رياض هاني بهار
مضى أسبوع على اغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي ولم يكشف عن الفاعلين، فملف الاغتيالات والتصفيات السياسية بالعراق ثقيل والخوض فيه أثقل ليس على العراقيين الشرفاء فحسب، بل على كل من تورط في هذه الجرائم التي سجلها التاريخ المعاصر، كوصمة عار في أعناقهم ورقاب كل المتواطئين فيها.
قتلت آلة الاغتيال السياسي فنانين، إعلاميين، وناشطين مدنيين، متظاهرين سلميين، وأطباء، قضايا لا تزال مثيرة للجدل ولم يتم الكشف عن ظروفها الحقيقية، اما بالنسبة للقضايا التي كشف عنها واخترع لها مئات من الحجج الواهية، أو بالنسبة لقضايا أخرى عالقة لم تشفي المزاعم التي نشرت حولها لحد الآن غليل اهل الضحايا والضمير الجماعي العراقيين، وبقى منحنى الاغتيالات في تصاعد مستمر وفي ظل الحكومات المتعاقبة بعد 2003.
نتحدث بلغة الارقام وهي لغة الحقائق بعيدا عن الظنون والنوايا المسبقة والتحليلات التي تلامس هوى النفوس، تتخذ هذه الارقام سمة الإحاطة الكاملة بالحجم الحقيقي لجرائم الاغتيال بالبلاد، تشير الإحصاءات إلى أنَّ مجموع حوادث الاغتيال في العراق مابين عام 2006 ولغاية 2013 بلغت (19470) حادثة اما الشروع بالاغتيال فبلغ (3575) حادثاً وفقا للاتي:
في عام 2006 سجلت (8480) حادث اغتيال
وعام 2007 سجلت (5930) حادث إغتيال و(1302) شروع بالاغتيال
اما عام 2008 فقد سجلت (2320) حادث و(780) شروع بالاغتيال
وفي عام 2009 سجلت (1200) حادث و(530) شروع
أما عام 2010 فقد سجلت (750) حادث و (390) شروع
وفي عام 2011 سجل (500) حادث إغتيال و(180) شروع بإغتيال
وفي عام 2012 سجل (750) حادث إغتيال و(203) شروع بإغتيال،
وفي عام 2013 سجلت (780) حادث إغتيال و(195) شروع بإغتيال،
فعلى سبيل المثال فقد تم إغتيال (220) صحفي واعلامي عراقي لم يتم الكشف عن الفاعلين لحد الان، كما تم إغتيال أكثر من (67) قاضي وأيضاً لم تكتشف هذه الجرائم وبقيت مسجلة ضد مجهول!!.
مجلة المشاهد السياسي البريطانية ذكرت في عددها (23/3/2013) أن عدد العلماء والأكاديميين والأطباء العراقيين الذين تم اغتيالهم بلغت 5500 عالم عراقي.
احصاءات المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق (25 ديسمبر/كانون الأول 2019) مقتل واغتيال 489 متظاهرا في انتقاضة تشرين.
من المؤلم ان نشير هنا باننا في اطار بحثنا في الارقام آنفة الذكر والوقائع والأحداث والحالات الجنائية، اكتشفنا انه لايوجد على أرض الواقع ما يشير الى رصدها من قبل مراكز الدراسات الحكومية العراقية او مركز البحوث الاكاديمية من اجل دراستها، للتعرف من خلالها على التغيّرات الواضحة التي تنبأ عن درجة التوتر الاجتماعي، وتكشف عن القضايا المختلف عليها والتي تشكل موضوعاً للصراع، ومعالجتها تقتضي المتابعة وعدم الإكتفاء بتسجيلها، فنتائج الإحصاء عبارة عن مُكبر يُبرز الظاهرة ويعلن عنها، لأن الإحصاءات الجنائية تشكل جُزءاً من التقارير التي تعدها الشرطة، ويتضح ان ذاكرتنا الجنائية الوطنية مثقوبة واصابها العطب.
ان الاغتيال مهما كانت الأطراف القائمة والجهات الداعمة له ومهما كانت الضحايا التي خلفها هو أكثر السلوكيات الخسيسة التي يشمئز منها الضمير البشري وتنفر منه فطرة الانسان السليمة، لأنه فعل دنيء وغدر بالحياة الآدمية وتدنيس للبراءة الأصلية وانتهاك لما جبلت عليه الطبيعة البشرية من حب ورأفة وتعبير عن موقف جبان وإخفاء ضعف وتستر على الفشل وهروب الى الأمام وتحميل الغير مسؤولية العجز وتقديم كبش فداء من أجل تحقيق خلاص جزئي وبحث لامشروع عن انتفاع فئوي.
الاغتيال يعني محاولة لإسكات الخصم أو المناوىء أو حتى الصديق إذا كان منافساً أو مختلفاً أو مغايراً، وذلك بتغييبه واستئصاله، فإن الرأي والفكرة والموقف لا يمكن تغييبهما أو استئصالهما أو إسكاتهما حتى عند تصفية مفكّر أو اغتيال مثقف أو صاحب رأي، سواء كان ناشطاً مدنياً أو سياسياً أو رجل دين متنوّر أو صاحب مشروع فكري واجتماعي وغير ذلك، ويمكن مقارعة الحجة بالحجة، ومواجهة الرأي بالرأي، والفكرة بالفكرة، وليست الرصاصة مقابل الكلمة، وكاتم الصوت مقابل الرأي، والمفخخة مقابل الفكرة، فذلك دليل عجز وضعف وضيق أفق، ولن يحل الاغتيال السياسي محلّ ارتفاع الصوت والقناعة بالرأي، وقوة الفكرة.
الخلاصة
اتخذت الحكومات السابقة والحالية تشكيل لجان تحقيقية مبعثرة في حوادث الاغتيالات وهي غير مجدية ولم تقدم نتائج من شانها القبض على الجناة، ونأخذ مثلا في حادث اغتيال الهاشمي شكلت عدة لجان تحقيقية (لجنة قضائية بمجلس القضاء الأعلى، لجنة تحقيقية بوزارة الداخلية، لجنة بجهاز مكافحة الإرهاب، لجنة تقصي بجهاز الامن الوطني، وأخيرا لجنة لدى مكتب رئيس الوزراء) هذا التخبط والتعدد بالجهات يؤدي الى ضياع معالم الجريمة.
وجهة نظري بدل من هذه الفوضى باللجان الاجدر بان يتم التنسيق بين مجلس القضاء والسلطة التنفيذية ويصدر امر ديواني بتشكل لجنة تحقيقة (برئاسة قاضي من الصنف الأول ومختص بالتحقيق، وممثلين من، الداخلية، وجهاز المخابرات الوطني، وجهاز الامن الوطني، وجهاز مكافحة الإرهاب، او أي جهة أخرى يرتايها مجلس الوزراء) للتحقيق بهذه الجريمة وجرائم الاغتيال الأخرى وتوحيد الجهد الوطني بدلا من هذا التشتت.
أن الاغتيال السياسي مهما كانت الأطراف القائمة والجهات الداعمة له ومهما كانت الضحايا التي خلفها هو أكثر السلوكيات الخسيسة التي يشمئز منها الضمير البشري وتنفر منه فطرة الانسان السليمة، لأنه فعل دنيء وغدر بالحياة الآدمية وتدنيس للبراءة الأصلية وانتهاك لما جبلت عليه الطبيعة البشرية من حب ورأفة وتعبير عن موقف جبان وإخفاء ضعف وتستر على الفشل وهروب الى الأمام وتحميل الغير مسؤولية العجز وتقديم كبش فداء من أجل تحقيق خلاص جزئي وبحث لامشروع عن انتفاع فئوي.
لقد ارتبط الارهاب باللاّتسامح والفظاعة وكشف سفك الدماء عن الاستحواذ على الوجود واحتكار الحياة وبشاعة الأنانية ونوايا حجب الحقيقة وتفعيل غريزة القضاء على منابع الفضيلة والحب وتغذية الكراهية والتصادم بين الأفراد والمجموعات.كما أن الارهابي يرفض المواجهة ويفر أمام الصراع ويلجىء الى زرع بذور عدم الاستقرار في النسيج الاجتماعي والسياسي ويخلط في خطابه بين الحقيقة والكذب ويدعو الى الحقد والكراهية والفوضى ويحول الضحية الى جلاد والمعتدى عليه الى معتدى ويمارس نوع من الحرب الثقافية والتصعيد العسكري الأبوكاليبسي قصد خلخلة ركائز التمدن الحضاري ودعائم الحياة الجيدة ويعبر عن نوع من التعصب الايديولوجي الأعمى.
رابط المصدر: