ديفيد ماكوفسكي
تمثل خطة السلام الأمريكية التي تمّ الإعلان عنها حديثاً تحولّاً مهمّاً للغاية لصالح وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية الحالية، خاصةً إذا قورنت بثلاث مبادرات أمريكية سابقة: (1) أطر خطة كلينتون في كانون الأول/ديسمبر 2000، (2) “عملية أنابوليس” لوزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في 2007-2008، و (3) مبادرة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في 2013-2014. والرسالة واضحة: أن إدارة ترامب لن تستمر بتلطيف بنود الخطة مع كل رفض من الجانب الفلسطيني، وهو انتقاد وجهه البعض إلى الجهود الأمريكية السابقة.
ومع ذلك، تثير الخطة الجديدة أسئلة مقلقة خاصة بها. هل ستثبت بنودها بأنها غير مؤاتية للدولة الفلسطينية المقترحة بحيث لا يمكنها أن تكون بمثابة أساس لمزيد من المفاوضات؟ وهل أن تجاوز مماثل سيمكّن رئيس “السلطة الفلسطينية” محمود عباس من التأثير على الدول العربية التي أشارت إلى أنها تريد منح الاقتراح الأمريكي فرصةً، لإقناعها بمعارضته؟ وإذا كان الأمر كذلك، فقد تنتهي الخطة بإدامة المأزق الدبلوماسي الحالي وتُمهد الطريق لواقع الدولة الواحدة الذي يتعارض مع هوية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.
وسيتناول هذا المرصد السياسي المكوَّن من جزأين هذه الأسئلة من خلال دراسة كيفية مقارنة خطة ترامب بالمبادرات الأمريكية السابقة عندما يتعلق الأمر بقضايا الوضع النهائي الأساسية الخمسة للصراع. ويركز الجزء الأول على قضيتين: الحدود والقدس. وسوف يتناول الجزء الثاني، بقلم زميل معهد واشنطن غيث العمري، قضايا الأمن واللاجئين ومسار الخطابات.
الحدود
هل لا يزال الخط الأخضر أساس حسابات الأراضي؟ ارتكزت اتفاقات السلام الثلاثة السابقة على الخط الأخضر (أي حدود ما قبل عام 1967) كأساس للحسابات، واقترحت حصول الفلسطينيين على ما بين 97٪ من الضفة الغربية (في أطر خطة كلينتون) إلى حوالي 100٪. وكان يمكن تحقيق هذه الأرقام من خلال “مقايضة الأراضي” – كانت إسرائيل ستضم بعض الكتل الاستيطانية حيث يعيش معظم المستوطنين الإسرائيليين، وإلى حد كبير (ولكن ليس حصرياً) بجوار الخط الأخضر وداخل الجدار الأمني في الضفة الغربية؛ وفي المقابل، كانت ستمنح الفلسطينيين مساحات معادلة من الأراضي من الجانب الإسرائيلي من الخط الأخضر. وخلال “عملية أنابوليس”، وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت على فكرة تبادل الأراضي بنسبة 1:1 تقريباً، تضم إسرائيل بموجبها ما يتراوح بين 5.8٪ إلى 6.1٪ من الضفة الغربية، ولكنها تقوم بمبادلة مساحة أقل بـ 0.5٪ من الأراضي الإسرائيلية. وخلال مبادرة كيري، كانت “السلطة الفلسطينية” تعتمد على شروط أفضل، لكن المحادثات لم تصل إلى هذه النقطة.
ولا تستخدم خطة ترامب الخط الأخضر كنقطة مرجعية على الإطلاق، وبالتالي فإن فكرة تبادل الأراضي بنسبة 1:1 بالاستناد إلى هذا المقياس أصبحت الآن موضع جدل. وتم ذكر المقايضات في الخطة، لكنها غير متكافئة، وكان من شأنها أن تشمل كسب إسرائيل المزيد من المناطق الإضافية داخل الضفة الغربية.
ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن إدارة ترامب قد وصفتها بأنها “حدود مفاهيمية” يمكن التفاوض بشأن تفاصيلها، مما يعني أن بإمكان “السلطة الفلسطينية” اقتراح بدائل. وغالباً ما تكون مقاربة الرئيس الأمريكي تجاه هذا النوع من الصفقات مصممة لتبدأ بالموقف الأكثر تصلباً لتنتقل بعدها إلى موقف وسطي.
ما هي المساحة المخصصة من الضفة الغربية؟ كما سيظهر في “مشروع المستوطنات والحلول التفاعلية الذي أعده معهد واشنطن“، تقترح خطة ترامب إقامة دولة فلسطينية تضمّ نحو 67٪ من الضفة الغربية (أي 3،907 كيلومتر مربع من مساحتها التي تبلغ 5،834 كيلومتر مربع). ويرتفع هذا الرقم إلى نحو 71٪ عندما نضيف إليه مساحة 259 كيلومتراً مربعاً من مناطق التبادل المقترحة من إسرائيل المتاخمة للضفة الغربية. وعلى وجه التحديد، ستشمل الدولة الفلسطينية ثلاثة مجتمعات عربية إسرائيلية في المنطقة الشمالية الغربية تسمى المثلث، وهي: عرعرة، أم الفحم، وباقة الغربية، وجميعها متاخمة للضفة الغربية.
وتُقر خطة ترامب أن مبادلة هذه المنطقة تتطلب موافقة “الطرفين” – وهي صيغة غامضة من المفترض أنها تعني إسرائيل والفلسطينيين، لكنها لا تذكر ما يقرب من109,000 من عرب إسرائيل الذين يعيشون في هذه المجتمعات الثلاث. وفي الأيام التي تلت إصدار الخطة، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه لا يفكر في هذا الخيار، خوفاً على ما يبدو من ردود الفعل العربية داخل إسرائيل وخارجها عشية الانتخابات الإسرائيلية.
وبالإجمال، سيحصل الفلسطينيون على 83٪ من الأراضي مجتمعة. وهذا يعني 5،152 كيلومتراً مربعاً من مساحة قدرها 6،195 كيلومتراً مربعاً تشمل الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية والربع الشمالي من البحر الميت ونصف مساحة “الأرض المحايدة” بالقرب من القدس ومناطق التبادل.
أين ستكون نقطة الانطلاق في موضوع الأراضي؟ تنطلق خطة ترامب من مبدأ عدم إرغام أي مستوطن إسرائيلي أو فلسطيني على مغادرة منزله. وهذا يعني أن جميع المستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون في 128 مستوطنة في الضفة الغربية والبالغ عددهم 449،000 نسمة سوف يبقون في أماكنهم. وتحتوي خمسة عشر من المستوطنات على ما يقرب من14,000 شخص وقد تتواجد في جيوب منفصلة في دولة فلسطينية، مع تجميد مؤقت لتوسعها الخارجي لمدة أربع سنوات ينظر خلالها الفلسطينيون في ردهم على الخطة الأمريكية.
إن التناقض مع المبادرات السابقة أمر ملحوظ. وحتى الآن، تمّ افتراض أن المكاسب الرئيسية لإسرائيل قد تتمحور حول الكتل الواقعة على مقربة من الخط الأخضر والحاجز الأمني، أي 51 مستوطنة تشكّل 8٪ من الضفة الغربية وهي أماكن سكن لـ 345،000 مستوطن (أو 77٪ من مجموع سكان المستوطنين). وعندما يأخذ المرء دور عامل القدس الشرقية، يرتفع الرقم إلى حوالي 660،000 إسرائيلي (أو 85٪ من جميع الإسرائيليين المتأثرين) في نفس المساحة تقريباً من الأرض (لم تَحسب إسرائيل سكان القدس الشرقية كمستوطنين منذ أن ضمت المدينة).
ولكن بموجب خطة ترامب، ستضم إسرائيل أيضاً المستوطنات من خارج التجمعات التي تنتشر بعيداً عن الخط الأخضر – وإجمالاً، 77 مستوطنة إضافية تقع خارج الجدار الأمني وتضم 104,000 إسرائيلي. وبالإضافة إلى إقامة دولة فلسطينية مجزأة بشكل كبير، سيزيد هذا الاقتراح من إجمالي حصة إسرائيل في الضفة الغربية من 8٪ إلى 31٪. علاوة على ذلك، سيبقى 3٪ من السكان الفلسطينيين يعيشون تحت السيادة الإسرائيلية، من بينها مجتمعات بني نعيم وقبية ورنتيس وشقبة وكفر قدوم وحجه وإماتين.
ولتوضيح هذه المقترحات، أصدرت الإدارة الأمريكية أيضاً “خريطة مفاهيمية”. ولم تصدر الحكومة الأمريكية علناً خريطة تتضمن خطط السلام السابقة، معتقدة أن مثل هذه التفاصيل الخاصة بالأراضي كانت متروكة للأطراف للتفاوض. وفي حفل إزاحة الستار عن الخطة في البيت الأبيض في 28 كانون الثاني/يناير، صرح الرئيس ترامب بأن نتنياهو طرح الخريطة الحالية، وهي المرة الأولى التي يتخذ فيها أي زعيم لحزب الليكود هذه الخطوة. وخلال مبادرة كيري، رأى نتنياهو أي خريطة كدينامية سياسية يمكن أن تؤدي إلى تنفير [الوزراء الذين يمثلون] المستوطنين في ائتلافه، وخاصة أولئك الذين عاشوا خارج الحدود المقترحة. من المحتمل أنه يعتقد أن إدراج الخريطة هذه المرة يعوّض المبدأ المعلن للخطة وهو أنه لن يتم نقل أي شخص من منزله.
هل من تغييرات في غور الأردن؟ خلال جولات إحلال السلام السابقة، شددت إسرائيل على رغبتها في الحفاظ على سيطرتها الأمنية على الحدود مع الأردن، ليس فقط لمنع تهريب المواد والأفراد، ولكن أيضاً بسبب المخاوف الاستراتيجية الناجمة عن الهجمات العسكرية التي واجهتها على تلك الجبهة في حروب عامي 1948 و 1967. وافترضت الإدارات الأمريكية السابقة أن إسرائيل لن توافق أبداً على تواجد فلسطيني يعمل على حراسة تلك الحدود – تركزت جهود [خطتي] كلينتون وأنابوليس على القوات متعددة الجنسيات التي تلعب هذا الدور، في حين اقترح جهد كيري القوات الأمريكية. ويمضي نهج ترامب إلى أبعد من ذلك، حيث يمنح إسرائيل السيادة الكاملة على معظم وادي الأردن. إن ذلك سيحرّم الفلسطينيين من أي حدود مع الأردن، مما يعني أن إسرائيل ستطوق الدولة الجديدة بشكل فعال وتحدد من يدخل إليها ومن يغادرها.
القدس
التقسيم الجغرافي والوضع السياسي. على غرار المبادرات الأمريكية السابقة، تتصور خطة ترامب أن تكون القدس مدينة غير مقسمة جغرافياً. وركزت الخطط السابقة إلى حد كبير على فكرة مدينة موحدة جغرافياً ذات سيادة مقسّمة: إسرائيل قد تسيطر على الأحياء اليهودية في المنطقة المعروفة رسمياً بالقدس الشرقية، في حين قد تصبح الأحياء العربية جزءاً من الدولة الفلسطينية. ومع ذلك، تتباين تفاصيل خطة ترامب بشدة حول المسألة الأخيرة.
من ناحية، تمثل الخطة الجديدة المرة الأولى التي تعلن فيها الإدارة الأمريكية أنه لا بدّ من قيام عاصمة فلسطينية داخل الطرف الشمالي من الحدود البلدية للقدس الإسرائيلية، وأن الولايات المتحدة ستقيم سفارة منفصلة في هذه العاصمة، وستشجع الدول الأخرى القيام بالشيء نفسه. ومن ناحية أخرى، تنص الخطة على أن تبقى القدس عاصمة لإسرائيل وأنه سيتمّ التنازل عن قسم كبير من المدينة لصالح إسرائيل، مشيرةً إلى أن “العاصمة السيادية لدولة فلسطين يجب أن تقوم ضمن القسم من القدس الشرقية الواقع في جميع المناطق شرق وشمال الجدار الأمني القائم، بما فيه كفر عقب، والقسم الشرقي من شعفاط وأبو ديس” (ص 17). كانت كل من كفر عقب وشعفاط (مخيم للاجئين) من بين ثمانية وعشرين قرية فلسطينية مدرجة ضمن الحدود البلدية للقدس عندما وسعتها إسرائيل بمقدار 70 كيلومتراً مربعاً بعد حرب عام 1967. وتضم هذه المنطقة التي يطلق عليها “الأرض المحايدة” 56,000 فلسطيني من القدس و 70،000 فلسطيني من الضفة الغربية خارج الجدار الأمني.
وإجمالاً، من شأن الصياغة التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية أن تمنح إسرائيل سيادة على مناطق القدس الشرقية التي يقطنها حوالي 294,000 فلسطيني. ويعيش بعض هؤلاء الأفراد في أحياء فلسطينية حصرية مثل بيت حنينا في الشمال وجبل المكبر في الجنوب، لذلك من اللافت للنظر أن الحدود المفاهيمية للخطة لا تعالج هذه الحقيقة الديموغرافية. بدلاً من ذلك، توفر الخطة الفرصة لهؤلاء الفلسطينيين ليصبحوا مواطنين في إسرائيل أو في دولة فلسطين، أو مجرد احتفاظهم بوضعهم كمقيمين دائمين في إسرائيل.
الأماكن المقدسة. تُعتبر خطة ترامب غامضة بعض الشيء بشأن قضية الأماكن الدينية الحساسة للغاية في مدينة القدس. فهي لا تتطرق صراحةً إلى سيادة إسرائيل، كما أنها لا تذكر الإدارة اليومية للأردن على المقدسات الإسلامية كما هو موضح في معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن. وبعد أن مدحت الخطة الثناء على إسرائيل لضمانها النفاذ إلى الأماكن الدينية، نصت على ما يلي:
“نعتقد أن هذه الممارسة يجب أن تبقى قائمة، وأن جميع الأماكن المقدسة في القدس يجب أن تخضع لأنظمة الوحكمة ذاتها القائمة اليوم. وعلى وجه الخصوص، ينبغي أن يستمر الوضع الراهن في جبل الهيكل/الحرم الشريف دون انقطاع. فالأماكن المقدسة في القدس يجب أن تبقى مفتوحة ومتاحة للمصلين المسالمين والسياح من جميع الديانات. يجب السماح للأشخاص من جميع الأديان بالصلاة في جبل الهيكل/الحرم الشريف بطريقة تحترم احتراماً تاماً دينهم، مع مراعاة أوقات صلاة كل دين وأيامه، وكذلك العوامل الدينية الأخرى” (ص 16).
ويتمخض استنتاجان عن هذا المقطع. أولاً، بالنظر إلى العلاقة القريبة للرئيس ترامب بالقيادة السعودية، خشيت الحكومة الأردنية من أن تسعى الخطة الأمريكية إلى نقل الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس من عمّان إلى الرياض. لكن ثبت أن هذا الخوف لا أساس له. ثانياً، سيتمّ تفسير عبارة السماح للمصلين من جميع الديانات بالصلاة هناك على أنها تشمل اليهود، رغم أنه بدا أن المسؤولين الأمريكيين قد تراجعوا عن هذا الرأي بعد أن تم إصدار الخطة.
الخاتمة
تشير أطر خطة ترامب حول الحدود والقدس إلى أن الإدارة الأمريكية قد غيّرت موقف الولايات المتحدة بشكل كبير لصالح الحكومة الإسرائيلية الحالية. وفي إطار السيناريو الأكثر تفاؤلاً، فإن مزيج من مقاربة أمريكية جديدة صارمة والانفتاح المبدئي للدول العربية للنظر في الخطة كنقطة انطلاق، قد يحث الفلسطينيين على الاعتراف بأن الوقت ليس في صالحهم، وربما يدفع الطرفين إلى استئناف المحادثات وإيجاد حلول وسط مناسبة. وفي إطار سيناريو أقل تفاؤلاً، يثبت الغضب الفلسطيني تجاه الخطة أنه كبير للغاية بحيث لا يمكن تبديده، كما أن الضم الإسرائيلي أحادي الجانب في الضفة الغربية ينتج معارضة دولية واسعة للخطة، وينهي أساساً أي احتمالات على المدى القريب للتفاوض أو حل الدولتين.
لقد بدا الرئيس عباس معزولاً في المنطقة قبل الإعلان عن الخطة، غير أن اجتماع الجامعة العربية في الأول من شباط/فبراير في القاهرة واجتماع “منظمة التعاون الإسلامي” في جدة في 3 شباط/فبراير ربما يكون قد غير ذلك بعض الشيء. وخلال المرحلة القادمة، قد يكون قادراً على تصوير التغيير الذي أجرته الإدارة الأمريكية على القضايا الأساسية وكأنه تجاوز أمريكي، وإسكات النقاد العرب الذين ملّوا من الشلل الطويل الأمد للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
رابط المصدر: