بقلم : التجاني صلاح – كاتب وباحث سوداني
في عام 1981 أقلعت مقاتلة إسرائيلية سرا من قاعدة عسكرية في إسرائيل، وكانت تختبئ بالطيران أعلى من طائرة كبيرة عملاقة بغرض حمايتها من أجهزة الترصد والرادار، لتدمير المفاعل النووي العراقي(مفاعل تموز)، وعندما عادت المقاتلة إلى قواعدها بعد تنفيذ المهمة وتدمير المفاعل، قال “مناحيم بيغن”: تبارك الله.
وفي عام 2007 دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي” إيهود أولمرت” الرئيس الأمريكي “جورج دبليو بوش” لمهاجمة الكبر، وهو مفاعل نووي شمال شرق سوريا مشتبه به لأغراض عسكرية. يفيد “بوش” في مذكراته أنه، نقل إجابته إلى” أولمرت”: “قلت له إنني قررت الخيار الدبلوماسي المدعوم بالتهديد باستخدام القوة”. كان رد” أولمرت” مباشرا: “يجب أن أكون صادقًا ومخلصا معك. استراتيجيتك مزعجة للغاية بالنسبة لي “. وبعد شهرين، قصفت الطائرات الإسرائيلية المفاعل ودمرته.
ولا يغيب عن الذاكرة تدمير مصنع الشفاء وتدمير مصنع اليرموك في السودان. الحقيقة لو ذهبنا نستقصي العمليات العسكرية الاستباقية الإسرائيلية، سواء في الوحدات والمنشآت العسكرية أو الأهداف الاستراتيجية الأخرى، مثل اغتيال وتصفية العلماء والمهندسين والقيادات السياسية والميدانية، وكل ما يمكن أن يمثل تهديدا وجوديا لإسرائيل فلن أتمكن من الإمساك تماما بمقالتي. ولن نصل إلى نهاية.
أما بداية القصة، فقد قدمت وكالة الطاقة الذرية (IAEA) في عام 2003 تقريرا مفاده أن إيران لم تعلن مساهماتها النووية الحساسة وأنشطتها في التخصيب والمعالجة، وطالبت الوكالة بعدها بأن تعلق إيران أنشطة تخصيب اليورانيوم.
وفي عام2006 صرح “بوش”: انه يجب أن تكون هناك عواقب لتحدي إيران لمطالب توقف تخصيب اليورانيوم، أن العالم يواجه الآن تهديدا خطيرا من النظام المتطرف في إيران، وحزب الله بأسلحته الإيرانية وتمويله، ونصحه”.
وفي عام 2008 قال “باراك اوباما” أن الولايات المتحدة تحتاج إلى “تكثيف الجهود الدبلوماسية الصعبة ولكن مباشرة مع إيران”. وقال في رأيه” أن الولايات المتحدة تحتاج أن توضح للإيرانيين أن مجال التنمية المزعوم للأسلحة النووية وتمويل المنظمات “مثل حماس وحزب الله”، والتهديدات ضد إسرائيل هي “غير مقبولة”.
وبذلك اعتبرت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إيران دولة مارقة، ومصدرا من مصادر الشر وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وراعية للإرهاب وبهذا الاعتبار فإنها تشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين، اللذين لا تقبل التفريط فيهما الولايات المتحدة والأمم المتحدة!
من الواضح تماما أن توقيع كل من روسيا والولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، على اتفاق خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) الاتفاقية النووية، في عام 2015 ، والتي التزمت إيران بعد التوقيع عليها بتجميد أنشطتها النووية، وعدم حيازتها مواد انشطارية لمدة 15 عاما مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، لم يكن ذلك مقبولا لإسرائيل، ومن الواضح أيضا أنها انبسطت أساريرها في 8مايو (أيار) العام 2018 عندما أعلن” ترامب” الانسحاب الأحادي من الاتفاقية، واصفا إياها بأنها من أسوأ الاتفاقات في تاريخ الولايات المتحدة، وأنها تمنح إيران أكثر بكثير من الدول الموقعة عليها.
“مايك بومبيو” وزير الخارجية الأسبق في ذلك الوقت قدم في خطابه أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، استراتيجية جديدة تتضمن 12 مطلبا ينبغي على إيران تنفيذها، وعقب بعدها قائلا: أن تنفيذ ذلك ليس بالأمر الصعب، أما الرئيس “حسن روحاني” فقد توعد بإلحاق الهزيمة النكراء بالولايات المتحدة إذا التزم الإيرانيون بواجباتهم تماما.
وفي الوقت الذي كان فيه “ترامب” يرفض أي تراجع من انسحابه أو أي اتفاق تكميلي منفصل، مثل المقترح الذي تقدمت به الدول الأوربية (فرنسا على وجه التحديد)، والذي طلبت فيه تمكين المراقبين الدوليين بالتفتيش على الإنتاج الصاروخي وعدم الاكتفاء بالتفتيش النووي؛ لأن ذلك سيضع حدا للصواريخ الباليستية ودورها التخريبي في اليمن وسوريا، فإن إيران كانت تؤكد أن لها عدة خيارات، وأن جميع تلك الخيارات جاهزة، وأن الانسحاب سيأتي بردود تحير الولايات المتحدة.
ورغم الضجيج الإسرائيلي كما تتهم إيران إسرائيل والمتمثل في حملات التشكيك في النوايا الإيرانية بالعودة الى المفاوضات، والزعم أن إيران تسعى لكسب الوقت، وكسب المليارات لتمويل مشروعها النووي سرا، فإن المفاوضات الحالية بين الولايات المتحدة وإيران تشير إلى احتمالية عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية النووية بعد 18شهرا من المفاوضات غير المباشرة، نتيجة تغير في الموقف الإيراني الذي كانت محصلته تنازلات في مسائل جوهرية بحسب تصريحات الطرف الأمريكي.
وحتى تتضح الصورة تماما لفهم حقيقة الطرف الإسرائيلي وربما تصرفاته المتوقعة، فإنه ينبغي أن نقف على دوافع الطرف الأمريكي ورؤيته في التوقيع على الاتفاقية أم البقاء خارجها.
ربما تكون الدوافع والرؤية الأمريكية الراهنة لدى “بايدن” تختلف تماما عن ما كانت عليه في عهد “ترامب” في ظل معطيات الحرب الروسية الأوكرانية الراهنة، وملامح تشكل الاتحاد الروسي الصيني وتمايز الصفوف. عليه فإن التوقيع على الاتفاقية النووية مع إيران ربما من شأنه أن يعطي صورة أمريكا المحبة للسلام والخير من ناحية، ومن ناحية ثانية اتقاء المصائب التي ربما تأتي من إيران أو محور الشر كما ينعتها أسلافه.
بعد هذا فإن إسرائيل تعتبر أن التوقيع على النووي من جانب الولايات المتحدة ربما يضعها في مهب الريح وتحت مرمى النيران. أكثر من ذلك فإن أي سلاح ذكي يستخدمه محور المقاومة فسيكون إيرانيا خالصا، عليه فإن أوجب مهمات اللوبي الصهيوني في أمريكا هي عرقلة الاتفاقية، ومنع الولايات المتحدة من التوقيع عليها.
إن العقلية الإسرائيلية التي تمارس القتل والتعذيب والعنصرية، والسجن وتجريف الأراضي وإقامة المستوطنات، وقتل الأطفال والشيوخ والنساء، واغتيال القيادات السياسية والعسكرية والعلماء النوويين، على مدى تاريخها الأسود؛ لا يتوقع منها غير رفض الاتفاقية النووية ومنع الولايات المتحدة من التوقيع عليها، وكأنهم يقولون نكون أو لا نكون.
ربما تكون أصدق دلالة على ذلك هو ما ذكره الموظف الإسرائيلي الكبير، واصفا الأجواء في مكتب “نتانياهو” بعد فوز الرئيس الأسبق “روحاني” في الانتخابات الرئاسية، وبعد نقل مسؤولون كبار في إدارة “اوباما” سلسلة رسائل تهدئة لإسرائيل خلال يونيو (حزيران)2013 بشأن المحادثات المتوقع مواصلتها مع النظام الإيراني الجديد بأنها كانت تقترب في تلك اللحظات من الهستيريا.
ورغم أن الطرف الرئيس في الاتفاقية النووية هو الولايات المتحدة التي تتم المفاوضات بينها وإيران عبر الوسيط الأوروبي، إلا أن حضور إسرائيل في هذه المفاوضات يبدو كما لو أنها الطرف الأصيل والرئيس ومن دلالات ذلك أيضا محاولات “نتانياهو” منع الولايات المتحدة التوقيع على الاتفاقية، ومهاجمة “اوباما” من داخل الكونجرس في مارس (أذار)2013 الأمريكي.
وزير الدفاع الإسرائيلي أكد، على أن “العمل العسكري” سيبقى مطروحًا على الطاولة في حالة فشل الجهود الدبلوماسية الأمريكية لإعادة برنامج إيران النووي “إلى الصندوق مرة أخرى”. وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال” بينيت”: إن “برنامج إيران النووي قد وصل إلى لحظة فاصلة. وكذلك تسامحنا. الكلمات لا تمنع أجهزة الطرد المركزي من الدوران “.
خلاصة القول، ومما سبق فإنه ربما تتفتق الذهنية الأمريكية _فيما أتصور_ بعد إرساء الاتفاق النووي وتوقيع الاتفاقية، الشروع في تكوين الناتو العربي الذي من بين أعضائه إسرائيل وربما زعيمته وليس من المستبعد بالمرة في ظل نظام عالمي يتسم بالفوضى واكتساب المصالح فقط، كيفما كانت وأينما كانت، أن نسمع عن حدوث عملية عسكرية مفزعة واحدة أو اثنين، تدفع اليها إيران دفعا في العمق السعودي والعمق الإماراتي في وقت واحد، مما يعجل بقيام وإنشاء الناتو العربي الإسرائيلي الذي سيمكن إسرائيل والولايات المتحدة سويا على إلحاق الأذى ب إيران بالوكالة والإنابة. ياللهول.