جاسم محمد – رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
شهدت سياسات الاتحاد الأوروبي الكثيرمن المراجعات، في محاولة لتعزيز الموارد المالية للرد على التحديات الأمنية التي يفرضها الصراع، بما في ذلك مواجهة مخاطر الجماعات “الجهادية” في سوريا وزيادة تدفق اللاجئين عبر أوروبا والبحر الأبيض المتوسط .
ويدرك الاتحاد الأوروبي ان أستمرار النزاعات والصراعات الاقليمية والدولية في الجوار الأوروبي، وأبرزها سوريا وليبيا وشرق المتوسط تشكل تهديدًا لأمن جميع الدول، ما يجعل استقرار الجوار أمرًا ملحًا ويحتل الأولية على أجندة الاتحاد الأوروبي. فلا يتعلق الأمر فقط بالتهديدات العسكرية المحتملة أو التهديدات الإرهابية على الأرجح، ولكن أيضًا تلك المتعلقة بهجرة السكان وأزمة اللاجئين.
يعامل معظم السياسيين الأوروبيين اللاجئين كمسألة مثيرة للقلق، ولكن في نفس الوقت تبذل مؤسسات الاتحاد الأوروبي كل ما في وسعها لمساعدتهم في البلدان المجاورة لسوريا، بدلاً من السماح لهم بدخول الاتحاد الأوروبي نفسه. إن تهديد أزمة الهجرة لا يغير حقيقة أن الاتحاد الأوروبي يواصل الاهتمام بالتهديدات الإرهابية المحتملة. وكانت هجمات تنظيم داعش وبقية التنظيمات المتطرفة، انعكست كثيرا على مواقف الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا السياق شارك “جوزيب بوريل”، مسؤول الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة والأمنية، في الاجتماع الوزاري للتحالف العالمي ضد داعش خلال شهر يونيو 2021، وأعلن مع الوزراء الآخرين أن “الجهود الشاملة والجماعية لا تزال ضرورية لتحقيق كامل والهزيمة الدائمة لداعش في جميع أنحاء العالم “. على الرغم من أن داعش فقد قاعدته الإقليمية في سوريا والعراق، إلا أن الاتحاد الأوروبي لا يقلل من أهمية التهديد المستمر الذي يمثله هذا التنظيم الإرهابي ومستعد للتعاون مع أي كيان يشاركه موقفه في هذا الشان.
عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد سوريا
كان هناك نظام عقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي ضد سوريا منذ عام 2011 والعقوبات موجهة ضد الأفراد والكيانات المسؤولة عن جرائم خطيرة في سوريا، أو تدعم النظام أو تستفيد من الصراع المسلح. في الوقت نفسه ، تحظر العقوبات تصدير بعض السلع إلى سوريا ، والتي ، على سبيل المثال ، يمكن استخدامها لقمع السكان أو السلع الكمالية التي يمكن للنظام الاستفادة منها. تشمل العقوبات الأوروبية على دمشق حظر تصدير النفط وقيودا على بعض الاستثمارات وتجميد أرصدة المصرف المركزي السوري في الاتحاد الأوروبي وقيودا على تصدير المعدات التكنولوجية التي يمكن استعمالها في “القمع الداخلي”، ومراقبة أو التقاط الاتصالات عبر الإنترنت أو الاتصالات الهاتفية.
نهج الاتحاد الأوروبي
يبدو أن نهج الاتحاد الأوروبي لم ينجح في الملف السوري ولا في بقية الملفات الأقليمية والدولية، فلم يتمكن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه حتى الآن من ممارسة أي تأثير ملموس على ديناميكيات الصراع المحلي. وذلك لأن الأوروبيين لم يكن لديهم أي وجود عسكري كبير وامتنعوا عن ممارسة نفوذ سياسي دوليًا. وقد خفف الاتحاد الأوروبي من حدة لهجته ضد النظام السوري فلم يعد يتحدث صراحة عن تغيير النظام أو تقسيم السلطة، لكن نظام العقوبات وشروط مساعدات إعادة الإعمار لا تزال تستهدف تغيير النظام. النهج الأوروبي المشترك شهد الكثير من التصدعات والانقسامات الداخلية، فكانت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا على وجه الخصوص متمسكة بالموقف من النظام السوري، لكن دول أعضاء أخرى في الاتحاد الأوروبي ، استأنفت في السنوات الأخيرة ، العلاقات مع دائرة النظام السوري (إيطاليا ، وبولندا) وناقشت بشدة إعادة فتح سفاراتها وزيادة المشاركة الاقتصادية في سوريا (إيطاليا والنمسا والمجر وبولندا).
على الرغم من الانتقادات بشأن الطبيعة الضعيفة والمنقسمة للاتحاد الأوروبي وسياسته الخارجية ، فإن ما سبق يُظهر أن الدول الأعضاء تشترك في مصالح مشتركة، وتتم حمايتها بكفاءة وفعالية أكبر على المستوى فوق الوطني. وإدراكًا لموقفه الضعيف على المسرح الدولي وانقساماته الداخلية، تبنى الاتحاد الأوروبي مفهوم “البراغماتية المبدئية” لتوجيه عمله الخارجي في السنوات المقبلة. تلخص هذه العبارة المراوغة إلى حد ما مقاربة للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي تقوم على الأمن وبناء دول ومجتمعات مرنة على أطرافها الخارجية. على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي لا يزال ملزمًا بواجب دستوري لتعزيز قيمه في الخارج، واحترام القانون الدولي على نطاق واسع، إلا أنه يميل ليكون أكثر “براغماتية”.
وضمن مساعي الاتحاد ليكون له دور أوسع خارج أراضيه، في مناطق النزاع والصراع، دعت وزيرة الدفاع الألمانية خلال عام 2019 إلى تشكيل قوة أمنية دولية في شمال شرق سوريا ، بمساهمة عسكرية ألمانية كبيرة. لكنها تعرضت للكثير من المعارضة والانتقادات علنا من قبل، وزير الخارجية “هيكو ماس” ، الذي وصف اقتراحها بأنه غير واقعي، وهذا يعكس مدى حجم الانقسام والاختلاف حتى داخل الدولة الواحدة للتكتل الأوروبي. ويعتقد الاتحاد الأوروبي أن السلام الحقيقي والدائم في سوريا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال حل سياسي يأخذ في الاعتبار مصالح جميع السوريين على قدم المساواة.
ماينبغي العمل عليه
ـ يتعين على الحكومات الأوروبية والاتحاد الأوروبي إعادة ملف سوريا إلى جدول أعمالها الجماعي الخاص وإعادة ضبط نهجها تجاه الأزمة ويمكن زيادة دعمهم في الوقت نفسه لآليات المساءلة المهمة، مثل المحاكمات التي تتم بموجب الولاية القضائية العالمية ضد من يرتكب جرائم الحرب واستخدام الأدوات الدبلوماسية والقانونية والمالية، بالشراكة مع السوريين في أوروبا.
ـ السعي للتوصل إلى اتفاق مع اللاعبين الرئيسيين في ملف سوريا لممارسة المزيد من الضغط السياسي وربما التوافقات من أجل إيجاد حل سياسي، ربما اكثر من الحل العسكري، و وضع حد أيضا لسياسات تركيا في شمال وشرق سوريا.
ـ نشر قوات سريعة الحركة، أو فرق مراقبة بالاشتراك مع الأمم المتحدة أو الاطراف الدولية والاقليمية الفاعلة في الملف السوري، كون الوجود العسكري الأوروبي من شأنه أن يقوي أي قرار أو سياسات اوروبية خارج أراضيه.
ـ إعتماد سياسات أكثر شدة وقوة ليكون صوت الاتحاد الأوروبي مسموعا في مجمل النزاعات الأقليمية والدولية.
ـ تعزيز “وحدة” الاتحاد الأوروبي من الداخل، رغم الانقسامات التي تعصف بهذا التكتل.
.
رابط المصدر: