علي ال غراش
الإمام علي بن الحسين السجاد وزين العابدين، حفيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحفيد الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء (ع) وابن الحسين الشهيد -ع- وهو الإمام الرابع من أئمة أهل البيت عليهم السلام، ولد الإمام زين العابدين في الخامس من شعبان سنة 38 هـ، واستمرت إمامته 35 عاماً، حيث انه استشهد في يوم 25 محرم سنة 95 هجرية.
الإمام السجاد والمراحل التاريخية الصعبة
عاصر أصعب المراحل في التاريخ الإسلامي من خلال سيطرة الإسلام المزيف وانتشار الفساد والانحراف الديني والفكري والأخلاقي والروحي وتصنيم الحاكم المفسد القاتل، بعد جريمة كربلاء المفجعة بارتكاب أبشع جريمة بقتل الإمام الحسين سيد الشهداء وسبط الرسول الاعظم وتحطيم أضلاعه وقطع رأسه الشريف عن جسده، وقتل أهل بيته، ولم يرحموا طفله الرضيع حيث قتل وقطع رأسه، وحرقوا خيام نسائه (أهل البيت) وأخذ النساء والأطفال سبايا من بلدٍ إلى بلد من كربلاء إلى الشام، على أيدي من يدعون الإسلام والانتماء للدولة الاموية التي تدعي انها تمثل الإسلام، وقيام الدولة الحاكمة الاموية بالترويج الإعلامي لحكمها وان الحسين قتل بسيف جده، وسن سنة عبر السب والشتم لأمير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب (ع) على منابر المساجد. وقيام حكومة الامويين بارتكاب جرائم بالاعتداء على البيت الحرام والكعبة المشرفة، وارتكاب جريمة واقعة الحراء في المدينة المنورة وغيرها، واندلاع الثورات منها ثورة التوابين وثورة المختار.
الشاهد والمعزى لمجزرة كربلاء
الإمام زين العابدين هو الشاهد والراوي والمعزى وصاحب المصيبة للمجزرة المفجعة والجريمة الشنيعة على أرض كربلاء فهو قد عاش آلامها واوجاعها ومظلوميتها وبطولاتها..، ونقل الحوادث المؤلمة من الاعتداء على الحسين واهله واصحابه وقتلهم وقطع رؤوسهم وحرق خيام النساء واخذهن سبايا واخذ الامام السجاد العليل اسيرا ووضع القيود، والجامعة الحديدية على رقبته وهو مريض، ومرافقة القتلة والشامتين وصبره على الأذى والاساءة.. طوال الطريق، وإدخاله على الحكام القتلة أمثال: عبد الله بن زياد في الكوفة ويزيد بن معاوية في الشام كل تلك الاحداث والمظلومية عاشها الامام بتفاصيلها واوجاعها، وقد قام الإمام السجاد بنقلها وكشفها بالدموع والحزن والاسى.. عبر حياته في مجلسه وكلامه وخطابه وعند الأكل والشرب والتعامل لتستمر ثورة عاشوراء.
الإمام زين العابدين نعمة رب العالمين
من النعم الالهية في كربلاء الحسين ثورة عاشوراء بقاء الإمام زين العابدين (ع) حيا، لقد شاءت القدرة الالهية أن يكون الإمام السجاد مريضا عليلا خلال مجزرة كربلاء؛ وذلك لتستمر الإمامة والبقية الباقية لأهل البيت عليهم السلام.
قيادة الأمة وتعرية الحكومة الفاسدة
منذ لحظة استشهاد الإمام الحسين -عليه السلام- تحولت مسؤولية الإمامة وقيادة الأمة إلى الإمام السجاد في تلك الأجواء ومواجهة التحديات الصعبة والظروف القاهرة والحكام المفسدين.
وإظهار الحقائق في مجلس ابن زياد في الكوفة ومجلس يزيد في الشام، ونشر فضائل أهل البيت عليهم السلام، وإفشال مشروع الإسلام المزيف الأموي.
ولقد حاول الإمام بأسلوب جديد، في ظل الاستبداد والمراقبة والتضييق الدائم من قبل الحكومة الأموية المجرمة، من نشر الإسلام الحقيقي، والرسالة المحمدية، وعلوم أهل البيت عليهم السلام، وعدم رفض اي حراك او اندلاع الثورات للانتقام من قتلة الإمام الحسين واسقاط الحكم الأموي الجائر الظالم.
الاهتمام بالتربية لبناء الشخصية الإيمانية
من أهم الأمور التي أهتم بها الإمام علي بن الحسين السجاد بعد استشهاد والده في كربلاء هو الاهتمام ببناء الشخصية الإسلامية الإيمانية الحقيقية وتربية جيل جديد يحمل الرسالة المحمدية الصحيحة وتأصيل الولاء والاتباع الحقيقي لأهل البيت -عليهم السلام-، وترسيخ ثورة عاشوراء في الوجدان الشيعي وفي الأمة وتاريخ البشرية، من خلال تعامله اليومي كلامه وفي اكله ومشربه وخلال الحديث حول ما جرى من مصائب وجرائم في عاشوراء، ونقل روح ثورة عاشوراء لكل الأجيال.
لان التربية الصحيحة السليمة حسب المنهج الرسالي الالهي هي من أهم الأمور والأعمال في حياة الناس، فلا يوجد أهم من تربية الإنسان لأنه أساس المجتمع الذي يتكون من أفراد، وسيكون هذا الانسان ذكر أو انثى يتحمل المسؤولية في تربية الأجيال القادمة كما هو تربى… فالعناية والاهتمام بتربية الطفل او الطفلة بشكل سليم سيكون له امتداد مستقبلي لاجيال وسيصنع امة متربية متسلحة بالإيمان الحقيقي والاخلاق والقيم المحمدية، وبالبطولة والشجاعة والحكمة والتقى العلوية، وبالعلم والمعرفة والمطالبة بالحقوق والغضب على الظالمين الفاطمية، وبالكرم والعطاء والقيادة الحسنية، وبالاباء والشموخ والعزة والتضحية والثورة والشهادة الحسينية، وبالروحانية والروحية العالية من خلال الادعية وبالخصوص ادعية الصحيفة السجادية ادعية الإمام السجاد، فالامام السجاد هو المربي والمعلم لعشاق الإمام الحسين وهو خير قدوة في مجال التربية وبناء الشخصية الرسالية والاعتناء بالروح وصناعة الاجواء التربوية الصحيحة، وهذا ما يفتقده المجتمع الإسلامي في هذا الزمن الخطير التي تستهدف تدمير الانسان من خلال تربيته حيث اصبح الاعلام وبرامج التواصل هي من تقوم بتربية الإنسان وذلك حسب مزاج من يقف وراء هذه البرامج لتدمير الانسان والاسرة والبشرية.
لقد اهتم الإمام علي بن الحسين (ع) بتأصيل وترسيخ مبادئ وقيم ثورة عاشوراء من خلال الكلمة التي تخترق القلوب والعقول؛ وذلك عبر الدعاء، وبالخصوص الصحيفة السجادية وهي مجموعة من الأدعية العظيمة التي تذيب القلوب المتحجرة وتأسر العقول وتطهر النفوس، وتربي المؤمن في أدب التعامل مع الخالق عز وجل وكيفية الدعاء وطلب الحوائج والاستغفار والتوبة ودفع البلاء وعند الخوف من الاعداء والظالمين ودفع خطرهم.. لقد استطاع الإمام زين العابدين من تربية الجيل المعاصر له والأجيال لغاية اليوم تربية إيمانية ولائية.
ثورة كربلاء والدعاء
الإمام السجاد -عليه السلام- مدرسة عظيمة في الدعاء ومن المستحيل الكتابة عبر سطور أو مجلدات حول دور الأدعية في التربية الإيمانية والتعلق بمدرسة أهل البيت -عليهم السلام- وبالقضية الحسينية وثورة عاشوراء الخالدة.
ومن أشهر الأدعية: مكارم الاخلاق ودعاء أهل الثغور والدعاء المعروف باسم دعاء أبي حمزة الثمالي وغيرها. وهذا مقطع من دعاء أبي حمزة:
“اللّهُمَّ إِنِّي كُلَّما قُلتُ قَدْ تَهَيّأْتُ وَتَعَبّأْتُ، وَقُمْتُ للصَّلاةِ بَيْنَ يَدَيْكَ وَناجَيْتُكَ، أَلْقَيْتَ عَلَيَّ نُعاساً إِذا أَنا صَلَّيْتُ، وَسَلَبْتَنِي مُناجاتَكَ إِذا أَنا ناجَيْتُ، مالِي كُلَّما قُلْتُ قَدْ صَلُحَتْ سَرِيرَتِي وَقَرُبَ مِنْ مَجالِسِ التَّوّابِينَ مَجْلِسِي، عَرَضَتْ لِي بَلِيَّةٌ أَزالَتْ قَدْمِي وَحالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ خِدْمَتِكَ؟
سَيِّدِي لَعَلَّكَ عَنْ بابِكَ طَرَدْتَنِي، وَعَنْ خِدْمَتِكَ نَحَّيْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي مُسْتَخِفا بِحَقَّكَ فَأَقْصَيْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأيْتَنِي مُعْرِضا عَنْكَ فَقَلَيْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ وَجَدْتَنِي فِي مَقامِ الكاذِبِينَ فَرَفَضْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي غَيْرَ شاكِرٍ لِنَعْمائِكَ فَحَرَمْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ فَقَدْتَنِي مِنْ مَجالِسِ العُلَماءِ فَخَذَلْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي فِي الغافِلِينَ فَمِنْ رَحْمَتِكَ آيَسْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي آلِفُ مَجالِسَ البَطَّالِينَ فَبَيْنِي وَبَيْنَهُمْ خَلَّيْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ لَمْ تُحِبَّ أَنْ تَسْمَعَ دُعائِي فَباعَدْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ بِجُرْمِي وَجَرِيرَتِي كافَيْتَنِي، أَوْ لَعَلَّكَ بِقِلَّةِ حَيائِي مِنْكَ جازَيْتَنِي،
فَإِنْ عَفَوْتَ يارَبِّ فَطالَما عَفَوْتَ عَنْ المُذْنِبِينَ قبْلِي، لاَنَّ كَرَمِكَ أَيْ رَبِّ يَجِلُّ عَنْ مُكافاةِ المُقَصِّرِينَ، وَأَنا عائِذٌ بِفَضْلِكَ هارِبٌ مِنْكَ إِلَيْكَ، مُتَنَجِّزٌ ما وَعَدْتَ مِنَ الصَّفْحِ عَمَّنْ أَحْسَنَ بِكَ ظَنّاً”.
الإمام السجاد والحقوق
كما لا يمكن التوقف دون الإشارة إلى رسالة الحقوق للامام زين العابدين، فهي رسالة عالمية تحدد الحقوق للانسان “وقد ذكر الإمام زين العابدين -عليه السلام- مجموعة من الحقوق في رسالة الحقوق بلغ عددها “54” موضحا كل واحد من تلك الحقوق توضيحا تاما، وذلك ضمن سبع مجاميع، هي:حق الله، حق النفس والجوارح، حق الافعال العبادية حق الصلاة والصوم والحج وغيرها من عبادات، وحق الحاكم الشرعي والرعية، وحقوق الأهل والأقارب، وحقوق بعض الاصناف والطبقات الاجتماعية وحق المال وحق أهل الذمة”.
وما أحوج المؤمنين بل البشر لمعرفة وتطبيق كلام زين العابدين في مجال الحقوق… ليعرف كل إنسان ما هي حقوقه وحدود حقوقه وحقوق غيره، حق الله حق النبي واهل بيته، وحق الجسد وكل عضو فيه، وحق الروح، وحق الاب وحق الام والزوج وحق الزوجة وحق الاخ والاخت وحق الأبن والأبنة وحق الخادم وحق الجار والمعلم والعالم والحاكم وغيرها من حقوق..، حقوق سبقت كل بنود ما يسمى بحقوق الإنسان في العصر الحديث.
والمقطع التالي حق الولد : “حق الولد :
وأما حق ولدك : فأن تعلم أنه منك ، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب ، والدلالة على ربه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه ، فمثاب على ذلك ومعاقب. فاعمل في أمره عمل المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا ، المعذّر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه ، والآخذ له منه. ولا قوة إلاّ باللّه .
الحياة تزود للاخرة وجهاد
حياة الإمام السجاد (ع) مليئة بالأحداث والتجارب والتحديات والظروف الصعبة المحيطة به، حياة لله وفي سبيل الله وخدمة عباد الله ونصرة المظلومين ورفض الظالمين ، وتأصيل شعيرة البكاء والحزن والمواساة على ما وقع في كربلاء وترسيخ قيم ومبادئ ثورة عاشوراء واقامة مجالس احياء نهضة الامام الحسين الخالدة، وبسبب دوره ومواقفه بنشر الدين الصحيح ورسالة ثورة عاشوراء، فقد تم استهداف الإمام والتضييق عليه وعلى محبيه وإتباعه وتعريضهم لأنواع البطش الاجرامي من قبل الامويين كما فعل عبدالملك بن مروان من اعتقال الإمام ونقله من المدينة إلى الشام وهو مقيد بالحديد، واخيرا قام الوليد بن الحكم الاموي بقتله عبر السم ، فسقط عليه السلام شهيدا مسموما مظلوما في 25/ محرم/95 هجرية. ليؤكد ان الشهادة في سبيل الله هي أمنية كل مؤمن رسالي يحمل أهداف ومبادئ الثائر الخالد الشهيد الامام الحسين، لتكون خاتمة حياته الشريفة مصداقا لقوله -عليه السلام-: “أبالموت تهددني يابن الطلقاء؟ إن الموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة”.
وعلى كل من يسير على منهج الإمام زين العابدين ومنهج والده الشهيد الإمام الحسين ومنهج أجداده الإمام علي والرسول الأعظم(ص) أن يرفض الظلم والظالمين والمفسدين والقتلة، ويبتعد عنهم مهما كانت المبررات؛ فالقرب والتقرب منهم شر وخطر، والبعد عنهم ولو أدى إلى الموت أفضل وأشرف، فالشهادة أعلى وسام فخر وعز وشرف في الدنيا والآخرة.
السلام عليك يا سيدي ويا مولاي يا علي بن الحسين ايها الشهيد ابن الشهيد، سلام عليك وعلى جدك الرسول الاعظم ص وجدك امير المؤمنين وجدتك فاطمة الزهراء وعلى عمك الحسن المجتبى وعلى ابيك الحسين سيد الشهداء. السلام عليك يا سيد الساجدين وزين العابدين.
.
رابط المصدر: