أحمد دياب
منذ حجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء السابق ورئيس حركة إنصاف الباكستانية (PTI)، عمران خان، في أبريل 2022، تحوَّلت الاضطرابات السياسية المزمنة في باكستان إلى أزمة شاملة، لاسيما عقب اعتقاله في 9 مايو 2023. ومع أن خان هو سابع رئيس وزراء سابق يُعتقل في تاريخ باكستان الحديث، لكن لم يسبق أن حظي أي سياسي يتحدى الأجهزة العسكرية والاستخباراتية القوية في البلاد، بمثل هذا الدعم الشعبي.
أسباب تفاقُم الأزمة السياسية في باكستان
تتمثل أهم الأسباب والعوامل التي فاقمت من الأزمة السياسية الراهنة في باكستان، في الآتي:
1. تصاعُد خطاب عمران خان المناوئ للحكومة والجيش
صعَّد عمران خان انتقاداته لجيش بلاده، منذ إطاحته من رئاسة الحكومة في تصويت بحجب الثقة في 8 أبريل الماضي، وكان خان قد بدأ تصعيده ضد المؤسسة العسكرية عقب تعرُّضه لمحاولة اغتيال في نوفمبر 2022، إذ قال وقتذاك “إن الجيش الذي حرم مجيب الرحمن عام 1971 من الحكم بعد أن فاز بالأغلبية العظمى هو نفسه من يحرمني ويعرقل نشاطي في الحكم أو المشاركة في الانتخابات المقبلة”. وعقب اعتقاله في 9 مايو 2023، اتهم خان قائد الجيش بإيواء “ضغينة شخصية” ضده، وبإصدار الأمر باعتقاله. وزعم خان أن اعتقاله، و7 من كبار أعضاء حزبه (حركة الإنصاف)، يدل على السيطرة المفرطة للجيش في بلاده. وذهب خان إلى أن القضايا المرفوعة ضده جزء من حملة تقوم بها الحكومة والجيش، لمنعه من العودة إلى السلطة.
وكجزءٍ من حملته التصعيدية المضادة هذه، وظَّف خان الخطاب الديني والروايات المعادية للغرب لجذب الشباب الباكستانيين واستمالتهم، مستخدماً في ذلك مجموعة متنوعة من الروايات لخوض معركته، مثل وصف منافسيه السياسيين بـ”الأشرار”، واستخدم الدين في خطاباته لإضفاء “لمسة إسلامية” على حركته، وإخبار الباكستانيين أن الأحزاب السياسية الأخرى تريدهم أن يصبحوا “عبيداً للغرب” من أجل كسب دعمهم له.
علاوة على ذلك، فإن خطاب خان المناوئ للجيش الباكستاني واستخدامه الماهر لوسائل التواصل الاجتماعي، منذ الإطاحة به من منصبه، لم يقضِ على أسطورة عصمة الجيش فحسب، بل شجَّع على التقليل من شأن الجيش وصورته في الشارع، كما أن استهداف أنصاره للمنشآت العسكرية ومنازل كبار ضباط الجيش يشير بوضوح إلى قدرته على تغيير التصورات العامة القديمة والقوالب النمطية عن القوات المسلحة في البلاد. فعقب ساعات من اعتقال خان في 9 مايو 2023، من جانب قوات “رينجرز Rangers”، وهي قوة شبه عسكرية يقودها ضباط بالجيش الباكستاني، عمد أنصار خان وحزبه خلال مثوله أمام المحكمة بين يومي 9 و12 مايو 2023، إلى تخريب منازل كبار ضباط الجيش في عدة مدن باكستانية، وأشعلوا النيران في منشآت حكومية ومقرات عسكرية رئيسة، وأغلقوا الطرق، وألحقوا أضراراً بمحطات المترو. وألقى العديد من أنصار خان الحجارة وزجاجات المولوتوف، وفي حالات قليلة، استخدموا البنادق الهجومية لمهاجمة الشرطة، وأشعلوا النار في سيارات الإسعاف ومركبات الشرطة والمدارس.
وفي الأثناء، اندلعت احتجاجات ضد الجيش الباكستاني في إسلام آباد، وانتشرت بسرعة إلى أجزاء أخرى من البلاد، بما في ذلك المدن الرئيسة مثل روالبندي ولاهور وكراتشي وجوجرانوالا وفيصل أباد ومولتان وبيشاور وماردان. وأحرق المتظاهرون منزل قائد فيلق الجيش الباكستاني في لاهور، واقتحموا المقر العام للجيش في روالبندي. وحاول المتظاهرون إتلاف مبنى المخابرات الداخلية (ISI) أثناء قيامهم بأشكال أخرى من التخريب المتعمد في جميع أنحاء المنطقة.
2. رغبة عمران خان وحزبه في إجراء انتخابات عامة مبكرة
عقب تصويت حجب الثقة عنه في البرلمان، ادعى خان أن الإطاحة به من منصبه كانت غير قانونية ومؤامرة غربية، وشن حملة ضد حكومة خليفته، رئيس الوزراء الحالي شهباز شريف، للمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة. وعلى مدى أشهر، استخدم خان لخدمة هذا الهدف العديد من الاستراتيجيات، بما في ذلك المظاهرات الجماهيرية والمسيرات الطويلة. وكان حلُّ مجلسيّ البنجاب وخيبر باختونخوا في 14 و18 يناير 2023 على التوالي محاولة من خان، الذي حكم حزبه كلا المقاطعتين، لإجبار الحكومة على إجراء انتخابات وطنية مبكرة. ويتمتع حزب “حركة الإنصاف الباكستانية” بدعم ساحق في ثلاث مقاطعات باكستانية، هي البنجاب، وخيبر باختونخوا، وجيلجيت بالتستان.
وعلى الرغم من أن الحكومة الفيدرالية مُلزَمة قانوناً بإجراء انتخابات في غضون 90 يوماً من الحل، فقد انقضى هذا الموعد النهائي منذ ذلك الحين. إذ يريد رئيس الوزراء شهباز شريف إجراء انتخابات عامة في أكتوبر 2023، بعد أن يُنهي البرلمان فترة ولايته. وسرعان ما تحولت الأزمة السياسية إلى أزمة دستورية عندما أمرت المحكمة العليا بإجراء الانتخابات في البنجاب في 14 مايو 2023 كما طالب خان، وهو أمر رفضته الحكومة المركزية والبرلمان.
3. إخفاق حكومة شريف في تحسين أوضاع البلاد
تُعاني باكستان من أزمة اقتصادية منهكة، وأزمة أمنية آخذة في التنامي. فمن ناحية، تعد الأزمة الاقتصادية الحالية واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخ باكستان، بسبب الديون الخارجية الكبيرة على مدى السنوات الخمس الماضية. وتُعاني البلاد من عجز تجاري قدره 20 مليار دولار، وتدنٍّ في احتياطيات النقد الأجنبي إلى 4.4 مليار دولار (تكفي واردات باكستان لمدة 3 أسابيع فقط) انخفاضاً من نحو 17 مليار دولار عام 2022. ويُعاني ما يقرب من 70 مليون باكستاني من الجوع، وفقاً لدراسة أجراها مركز ويلسون، وهو مركز أبحاث أمريكي رائد في مارس 2023.
وساهمت الفيضانات الأخيرة التي غمرت البلاد في تفاقُم أزمتها الاقتصادية، وأثَّر الدمار، الذي قدَّره البنك الدولي بحوالي 15 مليار دولار، في ما يقرب من 33 مليون شخص، وعصف بـ 60% من المحاصيل الزراعية القائمة. وتشير البيانات إلى أنه منذ بداية عام 2023، انخفضت قيمة الروبية الباكستانية بنسبة 22% مقابل الدولار الأمريكي، مع ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 30%، وهو أعلى مستوى للتضخم في البلاد خلال الأعوام الخمسين الأخيرة. واحتلت باكستان في مؤشر التنمية البشرية المرتبة 161 من بين 185 دولة في عام 2022. وفي ديسمبر 2022، بلغت ديون باكستان الخارجية 126.3 مليار دولار، 30% منها مُستحقَّة للصين. وبين فبراير 2023 ويونيو 2026، سيتعين على باكستان سداد حوالي 80 مليار دولار من الديون الخارجية.
ومع عدم وجود مؤشر على أن صندوق النقد الدولي سيوافق قريباً على استئناف برنامج إقراض لباكستان بقيمة 6.5 مليار دولار، ترتفع احتمالات خطر تخلُّف إسلام أباد عن سداد ديونها. ومن المقرر أن ينتهي برنامج التمويل المتعثر من صندوق النقد الدولي في يونيو 2023. وبتقييم خان نفسه، فإن “[باكستان] الآن في وضع أسوأ مما كانت عليه سريلانكا”.
من ناحية أخرى، لا تزال باكستان بؤرة للتطرف الديني والقومي، حيث تمضي العديد من المنظمات المسلحة والانفصالية والمتطرفة في مساعيها لتشكيل دولها الصغيرة، بحكم الأمر الواقع، في الجيوب الخارجة عن القانون في الأراضي الباكستانية. وتأتي هذه الموجة الجديدة من النشاط الإرهابي الجريء في أعقاب انهيار المحادثات بين المؤسسة السياسية والأمنية الباكستانية وحركة طالبان الباكستانية في نوفمبر 2022. ووجدت الحركة شريكاً ممثلاً في تمرد البلوش الانفصالي في مقاطعة بلوشستان، مما رفع عدد الجماعات التي اندمجت تحت مظلتها المتزايدة باستمرار إلى 22 مجموعة. وفي عام 2022، كانت الجماعة والجماعات التابعة لها مسؤولة عن 150 هجوماً على الأقل في باكستان، معظمها في شمال غرب البلاد. وقالت القوات المسلحة الباكستانية إن هناك 436 هجوماً إرهابياً جرى شنّه في مختلف أرجاء البلاد، حتى أوائل شهر مايو 2023.
مسارات الأزمة والخيارات المحتملة
المسار/الخيار الأول: “تحييد” عمران خان وقمع مناصريه
لم يعد هناك أحد في النظام الباكستاني على استعداد للثقة في خان بعد الآن. بدلاً من ذلك، يرونه تهديداً خطيراً لاستقرار البلاد، يتطلب تحييده. ولهذا، تسعى المؤسسة العسكرية الباكستانية والتحالف الحكومي الحالي إلى إبعاد خان عن السياسة. ولتحقيق ذلك، من المحتمل أن يعمد الجيش إلى فرض سيطرته على البلاد، و/أو إجبار خان على الخروج للمنفى.
وفي الواقع، أطلقت السلطات الباكستانية حملة قمع ضد أنصار حركة “إنصاف”. واعتُقِلَ كبار قادة الحركة، بمن فيهم شاه محمود قريشي وفواد تشودري وأسد عمر وعمر شيما، في غضون 24 ساعة من بداية الاحتجاج، ونُقلوا إلى سجن أديالا، حيث وضعوا قيد الاحتجاز لمدة 15 يوماً. وفي 15 مايو الجاري، أصدر الجيش بياناً تعهَّد فيه باستخدام قانون الجيش الباكستاني لملاحقة المتظاهرين الذين هاجموا المنشآت العسكرية بعد اعتقال خان، مُحذراً من “عدم ممارسة ضبط النفس بعد الآن”.
وبعد أن قررت الدولة الباكستانية إعلان 9 مايو (2023) “يوماً أسود” للاحتجاج على الاحتجاجات العنيفة لأنصار “حركة الإنصاف”، ونهب منشآت الجيش، فإن ثمة شكوك في إمكانية عودة خان إلى السلطة في المستقبل المنظور.
المسار/الخيار الثاني: إجراء انتخابات برلمانية في أكتوبر 2023
إن أسهل طريقة للخروج من الأزمة القائمة في باكستان هي الموافقة على إجراء انتخابات عامة. وفي الواقع لا يوجد أي بديل معقول لعدم إجراء انتخابات حرة ونزيهة في باكستان هذا العام. وإذا لم يُسمَح لخان بالمشاركة في استحقاقٍ كهذا، فإن الانتخابات ستفتقر إلى الشرعية في نظر العديد من الباكستانيين؛ فالنتائج لن تُقبَل، والأزمة ستستمر. علاوة على ذلك، ستكون أي حكومة تنبثق من هذه العملية ضعيفة وعُرضة باستمرار لتأثير الجيش ونفوذه مثل الحكومة الائتلافية الحالية؛ وفي ظل ذلك من الممكن أن يقوم الجيش بتنحيتها جانباً في أي لحظة، مما يؤدي إلى اندلاع أزمة جديدة في البلاد.
وفي جميع الاحتمالات، إذا قرر عمران الانتظار حتى أكتوبر 2023 دون إثارة استعداء المؤسسة العسكرية، فمن المحتمل أن يجني حصاداً انتخابياً جيداً. ففي فبراير 2023، بلغت نسبة التأييد له 61%، وفقاً لمسح أجرته مؤسسة غالوب باكستان، وجاء شهباز شريف متأخراً كثيراً عنه، وبنسبة 32% فقط. ومع أن إجراء انتخابات سلمية وحرة ونزيهة لن تحل مشكلات باكستان العديدة، لكنها يمكن أن تُحقِّق قدراً من الاستقرار الذي تشتد الحاجة إليه، وتؤدي إلى قطيعة حاسمة مع الماضي.
المسار/الخيار الثالث: إعلان الجيش الأحكام العرفية في البلاد
يتميز تاريخ باكستان الحديث بعدة حالات من الانقلابات العسكرية التي أدت إلى تآكل المؤسسات الديمقراطية أو تعليق عملها بالكامل. تشمل الأمثلة البارزة للانقلابات العسكرية في تاريخ باكستان إعلان الأحكام العرفية من قبل الجنرال أيوب خان في عام 1958، وفترة ولاية الجنرال ضياء الحق من 1977 إلى 1988، والحكم العسكري للجنرال برويز مشرف من 1999 إلى 2008. وساهمت عدة عوامل في حدوث انقلابات عسكرية في باكستان، لعل أبرزها: عدم الاستقرار السياسي، والحكم غير المناسب، والفساد، والتوترات العرقية والطائفية، والأزمات الاقتصادية.
وفي ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية غير مواتية، قد تُقرِّر قيادة الجيش الباكستاني تقليص خسائرها، والحفاظ على المكانة المتميزة التي تتمتع بها منذ عام 1958، عبر الانسحاب إلى المعسكرات والسماح للسياسيين بالقتال في الشوارع، لاسيما أن تحالف الحكومة الحالية برئاسة الرابطة الإسلامية الباكستانية بقيادة الثنائي نواز وشهباز، لا يمكن التعويل عليه للفوز في الانتخابات العامة المقبلة، لكن هذا الأمر سيؤدي إلى فوضى، وربما إلى حرب أهلية قد تكون نتائجها كارثية على البلاد والجيش نفسه.
وبدلاً من ذلك، يمكن أن تمارس المؤسسة العسكرية خيارها المجرب والمُختبَر، وهو فَرْض الأحكام العرفية. ومثل هذه الخطوة ستحظى بتأييد أكيد من حكومة شهباز شريف، الذي يكره بشكل عميق عمران وحزبه “حركة الإنصاف الباكستانية”، والأهم من ذلك، تأييد البيروقراطية العليا، التي فضلت دائماً الحكم العسكري على عدم اليقين في السياسة الانتخابية والحكومات المدنية.
المسار/الخيار الأكثر احتمالاً
في ظل الأزمة المُركَّبة القائمة، تجد المؤسسة العسكرية الباكستانية نفسها في وضع صعب للغاية. إذ لا يمكنها إجراء محاكمة صورية ودفع عمران إلى السجن، ناهيك من شنقه تحت أي دعاوى كما فعل الجنرال ضياء الحق مع ذو الفقار علي بوتو، أو إجباره على اللجوء إلى المنفى المريح في بريطانيا، ظاهرياً لأسباب صحية كما فعل باجوا مع نواز شريف. ومع أن الانقلاب العسكري أمر غير محتمل، لكنه ليس مستحيلاً. والاختيار بين الجيش وخان ليس خياراً جذاباً. لكن هناك مخاوف من أنه إذا فاز خان في الانتخابات المقبلة، فقد يستفيد من شعبيته لبناء استبداد مدني من حوله؛ فهو لا يحب اللعب وفقاً للقواعد. ومع هذا، فإن القضاء عليه وحزبه من خلال القمع المطلق لا يبدو أنَّه الحل.
وفي هذا السياق، فإن الخيار المحتمل، وربما المفضل للمؤسسة العسكرية، سيكون “تحييد” عمران خان سياسياً، عبر “حظر” حزبه، أو التركيز على محاولة “إضعاف” و”تقسيم” “حركة الإنصاف”، وهي ليست المرة الأولى التي تتبني فيها المؤسسة العسكرية مثل هذه الاستراتيجية. ففي عام 2000، مثلاً، عملت المؤسسة الأمنية الحزب المهيمن في ذلك الوقت، على تقسيم الرابطة الإسلامية الباكستانية-نواز. وفي الفترة التي سبقت انتخابات عام 2002، دبَّر الرئيس السابق الجنرال برويز مشرف انقساماً في الحزب، إذ انشقت عنه مجموعة من القادة لتشكيل الرابطة الإسلامية الباكستانية الرباعية (PML-Q).
وقد ظهرت مؤشرات تدعم هذا الاحتمال، إذ استقال العديد من الأعضاء البارزين في “حركة الإنصاف” مؤخراً، بسبب أعمال العنف الأخيرة التي ارتكبها أنصار الحزب ضد المنشآت والمؤسسات المدنية والعسكرية، بمن فيهم وزير الإعلام السابق فؤاد تشودري، ووزيرة حقوق الإنسان شيرين مزاري، وأمين عام الحزب أسد عمر. وأعلن فاياز تشوهان، الذي كان وزيراً إقليمياً في حكومة “حركة الانصاف” في البنجاب، في خطاب استقالته في 24 مايو 2023، أنه سيواصل النضال من خلال “برنامج جديد”.
وفي الوقت نفسه، من المحتمل أن يعمل الجيش على التمهيد لإجراء الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2023، إذ إنها قد تشكل حاجزاً في مواجهة الاستياء الشعبي المتزايد، وتُعيد توجيه العداء بعيداً عن المؤسسة العسكرية الباكستانية، وتحديداً باتجاه السياسيين المدنيين. ويُمكن أن يَنتج عن الانتخابات حكومة جديدة تتمتع بالشرعية لاتخاذ قرارات السياسة الاقتصادية الضرورية، والتي قد تكون مؤلمة على المدى القريب. ومن المحتمل أيضاً أن تخلق الانتخابات المساحة السياسية اللازمة للتفاوض على ميثاق جديد بين السياسيين والجنرالات يُعيد الثقة في المؤسسات الباكستانية، وهي ثقةٌ يرغب في إرسائها أهم حلفاء باكستان الإقليميين والدوليين.
وربما يُسهِّل هذا الخيار أمران:
الأول، أن خان لا يطرح رؤية أو استراتيجية جيدة لكيفية معالجة مشكلات باكستان المستعصية، وتجربته في السلطة لا تترك له أي ادعاء في هذا الشأن، وعلى ما يبدو فإن خطابه المتشدد ومظلوميته المدَّعاة، ومزايداته السياسية ضد خصومه تتغذى، إلى حدٍّ كبير، على تفاقم أزمات باكستان الاقتصادية والأمنية.
والثاني، أن خان وإن كان يتمتع بشعبية كبيرة في الداخل، إلا أنه لم يكن قادراً على الحصول على قبول المجتمع الدولي. فمن خلال خطابه المناهض للولايات المتحدة وموقفه الحازم أثناء التعامل مع بيجين بشأن القضايا ذات الصلة بالممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، سيكون كلا البلدين، على الأرجح، أكثر راحة إذا خرج خان من المشهد. وقد التزمت الإدارة الأمريكية الصمت إزاء اتهامات خان لها بأنها من يقف خلف إطاحته من السلطة، إذ لا يبدو أنها مستعدة للتضحية بعلاقاتها مع المؤسسة العسكرية الباكستانية من أجل زعيم سياسي مسؤول عن تصاعُد مشاعر العداء تجاه واشنطن، وتنامي عدم الاستقرار في باكستان.
ومما يُضعِف قضية خان وموقفه، تصريح وزير الخارجية الصيني الجديد، تشين جانج، خلال أول زيارة له إلى باكستان يومي 6 و7 مايو 2023، بأن الاستقرار شرط أساسي للتنمية. وتأكيده أن الصين، بصفتها جارة وصديقاً وشريكاً لباكستان، نصحت القوى السياسية الباكستانية ببناء توافق في الآراء، والحفاظ على الاستقرار، والتركيز على تحسين الاقتصاد وسُبُل عيش الناس.
.
رابط المصدر: