اعداد : عمرو سعد – باحث سياسي في شؤون الشرق الأوسط
المركز الديمقراطي العربي : –
- مجلة مدارات إيرانية : العدد التاسع عشر آذار – مارس 2023 المجلد 5, دورية علمية محكمة تصدر عن المركز الديمقراطي العربي ألمانيا –برلين” .تعنى بالشأن الإيراني داخليا واقليميا ودوليا.
-
فصلنامه مدارات إيرانية فصلنامه أي علمي از طرف مركز دمكراسي عربي برلن منتشر مي شود.
للأطلاع على البحث “pdf” من خلال الرابط المرفق :-
مقدمة
أعلن اتفاق السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء بين البلدين، وذلك في بيان ثلاثي (إيراني سعودي صيني) أعلن في بكين راعية هذا الاتفاق. وذلك بعد سبع سنوات من القطيعة الدبلوماسية بين البلدين منذ عام 2016، عندما هاجم محتجّون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران بعدما أعدمت المملكة رجل دين شيعيًّا معارضًا يُدعى نمر النمر. حيث يأتي هذا التقرب عقب مباحثات سرية بين البلدين في الصين.
وقد اتفقا على استئناف العلاقة الدبلوماسية بين البلدين واعادة فتح سفارتيهما وممثليتيهما خلال مدة أقصاها شهران، وأكد على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، بالإضافة الى ترتيب لقاء بين وزيري خارجية البلدين لترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العاقة بين البلدين. كما اتفق الجانبين على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقعة في 17 يوليو 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار الموقعة في 27 مايو 1998م [1].
وقد لاقى الاتفاق ترحيبا عربيا واقليميا واسعا. واعتبره الكثير من المحللين خطوة متقدمة في الاتجاه الصحيح، كونها ستحل الكثير من ملفات الصراع القائمة في المنطقة.
ولا شك انه سيكن لهذا الاتفاق تداعياته على العديد من أزمات المنطقة، لا سيما الحرب في اليمن الذي تربط بصورة مباشرة وغير مباشرة بطهران والرياض.
تدرس السياقات العامة التي أتى في ظلها هذا الاتفاق هذه الورقة الدوافع الايرانية والسعودية في تطبيع علاقتهما، وكيف سينعكس ذلك على مسار التسوية السياسية في اليمن.
السياقات الظرفية
يأتي توقيع هذا الاتفاق في ظل مفاوضات حثيثة انخرط فيها البلدين منذ أبريل 2021 بوساطة العراق، لمناقشة سبل تخفيف التوتر وعودة العلاقة الدبلوماسية بينهما. حيث قاما بخمس جولات تفاوضية، لمناقشة تسوية جملة من القضايا العالقة بين البلدين، أبرزها الوضع في اليمن وسوريا ولبنان، وكذلك الملف النووي الإيراني، بالإضافة الى المساعي الإيرانية في دول المنطقة.
حيث جاء هذا الإعلان الجانبين تطبيع العلاقة فيما بينهما تتويجا لهذه الجولات التفاوضية، ساهمت كلا من العراق وعمان في اتمامها، لتعلن نجاحها من بكين بوساطة حاسمة من الصين.
دوافع هذا الاتفاق
هناك حزمة من الدوافع التي قادت كلا من إيران والسعودية باتجاه هذا التقارب، نتناول أبرزها على النحو التالي:
الدافع السعودي:
- الحرب في اليمن
حيث ترغب المملكة السعودية في الخروج من مستنقع الحرب في اليمن بأي ثمن؛ لما تمثله الحرب من استنزاف خطير لاقتصاد المملكة، وقوتها العسكرية، بالإضافة الى استخدام ملف “الحرب في اليمن” كورقة ضغط وابتزاز للرياض وسلطة ابن سلمان، من قبل قوى دولية كبرى، لا سيما الولايات المتحدة الحليف الأكبر للسعودية.
وقد تأكد للرياض ضرورة خروجها من هذه الحرب بعد ان تعرضت المملكة لضربات عسكرية موجعة شنتها جماعة الحوثي نالت منشئاتها النفطية وأماكن أخرى. في ظل تخاذل أمريكي واضح عن مجابها هذه التهديدات الخطيرة.
- تقليص التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة
حيث زاد تأزم العلاقة بين الرياض وواشنطن بصورة كبيرة بعد توجه الإدارة الامريكية نحو تقليص تواجدها العسكري في منطقة الشرق الأوسط. الأمر الذي تقرأه الرياض أنه تنكر من قبل الولايات المتحدة عن التزاماتها الأمنية تجاه المملكة ومنطقة الخليج عموما، بتركها تجابه التهديدات الإيرانية وحلفاءه في المنطقة وجها لوجه.
- حاجة المملكة الملحة للأمن
تسعى المملكة السعودية لضمان توفر الأمن والاستقرار في المملكة بعيدا عن التهديدات العسكرية، لتنأى بنفسها وتتفرغ لخطط التنمية الاقتصادية في المملكة، وما يسمى “رؤية 2030”. والتي تتضمن بناء اقتصاد متنوع للمملكة لا يعتمد على النفط، وذلك من خلال جذب الشركات الدولية الى المملكة وتنويع الاستثمارات، وتوفير المزيد من فرص العمل. وهذا يتطلب بالضرورة توفر الأمن والاستقرار في المملكة.
- نهج جديد في سياسة المملكة الخارجية
بدا مؤخرا ان المملكة السعودية تتجه نحو انتهاج استراتيجية متوازنة في علاقاتها الخارجية، قائمة على التعاون السلمي والصداقة. محاولة تحقيق التوازن المطلوب تجاه مختلف القضايا الدولية والإقليمية. وقد أدركت القيادة السعودية الشابة الحاجة لهذا النهج، في إطار جهودها التغييرية الواسعة. بدا ذلك واضحا من خلال زيارة وزير خارجية المملكة كلا من كييف وموسكو خلال اقل من شهر؛ للبقاء على موقف غير متطرف تجاه الحرب الروسية الأوكرانية. كذلك إعادة المملكة بناء علاقاتها بدول الجوار الإقليمي، كسوريا وقطر وأذربيجان وتركيا وباكستان وعمان، بالإضافة الى الصين وروسيا.
الدوافع الإيرانية:
- استبدال الحلف المعادي بحلف مضاد
تعمل كلا من واشنطن وتل أبيب بالتعاون مع الحلفاء الإقليميين -وعلى رأسهم السعودية-على بناء حلف عسكري مضاد لردع إيران. ولذلك تسعى طهران لتفكيك هذا الحلف وتفتيته، عبر تذويب مصادر التوتر والصراع في المنطقة التي تتحجج بها هذه القوى -لا سيما الإقليمية-أولاً، ثم لتكوين حلف مضاد لا يستثني الشركاء الإقليميين الجدد وعلى رأسهم السعودية، الى جانب بكين الحليف والراعي لهذا الاتفاق. في خطوة تمثل صفعة مزدوجة لكل من تل أبيب وواشنطن.
- التصعيد في البرنامج النووي واحتمال تلقي ضربة عسكرية غربية
تحدثت وسائل الاعلام الغربية مؤخرا عن نية واشنطن وتلا أبيب بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، وذلك قبل امتلاكها للقنبلة النووية، والذي تبقى له 12 يوم فقط حسب تصرح البنتاجون، قبل الاتفاق السعودي الإيراني بأيام. وعليه فقد أرادت طهران تخفيف هذا الضغط الغربي عبر إدخال الصين بصورة أكبر في مسرح العمليات بالمنطقة، عبر عملية سلام مع الحليف الأول للغرب، لتضمن إتمام برنامجها النووي من جهة، وتقضي على إمكانية التهديد الغربي المزعوم من جهة أخرى.
- الاضطرابات الداخلية
تطورت الاحتجاجات التي شهدتها إيران منذ سبتمبر 2022 بعد ان نددت بالأوضاع الاقتصادية المتردية بالبلاد، لتصل الى المطالبة برحيل النظام الإيراني نفسه وولاية الفقيه. وقد شكلت هذه الاضطرابات التي شملت جميع مناطق البلاد تحديا أمنيا خطيرا على النظام الحاكم في إيران. ما يدفع طهران الى تحقيق قدرا من التهدئة في المحيط الإقليمي.
- الوضع الاقتصادي الناتج عن العقوبات الغربية
تعاني إيران من عقوبات اقتصادية كبيرة فرضتها عليها الغرب بقيادة أمريكا، نتيجة برنامجها النووي بالإضافة الى اتهامها بدعم الجماعات الإرهابية. علاوة على فرضة حزمة عقوبات جديدة عليها بسبب دعمها روسيا وامدادها بالطائرات المسيرة المستخدمة في الحرب في اكرانيا.
الانعكاس على التسوية في اليمن
من الواضح ان الملف اليمني سيكن من أكثر الملفات تأثراً بهذا الاتفاق، لانخراط كلا من الرياض وطهران بشكل مباشر وغير مباشر في الصراع في اليمن، ما يعني امتلاكهما العديد من الأوراق التي يمكنها الدفع بعملية التسوية السياسية في اليمن، خصوصا وأن ملف الحرب في اليمن يعد أعقد الملفات الشائكة بين البلدين، طوال فترة القطيعة الدبلوماسية بينهما.
حيث يجمع محللون على ان السعودية لم تكن لتوافق على هذا الاتفاق دون موافقة طهران على تقديم تنازلات بشأن دورها في اليمن. الأمر الذي يجعل هذا الاتفاق بينهما يعد من أهم مفاتيح الحل الهامة التي يمكن استخدمها لإنهاء الحرب وتحقيق السلام في اليمن.
يؤكد ذلك البيان الذي أصدرته ممثلية طهران لدى الأمم المتحدة، بقولها “إن استئناف العلاقات السياسية مع السعودية، سيسرع من التوصل لإنهاء الحرب في اليمن، وانطلاق الحوار الشعبي في هذا البلد، وقيام حكومة وطنية شاملة أيضا” [2].
ومثله جاءت ردة موقف جماعة الحوثي المرحب بهذا الاتفاق، عبر تغريده الناطق باسم الجماعة محمد عبد السلام في توتر بقوله إن المنطقة بحاجة إلى عودة العلاقات الطبيعية بين دولها.
بينما رحبت الحكومة اليمنية بالاتفاق الإيراني السعودي، واستدركت في بيان للخارجية بأنها “مستمرة بالتعامل الحذر مع طهران، حتى نلمس تغييراً حقيقياً في سلوكها” [3].
وفي هذا الصدد فقد انطلقت محادثات رسمية بين جماعة الحوثي والحكومة اليمنية عقب توقيع هذا الاتفاق، لا سيما ملف تبادل الأسرى. كما وتحرك المبعوث الاممي الى طهران بفعل هذا الاتفاق، والتقى وزير الخارجية الايراني عبدالله اللهيان لبحث عملية التسوية السياسية في اليمن.
وتجدر الاشارة الى المفاوضات التي كانت قد أجرتها الرياض مع جماعة الحوثي بوساطة عمان مطلع أكتوبر الفائت، عقب انتهاء الهدنة الاممية، حيث كان الطرفان قد توصلا الى تفاهم –ان لم نقل تسوية-لعدد من القضايا الشائكة بينهما، ما خلق أرضية ملائمة لتأسيس تسوية سياسية وانهاء الحرب في اليمن كما وصفها مسؤولو الرياض وصنعاء.
وتقول مصادر مطلعة على سير المفاوضات الجارية بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي في جنيف بأنه قد تم التوافق على اساسيات الاتفاق بين الجانبين والذي قد يعلن عنه خلال الأيام القادمة، تزامناً مع بداية شهر رمضان.
السيناريوهات المستقبلية
تخضع التداعيات المنعكسة لهذا الاتفاق على اليمن لعدد من العوامل الداخلية والخارجية، لاسيما تلك المتصلة بسياقات هذا الاتفاق، ومنها ما يلي:
أولاَ: سيناريو نجاح التسوية السياسية
يبدو ان الجانبين يرغبا في ان يحققا قدراً كبيراً من التفاهم في المرحلة المقبلة، بشأن دعم انهاء الحرب في اليمن التوصل الى تسوية سياسية توافقية مرضية بين الأطراف المتصارعة، وبدعم من قبل الرياض وطهران بالإضافة الى دعم الأمم المتحدة.
حيث ان جماعة الحوثي التي طالما كانت بتعنتها الشديد تشكل عقبة كبيرة أمام إنجاح المفاوضات السابقةـ فإنها اليوم مستعدة للتفاوض والتنازل أكثر من أي وقت مضى.
من جانبها الحكومة اليمنية التي هيئة التشاور المساعدة للمجلس الرئاسي في عدن ما أسمتها بوثيقة الرؤية السياسية للسلام.
الأمر الذي يعزز من احتمال نجاح عملية الانتقال الى وقف دائم لإطلاق النار في اليمن، وتحقيق تسوية سياسية شاملة في البلاد، وهي الخطوة التي بدأت بالفعل عقب التوقيع على الاتفاق بين الرياض وطهران.
سيناريو فشل التسوية وعودة الصراع الداخلي في اليمن
ينبني هذا السيناريو على فهم الحالة الظرفية الملحة التي أتى دفعت الى هذا الاتفاق، وهو الخطر الأمني الذي تواجهه المملكة، بالإضافة الى الوضع الاقتصادية والأمني التي تواجهه إيران في الداخل والخارج. الأمر الذي يطرح الاحتمال القائل بعدم استدامة هذا التفاهم، وإمكانية انهدامه بمجرد اختلال أحد هذه العوامل الداخلية والإقليمية لدول الاتفاق.
يدعم هذا الاحتمال الخبرة التاريخية في التقارب والتباعد بين البلدين، يمكن ان يشهد الاتفاق فشل مدوي وتعود العلاقة الى التأزم مرة أخرى.
والذي سيرتد بلا شك على الوضع في اليمن في حال تحقق، وقد يقود الى عودة الصراع المسلح، وبصورة قد تكون أعنف.
[1] أهم ما تضمنه اتفاق عودة العلاقات بين السعودية وايران، سبوتنيك عربية، بتاريخ 11 مارس 2023، شوهد في 11 مارس 2023، متاح في:
[2]البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة: استئناف العلاقات مع السعودية سيسرع الوصول إلى هدنة في اليمن، سبوتنيك عربية، بتاريخ 12 مارس 2023، شوهد بتاريخ 12 مارس 2023، متاح في: https://2u.pw/buacNf
[3] الحكومة اليمنية تعلق على الاتفاق الإيراني السعودي .. ماذا قالت؟، المهرة بوست، بتاريخ 11 مارس 2023، شوهد في 12 مارس 2023، متاح في: https://almahrahpost.com/news/36553#.ZBH0SHZBzio