تتحمل ألمانيا وفرنسا مسؤولية خاصة تجاه الاتحاد الأوروبي، لكن لايزال التخوف سائداً داخل التكتل الأوروبي من التوترات الناشبة بين البلدين بعدما تنامت الخلافات بشأن العديد من القضايا حول كيفية حماية دول الاتحاد الأوروبي واقتصادياتهم في خضم أزمة الطاقة وأزمة أوكرانيا، كذلك تنامي الخلافات حول المشروع الأوروبي الدفاعي المشترك لتحقيق استقلالية أكبر ،والحفاظ داخل التكتل على سيادة وتماسك الاتحاد الأوروبي.
المحور الألماني الفرنسي
تتحملان فرنسا وألمانيا مسؤولية خاصة تجاه اتحاد أوروبي موحد، ودعمت ألمانيا بشكل كامل فرنسا في31.12.2021 في رئاستها مجلس الاتحاد الأوروبي خلفا لسلوفينيا في مسعى التوصل إلى أوروبا “ذات سيادة أكبر” عالمياً، ومن أجل انتعاش اقتصادي دائم وفي مكافحة أزمة المناخ وفي القطاع الرقمي. وتدعو فرنسا وألمانيا إلى تعديل منطقة “شنغن” بشكل أفضل في وجه موجات الهجرة، وطرح مراجعة قواعد الميزانية المعروفة بمعايير “ماستريخت” التي تضبط العجز في الدول الأوروبية من أجل تمويل الاستثمارات والنمو وتعزيز الدفاع الأوروبي. على الرغم من تحفظ بعض الحلفاء الحريصين خصوصاً على حماية حلف شمال الأطلسي لكن لا يزال هناك مزيد من الصعوبات يجب التغلب عليها بين البلدين.
تدابير لمواجهة أزمة الطاقة
أطلقت فرنسا خطة “ترشيد في مجال الطاقة” في 14.06.2022 تستهدف خفض استخدام الطاقة بنسبة (10%) بحلول 2024، كما زادت فرنسا وارداتها من الغاز من النرويج وقطر والجزائر والولايات المتحدة، كما تعزز احتياطي الغاز الذي سوف يقترب من نسبة الـ(100%). وخصصت (45) مليار يورو لحماية المستهلكين من الارتفاع بأسعار الطاقة، ووفق التقديرات في 17.07.2022 تحصل فرنسا عادة على أقل من (20%) من إجمالي واردتها من الغاز من روسيا
خططت السلطات الفرنسية لإغلاق نحو (50%) من المفاعلات النووية الفرنسية البالغ عددها (56) في 13.09.2022 وأكدت السلطات الفرنسية في 14.09.2022 وضع سقفاً لزيادة أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء عند حدود (15% ) في العام 2023 ، ومن المتوقع أن يبلغ صافي تكلفة سقوف أسعار الطاقة في ميزانية 2023 ما مجموعه (16) مليار يورو ( 11 مليار للغاز و 5 مليارات للكهرباء).
وافق البرلمان الألماني على حزمة إنقاذ حكومية بلغت (200) مليار يورو لتحديد سقف لأسعار الطاقة وتخفيف الأعْبَاءٌ عن المستهلكين في 21.10.2022، وأعادت (27) محطّة للفحم للإنتاج لفترة محدودة حتّى مارس 2024. مددت السلطات الألمانية عمل المفاعلات النووية “إيزار-2 ونيكارفستهايم-2 وامسلاند” في 19.10.2022. شملت حزمة إجراءات اقتصادية بقيمة (65) مليار أعلنتها الحكومة الألمانية خلال شهر سبتمبر 2022 مدفوعات لمرة واحدة لبعض الفئات من المواطنين وإعفاءات ضريبية لالاف الشركات كثيفة الاستهلاك للطاقة كذلك ضريبة استثنائية على أرباح شركات الطاقة وزيادة كمية الطاقة المخزنة في مستودعاتها إلى نسبة حوالي الـ (84%). ملف : أزمة أوكرانيا والاتحاد الأوروبي ـ هل من تحول في السياسات الدفاعية والأمنية ؟
كشف الرئيس الفرنسي في 05.09.2022 عن إرسال فرنسا الغاز إلى ألمانيا إذا لزم الأمر، وأضاف أن هذا يظهر التضامن الأوروبي في مواجهة أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا. وتابع “ألمانيا بحاجة إلى غازنا ونحتاج إلى الطاقة من بقية أوروبا، لا سيما من ألمانيا” وأن التوصيلات الضرورية من أجل توصيل فرنسا الغاز إلى ألمانيا عند الحاجة سيتم الانتهاء منها وتشدد فرنسا على واجب “التضامن” ولا سيما مع ألمانيا الشديدة الاعتماد على الغاز الروسي مشيرة”.
خلافات تهدد تماسك الاتحاد
خلافات حول أزمة الطاقة : تتهم فرنسا ألمانيا بعزل نفسها عن أوروبا بعد رفضها الإجماع الأوروبي بتسقيف أسعار النفط وإعلانها بشكل منفرد حزمة دعم لأسعار الطاقة بـ(200) مليار يورو.
تعول برلين على خط أنابيب الغاز “ميدكات” ليكون البديل لـ “نوردستريم 2″، “ميدكات” خط غاز بين “كاتالونيا” الواقعة في شمال شرق إسبانيا وجنوب شرق فرنسا، وجرى التخلي عنه في 2019 لعدم وجود اتفاق على تمويله وبسبب غياب الدعم الفعلي له من جانب فرنسا غير المقتنعة بجدواه.
تبرر باريس موقفها بأن إنشاء هذا الخط غير ضروري للمرحلة الحالية، وأنه يتعارض مع السياسات الخضراء للاتحاد الأوروبي التي تعتزم من خلالها الحد من انبعاث الكاربون بحلول 2050. وربما تخشى فرنسا من منافسة الهيدروجين الأخضر لطاقتها النووية المدنية. وعلى الجانب الأخر تنتقد برلين باريس بسبب النهج الحمائي وذلك لعرقلتها التقدم في إنجاز خط أنابيب الغاز “ميدكات”. أمن دولي ـ الاتحاد الأوروبي و الأزمة الأوكرانية، سبل الدعم والمواجهة
خلافت حول “منظومة الدفاع الجوي المستقبلية”: مشروع فرنسي ألماني إسباني لطائرة مقاتلة من المفترض أن تحل محل طائرات “رافال” الفرنسية و”تايفون” الألمانية في عام 2040 من المتوقع تطويره على مراحل عدّة وتتفاوض الدول الشريكة حالياً بشأن تطوير برنامج تجريبي للطيران بحلول عام 2026، ما يتطلب إجمالي (6) مليارات يورو.
أعلنت 14 دولة بقيادة ألمانيا في 15.10.2022 أنها وافقت على الاستحواذ المشترك على درع دفاع جوي وصاروخي، ويتكون الدرع من أنظمة ألمانية وأمريكية وربما إسرائيلية، مما يزعج فرنسا بشدة وهي مدافعة متحمسة عن فكرة “السيادة الأوروبية” التي بقيت طواعية خارج هذا المشروع.
وتقول “كلوديا مايجور” مديرة قسم “الأمن الدولي” ضمن المعهد الألماني للعلاقات الدولية والأمن في 05.02.2022 إن برنامج “أس. سي. آي. أف. يعكس صورة مصغرة عن جميع المشكلات بين الثنائي الفرنسي- الألماني”. وتشير في هذا الصدد على سبيل المثال إلى أن المديرية العامة الفرنسية للتسلح ليس لها نظير في ألمانيا إضافة إلى أن سلطة البوندستاغ الذي يوافق على مخصصات الموازنة تتخطى بكثير صلاحيات الجمعية الوطنية في باريس، أو انعدام التوازن بين الصناعة العسكرية الفرنسية القوية ونظيرتها الألمانية الأكثر تواضعاً. أمن دولي ـ أزمة أوكرانيا، المحور الفرنسي الألماني ومساعي للخروج من الأزمة
تقييم وقراءة مستقبلية
ـ تتنافس فرنسا وألمانيا على مر السنين على زعامة الاتحاد الأوروبي وكشفت أزمة أوكرانيا وغياب استراتيجية مشتركة للطاقة عن حجم الخلافات بين البلدين والتي قد تخلخل من توازنات الاتحاد الأوروبي الداخلية.
ـ إن فرنسا لاتعتمد بشكل كبير على إمدادات الطاقة الروسية وتتمتع بإمدادات غاز من مصادر متعددة، ومن وجهة نظر فرنسا ترى أن ألمانيا خالفت مسار الاتحاد الأوروبي وفضلت “أمن الإمدادات” للطاقة على حساب مصلحة الاتحاد الأوروبي، وأن اقتصادها كأكبر اقتصاد أوروبي قادر على تحمل الأسعار المرتفعة.
ـ تؤيد فرنسا مشروعاً دفاعياً أوروبياً مشتركاً لتحقيق استقلال أكبر عن الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن من وجهة نظر ألمانيا أن فرنسا تحاول في المقام الأول على دعم الشركات الفرنسية وتعزيز الاقتصاد وتوسيع النفوذ الفرنسي أوروبيا.
ـ تعد الخلافات القائمة بين بيرلين وباريس وعدم إيجاد أرضية مشتركة في عدة شؤون، أبرزها: مسألة مصادر الطاقة وإدارتها وأسعارها والخلافات طويلة الأمد حول الطاقة النووية، وتعزيز السيادة الأوروبية جرس إنذار لتماسك للاتحاد الأوروبي.
ـ بات متوقعاً استمرار التوترات بين المحور الألماني والفرنسي على صعيد الدفاع والتسلح والطاقة وارتفاع الاسعار أن ترمي هذه الخلافات بظلالها على مديونيات الدول الأوروبية ما يخلق المزيد من الانقسام الاقتصادي، وأن يكون له تأثير سلبي على أسعار الطاقة.
ـ يبدو أن قدرة فرنسا على تصدير الغاز إلى ألمانيا ضعيفة إلا إذا خفضت باريس من استهلاكها طوعاً، وفي حالة انهيارالمشروع الأوروبي الدفاعي المشترك ومنظومة الدفاع الجوي المستقبلية قد تلجأ باريس إلى تطوير مقاتلاتها من تلقاء نفسها، وعلى الأرجح ستعتمد ألمانيا على واردات الأسلحة والمعدات من الولايات المتحدة الأمريكية.
ـ ما تحتاجه فرنسا وألمانيا “تحقيق أوروبا تضامناً” أوسع لوحدة الصف في القضايا المتعلقة بأزمة الطاقة وارتفاع الأسعار وذلك من خلال تأسيس سوق أوروبية موحدة للطاقة وتقديم حزمة أوسع نطاقاً تتضمن إجراءات قصيرة المدى لخفض الأسعار، وخطوات أطول لإعادة تشكيل سوق الغاز، كذلك إيجاد أرضية مشتركة للسياسة الخارجية والأمن وتعزيز السيادة و لتحديد مسار استراتيجي خاص.
الهوامش
Berlin’s Alliance With Paris Starts to Creak With EU in a Fix
https://bloom.bg/3zedJe9
لماذا توترت العلاقات بين برلين وباريس؟
https://bit.ly/3WaGmTo
بايدن يثير التباينات الدفاعية بين فرنسا وألمانيا
https://bit.ly/3DrQ5NM
قمة ألمانية فرنسية غداة تودّد بايدن لحلفاء الولايات المتحدة التقليديين
https://bit.ly/3f0dv3e
بين الدفاع والطاقة.. هل تعمّق خلافات فرنسا وألمانيا أزمات الاتحاد الأوروبي؟
https://bit.ly/3TAHVrR
Germany unites 14 NATO countries to buy missile defense shield, much to the annoyance of France
https://bit.ly/3Fa4pM9
نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
.
رابط المصدر: