اختتمت فعاليات ورشة الإصلاح الأمني والعسكري التي نظمتها الآلية الثلاثية، في نهاية مارس 2023، بمشاركة القوى السياسية من القوى الموقعة على الاتفاق السياسي الإطاري، وعدد من الحركات المسلحة، والأحزاب والجماعات السياسية بالإضافة إلى المكونين الرئيسيين العسكري والمدني. وقد تناولت الورشة العديد من المحاور من ضمنها تأصيل لنظام العمل الواجب اتباعه في مختلف الأجهزة الأمنية تحت عنوان “إصلاح الشرطة”، ثم محور قضايا إصلاح وتطوير المؤسسة العسكرية والذي استعرض الدروس المستفادة من التجارب الدولية بما يفترض أن يقود لتأسيس جيش واحد مهني وقومي، وكذا إصلاح جهاز الاستخبارات تماشياً مع النظام الديمقراطي. وتعتبر تلك الفعالية جزء لا يتجزأ من المرحلة النهائية للعملية السياسية التي تهدف إلى تطوير المؤسسة العسكرية نحو بناء جيش وطني يهدف إلى حماية البلاد.
ضرورات وآليات دمج قوات الدعم السريع
بعد حسم العديد من القضايا الخلافية في سلسلة من الورش السابقة ركزت على تسوية التناقضات بين المكونين المدني والعسكري في السودان، تبقت إشكالية رئيسية تتعلق بالتباينات الحادة في الرؤى بين المكنات العسكرية وبعضها البعض، والتي تتعلق في المقام الأول بقضية دوج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية.
على هذا الأساس، اقترحت المؤسسة العسكرية أسس ولوائح ومعايير يجب توافرها لدمج قوات الدعم السريع من ضمنها، تبني ضوابط التأهيل المعتمدة لدى الكلية الحربية السودانية، مثل التأهيل الأكاديمي واللياقة البدنية، فضلاً عن تسريح جميع المنتسبون الجدد في الدعم السريع الذين تم ترقيتهم بعد 11 ابريل 2019. كما طالب الجيش السوداني، بوقف التجنيد في قوات الدعم السريع، ووقف انتشار قواتها إلا من خلال الفرق والوحدات التابعة للجيش السوداني، إضافة إلى تسليم جميع الشركات والاستثمارات التابعة لقوات لدعم السريع لوزارة المالية والاقتصاد الوطني، وكذلك تسليم الجيش السوداني جميع المعدات والعتاد العسكري، ومنع التعاقدات الخارجية، وعدم ممارسة النشاط السياسي، والخروج من المشهد السياسي برمته، على أن تدرج توصيات تلك الفعلية في الاتفاق السياسي النهائي الذي صاغته اللجنة العسكرية والمدنية المشتركة. وقد تم وضع جدول زمني لعمليات الدمج ومراحلها المختلفة، تشمل هذه الفترة مراحل التخطيط والتوحيد هيئة القيادة والأركان.
كما تضمنت مقترحات المؤسسة العسكرية وضع تصور لخارطة طريق تساهم فى قضايا الإصلاح والترتيبات فى القطاعات ذات الصلة بالأمن والنظام. كما وضعت الورشة توصيات رئيسية في بناء إستراتيجية وطنية تعزز وتدعم التطور السياسي بالسودان. لكن في ظل التباين الحاد في الرؤى بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تم إنهاء أعمال الورشة دون التوصل الاتفاق الأمر الذي وضع مستقبل التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي في موضع الشك.
أن عملية تطوير والإصلاح الأمني والعسكري كان الهدف منها التوافق على الأسس والمبادئ والتصورات المتفق عليها بين المكونين العسكري والمدني لتحديث المؤسسات العسكرية والأمنية بما يعزز عملية الانتقال الديمقراطي، وقفا لحكم القانون والالتزام بمعايير والقوانين الدولية ذات الصلة برفع القدرات القتالية للأجهزة النظامية. فضلا عن عن عملية بناء الثقة بين المواطن والأجهزة النظامية يعزز من العلاقة بين المكونان العسكري والمدني فى تحقيق الاستقرار والسلام فى البلاد.
ولا يشكل الطرح الذي قدمته القوات المسلحة السودانية في الورشة الخاصة بالإصلاح العسكري والأمني أمراً مستجداً على النقاش الدائر في السودان منذ بداية المرحلة الانتقالية، حيث تتفق هذه الرؤية إلى حد بعيد مع ما تم إقراره في اتفاق جوبا للسلام الموقع فى أكتوبر 2020، الذي نص على دمج قوات الحركات والمسلحة والدعم السريع فى الجيش السوداني من أجل تشكيل جيش وطني واحد. كما نص الاتفاق الإطاري في صيغته الأخيرة التي تم الإعلان عنها في نهاية مارس 2023 على تكوين جيش وطني محترف واحد ملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة ويقوم بواجباته في إطار حماية حدود البلاد، وان يشمل جميع المكونات والأعراق والمناطق الجغرافية.
تحديات وإشكاليات
على الرغم من الأهمية الكبيرة لتوحيد المؤسسة العسكرية السودانية في اللحظة الراهنة كأحد الشروط الضرورية لإنجاح مسار الانتقال السياسي المتعثر، إلا أن ما تضمنته الورشة الخاصة بالإصلاح الأمني والعسكري من جدل طرح المزيد من التحديات والإشكاليات وذلك على النحو التالي:
1. استمرار الخلافات وتأجيل الإعلان عن الاتفاق النهائي: فى ختام الورشة هددت المؤسسة العسكرية بانسحاب وطالبت بتمديد أعمالها، فيما أصرت القوى المدنية والدعم السريع على ختامها. على الرغم من وجود بعض إشكاليات التى طالب الجيش بوجودها، كفريق اللجان الفنية التى سوف تعمل على إكمال التفاصيل المتعلقة بعمليات الدمج والتطوير وصولا لجيش وطني، باعتبار تلك الإجراءات والتفاصيل جزءا مهما من الاتفاق النهائي. ولكنه التزم بالعملية السياسية الجارية التى تقودها الآلية الثلاثية. ابريل 2023، هو الموعد لتوقيع الاتفاق النهائي، ثم يعقبه الدستور الانتقالى، على ان يكون منتصف الشهر نفسه تشكيل حكومة تصريف أعمال لمدة 24 شهرا.
2. إشكالية النطاق الزمني والإطار الذي تتم فيه عملية الإصلاح: يتطلب بند التطوير والتدريب لرفع الكفاءة لقيادات المؤسسة العسكرية وتأهيلهم إلى فترة زمنية طويلة، وقفا للآليات والخطط التي يضعها الخبراء العسكريين، وقفا لميزانية تخصص خصيصا لتلك العمليات ومراحل التنفيذ. باعتبار أن المؤسسة العسكرية السودانية راسخة وضاربة الجذور، إذ لابد من آليات تعتمد على تنفيذها على ثلاثة مراحل قريبة المدى، متوسطة المدى، وطويلة المدى. مما يجعل المؤسسة العسكرية السودانية تواكب التقنيات العلوم العسكرية الحديثة، مما يرفع قدرتها على التطوري والتسليح والتدريب على مختلف وسائل القتال. من خلال خبراء وطنيين من المؤسسة العسكرية، بعيدا عن التدخل الخارجي التي تحاول الآلية الثلاثية فرضه وجعله امرا واقعا، وأن عملية الإصلاح يجب أن تكون مصحوبة بتشريعات وأن تكون جزءا من إصلاحات شاملة لجميع مؤسسات الدولة.
3. إشكالية التسريح: أن عملية التسريح واحدة من أصعب التحديات التى تواجه الفترة الانتقالية، عمليا وفنيا عملية معقدة، وسلبياتها اكبر من إيجابياتها، لذلك يجب التعامل معها بالكثير من الدقة والحذر لأنها عملية طويلة ومعقدة لن يكون من السهل التعامل معها بمجرد تسريحهم وإعطاء حقوقهم ولكي لا تتحول إلى أزمة أمنية جديدة. فقد تغذي العناصر المسرحة إثارة العنف المتصاعد في مناطق مختلفة من السودان، حيث سيشكلون تهديدا للأمن القومي السودان.
4. تحديات الدمج: تمثل عملية الدمج تحديات كبيرة، للوساطة المكونة من الآلية الثلاثية، ربما تحتاج إلى شراكة ورعاية من المجتمع الإقليمي والدولي، لتمكين السودان من الاستفادة من الخبرات الإقليمية الدولية. ولكن فى ظل تمسك قوات الدعم السريع بالعديد من الشروط، ربما يقود مسار الدمج حال التعجل في تنفيذه بالمزيد من الانقسامات بين الأطراف القوى السياسية التي تضع مصالحها فى الوطن.
ختاما، وعلى الرغم من تحسن الوضع السياسي في السودان، إلا أن هناك حاجة إلى دعم أكبر لمساعدة البلاد في مواجهة تحدياتها الداخلية، على رأسها الدور والعامل الخارجي لقوات الدعم السريع وايضا علاقتها الوطيدة بقوات فاغنر الروسية. بالإضافة إلى توظيفها السياسي فى الأزمة. ان عملية الدمج لكل من الحركات المسلحة والدعم السريع فى الجيش السوداني ستظل واحدة من أكبر العقبات التى ربما تعيق مسار تكملة مرحلة الانتقال، مما يفتح البال أمام العديد من السيناريوهات فى المستقبل القريب.
.
رابط المصدر: