد المصلحة الدفاعية بالدرجة الأولى.
3- المصلحة العقائدية: وهي مجموعة القيم والأفكار التي تؤمن بها غالبية السكان في الدولة، أو تؤمن بها المجموعة الأكثر تأثيرا ً فيها فيوجد لديهم إكبار لها بحيث يدافعون عنها لاعتقادهم بصلاحيتها.
4- المصلحة الدولية: وهي مصلحة تتعلق بالنظام الدولي التي تؤمن الدولة بضرورة الانضواء تحته ضمن إطار دولي معين أو تكتل دولي يساعد في حفظ أمنها.
بحثا عن المصالح الحيوية للدول، موقع محاماة نت، 5 مايو 2020، على الرابط
[20] عبد القادر القادري: العنف المضاد الأحادي…المرجع السابق، ص: 52.
[21] – Andrew J. Bacevich, Requiem for the Bush Doctrine, Current History, December 2005, p. 411.
[22] Alain Pellet Non, ce n’est pas la guerre ! Le Monde du 20 septembre 2001, available in : https://bit.ly/3vT0jDw
[23] Oona A. Hathaway, International Law Goes….op. cit
[24]– بوتين: العقوبات المفروضة على روسيا تعادل “إعلان حرب”، CNN ARABIC، 05 مارس / آذار 2022 على الرابط
[25] Ukraine : qu’est-ce que l’article 51 de l’ONU, invoqué par Poutine pour justifier son offensive ? Le Figaro du 24/02/2022, available in : https://bit.ly/3MBKfvS
[26] – ماهر عبد المنعم محمد أبو يونس، استخدام القوة في فرض الشرعية الدولية في ظل السوابق الدولية، رسالة دكتوراة، كلية الحقوق، جامعة القاهرة. ص: 106-107
[27] عبد القادر القادري: العنف المضاد الأحادي…المرجع السابق، ص: 55.
[28] بوتين: اتفاقات “مينسك” لم تعد موجودة وموسكو ستكون في مرمى الأسلحة النووية الأوكرانية، الجزيرة مباشر، 22/02/2022 على الرابط
[29] أدى انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، إلى أن ترث أوكرانيا ثلث الترسانة النووية السوفيتية، فضلاً عن مخططات وتقنيات مهمة لتصميمها وإنتاجها. وضمت تلك التركة نحو 1900 رأس حربي نووي إستراتيجي، و200 صومعة نووية لتخزين وإطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وأسطول من القاذفات الإستراتيجية المزوّدة بالأسلحة النووية، لكنّ جميع هذه الأسلحة كانت رسمياً تحت سيطرة رابطة الدول المستقلة (كومنولث)، أي تحالف لدول الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية السابقة، والتي تضم 12جمهورية.
[30]– شبه جزيرة القرم، الخاصرة الرخوة في الكيان الأوكراني، كانت سابقاً مسرحاً لنزال عثماني) قيصري روسي بين الأعوام 1768-1774 انتهى بمعاهدة “كويك كايناركا”، التي أقرّت بأن شبه الجزيرة، لن تستقل عن الإمبراطورية العثمانية، ولن يتم ضمّها من قبل أي بلد آخر وخصوصاً الإمبراطورية الروسية . إلا أن روسيا لم تحترم الاتفاقية التي حيّدت منطقة القرم وانتهى الأمر بضم موسكو لشبه الجزيرة بأكملها عام 1783 . وبحجة الحفاظ على الموروث الأرثوذكسي تمكنت روسيا من السيطرة على مناطق كثيرة في محيطي الدردنيل والبوسفور، الأمر الذي استفز السلطنة، التي استقوت بدعم أوروبي كبير وتمكنت من إلحاق الهزيمة بموسكو بعد حرب استمرت ثلاث سنوات بين الأعوام 1853 و1856 . لكن الوضع تغير بعد الحرب العالمية الأولى، وباتت شبه الجزيرة جزءاً من الاتحاد السوفييتي . وغريب المفارقات في مصير شبه الجزيرة أن قدمها الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف في العام 1954 وهو من أصل أوكراني، إلى مواطنه الرئيس الأوكراني هدية في عيد ميلاده!
[31]-د. عبد الواحد الناصر: حرب كوسوفو، الوجه الآخر للعولمة، سلسلة كتاب الجيب، العدد 7، منشورات جريدة الزمن، الرباط، أكتوبر 1999، ص: 47-61.
[32] – د. أمين مكي مدني: التدخل والأمن الدوليان: حقوق الإنسان بين الإرهاب والدفاع الشرعي، المجلة العربية لحقوق الإنسان، المعهد العربي لحقوق الإنسان، تونس، العدد 10 / يونيو 2003، ص: 113-114.
[33] هالة الحفناوي: رواية “كييف روس”: صراعات الهوية في الحرب الروسية الأوكرانية، الأربعاء، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 09 مارس، 2022 على الرابط
[34] غير أنه بعد انهيار كييف روس، كانت انقسمت إلى ما عرف لاحقاً بأوكرانيا بين عدة قوى. فمنذ القرن السابع عشر، وقع غرب أوكرانيا تحت سيطرة بولندا ثم النمسا، أما الجزء الشرقي من نهر دنيبر فأصبح تحت حكم الإمبراطورية الروسية. وسيطرت الثقافة واللغة الروسية على أوكرانيا بصورة كبيرة . وعرفت أوكرانيا باسم روسيا الصغرى، ورسخ رجال الدين الأوكرانيون مصطلح ومفهوم روسيا الصغرى وروجوا له، خاصة مع حاجتهم للقوة الروسية للمحافظة على المذهب الأرثوذكسي أمام تهديده من المذاهب الأخرى.
[35] محمد رفعت الإمام: جورجيا والأزمة الأبخازية، مجلة السياسة الدولية، العدد147، يناير 2022، ص: 141.
[36]– د. محمد تاج الدين الحسيني: المجتمع الدولي وحق التدخل، سلسلة المعرفة للجميع، منشورات رمسيس، الرباط، العدد 18، ص: 161.
[37] الحواس تقية: اجتياح أوكرانيا: المعضلات الاستراتيجية، مركز الجزيرة للدراسات، 27 فبراير 2022 على الرابط
[38] محكمة العدل الدولية تصدر حكما يقضي بأن توقف روسيا عملياتها في أوكرانيا فورا، أخبار الأمم المتحدة، 16 مارس 2022، على الرابط
وأنظر رأي المحكمة على الموقع الرسمي للمحكمة الرابط
[39]– Biden on Putin: ‘I think he is a war criminal’, CNN, March 17, 2022,available at: https://cnn.it/3wlKeq0
[40]– هل يُعتبر بوتين «مجرم حرب»؟ ومن يقرر ذلك؟ الشرق الأوسط، الجمعة) 15 شعبان 1443 هـ) 18 مارس 2022 مـ.
[41]-Becky Sullivan,The ICC says it will open an investigation into alleged war crimes in Ukraine, February 28, 2022, at: https://n.pr/3JqqRj7
[42]-د. حامد سلطان، د. عائشة راتب، د. صلاح عامر:” القانون الدولي العام “،دار النهضة العربية، القاهرة، 1978.ص.ص82) 83.
[43] ) د. محمد حافظ غانم: ” المسئولية الدولية “، بحث مقدم لمعهد الدراسات العربية، جامعة الدول العربية، 1962، ص33.
[44] عبد الحميد صيام: هل المحكمة الجنائية الدولية في طريقها إلى التفكك؟ القدس العربي 04 نوفمبر 2016.
[45]-سامية صديقي: تسييس المحكمة الجنائية الدولية… وانسحاب روسيا، موقع العربي الجديد 28 نوفمبر 2016 على الرابط
[46]-بعد انسحاب روسيا.. الجنائية الدولية نحو “الانفراط” والسودان ترحب، 17 تشرين الثاني, 2016، موقع Breaking news على الرابط
[47] سامية صديقي: تسييس المحكمة…..المرجع السابق.
[48] ماذا يعني انسحاب روسيا من “الجنائية الدولية”؟ موقع سكاي نيوز، الخميس 17 نوفمبر 2016، على الرابط
[49]– لم تخف روسيا تقديمها دعما إنسانيا ومعنويا وسياسيا واقتصاديا للجمهوريتين اللتين حصل نحو 700 ألف من سكانها خلال السنوات الأخيرة على الجنسية الروسية. وتسيطر “الجمهوريتان الشعبيتان” على حوالي ثلث أراضي مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك الأوكرانيتين والبالغة نحو 53 ألف كم مربع.
[50] محمد بسيوني عبد الحليم: تصاعد سياسات “الاعتراف المنفرد” بعد الدعم الروسي للمناطق الانفصالية الأوكرانية، موقع إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، 24 فبراير، 2022، على الرابط
[51] محمد بسيوني عبد الحليم: تصاعد سياسات “الاعتراف المنفرد”…المرجع السابق.
[52] المرجع السابق.
[53] محمد عبد العليم: الحرب…المرجع السابق.
[54] د. عبد الحق الجناتي الإدريسي، القانون الدولي….،المرجع السابق، ص: 211.
[55] محمد على أحمد محمد تورشين: انفصال الدول (طرقه و دوافعه)، موقع جريدة حريات السودانية، بتاريخ 03 نوفمبر 2014 على الرابط
[56] ) عبد الواحد محمد الفار: القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 1994،ص:148.
[57] د. محمد تاج الدين الحسيني، المجتمع الدولي وحق التدخل، سلسلة المعرفة للجميع، العدد 18، يناير 2001، منشورات رمسيس، الرباط، ص: 180-181.
[58]– تم تكوين هذه اللجنة من ثلاث حقوقيين وهم الأساتذة لارناند M.Larnande عميد كلية الحقوق بباريس، وماكس هيبرMax Huber أستاذ في زيوريخ syryken مستشار قانوني نيوزيلاندي. د. محمد تاج الدين الحسيني، المجتمع الدولي…المرجع السابق، ص: 181.
[59]– “Positive International Law does not recognize the right of national groups, as such, to separate themselves from the State of which they form a part by the simple expression of a wish…. .”
[60] Sterio, Milena, “On the Right to External Self-Determination: Selfistans, Secession, and the Great Powers Rule”, Minnesota Journal of International Law, Vol.19, No.1, 2010, P:143.
[61] د. محمد تاج الدين الحسيني، ..المرجع السابق، ص: 181.
[62] “As an international organization, the United Nations has never accepted and does not accept and I do not believe it will ever accept the principle of secession of a part of [a] Member State.” Secretary-General’s Press Conferences, UN MONTHLY CHRON., Feb. 1970, at 34, 36
وقد جاء هذا التصريح أثناء محاولة الانفصال التي عرفتها نيجيريا والتي أدت إلى حرب أهلية دامية استمرت ما بين سنتي 1967 و 1970 انتهت لصالح السلطة المركزية ضد انفصال إقليم “بيافرا”.
[63] سالم الجسر: مسألة الأقليات بين التجاهل والمواجهة، جيدة الشرق الأوسط، عدد 5632، 30 أبريل 1994، ص: 8.
ولمزيد من التفاصيل حول الحلول والمعالجات لمشاكل الأقليات، أنظر: “عبد السلام إبراهيم بغدادي، الوحدة الوطنية ومشكلة الأقليات في إفريقيا، سلسلة أطروحات الدكتوراه (23)، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة 1، بيروت، أغسطس 1993، (الفصل السادس من الكتاب، ص: 245 وما بعدها).
[64] تيد روبرت: أقليات في خطر: 230 أقلية في دراسة إحصائية وسياسية واجتماعية، مراجعة وتقديم: رفعت سيد أحمد، تعريب مجدي عبد الحكيم، سامية الشامي، مكتبة مدبولي، الطبعة الأولى القاهرة 1995.، ص: 377.
[65] أقاليم الانفصال كيف تحقق الاستقلال؟”،سكاي نيوز عربية 05 أكتوبر 2017، متاح على الرابط
[66] عبر الأمين العام للأمم المتحدة الراحل بطرس بطرس غالي بخصوص هذا التطور المتمثل في استفحال ظاهرة الدول المجهرية: “نعم لقد أظهرت تخوفاتي بخصوص نزعة القوميات التي تجتاح العالم، وإذا استمر هذا الاتجاه فسيصبح لدينا ما بين مائتين إلى ثلاثمائة دولة عضو، لكن ينبغي أن نعترف في مقابل ذلك بأن عدة جهات من العالم تعرف جهودا لإنشاء نوع من الاندماج، وما حدث في الرابطة الأوربية، يمكن أن يتكرر في عدة مناطق. إن القومية المجهرية هي مرحلة، وينبغي أن نكون جاهزين للمرحلة الموالية لمحاولة إدماج مختلف الدول المجهرية عن طريق نظام فيدرالي أو كونفدرالي بقصد الرجوع إلى وضعية “الماكرو-دولة” التي هي أساسية لتحقيق النمو الاقتصادي والسياسي”.
– Voir l’Entretien avec le secrétaire générale de l’ONU. B. B. Ghli (le trimestre du Monde) 2ème trimestre 1992, N° 18, p : 9 et s.
[67] سالم الكسواني: المركز القانوني لمدينة القدس، الطبعة الثانية 1978 (دون ناشر)، ص: 275.
[68] ابتسام عازم: هل يمكن حرمان روسيا من عضوية مجلس الأمن وحق استخدام الفيتو؟ العربي الجديد، 02 مارس 2022 على الرابط
[69] هل يتم استبعاد روسيا من مجلس الأمن بعد تهديدات بريطانيا؟ العربية، 01 مارس 2022 على الرابط
.
رابط المصدر: