تخصصي الأكاديمي جعلني اكثر معرفة من العامة بوظائف الإعلام المتعددة، والتي تنتظم بمجموعة من النقاط، ومن هذه الوظائف هو التثقيف والترفيه .. الخ من المهام الكبيرة التي تقوم بها وسائل الإعلام على اختلافها.
وبالفعل تقوم جميع هذه الوسائل بتأدية الغرض المؤسسة من أجله بصورة دقيقة ومنظمة، اذ تمارس عملها الاعلامي بطريقة ممنهجة، معتمدة على خارطة طريق رسمها اصحاب القرار بعدما اشبعوها تفحص وعناية، كل ذلك من اجل الوصول الى الأغراض الرئيسة، وتحقيق الأهداف الموضوعة ضمن الخطة العامة لتلك المؤسسات.
وقد أستطاعت المؤسسات الإعلامية من توجيه شرائح المجتمع الى الجهة التي ترغب بها، وكذلك احداث التأثيرات الكبيرة في أساليب التفكير للأفراد، بالاضافة الى طريقة التعامل والتعاطي مع الوقائع الجارية بصورة يومية، اذ اصبحت تلك الوسائل الموجه المباشر للملايين من الاشخاص حول العالم.
اذ نبهتهم على كيفية التعامل مع المواقف الحياتية والجوانب الاجتماعية، وكذلك المتغيرات السياسية التي تطرأ بين الحين والحين، لكن ومع مرور الزمن وظهور وسائل اخرى تمكنت من ان تكون رديفة لوسائل الإعلام التقليدية، الصحافة والإذاعة والتلفزيون، اذ جاءت بفعل الطفرة التكنولوجية التي حصلت في القرن المنصرم.
وهذه الطفرة كسرت القوالب القديمة التي تخرج منها المواد الإعلامية بصورة مستمرة، فقد منحت الأفراد فرصة المشاركة بالعمل الصحفي، وساعدت على ظهور صحافة المواطن، اي لم يعد الشخص مستقبلا فحسب، بل اصبح مرسل ايضا للمضامين الإعلامية، ويصدر رسائل هادفة ومؤثرة.
في الآونة الاخيرة ولكثرة الانشغالات اصبح المواطن لا يفضل متابعة المحتوى المطول المتدفق عبر الإصدارات الصحفية والمحطات الإذاعية، والتلفزيونية، واستعاض عن ذلك بالذهاب باتجاه الشبكات الاجتماعية التي أرادت ان تكون البديل عنها بصورة كاملة، لكنها لم تستطع تحقيق ذلك؛ نتيجة افتقارها لبعض المميزات التي تتفرد بها الوسائل القديمة.
في السابق جميع المؤسسات الاعلامية تعطي المادة التي تقدمها أهمية فائقة؛ لإحداث الأثر المطلوب، وهذه الجودة أخذت بالتراجع، صاحبها تغيرات في ذائقة المشاهد او يمكن ان نعدها اجبار المتابع على نوع معين من البرامج التي في العادة خاوية ولا ترتقي لأن تكون مُوجهة ومرشدة مثلما في السابق.
من عوامل نجاح الرسالة الإعلامية هو تماشيها مع متطلبات الجمهور العام على اختلاف فئاته، لكن عندما نجد الجمهور لا يُعطي المواد المقدمة أهمية كافية، فهذا يعني ان هنالك مشكلة ما في احد المحورين، فتارة تكون المشكلة في الجمهور وأخرى في طبيعة الانتاج وطريقة تسويقه.
نلاحظ في مواقع التواصل الاجتماعي بعض الفيديوهات ذات المضامين البسيطة، وأحيانا يمكن ان نوصفها بالساذجة، في المقابل تأخذ مساحة واسعة من الانتشار على حساب غيرها من المقاطع التي تحمل موضوعات هادفة ومهمة الى درجة كبيرة في عملية بناء الفرد.
وهذا التفاوت نابع من عملية تسطيح العقول وجعلها تذهب وراء الافكار الفقيرة التي تولد ميتة لا جدوى من انتشارها، بل يساعد بعضها على تفكك الأواصر المجتمعية كونه يرسخ مسألة عدم احترام الذوق العام، وقلة الاهتمام بالجوانب العلمية واشاعة الفوضى المجتمعية، وهذا بحد ذاته يعتبر من اهم المشاكل التي تواجه المجتمع وتحول دون تقدمه من الناحية الفكرية.
ما يحصل مؤخرا يمكن ان نوصفه صراعا بين الفرد والماكنة الاعلامية بكل مفاصلها، وكما هو واضح هنالك تفوق بنسبة عالية للأفراد على الماكنة، ما حتم على الاخيرة انتاج مواد وبرامج تتماشى مع الذوق الآني للجمهور دون الارتقاء به وجعله هو من يلهث وراء مضمونها المميز وذات الكفاءة العالية.