- عكست الاتفاقات الثنائية والتشاورات رفيعة المستوى، ولقاءات كبار المسؤولين الإماراتيين والكويتيين مؤخراً، توجُّه التعاون الاستراتيجي بين البلدين نحو مزيدٍ من التوسّع والتمتين، في ظل تنامي الفرص المشتركة بالتوازي مع تزايد التحديات في البيئة الإقليمية.
- جاءت الاتفاقات الأخيرة الموقعة بين الإمارات والكويت في مجالات الأمن السيبراني والصناعات الدفاعية متوازية مع زيادة استعداد البلدين لتطوير تعاونهما في التصدي للإرهاب، ومهددات الأمن الإقليمي، وتبادل الخبرات في مجال أمن الحدود.
- تَفرض المصالح المشتركة والتحديات الناشئة مزيداً من التشاور والتعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي؛ على المستويين الثنائي والجماعي. والأرجح أنها ستتخذ خطوات أكثر بهذا الاتجاه في المستقبل القريب، وما تمخَّض عن اللقاءات الإماراتية-الكويتية الأخيرة مثال على ذلك.
اكتسب التعاون الاستراتيجي بين دولتي الإمارات العربية المتحدة والكويت مزيداً من التوسّع والتمتين، وهو ما عكسته بوضوح المشاورات التي أجراها الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الداخلية الكويتي مع القيادة الإماراتية في 5 سبتمبر الجاري، والتي تزامنت مع انعقاد أعمال الدورة الخامسة للجنة العليا المشتركة بين دولتي الإمارات والكويت في العاصمة الإماراتية، أبوظبي.
وشهد كلٌّ من الشيخ عبد الله بن زايد، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، وعبد الله اليحيا، وزير الخارجية الكويتي، توقيع 8 مذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية بين البلدين، تتعلق بأنشطة التقييس، والتعاون بمجال البنية التحتية، والاتصالات، وتقنية المعلومات، والتعاون التربوي، والرياضة، والأمن السيبراني، والصناعات والمشتريات الدفاعية.
وكان توثيق التعاون بين البلدين في المجالات الدفاعية والأمنية بنداً حاضراً في لقاءات المسؤولين الإماراتيين والكويتيين. وقد أبدى البلدان، العضوان في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، رغبتهما في دفع العلاقات بينهما إلى مستويات أعلى؛ في ظل تنامي الفرص المشتركة جنباً إلى جنب مع تزايد التحديات في البيئة الإقليمية، ومما أعطى هذه الرغبة زخماً أكبر تواصل نمو التجارة الثنائية غير النفطية بين البلدين خلال السنوات الماضية، لتبلغ أعلى مستوياتها تاريخياً عام 2023، بقيمة إجمالية تجاوزت الـ 12 مليار دولار.
حقل الدرة
تدعم الإمارات الحق الحصري لكلٍّ من الكويت والسعودية في حقل الدرة النفطي الواقع على حدودهما البحرية المشتركة. وفي هذا الإطار، قال الشيخ عبدالله بن زايد: “تؤكد دولة الإمارات موقفها الداعم بشأن حقل الدرة وملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المقسومة المحاذية للمنطقة المقسومة السعودية-الكويتية، بما فيها حقل الدرة بكامله، هي ملكية مشتركة بين المملكة العربية السعودية ودولة الكويت فقط، ولهما وحدهما كامل الحقوق لاستغلال الثروات الطبيعية في تلك المنطقة، وفقاً لأحكام القانون الدولي واستناداً إلى الاتفاقيات المبرمة والنافذة بينهما”.
وفي الشهور الماضية رفعت إيران من مستوى التهديدات بعرقلة أي عمليات مرتقبة في حقل الدرة الغازي الذي تؤكد الكويت ومعها دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة أنه يقع في المياه الكويتية الإقليمية شمال الخليج، وأن لها وحدها مع السعودية حق استثمار ثرواته، وأنه لا أحقية لأي مطالبات أخرى بالحقل. وكرر مسؤولون إيرانيون تهديداتهم بأنه إذا بدأت الكويت استخراج النفط والغاز من «آرش»، وهي التسمية الإيرانية للحقل، فإن إيران ستتخذ خطوة مماثلة. وتشير بيانات إلى أن حصة الكويت من حقل غاز الدرة ستبلغ نصف مليار قدم مكعبة بعد بدء عمليات الإنتاج من هذا الحقل المشترك مع السعودية.
وينوّه الصحافي السعودي المتخصص في النفط وأسواق الطاقة، وائل مهدي، إلى أن الكويت قد تكون في حاجة إلى الغاز أكثر من السعودية؛ نظراً لأن السعودية أصبح لديها أكثر من مشروع للغاز الطبيعي الحر وكمياته في ازدياد مستمر، وفي خلال سنوات قليلة ستضيف ملياري قدم مكعبة يومياً من غاز الجافورة غير التقليدي، في ظل مساعي شركة أرامكو لزيادة إنتاج الغاز، وهو ما سيجعل طاقتها الإنتاجية بلا أي شك فوق مستويات 23 مليار قدم مكعبة يومياً، خلال عقد من الزمان أو أقل؛ حيث بلغ إجمالي إنتاجها نحو 18 مليار قدم مكعبة يومياً بنهاية عام 2022. بينما لا يوجد لدى الكويت كثير من الغاز الحر باستثناء بعض الغاز من المكامن الجوراسية، الذي يعد غازاً حامضاً ويحتاج لمعالجة أكثر لاستخدامه. والكويت، التي لا تمتلك سوى استيراد الغاز الطبيعي المسال، في أشد الحاجة لغاز الدرة.
وفي 26 أغسطس 2024، وقّعت شركة قطر للطاقة وشركة البترول الكويتية اتفاقية أخرى لتوريد الغاز الطبيعي المسال لمدة 15 عاماً بعد عامين فقط من الاتفاقية الأولى في هذا المجال، في إشارة واضحة إلى حاجة الكويت المتزايدة إلى وقود منخفض الكربون لتوليد الطاقة، طبقاً لما أوردته شركة ستاندرد آند بورز جلوبال. كما تعمل الكويت على تجنُّب انقطاع التيار الكهربائي في فترات الصيف بسبب ارتفاع الطلب على تكييف الهواء.
الأمن السيبراني
من جهة أخرى، أكد وزير الخارجية الكويتي عبد الله اليحيا في كلمته في سياق أعمال اللجنة العليا المشتركة «أهمية التعاون في مجال الأمن السيبراني والتكنولوجيا الحديثة، حيث غدت التحديات الرقمية تتطلب منا تنسيقاً وثيقاً لتأمين بنيتنا التحتية وحماية مصالحنا الوطنية من طريق تبادل الخبرات والمعلومات، وتنفيذ مشاريع مشتركة تعزز القدرات في هذا المجال الحيوي».
وفي تعليقه على ذلك، أكد رئيس المركز الوطني للأمن السيبراني في دولة الكويت، اللواء الركن المتقاعد المهندس محمد بوعركي، أهمية توقيع مذكرة التفاهم مع دولة الإمارات في مجال الأمن السيبراني، باعتبارها خطوة ودعامة قوية للتعاون الثنائي في مواجهة التهديدات الإلكترونية المتزايدة. وقال بوعركي عقب التوقيع في أبوظبي، إن إبرام هذه المذكرة هو ثمرة اجتماعات اللجنة المشتركة بين البلدين الشقيقين، بهدف تعزيز التعاون وتبادل الخبرات والمعلومات الخاصة بمجالات الأمن السيبراني. وأشار إلى أن المذكرة تنطوي على 14 هدفا رئيساً، أبرزها تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية التي تسهم في الإنذار المبكر للهجمات الإلكترونية بين البلدين وزيادة الدورات التدريبية للعناصر البشرية، خصوصاً أن الإمارات تحتل المرتبة الثانية إقليمياً والخامسة عالمياً في مجال الأمن السيبراني. وذكر أن من ضمن الأهداف أيضاً تبادل المحتوى الخاص بأطر برامج التوعية، باعتبارها إحدى الركائز الأساسية الضرورية في استراتيجيات الأمن السيبراني والتوعية ومشاركة المعلومات والخبرات بشأن التهديدات للهجمات. ولفت إلى أن من أهداف توقيع المذكرة أيضاً التعاون والتنسيق بين الكويت والإمارات بشأن تنظيم التمارين السيبرانية، علاوة على استحداث الجوائز والمسابقات لاكتشاف المواهب والمهارات والطاقات الوطنية المتخصصة في مجال الأمن السيبراني. وبيّن بوعركي أن الأهداف المرجوة من توقيع مذكرات التفاهم تتمثل في تكثيف سبل التعاون في كل ما يتعلق بالأمن السيبراني، سواء الموارد البشرية من طريق دورات التدريب والتقنيات وأفضل الممارسات، وسبل تحقيق القدرات الدفاعية وتطويرها وتبادل الخبرات بين البلدين فيما يتعلق بالاستجابة للحوادث وتقليل الهجمات الإلكترونية والتصدي لها.
يتوازى ذلك -كما يظهر في البيانات الرسمية الصادرة عن لقاءات المسؤولين الإماراتيين والكويتيين الأخيرة- مع زيادة استعداد البلدين لتطوير تعاونهما في التصدي للإرهاب، ومهددات الأمن الإقليمي، وتبادل الخبرات في مجال أمن الحدود. وقد شهد وزيرا خارجية البلدين توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الدفاع الإماراتية، ممثلة بمجموعة «إيدج» القابضة، ووزارة الدفاع الكويتية لدولة الكويت بشأن المشتريات والصناعات الدفاعية.
استنتاجات
تَفرض المصالح المشتركة والتحديات الناشئة مزيداً من التشاور والتعاون بين دول الخليج؛ على المستويين الثنائي والجماعي. وفي ظل التصدُّعات التي يعانيها النظام الإقليمي، تبدو هناك فرص في منطقة الخليج لتطوير نموذجها التنموي، وتوظيف إمكاناتها الاقتصادية لزيادة نفوذها وتأمين مصالحها الوطنية. يحدُث ذلك في ظل بيئة أمنية واستراتيجية متغيرة تبقى شؤون الأمن والدفاع جوهرية فيها؛ لرفد مقاربة “خفض التصعيد” بالدبلوماسية والحوار، وأيضاً لتقوية عناصر الردع وتحصين البيت الخليجي من التهديدات العابرة. والأرجح أن دول مجلس التعاون الخليجي ستسير في المرحلة المقبلة أكثر فأكثر في هذا الاتجاه، وما تمخَّض عن اللقاءات الإماراتية-الكويتية الأخيرة مجرد مثال على ذلك.
المصدر : https://epc.ae/ar/details/brief/alemarat-walkuayt-tawsie-utur-altawun-alaistratiji-fi-biya-amnia-mutaghayira