تمثل الحرب الروسية ضد أوكرانيا نقطة انعطاف في التاريخ الأوروبي ذات أهمية أكبر من أي لحظة منذ سقوط جدار برلين في عام 1989، ويمكن القول إنها تعود إلى نهاية الحرب العالمية الثانية. وإذا فشلت أوروبا في هذا الاختبار الأساسي لعزيمتها، فسوف نتحدث عن نهاية “غرب موحد المواقف”.
موقف الاتحاد من العقوبات على روسيا
يحرص الاتحاد الأوروبي ان يظهر بمظهر الموحد لتقديم الدعم الى أوكرانيا. يدين الاتحاد الأوروبي بشدة قرار بوتين الاعتراف بالمناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة في دونيتسك ولوهانسك و العملية العسكرية الروسية الواسعة . منذ فبراير 2022 ، يجتمع المجلس الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي بانتظام لمناقشة الوضع في أوكرانيا من وجهات نظر مختلفة.
وطالب قادة الاتحاد الأوروبي في عدة مناسبات روسيا بالوقف الفوري لأعمالها العسكرية، وسحب جميع القوات والمعدات العسكرية دون قيد أو شرط من أوكرانيا، والاحترام الكامل لسلامة أراضي أوكرانيا وسيادتها واستقلالها. وشددوا على حق أوكرانيا في اختيار مصيرها وأشادوا بشعب أوكرانيا بالدفاع. و وسع الاتحاد الأوروبي نطاق العقوبات المفروضة على روسيا بشكل كبير، بإضافة عدد كبير من الأشخاص والكيانات إلى قائمة العقوبات، وباعتماد تدابير غير مسبوقة. الاتحاد الأوروبي ـ مستقبل العقوبات الأوروبية ضد روسيا
يلتزم الاتحاد الأوروبي بمواصلة إظهار التضامن وتقديم الدعم للاجئين الفارين من الحرب في أوكرانيا والبلدان التي تستضيفهم. كما أنها تنسق في سبيل ذلك مع الشركاء والحلفاء، داخل الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومنظمة حلف شمال الأطلسي ومجموعة السبعة. و قد أدان المجلس الأوروبي هجمات روسيا ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية، وأكد من جديد ضرورة احترام القانون الإنساني الدولي.
الانقسامات الاوروبية
ملف الطاقة
عقد وزراء الطاقة الأوروبيون اجتماعهم في بروكسل يوم 09 سبتمبر 2022، محاولين وضع حد لانفلات أسعار الطاقة وما يؤدي إليه من ضائقة معيشية وضغوط مالية على موازنات الدول. وكان محور المحادثات هو مجموعة من المقترحات التي قدمتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين – من بينها وضع حد أقصى لسعر الغاز الروسي، وضريبة مفاجئة على محطات الطاقة غير الغازية، وخفض الطلب على الكهرباء على مستوى الكتلة، وخطوط ائتمان طارئة لشركات الطاقة التي تواجه متطلبات ضمانات متزايدة. أما المقترحات الأخرى فهي أكثر إثارة للانقسام. فقد فشلت فكرة وضع سقف لسعر الغاز الروسي حتى الآن في كسب التأييد بين غالبية الدول، حيث تساءل البعض عن الكيفية التي سيساعد بها في كبح الأسعار نظراً إلى كميات الغاز المنخفضة التي ترسلها موسكو الآن إلى أوروبا. أزمة أوكرانيا انقسامات أوروبا حول وقف ايرادات الطاقة من روسيا
تتراجع صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا بشكل مستمر منذ بدء العقوبات ضد موسكو بسبب تدخلها العسكري في أوكرانيا. وأوقفت شركة غازبروم تسليم الغاز للعديد من العملاء الأوروبيين الذين رفضوا الدفع بالروبل. طالبت موسكو العملاء من “الدول غير الصديقة”- وبينها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي – بدفع ثمن الغاز بالروبل تحت طائلة حرمانهم من الإمدادات، رداً على العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022، وذلك رغم العقود المبرمة والتي تنص على التسديد باليورو أو بالدولار. ورفض عدد من العملاء الأوروبيين التسديد بالعملة الروسية.
واجه قادة الاتحاد الأوروبي في اجتماع براغ يوم 07 أكتوبر 2022 انقسامات بشأن كيفية التعاطي مع أزمة ارتفاع أسعار الطاقة. واقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين “خارطة طريق” تشمل تدابير للمساعدة في تخفيف العبء، بما في ذلك اجراءات محتملة لوضع سقف لأسعار الغاز، دون الإجماع حول فعالية وضع سقف لأسعار الغاز. وضغطت أكثر من نصف دول الاتحاد الأوروبي على التكتل لتحديد سقف لسعر الغاز الذي يصل إليها سواء عبر خطوط الأنابيب أو المسال، مع بدء فصل الشتاء ، لكن ألمانيا عارضت الخطوة حتى الآن خشية تسببها بتحويل مسار الإمدادات بعيداً عن أوروبا. وعلق رئيس الوزراء البولندي ماتيوس مورافيتسكي قائلا: “رسالتي إلى ألمانيا هي أن تحافظ على وحدة الصف مع الباقيين بأن على الجميع الاتفاق على عامل مشترك في الأوقات الصعبة”.
العقوبات الاقتصادية
يمكن وصف تصريحات التضامن السياسي في الاتحاد الأوروبي في مواجهة أزمة الطاقة، مبالغ فيها. وليس مستبعد حدوث تنازلات متبادلة بين موسكو وبروكسل، لأن نقص الغاز، سيؤثر بشكل كبير على أوروبا واقتصادياتها. وقد يخفف الاتحاد الأوروبي القيود الاقتصادية المفروضة على روسيا بسبب شكاوى الأوروبيين من الأزمة الاقتصادية والشتاء البارد. أما واشنطن، فتأمل أن تستمر أوروبا تحمل نتائج العقوبات ضد موسكو وأن التأثير السلبي للعقوبات، سيزيد من انقسام أوروبا وإضعافها.
قال وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيارتو، إن بلاده لن توافق أبدا على إدراج شركتي الطاقة “غازبروم” و”روساتوم”، في قوائم العقوبات الغربية المفروضة ضد روسيا ، وأضاف الوزير الهنغاري، في حديث لوكالة “نوفوستي” في 24 سبتمبر 2022 : “أستطيع أن أتحدث بكل صراحة في هذا الشأن، فأنتم لستم أول من أقول له هذا: نحن لن نوافق أبدا على إدراج شركتي غازبروم وروساتوم في قائمة العقوبات. ولن نوافق أبدا على فرض عقوبات ضد أي مؤسسة مهمة بالنسبة لنا فيما يتعلق بإمدادات الطاقة”.
إمدادات الأسلحة لأوكرانيا
الخلافات والانقسامات بين الدول الأعضاء داخل الاتحاد الأوروبي سببها شكوك جدية حيال قدرة الأوروبيين على التوصل إلى توافق حول “درع الفضاء الأوروبي”، إذ إنه يتطلب أغلبية من الدول الأعضاء لكي يتم تفعيله. و قد أرسلت العديد من دول الاتحاد الأسلحة والمعدات إلى أوكرانيا، مما أدى إلى استنفاد الذخائر والأسلحة، وبات من المتوقع أن يتغير الوضع الأمني في أوروبا بشكل جذري، وأن يزيد الإنفاق العسكري الأوروبي لمعالجة أوجه من القصور في القدرات الدفاعية والنقص في الأسلحة والذخيرة كذلك العوائق لوجستية.
من أهم الملفات التي أججت الشقاق بين الأوروبيين ملف الدعم العسكري للجيش الأوكراني، وبعد مطاولة الحرب، لا تزال دول عديدة مرتبكة من توريد الأسلحة إلى كييف، مقابل أخرى تضغط بشدة في هذا السياق. كما أن العديد من الدول الأوروبية مترددة بشأن تصدير الأسلحة الثقيلة، مثل الدبابات أو الطائرات المقاتلة، لأوكرانيا وسط مخاوف من أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي رسمياً إلى تصعيد الحرب، وإلى صراع مباشر بين روسيا والدول الأعضاء. هذا رغم دعوة أورسولا فون دير لين الحكومات الأوروبية إلى تسريع تقديم المساعدات العسكرية، لأنه “بهذه الطريقة فقط يمكن لأوكرانيا البقاء في معركتها الدفاعية الحادة ضد روسيا”. ملف أزمة أوكرانيا ـ إمدادات الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا، كيف تؤثر على إطالة الحرب ؟
صادق الاتحاد الأوروبي في 17 اكتوبر 2022 على قرارين لتقديم المزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا، ويتمثل القراران في تدريب 12 ألف جندي أوكراني على أراضيه إضافة إلى تخصيص تمويل جديد قدره 500 مليون يورو لإمداده بالأسلحة. و قد تقرر تخصيص ما بين 50 و60 مليون يورو في السنة لمرحلة إطلاق المهمة. مع إقرار تمويل جديد للمرفق الأوروبي من أجل السلام بقيمة 500 مليون يورو لتأمين أسلحة، ما يرفع المجهود الأوروبي إلى ثلاثة مليارات يورو “تضاف إليها المساهمات الثنائية، وهي أكبر بكثير”. وقال موظف أوروبي كبير، إن “الميزانية لسبع سنوات أنفقت خلال سبعة أشهر”. فيما تبلغ مخصصات الصندوق 5,7 مليار يورو، وسيتحتم على الأوروبيين إعادة تمويله. والجهات المساهمة الكبرى فيه هي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا.
قراءة مستقبلية
تعاني الدول الأوروبية انقساماً في المواقف حول كيفية التعامل مع روسيا، وعما إذا كان يجب عليها تبني مواقف أكثر تشدداً ضد موسكو، أو وجوب مراعاة مصالحها الاقتصادية معها و جعلها أولوية قصوى لاسيما مع اقتراب فصل الشتاء، ومن المتوقع أن يستمر هذا الانقسام في المواقف، وذلك نظراً لعدم وجود بدائل للغاز الروسي، في الوقت الراهن، بالإضافة إلى أن أي بدائل أخرى، سوف تكون أعلى تكلفة و جهداً.
ترى دول أوروبية أن الحرب الروسية الأوكرانية كانت حاجة أميركية وبريطانية أكثر من كونها ضرورة أوروبية. وهو شعور يتنامى لدى دول وشعوب، مثل ألمانيا وفرنسا والمجر وتركيا، وربما إيطاليا، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الانقسام في الموقف الأوروبي تجاه الحرب، والموقف المتعنت تجاه روسيا. و تكتسب فكرة تشكيل جبهة غربية، موحدة، وقوية، لمواجهة روسيا، أهمية بالغة بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، لكن الاتحاد الأوروبي نفسه كمؤسسة لا يستطع امتلاك قوة اقناع دول اوروبية في تبني مواقف واضحة و معاكسة لروسيا.
إن ضغط الموقف الفرنسي والألماني سوف يغير من الموقف تجاه تشدد لندن في مسألة الحرب الروسية و تهدئة العلاقات مع روسيا ضماناً لامدادات الطاقة ، المسألة التي أصبحت تقلق القادة الأوروبيين مع اقتراب فصل الشتاء.
إن مطاولة الحرب في أوكرانيا من شأنه ان يزيد من اعباء الحرب على دول أوروبا، فقد انفقت دول أوروبا كثيرا من اجل إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا وكذلك تحملت كثيرا في مسألة نقص الطاقة وتعويضها من مصادر بديلة غير روسيا. وهذا ممكن ان يثير انقسامات جديدة مستقبلا داخل الاتحاد الأوروبي، ويمكن القول ان الاتحاد الأوروبي ربما لم يمر بظروف صعبه مثلما يعيشها اليوم، مابين الضغوطات الأمركية، وأزمة الطاقة.
الحرب في أوكرانيا تدفع دول الاتحاد الأوروبي ان تستمر بتقديم الدعم والظهور بموقف موحد داخل الناتو في مواجهة روسيا، على حساب اقتصاديتها والضغوط الداخلية التي تعيشها دول أوروبا، فهناك الكثير من حالات السخط الشعبي على الحكومات الأوروبية التي تطالب معالجة إفقار شعوبها اكثر من تقديم الدعم إلى أوكرانيا.
الحرب في أوكرانيا من المتوقع ان تعمق الخلافات داخل دول الاتحاد أكثر مع استمرار الحرب بالتوازي والتي يبدو انها ستكون طويلة.
الهوامش
EU response to Russia’s invasion of Ukraine
https://bit.ly/3T6Rde6
What Does Europe Look Like 3-7 Years After Russia’s War in Ukraine?
https://bit.ly/3DWkqEq
Old order dying: What European decision-makers think of Russia
https://bit.ly/3hbisqR
“وداعاً للحلم الأوروبي”.. كيف تقسِّم حرب أوكرانيا دول الاتحاد؟
https://bit.ly/3WvMCF8
صحيفة تتحدث عن انقسام أوروبا بسبب روسيا
https://bit.ly/3SX8dU8
تقرير: انقسام أوروبي في براغ حول سبل الاستجابة لأزمة الطاقة
https://bit.ly/3h2a5O1
انقسام أوروبي في اجتماع اليوم لبحث إجراءات طارئة تكبح أسعار الطاقة..
https://bit.ly/3FI0E0r
ما سيناريوهات الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي؟
https://bit.ly/3U5rILx
الاتحاد الأوروبي يتجه لتقديم المزيد من الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا
روسيا تخفض شحنات الغاز إلى ألمانيا… هل بدأت “حرب الغاز”؟
هنغاريا ترفض العقوبات على شركتي “غازبروم” و”روساتوم”
نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات