محمد برهومة
تمنح موافقة قادة دول مجموعة «بريكس» (BRICS) على ضم دولة الإمارات العربية المتحدة إلى هذه المجموعة فرصاً واعدة للإمارات للوصول إلى مزيد من الأسواق العالمية، وتنويع الخيارات والشراكات الاستراتيجية، وتوسيع محافظ الاستثمار والتجارة الإماراتية، والانخراط الديناميكي مع الاقتصادات الناشئة والصاعدة.
جاءت الموافقة على انضمام دولة الإمارات لمجموعة “بريكس” في ختام أعمال القمة الخامسة عشرة لدول المجموعة، المكونة أساساً من الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، والتي انعقدت في جوهانسبورغ، في 24 أغسطس 2023. وإلى جانب الإمارات، دعت المجموعة دولاً أخرى للانضمام إليها، وهي الأرجنتين وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية ومصر، والمقدّر أن تنال العضوية الكاملة اعتباراً من الأول من يناير 2024.
ويُتوِّج انضمام دولة الإمارات إلى “بريكس” مساراً مستمراً من الشراكة مع هذا التكتل الصاعد، إذ سبق أن انضمت الإمارات إلى بنك التنمية الجديد التابع للمجموعة في أكتوبر 2021، كما شاركت مؤخراً، وتحديداً في يونيو 2023، في منتدى “أصدقاء البريكس” الذي عُقِد في كيب تاون، ويُعد جزءاً من اجتماع وزراء خارجية مجموعة “بريكس”، برئاسة جمهورية جنوب أفريقيا.
وترى الإمارات في الانضمام إلى مجموعة “بريكس” فرصة ثمينة لتحقيق مصالحها، وتطوير تجارتها واستثماراتها، وتحسين مقدرتها على الوصول إلى أسواق جديدة، وتطوير مرونتها في توسيع محفظة شركائها على الساحة الدولية، وتنفيذ خططها التنموية الكبرى، وتمكين نموذجها. ولهذا، فإن إعلان مجموعة “بريكس” عن موافقتها على ضم الإمارات لعضويتها، لقي ترحيباً فورياً من قيادة البلاد، إذ قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، على حسابه بمنصة إكس (تويتر سابقاً): “نقدر موافقة قادة مجموعة بريكس على ضم دولة الإمارات العربية المتحدة إلى هذه المجموعة المهمة… نتطلع إلى العمل معاً من أجل رخاء ومنفعة جميع دول وشعوب العالم”.
أولويات وفرص جديدة
منذ فترة كان واضحاً أن هناك عدداً من الأسباب التي قد تجعل دولاً مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بوجه خاص، مهتمة بالانضمام إلى مجموعة “بريكس”، ومن هذه الأسباب:
- إن البلدين مُنتجان رئيسان للنفط، وسيستفيدان من توثيق العلاقات الاقتصادية مع الصين والهند، وكلاهما مُستهلك رئيس لهذه السلعة الاستراتيجية.
- تريد كل من السعودية والإمارات موازنة القوة الأمريكية في الشرق الأوسط من خلال الانضمام إلى هذا التكتل الناهض.
- يتطلع كلا البلدين إلى تنويع اقتصاداتهما بعيداً عن النفط، ويريان في الانضمام إلى “بريكس” وسيلة للوصول إلى أسواق جديدة والمزيد من الفرص الاستثمارية.
وباستدعاء تصريحات سابقة لقادة مجموعة “بريكس”، ومن خلال ما قالوه في قمتهم الأخيرة في جوهانسبورغ، فإن الدعوة لنظام عالمي متعدد يحترم سيادة الدول، ويدعو إلى إعادة النظر في مسألة فرض العقوبات، وتعزيز خيارات الدول في التعامل بعملاتها المحلية في تجارتها الثنائية أو متعددة الأطراف؛ يبدو ذلك في صُلب أولويات دول مجموعة بريكس والدول المرشحة للانضمام إلى هذه المجموعة. وتبدو هذه الديناميات والمتغيرات المهمة على صلة وثيقة بتعالي أصوات الدول النامية والاقتصادات الناشئة والصاعدة بضرورة تغيير أو مراجعة أو إعادة ضبط وتعريف المعايير العالمية وبعض قواعد النظام العالمي، وتوسيع العضوية ونِسَبها في المؤسسات والهيئات والمنظمات الدولية، وخاصة مجلس الأمن الدولي والمؤسسات المالية.
وإذا كانت الأحاديث عن الجنوب العالمي وعن الشرق الصاعد في مقابل تراجع الغرب، وخصوصاً أوروبا، تعكس انقساماً غير محمود في المشهد العالمي والسياسة الدولية، فإن الواقع يشير إلى تنامي فرصة اللاعبين الآسيويين والاقتصادات النامية والناشئة أو من هُم خارج مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، على إعادة تشكيل العديد من عناصر وديناميات التصميم الجديد لنظام عالمي، وميزان القوى العالمي. ويفرض هذا الأمر بالتالي مزيداً من الضغط والتساؤلات حول مدى عدالة النظام المالي العالمي الحالي الذي يهيمن عليه الغرب، وإنصافه وكفاءته وشموليته.
قوة مستقبلية تحتاج المزيد من التوافقات
تتجلى مكانة تكتل “بريكس” وأهميته، إذن، في كونه يمثل دولاً يزيد مجموع سكانها على ثلاثة مليارات نسمة، وتحوز على حصة وازنة في الاقتصاد العالمي. أما بخصوص طموحه الجيوسياسي فإنه على الرغم من الخلافات والتباينات بين دول المجموعة، فقد أعرب زعماء “بريكس” عن اعتقاد مشترك بأن النظام الدولي يخضع لهيمنة الدول والمؤسسات الغربية، ولا يخدم مصالح الدول النامية. ولذا لفت الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى إنه مع انضمام ستة أعضاء جدد للتكتل، فإنه بات الآن ممثلاً لنحو 46% من سكان العالم، ويستحوذ على حصة أكبر من ناتجه الاقتصادي.
على هذا الأساس، يمكن اعتبار “بريكس” قوة للمستقبل، خاصة في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمارات والمعاملات. ومع ذلك، سيتعين على هذه المجموعة التعامل مع مسائل وتحديات مهمة من قبيل غياب فلسفة سياسية متجانسة بين أعضائها، وخلافهم على كثير من الأولويات والتوجهات، إذ إن استمرار هذه التحديات سيحدّ من قدرة “بريكس” على تقديم نفسها قوة جيوسياسية صاعدة، أو تحوَّلها لاحقاً إلى تكتل دفاعي وأمني متماسك أو فعّال، له كلمته المؤثرة في تشكيل السياسة العالمية، وموازين القوى، في المستقبل القريب.
وما يبدو واضحاً للعديد من المراقبين، أن كثيراً من عناصر القوة الكامنة لدى دول مجموعة “بريكس” لم تتحول إلى قوة حقيقية بعد. وحتى على المستوى الاقتصادي، يُلاحظ أنه ليس هناك تجانساً بين الأعضاء القدامى أو الجدد؛ فمنهم من يواجه تحديات تنموية (مصر)، وديوناً كبيرة (الأرجنتين)، ومصاعب مع المجتمع الدولي (إيران)، ومستوى فاقة مخيفاً (الهند فيها 300 مليون شخص تحت خط الفقر). كل ذلك في مقابل ازدهار متسارع تشهده الإمارات والسعودية، إلى جانب الوزن الاقتصادي الأساسي الكبير الذي تمثله الصين داخل المجموعة. واللافت أن رخاء الصين يعتمد أساساً على العلاقة الجيدة مع أوروبا والولايات المتحدة، وليس بناءً على العلاقات البينية أو متعددة الأطراف مع أعضاء “بريكس” ذاتها.
وعليه، تحتاج مجموعة “بريكس” إلى الاستعداد للكثير من الإصلاحات المؤسسية والتوافقات والتسويات بين أعضائها، والتعامل بجدية وواقعية وحكمة مع كثير من التحديات والتعقيدات، لأن ذلك هو السبيل لتصل رسالتها بضرورة إعادة التوازن للعلاقات الدولية والسياسة المالية العالمية، وعدم الإفراط في سياسة فرض العقوبات، والبحث في سبل أخرى لتحقيق نتائج أفضل، تدعم الاستقرار العالمي، وتساعد على مواجهة التحديات المتعددة، وتخدم الشعوب والمجتمعات.
الموقف من الغرب
إن بعض دول “بريكس”، وكذلك المنضمين الجدد إلى المجموعة، لا يطمحون إلى (كما ليس من مصلحتهم) تصنيفهم وكأنهم على ضفة معاكسة أو معادية للغرب. والواقع أن التصنيف المفترض هذا لا يعكس هويتهم السياسية، ولا تاريخ العلاقات التاريخية الوثيقة مع الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية. زِد على ذلك أن الدول الأعضاء غير متفقين على كثير من الأولويات والتوجهات والسياسات المثيرة للجدل داخل المجموعة، لاسيما بين الصين والهند، وتبايُن مواقف الدولتين واستراتيجياتهما في ما يخص بالعلاقة مع الولايات المتحدة والدول الغربية والاقتصادات الآسيوية الكبرى.
وواقع التعقيد والاشتباك هذا قد يجعل من الأسهل للمجموعة حالياً، أو بشكل أدق بعض أعضائها القدامى أو الجدد، الحديث عن توسيع المصالح الاقتصادية وفتح أسواق وشراكات جديدة، وتشجيع الدفع بالعملات المحلية في المداولات المالية، أكثر من التورُّط المكلف في لعبة فرض هيمنة جديدة أو مواجهة هيمنة قائمة، وسوى ذلك من مفردات تعكس في الواقع لعبة جيوسياسية على الساحة العالمية وتنافساً بين القوى الكبرى على النفوذ وخرائط القوة الشاملة.
ومع أن الولايات المتحدة الأمريكية علّقت على قمة “بريكس” الأخيرة في جوهانسبورغ بالقول إنها لا ترى في المجموعة مُنافساً جيوسياسياً، لكنّ لعبة تأجيل ما هو جيوسياسي وتقديم ما هو تجاري واقتصادي لا تقدّم ولا تؤخر في الإقرار بمدى ترابط الاقتصاد بالسياسة والاقتصاد بالأمن، وبلعبة القوة والنفوذ والتنافس الاستراتيجي، وبالتأكيد أن ذلك يتطلب شروطاً ووقتاً ليتحول إلى حقائق على الأرض.
خلاصة
يلعب ازدهار العولمة في صالح دولة الإمارات، بعكس سياسات الاستقطاب على الساحة العالمية. ومع أن توسيع مجموعة “بريكس” يصبّ في مصلحة الإمارات والسعودية وغيرهما ممن يدعون إلى إعادة صياغة العلاقات الدولية بعيداً عن سياسة “مع أو ضد”، لكن الإمارات، في الوقت نفسه، لا تنظر إلى الانضمام إلى “بريكس” وكأنه كسب للمجموعة ضد الغرب، بل هو كسبٌ آخر إلى جانب كسب العلاقات الاستراتيجية مع أمريكا وأوروبا واليابان وكوريا الجنوبية، وغيرها من القوى العالمية، الكبرى والمتوسطة.
ويبدو توسيع مجموعة “بريكس” علامة جديدة ونوعية على تنامي تساؤلات الدول النامية والاقتصادات الناشئة والمزدهرة حول التعددية القطبية، ومستقبل أدوات النظام المالي العالمي والتعاملات بين الدول وداخلها، وطبيعة التحولات في قواعد العولمة والتجارة الحرة، ومدى فاعلية العقوبات الدولية بشكلها القائم، ومستقبل ترابط الاقتصادات الكبرى، وخاصة بين الصين والدول الغربية. وسوف نحتاج مزيداً من الوقت لتقييم مدى الزخم الذي قدمته قمة “بريكس” الأخيرة في جوهانسبورغ للدفع بهذه التساؤلات إلى تصدّر أجندة اللاعبين الدوليين والإقليميين، وخلق ديناميات جديدة في السياسة الدولية.
.
رابط المصدر: