عادل رفيق
نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية في 21 أغسطس 2021 مقالاً بعنوان “الفشل الذريع في أفغانستان هو ضربة قاصمة لمكانة أمريكا”، حيث ترى المجلة البريطانية أن الكثير من اللوم في ذلك يقع مباشرة على الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد الانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية من أفغانستان. وجاء المقال على النحو التالي:
إن كان لمروجي الدعاية لصالح طالبان أن يكتبوا سيناريو عن انهيار المهمة الأمريكية التي استمرت 20 عاماً لإعادة تشكيل أفغانستان، لما كانوا ليستطيعوا أن يخرجوا بأكثر من الصور المروعة التي انتشرت مؤخراً. فعندما اجتاح المتمردون كابول، شعر الأفغان اليائسون بالخوف مما قد يفعله بهم المتشددون المنتصرون، وطاردوا طائرات الشحن الأمريكية المغادِرة على المدرجات، محاولين التسلق إلى معدات الهبوط، وكان سقوطهم على الأرض حتميا، متسببين في لقاء حتفهم. وكانت الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة قد استسلمت دون قتال – وهو الأمر الذي كان المسؤولون الأمريكيون يُصرون على أنه لن يحدث، قبل أيام فقط من وقوعه بالفعل. لقد وجد الأفغان أنفسهم وقد تُركوا في مأزق مروع لدرجة أن التشبث بعجلات طائرة مندفعة بسرعة كان يبدو أنه أفضل خيار بالنسبة لهم.
أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان 2 تريليون دولار. وفقدت أكثر من 2,000 جندي أمريكي، ناهيك عن عدد لا يُحصى من الأفغان. ومع ذلك، فحتى لو كان الأفغان أكثر ازدهاراً الآن مما كانوا عليه في الوقت الذي غزت فيه أمريكا بلادهم، فقد عادت أفغانستان الآن إلى المربع الأول. حيث تسيطر طالبان على البلاد بشكل أقوى مما كانت عليه عندما فقدت السلطة؛ فهم الآن أفضل تسليحاً، بعد أن استولوا على الأسلحة التي كانت أمريكا تُمطرها على الجيش الأفغاني، وقد حصلوا الآن على تأكيد نهائي بأنهم قد: هزموا قوة عظمى.
وقد أبدى المتمردون نوعاً من الشهامة، حيث تعهدوا بأنهم لن ينتقموا من أولئك الذين كانوا يعملون مع الحكومة التي تمت الإطاحة بها وأكدوا أنهم سيحترمون حقوق المرأة، في إطار تفسيرهم للشريعة الإسلامية. لكن هذا التفسير كان قد حرم معظم الفتيات من الذهاب للمدرسة، وألزم معظم النساء منازلهن عندما كانت الحركة في السلطة من قبل، في التسعينيات. وشاعت حينها العقوبات الوحشية – مثل الجلد والرجم وبتر الأطراف. لقد ذهبت للتو الحريات التي اكتسبها الأفغان في المناطق الحضرية كأمر مسلّم به على مدار العشرين عاماً الماضية، أدراج الرياح. وهذه النتيجة مروعة بالنسبة لسكان أفغانستان البالغ عددهم 39 مليون نسمة، ومدمرة للغاية بالنسبة لأمريكا.
إنه ليس من المستغرب أن تفشل أمريكا في تحويل أفغانستان إلى دولة ديمقراطية. حيث إن بناء الأمة أمر صعب، ولم يتخيل الكثيرون أن أفغانستان يمكن أن تصبح مثل سويسرا. ولم يكن من غير المعقول أن يرغب جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، في إنهاء هذا الصراع. لقد أمضت أمريكا عشرين عاماً في مكان له فقط أهمية إستراتيجية متواضعة، ولم يعد يهتم به معظم الناخبين الأمريكيين منذ فترة طويلة. وتم تحقيق السبب الأصلي لهذا الغزو – وهو تفكيك مركز العمليات الرئيسي لتنظيم القاعدة – إلى حد كبير، على الرغم من أن هذا الإنجاز يمكن أن ينقلب إلى العكس تماماً الآن.
إن الادعاء بأنه بسماح الولايات المتحدة بسقوط الحكومة الأفغانية، فإنها تُظهر نفسها بمظهر الحليف المتقلب، هو أيضاً أمر مبالغ فيه، بالنظر إلى مدة وحجم وتكلفة الانتشار الأمريكي في أفغانستان. ولم تكن الحكومة البائدة في كابول حليفاً على غرار ألمانيا أو اليابان. لقد كانت أضعف بكثير وأكثر فساداً وتعتمد كلياً على الولايات المتحدة من أجل بقائها.
لكن أيا من تلك الحجج لم يعفِ أمريكا من مسؤولية الانسحاب بطريقة منظمة. لقد فشل بايدن في إظهار ولو قدر ضئيل من الرعاية لرفاهية الأفغان العاديين. والمفارقة هي أن أمريكا كانت لديها خطة للقيام بذلك الأمر تماماً، حيث جري الإعداد لها على مدى عدة سنوات. وقد قلّصت بشكل كبير من حجم قاعدتها العسكرية هناك، من حوالي 100,000 جندي في عام 2011 إلى أقل من 10,000 جندي بحلول عام 2017، إلى جانب عدد مماثل من دول حلف الناتو الأخرى. لم يكن من المفترض أن يهزموا حركة طالبان، لكنهم كان بإمكانهم أن يمنعوا انهيار الجيش الأفغاني، إلى حد كبير من خلال القوة الجوية، وبالتالي يجبرون طالبان على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
يجادل المدافعون عن جو بايدن بأن سلفه، دونالد ترامب، قد أفسد هذه الخطة بالفعل من خلال محاولته الإسراع بها والوصول إلى نتيجة قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام الماضي. صحيح أن السيد ترامب كان يائساً جداً واندفع من أجل التوصل إلى صفقة سريعة لدرجة أنه قبل شروطاً غير معقولة، ووافق على إنهاء انتشار القوات الأمريكية هناك دون حتى تأمين وقف إطلاق النار، ناهيك عن وضع خطة واضحة لإنهاء الحرب الأهلية هناك. وكان ترامب قد قلص بالفعل الوجود الأمريكي إلى ما يزيد قليلاً عن 2,000 جندي بمجيء الوقت الذي تولى فيه بايدن مهام منصبه، وأعطى وعوداً بإخراج باقي القوات بحلول الأول من مايو.
ومع ذلك، فالسيد بايدن لم يكن مضطرا للالتزام ببنود هذه الاتفاقية. وفي واقع الأمر، فإنه لم يفعل ذلك بشكل كامل، حيث رفض الالتزام بالجدول الزمني الأصلي. ومن الواضح أن طالبان لم تكن حريصة على الوفاء بتعهداتها حسب مقتضى الصفقة، وضغطت من أجل تحقيق مصلحتها في ساحة المعركة بدلاً من التفاوض بنية حسنة مع الحكومة الأفغانية. كان من الممكن أن يكون ذلك سبباً لوقف الانسحاب الأمريكي أو عكسه؛ حيث كان هناك ضغط سياسي ضئيل داخل أمريكا لإنهاء الحرب بسرعة. ومع ذلك، كان بايدن يعمل من تلقاء نفسه وفقاً لمهلة تعسفية واهية، ويسعى لإنهاء الحرب بحلول الذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر. وعلى الرغم من أن سرعة الانهيار الداخلي للحكومة الأفغانية فاجأت معظم المراقبين، بما في ذلك هذه الصحيفة (واشنطن بوست)، إلا أن الجنود والسياسيين الأمريكيين كانوا من بين أكثر الشخصيات تفاؤلاً بسذاجة واضحة، وأصروا على أن الانهيار الكامل للحكومة الأفغانية كان احتمالاً بعيد المنال. وعندما أصبح واضحاً أن الجيش الأفغاني بدأ يتبخر، واصل بايدن الضغط بعناد، على الرغم من العواقب المحتملة لذلك.
لقد تضاءلت قوة أمريكا في ردع أعدائها وطمأنة أصدقائها، نتيجة ما حدث في أفغانستان. فكانت تقارير استخباراتها معيبة، وتخطيطها جامد، وقادتها متقلبون، واهتمامها بالحلفاء ضئيل. ومن المرجح أن يشجع ذلك الجهاديين في كل مكان، والذين سوف يعتبرون انتصار طالبان دليلاً على أن الله في صفهم. كما أنه سيشجع الحكومات المعادية مثل روسيا أو الصين على المغامرة، وسيثير قلق أصدقاء أمريكا. لقد دافع بايدن عن الانسحاب بالقول إن أفغانستان كانت تشتت انتباه الولايات المتحدة عن الاهتمام بالمشاكل الأكثر إلحاحاً، مثل التنافس بين أمريكا والصين. ولكن من خلال مغادرة أفغانستان بهذه الطريقة الفوضوية، سيكون بايدن قد زاد من صعوبة التعامل مع تلك المشكلات الأخرى.
ما بعد السقوط
لا يقلل الانسحاب الفوضوي من أفغانستان أبداً من التزامات أمريكا وحلفائها تجاه الأفغان العاديين، بل يزيدها. فيجب أن يستخدموا أي نفوذ لا يزال لديهم لحث طالبان على الاعتدال، وخاصة في معاملتهم للنساء. وسيحتاج النازحون إلى مساعدات إنسانية. كما يتعين على الدول الغربية قبول المزيد من اللاجئين الأفغان، الذين من المرجح أن تتضخم أعدادهم، وتقديم مساعدات سخية لجيران أفغانستان لرعاية أولئك الذين بقوا في المنطقة. إن تسرع القادة الأوروبيين في إعلان عدم استطاعتهم استيعاب العديد من الأفغان المضطهدين، حتى مع سيطرة المتشددين العنيفين على زمام الأمور هناك، لأمر مؤسف، مثلما كان الخروج الفاشل لأمريكا من هناك. وعلى الرغم من أنه قد مضى أوان إنقاذ أفغانستان، إلا أنه لا يزال هناك متسع من الوقت لمساعدة شعبها.
.
رابط المصدر: