مصطفى ملا هذال
في وقت مبكر وخلافا لما متوقع من قبل الجميع، تشهد المدن الايرانية احتجاجات على خلفية القرار الحكومي القاضي برفع سعر مادة البنزين الى خمسين بالمئة، حيث وصلت الاحتجاجات في مدينة سيرجان إلى تبادل لإطلاق النار بين رجال الأمن ومتظاهرين مخلفة قتيلا وعددا من الجرحى، هذه موجة الاحتجاجات الجديدة في ايران عنوانها الابرز اقتصادي ضد قرار الحكومة بتقنين ورفع اسعار البنزين، لكنها في الوقت ذاته حملت شعارات ضد سياسة ايران الخارجية في المنطقة.
المظاهرات التي سقط فيها جرحى وشهداء اتسعت رقعتها في عموم البلاد، لكنها جوبهت بالتصدي من قبل قوات الامن في العاصمة طهران وبعض المدن، بينما عقد المجلس الاقتصادي بعض الاجتماعات التي افضت الى تمسكه بالقرار الذي يصب في مصلحة المواطنين الفقراء على حد تعبيره.
ارتفاع سعر البنزين الى نسبة خمسين بالمئة كحد ادنى، وكأنه كأس السم الذي اضطرت الحكومة على تجرعه نتيجة مضي الولايات المتحدة في التصعيد بلهجة العقوبات، ما يؤدي الى نخر الكيان الاقتصادي القائم في البلاد وتراجعه بشكل ملحوظ.
اسعار البنزين الجديدة في ايران جعلت من اصوات الشعب ترتفع لتدوي في فضاء الابنية الحكومية، فالنيران التي قبعت تحت الرماد لسنين طوال نراها اليوم تخرج للعلن وتضغط على جميع القوى السياسية التي تستعد لخوض انتخابات برلمانية في العام المقبل.
ان قضية العدالة الاجتماعية في تقنين البنزين ورفع اسعار هذه المادة الحيوية بالنسبة للاقتصاد الايراني واقتصاديات العائلة الحاكمة، يجب ان لا تتم بهذه الطريقة، كون ارتفاع السعر يشكل بالنسبة للمواطنين من الطبقة الفقيرة او المتوسطة بمثابة شبح يهدد احوالهم المعيشية، وبالتالي فان المواطن الذي يمتلك سيارة واحدة لا تكفيه ستون لترا من البنزين في الشهر الواحد وهو ما يفسر عدم جدوى العدالة الاجتماعية التي تريد السلطات الحاكمة فرضها على ابناء المجتمع.
الاحتجاجات التي نشبت في الداخل الايراني ليس فقط من العامة بل التحق بها رجال الدين وغيرهم من الطبقات الاجتماعية العامة وهذا مؤشر اكيد على سوء الاوضاع الاقتصادية في عموم البلاد التي من المحتمل ان تؤدي الى انهيار كبير في غضون السنوات القليلة القادمة في حال عدم التجاء الحكومة الى آلية مقنعة للشارع الايراني الهائج.
اقدام حكومة طهران على اتخاذ هذا القرار في الوقت الحساس يمكن ان يوصف بالمغامرة السياسية، فهي لا تزال تحارب على الجبهة الخارجية المتمثلة بالضغوطات الامريكية وليس بمصلحتها اثارة الداخل ما يصعب عليها الموازنة ما بين الجبهتين وتكون المهمة معقدة للغاية، فمن الممكن ان تكون شرارة الاحتجاج اقتصادية تقود الى اجراء تغيير سياسي، في ظل ما تشهده المنطقة من ثورات واحتجاجات هنا وهناك تحمل بمجملها مطالب متشابهة في المضمون وهو الاصلاح والتوقف عن ممارسة الاخطاء بحق الشعوب.
تستند الحكومة الايرانية في قرارها هذا الى انها اتبعت خطة الاقتصاد المقاوم، لكن هذه الخطة من المتوقع ان تكون سيف ذو حدين، اما ا تصب في خدمة سياسة البلد بصورة عامة او تعمل وبشكل غير قابل للشك في سخونة الجبهة الداخلية وعدم توقف الاحتجاجات لحين اجراء التغييرات النسبية.
فالوضع الاقتصادي المتهالك في ايران لم يدع للسلطة الايرانية خيار غيراللجوء الى رفع اسعار البنزين، لاسيما وانها تعرف ان سعر البنزين في ايران يعد منخفض نسبيا مقارنة بأسعاره في دول الجوار، وتستطيع بهذه الحجة ان تسكت الاصوات المرتفعة في المدن الايرانية وايقاف عملية التهريب الى الدول المجاورة.
هنالك خشية من الشعب الايراني من ارتفاع سعرالبنزين ان ينسحب على بقية السلع والخدمات المقدمة من الجانب الحكومي، اذا ما مر ذلك واصرت الحكومة على تنفيذه هروبا من التراجع الاقتصادي الذي اخذ يعصف بالكثير من مرافقها الحيوية.
امتصاص الغضب من الشارع لا يكون مالم تحدد الجهات الرسمية في البلاد الشرائح التي سيشملها الارتفاع، اذ بدون ذلك ستزيد نقمة المواطنين وربما يعمدون الى الكثير من الاساليب التي من شأنها ارباك الوضع الداخلي وجعل الفوضى هو المشهد السائد في عموم البلاد.
من اجل ان تجفف منابع القلق المنبثق في الاوساط، على الحكومة الايرانية ان تلتجأ الى اجراءات غير سعر البنزين لضمان عدم تأثر الطبقة الوسطى والفقيرة ومن ثم عدم النزول للشارع واحداث بلبة لا تصب بمصلحة النظام الحاكم.
البيت الابيض يريد ان يستنسخ التجربة العراقية في ايران، عبر العزف على الوتر الاقتصادي، فالشعب العراقي ونتيجة الحصار الذي فرض عليه عانى الامرين، واصبح ينشد التغيير دون قيد او شرط، هذا التردي الاقتصادي جعل الطريق معبدا امام الامريكان في حربهم على العراق، وتمتعهم بترحيب منقطع النظير جراء ما عاشوه من ظلم وحرمان، فلا غرابة ان يصل الشعب الايراني الى هذه المرحلة طالما امريكا هي من تريد الوصول الى هذه الحالة المـأساوية.
رابط المصدر: