شهدت الخرطوم في 5 من ديسمبر 2022، اتفاقا إطاريا بين المكونان العسكري والمدني (القوى الحرية والتغيير المجلس المركزي) ومجموعة القوى السياسية والعسكرية المتحالفة معها، لنقل السلطة للمكون المدني، وبالتالي إنهاء الأزمة السياسية المستفحلة التي تعيشها البلاد منذ قرابة عاما من استقالة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك. ولا شك وصلت الأطراف إلى هذه التسوية بفضل الدعم الكبير من الآلية الثلاثية المشتركة بين الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) والبعثة الأممية (يونيتامس)، التي لعبت دورا مهما فى هذا الاتفاق، بجانب ضغوطات هائلة من قبل اللجنة الرباعية المكونة من بريطانيا، والولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية والإمارات.
مضمون الاتفاق
الاتفاق الإطاري يتكون من خمسة محاور رئيسية هى، قضايا ومهام الانتقال، هياكل السلطة فى الفترة الانتقالية، والمبادئ العامة، والأجهزة النظامية واخيرا القضايا المتعلقة بالاتفاق النهائي. نص الاتفاق، الذي تضمن 24 بندا، على عدة نقاط أبرزها أن تتولى السلطة الانتقالية حكومة مدنية. كما أعطى الاتفاق أيضا تمثيلا للمؤسسة العسكرية فى مجلسي الأمن والدفاع برئاسة رئيس الوزراء. بالإضافة إلى دمج قوات الدعم السريع فى الجيش وفقا لترتيبات عملية الدمج والتشريح، فضلا عن إصلاح شامل للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والشرطية.
وفقا للاتفاق أيضا سيكون رئيس الدولة القائد العام للجيش، وسيتمتع رئيس الوزراء بالعديد من الصلاحيات في الفترة الانتقالية، بما في ذلك لعب دور في صياغة الدستور، معالجة الأزمة الاقتصادية، سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية للبلاد.
كما أتاح الاتفاق فرصة كبيرة للمرأة في المجلس التشريعي بنسبة 40%، كما أن الاتفاق الإطاري كوثيقة سياسية تبقى مفتوحة للقوى السياسية والعسكرية للانضمام عليها في أي وقت، حيث لا يقصي الاتفاق الإطاري اى مكون من المشاركة فيه. وذلك تمهيدا لاستئناف الأعمال التحضيرية لحكومة انتقالية بصلاحيات دستورية واسعة.
وأيضا من بنود الاتفاق إصلاح الأجهزة العدلية بما يحقق نزاهتها وحريتها، وتحقيق العدالة الانتقالية، والمحاسبة وعدم الإفلات من القانون، تفكيك نظام الأخوان المسلمين داخل مؤسسات الدولة، واسترداد الأموال المنهوبة. وأخيرا شمل الاتفاق الإطاري بنود اتفاق جوبا للسلام، واستكماله مع جميع الحركات المسلحة التي لم توقع عليه.
ويلاحظ أن الاتفاق يبدأ بتسليم السلطة الانتقالية، إلى المكون المدنى، دون مشاركة المؤسسة العسكرية، وتتكون بمستوى سيادى مدنى محدود ومهامه شرفية، بالإضافة إلى ست حركات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا للسلام. وتكون الفترة الانتقالية عامان، ثم تنظيم انتخابات شاملة بموجب الدستور الانتقالي.
مواقف القوى الداخلية والخارجية من الاتفاق
نائت قوى سياسية وحركات مسلحة، من ضمنها التيار الإسلامي العريض، والحزب الشيوعى، وتجمع المهنيين، والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، وحركات مسلحة دارفورية على رأسها حركتى العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان جناح منى أركو مناوى، فيما تحفظ على هذا الاتفاق حزب البعث العربي الاشتراكي. فيما نفذت لجان المقاومة التى تقود الحراك على مستوى الشارع السودانى منذ استقالة رئيس الوزراء حمدوك فى يناير 2021، احتجاجات كبيرة تندد وتستنكر هذا الاتفاق، كما تبنت شعاراتها الثلاثة (لا شراكة – لا تفاوض- لا شرعية) فى تحدى كبير لقوى السياسية السودانية والفواعل الخارجية التي تدعم الاتفاق بشدة.
ومن جهتها طالبت منظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام المختلفة دعم الاتفاق، وأعلا قيمة المصالحة الوطنية ونبذ خطاب الكراهية، ويعم السلام والاستقرار من أجل غدا أفضل للسودانيين. خارجيا: وجد الاتفاق ترحيبا ودعما من القاهرة، وأكدت بأن الاتفاق يعد خطوة ضرورية تمهد الطريق لإرساء هياكل السلطة الانتقالية في السودان. وأعربت القاهرة عن وقوفها ودعمها الكامل لجميع الفرقاء السودانيين، من أجل الوصول لاتفاق يحقق للسودانيين السلام والاستقرار. فيما أصدر الاتحاد الأوروبي بيانا يشيد فيه بدور الآلية الثلاثية المشتركة التى نجحت للوصول لهذا الاتفاق السياسي الذي انهي الأزمة السياسية فى السودان.
وعلى الصعيد الخارجي أثنت الفواعل الغربية والإقليمية الفاعلة في الأزمة السياسية السودانية على هذا الاتفاق، كما دعمت الآلية الثلاثية فى مواصلة المشاورات مع جميع الأطراف السياسية الأخرى حتى تشكيل الحكومة الانتقالية. والحفاظ على هذا الاتفاق حتى إجراء انتخابات حرة ونزيهة وقف جدول زمنى متفق عليه بين جميع المكونات السياسية فى السودان. كما مارست الفواعل الغربية والإقليمية ضغوطات على المكونان العسكري والمدني من أجل الوصول على هذه الاتفاق. على الرغم من أن العديد من القوى السياسية والحركات المسلحة، رفضت التوقيع على هذه الاتفاق مما يعنى بأن الأزمة السياسية لا زالت مستمرة.
الواقع وتحديات امام الاتفاق
بداية يعمل على تجزئة الأزمة السياسية السودانية، وليس حلها كما كانت تتوقع المبادرة الثلاثية المشتركة، بسبب العديد من القوى السياسية والحركات المسلحة التي رفضت الانضمام على الاتفاق.
بجانب ذلك يأتي الاتفاق بينما تعاني السودان من تراجع الوضع الاقتصادي والسياسي منذ أكثر من أربعة سنوات، ويضاف إلى أزمة ركود عالمي استثنائي مؤثرة على كافة البلدان. وهو ما يجعل الواقع صعبا أمام أي حكومة، الأمر الذي قد يربكها وينزع شرعيتها.
علاوة على ما سبق فإن ارتفاع استمرار الاحتقانات والصراعات ذات الطابع القبلي فى العديد من الولايات المختلفة يعد بمثاب تحدي امام الحكومة وما لم تتعاون المؤسسة العسكرية في السيطرة على الأوضاع ودعم مسار الانتقال فعن الأمور ستتجه نحو التأزم. كما أن عملية استتباب الأمن والاستقرار وقف القتال القبلي والإثنى، لا يمكن ان يتلاشى الإ بوجود مؤسسة عسكرية موحدة وقوية وفاعلة.
كما أن الاتفاق وسع قاعدة المشاركة فى العملية السياسية واستيعاب مزيد من القوى الأخرى، يزيد من التكلفة الاقتصادية، فى ظل محاصصة وظائفية قبلية تكريس إلى استنزاف البلاد اقتصاديا.
تمثل القضايا المصيرية عائقة كبيرا فى الاتفاق السياسي، بين المكونان العسكرى والمدنى على رأسها القضايا المتعلقة بالعدالة الانتقالية، اتفاق جوبا للسلام، الإصلاح الأمنى والعسكرى، قضية شرق السودان وتداعيات على الوضع السياسي، وقفا ترتيبات تناسب حجم المشكلة من أجل تحقيق الاستقرار والمشاركة فى السلطة.
كما تعيق عملية الانقسامات الكثيرة التى طالت القوى الثورية الشبابية، جراء خلل ممنهج يعكس أزمة النخبة السياسية السودانية، وقد يعقبه فشل كبير ومحتمل خاصة فى ظل استمرارها على تكوين جبهة داخلية واحدة تجابهه بها المخاطر التى تهدد الدولة السودانية.
اللافت للنظر فى أن اتفاق الإطارى السياسي بين المكونان العسكرى والمدنى، ان المكون المدنى كشف عن سعيه لتنفيذ تكتيكات شد أطراف الدولة السودانية، من أجل تحقيق مكاسب للفواعل الخارجية فى إطار المنافسة العابرة للحدود، مقابل تحقيق مكاسبه الخاصة بعيدا عن حق الشعب السودانى فى الأمن والاستقرار.
خلاصة
يجب على القوى السياسية بمختلف مكوناتها البحث عن وسيلة للتوافق واسعة من أجل بناء الدولة السودانية، وليس البحث عن ديمقراطية إجرائية، إذ أن التوافق فى بناء الوطن هو الضامن الوحيد لوجود فرصة للانتقال الديمقراطي مستقبلاً. وفى ظل بنود الاتفاق الذي يطالب بخروج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي، وخضوعها لرئيس الوزراء المدني، يخشى من إضعاف مؤسسة العسكرية بالسودان أكثر فأكثر بما قد يعرض البلاد للدخول فى فوضي تقضي عل ما تبقي منه بحرب أهلية حيث يظل انزلاق البلاد في دائرة العنف القبلي والطائفي هو الخطر الأكبر الذي قد يقوض المسار الانتقالي بصورة كاملة.
.
رابط المصدر: