إعداد – عمرو سليم -مدير المستقبل للدراسات الإعلامية والاستراتيجية
يلعب الإعلام دور هام فى تشكيل الوعي والإدراك لدي المشاهدين والقراء والمستمعين .. بل يمكن اذا تم استخدامه بطريقة علمية منظمة ومخططة ان يكون بمثابة المحرك والمسيطر على عقول الجماهير بمختلف فئاتهم، هل نتذكر قطعة الصلصال التى لعبنا بها فى فترة طفولتنا عندما كنا نشكلها بسهولة حسب الشكل المرغوب فيه، فعقل الجمهور هنا هو بمثابة قطعة الصلصال التى يمكن تحريكها والتحكم فيها بل السيطرة عليها واقناعها بفكرة او خلق حدث او موقف محدد وترغيب أو ترهيب الجمهور من التفاعل معه.
يعتقد البعض انه لكي يتم التحكم فى شىء وتوجيهه فانك يجب ان تمسكه بعضلاتك وتسيطر عليه يدويا ولكن … الحقيقة عكس ذلك تماما، فهناك مثال بسيط يمكن ان نوضحه لنستدل على ذلك .. فقد قام شخص ما “س” بتوجيه سؤال لمجموعة أفراد هل العضلات أكثر قوة أم العقل[1]؟!
رد الأغلبية قائلين ان العضلات هى الأقوي والأكثر سيطرة وقدرة على التأثير، فتحدي ذلك الشخص أحد الجالسين شديدي البنية “ص” لإثبات ذلك على الواقع فأسرع ذلك الشخص بالإمساك بالزجاجة التى على المنضدة التى أمامه وقام بكسرها بيده .. هنا قام الشخص صاحب فكرة التحدي “س” بإبلاغه انه فشل فى الاختبار وهو ما أثار استغراب الجميع، فاستطرد “س” قائلا ان الزجاجة التى كسرها “ص” بها مادة كيمياوية خاصة وبمجرد ملامستها تسبب شلل مؤقت للشخص الذى لمسها، وقبل ان اطلب منه ذلك درست رد فعله وانفعالاته العاطفية والجسدية خلال جلوسنا وحديثنا سويا، وتوقعت ان أول احتمال سيلجأ اليه عند الانفعال هو الذهاب الى أقرب مكان يقع عليه نظره وهو المنضدة والامساك بالعلبة الزجاج التي تبدو قوية ليثبت بكسرها انه أقوي من الجميع ولن يهتم بشظايا الزجاج التى من الممكن ان تصيبه وهو ما حدث مع ذلك الشخص شديد البنية “ص” الذى سقط فعلا على الأرض مصاب بشلل مؤقت .. ليثبت ان العقل يمكن ان يحرك شخص ما نحو هدف محدد تم وضعه من قبل ليكون عقل وجسم ذلك الشخص بمثابة أداة يتم استخدامها لتحقيق هدف محدد ويمكن ان يتحقق ذلك بدون ان يدري أو حتي يشعر ذلك الشخص.
“ذيل الكلب”
لنقترب أكثر من ذلك الامر دعنا نعرض سويا كتاب ” [2]American Hero” أو “البطل الأمريكي” للكاتب “لاري بينهارت” وهو ما تم تجسيده بعد ذلك فى عام 1997 فى الفيلم السينمائي “[3]Wag the dog” أو “ذيل الكلب”، فطُلب من مخرج ان يقوم بمساعدة الرئيس الأمريكي فى وقت ما ليقوم بخلق حدث يصرف انتباه الجمهور عن فضيحة كادت ان تعصف بخوضه الانتخابات المقبل عليها، وبالفعل يقوم المخرج بخلق حالة وهمية ليس لها وجود فى الواقع تتمثل فى بناء حرب خيالية في ألبانيا، على أمل أن تركز وسائل الإعلام على هذا الحدث المصطنع وتنشغل بها بدلاً من تلك الفضيحة، وخلف ذلك المشهد يخرج سيناريو موازي له حيث يتم اختراع بطل وهمي تُرك خلف خطوط العدو، ويجب ان تعمل الأمة الأمريكية على إنقاذه مع تحفيز الجمهور بمجموعة من الأغانى الوطنية والموسيقي التعبيرية وبرامج التضامن التحفيزية، وفعلا يحقق المخرج هدفه، وينجح فى التغطية على فضيحة الرئيس الأمريكي وتمكينه من الفوز بفترة رئاسية ثانية.
ولنكون اكثر دقة وقربا من ذلك الامر سنقوم بعرض بعض الحقائق العلمية التى تركز على كيف يمكن ان يحقق الإعلام بمختلف وسائله السيطرة على العقل والقيام بالتوجيه اللازم له، وقبل ان نخوض فى ذلك ينبغي علينا ان نعرف كيف يعمل العقل ويفكر ويتلقى الإشارات المختلفة ويتفاعل معها.
كيف يعمل العقل البشري؟!!
منذ الصغر يبدأ بناء عقلنا مما ندركه من أمور بسيطة تحيط بنا، وذلك بحواسنا المختلفة مثل الروائح وملمس الأشياء المختلفة[4]، أي ان عقولنا تبنى وتؤسس عن طريق التفاعل مع الأشخاص والبيئة المحيطة بنا بناء على التجارب التى نتعرض لها وما نسمعها ونراها بأعيننا ونشعر به بحواسنا، وبذلك تصبح فترة الطفولة هى أساس بناء العقل والتفكير السليم، فعقلنا مثل الإسفنجة فائقة الامتصاص من الولادة إلى بدء الاختلاط بالمجتمع وتشكيل الوعي الشخصي.
فإدراك العقل البشري يُبنى على التحفيز وينمو كذلك بالمحفزات الخارجية التى يتلقاها من البيئة المحيطة به، فاللغة والكلمات والصورة التى يحصل عليها الفرد مما يتعرض له من مؤثرات مثل الإعلام بكافة وسائله تبني العقل وتثير التفاعل لديه سواء بالسلب أو الإيجاب، لذلك تعتبر المادة الاعلامية التى يشاهدها أو يسمعها الطفل حتي سن الثانية عشر من أكثر الأشياء التى تشكل شخصيته وفكره وتكوينه العقلى، أي ان الوسيلة الاعلامية سواء المسموعة أو المقروءة أو المرئية حتى الإعلام الجديد بكافة أساليبه يلعب دور حيوي فى تشكيل شخصية الفرد منذ الصغر وايضا هويته ووعيه فترة البلوغ.
ولا ننسى هنا مدي ارتباط التفكير والحالة المزاجية[5] للفرد بمدي شعوره باليأس والإحباط أو السعادة و التفاؤل وقدرة المعززات الخارجية على التأثير عليها وربما تغييرها، وأوضحت إحدى الدراسات ان العقل الذى يتجول كثيرا أثناء القائم بعمل ما يكون أكثر تأثرا بالإحباط والاكتئاب واليأس والتأثر بالفكر السلبي أي إن العقول عندما تتشتت بأي وسيلة وتكون الأداة الإعلامية هنا أبرزها تكون اكثر قدرة على التأثر بالعوامل الخارجية وفقدان التركيز مما يسهل من السيطرة عليها والتحكم فيها وصولا لتحويل حالتها المزاجية بصورة كبيرة.
تعتبر العين هي وسيلة الفرد لنقل ما يحدث حوله من أحداث محتلفة لداخل عقله ليبدأ المخ[6] بالتفاعل معها وإتخاذ ما يلزم من قرارات تُنقل لباقي أجزاء الجسم للتفاعل معها، ويعبر تفاعل الأعين عن الحالة النفسية والذهنية للفرد، حيث أن اتساع العين يعبر عن حالة خوف، أما تضييق العين يدل على حالة من الاشمئزاز التى تصيب الشخص، فمظهر العين يدل على حوالى 501 حالة عقلية معقدة مثل الرهبة والكراهية تدور داخل العقل، أي ان الحالة العقلية تتجسد بسهولة لتظهر على الجسد وتنقل ايضا المعلومات الاجتماعية المعقدة مثل السمات الشخصية والفكرية بالرغم من اختلاف الثقافات والتكوين إلا أنها تتشابه نوعا ما فى انعكاس التعبيرات العاطفية على الجسد.
وفى الاطار الاعلامي يمكن ببساطة معرفة الحالة العقلية والنفسية الداخلية لمقدم البرنامج أو الضيف او المتلقي بصفة عامة من خلال تفاعل عينيه و جسده وايضا مدي تأثر المشاهد أو المستمع لما يتفاعل معه من مادة إعلامية من خلال تفاعل جسده مع تلك المؤثرات.
أما أحدي الدراسات العلمية[7] فقد قللت من تأثير وسائل الإعلام على الحالة العقلية والنفسية للمشاهد خاصة، بدعوي انه ليس معني إنك تشاهد فيلم سريع الأحداث فسوف تتعامل بسرعة مع ما يقابلك في حياتك اليومية أو عندما تلعب لعبة إلكترونية فستقلد ما قمت به على أرض الواقع، ونصحت الدراسة الجمهور بتطوير استراتيجيات للتحكم الذاتي، كما تفعل مع كل الإغراءات الأخرى في الحياة، قم بإيقاف تشغيل البريد الإلكتروني أو Twitter عندما تعمل، وأغلق هاتفك المحمول في وقت العشاء، واطلب من زوجتك الاتصال بك للنوم في ساعة محددة، وشددت الدراسة على دور المؤسسات التعلمية بتشجيع الطلاب على البحث الذاتي المتعمق بعيدا عن التكنولوجيا لبعض الوقت لتنشيط الذهن والإبقاء على نسب ذكاء عالية لدي الفرد بدلا من الكسل والتراخي وضعف الحالة الفكرية الناتجة عن استبدال العقل البشري بالأدوات الرقمية الحديثة.
ولكن المثير فى الامر ان عقل الإنسان يتسطع ان يتجول فى عالم افتراضي[8] ويبحر بدخله ويعيش فيه ويضع تصور نحو المستقبل ويرى عالم خيالي لم يكن موجود من قبل بل يضع مجموعة افتراضات مستقبلية، ووجد فى إحدى الدراسات ان الإنسان لا يختار ان يضع نفسه فى ذلك الوضع بل قلة الفترة التى يقضيها فى الاسترخاء أو الترفيه عن النفس تسبب له ذلك، حيث انه وجد ان من مارسوا نشاطًا ترفيهيًا واحدًا على الأقل خلال الـ 24 ساعة الماضية، مثل مشاهدة التلفاز أو التواصل الاجتماعي أو القراءة للمتعة، قال 83% منهم إنهم لم يقضوا وقتًا كبيرا في “الاسترخاء أو التفكير”، الا انه فى نفس الوقت وجد انهم يشعرون بمتعة عند توجيه تفكيرهم إلى ما يمتعهم، وهو ما يشير إلى انه من السهل توجيه الأفكار والعقل الى اتجاهات ممتعة والعيش فيها ويكونون فى حالة تأثر بالمحفزات الايجابية مثل الصور الجذابة وايضا السلبية مثل أوجه القصور التى يعانون منها فى شىء ما، وخلصت الدراسة الى ان الافراد يتم امتصاص عقولهم في بعض الأحيان من خلال أفكار وأوهام مثيرة للاهتمام، وهو ما ينقلنا الى ان الوسلة الإعلامية يمكن ان تلعب هنا الدور الموجه لذلك من خلال عرض أغاني او صور او فيديوهات تحفيزية للمواطن ليطلق عقله يتجول فى تلك المواد الإعلامية ويخلق له الحالة النفسية والعاطفية والفكرية المرغوبة سواء بالسلب أو الإيجاب.
ولا ننسى ايضا انه يمكنك التحكم[9] فى شعورك او حتى إحساس الآخرين بالسعادة أو الاكتئاب.. فتستطيع ان تخلق الحالة المزاجية للآخرين بطرق بسيطة، حيث ان مخ الإنسان يفرز 3 مواد تساعد على الشعور بالسعادة ولكنها هى بتحتاج 3 محفزات حتي تتحقق:
1- مادة الدوبامين: تتحقق لما تضع هدف وتكافىء نفسك عند الوصول إليه، ويمكن تحفيز ذلك بتناول بعض الوجبات الغذائية التى تحتوي على النشويات، وكذلك ممارسة الرياضة.
2- مادة السيروتونين: ستجدها عندما تشارك فى عمل جماعي يحقق لك الشعور بالأهمية، أي ستشعر ان لك دور مؤثر فى محيطك، ويمكن إثارة ذلك بتناول بعض الوجبات مثل البيض والجبنة والمكسرات.
3- هرمون أو مادة الأوكسيتوسن: تظهر فى العلاقات الاجتماعية العاطفية وممكن تحفيزها بتناول الشيكولاتة الداكنة.
معني ذلك انه من الممكن ان تخلق الشعور بالسعادة والتفاؤل لنفسك، وايضا لمن حولك وهو ما يسمى “الذكاء العاطفي”.
نظرية العقل:
بالطبع قبل ان تقوم بتقديم المادة الإعلامية الخاصة بك يجب ان تعرف مقدما جمهورك المستهدف، وحالته النفسية[10] وفئاته العمرية، وكذلك ما تريد ان يصل إليه من معلومة بالطبع يتفاعل معها ويؤمن بها لدرجة كبيرة، لذلك لابد ان تدخل داخل عقله لتتعرف على ما يفكر به والمشاعر التى تسيطر عليه والأسئلة التى تدور أو ستدور فى عقله اثناء تفاعله مع ما المادة الإعلامية التى ستقدمها.
ولذلك ينبغي عليك التعرف على “نظيرة العقل” التى تفسر سلوك الآخرين، وتمكنك من التنبؤ به ومعرفة رد فعل جمهورك على رسالتك الإعلامية حتي قبل ان يظهرها.
يجب ان تدرك أن الأشخاص الآخرين يتم تحديد سلوكهم من خلال أهدافهم، بالإضافة إلى ذلك عليك ان تعرف ان لديهم وجهات نظر مختلفة لما تراه، فمن دراستك لظروف نشأة ذلك الشخص والبيئة المحيطة به ومعتقداته وسلوكه وتفكيره المسيطر عليه تستطيع ان تتنبأ بردود فعله فى العديد من المواقف قبل ان يقوم بها.
فمثلا من خلال نوع الموسيقى الذى يسمعها شخص ما تستطيع التعرف على حالته النفسية ومدي وصوله لحالة السعاة أو الاكتئاب وتأثير ذلك على ردود فعله، وهو ما سيظهر بعد ذلك فى القرارات التى سيتخذها، ايضا الحالة النفسية للفرد تظهر خلال خط اليد وهو ما يسمي علم “دراسة الخط “ “Graphologyوهو علم تحليل الشخصية من خلال الصفات الفيزيائية لخط اليد، وهو علم يستخدم للكشف عن الحالة النفسية لكاتب النص وقت كتابته له أو حتى لتقييم صفاته الشخصية.
بالطبع من الصعوبة معرفة كافة تلك التفاصيل لجمهورك المستهدف الذى ربما يكون واسع ومن الغير محتمل الوصول الى كل تلك البيانات عنه، ولكن اذا كنت تسهدف فئة محددة أو مجموعة متماثلة يمكن ذلك بإجراء بعض البحث والتفحيص الدقيق لتعليقات المتابعين وتشجعيهم على إبداء ردود الفعل للتدقيق فيها ومن ثم دراستها بشكل أكبر والتفاعل معها بصورة علمية لإعداد مادة إعلامية تؤثر فى جمهورك المستهدف.
تشكيل الرأي العام:
تحولت وسائل الإعلام خاصة المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل[11] الاجتماعي من لعب دور نقل الملعومة أو عرضها إلى لتحكم فى الأحداث سواء بتضخيمها وإشعالها على الأرض أو التقليل من أهميتها وتغيير اتجاهها وتقليل نسب التفاعل معها، وفى نفس الوقت لا يتمكن الجمهور من التوصل لمحرك تلك الأحداث أو المتحكم فى طريقة عرضها، وهو ما يغير دور تلك الوسيلة من مجرد عرض الحدث إلى الموجه والمسيطر عليه وتشكيل الرأي العام سواء المحلي أو حتى الدولي وحشد التأييد اللازم للهدف المطلوب تحقيقه.
فهناك بعض الدراسات التى تشير إلى ان الإنسان حيوان عاقل يتخذ قراراته ويبدي انفعالاته بناء على المعلومات التى يتلقاها، لذلك تعتبر المعلومة هى المحور الحيوي لتشكيل الوعي العام والإدراك لدي المجتمع أو الفرد، فهناك عدة أساليب تعتمدها وسائل الإعلام لتشكيل الراي العام مثل:
استخدام شعارات براقة لتضليل الرأي العام – إطلاق مسميات وسحب الجميع اليها كأنها امر واقع مسلم به- التوحد مع الجمهور المستهدف به الخطاب الإعلامي – استخدام تعبيرات وصور ورموز حماسية لاستغلال حدث ما – الربط النفسي مع الجمهور والإقتراب من حدسه العاطفي – استخدام الفاظ بها إسقاط – بداية النقد من الحيز الضيق للخروج للنطاق للأوسع – التبرير لحشد الرأي العام – إطلاق بالونات الاختبار لقياس الرأي العام – افتعال قصص أو نظريات غير حقيقية أو التلاعب بالحقائق لخدمة مصلحة ما – تحويل الانتباه من موضوع رئيسي للهروب لمواضيع فرعية تشتت الفكر عن السياق الرئيسي للموضوع المطروح للنقاش.
التأثير النفسي للإعلام فى ظل ثورة الاتصالات:
أدى ظهور وسائل التواصل الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي ليس فى ثورة بوسائل الاعلام[12] فقط بل فى علم النفس الاعلامي ودوره فى تشكيل الفكر العام وقياس نبض الجماهير، حيث تحول التواصل بين الفرد من وضع أحادي الجانب مثل التليفزيون والراديو حيث يكون المشاهد فى حالة تلقي فقط إلى تواصل ذو أطراف متعددة بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، وقدرة الجمهور على خلق الأخبار ومشاركتها بل التدخل فيها وتغيير مسارها فى العديد من الأحيان، وتلخص نظرية التأثيرات النفسية لوسائل الإعلام انه سوف يستجيب الجمهور بنفس القدر لما يتفاعلون معه من مادة إعلامية بمعني اذا كان هناك مشاهد أو أخبار تحتوي على عنف متزايد سوف يخلق ذلك عنف مماثل لدي الجمهور على أرض الواقع.
وتتكون عملية الاتصال[13] التى تؤدي لذلك التأثير النفسي من عدة مكونات:
- 1- المرسل: وهو الشخص القائم بتقديم المادة الإعلامية، ويتأثر بـ (مهارات الاتصال، الكتابة، التحدث، القراءة، الملاحظة، الاستماع، التفكير، تحليل الأحداث، مستوي معرفته وخبرته، بيئته الثقافية والاجتماعية، تكوينه النفسي والفكري).
- 2- متلقي المادة الإعلامية (الجمهور)
- 3- الرسالة الإعلامية المراد توصيلها.
- 4- الوسيلة المستخدمة في نقل التأثير (الأداة الإعلامية).
- 5- الصدي.
أما العوامل المؤثرة فى فعالية القائم بالاتصال أو المرسل فتتمثل فى ( مصداقية القائم بعملية الاتصال – مدي جاذبيته وقدراته الشخصية فى جذب المتلقي”الكاريزما” – مرونته فى التعامل مع الأحداث الطارئة أو الخارجة عن المعتاد بمرونة وسرعة)، وهنا يقابل المصدر ثلاث أنواع من الجمهور (العنيد الصعب السيطرة عليه، والحساس وهو سريع التفاعل، والمتعاطف معه).
وتلخص هنا نظرية التأثيرات الاعلامية ان وسائل الاعلام يمكن ان تسطير على الجمهور وتتحكم به، وتثير محفزاته سواء بالسلب أو الايجاب وتؤثر عليه وتحاصره بشكل شمولي، وتسيطر على عملية تشكيل أفكار الرأي العام.
تأثير لغة الجسد على الرسالة الإعلامية
للغة الجسد أي حركات الجسم المختلفة عامل هام جدا فى توصيل الرسالة[14] الاعلامية او المعلومة بصفة عامة للمتلقي بل يتخطى الامر ذلك بزيادة ثقة المستقبل لها فى مدى صحتها وقابليته للتفاعل معها والتأثر بها، وايضا الإيمان بها، فلغة الجسد هنا تعكس قدرة المرسل للمعلومة على اقناع من حوله بالرسالة التى يقدمها، وتعكس مدى تمتع المرسل بقدرات إمكانيات وثقته في قوة شخصيته، فتعبيرات جسم الشخص تعبر عن مدى تفاعله مع الآخرين، وايضا لغة جسد الأفراد تعبر عن مستوى تأثرهم ما يقوله أو يفعله.
وجدت الدراسات ان الكثير من المعلومات التي نستخدمها لتشكيل انطباعنا[15] عن الآخرين تأتي من التواصل غير اللفظي، مثلا الطريقة التي نتحدث بها والتعبير الوجهي ونظرة العين والمظهر الجسدي مثل الجاذبية وطول القامة وتناسق الجسد، وملابسنا التى نرتديها ولونها، وخلصت إلي ان الشخص الذي يعرض لغة جسدية إيجابية سيتم تقييمه بشكل أكثر إيجابية عن غيره الذى يتعامل بتعبيرات جسدية سلبية، حتى اتفق عدد من الباحثين انه يمكنك ان توصل رسالة ما بدون ان تنطق كلمة واحدة من خلال نظرة ثاقبة مركزة على سبيل المثال.
وايضا تحتل لغة الجسد مكانة بارزة فى تحليل خطاب شخصيات المسؤولين، وهو ما يحدث بالفعل فى كبرى المؤسسات الإعلامية والمعلوماتية حول العالم من تحليل للغة جسد بعض الشخصيات المؤثرة، لما يمكن ان يساهم به ذلك فى معرفة ما يدور داخل عقولهم، وايضا توقع رد فعلهم على مختلف الأمور، وبيان ما خلف تلك الكلمات التى ينطقها لسانه.
قد تلعب إشارتك الجسمانية دور هام فى توصيل رسالتك الإعلامية للجمهور، وقد تكون ايضا سبب فى انهيارها والتأثير عليها بالسلب، لذلك على الإعلامي التعامل الصحيح مع تلك الإشارات، وايضا ملاحظة لغة الجسد الخاصة بالجمهور اذا كان فى اجتماع مفتوح او ندوة عامة أو غيرها من الأمور التى يلتقي فيها المواطنين وجها لوجه ليقيم مدى تأثر جمهوره المستهدف برسالته وتفاعلهم معه.
وفى نفس الوقت لا يجب ان نغفل ان هناك بعض إشارات الجسد من الصعوبة التحكم فيها وهى التى يطلق عليها انها “تفضح صاحبها” مثل اتساع حدقة العين أو إحمرار الوجه أو التعرق، وهناك من الأمور الآخرى ما يمكن التدرب على التحكم فيه مثل نبرة الصوت، وطريقة الجلوس، وايضا نظرة العين وطريقة تحريك الاكتاف والكف واتجاههم، وتذكر دائما انه من الممكن ان يزيف الشخص الذى أمامك لغة جسده لفترة قصيرة ولكن … من الصعوبة ان يقوم بذلك لمدة طويلة ومع ملاحظته بدقة يمكن ملاحظة الفرق بسهولة.
الخلاصة:
تطورت وسائل الاعلام بشكل كبير خلال العشر سنوات الماضية ودخلت موقع الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي كمنافس قوي لوسائل الإعلام التقليدية، بل أصبحت جزء حيوي من حصول المواطنين على الأخبار والتقارير الإعلامية بمختلف أنواعها، وانتشرت فكرة صحافة المواطن واستخدام مواقع رفع الفيديوهات والبث الحي مثل اليوتيوب و الفيسبوك كوسيلة إعلامية تنقل الأخبار وتحليل الأحداث والبرامج التي ينفذها ويؤديها المواطنين بشكل عفوي بسيط حيز المنافسة الإقليمية ربما العالمية، وأصبح العديد من المواطنين ينافسون العديد من كبار الإعلاميين فى نسب المشاهدة بل تفوقوا عليهم فى العديد من الحالات، وتحولت صفحات اليوتيوب و الفيسبوك على سبيل المثال لمصدر للأخبار والبرامج الشبابية التى تنقل الأحداث بطريقة ساخرة، فضلا عن التعبير عن الراي وقضايا المجتمع المختلفة ولكن .. بالرغم من كل ذلك هناك العديد من الأساسيات التى يجب ان يراعيها الاعلامي أو المواطن الصحفي عند تقديم رسالته الإعلامية عبر أي وسيلة مثل معرفة كيفية تفكير وإدراك المتلقي لرسالته، وايضا كيف يمكن ان يتم توجيه المادة الإعلامية للجمهور بطريقة علمية صحيحة ليضمن التأثير الإيجابي والتفاعل المنشود معها، كذلك لغة الجسد ليتمكن من إقناع جمهوره بفكرته، وايضا جذبهم ليتفاعلوا مع مادته الإعلامية خاصة عبر موقع التواصل الاجتماعي.
التوصيات:
1- يوصي الباحث بالاهتمام وتدريب القائمين بالعمل الإعلامي سواء كمحترفين أو هواة على أساسيات نظرية العقل، وطرق الإدراك، والتفكير، ولغة الجسد قبل القيام بتقديم الرسالة الإعلامية لضمان تحقيق التفاعل المرغوب.
2- تطوير المؤسسات الإعلامية وتنمية هيكلها الإعلامي لتواكب التطور الهائل في مواقع التواصل الاجتماعي بعد ان أصحبت بعض تلك المؤسسات فى قاع اهتمامات ورغبات الجمهور.
3- إشراك من يمتلك القدرة على الأداء الفعال من الجمهور – بخاصة الشباب – فى عرض فقرات داخل البرامج الحوارية بطريقتهم التلقائية البسيطة لما لها قدرة من كسر جمود ورتابة برامج “التوك شو” التليفزيونية خاصة فى العالم العربي.
4- الحفاظ على استقلالية الإعلامي أو الوسيلة الإعلامية ايا كانت نوعها وجعل هدفها الأساسي تقديم المعلومة الصادقة للجمهور، يشكل أبرز النقاط الرئيسية لنجاح تلك الوسيلة والقائمين عليها، مع العلم بان الخلفية المسبقة للجمهور عن توجه المرسل تؤدي لفقدان التفاعل معه وضعف مصداقيته لدي جمهوره.
5- اذا كان المواطن الصحفي أو الإعلامي يستخدم وسيتله الإعلامية لعرض وجهة نظر شخصية عليه ان يعبر عن ذلك بكل صراحة، وألا يجعلها هى الحقيقة الواحدة التى لا تقبل الجدل أو النقاش.
6- التفرقة بين عرض المادة الخبرية أو الحدث عن تقديم الرسالة، فالعرض يتضمن الوقائع الثابتة المثبتة بدليل قاطع سواء فيديو أو تسجل صوتى أو ممستند أو غيرها من المستندات، أما التحليل فهو مناقشة تلك الوقائع أو الأحداث وتفصيلها وتشريحها لعناصرها الأولية للوصول إلى ما وراء الحدث.
7- اختيار وسيلتك الإعلامية يتم بعد تحديدك لجمهورك المستهدف ثم تبدأ بعد ذلك مرحلة اختيار طريقة عرض المادة الإعلامية، فكل وسيلة تختلف فى الطريقة التى تستخدمها لعرض مادتك الإعلامية عن الآخري.
8- لا تكتفي بتقديم المادة الإعلامية، بل عليك قياس مدي التفاعل معها ودراسة تعليقات الجمهور، وطرق تفكيره، وتفاعله مع ما تقدمه، لتبدأ بعد ذلك فى أخذ ما يلزمك من تلك الملاحظات فى الإعتبار عند البدء فى أعمالك المقبلة.
9- تذكر دائما ان قبول الجمهور لك ناتج عن مصداقيتك واستقلاليتك فى عرض الحدث ومدي قدرتك على القراءة الصحيحة لما خلف الحدث وعرضه بطريقة بسيطة تجعل الجمهور قابل للتفاعل معه.
10- الإعداد الجيد للمادة العلمية، والإلمام بجوانب الموضوع المطروح، فثقة المرسل فى مادته الإعلامية تظهر على حديثه وحركات جسده ونبرة صوته ونظرة عينه.
11- قوتك فى تميزك واختلافك عن غيرك .. لذلك أجعل لك أسلوبك الخاص المميز ولا تحاول تقليد غيرك.
12- هناك ما يسمي “الهجوم المؤقت” وهو يكون معظم الأحيان من جانب الجمهور، وهو أمر طبيعي نظرا لتغير الحالة المزاجية والنفسية والظروف المحيطة بهم، فلا تفقد ثقتك فى نفسك اذا كنت مقتنع بما تقوم به ،وكن صريح مع جمهورك بانك ثابت على موقفك واشرح لهم الأسباب فى ثبات وثقة وتذكر ان المتلقي لا ينجذب أو يثق فى المرسل الضعيف أو الغير واثق من نفسه.
13- تابع بحرص مواقع التواصل الاجتماعي، وتأكد من أي معلومة تحصل عليها قبل ان تقدمها لجمهورك، واجعل مسمياتك واضحة عند العرض مثل “بالتأكيد – ربما – من الممكن – من المحتمل – على وشك – منتظر حدوثه – …..”.
14- لا تنظر للمادة الإعلامية القادمة إليك بطريقة مباشرة بل ابحث وحلل ما لا يظهر بها بطريقة علمية مهنية مخططة وحرص وذكاء.
15- تذكر دائما ان اللسان يتحدث، والعيون تؤكد الرسالة، والجسم يتفاعل مع المادة الإعلامية، ليعزف جسدك بأكمله اوركسترا هدفها توصيل رسالتك الإعلامية للجمهور، وتحفيزه على التفاعل الإيجابي معها.
المراجع:
أولاً- المراجع العربية:
– أحمد الأسد، الذكاء العاطفي، إدراك، سبتمبر 2019.
– أ. م . د سلام خطاب أسعد، الاعلام وصناعة اللرأي العام دراسة وصفية لأساليب ومسالك صناعة الرأي العام، مجلة آدآب الفرآهيدي، العدد 17، ديسمبر 2013.
– د. عبدالحافظ عواجی صلوي، نظرية التاثير الإعلامية، المركز السوري لبحوث الرأي العام، 25 يونيو 2010.
ثانياً- المراجع الأجنبية:
-Allan Pease and Barbara Pease, the Definitive Book of Body Language, Penguin House Publishing Group, 2006.
– -David Giles, MEDIA PSYCHOLOGY, LAWRENCE ERLBAUM ASSOCIATES PUBLISHERS, 2003.
– Daniel H. Lee1,2 and Adam K. Anderson, Reading What the Mind Thinks From How the Eye Sees, Psychological Science. 2017.
– Helen L. Gallagher and Christopher D. Frith, Functional imaging of “theory of mind”, TRENDS in Cognitive Sciences Vol.7 No.2, February 2003.
– Iain Greenlees, Richard Buscombe, Richard Thelwell, Tim Holder, and Matthew Rimmer, Impact of Opponents’ Clothing and Body Language on Impression Formation and Outcome Expectations, Journal of Sport & Exercise Psychology, March 2005.
– Larry Beinhart, American Hero, 1993
– Nicole Ellerbeck,1 Cheryl Hahn, Casey L. Brown, Adi Shaked, Just think The challenges of the disengaged mind, American Association for the Advancement of Science, JULY 2014, VOL 345 ISSUE 6192.
– Ronald Kotulak, inside the brain revolutionary Discoveries of How the Mind Works, Andrews McMeel Publishing, August 1997
– STEVEN PINKER, Mind over Mass Media, New York Times, June 10, 2010
– Wag the dog movie, 1997
– Yu-Qin Deng & Song Li & Yi-Yuan Tang, The Relationship Between Wandering Mind, Depression and Mindfulness, Springer Science Business Media, New York 2012.
[1] مثل طرحه الباحث ليبرهن على مقولته.
[2] Larry Beinhart, American Hero, 1993
[3] Wag the dog movie, 1997
[4] Ronald Kotulak, inside the brain revolutionary Discoveries of How the Mind Works, Andrews McMeel Publishing, August 1997
[5] Yu-Qin Deng & Song Li & Yi-Yuan Tang, The Relationship Between Wandering Mind, Depression and Mindfulness, Springer Science Business Media, New York 2012.
[6] Daniel H. Lee1,2 and Adam K. Anderson, Reading What the Mind Thinks From How the Eye Sees, Psychological Science. 2017.
[7] STEVEN PINKER, Mind Over Mass Media, New York Times, June 10, 2010
[8] Nicole Ellerbeck,1 Cheryl Hahn, Casey L. Brown, Adi Shaked, Just think The challenges of the disengaged mind, American Association for the Advancement of Science, JULY 2014, VOL 345 ISSUE 6192.
[9] أحمد الأسد، الذكاء العاطفي، إدراك، سبتمبر 2019.
[10] Helen L. Gallagher and Christopher D. Frith, Functional imaging of “theory of mind”, TRENDS in Cognitive Sciences Vol.7 No.2, February 2003.
[11] أ. م . د سلام خطاب أسعد، الاعلام وصناعة اللرأي العام دراسة وصفية لأساليب ومسالك صناعة الرأي العام، مجلة آدآب الفرآهيدي، العدد 17، ديسمبر 2013.
[12] -David Giles, MEDIA PSYCHOLOGY, LAWRENCE ERLBAUM ASSOCIATES PUBLISHERS, 2003.
[13] د. عبدالحافظ عواجی صلوي، نظرية التاثير الإعلامية، المركز السوري لبحوث الرأي العام، 25 يونيو 2010.
[14] Iain Greenlees, Richard Buscombe, Richard Thelwell, Tim Holder, and Matthew Rimmer, Impact of Opponents’ Clothing and Body Language on Impression Formation and Outcome Expectations, Journal of Sport & Exercise Psychology, March 2005.
[15]Allan Pease and Barbara Pease, the Definitive Book of Body Language, Penguin House Publishing Group, 2006.
رابط المصدر: